• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (3)

أ. د. أحمد كشك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/6/2013 ميلادي - 20/8/1434 هجري

الزيارات: 6561

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التدوير في الشعر.. دراسة في النحو والمعني و الإيقاع (3)


بعد ذلك ينقطع الرمَل ليأتي الهزَج:

أو الرِّيق الرحيقيُّ، أو القدُّ الرشيقيُّ، الذي قد شابَه الغصن اعتدالاً، وهي:

مفاعيلن مفاعيل مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعي ثم تُقطَّع التَّفعيلة كما رأينا من خلال حذف سببها الأخير ليعود الانعطاف مرة أخرى إلى الرمَل.


فالتقسيم الذي افترضته "نازك" تقسيم عشوائي لا يمثل مسارًا خالصًا لتصور البَنْد.


الثالث: ألزمتْ نفسها عند الإِنشاد وقفًا داخليًّا ما أراده البَنْد حتَّى يَسلم لفرضها تأسيس علاقة وُثقى بين نِظام البَنْد ونِظام الشِّعر الحر؛ لأنَّها وقفتْ حيث الاتِّصالُ حين سكَّنت الفعل المبنيَّ على الفتح في قول البَنْد:

"إِذا أَوْمَضَ مِنْ جانبِ أَطلالٍ خَليطٌ مِنْكِ قدْ بانَ، وقد عرَّسَ في سَفْحِ رُبا البان"[1].


الرابع: نسيَتْ أنَّ التلاقي بين الرمَل والهزَج بإمكانه أن يُحدث بديلاً ثالثًا هو الرَّجَز، وقد كان لبعض أخطاء البنود الداخليَّة أن يُرد أمرها إلى هذا الوزن المتمِّم لدائرة البحرَين السابقَين. فمِنْ بَنْد للسيد عبدالرؤوف الجد حفصي مطلعه: "يا رسول اللهِ يا أشْرفَ راقِ فلَكْ، ويا مَن بحِماه نحْتمي مِنْ نُوَبِ الدَّهْرِ، ونسْتَعْدي بجَدْواه على حادِثَةِ الفَقْر، فأدْنَى سحِّ يُمْناهُ على السَّائلِ كالنَّهْرِ ولا نَهْر، وعنْ نائِلِهِ الغَمْر، رَوى القَطْر عنِ البَحر، وعن عامِلِهِ العامِلِ في الحرْب، وعنْ أبيَْضِهِ العالِمِ بالضَّرْب، روى القَطْر عنِ النَّحْر"[2].


والبَنْد يبدأ رمَلاً:

[يا رسول اللهِ يا أشْرفَ راقِ فلَكْ، بحما/ ه]

وهي: فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلا


والنهاية يَرومها الرمَل استعمالاً عَروضًا وضَربًا. ومع اطِّراح هاء الضمير المضاف إليه في كلمة "بحماه" فإن الإِيقاع بعد ذلك يتجه وِجهةَ الرَّجَز:

[هـ نحْتمي مِنْ نُوَبِ الدَّهْرِ، ونسْتَعْدي بجَدْواه على حادِثَةِ الفَقْر]

وإيقاعها: متفْعلن مُسْتعلن مُسْتعلن مستفعلن مستعلن مستعلاتن، وهي نهاية ضَرب مُرفَّل مِن أَضْرب الرَّجَز. ومع اطِّراح راء كلمة الفقر كي تتصل بما بعدها يعود الرمَل مرة أخرى:

[ر فأدْنَى سحِّ يُمْناهُ على السَّائلِ كالنَّهْرِ ولا نَهْر ]

وهي: فعلاتن فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلاتن.

 

مع اطِّراح الراء الأخيرة. وهكذا بتلاعُب داخليٍّ يُمكن عدُّ ما جاء خطأً من قَبيل الصواب؛ فالمُداخَلة حين تتمُّ بين رمَل وهزَج لا تَنفي اشتراك الرَّجَز معها في إطار البَنْد. ومعنى ما سبق أن دوَران المجتَلب[3] الذي أحكمه الخليل بن أحمد كان المُشكِل الأول لإِيقاع البَنْد، وأن التلاعُب بين بحور هذه الدائرة باطِّراح سببٍ مِن أسبابها كان السبيل إلى هذا التداخُل؛ ومن ثمّ ففرضُ مقياسٍ عروضيٍّ ثابتٍ للبَنْد ينافي سِمَة البَنْد التي تراوح بين تفعيلات بحور الدائرة بَدءًا ونهاية، فحين يُفتَرضُ البدء بالهزَج يفترض أيضًا البَدء بالرمَل والرَّجَز. فالتلاعب يملك حريته صاحب البَنْد، وفرض مقياس صارم نقيض ما يرومه مستخدم البَنْد.


خصوصيةٌ للبَنْد في نِظام "نازك" ليس لها من داع إلا إيجاد سبيل يُسلم إلى المناظرة مع إيقاع جديد هو الشِّعر الحر.


هذا ما لاحظْناه على تصوُّر "نازك" وهو تصور صائبٌ ذكيٌّ في جملته، ونقصَه في ذلك : الافتراض الخاص باختيار مقياس عروضي للبَنْد معتمِد على جزئيَّات منبتَّة مقطوعة من الداخل فيها تصوُّر نطقيٌّ لحدود تراكيبه يخالف طريق الوصل في نطق مكوناته.


أما "الدجيلي" الذي نعود إليه الآن فقد قدَّم للأدب المعاصر ظاهرة إيقاعيَّة من خلال كمٍّ من النماذج توفَّر على جمْعها بادئًا بها من القرن الحادي عشر الهجري، ممثلاً لكل قرن بمجموعة من النماذج تعبر عنه، وقد أكدَّ " الدجيلي" من خلال مناقشَته لافتراض أنَّ البَنْد فنٌّ عراقيٌّ، أنَّ ما نسِب مِن ورودٍ له في نصٍ لابن دُرَيد الأزديِّ لا يجعله فنًا قديمًا. فقد قال عن افتراض كَون البَنْد موصولاً بابن دُرَيد في قوله: "رُبَّ أخ كنتُ به مُغْتبطًا أشُدُّ كفّى بِعُرى صُحْبته تمسُّكًا مني بالودّ ولا أحسبه بغير العهْد"[4] - قال: "الواقع أن هذه نبذة مفكَّكة الأجزاء لا تَدخل في باب الموضوع الذي فيه"[5]، وقد بنى حجَّته على أساس أن البَنْد غالبًا ما يكون من إيقاع الهزَج، وهو حسب عُرفه: "لون أدبيٌّ حديث اقتضاه التطوُّر والخروج عن العمود الشِّعريِّ التقليديِّ فأين هذا من قطعة نثرية تُنسب لابن دُرَيد البصري اللغوي"[6].


فـ" الدجيلي" يُثبتُ أنَّ البَنْد:

1- عراقيُّ النشأةِ حديثُ الوجود، وليس له ورودٌ في القديم، وهذا ملاحَظٌ في موقفِه مِن نصِّ ابن دُرَيدٍ.


2- إيقاعُه من بحر الهزَج وقد يبدأ بزيادة سبب توهُّمِ إخراج البَنْد منه.


وفي جملةِ ما قدَّمه عن البَنْدِ عِدَّةُ ملاحظاتٍ:

الأولى: لن يَسلم له تحديد وزن البَنْد بالهزَج كما أشارت "نازك" إلى ذلك وقد قبلتْ "نازك" نص ابن دُرَيد اعتمادًا على تصوُّر دائرة المجتَلب فقد ظنت أنّ أساس كلام ابن دُرَيد موقَّع من خلال استخدام ثلاثة أبحر بدأت حسب تقطيعها بالرَّجَز فالهزَج فالرمَل وهكذا[7]؛ غير أن تصورها بناء على اطراح سبب جعلها تنتقل من هزَج إلى رمَل حيث لا داعي إلى ذلك فليس لدَينا تقفية توجب الوقف على كلمة "إباء". في تقسيمها الذي جاء على نحو:

[فلمَّا لجَّ في الغيّ إباء]

والإِيقاع: مفاعيلن مفاعيل مفاعي.

 

[ومضى منْهمِكًا غَسَّلتُ إذْ ذاك يَدي منه ولمْ آسَ على ما فات منهُ]

والإِيقاع: فعلاتن فعلاتن فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلاتن فاعلاتن


هذا التقسيم يتواصَل هزَجًا دون حاجةٍ إلى "مفاعي" فنقول:

[إباءً ومضى منهمكًا غسَّلْتُ]

حيث يكون الإِيقاع:  إباءً وَ   مضى مُنْهَـ مكًا غسَّلْ

مفاعيلُ   مفاعيلُ     مفاعيلن

 

والكَفُّ زِحافٌ يُميِّز الهزَج إيقاعيًّا، وبذا يكون الانتقال إلى الرَّمَل من خلالِ قوله:

"وَإِذَا لَجَّ بِي الْأَمْرُ الَّذِي تَطْلُبُهُ فَعَدِّ عَنْهُ

وَتَأْتِي غَيْرَهُ وَلاَ تَلِجَّ.

فِيهِ فَتَلْقَى عَنَتًا وَجَانِبِ الْغَيَّ وَأَهْلَ الفَنْدِ وَاصْبِرْ"[8].

 

وقدْ تصوَّرتْ "نازك" في تتبُّعها لوزنِ كلامِ ابن دُرَيدٍ كسرًا يضَع في حُسْباني إذا قبِلْنا "فاعلاتُ" إمكانةً مِن إمكاناتِ "فاعلاتن"؛ إذ التقطيعُ للكلامِ السابق:

[وَإِذَا لَجَّ بِي الْأَمْرُ الَّذِي تَطْلُبُهُ فَعَدِّ عَنْهُ]

والإِيقاع: فعلاتن فعلاتن فاعلاتن فعلاتُ فاعلاتن

 

[وَتَأْتِي غَيْرَهُ وَلاَ تَلِجَّ]

والإِيقاع: فعلاتن فاعلاتُ فاعلاتُ

 

لينتقل الإِيقاع إلى رجَز فيكون قوله:

[فِيهِ فَتَلْقَى عَنَتًا وَجَانِبِ الْغَيَّ وَأَهْلَ الفَنْدِ وَاصْبِرْ]

والإِيقاع: مستعلن مستعلن متفعلن مستعلن مستفعلاتن

 

ليأتي الهزَج بعد ذلك إلا لو اطَّرحنا سبب "مستفعلاتن"، وأبقيناها على مستفعلن؛ حيث تضم "تن" المساويَة للمقطع "بِرْ" لتشكِّل مع ما بعدها توارُدًا لرمَل لا لهزَج.


الثانية: كان على "الدجيلي" أنْ يدرك؛ إحساسًا بوزنٍ وتقفيِةٍ داخل بعض بنوده يشبهان نِظام العمود الشِّعري، فقد بدتْ جملةُ جمَلٍ موزونة مقفَّاه تنبَّه إلى الأصل الإِيقاعيِّ الذي يَرُوم الوزن والقافية معًا، فبالإِمكان بناءً على اقتطاع منْبتِّ الصلة بما قبله وما بعده أن نرى ذلك.


من بَنْد لـ"معتوق الموسوي" في وصف الآيات الأرضيَّة يقول مطلعه: "خالقٌ أضْحك في قٌدرَته البَرْقَ..."[9] نجد تقفية ووزنًا داخليتَين؛ إذا ما اطَّرحنا أمر التلاعب بالهزَج والرمَل. يقول:

وليلُ الشَّجَرِ المُقْمِر في نورٍ وفي الرَّنْدِ

كأنْفاسِ حَبيبٍ حَمَل الوَرْدَ على الخَدِّ

إذا بلَّلَه الطَلُّ روى مِنْ شُعَلِ النَّدِّ

فلا يُعْجِزُه ضِدُّ ولا يُشْبِهُه نَدِّ


والقول يُسلِمُ إلى ظهورِ أبياتٍ جاءتْ على وزن الهزَج، سلِمتْ قوافيها بالتزام الكمِّ والكَيف رَويًّا ووصلاً؛ اللهم إلا في البيت الأخير الذي بان فيه إقواء أمره في حساب الإِيقاع مرفوض؛ حيث الحاجة عند الشَّاعِر إلى سلامة إيقاع القافيَة أولى من الحاجة إلى سلامة اللغة.


وفي بَنْد للسيد "محمد الزيني" من القرن الثّاني عشر جاء مطلعه[10] أشطر أو أبيات من الرمَل على نحو:

يا شذا طِيبِ نَسيمِ

مَرَّ في رَوضٍ وَسيمِ

فشَفى قلبَ سَقيمِ


وهو تقسيمٌ يُؤذن بتقسيماتٍ إيقاعيَّة أخذتْ أواصرها من نِظام الموشَّحات والمسمَّطات الخ، وفي هذا البَنْد ثلاثية هزَج أيضًا على نحو:

خليَّاتٌ مِن الرَّيْبِ

بَرِيئاتٌ مِن العَيبِ

هَذيَّاتٌ مِن الغيبِ


ما الذي يحكيه هذا التصورُ السابقُ؟


في حُسباني يَحكي أن مستخدم البَنْد لم يقصدْ به التلاعُبَ بين الأوزان المتداخِلة وحدها، وإنَّما بأطوال هذه الأوزان؛ ومِن ثَمَّ جاء جُماعًا تشكيليًّا للأوزان والأطوال.


الثالثة: كان على دارس البَنْد أن يدرك أنَّ المزاحَفة في تفعيلاته تَطغى على التَّمام، فالتفاعيل غير المزاحفة نادرة الوجود؛ فالأغلب في ورود فلاعلاتن فَعِلاتن، والأغلب في مفاعيلن مفاعيلُ، ولو كانت مستفعلن واردةً، فالأغلب في مجيئها مُسْتعلن، والأغلبيَّة بالمزاحَفة تمثل شكلاً دائريًّا واحدًا.


ومعنى هذا أنَّ إطار البَنْد مزاحَفًا وغير مزاحَف كان يحركه منظور نِظام قبل أن يكون منظور استعمال. فدائرة الخليل بن أحمد التي هي تجريد لنِظام أسَّستْ إيقاع البَنْد؛ ومِن ثَمَّ فتصوُّره ثورة على المألوف من النِّظام تصوُّر مبالَغ فيه.


الرابعة: حين رفض "الدجيلي" نص ابن دُرَيد مصوِّرًا لظاهرة البَنْد كان مؤدى الرفض قطعُ صلة تأثر البَنْد بالقديم كي يُثبت انفراد العراق به في الأدب المتأخر. والرفض قد بان أيضًا من خلال نصٍ آخر للمعري نفى صلته بأبي العلاء من خلال قوله بعدم ذكره في جميع ما طُبع لأبي العلاء، وهذا النصُّ يبدأ بقوله: "أصلحَك اللهُ وأبقاك، لقدْ كان مِن الواجب..."[11].


ومسألة الرفض فيها مِن مجانَبة الصواب والحَيف الكثير؛ فابنُ دُرَيدٍ بانَ مِن تحليل نصِّه محاولةُ تلاقي البحور لديه في تركيبٍ نثريٍّ متواصل لا أساس فيه لتقفيةٍ، وهذا ما دعانا إلى تصوُّر البَنْد في حيِّز التلاقي مع ظاهرة التَّدْوير، فالنظرُ إلى القديم يُثبتُ وجودَ نماذج توحي بالتواصل الذي يشبه البَنْد، ويُعدُّ إرهاصًا في طريق وجوده، وها نحن نقدِّم نصًّا بالإِمكان أنْ تتحوَّل فيه الإِمكانة العموديَّة إلى إمكانة نثريَّة يحُكم أمرها الاتصال، ففي سرِّ الفصاحة يقولُ ابن سِنانٍ الخفاجيُّ (ص: 186): "ومن عيوب القوافي أن يَتمَّ البيت ولا تَتمَّ الكلمة التي منها القافية، حتَّى يكون تمامها في البيت الثاني، مِثل أبيات كتبها إليَّ "الشَّيخ أبو العلاء بن سليمان" في بعضِ كتبه، وحكى أنَّ أبا العباس المبرِّد ذكرَها في كتابه الموضوعِ في القوافي، وسمَّى هذا الجنس مِن عيوبِ القافية - المجازَ - والأبيات:

شَبِيهٌ بِابْنِ يَعْقُوبٍ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يُو

سُفٌ يَشْرَبُ الخَمْرَ وَلاَ يَزْنِي وَلاَ يُو

سِعُ الأمْواهَ بالقهْوةِ مَزْجًا لَمْ يَكُنْ دُو

نَ فِي صُبْحٍ وإِمْسَاءٍ وَهَذَا مُنْكَرٌ يُو

شِكُ الرَّحْمَنُ أَنْ يُصْلِيَهُ فِي نَارِ خِزْيٍ هُو

لَهَا أَهْلٌ فَلاَ يَكشِفُ رَبُّنَا السُّو

ءَ إِنَّ الأَخْضَرَ الإِبْطَينِ ذا الفَحْشَاءِ لاَ يُو

قِدُ النَّارَ لِأَضْيَافٍ وَلَوْ قِيلَ لَهُ ذُو

دَنَانيرٍ وَأَمْوَالٍ فَيَا رَحْمَانُ لَا تَو

سِعِ الرِّزْقَ عَلَى هَذَا الَّذِي مَنْظَرُهُ لُو

لُؤٌ وَالفِعْلُ سَتُّوقٌ فَوَزْنُ الرِّيشِ لاَ يُو


وقطع الكلام على يو"؛ ولو أكملَ لقالَ - فيما أظنُّ -: فوزنُ الريشِ لا يُوزَنُ.


ما الذي يُراد لهذا النص ويُبْغى؟

بإمكانه أنْ يرتدَّ إلى بَنْد قديم، ولا خوف من تردُّد الواو فيه نهاية؛ لأنَّ حق القافية غير قائم؛ فمِن المُدرَكِ أنَّ للقافية ثوابتَ التزامٍ، فحين يردِفُ البيتَ الثاني أو يؤسِّس "ولا يو"؛ فإنَّ هذا السريان لا يجري على البيتِ الأوَّل المنتهي بقوله: "لم يكن يو". وحين تتحوَّل "هُوَ" بفتح الهاءِ إلى "هو" بالتَّسكين، وتَضيع همزةُ "لؤلؤ" الأولى مِن قوله: "الذي مَنظرهُ لو"؛ فإنَّ هذه الأمورَ بإمكانِها أن تكسر تردُّدَ القافية، وتجعل أمر السكْت النهائي غيرَ وارد، فالصلة في الأبيات السابقة قائمةٌ على نحوِ تتالٍ نثري وافق بحر الهزَج، حيثُ بالإمكانِ أن ينطقَها منشدٌ قائلاً: "شبيه بابن يعقوب ولكن لم يكن يوسف يشرب الخمر ولا يزني ولا يوسع الأمواه بالقهوة مزجًا لم يكُنْ دون في صُبح وإمساء، وهذا منكرٌ يوشك الرحمن أن يصليه في نارِ خِزي هو لها أهلٌ...".


لقدْ تلاعَب المبدعُ بتركيبٍ لُغوي متواصل، أوْهم بقسمةِ بعض صِيَغِه وجودَ قافية.


فما الذي بقى لنصٍّ مِثل هذا أن يكون على غرار البَنْد وطريقه؟

مُجرَّد إضافة سابقة السبب الخَفيف التي تُحوِّل الهزَج إلى رمَل؛ وعلى هذا فإنَّ مقصودَ هذا النصِّ أنَّ التلاعب بقيم الإِيقاع داخل تشكيل نثري ليس مَظهرًا طارئًا، وإنما هو وافد إبداعي قديم، ولعله كان هاتفًا واضحًا لظاهرة البَنْد في الأدب العربي. فالرِّدة إلى القديم بُغية وصف ظاهرة البَنْد تُعد مطلبًا لا غنى عنه وقد وصل "ابن سنان الخفاجي" هذا التصرف بظاهرة التضمين التي أفصحتْ عن اتصال البيت الأول بالذي يليه حين قال: "ومما يجري هذا المجرى التضمين، وهو ألا تستقلَّ الكلمة التي هي القافية بالمعنى حتَّى تكون بما في أول البيت الثاني"[12]؛ وهذا ما دعاني إلى وضع البَنْد في سلك يؤازر التضمين في الدَّلالة على الاقتراب من تصور ظاهرة التَّدْوير؛ إذ التَّدْوير اتصال لا قطْع وسكْت، وتلك مسألة بان أمرها في التضمين والبَنْد.



[1] "البَنْد في الأدب العربي" (68).

[2] "البَنْد في الأدب العربي" (14).

[3] دائرة من دوائر الخليل تفصح عن أبحر ثلاثة هي: الرمَل والهزَج والرَّجَز.

[4] البَنْد في الأدب العربي ص"م".

[5] السابق.

[6] السابق.

[7] راجع "قضايا الشِّعر المعاصر" (ص: 8).

[8] "قضايا الشِّعر المعاصر" (ص: 9).

[9] "البَنْد في الأدب العربي" (ص: 5).

[10] السابق (27).

[11] راجع ص"ع" في البَنْد في الأدب العربي.

[12] "سر الفصاحة" لابن سنان الخفاجي (187).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (1)
  • التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (2)
  • التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (4)
  • التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (5)
  • التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (6)
  • التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (7)
  • التدوير: استقراء ووصف وتحليل
  • الطويل والتدوير
  • ثلاث من كن فيه كن عليه... دراسة تربوية

مختارات من الشبكة

  • التدوير في الشعر دارسة في النحو والمعنى والإيقاع (PDF)(كتاب - حضارة الكلمة)
  • التدوير في الرمل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التدوير في المنسرح(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التدوير في الرجز(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التدوير في المتدارك(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التدوير في المديد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التدوير في السريع(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التدوير في الوافر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التدوير الوظيفي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التدوير في المجزوءات وقصار الأوزان(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب