• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

دير العاقول .. حيث صرع المتنبي

أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/10/2013 ميلادي - 25/12/1434 هجري

الزيارات: 18074

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دير العاقول

حيث صرع المتنبي

دراسة تاريخية طبوغرافية


 

تاريخه قبل الإسلام:

ليس في النصوص التاريخية ما يدل على تاريخ إنشاء (دير العاقول) واسم مؤسسه، خلافًا للعديد من الديارات المعاصرة له[1]، ويبدو أنه اكتسب اسمه من شكل مجرى نهر دجلة القريب منه، فالعاقول، كلمة آرامية - عربية تعني منعطف النهر والوادي[2]. أما اسمه الحقيقي، فليس ببعيد أن يكون مشتقًّا من اسم مؤسسه، أو منسوبًا - كما جرى به العرف - إلى أحد القديسين أو الشهداء، بيد أن معلوماتنا غير كافية لتوضيح هذا الأمر.

 

يرتقي تاريخ دير العاقول إلى عهود ما قبل الإسلام، فقد وردت الإشارة إليه في أخبار السنين الأولى للحكم الإسلامي في العراق. قال الدينوري المتوفى سنة 282هـ/895م عند حديثه عن فتنة الخوارج سنة 39هـ/659م "فاخذوا على الانبار، وتبطنوا شط الفرات حتى عبروا من قبل دير العاقول"[3]. على أن من الغريب حقًّا، أن ليس للدير أي ذكر، باسمه هذا، في مدونات المؤرخين النصارى طيلة القرون الأولى لانتشار النصرانية في العراق، مما يبعث على التساؤل فيما اذا كان للدير اسم آخر عرف به قبل الإسلام.

 

وفي الواقع فإنه يفهم مما أوردته المصادر التاريخية النصرانية أن منطقة دير العاقول هذه كانت حافلة بعدد من الديارات المهمة، وقد ذكر منها ايشوعدناح مطران البصرة في القرن الثالث (التاسع للميلاد) دَيرَين يبدو أنهما كانا قريبين من موضع دير العاقول إلى حد كبير. قال في ترجمته للقديس مار دوسا "أسس دير بيت آرامايي (بلاد الآراميين ويريد السواد) بجوار مدينة بيت اشكفيل، ويدعى دير بحزايي حتى اليوم" ثم ذكر أنه أسسه هو، وأخ له في الرهبنة، اسمه يوحنا "عند قرية اشكفيل التي بجوار دورا قوني"[4]. وعلى الرغم من عدم ورود أية إشارة إلى (بيت اشكفيل) هذه في بلدانية العراق القديمة، كما أن أحدا لم ينوه بدير بحزايي المذكور، فان دورا قوني بقيت معروفة تمامًا طيلة العهود الإسلامية، بسبب اشتهارها بالدير المعروف قُني (أو قوني) نسبة إليها. وبما أن الأخير لم يكن يبعد عن دير العاقول - كما سنلاحظ في بحثنا - سوى بضعة كيلو مترات فقط، يكون دير بحزايي هذا اقرب المواضع إلى موقع دير العاقول، بل قد يحتمل القول بأنه ليس إلا دير العاقول نفسه، بيد أن الأمر يبقى مجرد ظن طالما لم تظهر نصوص جديدة تؤكده، لا سيما وان كاتب الترجمة لم يذكر لنا أي شيء يمكن الاستدلال به على عصر مار دوسا المذكور.

 

أما الدير الآخر الموصوف بقربه من دير قني، فهو الذي أسسه مار كبرييل (جبرائيل) الكشكري. وقد ذكر ايشو عدناح أنه أسس ثلاثة أديرة في أماكن مختلفة من العراق، واحد منها (بقرب دورا قوني)، وأشار في ترجمته له أنه أقبل إلى "دورا قوني حيث شيد ديرًا بجوار قرية كرسا، ودعي دير كرسا حتى اليوم، واجتمع فيه إلى مائتين (كذا) أخ (راهب)"[5]. والظاهر أن هذا الدير هو الذي عرفه ايليا برشنايا (توفي 438 هـ/1046م) باسم (عمر [6] مار جبريال د كرسا) [7]. وليس لكرسا هذه أو ديرها أي ذكر لدى البلدانيين العرب، على أن وفاة كبرييل المتأخرة (سنة 121 أو 122/ 738-739) تؤكد أن تأسيس الدير كان بعد دير العاقول بفترة طويلة.

 

دير العاقول في العهود الإسلامية:

كثرت الإشارات إلى دير العاقول في كتب المؤرخين والبلدان وأهل الأدب، على حد سواء، منذ القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد). ويفهم من تلك الإشارات أن بلدة كبيرة كانت تقوم بجواره. وإذ كنا نجهل تأريخ تأسيس الدير نفسه، فأنه يصبح من المتعذر تحديد زمن نشوء هذه البلدة. وفي رواية متأخرة نقلها ابن طولون الصالحي الدمشقي (المتوفى سنة 953هـ/ 1546م) إن قرية في نواحي الصلح الأعلى فوق الجانب الشرقي من واسط كانت تدعى في النصف الأول من القرن الأول للهجرة (السابع للميلاد) باسم (العاقول) [8]ض وأغلب الظن أنها نشأت بعد تأسيس الدير، لأنها انتسبت إليه، فعرفت باسم (قرية أو بلدة أو مدينة دير العاقول)، ولو كان وجودها سابق عليه، لانتسب الدير إليها بطبيعة الحال.

 

ويبدو أن لوقوع الدير في منطقة خصبة غناء، تحدها دجلة من الغرب، وتغذيها فروع النهروان من الشرق، أثره في ازدهار تلك المدينة وازدياد أهميتها، حتى أصبحت المركز الرئيس لطسوج النهروان الأوسط[9]. وعدت من أكبر مدن منطقة النهروان بأسرها. وقد وصفها اليعقوبي بقوله أنها "مدينة النهروان الأوسط، وبها قوم دهاقين أشراف"[10]. ولاحظ المقدسي أن "ليس على دجلة من نحو واسط مدينة اجل من دير العاقول، كبيرة عامرة آهلة"[11]. وذكر ابن رستة أن "بدير العاقول مسجد جامع وأسواق ومآصرة، وبها أصحاب السيّارة (ضرب من السفن)، ومآصر على دجلة[12]". ووصف هذه المآصر فقال "تشد سفينتان من احد جانبي دجلة، وسفينتان من الجانب الآخر، أو تشد السفن على الشطين، ثم تؤخذ قلوس (حبال) على عرض دجلة، وتشد رؤوسها إلى السفن لئلا تجوز السفن بالليل". وكان اتخاذ هذه المآصر وسيلة للتحكم في سير السفن، وجباية الضرائب منها واخذ العشور[13]. وهذا كله يؤكد أهمية مدينة دير العاقول وخطورة شأنها في ذلك العهد.

 

وبسبب هذه الاهمية المتزايدة، فقد تكرر اسم الدير ومدينته في مصادر تلك الفترة. ففي سنة 201هـ/816م نزل به أحد أعوان الحسن بن سهل، وهو محمد بن خالد المروزي، ثلاثة أيام، وذلك في أثناء الاحداث التي رافقت ولاية المنصور بن المهدي ببغداد[14]. وفي عام 262هـ/ 875م هبط دير العاقول يعقوب ابن الليث الصفار قاصدًا حرب الخليفة المعتمد العباسي. وطارت شهرة الدير عندما دارت معركة كبيرة في قرية اعلاه تعرف باسم (اضطربد) "انكسر فيها جند يعقوب شر كسرة"[15]. وتكرر ورود اسم دير العاقول في أثناء تحركات الجيوش العباسية للقضاء على ثورة الزنج بوصفها محطة مهمة على الطريق[16]، كما ورد اسمه أيضًا في أثناء احداث سنة 319هـ/931م[17] و326هـ/ 937م[18].

 

تفيدنا الاخبار بأن (مدينة دير العاقول) هذه كانت محاطة بعدد كبير من القرى الغناء والبساتين النزهة، وردت اسماء بعضها في كتب البلدانيين العرب، مثل دير قني، والجديدة، والصيادة، واضطربد، وسيب بني قوما، وبنارق وغير ذلك. وقد وصف البحتري[19] تلك النواحي الزاهرة وما تحفل به من مزارع النخيل والزيتون وصفًا شائقًا، في قصيدة له يمدح فيها ابن الفياض، وكان كاتبًا أديبًا من أهل دير العاقول:

 

نزلوا ربوة العراق ارتيادا
أي أرض أشف ذكرا وأسنى[20]
بين دير العاقول مرتبع يشرف
محتله إلى دير قنى[21]
حيث بات الزيتون من فوقه النخل
عليه ورق الحملم تغنى
ما الساعي الا المكارم ترتاد،
والا مصانع المجد تبنى[22]

 

 

وليس أدل على ازدهار هذه الناحية وحسن منظرها، من قول أحدهم[23] يصف ما بين الديرين: العاقول، وقنى:

بين الدَيرَين جنة دنيا
وصفُها زائدٌ على كل وصفِ

 

وبرز من دير العاقول جملة من أهلها محدثين وعلماء، وردت تراجمهم في كتب التاريخ والتراجم منذ القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد) وحتى نهاية القرن السابع للهجرة (الثالث عشر للميلاد)[24].

 

على الرغم من كثرة أخبار مدينة العاقول، وتعدد إشارات الرحالين والبلدانيين إليها، فان دير العاقول نفسه، بقي كما كان، بعيدًا عن جلبة الحياة في هذه المدينة النامية، منعزلًا عنهما بحياته الخاصة. ومثلما لف الغموض تأسيس هذا الدير، فقد صاحب تاريخه طيلة القرون التالية، وحتى اندثاره. فلم يعرف شيء عن رهبانه، ونظمه، ولا عن أهميته في الحياة النسكية لنصارى العراق، ولم يرد اسم أحد من رؤسائه أو خبر عن قاطنيه.

 

بقي دير العاقول قائمًا عامرًا طيلة العصر العباسي، أما مدينته فقد أخذت بالتدهور والانكماش نتيجة الخراب المتصل الذي أخذ يزحف على مجموعة أنهار النهروان وقنواته، وهو ما أدت اليه الفوضى العسكرية التي عانت منها البلاد في أواخر العصر العباسي[25]، فخلت بعض القرى القريبة من الدير من سكانها تمامًا[26]، وعندما وصف ياقوت الحموي دير العاقول في الثلث الاول من القرن السابع الهجري (الثالث عشر للميلاد) أشار إلى أنه "كان عنده بلد عامر وأسواق أيام كون النهروان عامرًا، فأما الآن فهو بمفرده في وسط البرية"[27]. وفي اوائل القرن الثامن للهجرة (الرابع عشر للميلاد) وصف المستوفي القزويني هذه البلدة بما يدل على أن الحياة ما تزال تدب فيها، ملاحظًا أن هواءها عطن بسبب ما يحيط بها من نخيل[28]، ولعل سبب تلك الظاهرة يعود إلى اهمال طرق الري وعدم تصريف مياه السقي كما كان الحال سابقًا.

 

وأشار إلى الدير في الثلث الاول من القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي) الجغرافي ابن فضل الله العمري، فذكر أن إلى جانبه قرية كبيرة، وأنه يبعد عن المدائن بمسافة 12 فرسخًا، الا ان كلامه على هذا الدير اختلط بما ذكره عن دير قنى المجاور، فذكر انه راكب على دجلة، مع أن ياقوت صرح ببعده عنها، ويفهم مما ساقه من أشعار أن هذا الوصف متعلق بدير قنى دون غيره[29]. وليس في إشارة ابن عبد الحق (ت749هـ/1348م) إلى الدير في كتابه (مراصد الاطلاع) أي جديد، فأنه نقلها عن ياقوت. والظاهر أنه لم يزره بنفسه لشكه في الجهة التي يقع فيها. قال "وأظنه من شرقي دجلة". مع أنه كذلك فعلًا[30].

 

وبعد هذا التاريخ لم نعد نسمع أي خبر من دير العاقول ومدينته. وأغلب الظن أن المدينة سارت في طريقها إلى الزوال، كغيرها من المدن والقرى المجاورة. أما الدير نفسه فكان من المعتقد انه زال بزوال مدينته، فلم يبق منه سوى اسمه في كتب التاريخ وغيرها من المظان.

 

موقعه:

اهتم البلدانيون العرب بتحديد موقع دير العاقول بالنسبة إلى ما يحيط به من مواقع، كالمدن والقرى والديارات، وذلك نظرًا إلى أن دير العاقول كان يمثل محطة عن طريق المسافرين إلى واسط والبصرة. فذكر ياقوت أنه "بين مدائن كسرى والنعمانية، بينه وبين بغداد خمسة عشر فرسخًا"[31] والفرسخ يساوي ثلاثة أميال، أي نحو ستة كيلو مترات، فيكون بعده عن بغداد بمسافة 90 كيلو مترًا تقريبًا[32].

 

واتفقت معظم الخرائط العربية القديمة على أن اقرب مدينة اليه من ناحية الشمال، على دجلة، هي المدائن، حيث كان الدير يمثل المرحلة الاولى من طريق المدائن- واسط، تليه بعدها (جرجرايا) فالنعمانية[33]، وانفرد البلخي (ت322هـ/934م) بأن وضع بين دير العاقول والمدائن، في خريطته، بلدة سماها (السن) تتوسط المسافة بينهما[34]. ونحن نرى أن الاسم جاء مصحفًا عن (السيب)، وهي بلدة صغيرة سميت بـ(سيب بني قوما، أو كوما) تمييزًا لها عن غيرها، ووصفت بانها تبعد عن دير العاقول بثلاثة فراسخ[35]. أما من ناحية الجنوب، على دجلة، فقد وضعت الخرائط القديمة مدينة (جرجرايا) كأقرب مدينة إلى دير العاقول[36]. ووصف ياقوت هذه المدينة بأنها "بلد من أعمال النهروان الاسفل بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي"[37]. ويوضح ابن حوقل هذا الامر حين يجعل جراجرايا واقعة على كتف النهروان لا دجلة[38].

 

وأما مايتعلق بموقع دير العاقول من دجلة، فقد ذكر ياقوت أنه "على شاطئ دجلة مقدار ميل"[39][40]. ولم يحدد ياقوت العهد الذي كانت فيه دجلة قريبة من الدير، والظاهر أن بعدها عنه قديم، فقد ورد موضعه في (صورة العراق) لابن حوقل (القرن الرابع للهجرة/العاشر للميلاد) بعيدًا عن دجلة بمسافة ملحوظة. والذي نرجحه أن يكون الدير في الطرف الاقصى من مدينته، التي كانت تقع على شاطئ النهر مباشرة (وهو ما أدى إلى اتخاذها مركزًا لجباية الرسوم على السفن) والظاهر أن خراب المدينة أو تدهورها في عهد ياقوت (القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي) جعل الدير يبدو منعزلًا نسبيًا في نظر سالكي النهر.

 

ومما ذكره البلدانيون العرب في تعيين موقع هذا الدير، قولهم أنه كان قريبًا منه دير آخر شهير هو (دير قنى) (ويعرف بدير ماري السليح) [41]. وصفه الشابشتي، وعنه نقل ياقوت، بأنه "على ستة عشر فرسخًا من بغداد منحدرًا بين النعمانية، وهو في الجانب الشرقي معدود من أعمال النهروان، بينه وبين دجلة ميل ونصف (وعند ياقوت: ميل فقط) [42]. واذ ذكر ياقوت أن بعد دير العاقول عن بغداد هو خمسة عشر فرسخًا، يكون دير قنى مما يلي دير العاقول، من الأسفل بفرسخ واحد (6 كيلو مترات) باتجاه واسط[43].

 

يؤكد هذا ما ذكره ياقوت عن دير قنى انه معدود من أعمال النهروان بدجلة. وقد مر بنا أن هذا المصب كان في جنوب دير العاقول بدلالة وقوع جراجرايا عليه فضلًا عن آثاره الباقية إلى يومنا هذا. وذكر ياقوت أيضًا أن على دجلة مقابله أي مقابل دير قنى مدينة صغيرة يقال لها الصافية، واذا ما قرأنا ما كتبه عن هذه المدينة، نجده يقول "بليدة كانت قرب دير قنى في أواخر النهروان قرب النعمانية"[44]. فهي اذن في أسفل دير قنى، في الطريق إلى جرجرايا (على النهروان) والنعمانية، وسنذكر فيما يأتي أن اسم هذه المدينة لم يندثر باندثارها مما يساعد على تحديد موقع قنى، فدير العاقول في أعلاه.

 

آراء ومناقشات:

ان اعمالا تنقيبية، أو كشوفًا أثرية، لم تجرَ لحد الآن للبحث عن هذه المواضع التي وصفها لنا البلدانيون القدامى، فليس أمامنا الا أن نستدل بالمعلومات الخططية المتوفرة لدينا، على تعيين موضع دير العاقول ومدينته، وتكمن صعوبة هذا العمل في أن معظم اسماء تلك المواقع القديمة، قد زال بزوال مسمياتها نفسها، فلم يبق منها سوى مجموعات متناثرة من التلال تحمل- في الاغلب- أسماء أخرى لا صلة لها بما كانت عليه في ماضيها الزاهر.

 

ولقد أثار البحث عن موقع دير العاقول ومدينته مناقشات وآراء شتى، حيث لوحظ وجود تلول أثرية كبيرة متجاورة تعرف باسم (تلول الدير) قريبة من دجلة، في أعلى العزيزية، تبعد عن بغداد بنحو 80 أو 90 كم، بحسب الطريق المسلوكة اليه. فدفع هذا الكوماندر فيلكس جونز إلى القول في ابحاث له اجراها في المنطقة في منتصف القرن التاسع عشر، بأنها ان هي الا آثار دير العاقول نفسه. وافترض، بناء على هذا القول، أن يكون موقع دير قنى في التل المعروف بتل (القماز)، الواقع عن بعد نحو أربعين كيلو متر من جنوب شرقي موضع تلول الدير[45]. مع أن المسافة بين الديرين لم تكن تزيد في تقدير ياقوت عن فرسخ واحد (6كم).

 

وعلى الرغم من ان جونز لم يقدم لدعم افتراضاته أي دليل، فقد ايده فيما يتعلق منها بدير العاقول المستشرق غي ليسترانج (المتوفى سنة 1933م) وذكر ان الخارطة الحديثة مازالت تشير إلى آثاره، وهو يعني بذلك تلول الدير المشار اليها[46].

 

وحينما اثير النقاش حول موضع مصرع الشاعر المتنبي قرب دير العاقول، في اواخر الثلاثينيات، أيد آخرون، هم الدكتور عبد الوهاب عزام[47]، ويعقوب سركيس[48] راي جونز وليسترانج المتقدم. فقال سركيس "بما ان موضع دير العاقول هو في الاراضي المسماة بالدير اليوم لاتفاق كلام ياقوت على بعده من بغداد بخمسة عشر فرسخًا مع المسافة التي نجدها اليوم بينه وبين بغداد وقد قدرها الدكتور (عبدالوهاب عزام) بنحو ثمانين كيلو مترًا، فقد عين موضع دير العاقول، ومن ثم دير قنى، والصافية، بصورة تقريبية لا يشوب ذلك شك". وهذا الرأي، على الرغم من جزم صاحبه به، فقد كان مثار شك آخرين، بسبب عدم استناده إلى ادلة خططية سوى مسألة بعد الدير عن بغداد بالمسافة المذكورة، أما دير قنى والصافية فقد بقيا دونما أي تحديد.

 

وخالف الدكتور احمد سوسة هذا الرأي، ورأي فيه "تساهلًا كبيرًا لعم انطباقه على الاوصاف التي دونها لنا المؤرخون، وهي الاوصاف التي تؤيد وقوع دير العاقول في شمال دير قنى"[49].

 

 

خارطة توضح موقع دير العاقول وما كان يجاوره من المعالم في العصر العباسي.

 

معيدًا النظر فيما رآه جونز وليسترنج وغيرهما بشأن تلول الدير، هذا مع أن احدًا من أولئك الباحثين لم يختلف في وصف الاقدمين لموقع دير العاقول من دير قنى، وان تركوا الاخير دون تحديد، باستثناء جونز فانه اختار لموقعه (تل قماز) وهو في الجنوب فعلًا من تلول الدير، ولكن المسافة بينهما بعيدة جدًّا على ما أشرنا اليه من قبل. وفي الواقع، فان ثمة افتراضين اساسيين لمعرفة موقعي هذين الديرين، أولهما أن يكون دير قنى هو تلول الدير الحالية، فيقتضي البحث- عند ذاك- عن موقع دير العاقول شماله، وثانيهما أن يكون الأخير هو تلول الدير، فيوجب أن يكون دير قنى في جنوبه، وذلك استنادا للأوصاف التي ذكرها المؤرخون من كون دير العاقول في شمال دير قنى ببضعة كيلو مترات. وبما ان الدكتور سوسة قد اختار الفرض الاول، فقد ثبت موقع دير العاقول في الموضوع الاثري المعروف بتل أبي صخر (او أبي صخير) إلى الشمال من تلول الدير بنحو خمسة كيلو مترات. وقال "ان موضع دير العاقول يمكن تعيينه في التل المعروف اليوم باسم تل أبي صخير، وهو التل الواقع شمال تلول الدير بحوالي خمسة كيلو مترات، ويبعد موقع هذا التل عن ضفة نهر دجلة الحالي كيلو مترين (و الأصح: ثلاثة كيلو مترات) وتوجد في جنوب غربي تل أبي صخير آثار ابنية قديمة يرجح انها من بقايا مدينة دير العاقول[50]. ان هذه النتيجة سليمة اذا ما كان الفرض الذي تستند إليه سليمًا، ولكن الدكتور لم يبين سبب اختياره لهذه الفرض دون الآخر، فان الاستناد إلى الأوصاف التي تؤيد وقوع دير العاقول في شمال دير قنى لا يكفي لترجيح هذا الفرض وحده، بل من الممكن ان تتحقق هذه الاوصاف بالفرض الثاني ايضًا، خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن تل أبي صخير هذا محدود المساحة إلى درجة لا ينطبق عليها ما ذكر المؤرخون عن دير العاقول من أن عنده مدينة زاهرة فيها مسجد جامع وأسواق ومرافئ وغير ذلك. كما أن أولئك المؤرخين ذكروا بان مدينة دير العاقول كانت تقع على شاطئ دجلة مباشرة، وهو ما ينطبق على تلول الدير، في حين يبعد تل أبي صخير عن دجلة بنحو ثلاثة كيلو مترات - على ما تقدم - خالية من أي اثر لبناء سابق، والأرض بين أبي صخير ودجلة مرتفعة ارتفاعا طبيعيا يحول دون رؤية المنطقة من نهر دجلة، في الوقت الذي كان فيه الدير مرئيًّا للسالكين طريق النهر في عهد ياقوت على ما لاحظنا. ومن ناحية أخرى فأن ما ورد عن دير قنى، من انه يبعد عن دجلة بمسافة ميل أو ميل ونصف (كيلو مترين أو ثلاثة) يجعل من المستبعد أن تكون آثاره اليوم هي تلول الدير، فان هذه الآثار لا تبعد عن دجلة بأكثر من خمسمائة متر على أكثر تقدير.

 

ومما يؤكد هذا الرأي ما ذكره ياقوت عن دير قنى من أنه "على دجلة مقابله مدينة صغيرة يقال لها الصافية، وبالقرب منه (أي دير قنى) دير العاقول" وقد نقلنا من أقوال البلدانيين القدامى ما يفهم منها أنها كانت أقرب إلى مصب النهروان، أي في جنوب دير قنى. ومن حسن الحظ أن اسم هذه المدينة لم يندثر، فما زال يحمله نهر صغير، يعرف بالصافي، يبعد عن مدينة العزيزية الحالية جنوبًا نحو خمسة كيلو مترات، وفي أسفله مباشرة آثار قرية أو مدينة داثرة تقع على مجرى دجلة القديم المسمى اليوم بشط الاعمى، وهي على ما يدل الاسم والموقع[51] آثار مدينة الصافية القديمة المذكورة. وتعيين موضع هذه المدينة يقتضي أن يكون دير قنى في أعلاها، وعلى مقربة منها، لما نص عليه الاقدمون، أي ان يكون في منطقة العزيزية، جنوبها أو غربها، بمسافة محدودة. وبعيد جدا أن يكون في منطقة تلول الدير، لأن بعد هذه التلول من الصافية يقدر بسبعة عشر كيلو مترا تقريبًا، في اتجاه منحرف بانعطاف نهر دجلة في تلك النواحي.

 

وليس من اليسير تحديد موقع دير قنى بأكثر مما ذكرنا، فانه فقد معالمه كدير منذ انتهاء أخباره في القرن الثامن للهجرة (الرابع عشر للميلاد) إذ نوه ابن عبد الحق (ت739هـ/1338م) بأن الخراب كان مستوليًا عليه في زمانه[52]، ولم نعد نسمع أي ذكر له، بعد ذلك، على الإطلاق.

 

في حين بقي دير العاقول معروفًا باسمه هذا حتى وقت متأخر، وعلى التحديد في منتصف القرن الحادي عشر للهجرة (السابع عشر للميلاد)، وربما بعد هذا التاريخ أيضًا، على ما سنفصله بعد قليل. وبما انه ليس ثمة أي موقع أثري في المنطقة يعرف بالدير سوى (تلول الدير) المذكورة، فأنه يصبح منطقيًّا القول بأن هذه التلول إن هي الا بقايا دير العاقول ومدينته.

 

تحديد موضع مصرع المتنبي:

يتضح للقارئ الآن ان الصافية كانت اقرب إلى دير قنى منها إلى دير العاقول، وان المسافة بين الديرين تصل إلى ستة كيلو مترات أو تزيد، فليس صوابًا اذن ما نقله ابن خلكان (ت681هـ/1282م) في نصه المضطرب عن موضع مصرع المتنبي سنة 354هـ/964م من أنه "قتل في موضع يقال له الصافية، وقيل جبال (الصواب: حيال) الصافية من الجانب الغربي من سواد بغداد عند دير العاقول بينهما مسافة ميلين" وموضع الخطأ- فيما نعتقد- تحديد المسافة بميلين، وهي أطول من ذلك على ما قدمنا. وفال ابن الجوزي (ت597هـ/1200م) "فقتل بالطريق بالقرب من النعمانية.. وكان قتله بشط دجلة في موضع يعرف بالصافية"[53].

 

وبما ان موقع الصافية قد تحدد تمامًا، فيمكن القول بان مصرع المتنبي كان فيها او عندها، والظاهر أنه كان في قرية من قراها تدعى (بيزع) استنادا إلى ما ذكره ياقوت عن هذه القرية من أنها "بين دير العاقول وجبل (مدينة في أعلى الكوت الحالية بقليل) بها قتل ابو الطيب المتنبي"[54]، فبيزع اذن كانت اعلى الصافية، على طريق الصاعد إلى دير العاقول (وهذان الموضعان قد عينا بدقة في هذا البحث) واذ كانت ثمة دلائل عديدة تشير إلى ان المقتل كان في (ضيعة) على الطريق، يكون المتنبي قد قتل وهو خارج عنها، في طريقه إلى دير العاقول لكونه مدينة مشهورة ومحطة مهمة على طريق واسط- بغداد[55] أما الرواية القائلة بـأنه قتل في الجانب الغربي، حيال الصافية فلا اهمية لها، اذ انها ضعيفة نوه بضعفها ياقوت نفسه[56] (معجم البلدان 1/257) كما ان طريق واسط- بغداد الذي سلكه المتنبي كان على الجانب الشرقي، ويعد دير العاقول، كما ذكرنا، أهم محطاته. على أن من الغريب المؤسف ان يتجاهل بعض الكتاب المعاصرين كل هذه الحقائق ومنها مواقع ما زالت أسماءها الاصلية، فيتوجه نظرهم إلى قبر مجهول يبعد عن مدينة النعمانية الحالية بنحو كيلو متر واحد شمالًا وعن النعمانية الحالية بنحو كيلو متر واحد شمالًا (وعن النعمانية القديمة وهي تل النعمان اليوم بخمسة كيلو مترات) في الجانب الغربي من دجلة، يعرف بقبر (ابو سوره)، ويتنادون بتكريم المتنبي بإقامة نصب شامخ له هناك (مع ان موضع مقتله امسى معروفًا قرب الصافية على ما ثبتناه، وهو موضع يبعد عن قبر أبي سوره المزعوم بأكثر من 65كم على الاقل). وليس ثمة أي دليل او اثر يمكن الاستدلال به على العلاقة بين هذا القبر ومصرع المتنبي، فلا هو حيال الصافية (ان هم أخذوا بالرواية الضعيفة التي نقلها ابن خلكان) ولا هو في طريق المتجه من واسط إلى بغداد، أما ابو سورة فلا يعرف عنه شيء يستدل به على هويته، لكن يلفت النظر ان موقعه قريب من مأخذ نهر سورا القديم المتصل بالفرات، فلعله اكتسب اسمه من قربه من هذا النهر الشهير[57].

 

وقفية دير العاقول:

كنا قد عثرنا عند بحثنا في بعض الوثائق القديمة المنقولة عن سجلات المحكمة الشرعية ببغداد، على وثيقة نادرة فريدة تكشف بوضوح عن بقاء هذا الدير القديم حتى تاريخ كتابة الوثيقة نفسها في منتصف القرن السابع عشر، كما أنها تساعد على تعيين موقعه بحسب المواقع الحالية، فأن كثيرًا مما ورد فيها من أمكنة وبقاع ما زال معروفًا باسمه، أو محرفًا عنه، حتى يومنا هذا. والوثيقة عبارة عن وقفية شرعية كتبها عناية الله الصائغ ابن الشيخ علي المعروف بالعاقولي، ووقف فيها أراض شاسعة جدًّا في جنوب بغداد ونواحي الكوت (وفيها دير العاقول) على ذريته ببغداد. ومما هو جدير بالملاحظة، أن الوقفية تدعو دير العاقول باسم دير ابن العاقولي، (المفتي ببغداد والمدرس بالمستنصرية، المتوفى سنة 728هـ/1327[58] )، بمعنى أنها تنسب الدير إليه، والحقيقة أن جمال الدين عبد الله ابن العاقولي منسوب إلى الدير، وليس الدير منسوبًا إليه. ولم نقف على أحوال هذه البقعة حين ان وقفها عناية الله المذكور على ذريته، وإنما يفهم مما ورد في الوقفية ذاتها ان معظمها كان متروكًا مهجورًا، تكثر فيه الاهوار، والتلول، والقرى المندرسة.

 

وتنفرد رواية متأخرة أوردها ابن طولون الصالحي المتوفى (سنة 953هـ/1546م) بأن قرية في هذا الموضع، تدعى العاقول، كانت اقطاعًا لآل العاقولي، وهم قوم لخميون من أحياء اليمن، نزلوا المكان، وابتنوا به بعد أن مَنّ الله بالإسلام، وان الذي اقطعهم اياه هو الامام علي بن أبي طالب، وكتب لهم ذلك بخطه، فحفظوا الخط، حتى كان زمن السلطان جلال الدين ملكشاه، فأخذه منهم ليتبرك به، وكتب لهم نسخة منه، وبقي "الاقطاع بأيدي أولادهم إلى الآن"[59]. أي حتى عهد ابن طولون في النصف الاول من القرن العاشر للهجرة (السادس عشر للميلاد) ومن المؤسف ان لا تقدم لنا السجلات العثمانية عن اراضي العراق الموضوعة في القرن المذكور ما يوضح صلة العاقوليين بهذه الأرض قبل تاريخ الوقفية، كما اننا لم نجد فيها أية اشارة، قبل ذلك التاريخ، لأراض موقوفة على جامع العاقولي في تلك الجهات[60].

 

والوقفية مؤرخة في 26 جمادي الآخرة سنة 1053هـ (12تشرين الاول 1643م) أي في عهد ولاية حسن باشا الصغير (كوجك) الثانية على بغداد (محرم 1052- محرم 1054هـ/نيسان 1642- حزيران 1644م)[61] [62]. وقد صادق على صحة الوقف اذ ذاك قاضي بغداد السيد محمد مخلص الشهير بملا زاده. وهي مسجلة في المحكمة الشرعية ببغداد، وفي مديرية اوقاف بغداد تحت الرقم 7 صفحة 108. وفيما يأتي نصها:

(إن الموفق لفعل الخيرات، المؤيد بتوفيق صاحب الهبات، سلالة العلماء العاملين والفضلاء الزاهدين عنايت الله الصائغ ابن الشيخ علي المعروف بالعاقولي زاده، قد وقف أراضي الكرود السبعة الواقعة على الدجلة العظمى من شرقي بغداد بقرب سلمان عليه الرحمة. أولها كرد باوي والمتصل به، والصافي وشرقيه وغيره، والاهوار: الأول هور الكبير غربي من الاهوار متصل بالصافي، وهور أبو برادع، وأبو غرب، وأبو قصب من غربي تاج العارفين عليه الرحمة، ومن نحو شرقيه الهور المسمى بالتاج والقطنية وهور القاطون، والقواطيل المفتحة من الدجلة إلى الأرض المنخفضة، وأرض الفتاح والدير المعروف بدير أبن العاقولي مفتي الأنام عليه الرحمة جد الواقف المزبور، وهور ابو سمك والمتصل به، وهور العدلية والمنفصل عنه، وغير ذلك. فالجميع محدودة ومن الطرف الشرقي بالتلول التي هي في أسفل الدخالة مشيرة إلى نحو دجلة متصلة بالنهروان، والحد الثالث بالدجلة العظمى، والحد الرابع بكتف المتأخر من النهروان، مشتملة على شواطئ ومزارع وآبار ودور منهدمة ومندسة وغير ذلك.

 

ووقف ايضًا نصف مزرعة ارض الصافي مع كل البئر المسماة برميض، الواقعة على الدجلة العظمى من شرقي بغداد المحدودة بمزرعة ابن شجاع، وفيها تلول كبار، وبالرفة المعلومة، وبالدجلة العظمى. ووقف الجميع على حياته، ومن بعده على أولاده، وأولاد أولاده، نسلًا بعد نسل، وبطنًا بعد بطن، للذكر مثل حظ الانثيين. وبعد الانقراض يعود الوقف للحرمين الشريفين. وشرط التولية على هذا الوقف للمتولي على وقف حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره العزيز، وجعل الناظر الخطيب في جامعه الشريف وجعل لهما عُشر الغلة، وطلب تسجيل الوقف بشروطه، وبعد الترافع بالوجه الشرعي، حكم القاضي الموما اليه بصحة الوقف ولزومه، وسجله في 26 جمادي الآخرة سنة 1053 من الهجرة).

 

وكان القاضي المذكور قد كتب بخط يده في صدر الكتاب ما نصه (حكمت بصحة هذا الوقف ولزومه، بخصوصه وعمومه، عالمًا بالخلاف القاضي بمدينة بغداد المحروسة) [63]..

 

تحليل الوقفية:

على الرغم من أن عددًا من المواضع التي تذكرها هذه الوقفية قد تغير اسمه، حتى لم يعد من المستطاع تحديد مكانه على الواقع، فان في إمكاننا أن نحلل محتوياتها على النحو الآتي:

تتألف وقفية ابن العاقولي من وقفتين مدمجتين، تقف اولاهما الأرض الواقعة بين المدائن شمالًا وحتى دير العاقول (تلول الدير فوق العزيزية) جنوبًا. وتشمل سبعة كرود (جمع كرد وهو آلة رفع المياه) عند مرقد الصحأبي سليمان الفارسي، ثم تمتد جنوبًا فتصل إلى (الصافي) وهو منعطف في دجلة يبعد عن تلول الدير بنحو عشرين كيلو مترًا (ولا علاقة له بنهر الصافي الذي في جنوب تلك التلول)، ثم تمتد بعرض أوسع، فتشمل منطقة الاهوار المحاذية للنهروان، وأولها الهور المتصل بالصافي المذكور، فهو أبي براع، وأبي غريب، وأبي قصيب، حتى تتصل بمنطقة قبر تاج العارفين[64] (ويعرف حاليا باسم تاج الدين) القريبة من دجلة، ومن ثم تمتد فتشمل هور التاج، وما زال محافظًا على اسمه القديم إلى يومنا هذا[65]، وهو قريب من قبر تاج العارفين المتقدم، وربما اكتسب اسمه منه. ويشمل، من بعد ذلك، القطنية[66][67]، فهور القاطون (المحرف اسمه من القاطول) حيث تتجمع المياه الفائضة من نهر القاطول المتصل بمجرى النهروان في شرقي دجلة. ثم يقرب (الوقف) من دجلة، بدليل شموله على (القواطيل المفتحة من الدجلة إلى الأرض المنخفضة) ومن المعروف أن القواطيل هي من توابع النهروان لا دجلة، فالظاهر أنه أراد الأرض المنخفضة الواقعة عند عراقيب سالم في الشمال من تلول الدير، جنوب المجرى القديم المعروف بخط الفتاح لانه يذكر بعدها أرض الفتاح نفسها، وتبعد هذه عن تلول الدير بنحو 6 كيلو مترات[68]، وآخر تلك الاوقاف دير العاقول نفسه في الموقع المعروف بتلول الدير عند شاطئ دجلة. فتشكل حدود هذه الأرض قوسًا كبيرًا يمتد من جنوبي المدائن شمالًا وحتى تلول الدير جنوبًا، وهي مساحة متسعة من الأرض، يبلغ طولها زهاء ستين كم، في حين يتراوح عرضها بين 10و15 كم.

 

وتقف ثاني هاتين الوقفتين المدمجتين، ارضًا فسيحة حدودها الجنوبية هور أبي سمك، وهو المنخفض الواقع حوالي تل أبي سمك في أعلى تلول الشاعورة عند مصب النهروان الاخير في دجلة، ثم تمتد شمالًا بخط مستقيم حتى تتصل بهور العدلة (العدلية) وارض هذا الهور مازالت معروفة باسمها عند تلول العدلة ونهر العدلة، إلى الشمال قليلًا من العزيزية. ويلاحظ ان الواقف وضح هذا التحديد بشيء أكثر من التفصيل، فذكر أن حدود هذه الأرض تبدأ بالتلول (التي هي أسفل الدخالة[69] مشيرًا إلى نحو الدجلة متصلة بالنهروان) وهذا الوصف الدقيق ينطبق بالكلية على اسافل عرقوب الشعيلة عن ارض العدلة، وهي آثار قناة قديمة كانت تصل بين النهروان ودجلة. اما قوله بان حدودها تنتهي (بكتف المتأخر من النهروان) فيعني به آخر مصب للنهروان في دجلة (تلول الشاعورة حاليًّا). واسعة من النهروان الاسفل بقيت تؤدي وظيفتها حتى عهد متأخر. ويبلغ امتداد هذه الأرض طول نحو 20 كم، بعرض يترواح بين 6 و12 كم.

 

وهكذا يتضح لنا بصورة جلية، ان اسم دير العاقول كان لايزال معروفًا مشهورًا كعلم يستدل به على غيره من المواضع، حتى تاريخ هذه الوثيقة في منتصف القرن السابع عشر، مما يدل على ان معالمه كدير بقيت ظاهرة ماثلة للعيان إلى وقت متأخر. ولعل كشوفا اثرية تجري على بقاياه لتزيدنا علمًا بتاريخه، ولتلقى ضوءًا على تلك المدينة الداثرة التي ازدهرت في جواره في عهد مضى.

 

 

دليل خارطة الاراضي التي وقفها ابن العاقولي وفيها الدير:

1- قبر تاج العارفين.

2- القطنية.

3- التاج.

4- الاهوار: الكبير، ابو برادع، ابو غرب، ابو قصب.

5- أرض الفتاح.

6- هور القاطون.

7- نهر العدلة (العدلية).

8- هور العدلة.

9- العزيزية.

10- تل كبيبة أو الدخالة.

11- دير العاقول.

12- هور أبي سمك.

13- المتأخر من النهروان (تلول الشاعورة).



[1] من الجدير بالملاحظة انه بينما يسهب صاحب (اخبار فطاركة كرسي المشرق) في وصف دير قنى، ويترجم لمؤسسه، ويحصي اخباره، نجده يسكت تمامًا عن كل ما يتعلق بدير العاقول، رغم ان المسافة بين الديرين ما كانت تزيد على بضعة كيلو مترات، وليس في كتاب (الديارات) للشابشتي أي ذكر له.

[2] الفيروزابادي: القاموس المحيط مادة (عقل) وستريك في دائرة المعارف الإسلامية (الترجمة العربية) مادة دير العاقول 9/361.

[3] أبو حنيفة الدينوري: الأخبار الطوال، ص205 (القاهرة 1960). وكان نهر الفرات يتصل بمنطقة دير العاقول عن طريق عدد من الانهار، منها نهر الزاب الأعلى (وهو غير النهر المعروف بالاسم نفسه في شمالي العراق) ومصبه عند بلدة همانية الى الجنوب قليلًا من دير العاقول، والظاهر انهم سلكوا طريق هذا النهر، ومنه عبروا الى دير العاقول المذكور.

[4] الديورة في مملكتي الفرس والعرب، تعريب القس (البطريرك) بولس شيخو (الموصل 1939) عدد 86، ص62.

[5] المصدر نفسه. العدد 122، ص73.

[6] العُمر، بضم أوله والسكون ثانيه، لفظة سريانية (عمرا) بمعنى البيت والمنزل، وهي هنا الدير.

[7] تاريخ إيليا برشنايا، تعريب الدكتور يوسف حبي (بغداد 1975) ص 77.Fiey, J: Mossoul Chretienne, Beyroth 1959, p. 127-128.

[8]ناجي معروف: تاريخ علماء المستنصرية، بغداد 1959، ص 128 نقلًا عن مخطوطة (الغرف العلية في تراجم متأخري الحنفية) لابن طولون، الورقة 148 نسخة لندن.

[9] كان النهروان يتفرع من شرقي دجلة في جوار سامراء، فيمتد بمحاذاة دجلة من جهة الشرق اكثر من مائتي كيلو متر، حتى يلتقي بدجلة ثانية بالقرب من ارض الكوت الحالية، ثم اصبح يأخذ مياهه في العهود العباسية المتأخرة من نهر ديالى، فتروي فروع منه جانب بغداد الشرقي، وتنحدر فروع اخرى حيث تروي ثلاثة طساسيج (الطسوج منطقة زراعية كبيرة) وهي المُسمّيات: النهروان الأعلى، والنهروان الأوسط، والنهروان الأسفل. ويشمل الأوسط منها منطقة وسيعة طولها 40 كم على جانبي النهروان، تقع الآن مدن الصويرة والعزيزية والنعمانية. انظر ياقوت: معجم البلدان (بيروت 1965) 5/325 وأحمد سوسة: ري سامراء 2/399-423 (بغداد 1949).

[10] البلدان ص78 (النجف 1957) والدهاقون: كبار ملاكي الأراضي الزراعية.

[11] أحسن التقاسم في معرفة الاقاليم ص122 (ليدن 1877).

[12] الأعلاق النفيسة ص186( ليدن 1891)

[13] انظر عن المآصر، ميخائيل عواد: المآصر في بلاد الروم والاسلام. (بغداد 1948).

[14] الطبري: تاريخ الرسل والملوك 8/546 (بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم)

[15] الطبري: 9/517 والمسعودي: التنبيه والاشراف 319 (القاهرة 1938) ومروج الذهب 4/200 (القاهرة 1958) وابن الاثير: الكامل 6/ (القاهرة 1353هـ).

[16] الطبري: 9/558 وابن الاثير 6/26.

[17] مسكويه: تجارب الامم 1/213 (باعتناء آمدروز - القاهرة 1914) ومجهول: العيون والحدائق في أخبار الحقائق ج4 ق1 ص353 (بتحقيق نبيلة عبد المنعم- النجف 1972).

[18] العيون والحدائق ج4 ق2 ص62 (لغداد 1973).

[19] ديوان البحتري ص 2143 (بتحقيق حسن كامل الصيرفي- القاهرة 1963) وابن فضل الله العمري: مسالك الابصار في ممالك الامصار 1/357 (بتحقيق أحمد زكي- القاهرة 1924).

[20] في مسالك الأبصار: أشف دارا.

[21] في مسالك الأبصار: أشرف محتله

[22] في مسالك الابصار: ما المعالي الا المكارم تزداد..

[23] معجم البلدان 2/521

[24] منهم: عبدالكريم بن الهيثم بن زياد بن عمران القطان الدير عاقولي، وكان محدثًا ثقة، توفي سنة 278هـ/900م (معجم البلدان 2/521 وابن الجوزي: المنتظم 5/120) وطلحة بن أحمد بن طلحة الكندي العاقولي، وكان فقيها، توفي بعد 516هـ/ 1122م، والطيب بن أحمد بن الطيب الشاهد الدير عاقولي، وكان ثقة صالحًا (السمعاني: الانساب ص 279، ليدن 1912) والاسرة الشهيرة بآل العاقولي، والتي برز منها جمال الدين عبدالله ابن العاقولي (المتوفى سنة 728هـ/ 1327م) والمدفون في جامعه في محلة العاقولية ببغداد. وسيأتي ذكره في هذا البحث.

[25] قال باقوت عند حديثه على النهروان "وهو الان خراب، ومدنه كان كل ملك لا يحتفل بالعمارة إذ كان قصده أن يحوصل وقراه تلال يراها الناس بها والحيطان قائمة، وكان سبب خرابه اختلاف السلاطين وقتال بعضهم بعضا في أيام السلجوقية.. وكان أيضا ممر العساكر، فجلا عنه أهله، واستمر خرابه" (معجم البلدان 5/325).

[26] ذكر ابو بكر النحوي البنارقي سبب هجر قومه قريتهم بنارق، وكانت تقابل دير قنى القريب من دير العاقول على دجلة، فقال "ان عساكر السلجوقية كثرت بطرقهم على قريتنا، والقرية لاسور لها، كلما جاءوا دخلوا وثقلوا علينا، فأجمعنا على مفارقتها" ثم قال "ان الانهار فسدت، وما يفرغ الملوك لاصلاحها، وبقيت القرى الى الآن خرابًا، وذلك سنة خمس واربعين وخمسمائة" (زكريا القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد ص158- 159 دار صادر - بيروت). قلت: وتوجد اليوم آزاء العزيزية من الجانب الغربي أرض تعرف باسم (برنيج) تحريف (برنيق). ومن المحتمل أن يكون الاسم مقلوبًا، مع بعض التحريف، من (بنارق) المذكورة.

[27] معجم البلدان 2/520.

[28] حمد الله المستوفي القزويني: نزهة القلوب، المقالة 3ص41 (بالفارسية، ليدن 1913).

[29] معجم البلدان 2/521.

[30] مراصد الاطلاع على الامكنة والبقاع ص 435 (طبعة ليدن 1853).

[31] معجم البلدان 2/520.اليعقوبي: البلدان ص78 وتبعد عن النعمانية المذكورة بمسافة 5كم عن النعمانية الحديثة، وتعرف خرائبها اليوم باسم تل النعمان. ري سامراء 2/447.

[32] فالتر هنتس: المكاييل والاوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري ص94-95 (ترجمة د. كامل العسلي. عمان 1970).

[33] اليعقوبي: البلدان ص78، وتبعد النعمانية المذكورة بمسافة 5 كم عن النعمانية الحديثة، وتعرف خرائبها اليوم باسم تل النعمان.

[34] صورة العراق للبلخي. نشرها د. أحمد سوسة في اطلس (العراق في الخوارط القديمة) ص12 (بغداد 1959).

[35] انظر ليسترنج: بلدان الخلافة العباسية، ص55 (بغداد 1954).

[36] البلخي، المقدسي، الجيهاني في أطلس العراق الذي تقدمت الاشارة اليه.

[37] معجم البلدان 2/ 123..

[38] صورة العراق لابن حوقل في كتابه: صورة الارض ص309 واطلس العراق المتقدم ص22.

[39] معجم البلدان 2/520.

[40] الشابشتي: الديارات ص265 ومعجم البلدان 2/528.

[41] السليح: لفظة سريانية (شليحا) بمعنى الرسول (الديارات، حاشية 265)، وكانت عند هذا الدير قرية قديمة، لعلها اقدم عهدًا من الدير نفسه، عرفت بدور قنى، وكان الدير يقع على مشرعة فيها تعرف بمشرعة الكحال. بطاركة كرسي المشرق ص152 و 158.

[42] الشابشتي: الديارات ص265 ومعجم البلدان 2/528.

[43] ذكر الشابشتي (الديارات ص265) عن دير قنى أن "بينه وبين دير العاقول بريد" والبريد يساوي 4 فراسخ أي نحو 24 كم (هنتس: المرجع السابق ص82) قلنا: وفي هذا مبالغة، لأننا سنلاحظ فيما يأتي أن القرى في هذه الناحية متقاربة جدا، ودير قنى كان يعد أقرب إلى دير العاقول من غيره من القرى والمواضع، وسنجد أن بعض تلك المواضع ما زال محافظا على اسمه القديم، بما يثبت أن المسافة بين الديرين لم تزد على فرسخ واحد.

[44] معجم البلدان 3/389.

[45] انظر:Jones, F.: Selection from the record of Bombay Government. P. 74. وخارطة القاطول الكسروي والنهروان.

[46] ليسترانج: بلدان الخلافة الشرقية (ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد- بغداد 1954) ص54.

[47] في كتابه: ذكرى ابي الطيب بعد الف عام. بغداد 1936.

[48] مجلة الاعتدال النجفية (موضع مقتل المتنبي) (ج4 و5 السنة 1937) وأعيد نشره في مباحث عراقية ج2 ص81 (بغداد 1955).

[49] ري سامراء 2/420.

[50] ري سامراء 2/420.

[51] ويؤكد موقع الصافية هذه ما ورد عن قربها من قرية همانية (أو همينيا) وكانت هذه قرية كبيرة في الجانب الغربي من دجلة، إلى الجنوب من الصافية (معجم البلدان 3/10 ومراصد الاطلاع 322 وبلدان الخلافة الشرقية 55 وري سامراء 2/421) وما زالت آثار هذه القرسة ماثلة في الجانب الغربي من مجرى دجلة القديم/ أي شط الأعمى (وهي في شرقي دجلة الآن) وتعرف باسم هميمية نفسه، وتقابلها من الجهة الشرقية من المجرى القديم آثار مدينة الصافية.

[52] مراصد الاطلاع 427.

[53] المنتظم 7/27.

[54] معجم البلدان 1/527

[55] انظر مباحث عراقية 2/70-82.

[56] معجم البلدان 1/257.

[57] (انظر عنه البلدان لليعقوبي 68 وبلدان الخلافة الشرقية 111).

[58] كان عالما فاضلًا، ولد سنة 638هـ/1240م ومهر في العلم والفتيا ودرس بالمستنصرية، وافتى اكثر من ستين سنة، ورتب مدرسًا في مدرسة زمرد خاتون ببغداد ثم تولى القضاء والحسبة معًا. ولما توفي دفن بداره، وكان وقفها على شيخ وعشرة صبيان يتلقنون القرآن بمحلة درب الخبازين، فتحولت هذه الدار الى جامع شهير عرف بجامع العاقولي، كما نسبت اليه المحلة فدعيت بالعاقولية. وما زال قبر مؤسسه موجودًا فيه، ولقد شهد هذا الجامع تعميرات متعددة، وبخاصة في العصر العثماني. انظر محمود شكري الآلوسي: مساجد بغداد وآثارها ص146 (بتذيب بهجة الاثري- بغداد) وكتابنا مدارس بغداد في العصر العباسي ص 128-129 (بغداد 1966).

[59] تاريخ علماء المستنصرية ص128-129 (بغداد 1966).

[60] الآرشف العثماني، استانبول: سجلات ولاية بغداد ذوات الأرقام 386، 1028، 1049.

[61] مرتضى نظمي زاده: كلشن خلفا، ترجمة موسى نورس، ص237.

[62] وتعرف منطقة اليوم باسم (خر التاج)، وفيه آثار قديمة.

[63] - كان من المفروض، بموجب شرط الوقفية، أن يتولى متولو الاوقاف القادرية ادارة هذه الاوقاف، الا انه بعد انقراض ذرية الواقف المذكور، وضع متولي جامع سليمان الفارسي (وهو الشيخ احمد العتيكي المنصوب متوليا بموجب فرمان السلطان مراد الرابع سنة 1048هـ/1638م) يده على الموقوفات المذكورة وذلك في سنة 1072هـ/1661م زاعما ان العقارات والانهر والاهوار المذكورة موقوفة على لوازم جامع سلمان الفارسي والفضلة تعود لمن يتولى ادارة الجامع المذكور، وقد استمرت هذه الحالة لكل متول يتولى ادارة الجامع المذكور الى ان آلت التولية الى عبد الوهاب بن مصطفى آل المتولي، فاستحصل من والي بغداد داود باشا سنة 1236 هـ/1820م براءة (بيور لدى) تتضمن أن العقارات والأراضيي والانهر المذكورة تعود الى أوقاف جامع سليمان الفارسي، ودام الحال كذلك حتى آلت التولية على الموقوفات الى محمود أفندي بن رؤوف أفندي الى المتولي، ولحدوث نزاع بينه وبين ابن عمه احمد أفندي المتولي، وضعت مديرية أوقاف بغداد يدها على الموقوفات والجامع مدعية ان التولية كانت بيد محمود أفندي ومن سبعة من المتولين عن طريق الحسبة لا عن شرط واقف. وأخذت تتولى ادارتها بنفسها، وفي سنة 1327 هـ/ 1909م اقام محمود أفندي الدعوى في محكمة شرعية بغداد امام الفاضي اذ ذاك السيد ابو بكر حلمي مدعيًا أن التولية مشروطة للرشد فالرشد من المتولي واولادهم واولاد اولادهم، وأقام بينة متواترة على دعواه هذه فحكم له بذلك، وعند تمييزه في مجلس التدقيقات الشرعية المتشكل في المشيخة الإسلامية في استانبول اعيد القرار منقوضا بسبب عدم توجه الخصومة في هذه الدعوى. وفي سنة 1349هـ/1930م أقام محمود أفندي الدعوى مجددا في ايام قاضي بغداد السيد محمد نافع المصرف فحكم له بما ادعاه، غير ان وزارة المالية وضعت يدها على الأراضيي المذكورة مستندة الى المضبطة المصدقة في عهد مدحت باشا والي بغداد وذلك سنة 1292هـ/1875م وبعد مرافعات عديدة في المحكمة الشرعية حكمت برد دعوى المالية ولكن محمود أفندي توفي قبل أن ينفذ الحكم الذي استحصله فراجع من بعده ابنه السيد جمال المحكمة الشرعية ايام قاضي بغداد السيد عبد الحميد أفندي الشيخ علي واقام الدعوى على مديرية اوقاف بغداد لإثبات التعامل المحكوم به لابنه سابقًا فحكم له بذلك، ولكن مجلس التمييز الشرعي نقض الحكم المذكور، وبقيت الموقوفات بيد مديرية أوقاف بغداد تديرها وفق أحكام قانون الاوقاف في سنة 1350هـ

[64] يقع هذا القبر عند الجدول المعروف بنهر الحفرية قريبا من طريق بغداد- الكوت الحالي، وقد مر به سنة 1139هـ/1726م الرحالة مصطفى بن كمال الدين البكري الدمشقي عند سفره من بغداد إلى البصرة (كشف الصدا وغسل الران في زيارة العراق وما جاورها من البلدان، الورقة 77)، وأشار إليه فيلكس جونز في دراسته عن القاطول الكسروي والنهروان في منتصف القرن التاسع عشر (Jones,F.,Op.Cit.P.273) ونحن نعتقد أنه قبر الشيخ تاج الدين أبي الوفاء (توفي بعد 500هـ/1106م) من معاصري الشيخ عبد القادر الكيلاني، وكان من أعيان شيوخ العراق "وكان من أعيان شيوخ العراق" (الشطنوفي: بهجة الأسرار، القاهرة 1330، ص143).

[65] انظر الخارطة.

[66] وتعرف منطقته اليوم باسم (خر التاج) وفيه آثار قديمة.

[67] هي غير نهر القطنية الواقع عند منعطف دجلة في الجنوب من عراقيب الشاعورة، والقطنية التي تذكرها الوقفبة موضع مر به الرحالة مصطفى الصديقي الدمشقي بعد مروره بتاج العارفين (كشط الصدا، الورقة 77)، ووردت في خارطة القاطول الكسروي والنهروان لجونز على أنها في أسفل تاج العارفين.

[68] انظر الخارطة

[69] تل الدخالة يعرف أيضا بتل الكبيبة، وهو قريب من العزيزية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عندما زارني المتنبي
  • المتنبي بين الإباء والاستسلام.. قراءة في قصيدة
  • كافور بين هجاء المتنبي وحقيقة التاريخ
  • عن المتنبي وقصيدة: خير جليس
  • الروح الإسلامية عند المتنبي
  • المتنبي في عيون الصاحب بن عباد ومنهجه في رسالته "الكشف عن مساوئ شعر المتنبي"
  • الدلالة على المثبت بالمنفي عند المتنبي

مختارات من الشبكة

  • الشيخ الدمشقي هيثم إدلبي وجهوده الإصلاحية في دير عطية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دير الزور(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة قهر الملة الكفرية بالأدلة المحمدية لتخريب دير المحلة الجوانية (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة قهر الملة الكفرية بالأدلة المحمدية لتخريب دير المحلة الجوانية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تركيا: تحويل دير بيزنطي إلى مسجد في إسطنبول(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ميانمار: أديرة بوذية تخزن الأسلحة والذخيرة لقتال المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • نحن أهل الدير (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ابن العاقولي وكتابه الرصف لما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الفعل والوصف(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الرصف لما روي عن النبي من الفعل والوصف لابن العاقولي(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مخطوطة السهام المارقة في الرد على الزنادقة(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
1- العاقولي
Ayaad - العراق 17-04-2015 07:18 PM

أتمنى أن أعرف العاقولي هل هم أشخاص معروفين أو أرض او قبيله كبيره كوني أنتمي أو يدعونني (العاكول) وقد وجدت أكثر من قبيلة أو عشيرة بهذا الاسم في العراق في بغداد وفي الحلة وفي النجف وفي ذي قار وشخصيات معروفة راجين تقديم المساعدة وإعلامي عن مدى الترابط بين هذه العوائل أو الأشخاص أو الارض ولكم فائق الشكر والاحترام

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب