• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

محمد مشبال والصورة البلاغية الرحبة

د. جميل حمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/12/2013 ميلادي - 25/2/1435 هجري

الزيارات: 26150

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

محمد مشبال والصورة البلاغية الرحبة

 

" إن البلاغة تتسع لرحابة الإبداع الأدبي الإنساني" محمد مشبال، أسرار النقد الأدبي، ص: 86.


المقدمة

يعتبر الباحث المغربي الدكتور محمد مشبال من أهم المهتمين بالبلاغة بصفة عامة، والصورة السردية والحجاجية بصفة خاصة، كما يبدوذلك جليا في مجموعة من مؤلفاته البلاغية، وبالأخص كتابه (مقولات بلاغية في تحليل الشعر)[1]، و(الصورة في الرواية)[2]، و(بلاغة النادرة)[3]، و(أسرار النقد الأدبي)[4]، و(الهوى المصري في المخيلة المغربية- دراسات في السرد المغربي الحديث )[5]، و( البلاغة والأصول: دراسة في أسس التفكير البلاغي عند العرب- نموذج ابن جني)[6]، و(البلاغة والسرد)[7]، بله عن مقالات نقدية كثيرة في البلاغة والحجاج والسرد، يصعب إحصاؤها واستقصاؤها وتجميعها في هذا الحيز المحدود.


بيد أن ما يهمنا، في إنتاجات الدكتور محمد مشبال، هورصد معيار الصورة السردية لديه تنظيرا وتطبيقا، بغية التعرف على مفهوم التصوير اللغوي عند الباحث، وتبيان مفهومه للصورة السردية الموسعة بصفة عامة، والصورة الروائية بصفة خاصة، سيما أن محمد مشبال من المكثرين في مجال البلاغة والسرد والحجاج على المستوى العربي، ومن المتميزين في هذا المجال تأليفا وكتابة وتتبعا وتكوينا وإشرافا.


إذاً، كيف تعامل محمد مشبال مع الصورة السردية الموسعة؟ وما آليات الصورة الروائية عند هذا الباحث نظرية وتطبيقا؟ هذا ما سوف نرصده في هذين المبحثين المتتاليين.

 

التصور النظري:

يدعومحمد مشبال، في كتابه القيم (أسرار النقد الأدبي)، إلى توسيع البلاغة على غرار دعوة أمين الخولي في كتابه (فن القول)، حينما أثبت بأن البلاغة " في حاجة إلى سعة شاملة، وبسطة وافرة.[8]" ومن ثم، تنبني دعوة محمد مشبال على دراسة النص بدل الجملة، وتوسيع البلاغة لدراسة النثر الأدبي والسرد العربي القديم (الخبر، والحكاية، والنادرة، والطرفة، والكذب، والأحجية، والنقد...)، بدل الاقتصار على فن الشعر فقط. كما تستند هذه الدعوة إلى دراسة السمات الفنية والجمالية والأسلوبية في إطار سياقها الكلي العام، مع دراسة الأساليب في بناها ودلالاتها ووظائفها وأبعادها الاجتماعية والإنسانية، ثم الانفتاح على جميع الأجناس والأنواع الأدبية، سواء أصيغت شعرا أم نثرا. وفي هذا يقول الباحث:

• تقترح البلاغة المجددة أن تصبح وحدة التحليل متمثلة في النص بدل الجملة؛ وبذلك يغدوموضوع الدرس البلاغي القصيدة الكاملة أوالنص النثري بتمامه؛ وهوما يؤذن بانفتاح البلاغة على الأدب بمدلوله الإبداعي الحي.


• تدعوالبلاغة المجددة إلى درس السمات الأسلوبية الجزئية في سياق المعنى الكلي للنص أوقصد الكاتب. وعلى هذا النحويتجاوز الدرس البلاغي البحث في الأسلوب بمدلوله اللغوي إلى البحث في المعاني الأدبية بماهي روح العمل الأدبي ولبابه.


• تعمل البلاغة المجددة إلى درس الأساليب الفنية المعتمدة في العمل الأدبي؛ من حيث وظائفها الأدبية ودلالاتها الاجتماعية والإنسانية.


• تقوم البلاغة المجددة على مبدأ دراسة وتحليل جميع الأنواع الأدبية شعرية ونثرية، قديمة وحديثة. وبهذا لن يقتصر الدرس البلاغي على معالجة الشعر أوفنون القول الأدبي القريبة منه كالخطابة والترسل، ولكن سيشمل أيضا أنواعا أدبية سردية كالمقامة والخبر والقصة والرواية. وسيكون أساس البحث في جميع هذه الأنواع، اعتبار ما تتقوم به من مكونات وسمات خاصة بكل نوع.[9]"


ومن ثم، فالبلاغة الرحبة أوالمتجددة هي التي تدرس مكونات الأنواع الأدبية وسماتها الفنية والجمالية. ومن هنا، فالمكونات هي عناصر ثابتة في الأدب، مثل: مكون الحدث، ومكون الشخصية، ومكون الفضاء، ومكن الوصف، ومكون الرؤية السردية، ومكون اللغة والأسلوب. في حين، تتميز السمات بكونها خصائص قد تحضر أوتغيب في نص إبداعي ما. وتشكل المكونات والسمات معا ما يسمى بالصورة السردية الموسعة أوبلاغة الصورة الرحبة. ومن هنا، "تستمد البلاغة مفهوم الرحابة من طبيعة تصورها للخطاب الأدبي؛ فهي إذ تتعامل مع الأسلوب لا تختزله في مكونات محدودة، كما أنها لا تختزل الأدب في الشعر، بل تتعاطى جميع الأنواع الأدبية، ولا تنحصر في التصنيف الشكلي للصور البلاغية المتعالية، بل يهمها استشراف ما ينطوي عليه العمل الأدبي من سمات تعبيرية منفتحة، وكشف ما ينضم عليه من دلالات وقيم إنسانية."[10]


هذا، ويشير الباحث إلى بلاغة عامة موسعة ورحبة، اقترنت بعلم السرد مع جيرار جنيت(G.Genette)، وبنظرية الأجناس والأنواع الأدبية مع جماعة (Groupe Mu). لكن المهم، في هذا كله، هوتوسيع البلاغة لتشمل الشعر والسرد معا. و" يبدوأن نعت بلاغة جماعة (مو) بأنها بلاغة عامة يجد مسوغه في طموحها إلى فتح البلاغة على مجال السرد؛ فهم وإن رأوا في اللحظة السيميولوجية مخاطرة إلا أنها تعد خطوة جديدة نحوبناء بلاغة معاصرة. فالوجوه البلاغية التي تترتب على الإجراءات الأساس في الانزياح، لا تقتصر على صيغة للتواصل اللغوي؛ فمنذ فترة تحدث نقاد الفن عن الاستعارة التشكيلية، وبناء عليه يمكن الحديث عن الوجوه البلاغية في الخطاب السردي؛ ويصدر أصحاب البلاغة العامة في نظرهم لبلاغة السرد عن مفهوم الانزياح الذي يحدد بلاغة الرواية بالقياس إلى معيار نظري يرى أن الخطاب شفاف إلى درجة ينساب فيها الحكي على نحومعيار طبيعي؛ وعليه فإن الخطاب الروائي المتسم بالانزياح لا يكف عن تذكيرنا بوجوده الخاص فيما يشبه الزجاج الصفيق الذي يستوقف النظر، ويحجب عنا رؤية ما يوجد خلفه. إننا نتعرف الوظيفة البلاغية في فعلها الجوهري المتمثل في جذب الانتباه إلى الرسالة نفسها وليس إلى العالم الواقعي أوالمتخيل. وتتحقق هذه الوظيفة بواسطة جملة من الانزياحات التي تحدث في مستويات الخطاب الروائي وهي (المدة الزمنية، وتسلسل الأحداث، والحتمية، والسببية، والفضاء، ووجهة النظر). وقد تم افتراض لكل مستوى من هذه المستويات درجات صفر أومعايير ثابتة يتم خرقها بواسطة الحذف والاستبدال والزيادة والقلب، حيث يترتب على ذلك مجموعة من الوجوه البلاغية السردية أوالروائية."[11]


وتتمثل أهمية هذه الجماعة في وعيها المبكر بأهمية توسيع البلاغة لتشمل السرد الروائي، بدراسة المكونات والسمات والنوع الأدبي، والتوقف عند خاصية الانزياح الشعري في النص السردي بصفة عامة، والروائي بصفة خاصة. وفي هذا السياق، يقول الباحث: " لكن ألا يجوز القول إن القواعد البلاغية الكلية المستخدمة في تحديد الوجه البلاغي، قد أنصفت الخطاب السردي الروائي؛ حيث تعاملت معه بناء على مكوناته النوعية (الزمن، والفضاء، والأحداث، ووجهة النظر...)، ولم تعبأ باللغة من حيث هي ألفاظ وتراكيب لا تحوز أية أهمية في السرد الروائي؛ وفي هذا اعتراف على الأقل بما أنجزته جماعة (مو) من خطوات على صعيد بلورة مفهوم البلاغة النوعية؟


صحيح أن هؤلاء لم يدمجوا الخطاب السردي في الخطاب اللغوي المطلق أوفي الخطاب الشعري، وأدركوا أن الرواية باعتبارها خطابا سرديا، تصوغ بلاغتها على أساس مكونات مختلفة عن الشعر، غير أن الإشكال الحقيقي لا يتمثل في مجرد تغيير المكونات واستبدالها؛ إن البلاغة النوعية ليست هيكلا أونموذجا فارغا يعبأ بمكونات الخطابات. كما أن السياق النوعي للرواية لا يتحدد بتلك المكونات السردية فقط؛ فهناك مكونات أخرى لم تكن لتؤخذ في الحسبان بالنظر إلى الطابع التجريدي الذي اكتسبه مفهوم الخطاب السردي في نموذجهم النظري، والذي جعله بعيدا عن مفهوم الجنس الروائي بمعناه النصي أوالتداولي. إن المهم عندهم هوالنموذج وليس النص، القواعد وليس السمات، التجريد وليس التحليل. تعمم البلاغة العامة قواعدها على عموم الخطابات، بصرف النظر عن ماهية هذه القواعد ووظائفها.[12]"


ويضيف الباحث قائلا: "إن الإشكال الذي واجهته جماعة (مو) يتمثل في سعيهم إلى تحديد البلاغة أوالوظيفة البلاغية تحديدا كليا، وهوما جعل تعميمهم أحاديا ومتعاليا، وفي النهاية نجده مقيدا بالسمة الجوهرية للجنس الشعري. نستطيع القول إن هؤلاء لم يحسموا مع مفهوم الوظيفة الشعرية سوى من جهة اللفظ والاصطلاح، أما جوهر المصطلح فقد ظل يتربص بهم ويوجههم حتى وهم يقرؤون الخطاب الروائي بمكوناته النوعية.[13]"


وعليه، يدعومحمد مشبال إلى منهج بلاغي منفتح ورحب، لا يتقيد بالوصفات البنيوية والسيميائية والعلمية الصارمة، فهويدافع عن المقاربة البلاغية التي تنطلق من داخل الإبداع الأدبي، وتعنى برصد فنياته وجمالياته، وتراعي مطالب الإنسان الوجدانية والفنية. والآتي، أنه يستفيد من تصورات أمين الخولي في مجال البلاغة. وفي هذا الصدد، يقول الباحث: " إنني لا أدعوهنا إلى العمل بمنهج أمين الخولي وخطته في التحليل البلاغي، ولكني أرى في تصوره للبلاغة مبادئ يمكن استثمارها في صياغة فكر بلاغي حديث يستجيب لحاجات القارئ المعاصر في تذوق الأعمال الأدبية وتفسيرها وتقييمها؛ إنه فكر بلاغي يقوم في جوهره على مبدأ التواصل الحي والمتجدد مع الإبداع الأدبي والقارئ، ولا يتنكر للمبادئ الجمالية التي رسختها مختلف المناهج والنظريات الأدبية والممارسات النقدية. هذا الفكر البلاغي لا يمكن تصوره بمنأى عن الإبداع الأدبي الذي يشكل نبعا متجددا يمده بالحيوية والحركة، ولآجل ذلك فهوليس من قبيل النظر الخالص، وفي المقابل ليس ممارسة منطلقة حرة لا تملك حدودا تقيدها وتجعلها معرفة منضبطة؛ فأي نظر بلاغي لا يمكن أن يستحيل إلى نموذج فكري مستساغ مالم تراع فيه حدود بلاغية. ولكن الإشكال يتمثل في طبيعة هذه الحدود أوالقيود؛ فالبلاغة الأدبية لا يمكنها أن تقف عند الحدود المرسومة سلفا أوتذعن بالضرورة للقواعد، مادامت تراهن على رؤية رحبة للبلاغة ترتكز على سياقات غير مألوفة في النظر البلاغي المقنن؛ هذا النظر الذي استهلكته مفهومات من قبيل "البيان" و"التحسين" و"الخرق".


تستوعب البلاغة الأدبية هذه المفهومات التقليدية، غير أنها تتعداها إلى المفهوم الرحب الذي يمثله الأدب باعتباره في الجوهر تشكلا شاسعا للوظائف اللغوية، حيث تغدومهمتها الكشف عن هذه الوظائف."[14]


وعليه، تتسم البلاغة برحابتها الواسعة. ومن ثم، فهي تتجاوز القيود والقواعد والتقنين العلمي الصارم، فهي، في اتساعها ورحابتها وشساعتها، أكثر من النص الأدبي والجمالي، فالبلاغة هي رؤية جمالية تستمد من داخل النص. إضافة إلى هذا، يتضمن النص الأدبي صوره البلاغية الضمنية التي تتحدد عبر سياقها النصي والذهني واللغوي والبلاغي. ويعني هذا أن" المحسنات اللفظية والصور البيانية وألوان الخرق الدلالي التي قننتها البلاغة القديمة والجديدة، لا تمثل سوى وظيفة من الوظائف المتعددة التي يفرزها الأدب، ويكشف عنها التحليل البلاغي. إن حدود البلاغة أوسع مما يمكن تقنينه في أبواب أونماذج. إنها تتسع لكل الإمكانات التعبيرية، وتنفتح على مطلق الصنعات الأدبية وشتى صيغ التصوير، وليس لها ضابط سوى وظيفتها الجمالية والإنسانية المتمثلة في تشكيل النص وتعميق الرؤية والاستحواذ على المتلقي واستجلاء القيم الإنسانية.


إن الحدود الرحبة التي تقوم عليها البلاغة الأدبية، تتمثل في استثمارها لعلاقات جمالية يفرزها الإبداع الأدبي؛ فمفهوم البلاغة لا يقوم بالضرورة على مرتكزات مقننة كذلك التي صنفها علماء البلاغة قديما وحديثا في أبواب معروفة، بل يمكن إضافة مرتكزات مستمدة من سياقات لم يتم تسخيرها في بلورة مفهوم البلاغة كسياق الجنس الأدبي أوالنوع الأدبي وسياق القراءة والسياق النصي.


يمكن إغناء مفهوم البلاغة إذن بالكشف عن علاقات جمالية محتملة بين الصور الأدبية وهذه السياقات؛ فالجنس الأدبي بمكوناته المخصوصة يمثل سياقا أومعيارا ضمنيا يوجه القراءة؛ هذا المعيار هوالذي يسمح لنا الآن بالكشف عن إمكانات تعبيرية جديدة وسمات بلاغية لا يمكن تعيينها سلفا، من قبيل ما تم الكشف عنه في بلاغة النثر مثل سمات "العجيب" و"الخارق" و"الطريف" و"الواقعي" و"الشاعري".


لاشك إذن أن استثمار مجموع العلاقات الجمالية التي تنسجها كافة السياقات التي ترتبط بها الصور البلاغية بأشكالها المختلفة، هوما يجعل البلاغة الأدبية تكتسب بعدا من أبعاد الرحابة التي تخرجها من الباب الضيق لبلاغة التصنيفات والخانات. وهي بلاغة رحبة إذ تؤثر الإصغاء للنص الأدبي واكتشاف ما يدخره من أساليب واستشراف ما ينطوي عليه من قيم وقدرة على تصوير الأحاسيس والمشاعر. وهي بلاغة رحبة حيث تستثمر الذوق والتجربة والتأمل والخبرة الأدبية والحياة في تفسير تركيب الصورة الأدبية ودلالاتها."[15]


هذا، ويدافع محمد مشبال عن مكون اللغة في مقاله (اللغة وبلاغة النثر الروائي)؛ لأن كثيرا من النقاد والدارسين انتقصوا من قيمة اللغة الروائية، باعتبارها خاصية ثانوية في العمل السردي، وليس مكونا أساسيا. لذا، أثبت الباحث بأن المقاربة البلاغية الرحبة لها خصوصية كبرى في دراسة الطاقة اللغوية ضمن السياق النصي والذهني والنوعي. وفي هذا يقول الباحث: " وعلى الرغم من أننا نصدر في تصورنا العام عن مفهوم رحب للبلاغة، إلا أننا نتوخى في هذه المقالة ربط البلاغة بالمكون اللغوي في الجنس الروائي الذي درج نقدنا العربي المعاصر على مقاربته بمناهج شكلية وبنيوية وإيديولوجية وسيميائية. إن البلاغة الرحبة إذ تستفيد من هذه المناهج، فإنها لا تتنكر لدور الطاقة اللغوية في الأعمال الروائية، إنها تقنية بلاغية وروائية ينبغي أن تراعى في التحليل والقراءة، كما تراعى المكونات البنائية السردية الكبرى."[16]


ويعني هذا أن مكون اللغة من أهم مكونات السياق النصي، وينبغي أن تدرس اللغة النثرية من خلال مناهج النقد الأدبي، وليس من خلال اللسانيات والأسلوبية مراعاة لخصوصية الوظيفة الأدبية التي يتضمنها النص الإبداعي. وبهذا، يولي الباحث الذوق أهمية كبرى في تلقي النصوص الأدبية، وتقبلها فنيا وجماليا، بدل الارتكان إلى المناهج الوصفية اللسانية والأسلوبية. ولا يعني هذا أن الصورة الروائية مقترنة بتوظيف الصور المجازية توظيفا مترفا، والإكثار منها كما وكيفا كما في الرواية الشاعرية، بل نجد روايات واقعية أكثر بلاغة وتصويرا وتجويدا من الرواية الشاعرية نفسها. ومن ثم، فإن " النقد الذي يرى أن الجنس الروائي تنهض بلاغته على المكون اللغوي ينبغي ألا يصدر عن نظرة معيارية تفضل الاستعارة على الكناية، وتعلي من قدر الرواية الحداثية على حساب الرواية الكلاسيكية؛ فحتى لوافترضنا أن الروائي لا يراهن على البنية اللغوية كما يصنع الشاعر أوالروائي المفتون بجماليات اللغة، فإن على الناقد أن يستثمر الطاقة اللغوية في أعماله الروائية التي يضطلع بدراستها.


والحق أن الناقد الذي يعنى ببلاغة العمل الروائي وقيمته الجمالية يدرك دور الطاقة اللغوية في تكوين هذا العمل. وقد تعرضت هذه الطاقة في الحقل النقدي تارة إلى الإهمال على نحوما صنع النقد الجديد والنقد الإيديولوجي، أوإلى الاستثمار غير الناجع على نحوما صنع معظم الأسلوبيين، تارة أخرى إلى التصريف كما فعل البنيويون، أوالإغناء الذي اضطلع به ميخائيل باختين عندما دعا إلى منهج جديد في التعامل مع لغة الرواية.


وجملة القول إن تحليل المكون اللغوي في النثر الروائي يستدعي إثارة مجموعة من القضايا المرتبطة بمناهج القراءة وأصول الخطاب النقدي وطبيعة الجنس الروائي."[17]


وإذا كان حميد لحمداني يرى أن اللغة في الرواية ثانوية، إذ يمكن أن يستغني عنها الروائي لحساب المكونات الأخرى كما في قوله هذا: " إن اللغة...في الحكي، وفي الرواية بشكل خاص غالبا ما تشكل مادة أولية فقط، لا ترتبط بها مباشرة دلالة العمل القصصي؛ فهذه الدلالة تتأسس على الأصح من خلال العلاقات القائمة بين الوقائع أوالأحداث، ويمكن القول بصورة أكثر وضوحا، بأن الروائي لا يتحدث باللغة، ولكن يتحدث بالوقائع والأعمال والأفكار، وقد يستغني الروائي استغناء شبه تام حتى عن المظهر اللفظي للغة التي تشكل في الواقع مادة أولية فقط في عمله، حتى أننا نراه يصدع اللغة ذاتها، ويقطعها بحيث تفقد جوهرها المجرد الذي يمثل القوانين اللغوية ذاتها.. إن أسلوب الرواية هوبالأساس أسلوب ذوطبيعة حدثية، وليس لغوية بالدرجة الأولى...فلغة الرواية...تتحول إلى لغة من طبيعة مخالفة يمكن جعلها معادلا للتركيب أوالبناء أوما يدعى عادة بالحبكة."[18]


أما محمد مشبال، فيعتبر اللغة مكونا ضروريا في بناء النص الروائي، وليس مجرد حلية أوزينة أوطاقة زائدة لا قيمة لها في العمل الأدبي. وفي هذا النطاق، يقول الباحث: " هل يستطيع قارئ الرواية أن يتعامل مع مجازاتها وتشبيهاتها واستعاراتها ورموزها واختياراتها اللفظية والنحوية وغير ذلك من الوجوه البلاغية المقننة، باعتبارها مادة أولية لا تملك أية دلالة في العمل الروائي؟ ألا تتحول هذه الوجوه إلى مكونات روائية مثل باقي المكونات التي تصنع منها الرواية؟ ماذا يعني التركيب والبناء والحبكة والشخصية والمكان والزمان خارج مقولة اللغة الروائية باعتبارها عبارات تكوينية وليست تشكيلات لفظية منكفئة على ذاتها؟ وهل يملك القارئ أن يتجاوز ما يجريه الروائي في لغته من انتهاكات وتحريفات وتشويهات بدعوى أنه قد استغنى عن المظهر اللفظي للغة؟ أم أن في هذا المنزع الأسلوبي المقصود دعوة صريحة للاهتمام بالمظهر اللفظي للغة؟"[19]


هذا، وتلتقي الصورة الروائية - حسب الباحث- مع الصورة الشعرية في كونها إفرازا خياليا وتشكيلا جديدا للواقع، وهيئة ذات طابع حسي وذهني، تقوم بوظائف جمالية ونفسية واجتماعية وإنسانية وتخييلية. ويلاحظ أن نقادنا العرب، سواء القدامى أم المعاصرين، لم ينتبهوا إلى مبحث الصورة الروائية، ولم يكونوا واعين به وعيا حقيقيا، على الرغم من وجود إشارات هنا وهناك، سواء في الحقل الثقافي العربي أم في الحقل الثقافي الغربي. علاوة على هذا، فثمة مجموعة من الدارسين الذين كانوا يقاربون النثر الروائي في ضوء أسلوبية الشعر أوفي ضوء مفاهيم البلاغة التقليدية، دون احترام سياقات الصورة الأجناسية والنوعية والنصية والبلاغية واللغوية والذهنية.


ويختم محمد مشبال كتابه (أسرار النقد الأدبي) بقولة هامة تذهب إلى أن محمد أنقار هوالرائد الحقيقي للصورة الروائية في الوطن العربي. بيد أن النقد المغربي لم يلتفت إلى مبحث الصورة إلى يومنا هذا؛ والسبب في ذلك انشغال هذا النقد بمقاربات نقدية غربية، سواء أكانت إيديولوجية أم لسانية أم أسلوبية. وفي هذا السياق، يقول الباحث: " إذا كان نقد الصورة الشعرية قد رسخ عبر تاريخ ممارسته التحليلية والتقويمية الطويلة تقاليد وإجراءات منهجية متنوعة، فإن نقد الصورة السردية الروائية والقصصية، لا تزال اجتهاداته النظرية وتحليلاته التطبيقية تتحرك في دائرة ضيقة. وقد اتضح في كثير من الأحيان، أن الصورة في النثر كلما اجتذبت النقاد لمقاربتها، كشفت عجزهم عن ضبطها في أصولها النوعية وامتداداتها النصية. على هذا النحوتظل الصورة في معظم الكتابات النقدية الحديثة، مفهوما مصطبغا بقواعد البلاغة وسمات الشعر، ولعله لم يحن بعد أوان اكتسابها لهوية جنسية روائية وقصصية."[20]


وعلى العموم، فقد دافع محمد مشبال عن الصورة البلاغية الرحبة أوالصورة الروائية الموسعة. كما عرض مختلف تصوراته النظرية حول مبحث الصورة الروائية في كتابه القيم (أسرار النقد الأدبي)، حيث قدم الصورة السردية الرحبة بمفاهيم أستاذه الدكتور محمد أنقار، مع تقديم تصورات شخصية جديدة حول السرد العربي القديم، من خلال توقفه عند مجموعة من الصور النثرية الموسعة، مثل: الصورة السردية، والصورة الحجاجية، والصورة الوصفية، والصورة الذهنية، والصورة البلاغية الموسعة...

 

التصور المنهجي:

يتبنى محمد مشبال، في دراساته النظرية والتطبيقية والمنهجية، معيار الصورة الرحبة والموسعة، كما يطرحها محمد أنقار في كتابه (صورة المغرب في الرواية الاستعمارية الإسبانية)[21]، من خلال التوقف عند قواعد الجنس الأدبي، والسياق النصي، والسياق الذهني، والطاقة اللغوية، والطاقة البلاغية، والتسلح بمفهومي المكونات الثابتة والسمات المتغيرة، والإنصات لما هوفني وجمالي وإنساني وتخييلي، بعيدا عن المقاربات العلمية المقننة والصارمة التي تقتل النص الأدبي. وتتحدد هذه الصور في إطار سياقها الكلي العام، بمراعاة السياق الجنسي والنوعي، ورصد طبيعة الـتأثير الذي تمارسه الصورة على المتلقي. ويعني هذا أن محمد مشبال يؤسس بلاغة جديدة هي بلاغة الجنس أوبلاغة النوع الأدبي التي تعتمد على مجموعة من العناصر المنهجية هي: المكونات، والسمات، والسياق بأنواعه (الجنسي، والنصي، والذهني، واللغوي، والبلاغي)، والتحليل الكلي العام، والانطلاق من التخييل الفني والجمالي والإنساني. " إن بلاغة العمل الروائي هي سماته ومكوناته التي توظف على نحوفريد ومؤثر؛ يلتقي الروائي بالشاعر والخطيب والموسيقي والممثل والرسام والنحات في أنهم يتوخون جميعا الاستحواذ على المتلقي وإقناعه. صحيح أننا لا نواجه بلاغة واحدة، لكن جوهر البلاغة البعيد واحد في جميع الأنشطة الرمزية الإنسانية.


إن الحديث عن الوسائل التي يحشدها الروائي في عمله حتى يحقق التأثير الفني المطلوب، وإن اقترن مصطلح البلاغة في ثقافتنا العربية بالوسائل اللغوية البيانية والبديعية التي تجسدت في الشعر والنثر الفنين ولم يتجاوز مدلولها صور الأداة اللغوية على نحوما شكلها الشعراء والناثرون، إلى الدلالة على الأنواع الأدبية أوسمات جديدة تفرزها النصوص.[22]"


هذا، ويتسم مبحث الصورة بتحرره من القواعد العلمية الصارمة، والميل نحوالذوق والرحابة والتأويل والخبرة والتمرس. لذا، يختلف النقاد المحدثون حول مفهوم الصورة الأدبية لأسباب عدة يرجعها محمد مشبال إلى العلل الجوهرية التالية:

1- اختلاف تصور النقاد للتحليل البلاغي بين اتجاهين؛ أحدهما علمي ينزع إلى التقنين والتدقيق، والآخر أدبي ينزع إلى الحرية والرحابة. فالأول يرى في القواعد والقوانين والأبواب والخانات أساسا لبلورة مفهوم الصورة، بينما يرى الاتجاه الثاني في النص الأدبي من حيث هوتحقق إنساني، المجال الأرحب لمواكبة أفانين التصوير التي لا يمكن حصرها أوضبطها على نحوهندسي.


2- اختلاف تصور النقاد حول طبيعة الحدود المتحكمة في ضبط الصورة؛ فبينما ينزع أصحاب الاتجاه البلاغي العلمي إلى التقيد بالحدود الثنائية المرسومة سلفا، من قبيل المشبه والمشبه به، والمستعار منه والمستعار له، وما شابه ذلك من ثنائيات الكناية والمجاز المرسل والمقابلة والتجانس والتورية وغيرها من الوجوه البلاغية، يحاول أصحاب الاتجاه الثاني توسيع هذه الحدود، واستثمار علاقات جمالية أخرى تتسم بالرحابة والتعقيد؛ من قبيل علاقة العبارة اللغوية بسياق النص الأدبي الذي تقع فيه، وعلاقتها بسياق الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه، وعلاقتها بالمتلقي الذي يتفاعل بخبرته وثقافته وجهده في تشكيل الصور. هذه حدود لا ينبغي التغافل عنها في صياغة مفهوم الصورة الأدبية، وضبط أشكالها، ومواكبة تجلياتها في الأعمال الأدبية.


3- اختلاف تصور النقاد حول طبيعة الإمكانات النقدية والمبادئ المعتمدة في التحليل؛ فبينما يعتمد نقاد الاتجاه الأول على مبادئ وقواعد مقررة سلفا، يتجاوز نقاد الاتجاه الثاني تلك المبادئ بحثا عن أشكال تعبيرية وصيغ تصويرية غير مقننة، يسترشدون في تحليلاتهم بالذوق والخبرة والتمرس بقراءة الأعمال الأدبية والفنية وتجارب الحياة."[23]


كما يستند معيار الصورة السردية الرحبة إلى الاستجابات الذاتية، كما يقول ستيفان أتولمان(Steve Ulman) في كتابه (الأسلوب في الرواية الفرنسية): " في واقع الأمر يمكن المرء أن يتعرف عادة صورة ما بواسطة بعض السمات المميزة: الجدة، والقوة التعبيرية، ووجود طابع حسي وتصويري؛ غير أنه لا يوجد حد حاسم لتعرف الصور وتمييزها عن غيرها من الوجوه البلاغية. إنه ينبغي لنا أن نسمح بهامش من الاستجابات الذاتية، وبوجود حالات الاختلاف."[24]


وعليه، يتمثل محمد مشبال معيار الصورة الروائية كما عند محمد أنقار. وفي هذا الصدد، يقول الباحث: "ولعل مقاربة النثر الروائي بمفهوم بلاغي رحب يتجاوز الحدود والوظائف الضيقة، أن يوسع مبحث الصورة، ويشكل سماتها وفق بلاغة هذا الجنس الأدبي الذي يفترض أن تخضع فيه العبارة اللغوية لمكونات سردية ونصية ولغوية وبلاغية...


يفترض هذا الرأي أن الصورة الروائية قد تكون استعارة أوتشبيها أوأي نوع من أنواع المجاز السردي التي نستطيع بسهولة ضبطها وفق القوانين المحددة لها سلفا، وقد تكون مقطعا سرديا، جملة أوفقرة تقريرية عارية عن المحسنات أوتتخللها بعض المجازات الميتة؛ في هذه الحال يواجه الناقد الصعوبة الحقيقية، حيث يتعين عليه أن يحلل الصورة، ويتذوقها ضمن علاقات جمالية واسعة ومعقدة؛ فالوظائف الجمالية للصور الروائية لا تعاين بالنظر إلى علاقات المشابهة والمجاورة، من هنا فإن سمتي" الجدة" و" قوة التعبير" لا تفيدان كثيرا في تقييم الصورة في الرواية، مادام تذوقها يقتضي من المتلقي تحليلها ضمن سياقات كلية؛ أي إنه في تقييمه لصورة روائية معينة، لن يكتفي برصد العلاقة الجزئية بين طرفي الصورة واستنطاق دلالاتها على نحوما يصنع عندما يواجه الصور الشعرية، بل إنه سيعمد إلى ربط تلك الصورة بتفاصيل النص ومكوناته النوعية. وبناء على هذا، فإن القوة التعبيرية لصورة روائية، لا تستمدها من علاقاتها الذاتية، ولكن من وظائفها الجمالية ضمن المجرى التخييلي للنص الروائي باعتباره سياقا مخصوصا من الشخصيات والأحداث والفضاءات.


تقتضي بلاغة النثر الروائي القول إن الطاقة التعبيرية للصورة الروائية تكمن في أنها " تفصيلات تكوينية يتحتم أن تتعالق بانسجام مع سائر تفصيلات النص ذي التحبيك الجيد؛ على هذا النحوفإن الصور الروائية تتمثل في مجموعة من الأوصاف والنعوت والكلمات والتفاصيل والمحسنات ومطلق الإمكانات التعبيرية التي ينبغي معاينتها في ترابطها بسياقيها النصي والجنسي؛ فهذه الصور تندغم في مكونات النص الجمالية والدلالية، وتسهم في تكوين العمل الروائي. إنها لا تنفصل عن البناء الممتد والمتوتر للرواية."[25]


ولم يقف محمد مشبال إلى حد النظرية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى تطبيق معيار الصورة على مجموعة من النصوص السردية، كما يبدوذلك جليا في كتابه (الهوى المصري في المخيلة المغربية)، حيث يقول الباحث محللا رواية (المصري) لمحمد أنقار: " لقد سعت رواية (المصري) إلى أن تتجاوز تصوير تأثير الهوى المصري في الإنسان المغربي الذي تجسد في أحد أشكاله عبر السفر إلى مصر والمغامرة في فضائها العلمي والسياسي والثقافي والاجتماعي، إلى تصوير وظيفته الفنية في العمل الروائي باعتباره سياقا تخييليا ذا حبكة تتسم بالتوتر والدرامية والامتداد السردي. أي: إن الهوى المصري أصبح مكونا سرديا يسهم في بناء بلاغة النص وتكوين دلالاته. فنجيب محفوظ وأم كلثوم وأمكنة القاهرة وشخصيات الأعمال الروائية والنصوص الغنائية وغيرها من مظاهر الثقافة المصرية تعد في هذا العمل سمات فنية يجب قراءتها وتأويلها في سياقها الروائي."[26]


كما استوحى محمد مشبال معيار الصورة السردية الموسعة في كتابه الآخر(البلاغة والسرد)، حيث توقف عند مفهوم التصوير في كتابات الجاحظ، فتحدث عن الصورة السردية والصورة الحجاجية خاصة. وفي هذا الإطار، يقول الباحث: " لا يكاد يخرج مفهوم التصوير في قراءات أدب الجاحظ عن دائرة الوصف الحسي أوالنفسي. غير أن هذه القراءات تتفاوت بعد ذلك في تشخيصها للسمات التي يتجسد بها الوصف، مما يجعل بعضها يستشرف آفاقا جديدة في بلاغة التصوير الأدبي على الرغم من أن أصحابها لم يقصدوا إلى تأسيس أي إطار نظري لمفهوم التصوير في النثر أوالسرد."[27]


وعليه، فقد استفاد محمد مشبال، في معظم دراساته النقدية والأدبية والبلاغية، من معيار الصورة السردية الرحبة، إما بطريقة مباشرة وإما بطريقة غير مباشرة، وإما بطريقة جزئية (الهوى المصري/ البلاغة والسرد)، وإما بطريقة كلية (أسرار النقد الأدبي).


وما يلاحظ على محمد مشبال، مقارنة بمحمد أنقار، أن الأول ينفتح، بشكل من الأشكال، على المناهج النقدية المعاصرة. في حين، يتشبث الثاني بمعيار الصورة الروائية تشبثا كبيرا إلى درجة الإخلاص لها، متجاوزا بذلك كل المقاربات والمناهج النقدية الغربية التي تتنافى مع روح الإبداع الحقيقي.

 

الخاتمة:

وخلاصة القول، يطرح محمد مشبال، في معظم كتبه ودراساته النقدية، مشروعا نقديا جديدا يتعلق بمعيار الصورة السردية الرحبة أوالصورة البلاغية الموسعة. ومن ثم، لم تقتصر تصوراته النظرية والتطبيقية والمنهجية على آراء محمد أنقار فحسب، بل كان الباحث منفتحا، قدر الإمكان، على مكتسبات المناهج النقدية الغربية، مستفيدا من تصوراتها النظرية وآلياتها التطبيقية. بمعنى أن محمد مشبال أكثر مرونة وتساهلا وانفتاحا. في حين، قد تجاوز محمد أنقار كل هذه المكتسبات النقدية الغربية، وهضمها بشكل جيد، ثم ترفع عنها معرفيا وعلميا ومنهجيا؛ لينصت بحذق وذكاء وتمرس إلى نبض النص الأدبي والإبداعي، في كل أبعاده الفنية والجمالية والإنسانية والتخييلية، على أساس تحكيم الذوق والخبرة والممارسة.


هذا، وقد وسع محمد مشبال نطاق الصورة السردية الموسعة لتشمل البلاغة والحجاج والسرد العربي القديم، بعد أن كانت مقتصرة على النصوص السردية القصصية والروائية الحديثة والمعاصرة.


وعلى أي حال، يكفي الباحث فخرا أنه جدد البلاغة المعاصرة بصفة عامة، ووسع البلاغة السردية الموسعة بصفة خاصة. كما ساهم، بمعية زميله محمد أنقار، في تأسيس حلقة تطوان للصورة الروائية التي تخرج منها كثير من طلبة الدراسات العليا الذين حملوا لواء الصورة الروائية، وقد أنجزوا أبحاثهم ورسائلهم وأطروحاتهم العلمية في ضوء البلاغة السردية الموسعة، ضمن مجالات أدبية وفنية متنوعة، والهدف من ذلك كله هوتطوير مفهوم الصورة السردية الرحبة أوالموسعة بنية ودلالة ووظيفة.



[1] د. محمد مشبال: مقولات بلاغية في تحليل الشعر، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1993م.

[2] ستيفان أولمان: الصورة في الرواية، ترجمة محمد مشبال ورضوان العيادي ، منشوراتمدرسة فهدالعليا للترجمة، طنجة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1995م.

[3] د. محمد مشبال: بلاغة النادرة، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م.

[4] د. محمد مشبال: أسرار النقد الأدبي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م.

[5] د. محمد مشبال: الهوى المصري في المخيلة المغربية- دراسات في السرد المغربي الحديث، منشورات بلاغات، القصر الكبير، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م.

[6] د.محمد مشبال: البلاغة والأصول: دراسة في أسس التفكير البلاغي عند العرب- نموذج ابن جني، مطبعة أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م.

[7] د. محمد مشبال: البلاغة والسرد، منشورات كلية الآداب، تطوان، الطبعة الأولى سنة 2010م.

[8] أمين الخولي: فن القول، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى سنة 1947م، ص: 183.

[9] محمد مشبال: أسرار النقد الأدبي، ص: 34.

[10] محمد مشبال: نفسه، ص: 38-39.

[11] محمد مشبال: نفسه، ص: 42.

[12] محمد مشبال: نفسه، ص: 43-44.

[13] محمد مشبال: نفسه، ص: 44.

[14] محمد مشبال: نفسه، ص: 45-46.

[15] محمد مشبال: نفسه، ص: 46-47.

[16] محمد مشبال: نفسه، ص: 49.

[17] محمد مشبال: نفسه، ص: 51-52.

[18] د.حميد لحمداني: أسلوبية الرواية، منشورات دراسات سال، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1989م.ص: 77-78.

[19] محمد مشبال: نفسه، ص: 55.

[20] محمد مشبال: نفسه، ص: 94.

[21] د.محمد أنقار: صورة المغرب في الرواية الإسبانية، مكتبة الإدريسي، تطوان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1994م.

[22] محمد مشبال: نفسه، ص: 48-49.

[23] محمد مشبال: نفسه، ص: 81.

[24] نقلا عن محمد مشبال: نفسه، ص: 88.

[25] محمد مشبال: نفسه، ص: 89-90.

[26] د. محمد مشبال: الهوى المصري في المخيلة المغربية- دراسات في السرد المغربي الحديث، ص: 97-98.

[27] د. محمد مشبال: البلاغة والسرد، ص: 125.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخصائص البلاغية للبيان النبوي
  • بلاغة السرد .. أو الصورة البلاغية الموسعة
  • الرحبة اسم مكان لا اسم كتاب

مختارات من الشبكة

  • محمد المسعودي والصورة الصوفية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • محمد العناز والصورة السردية التراثية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قراءة في كتاب "الإشهار والصورة، صورة الإشهار" لدافيد فيكتوروف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة وأجمل هيئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصورة الشعرية بين الثابت والمتحول في القصيدة العربية (صورة الليل والفرس نموذجا)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هل الرياء يعد صورة من صور النفاق(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • البشير البقالي والصورة السياقية الإبداعية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شعيب حليفي والصورة المرجعية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عبدالرحيم الإدريسي والصورة الشاعرية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حميد لحمداني والصورة الروائية البوليفونية(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
جمعة سعد الشربيني - Egypt 24-11-2021 06:55 PM

رائع..

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب