• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

عبدالوهاب مطاوع .. مداد في سجل الإنسانية

ريم عادل سعد عبدالفتاح السرجاني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/6/2014 ميلادي - 13/8/1435 هجري

الزيارات: 10750

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبدالوهاب مطاوع

مداد في سجل الإنسانية


على قَبَسٍ من ضوءٍ إنساني كاشف وأثيرٍ من أصواتٍ إنسانية متداخلة في سيمفونية الواقع بإيقاعٍ متناغمٍ حينًا ومتنافرٍ أحيانًا، يجلسُ إلى مكتبه غارقًا في أكداسٍ من نفوسٍ متلاطمة وعقولٍ حائرة وقلوبٍ تعسة، ينفثُ الهمومَ الكثيفة في السحب الدخانية المتصاعدة من سيجارة تضطرب بين شفتيه، يضجُّ أصحابُها في رأسه بلواعج الأشواق ومرارات الأيام وتداعيات الفراق ومبررات العقوق... يُعيرها جوارحَه ويوليها جُلَّ اهتمامه ويَسمعُ في صمت ... تحاوره ... تسأله سبيلًا للخلاص ... تستنطقه جوابًا شافيًا، وترجوه أن يخرجَ عن صمته النبيل ويرسو بها إلى بر آمن ... يزدحمُ ذهنُه بالأسئلة وتتشابك الأحداث ...، يرتجفُ بين بنانه القلمُ الرحيم[1] لعظم المسؤولية وهول التبعة ... يهيمُ في فضاء فسيح يطالعُ من نافذة الروح نجومَ الإنسانية الصديقة التي باحتْ له قديمًا بأنوارها وصاحَبته بلا كَلل وهو يتأملُ الكتبَ ويقرأ الملامحَ ويتنفس الحروفَ ويصادق فحولَ الأدب والفكر والفلسفة وعلم النفس والاجتماع بسائر البقاع والأزمان، يحاورهم ويستعيُر تجاربَهم وحصيلة معارفهم، ويمتص رحيقَ أقلامهم وعصارةَ أفكارهم ليسكبها فيضًا إنسانيًا نبيلًا بعد أن وردتْ معينه الثَرّ وتشرّبتْ من مداد روحه واصطبغتْ بطابعه الفريد علّها تُسلّي مكلومًا عن فقده أو تستنهضُ عزمًا خائرًا أو تسلّط ضوءًا في بقعة من ظلام.

 

كان هذا الجوّ الملبّد بسحب المعاناة الإنسانية هو، على الأرجح، الحياة اليومية للصحفي النبيل والأديب المبدع عبدالوهاب مطاوع الذي كرّس ما يقارب نصفَ قرن من الزمان لمعايشة كروبَ الناس منذ أن قُدّر له - في عام 1982م - الإشراف على باب بريد الجمعة بجريدة الأهرام فنال جائزة علي ومصطفى أمين (1992م) عن أفضل كتابة في الشؤون الإنسانية، خطّ مدادُه أثيلًا من الصفحات سواء أكانت مقالات حرة[2] مستقاة من خبراته الإنسانية وتجاربه الخاصة أو مجموعات قصصية[3] مستوحاة من خبراته مع الألم الإنساني وعذاباته أثْرَتْ ملفَ السرد ومكتبة الأدب الإبداعي لما تذخر به من أدبية صادقة تفوحُ بأريجٍ إنساني رائق وإن غَلب عليها سَمتُ المباشرة النابع من فعل البوح وهتك ستر النفس واستبطان دواخلها ليطالعَ صفحاتها القارئ كتابًا مفتوحًا يلمسُ فيه بعضًا من ذاته فيتعمّق فهمُه للحياة.

 

حائط المبكى:

"ولا بُدَّ من شَكْوَى إِلى ذي مُروءَة ٍ
يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع"[4]

ظلّ صاحبُ القلم الرحيم متوحدًا مع الإنسانية بصيرًا بالضعف الإنساني وبحاجة المرء للبوح والمواساة والمشاركة النبيلة التي تمدُّ جسورًا من التواصل الحي في وجدان الإنسانية، يُقيلُ قلمُه عثرة المارة في سطوره .. ينتشل يئوسًا من غياهب يأسه ويعصمه ضميرُه اليقظ عن مجاراة نفس في غيِّها مهما حوَّطتها دواعي الرثاء وبواعث الانتقام، فسَخَّر ذاته مرآةً للمعذبين يذرفون أمامها الدمعَ ويقفون مع أنفسهم يقرّون بآثامهم، بُغية التطهر، دون حرج، وطبيبًا للجرحى يكشفون له مواضعَ الألم ويتعرّون أمامه - من أردية النفوس - بلا خجل حتى عُرف بابه في جريدة الأهرام بحائط المبكى.

 

صديقٌ لا يغيب:

صحيحٌ أنه لا يملك للحيارى والأشقياء وَصفاتٍ سحرية تُغيّر واقعهم و تُبدّل تفاصيله من النقيض إلى النقيض إلا أنه يمنحهم عدساتٍ أنقى ليروا بها- من زوايا عدة- ما عجزتْ عدساتُهم المُغبّشة والمشروخة بفعل نبال الرزايا والجزع عن التقاطه لهم فترصد أملًا خافتًا لوّاحًا في فضاءٍ يغمرهم ظلامُه وكأنه يقولُ لهم- وما أكثر إيراده لأقوال الشعراء والحكماء- "وكَم من نعمةٍ في طَي نقمة ومن خيرٍ في جلباب شر". يمضي لاهثًا بخطىً حثيثة في دروب الإنسانية يُسابق أنفاسه وقلمه مُعفّر بغبار الرحلة إلى أن شَهدَ عام 2004م حَطّ الرحال وفَيض الروح النبيل إلى بارئها مُخلّفةً - خلاًّ وفيًّا للإنسانية لا يرحل - فنعاه صديقه الكاتب الراحل أحمد بهجت قائلًا "مات وترابُ الطريق على قدميه".

 

أدبُ الرسائل بين الماضي والحاضر:

في عصرٍ يتعمّقُ فيه الاغترابُ الروحيّ والذهنيّ عن الواقع وشخوصه بالغوص في عوالمٍ افتراضية تُدشّنها التكنولوجيا الحديثة لتحبسَ متعاطيها في دوائرها المغلقة وتعزلهم عن فن المشاركة الإنسانية الحيوية وتختزل الحروفَ التي رسمها المبدعون سالفًا بمداد أرواحهم في ضغطاتٍ متتابعة بلا تعبير على لوحةٍ هامدة بلا حياة، نُعيدُ رسمَ ملمحٍ من أدب الرسائل الذي ألهم المبدعين قديمًا وتخطى بهم حاجزَ المكان وأبحر بهم إلى الأصدقاء والأحبة فصفّقت قلوبُهم نشوةً بتلقي خطاب يحملُ رِيّ مُرسِله فنلفي الشاعرَ المَهجَريَّ جورج صَيدَح يقول إثر تلقيه لرسالة من قريب:

قَبَّلتُ في هَوَسٍ حُروفَ كِتابِهِ
إنَّ الحُروفَ لها شِفاهٌ تُشتَهى

 

تجلى أدبُ الرسائل - في أنماطه الكلاسيكية - فيما خَطّه الفطاحل أمثال أبي العلاء المعرّي وأبي حيّان التوحيديّ من رسائل غَنّاء، كما ازدهر في القرن العشرين بأقلام مبدعي الأدب العربي شأن الرافعي والعقّاد و جبران خليل جبران ومي زيادة وبدر شاكر السياب وغسان كنفاني وغادة السمّان وغيرهم الكثير ممّن أضفوا نكهة فريدة على كلمات الرسائل ومدلولاتها جعلت لها قالبًا أدبيًا خاصًا ذي رونقٍ أخّاذ تخطى الشكل التداولي الرائج بين العوام خارج حقول الفن والإبداع. أشعل عبد الوهاب مطاوع جذوة هذا الرصيد الإنساني السخيّ حين بدأ يخبو لهبُه فكان له دورٌ رائد في إثراء فن الرسائل في قالبه المعاصر.

 

رسائل إنسانية بريشة أديب:

قاربَ مطاوع رسائلَ القُرّاء التي انسابَتْ من نفوسهم الجريحة بعفوية فأسهبوا حيث لَزِمَ الاختزالُ وأفصَحوا حيث أبان التلميحُ ووقعوا في هُوّة التَّكرار والإعادة الرتيبة وعاز أكثرَهم حسنُ البيان وبلاغةُ التعبير وعينُ الراوي العليم التي تلتقط أدقّ المشاهد وأعمق اللحظات الإنسانية الجائلة بأروقة النفس فتسكبُ بوجدان المتلقي بريقًا ذهبيًا من أشعة البوح يلمَس بقعةً ظّلماء بداخله فتتكشّف أصدقُ لحظات المشاركة والتوحّد الإنساني. قام مطاوع بتحريرٍ أدبي للقصص المختلفة التي أوردها مراسلوه وأعاد صياغةَ النص بأسلوبٍ سائغ وأوشحه زيًا لغويًا أدبيًا أنيقًا تتخلل نسيجَه تقنياتُ السرد الفنية من وصفٍ دقيق لخبايا الشخصيات وأبعادها النفسية والاجتماعية ومن تدفّق سلس لخيط السرد الحائك لمجرى الأحداث، وتطور منطقي للشخصيات في نطاق واقعها المَعيش، وحبكة درامية مُتقنة وما تُفرزه من مفارقاتٍ وتحولات في سياق الوقائع وسير الأمور ينجمُ عنها تفجُّرُ الأزمة وانطراحُ البطل فريسةً في شباك الواقع المأزوم وظروفه الشائكة. كما تعالتْ النبراتُ الشعرية بموسيقى النص فردّد الصوتُ السردي صدىً عميقًا بموجات استقبال القارئ وحفر بمجرى وجدانه قنواتٍ من التعاطف والتفاعل لا تُردَم بانقضاء مقاربة النص. ولم تُعكّر شعريةُ الجوّ السردي صفو المصداقية الدافقة إذ انعتقتْ من غواية الكلفة اللفظية التي تعرقل عادةً سيل البوح الإنساني العفوي.

 

مترجم النفوس:

طبيعةُ الفن الأدبي النابع من مُخَيّلة المبدع وتفاعلها مع معطيات اللغة وعناصرها وخبرات الواقع وتجاربه تُسوّغ للأديب مزج الواقع بالمُتَخيّل في أبجدية جمالية من التمثيل الفني حيث يغمسها المبدعُ في رافد إبداعه الباذخ والدافق بتياراتٍ رمزية عديدة وما تنطوي عليه بدورها من مدلولات ومعانٍ تختلف وَفق توظيفها في مختلف السياقات ومقاربتها من مختلف المُستقبلين مما ينأى بجانب المبدع تمامًا عن الانصياع لسَطوة أحداثٍ بحذافيرها وقعتْ في دائرة خبراته. إلا أن الأمرَ مُغايرٌ إلى حدٍ بعيد فيما يتعالق مع أدب الرسائل الإنساني (أدب الاعتراف) الذي قوامه الإفصاح الصادق عن خلجات النفس والسرد العفوي لأحداثٍ واقعية هي الدافع لفعل القَص، كابَد مطاوع -المسكون بروح الأديب- بلا غَرو أثناء تحريرها كي يلتزمَ الحياد قدر المُستطاع ويُلجّم انطلاقة الطفل المبدع الراسب بأعماقه يحاولُ أن يجذبَ من أنامله قلمَ الصحفي ويودعها ريشةَ الأديب. جاهدَ لينقلَ وجهةَ نظر الراوي الشاكي كما أفضى بها إليه فلا يتعدَ القالبَ الفني- وما يستتبعه من تأثيرٍ على متن النص- إلى الولوج لدواخل الحدث ومراميه كما يفرض عليه الضمير الإنساني والرسالة النبيلة التي حمل هديها بغض الطرف عن الهنّات البشرية والمغايرة الدلالية الطفيفة المتبوعة بعمق التأثير والتي يختلف تقديرها باختلاف المُستقبل واستعداداته النفسية والذهنية. فباتَ مترجمًا يروضُ سبيلين: سبيل المكروب وما تتكشّف عنه طياتُه المشحونة بمعانٍ جياشة تعثرتْ في بنية مفككة وأسلوبٍ مشوبٍ بالركاكة والضعف غالبًا ليمرّرَ خلاصةَ جوهره في سياقٍ من الفصاحة والتبيين أرحب وأعمق وأقدر على استيعاب فيض وجدانه وبث أتراحه في النفوس-دون أن يُفصح عن هُويّة الشخصية أو أي تفاصيل تُفضي إلى مرجعية الدال الإنساني في فضائه المكاني والزماني-ولا شك أن لحسّه اللُّغوي شديد الرهافة حضورًا ساطعًا يُنبئ عن بعض نفسه وزوايا رؤاه كما هو الحال مع أي مبدع خَلّفَ في فضاء الإنسانية ريحًا تعبقُ بها الأردان.

 

عبقُ المُثُل في نسيم الكلمات:

تفوحُ نصوصه بتكثيفٍ دلاليٍ داعٍ للقيم الأخلاقية والإنسانية النبيلة سواء جاء مضمرًا في متوالية الأحداث أو أعلن عن ذاته على لسانِ أحد الشخصيات وما لقيته من جزاء جرّاء انسياقها لنداءات الضعف البشري وورودها منابع الخطايا أو ما جنته من ثمار طابت لها بما صبرتْ وجاهدتْ ولاقتْ في معترك الحياة. توسّل مطاوع في نسقه الأخلاقي والديني الداعم للقيم المبثوثة في سياقنا الاجتماعي بنية التناص (من تضمين مباشر وغير مباشر لنصوص أخرى باستدعائها صراحة أو بإذابتها في ثنايا النص الحاضر) فاقتبس من القرآن الكريم والأحايث النبوية الشريفة وآيات الكتاب المقدس والأمثال العربية والعالمية كما طعّم تعليقاته على رسائل القُرّاء بروائع الإبداع الشعري العربي والأجنبي وكذلك مقتطفات من قصص مبدعي الأدب العالمي ومؤلفاتهم وكذا يغوصُ في غَور النفس الإنسانية ببصيرةٍ كاشفة واشيًا بأسرارها ومتدرّعًا بأحدث ما أفضت إليه نظرياتُ علم النفس والاجتماع مما يُكسب ردودَه على مراسليه من المكروبين قداسةً وعمقًا ويُضفي لمسةً جمالية تروقُ لذائقة المتلقي وتلينُ لها جوارحُه.

 

ونَعرضُ هنا لمُفتَتَحٍ من رسالة بعنوان "الليل الطويل" ومَقطعٍ من رده عليها؛ "منذ سنوات وأنا أريد أن أكتب لك قصتي لأشكر نعمة ربي بالتحدث عنها.. ولأقول لك إنني كثيرًا ما وجدت في قصص حياة أبطال بابك الذين تعاطفت معهم ما أعانني على الصمود للظروف الصعبة.. واجتيازها.. أبدأ بأن أقول لك إنني وشقيقتي من هؤلاء الذين سميتهم أنت في بعض تعليقاتك "بأبطال الحياة" الذين يجدون أنفسهم في مواجهة ظروف شديدة الصعوبة، فيكافحون كفاح الأبطال لاجتيازها دون أن يفقدوا شرفهم أو قيمهم الدينية والأخلاقية.. ودون أن تتسمم روحهم بالكراهية للحياة والبشر، وأستطيع أن أقول إننا كذلك والحمد لله.. ونرجو من الله العلي القدير أن نظل كذلك إلى نهاية العمر.."[5].

 

يرسمُ الاستهلالُ بذهن القارئ التشكيلَ الجمالي للملامح النفسية للشخصية- العابرة للوسط السردي من خلال مَجسّات المبدع الحساسة لنبضها في سياقها الواقعي- والمُمتاح من سيال الوُد الخالص النابع من ثنائية البوح والإصغاء. فصاحبُ التجربة لا يلوحُ في نبراته انكسارُ المأزوم يطلبُ عونًا بل نَلفيه تخطى مرحلةَ التوجع والشكاية بعد أن وردَ معينَ الكاتب وارتوى من بوح المعذبين ماءَ الحياة فتجنب عثراتهم وقرأ ذاته بين السطور وتلاقتْ أفكاره وأفكار أبطال كُثر تقازفتهم يدُ الصعاب وشاركوه مشاعر الغُصّة والألم وصحوة الإرادة ونشوة الانتصار على الضعف الإنساني وقسوة الظروف فغدا الصديق عبدالوهاب مطاوع نديمًا رمزيًا لآلاف النُدماء الذين آلف بينهم وأجروا على قلمه قصصَهم فنَمَتْ بذورُ صداقة بين مبدعنا وصاحب التجربة- وإن لم يلتقيا على الورق- أورقت في أعماقه بظلٍ وارف من الدعم والمشاركة كلما سلّط مطاوع بقعةَ ضوءٍ جديدة على نفسٍ يكتنفها ظلام.

 

صَوتٌ في الظل:

وإذ اصطلى تجربةً مؤطّرة بالعسر والكَدر وارتحل في غمارها فتقلّب في أوجه الظروف العجاف وبُصّر- على مدار الرحلة- بماهية المعرفة الكامن فيها وانتهى إلى نشوة الكشف والحكمة والاجتياز بمَعْدِن نفيس بلا شوائب، تعيّن عليه أن يتشارك ثمار الرحلة مع الأخلاء الأوفياء أو "أبطال الحياة" الذين خفّفوا عنه وطأتها في حوارٍ إنساني ثري تتعدد فيه الأصوات لتنصهرَ في صوت الذات الساردة. فصوتُ مطاوع هو المعادل التأثيري للموسيقى التصويرية- في العرض السردي- والمصاحبة للصوت الداخلي للشخصية إثر طفوه من الأعماق متأرجحًا على سطح الكلمات فتُهيئ له أجواءً تستقطبه وتُيسّر له الانسيابَ على أثير موجات النفس المضطربة بصخب التجربة ومن ثمّ يُسمع في صداه (صوت الشخصية صاحبة التجربة) صوتُ كل قارئ يُحسن الإنصات للمواقف الإنسانية التي تستدعي بدورها من الذاكرة الإنسانية الجامعة أصواتٍ لا حصر لها توارت في ظل الصوت الحاضن للتجربة الإنسانية الحاضرة وترددتْ أصداؤها في فضاء النص.

 

وتتجلى الوظيفة التأثيرية لخطاب البوح في بنية ضمير المتكلم شديدة الخصوصية التي تفرض على المبدع السارد للتجربة التجردَ من ذاته -ليتلبس عباءة الآخر - موجهًا حديثه لها بضمير المُخَاطَب كذات منفصلة عنه قائلًا "أكتب لك قصتي". ومن ثمّ ينتقلُ التأثيرُ عينه على البُعد المكاني الحاضن للذاتين: الساردة وصاحبة التجربة، كلٌ في فضائه الخاص وما يختزنه الفضاء المكاني من ذكريات وأسرار صافحَتْ عينَ السارد اللاقطة لأدق التفاصيل-في أفق النص- بألفة مَن يعاود مسكنه.

 

حصادُ النص:

يسترسلُ الشابُ في سرد قصة كفاحه وأخته بعد أن تنكّرتْ لهما الأيام وقنصَ الموتُ أبويهما ولم يجاوزْ أكبرهما الثالثة عشر وكيف أن عزة النفس أبت عليهما أن يتكففا خالهما ضائق ذات اليد والذي يكابد ليسد رمق أبنائه ويكفيهم مؤونة يومهم فاضطر الفتى- ولم يبلغ مبلغ الرجال بعد- أن يثقل كاهله بمسئولية ينوء بحملها الرجال ليفي قدر المستطاع بأساسيات الحياة وحتى لا يُدفعا هو وأخته لترك التعليم وليصنعا مستقبليهما بكفاحهما المشترك، وقصّ العراقيلَ التي أقضّتْ مضجعَه ليلًا وجرّعته المرار نهارًا حتى فتح الله عليهما فحصلا على مؤهّلٍ عالٍ ورزق أخته بزوج بار ورزقه بزوجة صالحة شاءت المفارقات أن تناصبه العداءَ في أولى خطوات عمله ثم تَتبدّل مشاعرُها عندما تبصر في صفحة نفسه ملمحًا من صفاء الروح متوارٍ بخطوط الكفاح الداكنة وثقل الحمل الذي قوّس ظهره منذ فجر أيامه. فأردف مطاوع معقّبًا في خطابٍ نعرضُ لمُقتطفاتٍ منه:

"لقد قلت أنت يا صديقي بقصة كفاحك مع شقيقتك كل ذلك وأكثر وبأبلغ مما أستطيع أنا أو غيري أن يقوله.. فقلت لنا إن الليل الطويل مهما يطل فلابد له من فجر جديد يبزغ معه ضوء الشمس، حاملًا الأمل والعزاء للمجهدين.."[6]

 

يلجُ المبدعُ من جديد إلى قلاع نفسه - بعد رحلة قصيرة من التمثُّل في ذات الأخر يستبطن مطموراتها ويستكتبُ قلمها - دون أن يفقدَ توحّده الروحي والإنساني مع تجربة المُرسِل أو الصديق الذي يخاطبه بضمير الحاضر "أنت يا صديقي"، ذلك الحضور الوجداني الأليف والمتجاوز للحدود المكانية ليشاركه الاحتفاء بفوزه في مباراة الحياة.

 

"وقلت لنا ما قاله لنا الشاعر الإنجليزي ذات يوم: إذا كان الشتاء قد جاء فليس الربيع ببعيد..."[7].

 

وبوصف التناص رابطةً إنسانية تُشكِّل النصَّ وطنًا تنصهرُ فيه الفوارقُ الزمنية والمكانية والثقافية والدينية وتتفتتُ الوحدة النفسية والذهنية باستدعاء العقول المبدعة والمشاعر الإنسانية عبر الأزمان والأَصْقاع لتلتقي على صفحة النص وتتلاقح الأفكار وتتوحّد التجارب وتتصافح المشاعر وتذوبُ في الرموز والشفرات والخطوط والألوان والصور، يمهّد مطاوع سبيلَ التلاقي بين النفوس الإنسانية لتقرأ ذواتها في صفحات الآخر وتبصر في مرآته ملمحًا مشتركًا يهمسُ في أذنها- في أوج المعاناة أو في نشوة النصر- لستَ وحدك.

 

يغترفُ مبدعنا من مخزونه الإنساني الثقافي الباذخ نماذج عدة تلتقي والنسق الإنساني الذي يتعاطى معه فنلفيه يستشهد بقول شاعر إنجليزي يتآزر وناموس الكون في أن الثابت هو ارتهان كل مخلوق للتبدّل والتطور فلا ضير أن يحتملَ الإنسانُ حلكةَ ليله وقسوة شتائه لطالما أيقن أن الفجرَ والربيعَ هما القادم. كما يلتقي التمثيل الجمالي- في ثوبه الغربي- لفصول العام وانعكاس أطوار الإنسان في صفحتها بالتماهي العربي الكلاسيكي بين الإنسان والطبيعة والتي نلمحها في النسق الشعري الاستعاري لفصول العام- بكتاب نسيم الصبا لابن حبيب الحلبي- والدال على السمات المميزة لمراحل الإنسان العمرية والمنعكسة في جدول الطبيعة.

 

" وقلت مع الإمام علي بن أبي طالب: أه من بعد السفر وقلة الزاد ووحشة الطريق، قلت لنا كل ذلك بأبلغ الكلمات وأبسطها."[8].

 

ويرتحل مطاوع بقارئه مع الإمام علي - كرّم الله وجهه - مشبعًا الوازع الديني في سليقة النفس الإنسانية المجبولة على الفطرة السليمة ليلتقيه وهو يبلور "تيمة" الرحلة الإنسانية في دروب الحياة، يتأوّه من طول السفر- وإن بدا لحظاتٍ قصار عند محطة الوصول- وبُعد المرام وإن كان "قاب قوسين أو أدنى" والدنيا تلملمُ أذنابها، وقلة الزاد فطريق الصلاح موحش لأن وارديه نُدرة وزادُ الطريق رفيقٌ لا تُحس معه للدرب عناء. فيلوحُ بأفق الذهن طيفُ خلّه الوفي عمر- رضي الله عنه- وهو يقول "لولا ذكرُ الله ولولا إخوة يُلتَقَط منهم الحديثُ، كما يُلتَقَط أجودُ الثمر من الشجر، لآثرتُ الموتَ على الحياة ."! تلك الأرواحُ الشفيفة التي تنتمي للسماء وتهفو للعودة للوطن وتشقى بأعمارها الأرضية- مهما قَصُرتْ ونعِمَتْ- أضعافَ سائر البشر.

 

"فأما زوجتك وقصة تعرفك الغريبة بها، فلقد ذكرتني بما يقال أحيانا من أن بعض أعمق قصص الحب وأكثرها نجاحا واستقرارا كانت قد بدأت في البداية بمواقف عدائية، كتلك التي اتخذتها منك زوجتك حين تعرفت عليها. ولقد روى لنا الرواة أن الشاعر الأموي جميل الذي اشتهر بحبه لبثينة وغزلياته الرائعة فيها، كان قد تعرف عليها في البداية في موقف عدائي مماثل في وادٍ اسمه "بغيض"، تبادلا فيه السباب بسبب الخلاف على ورود الماء، ثم لم يلبث هذا العداء أن تحول في قلب جميل إلى عشق سارت بذكره الركبان.. وقال هو عن ذلك:

وأول ما قاد المودة بيننا
بوادي بغيض يا بثين سباب
وقلنا لها قولا فجاءت بمثله
لكل كلام يا بثين جواب!"[9]

 

وفي ختام كلمته يُعقّب على دراما المفارقات التي تتمثل إحدى فصولها في شَرَك الانطباع الأول، ذاك القناع الزائف غالبًا والمتعالق مع زيف الصورة الذهنية المُحرّكة للسلوك إذ تُسدَل أستارُ الخداع الإدراكي على جوهر الشخصية ويحتدم الصراع بين أبطال الحدث المحصورين في قوالبٍ نمطية شكّلتْها أوهامُهم، ثم يتجلّى فعلُ التأمل وتتكشَّف الصورةُ الأصل الحاضنة لملامح الجوهر الإنساني بلا رتوش فتنفتح مغالقَ النفس لاستقبال الآخر واستيعابه في حيزها الكوني الخاص والشاغل لبقعة في قلب الإنسانية على اتساعه. فالشاعر الأموي المعروف بجميل بثينة- الذي خلّدَتْ عاطفتُه الجياشة اسمه في ذاكرة التاريخ مقرونًا باسم المحبوبة الملهمة- كان ضحية حادثة -وادي بغيض- الذي بَهَتَ اسمُه شيئًا من مدلوله المعجمي في نفس شاعرنا عندما أهدى الوادي- له ولصاحبته- صدفةَ اللقاء الأول، لتتوالى المفارقاتُ ويُنتزع الدالُ(الوادي) من مدلوله(البغض) ويلتمعُ في فضاء العشق رمزًا لانبلاج خيط الحب بفؤاد جميل ونجمًا هاديًا ذا حضور تاريخي تتلافاه الأبصارُ لتقع عدساتُها في الفخ الأليف المتنمّر للرائي بشباك الانطباع الأول.

 

ويبقى الإنسان:

تستوقفه اللحظاتُ الإنسانية العميقة للتوغل في أبعادها والارتحال في مغزاها لأن المبدعَ ينفذ إلى لبِّ الحقائق يفتتّ جوهرها المجلوّ ويجولُ في أروقة الحياة بحثًا عن إدراكٍ استثنائي للأمور لا ينبعُ من الذهن وحده بل يفيضُ كذلك من الوجدان الذي يُشعل وهجَ الحياة بجسد الحقائق. دائمًا ما تفوحُ الكلماتُ بعبير صاحبها فالإنسان الذي أودع كلماته فيضَ ذاته له حضورٌ روحي يفوقُ أيَ حضورٍ مادي.. قد تتوه حروفُ اسمه في دهاليز الذاكرة المنهكة والمكدّسة بآلاف الأسماء، وقد تفارق روحه حدودَ الجسد ولكن طابع ذاته المختومة بها كلماته تُخطر عنه ولو بأصداءٍ خافتة تحوزُ النفس.. أن تسريَ كلماتُك بالآفاقِ الإنسانية وتصافحُ الأذهان وتعزفُ على أوتار المشاعر وتحسُ لها أثرًا في النفوس، فأنتَ حاضرٌ بصورةٍ ما تتجاوزُ حدودَ الأسماء والأمكنة والأعمار الأرضية..



[1] لُقّب عبدالوهاب مطاوع بصاحب القلم الرحيم

[2] جُمعَت مقالاته في كتبٍ عديدة مثل "صديقي لا تأكل نفسك" و"اندهش يا صديقي" و"عاشوا في خيالي" و‘صديقي ما أعظمك".

[3] صَدَرتْ له ثلاثُ مجموعات قصصية هي: "أماكن في القلب" و "لا تنسني" و "الحب فوق البلاط".

[4] الشاعر العباسي بشار بن برد.

[5] عبدالوهاب مطاوع، الزهرة المفقودة، الدار المصرية اللبنانية، 2007م، ص37.

[6] راجع المصدر نفسه، ص50.

[7] المصدر نفسه، ص50.

[8] المصدر نفسه، ص50.

[9] المصدر نفسه، ص52.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • في ساحة شطرنج (قصة)

مختارات من الشبكة

  • (التعليم بالترفيه) كيف تمكن المعلمة المد البدل؟ للأطفال(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • بقية مداد عن الحلال والحرام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • رسائل مداد الاحتسابية ‫(PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مراجعة على المد بالألف والمد بالياء والمد بالواو(كتاب - موقع عرب القرآن)
  • حوار مع أمين المجلس الأعلى للأئمة في البرازيل لـ"مداد"(مقالة - المسلمون في العالم)
  • القول المعتمد في الدين والمعتقد للاستغاثة بمدد مدد!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعليم المد المتصل للأطفال(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • مراجعة المدود للأطفال(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • الحرف الممدود هو حرف المد، لا الذي قبله كما تدعي الأدلة الإرشادية(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب