• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

قصص قصيرة

محمود المختار الشنقيطي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/8/2009 ميلادي - 25/8/1430 هجري

الزيارات: 11668

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في فترة من فترات عمري، خُيِّل إليَّ أنَّني أمتلك موهبة قصصيَّة، بل إنَّ تلك الأقصوصة التي عنوانُها (قنبلة الضوء) كانت - تقريبًا - أوَّل احتكاك بيني وبين القلم،كما أنَّها - إذا لم تكُنْ أوَّل موضوع يُنْشَر لي - من أوائل ما نُشر لي، رغم أنَّني تلقيت بعضًا من التشجيع، ولكن يبدو أنَّه لَم يُجْدِ نفعًا، فلم أواصل كتابة القصَّة رغم أنَّني كنتُ في فترة من الفترات أتساءل عن قدرتي على كتابة قصص مُمتعة وهادفة في الوقْت نفسه.

هذه محاولة لتوثيق القصَص التي كتبتها - على قلَّتها - ولم أفتقد من (أعمالي القصصيَّة الكاملة) إلاَّ قصَّة لم تُنشر، وقصَّتين أُخريين نشرتْهما مجلَّة (الشّروق) الإماراتيَّة، لم أعثُر عليهما، وكلّ ما كتبتُ - كما سيتبيَّن لكم - عبارة عن قصص قصيرة. والآن أتركُكم مع (الأعمال القصصية الكاملة):



قنبلة الضوء

ولج إلى مكتبه، بحث عن زرِّ الضوء، وحين عثر عليه ضغطَه، فانفجرتْ قنبلة الضوء، لاحتْ له أرفُف الكتُب، مكتبه الصغير، جهاز تسجيل، بعض الصحُف والمجلات لَم تُقرأ بعد، وقد لا تُقرأ أبدًا، ألقى جسدَه المنهك على المقعد، المقعد الذي كان جديدًا يومًا ما، ولكنَّه أصبح أليفًا الآن، أصبح بيْنهما ما يشبه الصَّداقة.

سحب أحد الأدراج، أخرج "إضبارة" مليئة بالأوراق وضعها فوق المكتب، أخذ يقلِّبها ببطء، ويُعيد بعض الأوراق إلى مكانها، والملل تبدو ملامحه بيِّنةً على وجهه.
انتهى من تقليب الأوراق، استلَّ نفسَه من بين ذراعي المقعِد، وتوجَّه إلى النافذة، أزاح الستارة، كان الزّجاج هو الحاجز الوحيد الذي يَحجب عنه رؤية السَّماء، فرآها: نُجومها تبدو حزينة الملامح، أو لعلَّه هو الذي كان حزينًا فخلع عليْها بعض حزنه.

عاد بخطوات آليَّة، وسلَّم نفسه للمقعد مرَّة أخرى، وأخذ يرنو إلى السَّماء من مكانه، رأى اللَّيل يلمْلِم أشياءَه استعدادًا للرَّحيل، ويلقي نظرة وداع حزينة على الأرض، فلم يبْقَ أمامه سوى ساعتين أو أقلَّ ليستلَّ آخر خيوطه، ويُصبح اسمه: الليلة الفائتة.

لَم يشكَّ في أنَّ الشَّمس في هذه اللَّحظة تَجري بأقصى سرعتِها، تتصبَّب عرقًا لتطلِق على اللَّيل رصاصة فترْديه قتيلاً، لتُشرق على الدُّنيا مبتسمةً فرَحًا بانتصارها.

عاد إلى قراءة الأوراق الموضوعة أمامه، وأخذ يقرؤها ووجهه يَخلو من أي تعبير، إنَّها روايتُه التي مضى عليه عامان تقريبًا وهو يكتُبها، لقد أوشك على إنْهائها، لم تبقَ إلاَّ خاتمتُها، كانت كلُّ خيوط الرِّواية تتَّجه إلى أنَّ (أحمد) بطل الرِّواية سوف يَموت في النهاية، أحسَّ بِحزنه يزداد كثافةً؛ لقد أصبح (أحمد) صديقَه، كم سارا معًا في الشَّوارع المظْلِمة! وكَم مرَّةٍ أخذهُما المطر على حين غفلة، فأخذا يعْدوان بحثًا عن مكانٍ يَقيهما المطر! وكم سارا معًا في الليالي المقْمرة والسَّماء صافية، نُجومها تشعّ ابتسامًا! وكم سارا تحت أشعَّة الشمس المحْرِقة! وكم تدثَّرا معًا في ليالي الصَّقيع! وكم باتا يتضوَّران جوعًا! وكم أكلا حتَّى التخمة!

رأى وجه (أحمد) يبرز له من بين السطور، يبتسِم ابتسامة باهتة، تبْدو على وجهِه صفرة المرض، ورأى عينيْه تقولان:
- أنت قتلْتَني مع سبق الإصرار، عندما كتبتَ أوَّل سطر في روايتِك كنت تُضْمر قتْلي، ونسجتَ خيوطَها كي أموت في النهاية.

أغمضَ عينيْه، لكنَّ كلام العينين كان مطبوعًا في ذاكرته.

أخذ يرتِّب الأوراق، ثمَّ حملها وتوجَّه إلى النَّافذة، وبكلِّ هدوء رفع المزلاج وترك الأوراقَ تتسابق نحو الأرْض.

نُشرت تحت توقيع: سالم المختار الشنقيطي، بجريدة (الجزيرة) العدد 7241 في 26/1/1413هـ.



أزيز القطار

رفعتْ رأسَها من بين يديْها، حدَّقت في المرآة أمامَها، تحرَّكت فوق المقعد، أصْدر صوتًا كالأنين، قبل شهر حزَم عقدُها الثالث حقائبه ورحل، نظرتْ إلى المرآة مرَّة أخرى، دقَّقت النظر في ملامحِها، الأنف دقيق، العيْنان مناجم من الحنان، وضعتْ رأْسَها بين يديْها مرَّة أُخرى، أصمَّ أزيزُ القطار أذنيْها، كان مسرعًا.

لَم تفكِّر يومًا في أن تقفِز إلى القِطار وهو يسير، لا بدَّ أن يتمهَّل أوَّلاً، بل لا بدَّ أن يتوقَّف تمامًا، سحبتْ رأسَها من بين يديْها، مسحتِ الحائط ببصرها، صافحتْ عيناها الأطُر المذهبة لشهاداتِها المعلَّقة على الحائط، شهادات نجاح أم شهادات فشل؟!

قطَّبت جبينَها، أعادتْ رأْسَها إلى وضعه الأوَّل.

هل صحيح أنَّ المرأة إذا جاوزت الثَّلاثين تتساقط أحلامُها - شروطها في فارس الأحلام - كما تتساقط أوراق الشَّجر حين يُلقي الخريف مراسيه؟ والمهمّ أن يأتي الفارس ولو راجلاً!

أيُمكن أن تتنازل عن شروطِها – أحلامها - بعد هذا العمر الَّذي ضاع بين دفَّات الكتُب؟!

رأتْ نفسَها في تلْفاز الذَّاكرة وهي تقفِز بين قريناتِها مُنتشِية بالنَّجاح، وها هو الفرَح ينسكِب من عينيْها وهي تتهجَّى أحرُف اسمِها بين النَّاجحات في الثَّانويَّة العامَّة، وها هي تعانِق البهْجة أن عثرتْ على كتاب نادِر، أو مرجعٍ قيّم، تمنَّت لو أنَّها عبَّأت بعض تلك اللَّحظات السَّعيدة في زجاجات!

عاد صرير عجلات القِطار يصمّ أذنيْها.

كان حديث أمِّها عن "القطار" الذي سيفوتُها، واللقب الَّذي ستحمله: عا..، وأقاويل النَّاس، كلّ ذلك كان يخترِق أذنيْها، مسامير من الجمر.

"يوم وُلدَتْ كان في مثل سنِّها الآنَ، ثريًّا جدًّا، مريضًا قليلاً".

رفعتْ رأسها من بين يديْها، انصبَّت قائمة، سارت بخطوات رتيبة كمن يسير وهو نائم، اصطدمتْ بعيْني أمِّها المتلهِّفتين، أرْخت عينيْها، رفعتْهما مرَّة أخرى، عيْنا أمِّها تطرحان سؤالاً أوضح من أن تتجاهلَه، بَحثت عن لسانِها وحين وجدته:
- هناك مشكلة واحدة، أنا لم أدرس التمريض!

نُشرت تحت توقيع: سالم المختار الشنقيطي، بجريدة (الجزيرة) العدد 7465 في 14/9/1413هـ.



أقصوصة
(1)

"رأى النجوم تغمض عينيْها واحدة تلو الأخرى، وراح في سُبات عميق".

وضع (علي) القلم بعد أن أتمَّ كتابة (محاولته) القصصيَّة الأولى، طوى الورقة برفْق، ألصق الطَّابع البريدي بعد أن ختم الظرف، كتب عنوان الصَّحيفة التي (يرجو) أن تَنْشُر له أقصوصتَه، ذهب إلى البريد، ألْقى الظرف داخل أحد الصَّناديق.


(2)

هَوَت الرسالة مترنِّحة لسقوطِها من العلوّ الشَّاهق، زاحمتْ بمنكبها لتنتقي لها مكانًا بين أكوام الرَّسائل، التقطتْ أنفاسَها بعد أنِ استقرَّ بها المقام، نظرتْ عن يَمينها، كانت جارتها رسالة صغيرة الحجْم أنيقة المظْهر، لا شكَّ أنَّها مليئة بكلِمات الحنان وبثّ الأشْواق، حوَّلت بصرَها ناحية الشِّمال، رأت مظروفًا خشن الملْمس، لا شكَّ أنَّه محشوّ بالشَّتائم.

فزِعت عند ركوبها الطَّائرة، تلاقفتْها أيدي سعاة البريد، حتَّى استقرَّت متردِّدة على مكتب محرِّر صفحة الأدب.


(3)

أخذ المحرِّر يقرأ أقصوصة (علي) رغْم السَّأم المرتسِم على وجهه، كانت هي الأقصوصة العاشِرة التي يقرؤها دون أن يجد في أيٍّ منها صلة قرابة بفنّ القصَّة أو خيطًا من موهبة، أعاد قراءة أقصوصة (علي) أصلح بعض الأخطاء اللغويَّة والإملائية، وأشَّر عليها: تُنشر.


(4)

انتهى (علي) من قِراءة صفحة (الرياضة) انتقل إلى صفحة (الأدب)، صافحت عيناه حروف اسمه منقوشة، أحسَّ كأنَّ تيَّارًا كهربائيًّا لامس قلبه، صعد بعينيْه إلى عنوان الأقصوصة، بدأ يقرؤها، أعاد قراءتَها مرَّة أخرى، سَحَبَ "جارور" مكتبِه، وضع الصَّحيفة بداخله، أخْرج رزمة من الأوراق البيْضاء وقلمًا.

غاص في بحار الثَّقافة ليبحث عن موضوع يُعالِجه، تكاثرت عليه المواضيع، هل يكتب عن (البساطة عند أبطال محفوظ)؟ أم يكتب عن (تصادُم الشَّرق بالغرْب في "هجرة" الطيّب صالح)؟ أم يكتب عن ("التكنيك" الروائي عند يحيى حقي)؟!

مزَّق أكثر من نصف رزمة الأوراق الموضوعة أمامه، ولَم يستطِع أن يكتُب عن أيٍّ من "الزُّملاء" الروائيين - كما يسمِّيهم!

أزاح ما سلِم من رزمة الأوْراق وليس كثيرًا، سحب جارور مكتبِه، استلَّ منه الصحيفة، بدأ يقرأ أقصوصتَه للمرَّة الثالثة.

نُشرت تحت توقيع: سالم المختار الشنقيطي، بجريدة (الجزيرة) العدد 7535 في 25/11/1413هـ.



اليمين
(1)

ضغط (محمد) على جرس الباب للمرَّة الثَّالثة، وقبل أن يقرِّر الرَّحيل فغر الباب فاه، وظهر وجه (خالد) يبدو أنَّه قد تجاوز الأربعين بقليل، كان وجهه خاليًا من التَّعبير، صافح (محمَّدًا) ودعاه للدخول.

وضع (محمَّد) يده على فنجان القهْوة بعد كأسِه الثالثة؛ إعلانًا عن امتِناعه عن الكأس الرَّابعة.

(محمَّد) بعد أن طال الصَّمت قليلاً، قال بعد مقدّمة عن الظّروف الَّتي لوْلاها لَما طلب آلافَه الأربعة التي بذمَّة (خالد)، ظلَّ وجه (خالد) خاليًا من أيّ تعبير رغْم تعجُّبه؛ فليْس بذمَّته نقود لأحد، رسم الإحْراج ملامحَه على وجه (محمَّد)، وتَمتم بكلمات لا معنى لها و (خالد) يُغلق الباب خلْفه.


(2)

احتكَّتْ عجلات سيَّارة (محمَّد) بحافة الرصيف، فأصدرتْ صريرًا خافتًا، أطفأ المحرّك، أوْصد باب السيَّارة، سار بخطى بطيئة، رفع معصمه ونظر إلى ساعتِه، زمَّ عينيه قليلاً، عشرون دقيقة قبل الثانية عشرة، مدَّ خطواته قليلاً، ولج دائرة الحقوق.


(3)

ضغط (محمَّد) بقوَّة على يد (خالد) وهو يصافِحه، لا زال وجْه (خالد) لا ينمُّ عن أي تعبير.

أجاب (محمَّد) بصوت منخفِض بأنَّه لا يملك أوراقًا تُثْبِت ما له بذمَّة (خالد)، ولا شهودَ لديْه، لَم ترمش عينا (خالد) وهو يسير ببطء ليقسم على (المصْحف) الموضوع على حافة المكتب.

بدا لـ(محمد) أنَّ (خالدا) أقْصر قليلاً ممَّا عهده، مدَّ (خالد) يدَه مكتنزة قصيرة الأصابع، وضعها على المصْحف، وبصوتٍ كأزيز بوَّابة صدئة قال:
- أقسم بالله..

انفجرتْ صرخةٌ كدويِّ عمارةٍ هوتْ إلى الأرض فجأة:
- لا تُقْسم!

صرخ بها (محمَّد)، وأكمل:
- يقسم بالله، على كتاب الله، لا شكَّ أنَّه صادق.


(4)

خرج (محمَّد) بعد أن وقَّع على بعض الأوراق دون أن يقرأَها، لفحته شمس الظَّهيرة، وهو يَخرج من المبنى المكيَّف، سار يجرُّ قدميْه، تَجاوز سيَّارته دون أن يفطن لها، أدار دفَّة الحوار مع نفسه، وجَّه أصابع الاتِّهام إلى ذاكرته:
- نعم، لا شكَّ أنَّ الذَّاكرة قد خانتني، ولكن كيف؟! لقد كان يوم الثلاثاء، كنت أرْتدي ثوب المنزل الرَّمادي الَّذي أهدتْه لي (فاطمة) ابنَتِي، ذلك اليوم كان الغداء سمكًا رائعًا، لولا زيادة مِلْحه قليلاً، احتسيتُ الفنجان الثَّاني من الشَّاي كأنَّه دون نعناع، وعندها حضر (خالد)، رفَض الجلوس، وضعتُ له المبلغ في ظرفٍ يَحمل اسم إحْدى دور النشر، ثلاثة آلاف من فئة المائة، وألف من فئة الخمسمائة، وعند خروجه ارتَفع أذان العصر.

ولكنَّ الرَّجُل أقسم، كان سيقسم بالله على كتاب الله، لا شكَّ أنَّ الذَّاكرة قد خانتْني.

نُشرت تحت توقيع: سالم المختار الشنقيطي، بجريدة (الجزيرة) العدد 7577 في 7/ 1/ 1414هـ.




الجسد المنهك

أنَّ السَّريرُ متجاوبًا مع ثقل جسَد (رجاء)، وهو يتحوَّل من جنبه الأيمن إلى جنبه الأيسر.

فتَح (رجاء) عينيْه ببطْء، نظر إلى ساعتِه بعينيْن شبه مغمضتين، لَم يتبيَّن الوقت لكنَّه سحب جسدَه من فوق السَّرير، صفع وجْهَه ببعض الماء البارِد، ثمَّ دخل إلى غُرفة الطَّعام.

كانت زوجته (رجاء) تجلِس إلى مائدة الطَّعام، نظر إليْها، نظرتْ إليه، وككلِّ يوم جلس على مقعدِه، نظَر إلى الأطباق أمامَه،كان البيْض مشاركًا في كلّ الأطباق، كاد يبتسِم - لوِ استطاع - متى تصنع هذه الزَّوجة بيضًا بالبيض؟!!

أكل لقمتين من كلّ طبق، ملأتْ له زوجتُه كوبًا من الشَّاي، ارْتشف منه رشفةً، تقلَّصت عضلاتُ وجهِه قليلاً:
- هل يُصنع الشاي بالبيض أيضًا؟! قالَها وهو يعيد كوب الشَّاي إلى المائدة.

بيْنما ظلت هي تنظر إليه بعينين مُحايدتَين، أمسك بكوبِ الشَّاي مرَّة أخرى، شربه في رشفةٍ واحدة، من دون أن يرفَعَ عينَيْه عن مائدة البيض.

ارتدى (رجاء) ملابسَه، نظر إلى (رجاء)، نظرتْ إليْه وهي تُغْلِق الباب خلْفه.

ألْقى عليه العمُّ (رجاء) بوَّاب العمارة التحيَّة، ردَّ التحيَّة من دون أن ينظُر إلى العمّ (رجاء).

ركب (رجاء) سيَّارته وأدار المحرِّك، تَحرَّكت به السَّيَّارة ببطء، وببُطء دخل إلى غرفة مكتبِه، كان زميله (رجاء) مسندًا رأسَه إلى كفِّه وقد أغمض عينيْه، نظَر إلى الجهة الأخرى، كانت زميلته (رجاء) منهمِكة في العمل لدرجة أنَّها لم تشعر بدخوله.

جلس (رجاء) إلى مكتبِه، دخل السَّاعي (رجاء) وضع كوبًا من الشَّاي أمام (رجاء)، والذي قال:
- بالنعناع أم بالبيض؟

لكنَّ العمَّ (رجاء) خرَج ولم يبستم هو أيضًا.

أنهى (رجاء) بعض المعاملات بعد أن شرب كوب الشَّاي، سحب صحيفة من أحدِ الأدراج وأخذ يقرؤها، أتمَّ (رجاء) قراءة الصَّحيفة، نظر إلى السَّاعة في معصمه، طوى الصَّحيفة، سقطت عينُه على تاريخها، كانت صحيفة الأسبوع الماضي، أعادها إلى الدرج.

غادر (رجاء) مكان عمله، تناوَل غداءه مع (رجاء) بعد أن عاد إلى المنزل.

دخل (رجاء) إلى غرفتِه، أغفى قليلاً ثمَّ خرج وجلس على الأريكة، صبَّت له (رجاء) كوبًا من الشَّاي، احتساه دون أن يعلِّق.

تابع (رجاء) مسرحيَّة تُعرض عبر الشَّاشة الصغيرة، من دون أن يرفع صوت التلفاز، ثمَّ أخذ يُراقِب السَّاعة المعلَّقة على الحائط، راح (رجاء) يعدّ الدَّقائق حتَّى تأكَّد أنَّ السَّاعة تَحمل في أحشائها ستّين دقيقة، كلَّت عيناه من عدِّ الثواني.

استلَّ (رجاء) جسدَه من فوق الأريكة، دخل إلى غرفة نومِه، ألْقى بجسده على السَّرير، أنَّ السَّرير وهو يتلقَّى الجسد المنهَك.

نشرت الأقصوصة مجلَّة (الشروق) الإماراتيَّة في عددها رقم (75) في 9/ 15/ 9/ 1993م.

تحت توقيع: سالم المختار الشنقيطي، وذيَّلتْها ببعض عبارات التَّشجيع:
"نتمنَّى للصديق سالم المختار الشنقيطي مستقبلاً قصصيًّا جيدًا، ونأمل أن يتواصل مع الكتابة.

وإذ ننشر هذه القصَّة القصيرة فإنَّنا نشيد بأسلوب كتابته وقدرته على تقديم صورة قصصيَّة موفَّقة".



شهادة تقدير

أعادت (حنين) فنجان الشَّاي إلى مكانه بعد أن رشفت منه رشفة صغيرة، دون أن ترفع عينيْها عن الشَّهادة المعلَّقة على الحائط داخل برواز مذهَّب، شهادة الدولة التقديرية، شهادة تُثبت المكانة المرموقة للكاتب الكبير (رائد سعيد) جد (حنين)، والَّذي عاد البارحة فقطْ من رحلة علاج واستجمام، جفلت (حنين) حين وضع جدُّها يده على كتفِها حيث لم تسمع خطواته، قبَّلت يده، قالت:
- إلى المكتبة؟ لا شكَّ أنَّك تفتقِدها.

قال - وهو يأخُذ طريقه إلى المكتبة -:
- ومن لا يفتقد حبيبتَه بعد شهر كامل؟!

فتحت (حنين) باب المكتبة، وهي تقول:
- تفضَّل لترى كمِ اعتنيتُ بها في غيابك.

وبالفعل كانت المكتبة مرتَّبة، نظيفة، لا تُوجد بها ذرَّة تراب، وكأنَّ صاحبَها لم يغِب عنها شهرًا كاملاً، أمَّا المكتب فإنَّ تلاًّ من المظاريف الَّتي تعلو طرفه الأيمن كان لافتًا للنَّظر، سحبت (حنين) الكرسي ليجلسَ جدُّها، جلس ببطء، وهو يسأل:
هل اطَّلعتِ على ما بداخل هذه المظاريف؟

أخذت (حنين) نصْفَ دوْرة لتجلِس أمام المكتب، وأجابت:
- نعم، هُناك كتُب مهْداة من مؤلِّفيها، وهنالك مَخطوط لكتاب جديد لــ (أمينة سالم) تُريدك أن تكتُب له مقدّمة، وهناك أيضًا نصوص شعريَّة وقصصيَّة لبعض الكتَّاب المبتدِئين يطْلبون التَّوجيه، أمَّا هذه فرسائل خاصَّة، لَم أفتحْها.

وضعتْ (حنين) الرَّسائل أمام جدِّها، وأخذت تتسلَّى بتقْليب صفحات أحد الكتُب المهداة إلى جدِّها، بيْنما كان يفضّ بعض الرَّسائل: الرسالة الأولى من أحد الكتَّاب يشكُره فيها على إهدائِه له آخِرَ كتُبه، أمَّا الرّسالة الثَّانية، فكانت تهنئة بعيد الفِطْر، تاهت في البريد لأكثرَ من ثلاثةِ أشهُر، قال وهو يضع الرّسالة على طرف المكْتب:
- تصوَّري بطاقة تَهنئة تصِل بعد أكثر من ثلاثة أشهر؟!

قالت (حنين) وهي تقلِّب صفحات الكتاب الذي بين يديْها:
- عجيبة! آخر دراسة نشرَها المركز الوطني تؤكِّد أنَّ نسبة فقدان الرَّسائل أو تأخُّرها في السَّنوات العشْر الأخيرة لَم تتجاوز 03%.

وحين لم يعلِّق جدُّها أغلقتْ (حنين) الكتاب ونظرتْ إليْه.

ارْتدى وجهُها ثوبًا من الدَّهشة وهي ترى دمعةً تأخُذ طريقَها لتسقط على الرّسالة التي أمامه، قالت (حنين) بعد أن وجدتْ لسانَها:- ما الأمر يا جدِّي؟!
وحين لم تتلقَّ إجابة دارتْ حول المكتب لتقِف خلْف جدِّها، نظرتْ إلى الرّسالة بِها أسطُر قليلة كأنَّها برقيَّة، قرأتْها:

"الأديب الكبير رائد سعيد:
تحيَّة طيّبة، بناءً على وصيَّة والدنا، يؤْسِفنا أن نُخبِرَكم بوفاة حمّود خالد.

وبعد ذلك التَّوقيع: محسن بن حمود خالد".

وضعتْ (حنين) يديْها على كتفي جدِّها، كان يُغالِب البُكاء، وحين أحسَّت أنَّه هدأ سألتْه:
- هل آخذُك لغرفتك لترتاح؟
- أنا بِخير، أحْضري كوبًا من الماء.

هرعت (حنين) إلى المطبخ، أحضرتْ كوبًا من الماء، ناولتْه لجدِّها، تناوله دون أن ترتعِش يدُه، ارتشف منه رشفتين، أعاده إلى (حنين)، وضعتْه على الطَّاولة الصَّغيرة التي أمام المكتب، عادتْ (حنين) لتقِف خلْف جدِّها، وضعت يديْها على كتفيْه:
جدّي مَن يكون (حمود خالد) هذا؟ ليس كاتبًا مشهورًا ولا شخصيَّة عامَّة، لم أسمع بِهذا الاسْم من قبل!

تنحْنح جدُّها قبل أن يقول لها:
إنَّها قصَّة قديمة، ناوليني كوب الماء واجْلِسي.

دارت (حنين) حول المكتب، ناولتْ كوب الماء لجدِّها، رشفَ منْه رشفةً واحدةً، أعادَه إليْها، أعادته بدوْرِها إلى الطَّاولة، جلستْ (حنين) وضعَ جدُّها نظَّارته على المكتب وهو يقول:
كان ذلك قبل نصف قرن تقريبًا، كنتُ غير بعيد من عهْد التخرُّج من الجامعة، وبدأتُ أكتُب في الصُّحف، بدأ اسمي يلمع، حين وصلتْني رسالة وقَّعها قارئ اسمه (حمود خالد) أطْراني كثيرًا، أخبرني أنَّه يضعُني إلى جوار كتَّابه المفضَّلين: (عباس العقَّاد) و (محمد حسين زيدان)، لم أهتمَّ كثيرًا بالرِّسالة رغْم أنَّني أحسستُ ببعْض الزَّهو حين وضعنِي إلى جوار (العقاد) و (الزيدان)، وكنتُ أحبُّهما جدًّا، أخذ نفسًا عميقًا ثمَّ تابع:
لكن (حمود خالد) رسخ في ذِهْني لمواقف ثلاثة ... أشار إلى كوب الماء، تناوله من يد (حنين)، ارتشف منه رشفة واحدة، وأعاده إلى (حنين).

- الموقف الأول: حين انقطعتُ عن الكتابة لبعض الظُّروف لمدَّة عام، كتب لي مرَّتين يسأل عن سبب انقِطاعي، أكبرتُ له هذا الاهتِمام، وكان أوَّل شيءٍ فعلتُه حين واصلتُ الكتابة، أنِّي شكرتُه بصدق.

- والموقف الثَّاني؟ قالت (حنين).

- الموقف الثاني: حين أصدرتُ كتابي الأوَّل بدأت الإطْراءات تتوالى، ونُشرت عنه دراسة في مجلة شهريَّة، في خضمّ كلّ هذا وصلتْني رسالة من (حمود خالد)، أشاد بالكتاب في سطريْن أو ثلاثة، ثمَّ أخذ يُناقِش الأفكار الصَّغيرة في الكتاب في أكثر من عشْر صفحات، تضايقْتُ قليلاً، فحين يُشيد كبار الكتَّاب بالإصدار يأْتي قارئ لينتقِد الكتاب، لكنَّني شعرت ببعض الصِّدْق بين سطوره، فعلَّقت على رسالتِه في زاويتي.

لاحظت (حنين) أنَّ جدَّها طوال حديثِه يضَع نظارته على عينيْه مرَّة، ومرَّة يُعيدها إلى المكتب، سألتْه:
جدّي، هل أنت مُتْعَب؟

- قليلاً، سوف أخلُد إلى الراحة بعد أن أحدِّثك عن الموقف الثالث، تعوَّدتُ بعد ذلك أن تصِلَني من (حمود خالد) تعليقات على بعض كتاباتي، بطاقات تهنِئة في الأعياد، إلى أن كان ذلك العام الَّذي لا أنساه 1420 هـ العام الَّذي وُلد فيه خالُك (سعيد)، نَشَرت بعضُ الصُّحف الخبر، تلقَّيت سيلاً من رسائل التَّهنئة، كانت كلّها تناديني (أبا سعيد).

قاطعتْه (حنين):
إلاَّ رسالة (حمود خالد)؟

كيف عرفتِ؟
مجرَّد توقُّع.

كما توقَّعتِ، افتتح (حمود خالد) رسالتَه بالقول:
"إلى أستاذي أبي أذْكار ... وأعقب ذلك سيلاً من الدَّعوات للصَّغير، وختَم رسالتَه:

إذا كنتَ لا تستطيع أن تَمنع توجيهَ كلِّ الاهتمام والحنان إلى القادِم الصَّغير، فلا تَحرم (أذكار) حقَّ الريادة.

وهكذا بُنيَّتي، ورغْم قناعتي برأي (حمود خالد) إلاَّ أنَّ أحدًا لم يأخُذ موافقتي على أن يكنيني (أبا سعيد).

هرعتْ (حنين) إلى جدِّها حين رأتْه يُحاول القيام، ساعدتْه على الوقوف، سار معها ببطْءٍ حتَّى خرج من المكتبة، أطفأتْ (حنين) النُّور، أغلقت المكتبة.

نُشرت بجريدة (الجزيرة) العدد 9150 في 16/ 6/ 1418هـ، مع هذا التَّعليق:
"شهادة تقدير" للأخ محمود المختار الشنقيطي، استطاع "محمود" تحديد الأحداث بقوْلبتها في حالة شعورية معيَّنة لبطل الأقصوصة، ولديه قدرة جيدة على تلمس المشاعر الإنسانيَّة من خلال لغة واضحة ودلالات لفظيَّة بسيطة.
نلاحظ بين ثنايا لغتِه قدرة على الوصْف لتحرك الشخوص المادي الملموس.
ميزة هذه الأقصوصة أنَّها عالجت الفكرة بابتِكار واضح ممتزج بصدق الإحساس الذي يتَّضح في المفاهيم التي يطلقها الشخوص.
نتمنَّى أن يتواصل قلم"محمود"بالأمنيات العذاب بإبداع جميل.



كتاب الطبخ

وضعت (دعاء) جهاز التحكُّم عن بُعد، وذلك بعد أن ملَّت مشاهدة الفضائيَّات، نظرتْ إلى السَّاعة في معصمِها، نَهضتْ مسْرِعة وقد غطَّت وجهَها بوادر القلَق، كان المساء يَمدُّ أطنابه ليغطِّي الكون، وقفت (دعاء) أمام الخيمة ناظرةً إلى البعيد، حزم القلقُ أمتعِتَه ورحل تاركًا خلْفه ابتسامةً عريضة على وجه (دعاء) حين لمحتْ (صالحًا) ممتطِيًا حمارَه.

(صالح) الذي توجَّه بعد طلوع الفجر مباشرةً إلى مركز البريد في القرية التي لا تبعد كثيرًا، ذهب ليُحْضِر الرسائل والكتُب، ذلك الهمّ الَّذي شيَّب (صالحًا)، وجعل الصَّحراء تنتقِل من خارج الخباء إلى مقدمة رأسِه، غرزتْ (دعاء) عينيْها في وجهِه عندما أصبح غير بعيدٍ عنْها، تلقَّت الرسالة مباشرةً؛ وجْهه العابس يشي بإحْدى حالتين: إمَّا أنَّ الكتُب لم تصِلْ أو أنَّها صودِرت، كانت مع طول العشْرة تعرف أنَّ هذه تكشيرة المصادَرة.

التفتتْ (دعاء) عائدةً إلى داخل الخيمة، في نفس اللَّحظة التي كان (صالح) ينزِل فيها عن حِماره، أخذ شيئًا من الخرج، سحب الخرج من فوق الحمار، وسار دون أن يربِطه، دخل (صالح) إلى الخيمة، حرَّك شفتيْه بما يشبه التحيَّة، ناول (دعاء) كتابًا، جلس على (الفوتيه)، أمسكت (دعاء) بالكتاب، أطالت النَّظر إلى وجه (صالح) قبل أن تُعيد بصرَها إلى عنوان الكتاب، الكتاب الذي تعرِف موضوعه قبل النَّظر إلى عنوانه، والذي كان (مأكولات بحرية من تايلاند)، رفعت (دعاء) وجهَها، صافحتْ وجه (صالح)، كان خاليًا من التَّعبير، بدا وكأنَّه منهمك في متابعة (فيلم) تبثُّه إحدى القنوات، والذي يُظهر فيه (فان دام) براعتَه في القتال رغم بلوغه الخمسين، ظلَّت (دعاء) ترقُب (صالحًا) دون أن تتكلَّم، ودون أن تعلم إن كان يتابِع (الفيلم) بشغف، أم أنَّ الفكر قد شرد به بعيدًا؟ وفي أوج تمعُّنها في وجهه سألها دون أن يرْفع عينيْه عن التلفاز:
- هل تعلمين متى وُلد (فان دام)؟

لَم تُجب (دعاء) وظلَّت ترنو إلى وجه (صالح)، ثم قالت:
- يبدو عجوزًا على كلّ حال.

لم تقُل إنَّها تعرف أنَّه ولد 1961، لم يعلّق (صالح) على الإجابة، عادت (دعاء) تنظر إلى كتاب الطَّبخ.

كتاب الطَّبخ حيلةٌ صغيرة اهتدى إليْها (صالح) بعد أنِ احتار في أسباب عدم وصول الكتب: هل صودرت؟ أم أنَّها لم تُرْسَل أصلاً؟ مِن هنالك انبثقتْ فكرة كتاب الطَّبخ، في كلِّ طلبيَّة للكتُب يطلب معها كتابًا للطَّبخ، فإذا لم يصِلْه كتاب الطَّبخ عرف أنَّ الكتُب لم تُرْسَل، وإذا وصل كتاب الطَّبخ عرف أنَّ الكتب قد حُجر عليْها، وكان يقول:
لم نسمع عبر تاريخ البشريَّة أنَّ كتابًا للطَّبخ تمَّت مصادرته، فبدأت كتُب الطَّبخ تتوافد على (صالح).

رفعت (دعاء) وجهَها، نظرت إلى (صالح)، رسمت ابتسامة على وجهها وقالت:
- ألا تريد طبخة تايلانديَّة؟!

بدا كأنَّ شبح ابتسامة قد مرَّ على وجه (صالح) وهو يقول:
- لا تايلاندية ولا صينيَّة، لست جائعًا.

كان شبح الابتسامة كافيًا ليجعل (دعاء) تحاول إخراج (صالح) من الاكتِئاب الذي ينتابه كلَّما تعثرت الكتب، وهي في طريقها إليْه، قالت:
- يعني ما سألتَ عن (الغبرا)؟!

هذه المرَّة ابتسم (صالح) وهو ينظُر داخل عيني (دعاء)، وكأنَّه يقول لها: أنَّ رسالة محاولتِها التَّخفيف عنه قد وصلتْ.

(الغبرا): هي عنْزته المفضَّلة، كان إذا زاره ضيفٌ ثقيل الظِّلِّ، تركها تدخُل إلى المجلس وأخذ في ملاطفتها، فإذا تعجَّب الضَّيف قال (صالح):
لا تعجب، هذه عنزة مثقَّفة؛ قد أكلت بعضًا من مقدِّمة ابن خلدون، وأوراقًا من كتاب البخلاء للجاحظ، ومَلْزمة من القاموس المحيط للفيروزآبادي، ثمَّ يوجِّه (صالح) كلامَه إلى الضيف الثقيل:
- ألا ترى أنَّها أكثر ثقافة من كثير من البشر؟!
ويحتار الضَّيف في الإجابة!

نهضت (دعاء) مُمسكة بكتاب الطبخ التايلاندي، وقالت لـ(صالح):
- سأضعُه مع بقيَّة كتُب الطَّبخ.

نُشرت بجريدة (المدينة) .. بملحق "الأربعاء) .. سنة 1424هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القصص في القرآن الكريم
  • وسهمٌ للصدَقة (قصص قصيرة)
  • الإبهام إلى الأسفل! (قصة)
  • من واقع التعليم ( قصص قصيرة جدا )
  • قصص قصيرة جدا (1)
  • شوارد حرة .. قصص قصيرة جدا
  • قصص قصيرة جدا
  • قصص قصيرة جدا
  • يظنون (قصص قصيرة جدا)

مختارات من الشبكة

  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص رائعة للشباب - وقفات تربوية (قصص عن تقوية الإيمان)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • قصص رائعة للشباب - وقفات تربوية (قصص إيمانية)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة قصص الأنبياء (يواقيت البيان في قصص القرآن)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • القيم المستفادة من قصص الأطفال للكاتب "السيد إبراهيم"(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • مصادرة وقصص أخرى (قصص قصيرة جدًّا)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب