• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

المدارس الشعرية العربية في القرن العشرين

المدارس الشعرية العربية في القرن العشرين
د. أحمد الخاني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/4/2013 ميلادي - 30/5/1434 هجري

الزيارات: 167094

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المدارس الشعرية العربية في القرن العشرين


بدءاً من مدرسة الإحياء وما بعدها من مدارس، فقد مر الشعر بأطوار وفقاً للمدارس الشعرية التي حملت لواء الشعر ووجهت زورقه، وهذه المدارس هي:

1- مدرسة الإحياء

2- مدرسة التجديد

3- مدرسة أبوللو

4- مدرسة الشعر الحر

 

ولنتكلم باختصار عن هذه المدارس الشعرية:

1- مدرسة الإحياء

محمود سامي البارودي والتجديد الشعري:

بعد أن غفا الأدب ردحاً من الزمن مع تعاقب الدول المتتابعة، هيأ الله تعالى الشاعر محمود سامي البارودي حيث نظر إلى ما علق بالشعر من ركام القرون فأعاد له صياغته وديباجته بمحاكاة الشعر زمن الازدهار في العصر العباسي خاصة، فعادت الأصالة إلى شعرنا في الشكل والمضمون، وكان شوقي وحافظ وشعراء الأصالة حتى اليوم إحدى ثمرات مدرسة الإحياء، حيث استطاع البارودي أن يبعث الروح في الشعر العربي وأن يجدد الدم الذي شاخ مع ركود الحياة الشعرية في عصر ما قبل النهضة.

 

2- مدرسة التجديد لعباس محمود العقاد

وهو من الرواد- كما رأينا - من تلامذة لاومبروزو، من مدرسته وقد سقطت في أوروبا.

 

قام عباس محمود العقاد بثورة على مدرسة الإحياء.. لماذا؟

لأن مدرسة الإحياء كما يقول العقاد لا تبسط شعرها على الحياة النفسية، بل تنظم في موضوعات تقليدية، وماذا يريد العقاد للشعر أن يكون؟ يريد العقاد أن يكون الشعر تعبيراً عن النفس لا بمعناها الفردي الخاص بل بمعناها الإنساني العام، وأن يكون الشعر من معطيات الإحساس لا الحواس...

 

أحمد شوقي أمير الشعراء في عصره وهو يمثل الأمة الإسلامية ويعبر عنها في تطلعاتها، قال لي محمد محمود الصواف: شعراء الخلافة الإسلامية ثلاثة؛ محمد إقبال في الهند وباكستان، ومحمد عاكف في تركيا، وأحمد شوقي في العرب.

 

يقول شوقي في ديوانه بعنوان: أبوة أمير المؤمنين:

سما بك يا عبد الحميد أبوّة
ثلاثون حُضّار الجلالة غُيّب
قياصر أحياناً خلائف تارة
خواقين طوراً والفخار الملقب
نجوم سعود الملك أقمار زهره
لو أن النجوم الزُّهر يجمعها أب
هم الشمس لم تبرح سماوات عزها
وفينا ضحاها والشعاع المحبب

 

وبعد انقلاب الاتحاديين وإسقاط الخلافة الإسلامية يقول:

سل يلدزا ذات القصور
هل جاءها نبأ البدور
لو تستطيع إجابة
لبكتك بالدمع الغزير

 

وقد انتقد العقاد أمير الشعراء بل هاجمه هجوماً كاسحاً لا هوادة فيه بأن الشعر يجب أن يكون من معطيات الإحساس لا الحواس، وهذه هي الرومنطيقية وقد أخطأت في التنظير للشعر؛ فالشعر وصف العالم الخارجي من خلال رؤية الشاعر الباطنية؛ حيث يمتزج الإحساس بمعطيات الحواس قال ابن زيدون:

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا
والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله
كأنه رق لي فاعتل إشفاقا
كأن أعينه إذ عاينت أرقي
بكت لما بي فسال الدمع رقراقا

 

ونحن بين أيدينا شعر كلا الشاعرين؛ فالعقاد في فنه التصويري وفي ما هاجم به شوقياً هل أربى عليه فيه؟ أم أنه قصر عنه؟ ليس من مجال للمقارنة بين الشاعر شوقي والعقاد الشاعر.

 

لقد هاجم شوقياً سيد لما كان في مدرسة العقاد، ونشر محاضرة بعنوان: (مهمة الشاعر في الحياة) هاجم فيها شوقياً في قصيدته: أنَس الوجود[1].

أيها المنتحي بأسوان داراً
كالثريا تريد أن تنقضا
اخلع النعل واخفض الطرف واخشع
لا تحاول من آية الدهر غضا
قف بتلك القصور في اليم غرقى
ممسكاً بعضها من الذعر بعضا
كعذارى أخفين في الماء بضاً
سابحات به وأبدين بضا

 

لم تعجب سيد رحمه الله هذه الصورة في البيتين: (قف بتلك القصور. والبيت الذي يليه إذ يقول فيهما:

صورة القصور الغرقى، وقد أمسك بعضها بعضاً من الخوف والرعب، كيف تشبه العذارى السابحات وقد غمر بعضهن وظهر باقي جسمهن فوق الماء، صورة متناقضة، كيف تشبه صورة الآثار الغارقة الخائفة بصورة العذارى الجميلات الضحوك وهن يعبثن بالماء؟.

 

هذا معنى كلام سيد.

الصورة من التشبيه التمثيلي، تشبيه صورة بصورة صورة الآثار وقد غرق بعضها وظهر بعض آخر، تشبه صورة الفتيات العذارى وقد غمر بعض جسمهن وظهر بعض آخر.

 

إن وجه الشبه هو في المحسوس لا في المتخيل من معاني الإحساس، وجه الشبه في المحسوس لا في المجرد من الإحساس بالذعر في الآثار والبسط والانشراح لدى العذارى.

 

شوقي أعطى الجماد صورة الذعر، وأعطاها صفة الإرادة وأعطى العذارى ولم يعط شيئاً من ذلك للعذارى.

 

نحن بصدد مشهد تمثيلي تشبيه صورة بصورة بغض النظر عن الإحساس هذا كل ما في الأمر فليس ما يدعو إلى نقد يثير عاصفة أو زوبعة، وذلك هو شأن مدرسة العقاد، فالعقاد عنيف في نقده لشوقي بلا سبب موجب غير الحسد، وقد رصد أنيس منصور تلميذ العقاد الكثير من هذا الصلف الذي عرف به العقاد، والتعالي والتجني على شوقي.

 

يقول أنيس في كتابه (كانت لنا أيام في صالون العقاد):

(...ولم يكن مألوفاً أن يذكر أحد اسم شوقي أمير الشعراء، فالأستاذ -العقاد- لا يطيقه، ويسخر منه، ثم تشجع واحد فأنشد أبياتاً من قصيدة نظمها شوقي عن الطلبة الذين ينتحرون بسبب صعوبة الامتحانات، وقف جاري، ولكن الأستاذ طاب إليه أن يجلس، وإذا شاء أن يقف فليضع شوقي وقصيدته تحت قدميه).

 

ويقول لمن طلب العلم بعد الخمسين: الآن أصبحت حماراً.

 

ولوثة الاستخفاف بالآخرين قد سرت إلى أنيس منصور نفسه حيث يقول).. ولكنني تأثرت كثيراً بالشاعر حافظ إبراهيم.. إن شاعرنا الغلبان حافظ إبراهيم) [2].

 

لقد روع شوقي من هذا النقد وكان يخاف من النقد، ولا يدافع عن نفسه.

 

3- مدرسة أبوللو

أسسها أحمد زكي أبو شادي (1892 - 1955) في مصر 1932، وقد ضمت هذه الجماعة عدداً كبيراً من الشعراء الرومنسيين العرب البارزين من أمثال أبي القاسم الشابي وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي..

 

أبولو، أو أبولون رمز وثني لليونان، فكيف يستمد الشاعر المسلم نبراسه منه؟ هذا بعض إيحاء هذا العنوان كان يمكن لأبي شادي أن يسمي مدرسته (عبقر) مثلاً، وهذه المدرسة الرومنسية سلبية وتشاؤمية وضعف في المجابهة، ومرض نفسي.. وهل تصلح مثل هذه المدرسة لأمة في حربها مع أعدائها؟ نكون أو لا نكون.

 

4- الشعر الحر

يقول الدكتور غالب الشاويش نقلاً عن ابن رشيق:[3]

(فالوزن أعظم أركان حد الشعر، وأولاها به خصوصية. ثم يقول: وأما ما يعرف اليوم بالشعر الحر، أو شعر التفعيلة، فإنما هو ظاهرة غير صحية في الأدب العربي، فلا يعد شعراً عربياً؛ لأنه فاقد لعنصرين اثنين هما: الوزن والقافية، فهو لا يمثل نمواً ولا تطوراً، بل إنه يمثل معول هدم للغة العربية الفصحى، وخسارة فادحة للجمال الفني للشعر الذي يصقل الموهبة، وينمي الذوق الأدبي).

 

سقوط نظرية (إلغاء التناظر)[4].

 

تقول نازك الملائكة في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) تحت عنوان: (الهرب من التناظر):

(في طفولتنا كانت البيوت التي يعيش فيها الناس ببغداد، بيوتاً شرقية في بنائها، تتوسطها ساحة واسعة، قد تكون فيها حديقة صغيرة يطلقون عليها اسماً فارسياً هو (البقجة) فكان البناء يحيط بهذه الساحة من جهاتها الأربع، وإذ أنظر إلى الوراء، ألاحظ أن نظام الشطرين الخليلي في الشعر كان متناسباً مع هذا الطراز في البناء؛ لأن الشطرين تتوسطهما فسحة، أو سكتة في وسط البيت.

 

وفيما بعد، عندما راحت بغداد القرن العشرين تتسع إلى الضواحي، بدأ الناس يبنون بيوتهم على الطراز الغربي المعدل، فلا يستبقون ساحة وسط البيت، وإنما يجعلون الفسحة أمام البيت ووراءه - حدائق - ولكن تأثير نظام الشطرين الشعري بقي نافذ المفعول في طراز البناء، لأن المهندس كان حريصاً دائماً على تشييد بيت له جانبان متناظران تمام التناظر، فالجانب الأيمن يشبه الجانب الأيسر كل الشبه بحيث لو مددنا خطاً وسط البيت لكانت الجهتان متطابقتين.

 

وقد استمر هذا النسق المتناظر مسيطراً على مباني مدينة بغداد إلى حوالي سنة 1955 م. وفي سنة 1949 م ظهرت مجموعتي (شظايا ورماد) وفيها الدعوة الأولى إلى الشعر الحر.

 

وإذ أنظر الآن إلى الماضي أحس أنني إنما ثرت على طريقة الشطرين الخليلية نفوراً من المنزل المتناظر، والحق أنني كنت أشعر ضيقاً شديداً بنظام البيوت في بغداد، وكنت كلما رأيت مسكناً متناظراً شعرت بنفسي تضيق وتظلم، ولم يخطر على بالي أنني دعوت تلك الدعوة الحارة إلى إقامة الشعر على أشطر غير متساوية تفعيلاتها غير متناسقة في العدد لأنني أدعو أيضاً إلى تغيير نظام المباني، وأنني أنفر من التناظر وأتعطش إلى هدمه والثورة عليه.

 

وعندما استجاب كثير من شعراء العصر إلى دعوة الشعر الحر، بدأ طراز المباني يتغير، وماذا نجد اليوم؟ لقد أصبح المهندس حين يبني بيتاً أو عمارة، يتعمد ألا يجعلها متناظرة، فما يكاد يلاحظ أقل ميل إلى هذا التناظر حتى يُنزل بالنزل فوضى من نوع ما، تخلخله ولو على شكل رسوم وخطوط وألوان لا نموذج فيها ولا مقياس لها، وإنما هي نثر بلا تخطيط)[5].

 

إنني لم أدرك لغز نظرية الشعر الحر، حتى عثرت بهذا الكتاب لنازك، حينئذ تسلمت مفتاح اللغز.. وحُل الطلسم.

 

لقد قدمنا رأي نازك في نطفة الشعور التي تلقحت مع الفوضى التي أشارت إليها الكاتبة. فإذا حللنا هذا الجنين، نكون قد ناقشنا جوهر الشعر الحر.

 

ولذلك أقول: نحن والتناظر، ما رأينا فيه؟ هل التناظر قبح والفوضى جمال؟ أم العكس؟ نبدأ من الإنسان، ننظر إلى بنيته التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها بهذا الشكل، ونحاول أن نتخيل معاً أننا مررنا خطاً وهمياً من رأسه نزولاً، فماذا نجد؟ نجد أننا حصلنا على شطرين متساويين متناظرين منطبقين على بعضهما تمام الانطباق؛ اليد اليمنى تقابل اليد اليسرى، العين اليمنى تقابل العين اليسرى، نسأل الكاتبة: هل في هذا التناظر قبح كما تزعمين؟ أنت تنفرين من مبدأ التناظر في البيوت وفي الشعر وفي الحياة.

 

ونحن نرى أن التناظر سمة الخلق، الإنسان متناظر

 

يقول الله تعالى مقسماً ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [6] لنتأمل مخلوقات الله تعالى في الحياة؛ الخيل، الجمال، الطيور، الأسماك نجد أن أشكال هذه المخلوقات قائم على التناظر، وقد نفرت الكاتبة من التناظر والله تعالى يقول ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [7] جمال الخلق وجمال الانسجام وجمال الإحساس وجملة القول في التناظر جمال.

 

الكاتبة نفرت من التناظر وهي في تكوينها متناظرة، أفتنفر نازك من نفسها؟ أتكره نفسها؟ وهل تثور نازك على نفسها؟ هل تثور على طبيعتها وتدعو إلى هدمها؟.

 

إن الشكل التناظري لهو دليل على سر جمال الله في خلقه، وإن الشكل التناظري في البيت الشعري لهو دليل على فطرة هذا الفن الذي خص الله تعالى به العرب، و على سلامة هذه الفطرة.

 

محاولة نازك في إلغاء التناظر إنما هي خلل على نحو ما، شذوذ فني، ذوقي إن عبارة نازك (أنفر من التناظر، وأتعطش إلى هدمه والثورة عليه) لها أكثر من دلالة، ربما كان لها دلالة نفسية يختص بها علم النفس الفرويدي الذي يرد كل الرغبات إلى الليبيدو.


ونتيجة للتحليل النفسي فإن هذا العلم يطرح هذا التساؤل العريض: هل النفسية التي رشحت هذه النظرة في النفور من التناظر، نفسية سوية؟.

 

ودلالة اجتماعية، ربما تساءل رونيه أوبير: إلى أي مدى تتمتع هذه النفسية التي ترفض التناظر بل وتثور عليه، إلى أي مدى تتمتع بالانسجام والبعد عن الاضطراب؟

 

وربما خطر هذا السؤال على بال أحمد بن مسكويه ليضيفه إلى كتابه (تهذيب الأخلاق) ويجيب عنه، ليعرفنا على مدى صلاحية هذه النظرة للشعراء المراهقين والشاعرات.

 

الإنسان هو الشكل الأمثل للتناظر، ولنتصور إنساناً ليس متناظراً في خلقته، كأن تخرج له ذراع من ظهره مثلاً، وله عين واحدة، ولنتصور إنسان الشعر الحر على هيئة هذا الشعر، فماذا نجد؟ نجد سطراً يطول وآخر ينقص عنه، فنتصور إنساناً له يد طويلة وأخرى قصيرة، وعين كبيرة وأختها صغيرة أو نجد عيناً واحدة أو بلا عين، أو ثلاث أرجل أو أذرع الأخطبوط. وقد رأيت إنساناً حلق جانب لحيته وأطلق شاربه في تلك الجهة، وترك الجانب الآخر من لحيته وحلق شاربه في جهة اللحية المطلقة، ولما سألت عن سبب ذلك قيل لي: إنه مريض نفسياً، فقلت: إن هذا لا يحب التناظر.

 

لقد كان شعرنا الجاهلي مشطراً، فلما جاء الإسلام، كان هو الأولى بهدم هذا الصرح الشامخ، بيد أن الإسلام لم يهدمه وإنما عزز الشكل، وحمَّل المضمون رسالة الحياة.

 

شاعرتنا نفرت من التناظر في بيت الشعر فألغت هذا التناظر، كما نفرت من الإحساس في البيوت المتناظرة، لقد كان معنا طالب في أوكسفورد مهندس ويريد أن يحصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة وموضوع رسالته: (نظام بناء البيت المسلم). تريد نازك أن تكون ساحة الدار خارج الجدران لا داخلها، ألم تعرف نازك أن البيوت على الطريقة الإسلامية أحفظ للأخلاق؟ أم أن هذه النقطة ليست مهمة في نظر نازك؟ ولو عرفت نازك أفكار مالك بن نبي لأدركت أن البناء على الطريقة الغربية قد سماها: (القابلية للاستعمار) أفلا يهم نازك العنصر الوطني والوطنية؟

 

إن شاعرتنا نازك أعقل من أن تنظر بعقلية المرأة الساذجة إلى القضايا الأدبية الكبيرة)[8].

 

والكتاب مفعم بالغثاء على نحو هذا الشعر:

(أفقاصه الترن في الهياكل

الأروقة المعاول

الترن في الشوارع الغوافل

والأكهف المنازل

التود أن تحبس بي الحياة والتجددا)

وتقول نازك في الحاشية ص 328: قصيدة عنوانها:

اللحم والسنابل، لنذير العظمة.

شعر التفعيلة يغزو النادي الأدبي

 

في أمسية شعرية في مقر النادي الأدبي بالرياض في شارع الأحساء قبل أن ينتقل إلى مقره الحالي، كان فرسان هذه الأمسية يترنمون بالشعر الحر، وقد حفظت من هذه الأشعار هذا الشعر:

أمن أجل أرصدة أخرى...

ولم أستطع أن أحفظ أكثر، وهذا الشعر للدكتور نذير العظمة.

 

بعد انتهاء الإلقاء حان وقت المداخلات فطلبت مداخلة وخرجت إلى المنصة المرتفعة كالمسرح وجلست على الكرسي وأمامي طاولة وكان إلى جانبي الدكتور عبد الله الغذامي قلت: إن ما يسمى بالشعر الحر يخرج عن إطار الشعر العربي. قال الدكتور الغذامي: وكيف؟ قلت: الشعر، لا بد له من قافية، وهذا سهل الحفظ لقد حفظت المعلقات وكثيراً من القصائد الطوال والقصار وما استطعت أن أحفظ سطراً مما تسمونه الشعر الحر، هل يوحد الآن هنا من يحفظ قصيدة واحدة من الشعر الحر؟.

 

فقال الدكتور الغذامي موجهاً كلامه إلى الدكتور العظمة في الصف الأول من الكراسي:يا دكتور، بين لنا رأيك فيما يقوله الأستاذ أحمد.

 

قال الدكتور العظمة: إن شعرنا التراثي كان شفاهياً، فكان الشاعر مضطراً إلى الحفظ لعدم وجود أدوات الكتابة، بينما نحن اليوم نحفظ في الدسك آلاف الدواوين فلا حاجة للحفظ في الذاكرة.

 

قلت: لا يعني حفظنا لشعرنا الترداد الببغاوي، فهذا معنى ساذج، إنما يعني حفظنا لشعرنا هو أن نحفظ القيم في هذا الشعر وأن نتمثلها في الحياة قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عمه: علموا أولادكم لامية الشنفرى فإنها تعلم مكارم الأخلاق.

 

شعرنا يبني مواقف؛ في الجاهلي كان الملك النعمان قد غزا قوماً وأسر شأسأً، فجاء شقيقه عبدة الفحل فقال بين يدي النعمان:

طحا بك قلب في الحسان طروب
بعيد الشباب عصر حان مشيب
يذكرني ليلى وقد شط وليها
وعادت عواد بيننا وخطوب

إلى أن قال:

وفي كل حي قد خبطت بنعمة
فحُق لشأس من نداك ذَنوب

 

فنزل عن عرشه وصار يزحل إلى أن وصل إلى وسط المجلس وقال: وأنبة وأذنبة. وخيره بين الحباء وبين فك الأسير فاختار فك الأسير فأعطاه كليهما وجمبع الأسرى.

وكلكم تعرفون قصة الزبرقان لما وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه بنو تميم قال مفاخراً:

نحن الكرام فلا حي يفاخرنا
من الملوك وفينا تنصب البيع

 

فأجابه حسان رضي الله عنه:

إن الذوائب من فهر وإخوتهم
قد بينوا سنة للناس تُتبع
يرضى بها كل من كانت سريرته
تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا

 

فأسلم القوم وحسن إسلامهم وربطوا مصيرهم بمصير هذا الدين.

 

في العصر الأموي كاد معاوية ينهزم أمام علي في صفين

رضي الله عنهما، وتقول الرواية: إن معاوية وضع خفه في ركاب فرسه ثم تذكر قول عمرو بن الأطنابة:

أبت لي همتي وأبى إبائي
وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وإمساكي على المكروه نفسي
وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت:
مكانك. تحمدي أو تستريحي
لأدفع عن مآثر صالحات
وأحمي بعدُ عن عرض صحيح

 

فثبت، وكان من أمر التحكيم ما كان.

 

وفي العصر العباسي، كان الرشيد متردداً في أمر البرامكة ثم جاءت لحظة الحسم حينما غنت له جارية من وراء السجف بشعر عمر بن أبي ربيعة:

ليت هنداً أنجزتنا ما تعد
وشفت أنفسنا مما تجد
واستبدت مرة واحدة
إنما العاجز من لا يستبد

 

ومت كلمة العاااااجز، فتنبه الرشيد وضرب البرامكة. وانظر مقدمة ابن خلدون لتعرف المزيد عن هذا الخبر فهل الشعر الحر يبني موقفاً ما في الحياة؟. فتعجب النادي. ونزلت إلى مكاني.

 

(إن من الشعر لحكمة). فهل لدى الشعر الحر الحكمة؟ طبعاً لا. وطبعاً ليس كل قصيدة فيها حكمة، ولكن قصائد شعرنا قابلة للحكمة

 

ما أكثر من ترنم بهين البيتين لأبي تمام مما يتمثل به!:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبداً لأول منزل

 

كيف يصوغ الشعر الحر معنى هذين البيتين؟

وهل يبقى رونق الشعر في التفعيلة كالذي في الشعر العمودي؟

 

نأخذ هذين البيتين أيضاً:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج

 

إذا قيل: هذا من شعر العلماء، أقول: والله إن هذين البيتين ليرجحان عندي على دواوين من شعر التفعيلة في قامة شعرائها، وأنى للشعر المنتوف أن ينسج على منوال الحكمة؟.

 

قال النابغة الذبياني:

وأي امرئ لك لا تلمه
على شعث. أي الرجال المهذب؟

 

ولامية العجم للطغرائي كنز من الحكم كقوله فيها:

أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!

وكقول الآخر:

ليس من يقطع طرقاً بطلاً
إنما من يتق الله البطل

وهذا البيت:

ورج الفتى للخير ما إن رأيته
على السن خيراً لا يزال يزيد

 

وفي قصيدتي في حواري مع البردوني والمتنبي قلت:

مأرب حافل وصنعاء عطشى؟
جاءك العيد، كيف تنوين صوما

 

والشطر الأول أصبح مثلاً يضرب للإنكار على كل متلازمين أو متجاورين وبينهما تفاوت، ينكر على الصديقين واحد منهما غني والآخر فقير، وقد قلت في مقال لي: إذا رأيت صديقين؛ أحدهما غني والآخر فقير فاعلم أن صداقتهما كاذبة، ويضرب هذا المثل للدول المتجاورة، وهذا هو معني الحديث الشريف: ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم إن غزة جائعة، عطشى.....

 

وما أكثر الحكمة في شعرنا! وما أروعه!

 

ومما يتباهى به شعر التفعيلة الصورة الشعرية.

 

إن الصورة في هذا الشعر ليست على طريقة العرب في التصوير، الصورة في شعرنا تؤدي رسالة توصيل المشهد لتتكامل في لوحة فنية يكمل بعضها بعضاً كما في شعر المتنبي وغيره.

 

بينما الصورة في شعر التفعيلة مبعثرة متناثرة في كثير من الأحيان تضيع المعنى بدلاً من أن ترفده، وكثيراً ما تكون عبثية لا رصيد لها من الجمال وليس لها مقومات التشبيه الذي يمت إلى البلاغة بسبب من مشبه ومشبه به ليعطي المشبه قوة، لتحقق الصورة غايتها، بل كثيراً ما تقتل الصورة المعنى كهذا الشعر:

عيناك حلقتان

شهوة وقهوة...

وقد علق أحدهم على هذا الشعر فقال: عيناك بقالية.

وما أكثر صور التقزز في هذا الشعر كقوله:

يا عرق الأفخاذ

نتمشى على الكورنيش

ونأكل البوظة

وننام في الباذنجان.

هذا، وقد كنت أعبث بالقلم، فسجلت خربشات جمعت فيها الشعر العمودي مع شعر التفعيلة ونشرتها في مقدمة ديواني (مع الشعراء) وعنونتنها بهذا العنوان (أنا والشعر). وهي:

أنا والشعر[9]

شفق...دمع تهادى، ولهب

وينابيع ابتسام....وطرب

ومروج من أغاريد الصبا.

عذبة الألحان في ثغر الربا.

وحنيني،مثل أوطاني اشتعل

يا بقايا الطيف تذروك المقل

في فؤادي....

ورؤى شعري بلادي.

شفني وجدي فأضحى ليَ حادي.

أيقظ الإحساس بالإحساس

كل الجبهاتِ.

رقصت نشوى على أعتاب سحر الومضات

عالمي الأكبر يغدو

فوق مرآى اللمحات

بين ماض في علاه، بين مرئيٍّ وآتي.

في صراع سرمدي

يضرم الشوق لهيباً.

في كياني.

ليت دولاب الزمان

ليت شلال الغواني

ليت أطياف الأماني

ليت أيام التهاني

ليت دقات الثواني

ليت أنغام الحنان

يا جماني

في أمان.

عزف الشعر يغني عند كوخ فيه أمواج التمني.

والنواعير تغني

والعصافير تغني

 

والقوافي ستغني:

- كأسها من فيض دنِّي -

- عزفها إنس لجن؟ -

- عبقرَ الفنَّ ملاكٌ لؤلئيٌّ.. قد غدا نوراً لعيني.

وبدا حصناً لحصني

وهفا أمناً لأمني.

القوافي ستغني:

يا شعوري... أنت لحني...

قد صحا النور بفني..

فارفع الأغلال عني.

وإذا لم ترفع الأغلال عني.

حين قال الشعب: إني...

لست يا لحنيَ مني.

بَرْعَمَ المكنون من آلام نفسي

لهب النيران...

من نيران قدسي

جمرة الآهات في أنسي.

دموع بعد عرس.

وعلى ساحل نفسي

يتهادى مارد الآلام موجاً بعد موج.

كجيوش من دجى الأهوس.

فوجاً بعد فوج.

يتحداها الشهيدْ.

ومع الفجر الجديد

شمت أنواراً لـ(دعد).

شمت أطيافاً لـ(هند).

شمت أسيافاً بغمد.

سلَّها العملاق من آهات آمالي بخلدي.

وعلى شطآن رعدي.

ضمنا حب ووجد بعد وجد

لحنه البلسم في جفن هَتَنْ

من ذمار الشجو في هام اليمن

ومن الزيتون والليمون....

بسام الفنن.

وحزين البرتقالات حكايات الزمن..

قبة الصخرة مرآها سكنْ.

في فؤادي

أضياء الحق مادت؟

تكتوي جمر المحن؟

أنت مازلت عروساً

تاجها...

إسوارها...

شمسا (عدن)

جرحك النازف يا (أقصى)

وقد عز الثمن.

لهب الجرح فلسطين، ألا ينفي الوسن؟.

لملمي جرحك يا قدس الشجن.

طيفك الملح على ظهر الوطن.

نجم (داود) تغذيه الإحن.

♦ ♦ ♦

أوَ ما أرسل بالتلفاز طيفاً في سعارِ؟

صرخة القرصان تعوي:

ضحكة الموت شعاري.

دمدم السلم؛

أيبكي في البطاحِ؟.

أم يغني الحرب في لحن الجراح؟

صوت إيماني غدا صوت الكفاح.

بالعطاء المُر...

لا الدمع المتاح.

زند أشبالي بدا فوق البطاح.

أقحوان دونه عطر الأقاحي

حجر يهزأ في ماضي السلاح

يصنع التاريخ طفل.

وانتضت ذات الوشاح.

غزة البذل أسود.

عطروا بالأحمر القاني ندىً درب النجاح.

يا ضرام الشعر

في ذاتي على هدب السهوبْ.

صرت لحناً يتهادى.

عزفه الصخَّاب نورٌ

فوق أهداب الشعوب،

وهي تشقى باللغوب

وهي تشوى بالحروب

وهي تندى في الغيوب

دمها يغدو طيوب

سانحات سابحات في تراتيل الغروب

وبدا الصبح ضحوكاً

من ندى الفجر الطروب

فيه أطياف ابتسامات من البيت الحرام

وصهيل من هُمام

وزئير من حسام

ردد اللحن الغمام

وشدا العزفَ الخيام

فوق أجفان الوجودْ

وهب اللحن الخلود

حطم العزفُ السدود

بوركت تلك الزنود

عزفها الصخاب نور

فوق آماق الشعوب

حين باحت بالغرام

ذوَّب القلب الهيام

فطم (القسامُ) أحلام النيام

فتلظى في مغانيه الظلام

آه ما أقساك يا يوم الفطام!

فالرزايا لعنت هذا الفطام.

سفحت كأس المدام

نعق البوم بها... عشش الغربان في مخ العظام

عشش الخفاش في رأس الهوام

وشعوب باركت هذا الفطام

ولها غنى الحَمام

عانقت هذا الفطام

قبلت رأس الفطام

وهي تهفو في وئام

وتغني للسلام.

 

ومن هذا الباب دخل الدكتور محمد نجيب المراد شاعر العرب، في نصه (الثغر) وقد درسته دراسة نقدية بينت فيها أنها مجرد مقال؛ جمع فيه بين الشعر العمودي والتفعيلة.وهو ما يلي:

الثغر

عاد إلى مسقط قلبه بعد غياب فكانت هذه الشهادة - المناجاة:

إن هذا البحر يشهد،

أنني لونته بالأزرق الداكن يوماً..

ثم بالفاتح يوماٌ..

وسكبت اللازورد الأمس واليوم وفي غد.

وطيور البحر تشهد..

كيف هذا الماء في قلبي تنهد؟.

كيف هذا الموج يأتي كل صبح

تحت شباكي ويصعد.

يشرب القهوة في الشرفة عندي

حيث للشرفة للأمواج مقعد.

تمسح الأصداف عينيها بمنديلي

وتتلو صحف اليوم..وفي حضني تسنَّد.

يغسل النورس جنحيه بدمعي...

وأنا أطعمه السكر والكاكاوَ

من صحن بأشواقي ممرد.

تخلع الريح على وجهي قفازاً لجينياً

وترمي شالها المصنوع من (يود) على شعري المجعد

وأنا أغسل بالورد يديها

وأراها تحت ماء الورد في دل.... تأود

تنطق الأسماك في كفيَّ شعراً

وتصيد الصورة المحبوكة الألوان مني..

والفراشات التي في شعرها عطري تجمد

هل رأيتم سمكاً شعرَ الفراشات. تصيَّد؟.

♦ ♦ ♦

أيها البحر الذي ما بين عينيه وعيني

مطر الحب تهجد.

وعلى سجادة من زبد

كم سبَّح الليل وحمَّد!

♦ ♦ ♦

عندما جئته في الليل

وكان البحر قد ألقى المراسي عند مينائي

أدار الحب عينيه كمن غاص في هم الغواني

يومها حوقل سراً ثم ناداني: تجلد.

صاحبي من ثلث قرن وصديقي

شجن البحر اكتساني خلجات

انظروا، ها عرق الماء على جبهة أقلامي تورد.

شجن البحر ارتآني

فأنا حزنممدد

ولشطآني على أوجاعها

في زمن البرق أهازيج الزبرجد

كم توقدت على الرمل

وهاكم رجلاً يمشي إليكم كل ما فيه توقد

أشعلوا مني فوانيس هواكم

إنني قنديل هذا البحر من شوق تجسد

أبرق الغيم الذي في وهج مشكاتي

تدلى ثم أرعد

وأنا أنظر للموجة حيث الطحلب الأخضر

خصر الماء في رقص تزند

أي موسيقى على ظهر شراع

أعملت أظفارها في مسمعي

إذ كل ماضيَّ الموسيقيَّ بأنواع المقامات تمرد

سحب الرصدُ السكاكين وفي قلبي سدد

(وبياتٌ) جنَّد التذكار ضدي

آه كم يذبح تذكار مجند

ذبت كالآهات غناها (برأس التين) حسون وغرد

عرفتني (ساحة المنشية) الصرح الذي يوماً على أدراجه

قد زارني (شوقي) أبو الشعر

وأهداني وريقات من النعناع

فيها بعض تطريز من الليمون

شموا شعري المسكون بالإبداع

شوقي فيه بالنعناع والليمون جدد

(وفنار ٌ) أغمض الجفن قليلا

ثم بالسبابة اليمنى مشيراً باتجاهي

قد تذكرت، تذكرت........

أأنت العاشق المجنون عدت الآن فادخل يا محمد.

♦ ♦ ♦

كانت الأحجار عند السور...

عند المدخل الشرقي للميناء ترنو لي

وبعض النقش قد لاحظت قلباً بين جنبيه

رآني من بعيد..دق أزيد.

نزلت من عرشها الأضواء تمشي

(والبصيري) بقلب الساحة الكبرى

ويتلو (بردة الحب).

وشعري عنده جاث

وفي صمت تشهد.....

♦ ♦ ♦

إنه الثغر..

فقبل يا فؤادي حيثما شئت..

فدادين شفاه ولماض فاض عسجد

إنه الثغر الذي علمك النبض..

وغذى ببريق الوجد شريان الشرايين.. وأوقد.

إنه الثغر الذي غرق أسماكاً

ويطلى بالدهانات هواء

بل ويهدي الضوء نظارات شمس..

صنعت في الشارع الخلفي للميناء من غيم مبرد

♦ ♦ ♦

غمزت لي نقشة الحناء

في (زنقة ستات)..

فقامت نكهة البحر تغني..

وإذا (سيد درويش) بكوم الدكة الحسناء

عند الفجر للحلوة أنشد

♦ ♦ ♦

أجهش الإسفلت.

أقدامي على رفق تحط الخطو..

تخشى..

إن هذا الشارع المرصوف بالأحداق

من أتُّون آهاتي دموعاً قد تمهد

كنت امشي فيه مبهوراً

كأني في حقول..

أتملى زعفراناً صهوة الريح توسد

أسمع الفل على قوس كمان يتثنى

يصدح العطر زكياً..علها تخضل من أمطار موسيقاه نجمات فيسعد

♦ ♦ ♦

أيهذا الشارع الساكن كالنقطة في نوني....

مقيم، وحناياه تموء الدفء في عمري المشرد

جئتك اليوم..

وقد مر زمان....

أتعب الدرب الشمالي خيولي بالفتوحات.. وأجهد.

فإذا أنت كما أنت...

مواعيدي التي تفرز شهداً..

زغب المسك وأعشاب من الند..

نخيل من حنان، عند شباك حبيبي قد تنضد

لم يغيرك الزمان الفج

يا مأوى العصافير التي في ريشها كحل...

ويا بيت العيون الخضر، والهدب المهند

♦ ♦ ♦

أنت ما زلت كما أنت...

عجيب ما انمحت عنك شفاهي وعيوني..

وبقايا ضوء مصباح مسهد

وإمام شاطبي....

أخضر النبرة يتلو:

(والضحى والليل) في فن مجود.

أطلق المد كما شاء بليل ثم عند الصبح قيد.

♦ ♦ ♦

مرحباً يا منزل الحب

ويا أنشوطة الزهر التي عنقي بإحكام تقلد

ههنا لهفة أضلاعي مشت بي ورمتني

فتكسرت فتافيت يواقيت على أرض حبيبي

صدقوني..

لحظة واحدة لم أتردد.

قادني الحب، مشى بي..

في دهاليز من الأحلام..غطاني بجفنيه وأوصد

♦ ♦ ♦

فسلاماً أيها الحب..

الذي من ربع قرن، أنا من لمسة شامات على خديه أولد

وسلاماً أيها البحر..

رسولي للعيون الخضر..

دوماً للأمانات كعصفور تعهد

وسقى الله (أبا قير) ورأس التين غيثاً..

(وترام الرمل) يسقيه غمام من عطور ليس ينفد

♦ ♦ ♦

إن قلبي عندكم يا أهل هذا الثغر..

يمضي ليلة في جانب البحر مضياً

(فلقاً) يتلو على الحساد حرزاً

كم أغاظ الحب حسد

يشهد الإسكندرانيون أني في هواهم شاعر

والبحر يشهد

♦ ♦ ♦

يكتب التاريخ أني..

أنا (إقليم شمالي) (بإقليم جنوبي) توحد).

 

هذا النص إلى جانب نص(أنا والشعر) قد مزجا الشعر العمودي بالتفعيلة، فخرجت عن مسارها، وغدت خارج إطار الشعر، صار النصان مجرد مقالين فما بالك بنص منتوف ليس فيه إلا التفعيلة؟.

 

الحداثة

يقول الدكتور حسين المناصرة: (أمست مقولة الحداثة من المقولات التي تستحضر مع منطوقها السمعة السيئة)[10].

 

بعض تعريفات الحداثة في أقلام أعلام الغرب:

1- عرف رولان بارت 1915 - 1981 م الحداثة بأنها انفجار معرفي لم يتوصل الإنسان المعاصر إلى السيطرة عليه)[11].

 

وهذا التعريف ليس موحد الإيقاع لدى أدباء الحداثة في الغرب، والمنظرين لها؛ فكل أديب يخترع تعريفاً لها من وجهة نظره الخاصة، وقد رصد الدكتور عدنان النحوي الكثير من هذه التعريفات، من ذلك ما ذكره عن جوس أورتيكا كاست في كتابه (النزعة اللاإنسانية في الفن) إذ يقول عن الحداثة:

2- (إنها هدم تقدمي لكل القيم الإنسانية التي كانت سائدة في الأدب الرومنسي والطبيعي، إنها لا تعيد صياغة الشكل، بل تأخذ الفن إلى ظلمات الفوضى واليأس).

 

3- ويقول أرفنك هاو في مقاله: (المدخل إلى فكر الحداثة):

(لم تأت الحداثة بأسلوبها الخاص المؤثر، وإذا أتت بذلك تكون قد انتهت كحداثة)[12].

 

4- ويقول ليونيك تيرلنك: (الحداثة بالنسبة إلينا العدمية والموقف المعادي للحضارة)[13].

 

نظرة في تعريفات الحداثة:

التعريف الأول: الحداثة انفجار معرفي. رائع.

التعريف الثاني: الحداثة هدم للقيم الإنسانية. يجب أن يعيش الحداثي من هذا المنظور داخل قفص مع الحيوانات الدنيا.

التعريف الثالث: إذا أتت الحداثة بأسلوبها الخاص تكون قد انتهت كحداثة.

 

وإن العقل يسأل: إذاً لماذا وجدت؟ يا له من تعريف مضحك!.

 

4- الحداثة هي العدمية المعادي للحضارة. وهذا تعريف المقابر.

 

الحداثة في أقلام بعض الأدباء العرب:

1- الحداثة في عرف كمال أبو ديب جرثومة، وهذه الجرثومة انقطاع معرفي.

 

2- الحداثة في نظر خالدة سعيد هي الصراع مع المعتقدات.

 

3- أما زوجها علي أحمد سعيد فقد مجد الخطيئة حيث يقول عن أبي نواس:

إنه لا يخاف العقاب، بل يفعل ما يؤدي فعله إلى العقاب، أبو نواس شاعر الخطيئة، لأنه شاعر الحرية)[14].

 

ماذا نستنتج من هذه التعريفات؟ التعريفات الغربية مذاهب تعلن رفضها الإيمان بالله، كالوجودية، فمن أفكار الوجوديين (إنكارهم أي شيء خارج التفكير، ولا يوجد إله ولا قيم أخلاقية)[15].

 

والكيلاني يتفق مع مندور في التنظير للوجودية يقول مندور: (انتهى سارتر إلى أبعد الوجوديين صوتاً إلى القول بأنه لا يوجد شيء خارج التفكير، ولا سابقاً عليه وبالتالي لا يوجد إله ولا توجد مثل ولا قيم أخلاقية متوارثة لها صفة اليقين)[16] والتعريفات العربية صدى.

 

وقصارى القول في الحداثي أنه اللامنتمي.

 

عرفنا أن مدرستنا العربية النقدية القديمة مدرسة الألفاظ والمعاني، لم تناقش مسألة قيادية الأدب.

 

والمدارس النقدية الغربية تفصل بين الشعر والقيم، بل إن بعضها ينص على مهاجمة الأخلاق في الشعر.

 

أما مدارسنا الشعرية العربية في القرن العشرين، فإنها لم تلتفت إلى لون المضمون هل هو موافق لعقيدتنا الإسلامية أم مخالف لها، فهل يكون هذا أدباً قائداً؟


ثم ناقشنا الحداثة في المفهوم الغربي والعربي.

 

من هذا نخلص إلى أن نتعرف إلى فكرة: الأدب القائد.



[1] ديوان الشوقيات: ج2 ص53

[2] كانت لنا أيام في صالون العقاد..أنيس منصور ط4 ص 150

[3] الكافي في علم القوافي د. غالب الشاويش صـ 10 ط 2.

[4] نشر هذا المقال في جريدة الجزيرة العدد 6258.

[5] قضايا الشعر المعاصر نازك الملائكة ط7 صـ 61.

[6] التين - 4.

[7] السجدة - 7.

[8] نشر هذا المقال في جريدة الجزيرة بعنوان: رسالة مفتوحة إلى نازك الملائك

[9] ديوان: مع الشعراء. أحمد الخاني ط. 1405هـ.

[10] فضاءات الكتابة د. حسين مناصرة نشر شمس للنشر والتوزيع ط1 القاهرة.

[11] الأدب الإسلامي إنسانيته وعالميته د. عدنان النحوي ط4 صـ 297.

[12] الحداثة من منظور إيماني د. عدنان النحوي صـ27

[13] المرجع السابق صـ 28.

[14] الأدب الإسلامي إنسانيته وعالميته. د. عدنان النحوي ط4 صـ 304.

[15] الإسلام والمذاهب الأدبية د. نجيب الكيلاني ط2 صـ 114.

[16] الأدب ومذاهبه د.محمد مندور ط القاهرة صـ 152.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفتنة الشعرية وأخلقة الأدب
  • حقيقة الشعر وجوهره
  • المسرحية النثرية والشعرية
  • المؤدى الفني في الشعر الإسلامي بين التنظير والتطبيق
  • التواصل الشعري عند الشاعرة نوال مهنى
  • مدرسة الإحياء
  • الأشكال الشعرية في العصر الحديث
  • كتاب الشعرية العربية: الأنواع والأغراض

مختارات من الشبكة

  • بريطانيا: المدارس الإسلامية أفضل المدارس في بريطانيا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • هولندا: المدارس الابتدائية الإسلامية تحقق أفضل النتائج(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أهم المدارس اللسانية الغربية الحديثة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بلجيكا: السماح بالحجاب للمدرسات في المدارس(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: اختيار مدرسة إسلامية واحدة فقط ضمن المدارس النموذجية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الندوة العالمية تؤهل مديري المدارس وتفتتح مدرسة ومسجد بسريلانكا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أنواع الامتحانات(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بلجيكا: تفويض المدارس في حظر الحجاب(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إصلاح المدارس بإصلاح معلميها(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • في المدارس وإصلاح التعليم(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
اري علي - السليمانية - العراق 25-11-2020 09:40 PM

أشكركم جدا لأجل هذه الخدمة المباركة لتنويرنا بشعلة العلم والمعرفة والأدب. جزاكم الله خير الجزاء.


1- المدارس الشعرية
mima rossa - الجزائر 13-01-2016 10:38 PM

شكرا على هذا الموضوع وعلى هذه المعلومات القيمة شكرا لكم كثيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب