• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي
علامة باركود

صناعة تعليم اللغات: لمحة تاريخية وملاحظات ميدانية حول تعليم اللغة العربية

صناعة تعليم اللغات: لمحة تاريخية وملاحظات ميدانية حول تعليم اللغة العربية
عبدالكريم بن مسعود جيدور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/2/2013 ميلادي - 24/3/1434 هجري

الزيارات: 71489

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صناعة تعليم اللغات:

لمحة تاريخية وملاحظات ميدانية حول تعليم اللغة العربية


مدخل:

يهدف هذا البحث إلى التعريف بحركة تعليم اللغات، التي تطورت وازدهرت وحققت الكثير من النتائج والتطبيقات الفعالة والجيدة، والبلدان العربية لا بد أن تستفيد من كل هذه الجهود العلمية الممتازة، ولا بأس أيضا من أن نربط بين الجيد والنافع من هذه النظريات مع الجيد والنافع من أفكار وآراء علمائنا ومفكرينا العرب قديما وحديثا.

 

إن الاهتمام بالتعليم والتعلم وطرق نقل العلم واللغة قد شغف به الإنسان منذ أقدم العصور؛ المفكرون والعلماء والمربون الكبار وخاصة الرسل والأنبياء والمصلحون كانت لهم جميعا تعاليم وأفكار هامة جدا في هذا المضمار.

 

أما الحركة المعاصرة المسماة: صناعة تدريس اللغات [1] (Didactique du Langues) فهي الحركة العملاقة التي تنمو وتزدهر بصورة مطردة وخاصة في أكبر البلدان وأكثرها تطورا، وقد استفادت هذه الحركة من عوامل كثيرة أثرتها وقوّت تأثيرها أهمها:

1- الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والعلمية.

2- الدعم الرسمي السخي بشكل لم يعرف له مثيل من قبل في تاريخ البشرية.

3- ثورة الاتصالات والمواصلات والنمو الاقتصادي والسكاني والضرورات القصوى للسفر والانتقال عبر العالم.

4- ثورة العلوم اللغوية في اللسانيات ونظرياتها.

 

2- ظهور وتطور علم تدريس اللغات في أوربا وأمريكا:

إن الحركة العلمية المعروفة بصناعة تدريس اللغات هي حركة مركبة كما أشرنا من قبل، امتزجت في إنتاجها العديد من العوامل العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية جعلتها تغير النظرة إلى التعليم ومهنة التدريس حتى تحول هذا الميدان من هواية إلى حرفة وصناعة متقنة تنفق عليها الدول مخصصات مالية عالية جدا نظرا لظهور ثمارها الواضحة والفعالة على مسيرة التنمية والترقية الشاملة.

 

انطلقت حركة الإصلاح اللغوي الحديثة –كما يرى المؤرخون لهذا الميدان[2]- في أوربا من خلال النقد الشديد الذي وجهه المربون للمنهجية التعليمية التي كانت سائدة في زمانهم (نهاية ق19 وبداية ق20)، وأهم ما أزعجهم في هذه المنهجية أنها تضع عبء التدريس كله على المدرس وتترك المتعلم في حال منعزلة متلقيا لكل ما يلقى إليه من التعليمات مع مساهمة شبه منعدمة في التعلم، وهذه هي الطريقة التي كان يتم بها تدريس اللغات في أوربا وكذلك ما يسمى باللغات الأدبية: اللاتينية واليونانية التي كانت مفروضة على المتعلم الأوربي وحتى الأمريكي في تلك الفترة لأنها لغة الكتب الدينية بالنسبة للأغلبية المسيحية.

 

نتج عن هذه الانتقادات ما يسمى بالطرق النشيطة [3] (Active methods) تركزت على تقليل سيطرة المدرس وزيادة مشاركة الطالب وطبقت أيضا على تعليم اللغات الأجنبية

 

بطبيعة الحال هذا التعديل الهام لم يحل كل المشاكل، وبقي تعليم اللغات يعاني الكثير من الجمود لأن جوهر المنهجية لم يتغير: المضمون هو النصوص الأدبية العتيقة والطريقة مرتكزة على القواعد.

التكنولوجيا المتطورة ليست العامل الحاسم في نجاح التعليم.

• مكتوب على اللوح: تابعوني وسوف أفهم؟!!

• في ختام المحاضرة يقول الأستاذ: المحاضرة التي ألقيتها عليكم متوفرة في الأنترنت؟؟؟

 

ظهرت بعد ذلك الطرق المباشرة[4] Direct methods) وكان أول ظهورها بعد ح ع2 عندما اصطدم الجيش الأمريكي بالذات بصعوبات كبيرة في التعامل مع الشعوب التي كانوا يوجدون في أراضيها، وطبق الجيش الأمريكي أول وأهم الإجراءات الفعالة وهو المعروف بالبرنامج التدريبي العسكري الخاص [5] ASTP الذي كان نواة تطور هذا الميدان، فطلب من علماء اللسان والتربية المشهورين في ذلك الزمان؛ أمثال بلومفيلد وهيمس، وكذلك تشومسكي بعد ذلك، أن يضعوا طريقة تمكن الجنود من الحوار المباشر مع الشعوب التي يتصلون بها، وبذلت جهود علمية محترمة جدا وتم تطوير هذه الطرق المباشرة وحققت نجاحا كبيرا لأن الدافع والحافز كان قويا.

 

انتشرت هذه الطريقة عبر العالم، وكل التطورات التي جاءت من بعدها هي امتداد لها، وقد تطورت هذه الطريقة كثيرا من خلال الجهود العلمية الرائعة والتجريبية خاصة في أمريكا من طرف علماء النفس والتربية وظهرت الطرق السمعية الشفوية والسمعية البصرية (Audio lingual/ Audio Visual)، ووصلنا اليوم إلى ما يسمى باللسانيات التطبيقية (Applied Linguistics) التي كانت خاصة بتعليم اللغات (Language Teaching) ثم تطورت هي أيضا وتنوعت تطبيقاتها إلى ميادين أخرى[6]، فأصبح تعليم اللغات فرعا من فروعها.

 

3- أهم نتائج البحوث العلمية الجارية في اللسانيات التطبيقية وتعليم اللغات:

1-3- محتوى التعليم وطرق التعليم: ماذا نعلم؟ وكيف نعلم؟

هذان سؤالان مختلفان حقا، ولذلك يفضل الخبراء في هذا الميدان التمييز بين البحوث الرامية إلى ضبط المحتوى التعليمي للغة من اللغات؛ من حيث المفردات والقواعد والتمارين وطرق القياس والتقويم، وغير ذلك من بحوث وتحليلات المحتوى التي يختص بها الفرع الذي سميناه: اللسانيات التطبيقية (Applied Linguistics). والنوع الآخر من البحوث يختص في بحث طرق ومناهج توصيل وتدريس هذه المادة اللغوية، ويسميه الاختصاصيون: المنهجية (Methodology) أو منهجية التدريس (Teaching Methodology).

 

وهذا التمييز مفيد، في رأيي، وهو اتجاه جمهور الباحثين المشتغلين في هذا الميدان، وفائدته الرئيسية أنه يمنح الفرصة للباحث لكي يتغلغل في ثنايا ميدانه ويتحكم في أدق جزئياته وتفاصيله.

 

ومع ذلك فإن فكرة الفصل التام الحاسم بين الفرعين (التي ينادي بها بعض الخبراء) ليست مجدية، لأن الترابط والتلاحم بينهما كبير جدا، وهما في الأصل قضية واحدة[7]، وكل المربين في حاجة إلى كلا النوعين من المعلومات ليقوموا بتدريس فعال، والباحثون هنا وهناك هم أيضا في حاجة ماسة إلى الاطلاع السريع والآني على جهود ونتائج كل منهم (البحث في المضمون لا ينتج تدريسا فعالا، والبحث في منهجية التدريس لا يجدي مع مضمون رديء).

 

كل هذه الأفكار وغيرها تقود خطى الباحثين والعلماء في كلا الفرعين (اللسانيات التطبيقية ومنهجية التدريس) للاقتناع بأن البحث ينبغي أن يركز على طرق تحسين وتطوير هذه الممارسة عند المتعلم (من خلال تعديد الوسائط وتنويع البرامج وتكييف المحتوى مع حاجات المتعلم وإدراج الحوارات والمحادثات الواقعية وتدريب المتعلم على تطوير تفكيره الخاص في طريقة التعلم أو استراتيجيات التعلم الذاتي وغير ذلك كثير من الأفكار الجيدة والنافعة فتحتها هذه البحوث، وسنأتي على ذكر أهمها فيما يلي

 

2-3- الأهمية والأولوية القصوى للجانب الشفوي من اللغة:

(اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم)[8] كلمة خفيفة المبنى عظيمة المعنى حررها الإمام أبو عثمان ابن جني قبل قرون عديدة، ومن العجيب أن كل خبراء التعليم في أيامنا هذه لا يملون من الحديث عما يسمونه أهمية المشافهة وأسبقيتها الحاسمة على كل المهارات الأخرى، ويجسد هذا الحماس والاندفاع عند الخبراء الغربيين الأوصاف التي يطلقونها على هذه المهارة: سيدة المهارات، ملكة المهارات، المهارة الأم[9]، وغير ذلك كثير، أما نحن العرب والمسلمون فلا يشكل الأمر عندنا كشفا علميا عظيما لأنه قديم وأصيل، نظره علماؤنا بعبقرية (كما رأينا في قول ابن جني) وجوهر ثقافتنا مبني على السماع والمشافهة.

 

لكن الذي يفضلنا فيه الغربيون من الخبراء في أيامنا هو الانتقال السريع من النظرية إلى التطبيق، وقد افلحوا ونجحوا في استثمار فكرة أسبقية المشافهة إلى حد بعيد جدا، وخاصة في تعليم الأجانب.

 

إن المخاطبات اليومية هي جوهر الاستعمال اللغوي، وتبدو الكتابة أمامها قطرة من بحر، هذا أولا، ثم إن مضمون هذه المحادثات هو اللغة اليومية الخفيفة وليس اللغة الأدبية العالية، وفي التعليم نحن لا نريد أن نخرج بطلا في الإنشاء والقراءة والأداء الخطابي الجليل ثم يكون بعد ذلك فاشلاً بكل المقاييس في حياته اليومية والاجتماعية حتى انه لا يستطيع أن يقضي اخص حاجاته التواصلية مع غيره من الناس، فاللغة الحية الفاعلة والمتفاعلة هي لغة كل مرافق الحياة، ومن باب أولى أنها لغة المرافق اليومية والأكثر ارتباطا والتصاقا بحياة الناس ومشاعرهم وحركتهم اليومية العادية.

 

لقد لاحظ الخبراء أن الطرق السابقة كانت تركز كل التركيز على لغة التحرير وتثقل المضمون بالحوارات والنصوص التراثية الغنية بلغة الأدب والحكمة، وهذا جيد ولا غبار عليه، لكنها تترك المتعلم و( خاصة الأجنبي) في انعزال وتقوقع خطير لأنه لم يتمكن من تنمية ادني قدر من المهارات الشفوية ولم يمتلك أي قدرة على استعمال اللغة اليومية العادية.

 

ولا نقصد باليومية أو العادية العاميات العربية، بل نقصد المستوى الذي كان يمثل العامية في الفصحى أيام ازدهارها، وهو الذي يسميه العلماء: الخفة والتوسع، لأن اللغة العربية في أيام سؤددها وحيويتها خلال القرون الأولى الخيرة، كان لها مستويات من الأداء ينتقل بينها المتكلم صعودا ونزولا دون شعور منه غالبا (نتيجة إحكامه إياها) وهي: اللغة الرسمية الإجلالية (يستعملها العلماء والخطباء والخلفاء وكل متكلم في موضع وحال لا يليق أن يبتذل أو يستخف) واللغة المرسلة الخفيفة أو الواسعة، تستعمل في كل حال يخلو من الانقباض والحرج والرسمية، وهي لغة المعاملات في الأسواق والنوادي والبيوت وغير ذلك)[10].

 

3-3- مفهوم الانغماس اللغوي:

وبعض الخبراء يسميه: الحمام اللغوي، وهو قائم على ملاحظة وجيهة أجمع عليها كثير من الخبراء المعاصرين (ونوه بها علماء العرب النوابغ كعادتهم من أمثال الجاحظ وابن خلدون) وهي أن اللغة لها بيئة ووسط خاص تنمو فيه وتتطور بشكل سلس ومطرد، كلما زادت معطيات هذا الوسط توفرا من حول المتعلم زادت احتمالات ظهور الملكة اللغوية عنده وزادت معها احتمالات انتعاشها وتطورها، ويلخص الخبراء وصف هذا الوسط بكلمة عامة عندما يقولون ب-أنه الوسط الذي لا يسمع فيه همس ولا صوت ولا لغو إلا باللغة المطلوب تعلمها، فيكون المتعلم كالمغمور أو المغموس في حمام من لغة وأصوات وهذا تصوير قريب ولا يخلو من الابتكار.

 

وقد اثبت الخبراء أن وجود المتعلم في هذا الحمام اللغوي زيادة على إجراءات التخطيط والتدريب التربوية الملائمة تجعله يتمكن من إحكام المهارة اللغوية الكافية اتصاليا.


في ظرف يعد وجيزا (لا يتجاوز 6 أشهر كمرحلة أولى).

 

وقد طبقت هذه الطريق على الطلاب المبتعثين فآتت أكلها وأثبتت أنها الطريقة الوحيدة لتعليم اللغة خاصة في مثل هذه الظروف الخاصة (و قد اقتنع المسؤولون في أوربا وأمريكا وبقية بلدان العالم كاليابان والصين بهذا المنظور وهم يدعمونه تطبيقيا وعلى مستوى زيادة وتعميق البحوث، وطبقت هذه الإجراءات بشكل متقطع وغير منتظم في بعض الدول العربية وكان المشكل الأكبر أن المسؤولين لم يقتنعوا بها.

 

النتيجة أننا أمام ثلاثة عناصر أو مبادئ رئيسية تقوم عليها نظرية التعليم الخاص باللغات (و هي المبادئ التي ارتكزت عليها بشكل خاص الطرق المباشرة Direct Methodes).

1- أسبقية وأولوية المشافهة.

 

2- الانغماس اللغوي=عدم استعمال اللغة الام مطلقا+عدم استعمال الترجمة مطلقا (من اجل ترسيخ الملكة حسب هذا المنظور).

 

3- التركيز على تعليم المفردات (Vocabulary) ويتجلى ذلك من خلال تصنيف ما يسمى بمحاور الاهتمام (Attention centers).

 

4-3- تأثير البحوث في ميدان اللسانيات البنوية وعلم النفس السلوكي:

ذكرنا من قبل بأن ظهور الطرق المباشرة (Direct methods) وتطورها بعد ذلك إلى الطرق السمعية الشفوية نتج عن جهود علمية مكثفة اندمجت فيها خبرة اللغويين من أمثال بلومفيلد، والنفسانيين من أمثال سكينر، وقد بنيت الطريقة السمعية الشفوية على النظرية القرائنية من جهة (وبعض التراجمة يسميها التوزيعية) وهي نظرية بلومفيلد وأتباعه، وعلى نظرية التكيف القائمة على مفهوم المثير والاستجابة وهي نظرية سكينر. وأضافت إليهما إيجابيات الطرق المباشرة التي ذكرناها وخاصة: الرجوع إلى لغة التخاطب وتسبيق المشافهة وضرورة الانغماس اللغوي التام.

 

وأدخل أتباع الطريقة الشفوية مفهوما جديدا في تدريس اللغات وهو ما يسمى: النماذج القياسية (patterns) ويمثل النمط من الجمل والمفردات الذي ينبغي أن يركب المتعلم على منواله، وتم ربط هذه النماذج بتعليمات المعلم (كمثيرات) والاستجابات الآلية للطلاب، واقترحوا نماذج لهذا النمط الآلي سميت بالتمارين البنوية (Exercices Structureux/ Structural Drilles)، وأداهم تركيزهم الشديد على الآلية، وإيمانهم بفكرة التكيف، إلى تقسيم الصعوبات التعليمية داخل تلك التمارين إلى أقصى حد ممكن، وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح.

 

وتفطن أتباع الطريقة الشفوية إلى أهمية المقارنة اللغوية، وخاصة في تعليم اللغات الأجنبية، فكانوا أول من اقترح البحوث المقارنة والتقابلية (Contrastive linguistics) وبحوث تحليل الأخطاء، وهي بحوث مفيدة جدا، وخاصة لبرامج تعليم اللغة الأجنبية، لأن هذا التحليل التقابلي يوفر للمدرب المادة اللغوية التي تكون قريبة ومأنوسة عند المتعلم فيبدأ بها فلا تكون غريبة عند المتعلم، وكذلك الأمر في بحوث تحليل الأخطاء، فإنها توفر للمدرب قوائم الأخطاء الشائعة والمتكررة عند الطلاب فيعمل على تفاديها بالطرق المناسبة.

 

فالذي يهمنا وينبغي أن نتذكره دائما، أن الطرق والمناهج العلمية لا تلغى كليا، لأنها لو كانت كذلك لم تكن مناهج ولا يصح إطلاق صفة العلم عليها، ولكن نقول: إن الطرق المعتبرة والمؤسسة على قواعد علمية سليمة يدخل عليها كل مدة من الزمان تعديلات وربما تحسينات وتطويرات، وقد يقترح الناس مصطلحات وأسماء جديدة لكنهم لا يلغون الثابت الصحيح من الأفكار السابقة عليهم.

 

وينطبق هذا الأمر على الطريقة السمعية الشفوية، وذلك لأنها بنُيت على فوائد وإيجابيات الطرق المباشرة، والطرق التي جاءت بعدها بنيت على فوائدها، وأهم هذه الفوائد: فكرة تقسيم الصعوبات إلى أقصى قدر ممكن، وفكرة التدرج والمرحلية، وفكرة التمارين البنوية.

 

5-3- الاهتمام بحال الخطاب (المقام والسياق) والمتكلم:

رأينا أن الباحثين في الولايات المتحدة قد طوروا الطريقة السمعية الشفوية على قاعدة التكيف السلوكي وتقسيم الصعوبات إلى أقصى درجة ممكنة، وكانت رؤيتهم لعملية اكتساب اللغة آلية أو قريبة من ذلك كثيرا.

 

أما الباحثون في أوربا، وخاصة في المملكة المتحدة، فقد لاحظوا الأهمية القصوى للعوامل السياقية، أو حال الخطاب ومقامه، كما يعبر علماؤنا القدامى، وهي عبارة عن مجموعة العناصر السمعية والبصرية (الحسية عموما) التي تكتنف الخطاب وتساعد كلا من المتخاطبين على التفاهم، وأكدت البحوث الميدانية لفيرث وهاليداي وغيرهم، الدور الكبير الذي تلعبه هذه الأحوال في اكتساب اللغة عموما وخاصة اللغة الثانية.

 

نتائج الدراسات أظهرت تشابها بين ظروف تعلم كل من المواطن المغترب والطفل الصغير، كلاهما مضطر للتعامل الدائم في كل وقت وحال بلغة لا يتقنها، وأكبر عامل يساعده على التعلم هو وجوده العفوي والمستمر في أوضاع تكثر فيها القرائن الحسية التي تساعده كثيرا على فهم الخطاب.

 

وبناء على هذه الملاحظات الوجيهة ركز أتباع هذا الاتجاه بحوثهم على تعزيز الإدراك الحسي وخاصة السمعي والبصري، وطوروا طريقة جديدة تراعي هذا الاندماج بين الحواس عرفت بالطريقة السمعية البصرية.

 

لقيت الطريقة السمعية البصرية حظا كبيرا من الرواج، وما زالت معتمدة حتى يومنا هذا، ومن أبرز العلماء الذين نشروها الخبير اليوغسلافي كوبيرنا الذي ابتكر ما يسمى بالطريقة البنوية الشاملة: السمعية البصرية (Structuro-Global Audio-Visual/ SGAV) وساعده في ذلك الخبير الفرنسي ريفانيك، وقد تميزت هذه الطريقة بمجموعة ممتازة من المزايا جعلتها واحدة من أحسن الطرق خاصة من حيث أساسها العلمي النظري والتطبيقي، وأهممها ما يلي:

1- الاختيار الدقيق للمادة اللغوية (المفردات والقواعد) باعتماد الرصيد اللغوي المجموع بطريقة الجرد الميداني الواسع مع الأخذ في الحسبان معدلات تواتر وشيوع العناصر اللغوية كما تم إحصاؤها في لغة الاستعمال. وقد اجتهد العلماء في أوربا للإسراع في إنجاز الرصيد اللغوي للغاتهم بأفضل الطرق، وتم ذلك بالنسبة لكل اللغات، وأدمج هذا الرصيد في برامج حاسوبية عالية الفعالية قدمت لمصممي البرامج التعليمية فوائد عظيمة جدا.

 

2- تقسيم الصعوبات في الدرس الواحد إلى أقصى قدر ممكن.

 

3- التدرج، وتقسيم البرنامج إلى مراحل صغرى، وتقسيم البرنامج الكلي إلى مستويات (عتبات).

 

4- إدماج الحواس، وخاصة السمع والبصر، وتكثيف القرائن باعتماد الصور المعبرة.

 

أما منهجية التدريس وفق هذه الطريقة فتمر غالبا بأربع مراحل:

1- العرض الإجمالي [كل الدروس عبارة عن حوارات قصيرة مأخوذة من الواقع]، الهدف من هذه المرحلة تحقيق الإدراك العام لمعنى الحوار.

 

2- يعاد عرض الحوار مجزء، في شكل جمل حوارية، الواحدة تلو الأخرى، وكل جملة ترافقها صورة من شريط ثابت يجسد بدقة معناها، ويتم تكرار هذه العملية عدة مرات (من3-5). وهنا يعيد المتعلم كل ما سمعه مجملا ثم مفصلا، ويسعفه المدرس على الفور بالتصحيح اللازم.

 

3- يعاد عرض شريط الصور مرة ثالثة مع كتم الصوت، ويطلب من المتعلم كشف النص المرافق.

 

4- مرحلة الاستثمار: وهي جوهر هذه الطريقة، وتشتمل على عدد كبير ومتنوع من التدريبات والتمارين، هدفها ترسيخ العناصر التي تم إدراكها في المرحلة السابقة، مثلا: لعب الأدوار، أسئلة سريعة على الصور، استعمال عناصر لغوية قديمة في حوار جديد، تحويل الحوار إلى حكاية والعكس.

 

الملاحظ هنا أن تعلم اللغة خال تماما من الشروح والتعليقات والقواعد المحررة، ومع ذلك فإن المتعلم يكتسب هذه القواعد ويجريها في كلامه بطريقة عفوية، وهذا هو الهدف الرئيسي من هذه الطريقة، وهو اتجاه كل الطرق المعاصرة في تعليم اللغات.

 

6-3- الاهتمام بالقدرة (الملكة) الاتصالية، والحاجات الخاصة بالمتعلم:

إن التطور الذي حققته الطرق السابقة لا يمكن إنكاره، ولاحظنا أن هذا الميدان يتأثر بسرعة كبيرة بكل المؤثرات والعوامل المحيطة به، سواء العلمية والبحثية البحتة، أو الاجتماعية والسياسية وغيرها من العوامل التي تلقي بظلالها على التعليم، ولاحظنا، بناء على ذلك، كيف تحول التركيز في هذه المهنة من المعلم إلى الطريقة أو المنهجية إلى المادة والمحتوى ووصل التركيز حاليا إلى الركن الرابع من أركان هذا النشاط الحيوي والمعقد الذي هو المتعلم، ونحن نعتقد أن هذا التركيز هو شيء منطقي لكونه تتويجا لما سبقه من الاتجاهات والطرق.

 

يجسد فكرة تركيز عملية التعليم على المتعلم الاتجاه المنتشر والغالب في الوقت الحالي المسمى: الاتجاه الاتصالي، ويعرف اختصاراً ب: (CLT) ويرى أتباعه أن الطرق السابقة وخاصة السلوكية والسياقية (التي بنيت في إطار المنظور البنوي للغة وللتعليم) قد أفرطت وبالغت كثيرا في تركيزها على الجوانب التقنية والتركيبية الخاصة بالمحتوى، فبذلت أقصى الجهود لتصميم وتخطيط المادة اللغوية وابتكرت أقوى الطرق والتدريبات التي تمكن المتعلم من إحكام البنى والقواعد بطريقة سلسلة وإجرائية، وقد نجحوا وأفلحوا في هذا الجانب، لكن الخبراء لاحظوا بعد مدة من تطبيق هذه الطرق أن المتعلمين لا يتمتعون بنفس السلاسة والطلاقة اللغوية عندما يوظفون اللغة التي تعلموها في أوضاع وأحوال خارج الفصل الدراسي، ولاحظ المختصون ما يمكن تسميته بالحبسة والعجز الاجتماعي بسبب عدم قدرة هؤلاء المتعلمين على التواصل الناجع بلغتهم، وكان يعتقد قبل ذلك أن المتعلم إذا أحكم التصرف في البنى اللغوية داخل الفصل يكون قد أتم تعلمه للغة، ويكفيه بعد ذلك مدة قصيرة ليتعود على استعمالها في كل الأحوال والأوضاع، وهذا ما تم دحضه كما قلنا من خلال الملاحظات الميدانية الواسعة، ثم ظهرت بعد ذلك بقليل شكوى من المتعلمين هم أنفسهم لأنهم لم يصلوا إلى مبتغاهم الحقيقي من تعلم اللغة وهو استعمالها بكفاءة وقدرة عالية في كل حال ووضع يحتاجون فيه إليها.

 

هذه الملاحظات الوجيهة، دفعت بعض الخبراء التربويين، ممن سبق لهم معايشة هذه المشاكل ميدانيا، إلى اقتراح منظور جديد في تعليم اللغات (وخاصة الأجنبية) يأخذ في الحسبان كأولوية قصوى، حاجات ومتطلبات المتعلمين، بالإضافة إلى تجاوز تعليم الملكة اللغوية (القدرة على التعبير السليم باللغة= توظيف القواعد اللغوية توظيفا صحيحا) إلى الملكة الاتصالية (استعمال اللغة بشكل عفوي وسلس بما يناسب أحوال وأوضاع الاتصال المختلفة والمتنوعة).

 

ويجب أن نشير إلى أن هذه الحركة الجديدة في تعليم اللغات الأجنبية، تزامنت مع بداية تصدع وانحلال المنظور البنيوي خاصة في ميدان اللسانيات، وانتعاش المنظور التوليدي الذي طرح فكرة القواعد العالمية، وفكرة إبداعية اللغة، وخاصة تمييزه بين الملكة والأداء.

 

واستفادت هذه الحركة فائدة عظيمة من بحوث اللسانيات الاجتماعية، وبحوث الاختصاصات الفرعية التي ظهرت حديثا وخاصة تحليل الخطاب وتحليل المحادثات وتحليل المدونات، وظهر الاختصاص الفرعي الجديد المسمى: البيداغوجيا النقدية. فكل هذه الفروع الجديدة أثرت هذا الاتجاه الاتصالي ودعمته وحققت له قبولا وانتشارا لم يسبق له مثيل.

 

ومن أهم الأفكار التي أضافها هذا الاتجاه إلى تعليم اللغات:

فكرة تحليل حاجات المتعلمين، وفكرة تقسيم ملكة تعلم اللغة إلى ملكة لغوية وملكة اتصالية كلتاهما مهمتان وضروريتان، وليست واحدة منهما أسبق من الأخرى، بل هما مندمجتان اندماجا محكما، ومن الأفكار الهامة أيضا فكرة تقسيم الكلام المحصل في المخاطبات والحوارات إلى أنماط عامة ليسهل تدريسها، ومن هذه لتقسيمات المفيدة: تقسيم الكلام إلى أداء رسمي (جاد)، وتفاعلي وتعاملي، فمثال الأول إلقاء محاضرة أو كلمة ترحيبية في مجمع أو حوار في ملتقى أو برنامج وغير ذلك، ومثال الثاني حوار الأصدقاء المقربين وكلام العائلة عند الاجتماع، ومثال الثالث حوار أو جدال عقد صفقة أو شراء غرض من محل تجاري.

 

ويلاحظ على هذا الاتجاه، وخاصة في السنوات الأخيرة تركيز كبير على فكرة التعلم الذاتي، ولذلك كثرت البحوث والطرق التي تتكلم عن استراتيجيات المتعلمين الخاصة للتعلم.

 

ومن أهم مبادئ هذا الاتجاه الخاصة بالمادة اللغوية الاعتماد الحاسم والمطلق على الحوارات والنصوص الأصلية (authentic discourse) وهي المقتبسة حرفيا من الواقع، وهذه إيجابية كبيرة لهذا الاتجاه، لكنها أصبحت بعد فترة مشكلا عويصا، لأن هذا المبدأ يلغي كثيرا من مقاييس الاختيار والتنظيم للمادة اللغوية التي تعود المربون على اعتمادها، وأهم من ذلك أن المطبقين وجدوا صعوبات كبيرة جدا عند مواجهة المتعلم بالخطاب الحقيقي من أول وهلة، مع ما فيه من العناصر الكثيرة (الصوتية والمعجمية وغير ذلك) الغريبة عليه، فهذا قد يصده ويقلقه ويحرف مسار اكتسابه في الاتجاه السلبي. وهذا في اعتقادي، واعتقاد كثير من الخبراء المنصفين أضعف جوانب هذا الاتجاه، وهو تساهله بمسألة الاختيار والتخطيط، وتهميشه المبالغ فيه أحيانا للملكة اللغوية ولذلك لا نسمع خبراء هذا الاتجاه يتحدثون أبدا عن مفهوم الترسيخ والتثبيت، بل يتكلمون عن التمرين، ومؤخرا يستعملون مصطلح النشاط، ونحن لا يهمنا المصطلح في ذاته ولكن كيفية ونوعية التطبيق، والمؤكد أن المجتهدين في تطبيق هذا الاتجاه وهم كثر جدا في أيامنا يغلب عليهم إهمال الترسيخ ونبذ الجوانب التركيبية والبنوية وهذا خطأ منهم، لأنهم يخلطون بين الطريقة البيداغوجية وأساسها العلمي النظري، فرغم أن التمارين البنوية أو التركيبية هي فكرة طرحت في ضوء المنظور البنوي والسلوكي، إلا أنها طريقة نافعة جدا في التدريب، ولا يوجد في رأينا إلى الآن أي نوع آخر من التمارين يقوم مقامها في هذه الجزئية.

 

وهناك جانب آخر دخلت فيه مساهمات الاتجاه الاتصالي بقوة وهو منهجية التدريس، ويحسب لأتباع هذا الاتجاه تركيزهم على الطرق النشطة ودعمهم لمفهوم التعاون والمشاركة، ومن أجل ذلك اقترحوا العديد من الأفكار لتسهيل مهنة التدريس وإدخال التشويق عليها ومن ذلك فكرة المجموعات، وفكرة التعلم بالألغاز والألعاب الهادفة (puzzles and learning games) وفكرة لعب الأدوار، وغير ذلك من الأفكار الجيدة والنافعة.

 

ويجب أن نذكر ميزة أخرى لهذا الاتجاه، وهي مواكبته السريع لتطور الحياة خارج المدرسة، ويؤكد ذلك إدخال العديد من المفاهيم التربوية الفعالة في هذا المضمار ومنها: مفهوم الفجوة المعلوماتية (Information gap) مفهوم استقلالية المتعلم (learner autonomy) المقرر المركب أو المندمج (integrated curriculum) المفاوضة والسيطرة على المعنى (negotiating meaning) مهارات التفكير (thinking skills) التقييم البديل أو الاختياري (alternative assessment) وغير ذلك من المفاهيم والأفكار التي تتميز بالحيوية والمرونة، وأكثرها مفيد ونافع إذا أحسن تنظيمه ولم يكن توظيفه طاغيا أو مفرطا على بقية الجوانب الأخرى للنشاط التعليمي.

 

4- أهم المشاريع العربية المنجزة والقائمة في هذا الميدان:

أهم مشروع في سياق التسلسل التاريخي هو مشروع الرصيد الوظيفي المشترك لأطفال المغرب العربي، بدأه الباحثون المخضرمون أمثال الأخضر غزال والحاج صالح ومحمد العايد خلال الستينيات وتم إنهاؤه سنة 1972 ورسمه وزراء الدول المغاربية الأربعة: المغرب والجزائر وتونس وموريطانيا سنة 1974، وأدخل في البرامج التعليمية لهذه البلدان، ثم اعتمدته الجامعة العربية، وشاركت 14 دولة عربية في تنسيق قاعدة بحوثه التي تضمنت معالجة حوالي 2 مليون كلمة من كل هذه الأقطار حاسوبيا، واعتمدت مقاييس علمية دقيقة لاختيار المفردات وترتيب شيوعها، وكل الخبراء والمربون ينتظرون إدخال هذا الرصيد العربي المشترك إلى البرامج التعليمية، وقد طال هذا الانتظار.

 

المشروع الثاني الذي يمكن اعتباره امتدادا لنفس فكرة المشروع الأول ولكن بشكل أشمل وأوسع وهو مشروع الذخيرة العربية (Trésor Arabe) الذي أصبح يسمى حاليا الإنترنت العربي (Arabic Internet - ANET) وهو بوابة العرب الحضارية على العالم المعاصر الذي يتكلم لغة واحدة هي لغة التكنولوجيا والتقنيات المتطورة، وقد وصلت أشغال هذا المشروع إلى مراحل متقدمة، وتم تقريبا إنهاء مرحلة إدخال البيانات بالنسبة للمادة الإفرادية التي تقدر بالملايير، وسوف يقدم هذا المشروع العملاق أكبر وأعظم الخدمات للأمة الناطقة بالعربية وخاصة للباحثين والسياسيين ورجال المال والأعمال وعموم المواطنين.

 

مشروع الذخيرة العربية طرح في نهاية الثمانينيات، وكان للعالم الجزائري: عبد الرحمن الحاج صالح شرف طرحه أول مرة، وعرف فترات من الركود، ومعلوم أن مشروعا ضخما مثل هذا المشروع سيتأثر بلا أدنى شك بكل المتغيرات والمؤثرات الكثيرة التي حلت بالوطن العربي، فمثلا كانت العراق متحمسة لهذا المشروع وكذلك سوريا لكن الظروف القاسية التي مرت بها هذه الدول قلصت من وتيرة الحماس، والجزائر والمغرب كانا منذ البداية في طليعة المتحمسين له ثم أصيب كلا البلدين بمشاكل وصعوبات متنوعة أثرت أيما تأثير على هذا المشروع وكادت تؤدي إلى إيقافه، وقد بذلت السودان والمملكة العربية السعودية والأردن[11] جهودا كبيرة مشكورة لإعادة مسار هذا المشروع.

 

5- تعليم اللغة العربية لأبنائها ولغيرهم:

هناك اختلافات بين الباحثين العرب في المصطلح، وينتشر حاليا مصطلح تعليم العربية لغير الناطقين بها، وهذا ليس مشكلا في حد ذاته.

 

أما أسس هذا النشاط الحيوي والرائد فتقوم على نفس المقاييس المشار إليها آنفا من ضرورة التمحيص والتثبت الشديد من كل فكرة ونظرية، وعدم تفضيل إحداها تفضيلا مطلقا أو تغليب جانب على جانب.

 

ويلاحظ على الباحثين العرب الذين يكتبون في هذا الميدان (تعليم العربية كلغة أجنبية) طغيان الجانب النظري، وكثرة التركيز على ما يسمى بالجانب الوظيفي، رغم أنه فكرة من الأفكار وليس كل شيء في التعليم.

 

ويلاحظ أيضا تنامي وتكاثر البحوث الخاصة بطرق ومنهج التدريس على حساب البحوث الخاصة بالمحتوى التعليمي، وهناك جوانب مهمشة تماما في هذا الميدان مثل: التصميم والإخراج الفني والتقني للمواد التعليمية، والتنسيق والترابط بين المواد المكتوبة والتفاعلية (السمعية والبصرية).

 

وهناك اتجاه غير محمود ظهر مؤخرا وهو تعليم اللهجات العربية لأغراض خاصة كالسياحة والتعليم والتجارة، ورغم أن العاميات العربية المحلية هي حقيقة لا جدال فيها، إلا أن هذا المسلك ضعيف جدا وغير مفيد على الإطلاق، وقد تتبعنا بعض الأعمال المنجزة في هذا الإطار فوجدناها غاية في الضعف ولا تشتمل على ما هو لازم في البحث العلمي من الدقة وحسن الاختيار وثبات منظومة المفاهيم.

 

ومن العيوب المزمنة على هذا الميدان، قلة التواصل والتراسل بين المشتغلين فيه، يدل على ذلك الأبحاث المنشورة التي تستقصي بجد كل ما يكتب وينشر من البحوث الغربية وتهمل بشكل متعسف أبحاث الزملاء العرب، ويمكن تفادي ذلك على الأقل من خلال التراسل الإلكتروني[12].

 

6- المشاكل الخاصة بالظروف التاريخية والثقافية لتعليم اللغة العربية في زماننا الراهن:

أخطر العيوب والنقائص التي تخص تعليم العربية بشكل عام فهو انزواء هذه اللغة وتقوقعها باختيار أهلها (وهذا حدث منذ زمن طويل على كل حال) وانحصارها على أداء جوانب محدودة من جوانب الاتصال لا تهم السواد الأعظم من المواطنين.

 

وقد لوحظ في الآونة الأخيرة تساهل مفرط ومقلق بجودة اللغة العربية في الإعلام وخاصة في البرامج التي تسمى عامة وثقافية، بل لوحظ أن بعض المحترمين من العلماء والدعاة والمفكرين الذين سمح الانفتاح الإعلامي بأن يقدموا أفكارهم المفيدة للجمهور الواسع يتساهلون في اللغة العربية إلى درجة أن بعضهم يستعمل العامية المحلية بشكل مطلق، وهذا تساهل كبير لا مبرر له.

 

ومن المعلوم أن اللغة لا تعد حية إلا إذا كانت مستعملة في كل جوانب الحياة ومرافقها وخاصة تلك التي يكثر تداولها وتوظيفها فيها وهي المرافق العامة كالإعلام والإنترنت والملاعب والمراكز التجارية والأسواق فضلا عن المدارس والجامعات والمساجد، وأنا حقا أتعجب كيف يمكن للغة العربية أن تسترد حيويتها وانتعاشها الذي كانت عليه في صدر الإسلام الأول إذا كان خطيب الجمعة في بعض مناطق البلدان العربية يخطب بالعامية المحلية، وأعجب من ذلك أن أستاذ اللغة العربية في برنامج قناة تعليمية يدرس اللغة العربية لتلاميذ الابتدائي باللهجة المحلية ويتم بث هذه الحصص على الهواء؟

 

والذي يجب أن نعلمه نحن معشر الباحثين والمهتمين بميدان تعليم اللغات عموما، وتعليم اللغة العربية بوجه خاص، أن وضع اللغة العربية مع لهجاتها ليست هي فيه بدعا أو استثناء، فما من لغة حية في الدنيا إلا وفيها هذان المستويان الكبيران من الخطاب، ولكن اللغات العالمية التي تتصدر ميدان التواصل الدولي خاصة الإنجليزية يقترب فيها المستويان من بعضهما كثيرا، وهذا له أسباب موضوعية يجب أن نعقلها وننشرها بين عقلائنا ومفكرينا العرب ليساعدوا اللغة العربية على استدراك هذه الفجوة التي افتعلتها العوامل الزمنية والثقافية والاستعمارية، وأهمها ما يلي:

1- كثرة استعمال الفصحى (fluent language):

خاصة من طرف المواطنين العاديين، في مرافقهم وجوانب كثيرة من حياتهم العامة (البريد/البنوك/المقاهي/النوادي/المنتجعات...) وحتى في البيوت، ناهيك عن المدارس والجامعات، والمستعمل من الفصحى في كل هذه المواضع هو المستوى الأوسط أو الخفيف، الذي يحافظ على مركز الكلام الفصيح تركيبا وإفرادا ويزيد عليه كثيرا من ظواهر التخفيف كالحذف والإضمار والإدغام والإدراج، وهذه السعة والاختصار هي أهم ما يميز اللغة الفصحى في المستوى غير الرسمي، وكانت العربية الفصحى على هذا النمط خلال قرونها الأربعة الأولى ثم بدأ الانحلال والانحطاط الشامل الذي وصل أقصى مراحله في فترة الظلام التي تسمى القرون الوسطى حيث جمد كل شيء خاصة العلم والبحث، واخترع بعض البلاغيين المشهورين في تلك الفترة مجموعة من قواعد الاستعمال اللغوي تشترط على المتكلم أو الكاتب أو الشاعر الذي يتوخى الأدب الرفيع واللغة المثلى أن لا يدخل في كلامه شيئا مما يرد على ألسنة العوام من الألفاظ، وورثنا هذه التقاليد المتحجرة في تعليم العربية حتى عصور قريبة، على الرغم من أن النوابغ من علمائنا من أمثال الخليل وابن جني والجاحظ وابن خلدون قد نبهونا مبكرا إلى أهمية الملكتين اللغوية والتبليغية (وتسمى ملكة الاتصال حاليا)، فأصبحنا في أيامنا هذه ننقل عن بعض الغربيين أفكارا قريبة منها ولا ندري أن عندنا مثلها أو أعمق منها. فالجاحظ مثلا تطرق إلى أثر لغة المنشأ وكيف أنها تعود لا محالة للظهور في لسان صاحبها وخاصة في أحوال الأنس والتبذل، وطرح ابن خلدون مشاكل التعلم العامة والخاصة بكثير من العمق والتحليل لا نعثر عليه في أحدث البحوث التربوية المعاصرة. وحتى فقهاؤنا الكبار كالشافعي وابن تيمية كانت لهم مشاركات سديدة في تحليل الارتباط المحكم بين اللغة والهوية الثقافية اعتمدوا فيها على مجموعة من الاستنباطات الحسنة استنتجوها من تدبر آيات القرآن وتفهم عميق لتوجيهات النبي عليه الصلاة والسلام من دون غرق في حبائل التأويل أو متاهات التفلسف، وفيما يلي ومضات خفيفة من هذه الجهود:

العبارة

قائلها

الفكرة المستفادة في ميدان التعليم

1

«من تكلم في مسجدنا[المسجد النبوي الشريف] بغير العربية أخرج منه»

الإمام مالك بن أنس.

الامتناع من استعمال اللغة الأم أو الترجمة.

2

«التعليم صناعة من الصناعات ترتقي بارتقاء العمران»

عبدالرحمن ابن خلدون

علاقة تطور التعليم بالحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وهذا قانون هام جدا في ميدان التخطيط والسياسة اللغوية.

«الملكة إذا سبقتها ملكة أخرى في المحل لا تحصل إلا ناقصة مخدوشة»

3

«اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا»

أبوالعباس أحمد بن تيمية

العلاقة المحكمة بين اللغة والنظام الفكري والثقافي.

 

فالمطلوب من عقلائنا ومفكرينا التنبه إلى أن لغتهم التي ينقلونها إلى الجمهور تؤثر في النمط والصورة العامة لتداول هذه اللغة عند الكافة، فلو كثر الفصيح الخفيف الذي ذكرناه ودارت به ألسنة هؤلاء الذين يواجهون الجمهور يوميا لكان ذلك أكبر عون على نشره وتذليل تعلمه واكتسابه، أما إذا كان صدر الأمة ونخبة مثقفيها والأذكياء من علمائها وشيوخها متساهلين في هذا الأمر فإنه يكون بالعكس اكبر حافز على النفور منها، لأن الجمهور سيستثقل من الكلام ما لم يتعود عليه ولم يألفه.

 

أما هذا المستوى الذي نسميه العربية الخفيفة أو الواسعة فهو فصيح كله، لأنه مسموع من الموثوقين الفصحاء وقد سجله العلماء في مصنفاتهم وكانوا يسمونه سعة الكلام والاستخفاف والاختصار، وحقيقته اللغوية تتمثل في مجموعة من الظواهر المطردة التي تصاحب استعمال اللغة العربية في مواضع معينة، هي مواضع الأنس والترخص، يكثر فيها اختزال المصوتات، والإدراج أو الاختصار لكل العناصر بما في ذلك التراكيب الفرعية، والإدغام بأنواعه، والحدر عند أواخر الكلم خصوصا، ويسميه بعضهم الرفرفة على الإعراب، وهو مقابل للحدر في قراءة القرآن، وقد يفاجؤنا علماؤنا الأوائل بملاحظاتهم، فمن هذا الباب: كراهية التنطع وخاصة تمطيط الحركات الإعرابية (الذي يحلو لكثير من فصحاء زماننا) في موضع أنس ومرح، وكان من سمة الفصحاء سرعتهم العامة في الكلام حتى إن غير الفصيح يعتقد أنهم لا يعربون كلامهم، وذلك وهم، وإنما هي قوة ملكة وإدراك متغلغل في تكوينهم لمواضع الكلم، وهذا الأمر قد حسمه ابن جني بطريقة تجريبية لا غبار عليها.

 

والمطلوب منا معشر المهتمين بهذا اللسان العربي المبين أن نجتهد في استخراج عناصر الخفة التي ذكرها العلماء مسندة إلى الفصحاء، ثم نسقطها على الدارج من لهجاتنا العربية التي يكثر فيها الفصيح خاصة في المفردات لتكون منطلق التدريس والتعليم، فيكون إلفها للمتعلم من جهة المفردات وخفتها من جهة النطق والأداء أكبر دافع يدفعه لإتقانها.

 

ولا ننسى أن هذا كله يهدف إلى إحياء جانب كان حيا من هذه اللغة المباركة، أو على الأصح، إنعاشه وتقويته لأنه موجود فعلا في قراءات القرآن المتواترة، وكثير من اللهجات العربية التي احتفظت بقدر لا بأس به من مادة الفصيح إفرادا، وفي ملاحظات وتدوينات العلماء الأجلاء، فهذا كنز حي موجود يطالب العلماء حسب اختصاصاتهم بنفض الغبار عنه، ويطالب الدعاة البارزون والعلماء ورجال الخير من أغنياء الأمة وكل من له نفوذ وسلطة بدعمه كما يدعم كل الناس لغاتهم.

 

2- اعتماد قوانين المستوى الخفيف من الفصحى في التعليم:

وهذا الأمر يعرفه كل من عرف اللسانيات التطبيقية واطلع على أسس تدريس اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية، فالدروس التي تقدم تراعي وباستمرار إظهار أكثر من مستوى من مستويات الاستعمال للتعبير الواحد، وتدرب المتعلم على اكتسابه داخل سياقه الذي يكثر وروده فيه، بل إنهم أضافوا للتدريبات التمهيدية شيئا مفيدا وهو الاختصارات الخطية المناسبة لكل مستوى من العبارات، مثلا: (1/It is my book 2/It’s my book 3/ ‘t’s mine) فالأولى هي العبارة القياسية (Formal expressions) وهي تناسب التعبير الرسمي، وشكلها الخطي هو المعتمد في الكتابة الأكاديمية، والثانية أخف منها وتستعمل كثيرا، أما الثالثة فهي تناسب الأوضاع المبتذلة وشديدة الخصوصية لأنها صيغة غير رسمية (Informal) لا يكتب بها ولا يتخاطب بها إلا في المواضع التي يكون فيها الأنس والقرب بين المتخاطبين كبيرا. لكن هذه الوجوه كلها معتبرة، وكلها فصيحة، لأن الناطقين الأصليين السليقيين (Native Speakers) هم من يستعملها، وهم من حدد لها هذه الأوضاع الخاصة، والعربية ليست استثناء في ذلك.

 

وأخطر ما نلاحظه في برامج التعليم خاصة، وفي كل المرافق التي تستعمل فيها العربية الفصيحة، هو إهمال هذه الوجوه المتعددة من الأداء للتعبير الواحد الفصيح، والاقتصار على تعليم وجه واحد هو الثقيل المحقق، وهذا كما قلنا إهدار لهذا الثراء والتنوع الرائع الذي كانت العربية تعيش في أكنافه حية فاعلة ومتفاعلة تستجيب لكل مقتضيات التعبير وأوضاع التواصل مهما كانت واسعة أو ضيقة، ولا بد من بذل الجهود لإحياء هذا الجانب الخلاق وإدراجه في التعليم العام.

 

ومن أهم وأبرز الأمثلة عن هذا التعدد الثري في وجود الأداء للتعبير الواحد: تعدد وجوه الهمزة تحقيقا (وهو الرسمي لأنه الأصل، ومع الأسف لا يدرس غيره) والتسهيل والنقل والإبدال والحذف وغير ذلك، وكل هذه الوجوه فصيحة عالية الفصاحة. ومن ذلك أيضا الإدراج وهو اختزال المصوتات المتجانسة، وتخفيف أواخر الكلم في درج الكلام طلبا للخفة والسرعة في مقام أنس، وغير ذلك كثير جدا من الظواهر. وأحسن الميادين التي يمكنها أن تساعد مساعدة جدية على استعادة هذا الجانب الحيوي من اللغة العربية هو ميدان الإعلام، وخاصة الإعلام المهتم بالدراما والسينما والمسرح[13]، فلو تمت مراعاة هذا التفاوت في لغة التعبير بين المقامات والمواضع في هذه الأعمال لتغيرت الصورة النمطية عن جمود اللغة العربية في أذهان الكافة، ويمكن لكاتب السيناريو والمخرج الذكي أن يظهر الفرق بين لغة الأمراء والعلماء ومجالس القضاء، ولغة الأسواق والبيوت ونوادي السمر معتمدا تلك الحقيقة الموضوعية التي ذكرناها وإنه لو فعل ذلك لأظهر جانبا من خفة اللغة العربية وحيويتها واستيعابها لمعاني المزاح والإلغاز وكثرة الحذف التي يألفها الناس في مخاطباتهم العامة، وهذا نظير ما يفعله المبدعون من كتاب السيناريو والمخرجون في اللغات الأخرى، فهم ينتبهون إلى دور اللغة المستعملة في إضفاء المصداقية على الحدث، وحتى لو كان العمل الدرامي أو السينمائي يتطرق إلى مرحلة تاريخية قديمة، أو يتبنى معالجة جادة للموضوع فإنه لا يغفل أبدا هذا التفاوت في التعبير، حتى لا يحس المشاهد بالجفاء والغرابة.

 

خاتمة:

إن سد الثغور مهمة واجبة ودائمة ما دامت هذه الأمة المباركة قائمة، ومن الثغور التي أهملناها وغفلنا عنها غفلة عجيبة استدراك الفراغ الكبير الذي تراكم واستفحل في ميدان التنمية العلمية مع مرور الأيام وذلك لعدم مساهمتنا الفعالة في نشر العلم وتطويره، وهذا تخلف عن أداء الأمانة التي تركنا السابقون من خيارنا ومصلحينا على عهد من حفظها ومضاعفتها بالابتكار والتجديد والإخلاص.

 

إننا في حاجة ماسة إلى نقد عميق وصارم لأحوالنا، بعيدا عن التزلف والتجريح، مستلهمين من معاني العدل والقسط التي أمرنا الله تعالى بها في القرآن الكريم ومن هدي النبي الهاشمي الأمين، لا إفراط ولا تفريط.

 

ويجب أن نسترجع الخصال الرفيعة التي تنافس علماء الصدر الأول في تطويرها وتعميقها في كل أبواب البحث العلمي ونخص منها: البعد عن الجدل العقيم والكد والجد في التجديد والابتكار والإيمان الراسخ بأن كل ما خلقه الله تعالى صغيرا كان أو كبيرا فإنما هو بالحق والحكمة، وواجب وعهد لا ينقطع على أولي الألباب والنهى أن يكشفوا عن موازين الحق وجوانب الإحكام والحكمة في كل الظواهر التي تحيط بهم.

 

رحم الله علماءنا السابقين وأدام في الصحة والعافية والعمل الحسن أعمار الباقين. والحمد لله رب العالمين.



[1]- هذا هو المصطلح الشائع في الفرنسية، ويستعمل في بعض الأبحاث الأوربية الأخرى قليلا، أما المصطلحات الأكثر شيوعا فهي الإنجليزية (Language learning/language teaching/applied linguistics/educational linguistics).

[2]- هذه نظرة المؤرخين الغربيين، وخاصة أتباع المدرسة البريطانية في لندن واسكتلندا، وهي تجعل هذا الميدان غربيا بحتا، وليس الأمر كذلك، لأن الأمم السابقة على الغرب هي التي فرشت لهم الطريق ووفردت لهم تقاليد تربوية متميزة ومادة غزيرة في هذا الإطار. ولكن ويا للأسف يرفض جمهور مؤرخي العلوم الغربيون أن يبنوا السياق التاريخي الصحيح عندما يقطعون أواصر الصلة بين العلم الغربي وما سبقه من إرهاص وتمهيد واسع تركه العلم العربي.

[3]- وقد استمر هذا المصطلح واتسع تداوله وتطورت النظرة إليه في إطار الفكر والفلسفة التربوية الحديثة، وأصبح يعني في الآونة الأخيرة التفاعل الإيجابي من طرف المتعلم، وذلك باعتماد الطرق والاستراتيجيات التي تحفزه على الاندماج والنشاط، وهي كثيرة جدا منها: فرق البحث، التجريب الميداني، الحوارات، اللعب التعليمية، البجث والاكتشاف الذاتي، وبناء على ذلك فإن فكرة التعلم النشط هي مفهوم تربوي عام وليس طريق خاصة، أنظر: Jack C Richards, Communicative Language Teaching to Day,Cambridge University Press,2006;p14.

[4] - ومن الرواد الذين برعوا في تطبيق هذه الطرق: هارولد بالمر (H E Palmer 1877-1949) الذي له جهود في تعليم اللغة الانجليزية في اليابان، حيث قضى هناك 14 سنة، وساهم في إصلاح تعليم اللغة الإنجليزية وتأسيس معهد البحوث لتدريس اللغات، محترم جدا عند المختصين في بريطانيا والولايات المتحدة، أنظر: ديفيد ولكنز، اللغة الثانية كيف نتعلمها ونعلمها، ص7 وما بعدها.

[5] - Army Specialized Training Program

[6] - هناك ارتباط عميق بين اللسانيات التطبيقية وتعليم اللغات، لأن فكرة التطبيق الذي يرتكز على نتائج التحليل اللغوي بدأت أول ما بدأت في جامعة ميتشيغان (1941م) على شكل حلقات دراسية لمساعدة مدرسي الابتدائي والثانوي، ثم عرف التطبيق انتشارا ونجاحا عجيبا وتكاثرت مجالات استثماره حتى بلغت خمسا وعشرين مجالا رئيسيا كما تشير اليه قائمة المجالات التابعة للجمعية الدولية للسانيات التطبيقية (AILA)، وقد نشرت مجلة الإلسفيار البريطانية في موسوعتها اللغوية الضخمة تقريرا مفصلا عن هذا الميدان توضح تطوره وتناميه المستمر، أنظر:

-M Berns and K Matsuda, Applied Linguistics: Overview and History, Encyclopidia of Language and Linguistics, Elsevier, UK,2nd Edu,2006 pp:394-404.

[7] - وهذا ما يجعل بعض الراسخين في هذا الميدان لا يرون أية ضرورة لهذه الثنائية، ويزعم جاك ريتشاردز ومدرسته أن الميدان الصحيح المعتبر هو تدريس وتعليم اللغات، أما اللسانيات التطبيقية فهي ميدان آخر، وإذا كانت اللسانيات التطبيقية تناقش مشاكل التعليم الصفية وغير الصفية كواحد من فروعها الكثيرة فهذا لا يعني أن مهنة التدريس مرتبطة عضويا بهذا الميدان، وهو محق في رأيه هذا حسب اعتقادنا، لأن التطبيق هو مجموعة الإجراءات والحلول التي يقترحها أحيانا من لا علاقة له بالتدريس ولم يسبق له أن عالج هذه الأوضاع والمشاكل ميدانيا، وأحسن من ذلك أن نقول بأن ميدان: التدريس عموما وتدريس اللغات بشكل خاص يستفيد من نتائج وجهود الباحثين في اللسانيات التطبيقية بما يرحع بالفائدة على هذه المهنة.

[8] - أبو الفتح ابن جني، الخصائص، ج1/33.

[9] - أنظر بهذا الصدد: Jack C Richads, Teaching Listening and Speaking Skills, Cambridge University Press,2008,p 1-2.

[10] - ونؤكد مرة أخرى أنه عندما نقول: اللغة الرسمية واللغة غير الرسمية فلا نقصد من ذلك وجود لغتين وإنما وجود نمطين أو طريقين من الأداء في اللغة الفصحى لا يختلف الواحد منهما عن الآخر في جوهر تركيبه النحوي والصرفي وأكثر الاختلاف يتركز في المستوى الصوتي الحرفي (الفونولوجي) والحجة الدامغة التي عندنا هي مستويات الأداء المعتبرة عند المحققين من قراء القرآن: ترتيل وتدوير وحدر، بالإضافة إلى التنوعات الأدائية المنقولة بالتواتر المطلق فيما يخص القراءات المحتج بها، يضاف إلى ذلك ما تركه المحققون من النحاة الأوائل الذين شافهوا العرب الفصحاء وجها لوجه في مصنفاتهم من شواهد توثق هذا التنوع وتنقله من إطار الصورة الذهنية إلى إطار الحقيقة الميدانية.

[11] - ننوه تنويها خاصا بجهود إدارة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية فقد تولى هذا القطب الجامعي الكبير مهمة شاقة جدا تمثلت في إدخال بيانات حوالي مليار (ترليون) كلمة، وبالإضافة إلى ما تم إدخاله في الجزائر والأردن والسودان فقد أصبح اكتمال المرحلة الأولى الأساسية لهذا المشروع الرائد مسألة وقت قليل بفضل الله.

[12] - يحسن بنا أن ننوه بالمبادرة النافعة التي طرحها الفريق العلمي المشرف على سلسلة: العربية بين يديك، فإنهم طرحوا وجهة نظرهم في خطة هذه السلسلة وفتحوا المجال لكل المهتمين لمراسلتهم إلكترونيا حول الملاحظات والتعليقات وهذا اتجاه مبارك ونافع بفضل الله.

[13] - نقصد طبعا الإعلام الملتزم والهادف الذي لا مانع أبدا من أن يطرح قضاياه ومثله العليا انطلاقا من هذه النوافذ الإعلامية الشيقة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تطوير تعليم اللغة العربية في جزر القمر
  • جهود العلماء القدامى في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها
  • السبيل الأمثل لتعلم اللغة

مختارات من الشبكة

  • صناعة الكراهية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صناعة الكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصناعة الاستخراجية: امتداد أمامي حيوي للصناعات التحويلية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة بدائع الأفكار في صنائع الأشعار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كفاءة الأداء العلمي للغة العربية في صناعة المصطلح(مقالة - حضارة الكلمة)
  • رمضان شهر الإيمان وصناعة الرجال(مقالة - ملفات خاصة)
  • تنبيهات وملاحظات حول الأمر ومعناه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعليم وصناعة الجيل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ترقي علوم الصناعة من تعليم الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • «لمحات من السيرة النبوية» ندوة في «ملاحظة الطائف»(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 


تعليقات الزوار
2- تعليم اللغات
حورية عزوزي - الجزائر 24-03-2016 03:30 PM

مذكرة تخرجي هي تعليم اللغة العربية بين الملكة والاكتساب أحتاج إلى نصائحكم فيها وفي الخطة رجاء

1- بحث جميل
adel - Deutschland 08-08-2015 02:48 AM

قمة الروعة ننتظر المزيد

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب