شجر الحقيقة ( قصيدة )

شجر الحقيقة

(1)

إني أنا المجروحُ في جوفي الصَّدى

وأنا المدانُ...

تلوتُ عن أياميَ الأولى حكايتَها...

وأرَّخت المكانَ...،

قبست من شجر الحقيقةِ دمعتي

ورسمتُ ليلي في أنامل وردةٍ

وكتبت عن صبح المواجدِ...

ما يقول العاشقونَ لدهرِهم

(ما ليس يتلى حين تغتمض الجفونُ

وتستريح المقلتانِ)...

أنا الذي في الفجر...

أكتشفُ الورود بمِعطفي

وأزوِّدُ الأيام بالكلماتِ...

عن حزنِ المغنِّي حين يشنقهُ الغناءُ....

ولست أخرجُ من دوائر أيكَتي

إلا لأجرحَ صمتَكُم يا جالسينَ...

على الهوانْ

يـا ليت هذا الشعرَ...

يصمتُ في دفاترنا

ويا ليت المغنِّي حين يذبحهُ الأنينُ....

ينامُ عن صَلفِ الزمانْ

قد وزَّعوا في كل فجٍّ من رياحهمُ السمومِ....

قوافلاً

وتلَوا على أيامنا الوجعَ المدمَّى،

والتوترُ صارخٌ في كل آنٍ....

والحقيقة وردةٌ مشنوقةٌ....

بيدِ السماسرة الأُلَى

طعنوا حشاشةَ صبحنا

فتمردت في الفجر أغنيتانِ....

واتسعَ الهوانْ

وأنا المدانْ

ركَّبتُ من شَظفِ الحروفِ قصيدتي

وتمرَّغت في الطين قافيتي وأسلمَتِ الكيانْ

لمشارق الملكوت حين تغيبُ....

في سحُب الدخان الوردة المعطارُ....

أو زُمَرُ البلابل....

حين يفجؤها الطِّعانْ

لا.. لستُ من نفسي أروغُ...

ولستُ في وجعي أهيمُ....

وربَّما أترعتُ أيامي بسنبلةِ الأسى

لكنني متدثرٌ بالنائمين على الفجيعةِ...

ليلهم ظمأٌ وصبحُهم امتهانْ

لا.. لست أغفُلُ عن حقيقة دمعةٍ....

سقطت فأحرقَتِ المخاتل والجبانْ

يا صبحَ أيامي الكئيبةِ...

حسبكَ اتسع السعارُ...

ورفرفَت في الجوِّ خلف حمامة الأيامِ....

عِقبانُ الزمانْ

وتلوَّن الثعبان في أثوابهِ الحرباءِ...

وامتشقَ العِنانْ

من ذا يقودُ النائمين....

إلى حتوفهِم الوشيكةِ....

خلفَ سوسنةِ الأرقْ...؟

من ذا يرقُّ...

لطفلِنا المذبوح بين رصاصة المعنى

وإذعانِ الورقْ؟

من ينطلقْ؟

ليواصل الترنيم للفجرِ الصدوق...

المصطفِقْ؟

إنَّ اتشاحَ "اللاتِ" بالملقِ الخبيث....

قد استباح المنطلقْ

وانداح قلبُ الحرف في كلِّ السماواتِ....

الذبيحةِ كالشفقْ

ودمٌ وأشرعةٌ بقلبي...

تهتفُ الأضواء فيها، وانزياحاتُ الأفقْ

يا هذه اللغة التي استعصَتْ

على شفتي، أرقتٌ... وكل إبحاري غرقْ

وجبينيَ المصلوب في شجر الكلام....

شهادة ٌ

وجريمة ٌ

وشموع ليل تحترقْ

وأنا الأرقْ

•••••

شجر الحقيقة متعب الأوراقِ

وحديقةُ المعنى جحيمٌ باقِ

يا أيها الماشونَ في سحنِ العبيدِ

وصبحهُم ينساب في الإملاقِ

لا تركضوا خلفَ السرابِ، فإنما

خنق السحابُ بهذه الآفاقِ

لا تشربوا دمع العيونِ توسُّلاً

للعابث الضلِّيل والأفَّاقِ

قوموا لتكتشفوا حقيقةَ مَوتكمْ

وتعلَّقوا بحبائل الرزَّاقِ

هذي جيادُ الفجر مسرَجةٌ، وذي

أعرافُها لمعتْ لذي الأحداقِ

هذي نصالُ الثورةِ البيضاءِ قد

برقتْ، ولمعُ حروفها إبراقي

من كان يسكُنه حبائلُ صمتهِ

فليرتشِف خفقَ الدمِ المُهراقِ

أو كانَ يلعقُ في جدائلِ موتهِ

فليكتشِف أني فكَكتُ وَثاقي

♦♦♦♦♦

(2)

تلوتُ على أعتابها لُغتي التي

تفوحُ برَيَّاها زهورُ الحقيقةِ

وأترعتُ ليل المدنفينَ بلَهفتي

فغنَّى حمام الوصل فوقَ حديقتي

أنا العاشقُ الهيمانُ منذ اكتشفتها

سعيتُ إليها موغلاً في غوايتي

وأشربت كأس الصبر من طلِّ ريقها

وعاقرتُ أنداء الظلال الوريفةِ

هي الجنة المعطاء والبوحُ أيكتي

وعصفورُ أشواقي يهيمُ بوردةِ

فيا لغةً مِن شهدِها يشتفي الجوَى

ويرتاحُ ليل العاشقينَ بروضةِ

أعيذكِ من ذبحٍ بأعتاب عابثٍ

ومن صولةٍ في الغيِّ تُزري بمُهجتي

فهل أنا إلا من قوافلِ مَن سرى

وفي الليلِ تَسبيحي، وفي الصبحِ خفْقَتي

•••••

حَصانٌ أنت بين الغانياتِ

وتنسكبينَ في دميَ المعلقِ في الشتاتِ

لنا لغةٌ موحدةٌ

ووجدٌ عالقٌ في الأغنياتِ

وليلُ أصائلي وجَعي المدمَّى

وانفلاتي

وحين أحبَّكِ الثمر الشهيُّ بمهجتي

نزفَ الجوى

واسَّاقطت من برتقالاتِ التغنِّي

زهرتي ورؤى مماتي

ممات لا كما فعل الحواةُ

فأطفؤوا القنديلَ في لهَواتهم

وتترَّسوا بالترهاتِ

ممات لا كما فعل الجناةُ على الحقيقةِ....

حين تَشدو دمعةٌ في عين طفلٍ...

إذ يحاصرها شتاتي

•••••

لا تنقلوا عنِّي سوى نزفي

ولا تتوضؤوا من ماء أُغنيتي

إذا لم ينسكِب من كوثري

ماءُ الحياةْ

لا تنقلوا عني سوى وجعي السميَّ

فوردتي سكنتْ جباه الكادحينَ

ولم يوشوشها العصاةْ

ما مات من نبتت على كفيهِ أزهار الإباءِ

وزقزقات الفجر تُمعن في الثباتْ

هل أصطفى نوَّار أيامي

من الكلمات أم أنزاحُ في أصداء...

من ماتوا..؟

ومن قتلوا الزهور الملهماتْ؟

يا وردة الملكوت....

ها وردُ الحقيقة في دمي

شعبٌ يجسده الهتاف الحرُّ

والعصفور ما بين انبعاثِ الروحِ...

في جسدي

وما بين الرُّفاتْ

لا يستريحُ سوى لأيكتهِ

ولا يصغي المدى إلا لنغمتهِ...

ولا ينساق إلا للحروفِ المُشرقاتْ

وصهيل خيلي دمعةٌ للكون...

يذرفُها الأُباةْ

•••••

(كتبوا على جُدرِ العصور قَصيدا

وتهيئوا للفجر رفَّ وليدا

وترشفوا خمرَ السعادةِ إخوةً

فانساب في أيديهمُ إقليدا

هم قيدوا كلَّ الأوابد عنوةً

واسترسلوا نحو السماءِ خُلودا

شهداؤهم شمسُ الضحى، والليلُ قدْ

أضحى بأنوارِ الشهادةِ عيدا

يا من يراهُم والبحارُ أمامهم

ألقَت مقالِدها ترومُ البيدا

يا من يراهم والأناجيلُ التي

في صدرهم قد أشعلَت ترديدا

يا من يراهم والجيادُ بزحفِهم

تتنهَّبُ الآفاقَ تُزجي الصِّيدا

ونشيدهم لغةُ الكتاب ووجهُهم

يجتاحُ أسماع الزمانِ نشيدا

يا من يراهُم حيث حطُّوا رحلَهمْ

واصطفَّ قائدهم يؤمُّ أُسودا

هم يركضونَ بأضلُعي لكنَّني

في جوف أغنيتي قُتلتُ عَديدا

في صحوتي أجدُ الحياة شريدةً

والناس من حولي تعيشُ عَبيدا

وعلى خُطى الإلهامِ أسمعُ خطوهمْ

وأشمُّ ورداً عاطراً منضودا

ورداً من التاريخ يقْطرُ حكمةً

ويزيح من طرقاتهِ الجُلمودا

وهوًى بأفئدة الصدورِ مضمَّرٌ

وحنين نرجسهِ مضى مجدودا

وعلائقٌ في الحق يقرؤها المَدى

ويظلُّ في إقرائها مَشدودا

في جوف قرطبةٍ تلوتُ خُطوطهم

وعلى جبالِ السندِ كنتُ شَهيدا

واشتقت حين قبستُ من خطراتهمْ

أني إليهم قد حُملتُ وَحيدا

كَتبوا على جُدرِ العصور أَنينهم

والليلُ يحفل بالصلاةِ سعيدا

ما بين أورِدتي وبرقِ سحابهم

خَفقُ الحروفِ.. مسهداً مصفوداً

ما بين أوردتي وجيشِ فتوحهمْ

شوقُ القصيدة تَنتهي لتعودا)

♦♦♦♦♦

(3)

أَطلعِ الفجرَ، واكتب نشيدا

وعلى وردةِ الشعرِ....

أطلق حمائمكَ الجاثماتِ....

وعرِّ الجُمودا

فوردتك اللؤلؤيةُ ترجو المَزيدا

وفي الصمتِ عارٌ إذا ما أردتَ الخُلودا

توسل بالصبرِ قبلكَ كلُّ الأباةِ

ولكنما صبرُهم كان صبراً جميلا

ولا يرتوي ظمأٌ في الفؤاد إذا ما أرادَ الصعودا

للَحنِكَ شكلُ الصلاةِ.....

وسجدتُكَ القرمزية تُحْيي الصَّعيدا

لحرفك هذا الجناحُ الرهيبُ.....

ومملكةُ الأُفْقِ ترجو القَصيدا

هنا شجرٌ للحقيقةِ، متَّسعٌ للصدَى

هنا ألَق للبلادِ التي فُتحت.....

فغدَا الفتحُ عيدا

هنا شُرفاتٌ على دَغَلِ الروحِ....

وهْيَ تسافر لا ترتجي أن تعودا

هنا أمةٌ كَتبت لحنَها السرمديَّ

خُلوداً ومجداً تليدا

هنا قَبسُ العارفين....

وأغنيةُ النورِ تمحو الحدودا

لنا وقفةٌ في ظلال الرؤى

والطريقُ امتدادٌ توضأَ بالفجرِ...

حيَّا الشَّهيدا

لنا سجدةٌ في جباهِ الزمانِ

وسوسنةٌ كم أزالَت سُدودا

لنا كلماتٌ على مَفرَقِ الليلِ....

تطلعُ صبحاً وَليدا

•••••

كلماتُنا فوق الطريقِ لواءُ

وحنين فجرٍ صبحهُ لأْلاءُ

كلماتنا فوق الطريقِ معابرٌ

للسالكينَ، وروضةٌ فيحاءُ

من جَوفنا سطعتْ حكايةُ شَمسنا

ودعاؤنا الإصباحُ والإمساءُ

هذي السنابل أَرَّخَتْ لطُلوعنا

وعلى رؤانا تسقطُ الأنداءُ

لولا صهيل الخيل في هذي الذُّرا

ما قامَ فجرٌ أو أطلَّ نداءُ

لولا صهيلُ الخيل ما انزاحَ الدُّجى

وتبدَّلت ذي العتمةُ الخرساءُ

فجرُ الحقيقة مرَّ في أعرافها

يطأُ البلادَ ووجههُ وضَّاءُ

وعلى جبينِ الأرض علَّق وردةً

وتلا نشيدَ فتوحهِ القرَّاءُ

وَثَباتُهم شجنُ الصلاة، وخَطوُهم

رحماتُ أمٍّ، والورى أَبناءُ

وثباتهم فتحُ القلوبِ، وشدوُهم

لغةُ الكتاب تعيدهُ الأصداءُ

هُم أشرَقوا من كل فجٍّ موغلٍ

وتدفَّقوا فانزاحَتِ الظلماءُ

يا ليتَ أني إذ قرأتُ سُطورهمْ

غنَّت بحاري واصطفاني الماءُ

يا ليتَ أني في مشارقِ صُبحهمْ

خيطٌ تُعاودُ نَسْجهُ الأضواءُ

شجرُ الحقيقة رفَّ في أضلاعِهم

فتحضَّرت من سرهِ الأرجاءُ

شجرُ الحقيقة في ربوعِ كلامهم

ثمرٌ شهيٌّ في الربوع يُضاءُ

وأنا وأنتم وردةٌ محبوسةٌ

قد غالها التزييفُ والإرجاءُ

لغةٌ ملفَّقةٌ وصبحٌ ميتٌ

فلتستفيقوا أيها الأُسَراءُ.