• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

دفاع عن النحو والفصحى (14)

دفاع عن النحو والفصحى (14)
د. إبراهيم عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/5/2015 ميلادي - 17/7/1436 هجري

الزيارات: 4012

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دفاع عن النحو والفصحى (14)


.. ولا تتوقف عبقرية صاحبنا عند الإفتاء في النحو، بل يضيف إليه الإفتاء في سكِّ الكلمات الجديدة للمخترعات، ومصطلحات العلوم، ومستجدات الأفكار، والأوضاع والأنظمة والأطعمة والملابس، وما إلى ذلك، ورأيه أنه "يتوجب علينا ألا نضيع الوقت فيما يقابل المفردات والمصطلحات العلمية الإنجليزية في اللغة العربية، وأن نعيد النظر فيما يسمى بمجامع اللغة العربية ومهامها؛ فالعرب منذ بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا، أي على مرِّ قرن من الزمن، لم يقدِّموا مصطلحًا واحدًا في مجال العلوم والتكنولوجيا، في حين أنهم قدموا آلاف الكتب الدينية والأدبية التي لا تُسمِن ولا تغني من جوع، وإن طلابنا اليوم بحاجة ماسة إلى تقويم في لغة العلم السائدة اليوم، اللغة الإنجليزية، خاصة في المجالات العلمية؛ لأنهم عندما يريدون التحصيل العلمي العالي فإنهم يحصلون عليه من البلاد الغربية وبلغتهم العلمية، مع وجوب المحافظة على لغتنا العربية التي ربما تعُود إلى القيادة والريادة عندما يتطور أهلها فِكريًّا وعلميًّا، ويتخلصون من شوائب التراث وعُقَدِ الماضي التي تلازمهم، كما أن تسمية المخترعات هي من حق الأمم التي أوجدتها وأبدعتها، ولا يحق لغيرها أن يغيِّرها، فنحن نقول: "راديو" عما سمَّوْه عندنا "مذياع"، ونقول: "تلفزيون" أو "T.V." عما سموه "الرائي"، ونقول: "كمبيوتر" عوضًا عن "الحاسوب"، و"تليفون" عوضًا عن "الهاتف"، وغير ذلك من المسميات التي جاءت من الغرب والتي لم يفلح أهل مجامع اللغة العربية في تعريبها أصلاً"[1].

 

وإن نصيحة السيد أوزون في هذه السطور بوجوب المحافظة على اللغة العربية لَمِما يضحك الثكالى واليتامى معًا؛ إذ أين هي اللغة العربية وقد دعا جنابه إلى نبذِها واصطناع العامية بدلًا منها ثم مسخها بعد ذلك بالألفاظ المأخوذة من الإنجليزية؟ ولا أدري لم الإنجليزية بالذات، وعندنا اليابان والألمان والفرنسيون والروس وغيرهم من الأمم المتقدمة التي تخترع وتولد الأسماء الجديدة لما تخترعه؟ وهو يرى أن نترك كلمات "حاسوب" و"مذياع" وأمثالهما ولا نستخدم إلا "كمبيوتر" و"راديو"... إلخ؛ لأنها هي الكلمات الصحيحة، والأخرى خطأ، فتأمل! وإلى أن يتقدم العربُ العالَمَ ويصبحوا مخترعين ويُضْحِيَ من حقهم حينئذ، وحينئذ فقط، أن يستخدموا للأفكار والمخترعات الجديدة ألفاظًا من لغتهم تكون هذه اللغة قد استحالت إلى مثل مرقعة الدراويش! وكل هذا بفضل العبقرية الأوزونية التي تصطنع في عملياتها التفكيرية قدميها الضخمتين المفلطحتين بدلًا من عقلها، إن كان عندها عقل!

 

بارك الله فيك يا مولانا! ترى من أين جئتنا بفتواك العبقرية بتحريم سكِّ المصطلحات والتسميات الخاصة بالاختراعات ومستحدثات الأفكار على العرب بحجة أنهم لم يخترعوا مدلولاتها، فمن المحرم عليهم إذًا أن يخترعوا لها ألفاظًا من لغتهم؟ يا لك من فقيه! طيب، وماذا نفعل بالمسميات الجديدة التي ولدناها من لغتنا؟ أنرمي بها في صندوق القمامة ونستعيض عنها بمسميات إنجليزية مهدرين هكذا ما بذلناه من وقت وجهد في التعريب، ومتخلين دون أي داعٍ عن عزتنا القومية؟ ولكن لماذا هذا كله؟ وما الذي يؤذي نفسك في أن نستخدم كلمات من عندنا لمخترعات لم تصنع عندنا؟ أولا بد في رأيك أن نستورد الأمرين معًا: المخترعات وأسماء المخترعات؟ أرجو من القارئ الكريم أن يتصور أي مسخ مشوَّه ستكونه لغتنا لو أخذنا بهذه المقترحات الأوزونية الفذة[2].

 

إن صاحب هذه الدعوة لهو في أحسن الأحوال:

كالعِيسِ في البيداء يقتلها الظَّما
والماء فوق ظهورها محمولُ

 

إن لغتنا، والحمد لله، برغم تخلُّف أصحابها قد أثبتت عبقرية عجيبة (لا كعبقرية صاحبنا) في مجاراة العصر، مع احتفاظِها بقواعدها وأسسها في الاشتقاق والتركيب، وإن إنسانًا يَضيق بمثل هذه اللغة لهو إنسان قد حرَمه الله نعمة الذوق والعقل، ولا يستحقُّ شرف الانتماء إلى هذا الإبداع البياني!

 

لكن ليس هذا بغريب على مَن يقول بعدم أهمية الأدب والدراسات الدينية، إن مِثل هذا القائل لأقرب إلى الجمادات منه إلى البشر! وأنا حين أقول ذلك لا أفتئت عليه في شيء؛ فإن مما يميزنا عن الجماد أن لنا عواطفَ وعقيدة وأخلاقًا تتطلب التغذية والإشباع، وإن إنسانًا لا يجد للأدب والدِّين من معنًى لهو إنسان عارٍ عن هذا كله، بل لسوف أضرب مثالاً واحدًا يدل على أنه قد عدم العقل أيضًا؛ إذ من المخترعات الحديثة المرناء (المرناء رغم أنفه، وعلى شجي حلقه، ومَغْص بطنه، وصداع رأسه)، فما فائدة هذا المرناء يا ترى إذا خلا من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والأغاني مثلاً؟ أليست هذه الفنون كلها فنونًا أدبية؟ ثم ألا يحتاج الناس أن يشاهدوا فيه أيضًا البرامج الدينية التي تذكِّرهم بربهم وتحيي موات قلوبهم وتبصرهم بأمور إسلامهم؟ ألا يدل هذا المثل على أن الرجل لا يعرف كيف يفكر، وإنما هي حالات تهيجية تعروه فينطلق رافسًا ومحطمًا كل ما يلقاه في طريقه؟ إن في هذا الضغن الذي يتناثر من فمه مع زَبَد شِدْقيه كالحمم لبرهانًا على شيء وراءه، وصدق المولى الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118]، ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾ [محمد: 30]، وها هو ذا الرَّجل يحقر الكتب الدينية ويراها عديمة الفائدة! وهذا يفسِّر لنا المغزى الكامن وراء بعض من أهدى لهم كتابه؛ إذ أهداه، ضمن مَن أهداه إليهم، "إلى كل من أحب الناس على اختلاف أجناسهم وأديانهم ومعتقداتهم"، إن الكتاب في اللغة والنحو، فما دخل حب الناس على اختلاف أديانها ومعتقداتها هنا؟ إن هذا لحنٌ من القول! ولو كان صادقًا في هذا الحب الكبير لقد كان أولى الناس بحبه هم أهلَه وعشيرته من المسلمين، لكن المقصود هو حب أهل الأديان الأخرى، وكراهية المسلمين ولغة الإسلام والكتب التي تؤلف في الإسلام!

 

إنه يهاجم القديم على طول الخط، القديم العربي والإسلامي وحده، وإلا فكل الأمم التي يقول لنا: إنه يحبها تحافظ على كثير من قديمها، ترى هل ترك الإنجليز أو الطليان أو الإسبان نحوهم؟ وهل كفُّوا عن التأليف في قضايا الدِّين؟ وهل توقفوا عن الإبداع الأدبي؟ فلماذا لا يحقر إلا أدب العرب وكتاباتهم الدينية؟ إن مَن يتخذ مِن نبذ القديم مبدأً له لهو إنسان معتوه، فليس بنبذ القديم، لمجرد أنه قديم، تتقدم البشرية، بل ينبذ ما ثبت خطؤه أو ضرره، أما ما لا يزال صالحًا من ذلك القديم فلا يفرِّط فيه إلا أبله، لنستمع إلى ما يقول: "إن عقدة القديم هي عقدة الشرق الإسلامي بأسره، وخاصة العرب، فما جاء من القديم صحيح، وكل ما يعارضه وما خرج عنه خاطئ، أو مشكك فيه، وهذه المشكلة المعضلة أوصلت الأمة العربية والإسلامية إلى ما وصلت إليه اليوم، فكم من إنسان عربي وُلد عبقريًّا فذًّا[3]، ومات جاهلاً مكبوتًا أمام عُقَدِ الماضي وحاكميته! ولو قال أحدنا: أنا أرى كذا في الدِّين أو اللغة أو الأدب القديم سارع حُماةُ الديار، ولا ندري مَن نصَّبهم ليكونوا حُماةَ الديار والماضي، ليقولوا: ومن أنت لترى؟ مَن أنت مِن العلماء السابقين الذين رأوا وبحثوا وعملوا؟ وما عليك إلا الطاعة والتطبيق"[4].

 

وجوابي على سؤاله هو: نصَّبهم الذي نصَّبك لهدم القديم جملة وتفصيلاً في نزقٍ ورعونة! لقد نصَّبت نفسك لهذا، وهم نصَّبوا أنفسهم لذلك، ولكنَّ ثمة فرقًا ضخمًا بينكما: فأنت ترى هدم أهم مقومات الأمة: اللغة والأدب والدين، أما هم فينافحون عن هذه المقومات، فشتان هم وأنت! أما تباكيك على العبقريات الموءودة فليس لك حق فيه؛ إذ ما دامت العبقريات الموءودة هي مِن نوع عبقريتك فلا عليهم أن يَئِدوها ويريحونا من هذا التخلف العقلي! لقد رأينا ورأى معنا القراء أي لون مِن العبقرية عبقريتك؛ فأنت لا تكاد تفهم شيئًا في النحو: لا مصطلحاته، ولا مفاهيمه، ولا تراكيبه، ولا... ولا... أنت لا تفهم إلا شيئًا واحدًا، هو الحقد على لغة القرآن، والرغبة الأثيمة في تحطيمها، وهيهات ثم هيهات! فليس بمستطاعِ الصرصور أن يهدم الهملايا بقرنيه! فاذهب واجلِسْ إلى قدمَيْ مَن يعلمك العقل أولاً، ثم النحو والصرف واللغة ثانيًا؛ (لأنك لا تستطيع أن تتعلم نحوًا ولا صرفًا ولا لغة دون أن يكون لك عقل يفكر تفكيرًا سليمًا)، ثم تعالَ بعد ذلك وادخل من باب النظر في هذه العلوم في تواضع وخشوع، وادرُسْ ما كتب فيها دراسة متأنية متعمقة ممحصة، وليس يطلب منك عاقلٌ أن تخِرَّ ساعتها أعمى أبكمَ أصمَّ على كل ما كُتِب وقيل، بل المطلوب منك هو التسلُّح بالنظرة الناقدة، والمتحلية مع ذلك بالتجرد والعدل والإنصاف، والرغبة في بلوغ الحق، لا بالولع بالهدم والتحطيم والحقد، إن مِن العيب على الأطفال الصغار التطاول على الحكماء الكبار، وليس من المعقول أن يطمح إنسان إلى التزبُّبِ قبل أن يتحصرم، لا بل هو مستحيل، فاذهب - كما قلت لك - فاقرأ وحاول أن تفهم وتتعمق، ثم تعالَ بعد ذلك كله (إن أفلَحْتَ في الفهم والتعمق) فأجِلْ نظرتك الناقدة في كتب سيبويه، والزمخشري، وابن عقيل، وابن هشام، والأشموني، وغيرهم، وعندئذ قد تستطيع أن تبصر فعلاً ما هو بحاجة إلى إعادة نظر، أو تبديل، أو استدراك، أو تسهيل، أو حذف... إلخ، إنهم حقًّا ليسوا إلا بشرًا، ولكن هذه الحقيقة لا تعطي لكل مَن هبَّ ودبَّ الحقَّ في التهجم عليهم والتهكم بهم، وإلا صارت الحياة كلها بهذه الطريقة عبثًا في عبث، اذهب إذًا فاقرأ وافهم وتوسع وتعمق، ثم تعالَ! أما قبل ذلك فكلاَّ وألفُ كلا، ولن يفيدك تصايحك وبكاؤك ولطمك خدودَك وشقك لهدومك، فهذا كله سلوك حمقى الأطفال الذين لا يصلح لهم ولا يصلحهم إلا ضربهم على أصابعهم؛ كي يقلعوا عن هذا السخف! ولو أننا أصخنا لكل متبلد كسول وعمِلنا على إرضائه، لَمَا تقدمت البشرية خطوة واحدة في مدارج الحضارة والرقي، الحضارة، يا هذا، جِدٌّ وكَدٌّ وعرَق، والتعليم وتحصيل الثقافة هو أبو الجِدِّ وأمُّه، وجدوده وأسلافه، أما الكسالى الذين يريدون أن يأكلوا وهم نائمون فسوف يفرمهم قطار الحياة فرمًا، وكفانا، أيها العرب والمسلمون، نوم وتثاؤب، وتخلُّف وخزي وعار ومذلة؛ فالدنيا من حولنا جادة، ونحن هازلون، والبركة في أمثال زكريا أوزون ممن لا يحبون أن يبذلوا جهدًا ويريدون أن تنزل الدنيا رغم ذلك على حُكم كسَلهم وهزلهم! وهذا هو المستحيل بعينه.

 

إن مَن يريد أن يسهل النحو فلا مَعْدَى له عن البناء على ما مضى (بناءً واعيًا ناقدًا، لا بناء العُمْي الذين ليس عندهم فهم ولا تقدير لِما يفعلون وما فعله مَن سبقوهم)، أما الحِرانُ والإصرار كل حين على هدم ما سبق، فليس له من معنًى إلا العودة إلى نقطة الصفر في كل مرة، وهذه طريقة تعوق التقدم، وتهبِط بنا إلى مستوى العجماوات، حيث لا وجود للتراكم المعرفي، ولا فرصة لإحراز أي تقدم، إن الطائر يبني عشَّه بنفس الطريقة التي كان يتبعها أول طائر خلَقه الله، وعلى نفس النموذج، أما نحن البشر فشتان بين الجُحر أو الكهف الذي كان يسكنه الإنسان الأول وبين القصور والدارات والعمائر التي نبنيها اليوم، وكذلك فالبقرة تقتفي نفس الأسلوب الذي كانت تقتفيه جَدَّتها الأولى قبل ما لا أدري كم من ألوف السنين أو من ملايينها في تناول طعامها، أما نحن بني الإنسان فيا لها من آماد شاسعة تذهل اللُّبَّ تلك التي تفصل بين الطريقة البدائية التي كان أسلافنا الأولون يقتطعون بها اللحم النِّيءَ من جسد الحيوان الذي كانوا يقتلونه أو يصادفونه ميتًا في فجر التاريخ السحيق (أو بالأحرى في ليله الدامس) وبين الأسلوب المتحضر الراقي الذي نعد أطعمتنا ونتناولها اليوم به!

 

لقد تعددت المحاولات التي قام بها علماء النحو ومَن يهتمون مثلهم بهذا الفرع من العلم لتيسيره، ولم يحدُثْ أن عالِمًا محترمًا اعتمد أسلوب الركل والرفس الذي لجأ إليه زكريا أزون ووجد من يشجعه وينفخ فيه، حتى خيلوا إليه (ويا للمصيبة!) أنه خبير في هذا الميدان، على الرغم من أن هذا الميدان هو مِن الميادين التي لا يصلح فيها الركل والرفس ولا يليق؛ لأننا لسنا في إسطبل للخيول أو حظيرة للحُمُرِ، بل في مجال بحث وعلم، إن أداة البحث والعلم هي العقل، لا الأقدام والسيقان! لقد اجتهد رفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك، وعلي الجارم، ومصطفى أمين، ومحمد أحمد برانق، وعبدالمتعال الصعيدي، وإبراهيم مصطفى، وعباس حسن، وشوقي ضيف، ومحمد كامل حسين، وغيرهم في محاولة تسهيل النحو، وتحبيبه إلى طلاب العلم، فلم يهيجوا هذا الهيجان الأرعن الذي طالعَنا بوجهه القبيح المنفر في كتاب "جناية سيبويه"، بل قرؤوا وهضموا وناقشوا وقارنوا، وقلبوا الأمر على وجوهه قبل أن ينتضوا القلم ليكتبوا، ونستطيع نحن أن نختلف معهم في هذا أو نوافقهم في ذاك؛ لأن هناك أسسًا مشتركة بيننا وبينهم من الفهم والتحصيل، أما في حالة زكريا أوزون فأين تلك الأسس المشتركة، والرجل جاهل لم يحصِّل شيئًا ينفعه في حاضره أو مستقبله؟ لذلك قلت له: "اذهب واقرأ"، بل أقول له كما قال الشيخ لسعيد مهران في رواية "اللص والكلاب": "توضأ واقرأ"، توضَّأْ يا سيد زكريا من هذه الرعونة! توضأ من ذلك الحِقد على العربية وما تَعنيه وترمز إليه! توضأ من جهلك وقلة حيلتك! توضأ من تطاولك (وأنت القَزَمُ الشَّخْت الهزيل) على فحول العلماء! توضأ من وهمك أنك عبقري وأن مِن حقك أن تقارع الفحول! لو كنتَ عبقريًّا - كما تتوهم - لكنتَ تريَّثْتَ وقرأت فأتقنت القراءة، وأدَرْتَ الموضوع في رأسك فأحسنت الإدارة، وقلبته تقليبًا حتى ينضَجَ ويستوي قبل أن يخطر في بالك أن تمتشق القلم وتخُطَّ به على الورق، إن الإمساك بالقلم لهو من السهولة بحيث يستطيع أيُّ أمِّيٍّ أن يفعله، وكذلك الخط على الورق، ولكن أي خط؟ إن ثمة فرقًا بين نكش الدجاج وكتابة العلماء! فاختر لنفسك المعسكر الذي تحب أن تعتزي إليه: فإن كنت تريد أن تكونَ مع الدجاج فمكانك لا تبرحه، فأنت معها، أما إن كانت تبغي أن تحشر في صحبة العلماء المحترمين فقد شرحتُ لك السبيل، وأنت بعدُ حُرٌّ، وذنبك على جنبِك، وانظر لا يخدعنك أمثالك ممن يخلعون عليك الألقاب، فليس بنافع للقردِ أن يثني على جمال خِلقته قردٌ مثلُه! ومتى كانت الألقاب قادرة على أن تجعل من الجبان شجاعًا، أو من الشحيح جَوَادًا، أو من العَيِيِّ فصيحًا، أو من الجهول عالِمًا؟ إذًا لَمَا كان شيء أسهل من طريق المجد والعظمة، بَيْدَ أنه في واقع الأمر وحقيقته طريق وَعْرٌ، قلما سلِمَت فيه الأقدام من العِثار والانزلاق! فما بالك إذا كانت القدمُ التي تسير فيه ضخمة مفلطحة غبية؟



[1] ص 160 - 161.

[2] وليس معنى هذا أن اللغة (أية لغة) يمكن أن تخلو من الألفاظ الأجنبية تمامًا، لكنَّ ثمة فرقًا بين تسرب بعض هذه الألفاظ إليها بين الحين والحين بحكم الضرورة وبين فتح الأبواب أمامها على مصاريعها دون ضابط ولا رابط، وبخاصة إذا كان في مقدورنا إيجاد مقابلات عربية لها؛ كـ: "القرص المدمج" للسي - دي، و"الحاسوب" للكمبيوتر، و"المرناء" للتلفزيون، و"والمسرة" للتليفون، و"السيارة" للأوتوموبيل، و"القنبلة" للبمبة، "وكرة القدم" للفوتبول، و"كرة الطاولة" للبنج بونج، و"التسلل" للأوف سايد، و"فاتح الشهية" للأيرتيف، و"الشطيرة" للساندويتش.. وهلم جرًّا، وبالمناسبة فقد كان رأي سلامة موسى من رأي زكريا أوزون، لكن اللغة العربية لم تحفِلْ بما كان ينادي به، وطوَّحَته في سلة القمامات!

[3] كعبقرية زكريا أوزون التي ينضح بها كتابه هذا.

[4] ص 157.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دفاع عن النحو والفصحى (8)
  • دفاع عن النحو والفصحى (9)
  • دفاع عن النحو والفصحى (10)
  • دفاع عن النحو والفصحى (11)
  • دفاع عن النحو والفصحى (12)
  • دفاع عن النحو والفصحى (13)
  • دفاع عن النحو والفصحى (15)

مختارات من الشبكة

  • دفاع عن النحو والفصحى (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (7)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (6)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (5)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (4)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (3)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (2)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى (1)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دفاع عن النحو والفصحى ( الدعوة العامية تطل برأسها من جديد ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الثالثة: أصول وقواعد في الدفاع القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب