• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة
علامة باركود

على درب سمية (قصة قصيرة)

على درب سمية (قصة قصيرة)
فاطمة عبدالمقصود

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/1/2012 ميلادي - 28/2/1433 هجري

الزيارات: 9398

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

على درب سمية[1]

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

لَم يكن اليوم بالنسبة لي كأيِّ يوم؛ كان عقلي يَغُوص في تفاصيلها، فيتذكَّرها طفلةً صغيرة، ثم فتاةً في مثل عمر ابنتي، تُلقي بالتحيَّة إليّ، وتقدِّم لي التهاني في المناسبات السعيدة بودٍّ لا يَخْفى، ربَّما كانت عاديَّة.. جارة ككلِّ الجارات مِن حولي، غير أنَّ إشاراتٍ ما التقطَها قلبها المستشرف، فحوله جميعًا إلى واحة من نور، تُشرِق، وتسَع العالَم أجمع.

 

كنتُ في انتظارِها في ذلك اليوم بعد أن جاءَنِي هاتفُ أمِّها، ثم هاتفها؛ لتخبرني بزيارتها.. كنت أعدُّ الشاي عندما رنَّ الجرس يعلن عن وصولها بصحبة طفلتها الصغيرة الوادعة..

 

كما كان اتِّفاقنا، اتَّصلت بأمِّها؛ بدعوى السؤال عنها، فأخبرتني بتلقائيَّة أجادَتْها: أنا بخير، ولديَّ أقاربي يَزُورونني في بيتي؛ أولادي، وأخي، وأختي.

 

قنعت منِّي بسماع صوت أمِّها، وجلست معي تحكي قصَّتها، وهي تتناول كوب الشاي المخلوط بالنعناع الأخضر:

 

قالت: قد تكونين على علمٍ ببعض تفاصيل قصَّتِي، لكن دعيني أَسْردها عليك بتفاصيلها القديمة والحديثة؛ لعلَّك تُخبرين بها يومًا أحدًا فيتأسَّى بها ويعرف أنَّ له ربًّا لن يضيعه.

 

كنتُ صغيرة عندما كنت أَخرج إلى الشارع مع جاراتي، نلعب أمام منازلنا بالدُّمَى أحيانًا، وبالكرة أحيانًا أخرى، لَم يكن يجمعنا غير عالَم الطفولة البريء، كنا نذهب إلى المدرسة ونأتي معًا، كنا ثلاث مسيحيَّات ومسلمتَيْن، كبرنا معًا، وانتقلنا إلى طَوْر المراهقة، وصِرْنا نذهب إلى دروس التَّقوية معًا، وخلال جميع تلك المراحل لَم أشعر بالاختلاف الكبير بيني وبين هاتين المسلمتين، بل كثيرًا ما وصلَتْ آذاني خطبة الجمعة في تلك الأيام أثناء لعبِنا أو خروجنا هنا وهناك، كنت أذهب إلى الكنيسة، وأسمع أحيانًا ما يوغر الصُّدور تجاه المسلمين.. إخوان الوطن، ولكنَّني لَم أُعِر ذلك انتباهًا يومًا.. في الحقيقة كنت أحيانًا أشعر أنَّ لديهم شيئًا مميزًا، أودُّ الاقتراب منهم، حتى إنني في بعض المرَّات وضعتُ غطاء الرأس كما تفعل زميلاتي المسلمات، فانتبهَ لي أبي يومًا، ونزَعَه بقسوة، فهدأتْه أمِّي قائلة:

 

لا تقلق على منى؛ فهي ابنة الكنيسة، إنَّما هي فتاةٌ صغيرة، تريد أن تقلِّد زميلاتها، وستَنْسى كل ذلك سريعًا عندما تنتهي تلك المرحلة.

 

لذا أدركت أنَّ لاقترابي حدودًا، عليَّ ألاَّ أتخطَّاها..

 

مرَّت بنا الأيام، وتخرَّجْنا من الجامعة، تفرَّقَت الصُّحبة، تزوَّج مَن تزوج، وانشغل من انشغل، وكنتُ فيمن تزوَّجَ وأنجب، رُزِقت بطفل وطفلة، شغلت بهما، إلاَّ أن نفسي كانت تتوق دومًا لشيء يَسْمو بي، ويُحرِّرني من شواغل المادَّة ومطالبها؛ لذا كنت أتطوَّع للخدمة في الكنيسة، وأذهب لمساعدة المحتاجين والفقراء، وأساعد الشَّباب، وأشارك في الأنشطة الخدميَّة التي تشعرني بقيمة الإنسان وبقاء الخير فيه.

 

كبر طفلاي، ووصلا إلى سنِّ المدرسة، وكنت أشعر كلَّما نظرتُ إليهما وإلى براءتهما واندماجهما مع الجيران والأصحاب أنَّهما يعيدان إليَّ أيامَ طفولتي الجميلة، كان ابني الكبير "أمين" قد بلغَ الثامنة من عمره حين دخل عليَّ يومًا، وقد حمل رسالة السَّماء إليَّ، سألَنِي وهو يحسب أنَّه لا يقول شيئًا: أمي لماذا لا تُصلِّين؟

 

عرفتُ ماذا يقصد؛ فقد كان عند جارِنا محمَّد، يلعب مع صديقه يوسف، وقد رأى أمَّه وهي تصلِّي، فعقَدَ المقارنة، وتساءل..

 

صمَتُّ.. وكانت مفاجأةً لي أن أجدني أُعاني كلَّ هذه الحيرة والشك، وأنا أُحاول الإجابة عن سؤاله البسيط!

 

منذ ذلك اليوم بدأتُ الرِّحلة، أو بدأ التَّنقيبُ عمَّا بالداخل.. شعرت بعطشٍ شديد يَجْتاحني للمعرفة وللاهتداء، بحثتُ عن ذاتي فلم أجدها؛ كالغريق يتخبَّط في ظلمات الأمواج كنتُ.. وبَصِيص من نورٍ يَسْطع كلَّما تذكرت شيئًا، كلمة تذكَّرتُها من هنا أو هناك، كنت أقلِّب البصَر في مسارب حياتي؛ لعلِّي أبصر شيئًا، عام ونصف وأنا أقرأ وأبحث، وأرفع بصري إلى السَّماء، وأقول: يا رب أنت العليم، أنت مَن بيدك النور، فنَوِّر لي!

 

في تلك الأثناء، صعدتُ يومًا إلى جارتي هناء، فلمحَتْ في وجهي ذلك الأثر، أثر الضارب في البيداء، يرجو النَّجاة، ويبحث عن نبع ثريٍّ يُبقِيه على قيد الحياة.. سألَتْني بفضول:

 

• منى.. هناك شيء؟ أنت تبحثين عن شيء، ألا تخبرينني لأساعدك؟

 

أجبتها وعيناي تتفلَّتان:

• لا أنا بخير، لا عليك.

 

• بل تُفكِّرين بشيء.

 

أجبتُها وأنا لا أعرف كيف تخرج الكلمات منِّي:

• سأخبرك يا هناء عندما يهديني الله، وأصل إلى درب النَّجاة..

 

وكأنِّي قد شممت رائحة المياه تتدفَّق قريبًا منِّي، فإذا بي بعدَ أيام قليلةٍ أجِدُ راحةً عجيبة، وقناعة راسخة أنَّ دين الإسلام هو النَّبع الذي أحببتُ، وهو الدَّرب الذي اخترت، وهو ما يهواه قلبي، ويوقن أنه النُّور..

 

أسرعت إليها وأنا أقول في اطمئنانٍ:

• أليس قد قلتُ لك: ستعرفين حين أصل؟

 

قالت: نعم.

 

قلت: فإنِّي قد أسلمت، وإنِّي أريدك أن تَسألي زوجك لي؛ إن كان مِن خطَرٍ جعلتُ ديني بيني وبين ربِّي، وإن كان في الأمر سعَة، ذهبتُ وأعلنت إسلامي.

 

تحدَّثتْ هناء إلى زوجها، فذهب إلى المسجد، وأخبَر المُصلِّين عن امرأةٍ توَدُّ أن تدخل في دين الإسلام، وتحتاج إلى المساعدة، فتبَرَّع لي مَن تبَرَّع، فأعطاني الرجل ألفًا من الجنيهات، وقال لي:

 

• خذي أولادك، واذهبي لإشهار إسلامك، وتغيير أوراقك لدى جهاز الأمن.

 

ذهبتُ وأنا أثق برعاية الله لي، وإن كنتُ أعلم أنَّ أهلي لن تطيب لهم نَفْس قبل الوصول إليَّ، ومحاولة ردِّي إلى ديني.

 

في مكتب الأمن، سأَلوني عمَّن يُمكن أن يُسبِّب لي المشاكل، فقلت: أخي، وفلان، وفلان... وعدَّدت أسماءَ مَن أعرف تعصُّبَهم وتَهوُّرهم الشديد من عائلتي.

 

لَم أكن أعرف أين أذهَب، وهل أعود، أم لا، فقدَّم لي المسؤولون وظيفةً مشرِّفة في سكَنٍ خاص بالطالبات؛ لأجد سكَنًا وأهلاً جددًا، فسعدتُ بذلك وشكرتُهم على المساعدة.

 

وكان الشيخ الذي أعطاني المال قد أعطاني هاتفًا خاصًّا بي لا يعرف رقمه غيره، فإذا به يتَّصِل بي؛ لِيُخبرني أنَّ أهلي جميعًا قد قاموا ضدِّي، وهم يبحثون عنِّي في كل مكان، وهم متفرِّقون أمام محطَّات الركوب، ينتظرون قدومي إلى بلدتي، غير أنه أسعدَ قلبي حينما أخبرَنِي مقالة أمِّي لإخوتي: دَعوا ابنتي وما اختارَتْ!

 

سألته: وماذا ترى أن أفعل؟

قال: عودي بأولادك؛ لِيَبقوا مع أبيهم، ولا خوف عليهم؛ فإنَّهم مسلمون والله يتولاَّهم، عودي برفقة ضابط الأمن؛ لينْزِل أولادك، وعودي في نَفْس الحافلة إلى القاهرة؛ فهذا ما يمكن أن تَفْعليه الآن؛ ليهدأ غضبهم قليلاً.

 

صحبت أولادي، ورافقَنِي الضَّابط، وما إن وصلتُ إلى مدينتي بالصعيد بالقطار، حتَّى وجدتُ ابني يصرخ:

• خالي...

 

نظرتُ هنا وهناك، فلم أبصر أحدًا، أَخبرتُ الضَّابط، فأخذ يجوب المكان معي؛ ليتأكَّد من وجود أحد، فلم يعثر على أحدٍ من معارفي..

 

ركبتُ الحافلة معه؛ لنصل إلى البلدة، وقبل أن تتحرَّك الحافلة، أخبَرني الضابط أنَّ عليه أن يَعود، وأنَّه يتركني في صُحبة السَّائق الذي تعهَّد له بأن يُعيدني معه إلى القاهرة..

 

ما إن نزل الضابط وتحركت السيارة، حتى شعرت بمن يجذبني جذبةً عنيفة انتفضَتْ منها جوارحي كلها ألَمًا، نظرت فإذا هو أخي..

 

لَم يكن أخي وحده، بل معه قريبٌ من العائلة، فأمسكاني، وأخذا يضربانِني بكلِّ قوة حتَّى نزفتُ من كلِّ مكان في وجهي، صرختُ أطلب نجدةً من الراكبين، وأنا أقول:

 

• يا مسلمون، لقد دخلت دينكم، أنقذوني من هؤلاء.. أنقذوني.

 

لكنني فوجئتُ بهم يغادرون السيارة واحدًا إثر واحد، حتَّى إنَّ السائق لم ينطق ولم يتدخَّل!

 

أنزَلاني من السيارة، وأخذاني معهم، ومشيت معهم، فإذا بهم يلقونني في الدير..

 

وهنا بدأ العذاب، أحضَروا لي قسُسًا وأطبَّاء ومُحامين، كل مَن يثقون في قدرته على الكلام والإقناع، لكنْ أيٌّ منهم لَم يصل بكلمةٍ إلى قلبي، وظلَّتْ على لساني الكلمات نفسها: "أنا مسلمة، عدتُ إلى دين الفِطْرة، ولن أتحوَّل عنه مطلَقًا".

 

كانت أيامًا عصيبة، تكاد تذهب أعصابي من كثرة ما يُردِّدون أمامي من كلام، كان ترغيبًا في البداية، ثم تحوَّل إلى ترهيب شديد،حتَّى وصلوا إلى قناعةٍ أكيدة أنَّ الإيمان بالله الواحد قد تمكَّن منِّي، وأنِّي لن أتحوَّل، فكان عليَّ أن أنتظر العقاب الذي سمعتُ عنه، والآن أراه بعيني.

 

كان عقاب الدير لا يَخْرج عن خيارين يستخدمه رهبان الكنيسة وقساوستهم؛ حقدًا وغيظًا: الأوَّل: كان الموت سُمًّا، والثاني: كان الإلقاء لأسدٍ جائع من تلك الأسود التي يحتفظون بها في الدير؛ لأغراضهم الخاصة.

 

قرَّرت المقاومة حتى يقدِّر الله لي أمرًا كان مقدورًا، عيَّنوا لي حارسةً لتقوم على أمري، حتَّى يتم التخلُّص منِّي، جاءت لي بالطعام، فأبيتُ أيامًا متتالية حتَّى كدت أهلك جوعًا؛ فقد كنت أعلم أن السُّم يقبع في تلك الوجبات، حتى جاء يوم احتفال خاص، ورأيت أمامي كلَّ رجال الدير بعيدًا في القاعة منشغلين بإعداد المكان، وحارستي معي تلحُّ عليَّ حتى في شرب الماء؛ كي لا أهلك، فقررت أن أغامر، وأبحث عن مخرج، سألتُها أن تُخرِجني إلى السطح، فأبَت قائلة بأنَّ ذلك غير مسموح، توسَّلت إليها قائلة: أودُّ استنشاق بعض الهواء، أشعر بالاختناق، قالت: لا، ليس مسموحًا لي أن أفعل ذلك.

 

قلت: أرجوك، لن يشعر أحد؛ فرجال الدير منشغلون اليوم، وسأجلس قليلاً على السطح، ثم تعودين بي، ولَم يحدث شيء.

 

أخيرًا أخذَتْني، وما إن جلَسْنا على السطح حتى تفقَّدت المكان بعيني، كان السور عاليًا، والوصول إليه يحتاج إلى سلَّم طويل يؤدِّي إليه، وإذا بعيني تلمح بعض الأحجار المرتَّبة في تناسُق فوق بعضها على شكل سلَّم، حتَّى السور، هتفتُ في قلبي: يا ألله! ها هو السلم.

 

ثم ابتعدتُ بعيني سريعًا عن المكان؛ حتَّى لا تنتبه حارستي.

 

ثم نظرتُ إليها وقلت: أشعر بالعطش الشديد، ألاَ تذهبين لإحضار بعض الماء لي لأشرب؟

 

قالت: لا، لا يمكن أن أتركك وحدك.

 

قلت: وأين سأذهب؟ ها أنا جالسة هنا، أتنسَّم بعض الهواء، وبيني وبين السور فراغٌ هائل.

 

ذهبَتْ وتابعتُها بعيني، حتَّى تأكَّدتُ أنَّها ابتعدَتْ كثيرًا، ثم أسرعتُ نحو تلك الأحجار أصعد فوقها، ثم نظرتُ وأنا عند السُّور إلى أسفل، كان الدير في الطابق الثَّالث، لكنني لم أعبأ، وألقيتُ بنفسي..

 

عندما سقطت، شعرتُ بظهري يتمزَّق من الألَم، وبأنِّي لا أقدر على الحِراك، فإذا بي أُبصِر شيخًا عجوزًا ذا لحية بيضاء طويلة على حمار، فقلتُ: ساعدني يا عم.

 

سألني: هل أنت هاربة من الدير؟

 

قلت: كلاَّ، بل أسلمتُ وهم سجنوني في الدير؛ لكي يحوِّلوني عن ديني فأبيت، بالله ساعدني.

 

وسألته: ما اسمك يا عم؟

 

قال: اسمي حسن.

 

قلت: أنا مسلمة يا عم حسن، أشهد أنَّ الله واحد، وأنَّ محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبيُّه ورسوله.

 

قال: إذًا أنت مسلمة، قومي لأساعدك.

 

قلت: لا أقدر؛ فظهري يؤلمني.

 

قال: تقوي؛ كي أستطيع مساعدتَك.

 

ثم نظَرَ في الناحية المقابلة للدير، وقال:

• في نهاية هذا الطَّريق، ستَجِدين المحطَّة، وهو الطريق المألوف، وستجدينهم وراءك في هذا الطريق؛ لذا سنتجنَّبه، هناك طريقٌ آخَر من الناحية الخلفيَّة، هو الأبعد، لكنَّه الآمَنُ لك، وسيأخذ منك ساعتين سيرًا، حتَّى تَصِلي إلى أقرب قرية.

 

قلت: فلنسلك ذلك الطريق.

 

قال: سأُرافقك؛ حتى تكوني في مأمنٍ، وأدلُّك على الطريق.

 

سار بجواري حتَّى إذا شعرت بالتَّعب، وكلَّت قدماي، سمعتُ صوته يقول: هيا يا ابنتي، هيا تشجَّعي واصِلي.

 

فأتشجع وأواصل المسير، ظلَّ الحال على ذلك، أتعب وتثقل خطواتي، فأراه بجواري يقول: هيا لقد اقتربنا تشجَّعي وأكملي طريقك.

 

حتَّى رأيتُ أمامي ملامحَ القرية تبدو على الطريق أمامي، وهنا التفتُّ لأشكر الشيخ العجوزَ على دلالته لي على الطريق؛ فقد وصلتُ تقريبًا، فإذا بي لا أجد له أثرًا، نظرتُ خلفي، وعن يميني وشمالي، فلم أرَ أثرًا لأحد!

 

قلت: سبحان الله!

 

ولَم ينقطع لساني عن الشكر والحمد لربِّ العالمين الذي أنقذَني من الكفر مرَّة، ومن الموت مرَّات!

 

لَم أكن أعرفُ كيف جاءتني القوَّة التي مكَّنتْنِي من المشي طيلةَ ذلك الطريق، وأنا التي لَم أذُق طعامًا أيامًا متتالية، لكنَّني أدركتُ أنه لُطف الله بعباده المقبلين عليه.

 

طرقتُ إحدى دور القرية، فأضافوني حتَّى استعدتُ وعيي، وصرتُ قادرة على التحرُّك، وحينها أخذتُ طريقي نحو القاهرة حيث مكاني الذي كنتُ فيه.

 

استقبلني الأحبَّة هناك بفرَحٍ أعلنَتْه وجوهُهم وألسنتُهم التي لهجَتْ بالحمد، ثم زاد كرَمُ الله عليَّ حينما انتهى العام الدراسي، وأرادت الطالباتُ إقامة حفلٍ لتخرُّجهن، وفوجئ قلبي بقدرٍ من الحب والمواساة لم أتخيَّلْه، لقد أرَدْن تكريمي؛ إذْ قلن إنَّني بإشرافي عليهن ورعايتهن كنتُ صاحبة فضل في نجاحهنَّ وسعادة الأهل بهن، أما أنا فقد رأيتُ ذلك فصلاً من فصول رحمة الله التي وسعت كلَّ شيء، فرأيت فيها حدب الله على عباده الفقراء إليه..

 

أوَلَسنا نعجب من حنان الأمِّ بأولادها؟ فكيف لا نعجب من حنان خالقِ تلك العاطفة الكبيرة، لقد شعرتُ أنني تلك الطِّفلة التي تشكو البَرْد والجوع والخوف، فإذا بقلب أمٍّ يَحتويها، فيطعمها ويسقيها، ويدفئ قلبها الخائف الحزين.

 

في تلك الليلة، ليلة الاحتفال، رأيتُه، فأراد الله أمره؛ لتتمَّ طقوس العناية والرحمة، كان شقيق إحدى الطَّالبات، عرف قصَّتِي، ورآني وتقدَّم راغبًا أن نقيم معًا بيتًا نستظِلُّ فيه بالمودَّة والرحمة والهناء.

 

وافقتُه؛ فقد أدركتُ أنَّه هدية الله، وأنَّه نِعْم ما اختار لي، أشهُر معدودات، ورزَقَنِي الله تلك الزَّهرة اليانعة التي أشرقَت، فأنارت قلبي بالسعادة بعد أن كان يبكي فراق صغاري الذين استودعتُهم ربِّي، لكن القلب كان يشتاق إليهم، ويسأل الله أن يَجْمعني بهم؛ لتتمَّ الفرحة بِأُسرةٍ تَعبد الله وتقيم دينه في قلبها.

 

وها أنا محمَّلةٌ بالشوق والحنين، أجيء أحمل على يديَّ طفلتي، وأحمل في قلبي أحبَّتِي، أوَدُّ لو أراها وأراهم، لكن قد يُقدِّر الله لنا الصَّبْر حتَّى حين.

 

وقامت "منى" بعد أن اطمأنَّت على أمِّها وأولادها، دون أن تَلْقاهم، فودَّعتها بدمعات تتفلَّت منِّي وأنا أدعو الله أن يتمَّ عليها نعمته، فييسِّر لها لقاء أحبتها، وأن يجعلها قدوةً لكلِّ مَن عرف الحق، وأراد أن يسلك الطَّريق.



[1] قصة حقيقية حدثت في صعيد مصر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الجوهرة (قصة قصيرة)
  • المفاجأة (قصة قصيرة)

مختارات من الشبكة

  • الشرح التربوي والتعليمي لقصة سمية بنت خياط للمراهقين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من أسباب رفع البلاء: قراءة سورة الفاتحة وقد سميت بالرقية والشفاء والشافية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسألة المواد السمية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لماذا سميت سورة هود بهذا الاسم؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صداقة تنير الدروب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدورة الرابعة لمشروع دروب الخير بمدينة توزلا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حكم الدروب شيبيج (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • أطال الدرب (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مثبتات على الدرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وسائل على الدرب(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- قصة أعجبتنى
هالة سالمان خليفة - مصر 06-04-2012 01:56 PM

ماشاء الله قصة جميلة جدا وأكثر ما أعجبنى فيها فكرة الفلاش باك التى استعملتيها لإعادة سرد القصة  وأيضا المفاجأة التى استعملتيها مرتين مرة حين هجم عليها أخوها وعائلتها فى الحافلة والمرة الأخرى عندما لم تجد الشيخ العجوز بجوارها, ولقد قمت بوصف المشاعر بوصف حقيقى ملموس رأيته فى نزع أبيها للحجاب وهى صغيرة وقسوته معها وقسوة الأقباط معها وكذلك رحمة الشيخ التى كأنها رحمة من السماء منزلة فى شكل رجل طيب, نتمنى لك المزيد من التقدم والتمييز والكتابات الناجح الشيقة كما تعودنا منك.
قدم التعليق/ هالة سالمان .مصر

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب