فن التشبيه عند شعراء النبي صلى الله عليه وسلم (دراسة بلاغية تحليلية)

ملخص الرسالة

فن التشبيه عند شعراء النبي صلى الله عليه وسلم

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد أرسل الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله تعالى عليه وسلم بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى والصراط المستقيم، وقد تزامنت بداية الدعوة الإسلامية مع بلوغ العرب شأوًا كبيرًا في البلاغة والفصاحة، وتربُّعهم على عرش البيان: شعرِه ونثرِه، وقد احتل الشعر ذروةَ سنام ملكاتهم؛ فأبدع فيه شعراؤهم، وجوَّدتْه قرائحهم، وصار هو الفن المقدَّم لديهم على ما سواه من فنون القول، وضروب التعبير، وما إن أخذتِ الدعوة الإسلامية طريقها، وبدأ الجهاد في سبيل الله، حتى دخل الشعر معركة الدعوة والكفاح، حيث قام شعراء المشركين بهجاء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، والصد عن سبيل الله تعالى.

وانتدب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شعراءَ المسلمين للرد على المشركين والدفاع عنه، وعن الدعوة والمسلمين، وكان على رأس هؤلاء الشعراء حسَّانُ بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبدالله بن رَواحة رضي الله تعالى عنهم، حتى عُرفوا من بين شعراء المسلمين بشعراء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد وردت في هذا الموضوع عدة أحاديث تدل على ذبِّهم ودفاعهم عن الدعوة، منها قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لحسان رضي الله تعالى عنه في حديث أبي هريرة: ((أجِبْ عني، اللهم أيِّده بروح القدس))[1]، ومنها ما رواه عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ((إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نَضْحُ النَّبْلِ))[2].

ومِن تأملي في أشعار هؤلاء الشعراء الثلاثة في جاهليتهم وإسلامهم، وجدت أنهم يستعينون في تصوير المشاهد، والتعبير عن المواقف بفن بلاغي أصيل، هو: فن التشبيه، والتشبيه فن بديع وأسلوب له أهميته في التعبير؛ ولذلك كثر وروده في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وفي بليغ كلام العرب، حتى قال عنه المبرد: "لو قال قائل: هو أكثر كلامهم، لم يبعدْ"[3].

"ولضرب العرب الأمثالَ، واستحضار العلماء المثل والنظائر: شأن ليس بالخفي في إبراز خَبِيئَاتِ المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتى يريك المتخيَّل في صورة المحقَّق، والمتوهَّم في معرض المتيقَّن، والغائب كأنه مشاهدٌ، وفيه تبكيت للخصم الألدِّ، وقمعٌ لسَوْرة الجامح الآبي، ولأمرٍ ما كَثُرت في كتاب الله المبين الأمثالُ، وفشَتْ في كلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكلام الأنبياء والحكماء، قال الله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]"[4].

ولأهمية التشبيه في إبراز المعاني وإيضاحها وتأكيدها، ووروده في أشعار هؤلاء الشعراء الثلاثة؛ عقدتُ العزم على دراسة الصورة التشبيهية في أشعارهم دراسةً بلاغية مفصلة، تتناول الناحية النظرية والتطبيقية، وتبرز خصائص هذه الصورة في شعر كل منهم.

سبب اختيار الموضوع:

وقد وقع اختياري على دراسة هذا الموضوع لعدة أسباب؛ من أهمها:

١- أن أغلبَ دواوين هؤلاء الشعراء الثلاثة شعرُ دعوةٍ إسلامي، قاله صحابة أجلاء، وأنشد كثير منه أمام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

٢- بيان مدى التفوق الأدبي لدى بعض شعراء صدر الإسلام، الأمر الذي يدحض شبهة القول بضعف الشعر إبان هذه المرحلة.

٣- وجود كثير من التشبيهات الجميلة والبديعة، وخصوصًا في شعر حسان وكعب رضي الله تعالى عنهما، وهي تفيدنا في تنوع الشواهد البلاغية، وتزويد الدراسة البلاغية بكثير منها.

٤- الإسهام في مجال دراسة البلاغة التطبيقية التي تحتاج إلى مزيد من البحوث والدراسات، ونحن في أمس الحاجة إليها؛ للوقوف على بلاغة الأساليب، وتنمية ملكات القول، والتذوق الأدبي لدى المبدعين والدارسين.

وقد اتبعت في هذا البحث خطوات تجمع بين المنهج النظري والمنهج التحليلي، وبيان ذلك أنني:

أ- قرأت الباب في أغلب الكتب البلاغية القديمة والحديثة، واختصرت مباحثه البلاغية في التمهيد.

ب- تتبعت دواوين هؤلاء الشعراء الثلاثة، واستخرجت منها التشبيهات التي وردت في أشعارهم، سواء التي قالوها في الجاهلية أو في الإسلام، باستثناء التشبيهات المكررة؛ حيث كنت أقتصر منها على مثالين أو ثلاثة لكل منهم، إلا إذا كان في الصورة نوع إضافة، فأعتبرها جدة لا تَكرارًا، وكذلك استثنيت من الذكر بعض الأبيات التي فيها إقذاع شديد.

ج- صنفت هذه التشبيهات التي استخرجتها حسب التقسيمات البلاغية للتشبيه، باعتبار طرفيه، ووجهه، وأداته، وغرضه، والحكم عليه، ولا أذكر في المطلب إلا شاعرًا له أمثلة فيه.

د- درست التشبيهات دراسة تحليلية تشمل الجانب المعنوي والبلاغي، مهتمًّا ببيان قيمة التشبيه الفنية، وأثره في أداء المعنى، متحدِّثًا عن بعض اللطائف البلاغية الأخرى التي قد توجد في الصورة التشبيهية، وتُؤثِّر في قوتها وحسنها، وتتكون دراستي لبيت الصورة من بيان معاني مفرداته الغامضة، وبيان بحره العروضي، وتراجم الأعلام الواردة فيه، والمواضع المذكورة فيه، وتعيين الشاهد التشبيهي فيه، وبيان مطابقته للمطلب الذي أوردته تحته، وعزوه إلى صفحته في النسخة المعتمدة، وبيان نسخته التي ورد فيها إن كان لم يرد في النسخة المعتمدة، وهذا خاص بحسان رضي الله تعالى عنه؛ لتعدد نسخ ديوانه، وقد اعتمدت نسخة الديوان بشرح البرقوقي، وإليها أشير بـ "الديوان".

هـ- قمت بالموازنة بين التشبيهات عند الشعراء الثلاثة، من حيث منازعُها ومصادرُها وقلتُها وكثرتُها، وتنوعُها، وقيمتها الفنية، والحكم عليها، والتزمت في بحثي بما يلي:

• عزو الآيات القرآنية إلى أرقامها في سورها وكتابتها بالرسم العثماني.

• تخريج الأحاديث النبوية من مصادرها.

• نسبة الأبيات الشعرية إلى قائليها.

• شرح الألفاظ الغريبة.

• ترجمت للأعلام الواردة أسماؤهم في البحث "في موضوع الدراسة" من غير المشهورين، وقد سرت في هذا البحث وفق الخطة التالية، والمكونة من: مقدمة، وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة، وفهارس، وذلك كالتالي:

المقدمة: وتشتمل على أهمية الموضوع، وسبب اختياره، والخطة التي سرت عليها في البحث ومنهجي فيه.

التمهيد: وفيه مبحثان:

المبحث الأول: نبذة عن حياة الشعراء الثلاثة وشعرهم.

المبحث الثاني: مفهوم التشبيه ومباحثه عند البلاغيين.

الفصل الأول: التشبيهات باعتبار الطرفين، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: التشبيهات باعتبار حسيَّة الطرفين وعقليتهما.

المبحث الثاني: التشبيهات باعتبار إفراد الطرفين وتركيبهما.

المبحث الثالث: التشبيهات باعتبار وحدة الطرفين وتعددهما.

الفصل الثاني: التشبيهات باعتبار وجه الشبه، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: وجه الشبه باعتبار وجوده في الطرفين.

المبحث الثاني: وجه الشبه باعتبار الإفراد والتركيب.

المبحث الثالث: وجه الشبه باعتبار الذكر والحذف.

المبحث الرابع: وجه الشبه باعتبار القرب والبعد.

الفصل الثالث: التشبيهات باعتبار الأداة، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: أدوات التشبيه المستخدمة عند كل منهم.

المبحث الثاني: التشبيه المرسل.

المبحث الثالث: التشبيه المؤكد.

الفصل الرابع: التشبيه باعتبار الغرض، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: بيان حال المشبه، ومقدار حاله.

المبحث الثاني: تقرير حال المشبه، وبيان إمكانه.

المبحث الثالث: تزيين المشبه، وتقبيحه، واستطرافه.

الفصل الخامس: موازنة بين التشبيهات عند الشعراء الثلاثة، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: منازع التشبيهات.

المبحث الثاني: قلة التشبيهات وكثرتها وتنوعها.

المبحث الثالث: القيمة الفنية للتشبيهات.

الخاتمة:

وقد ذكرت فيها أهم النتائج.

الفهارس: وتتكون من:

فهرس الآيات القرآنية.

فهرس الأحاديث النبوية.

فهرس الأشعار المُسْتشهَد بها.

فهرس الأعلام المترجم لهم.

فهرس الموضوعات: