• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

استثمار الأسلوب العدولي (9/ 11)

د. عيد محمد شبايك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/1/2012 ميلادي - 6/2/1433 هجري

الزيارات: 13663

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثامنًا: التبادل الدلالي بين طرق القصر (العدول من طريق إلى آخر):

نبَّه البلاغيون القدماء إلى أنَّ الناتج الدلالي المباشر لطرق القصر وأدواته، يتصل بالمتلقِّي وردود أفعاله تُجاه مفردات العالَم الخارجي، والأشياء المختلفة المحيطة به.

 

وطريق القصر (بالنفي والاستثناء) أصلُ استعماله أن يكون فيما يجهله المخاطَب وينكره، وأصل القصر (بإنَّما) أن يكون فيما يعلمه المخاطَب ولا ينكره.[1]

 

يقول عبدالقاهر: "وجملة الأمر: أنَّك متى رأيت شيئًا هو من المعلوم الذي لا يُشك فيه قد جاء بالنفي، فذلك لتقدير معنى صار به في حُكم المشكوك فيه".[2]

 

وهذا يُمثِّل الصياغة في تشكيلها الموافِق لمقتضى الظاهر، ولكن قد يتحوَّر تشكيل الصياغة عدولاً بالدلالة إلى خلاف مقتضى الظاهر؛ لتنتج أدوات القصر وبقية الدوال الأخرى واقعًا صياغيًّا مفارقًا للواقع الفِعْلي للمتلقِّي، وهنا يبرز عنصرُ القصدية من جانب المرسل/ المنشئ حيثُ يَتوخَّى من صياغته المخالفة لمقتضى الظاهر تحقيقَ أهدافٍ جمالية، كأن ينزلَ المعلوم منزلةَ المجهول، فيعدل عن "إنَّما" - التي هي الأصل في المعلوم - إلى "النفي والاستثناء"؛ ليلفتَ انتباه المتلقي إلى حالة الانفصام بين موقفِه الباطني العميق (وهو علمه بمضمون الرسالة)، وبين ردِّ فعْله الظاهر (وهو جهله بمضمون الرسالة).

 

وردُّ فعْل المتلقي الظاهر هو الذي يلتقطه المرسل/ المنشئ، ويشكل واقعَه الصياغي وفق مقتضياته؛ ليحثَّ المتلقي على المسارعة بالتوفيق بين اعتقاده الباطني، وبين ردِّ فعله الظاهري.[3]

 

ومن شواهد ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [آل عمران: 144].

 

نلحظ أنَّ طريق القصْر هنا (النفي والاستثناء)، وهو يشكل واقعًا صياغيًّا يُجسِّد دلالته جهل المتلقي بمضمون الخطاب، وإنكاره له، ولكنَّ الواقع الفعليَّ للمتلقي الخاص - وهم الصحابة رضوان الله عليهم - مفارِقٌ للواقع الصياغي؛ لأنَّ الصحابة - رضوان الله عليهم - يعلمون أنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بشر، رسولٌ كغيره من الرُّسل، يموت كما يموتون، ويؤمنون بذلك إيمانًا جازمًا، ولكن ردود أفعالهم التي ظهرتْ عليهم عقبَ إشاعة قتْل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوة أُحُد تخالِف هذا الإيمان الباطني الجازم، فكثيرون منهم استعظموا موته، وتركوا القتال غير مصدِّقين هذا الخبرَ ومنكرين له، فلما كان حالهم كذلك وردت الصياغة وفق مقتضى رد الفعل الظاهري - وهو حالهم - لتلفت المتلقي الخاص - وهم الصحابة رضوان الله عليهم - إلى أنَّ استعظام خبر موت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإنكارهم له كجهلِهم برسالته، وإنكارهم لها؛ لأنَّ كلَّ رسول مكتوبٌ عليه الموتُ، فمَن استبعد موته فقد استبعد رسالته، وفي هذا حثٌّ للمتلقي على وجوب المواءمة دائمًا بين اعتقاده الباطني، وبين أفعاله الظاهرة.

 

ويشير التركيب بصياغته الظاهريَّة إلى عِدَّة دلالات؛ ففيه عتابٌ عنيف للمخاطَبين، واستجهالٌ، وإشارة إلى غفلتهم، وأنهم لا يسلكون في المواقف الصعبة مسلكًا ينبثق من مضمرات قلوبهم، ويلتزم بما ترسَّخ فيها من اعتقاد، وأنَّ أصول الاعتقاد توشِك أن تهتزَّ بالنوازل العارضة، مع أنكم لا تزالون في نضارة اليقين، ولا يزال صليلُ الوحي يتردَّد صداه في آفاقكم.[4]

 

القصر بـ "إنما" فيما يعلمه المخاطَب ولا ينكره - كما سبق أن بيَّنَّا - لذلك التركيب يُنتج دلالةً تعريضيَّة، موازية لدلالتها المباشرة؛ لأنَّ المتلقي لن يفيدَ شيئًا إذا وجهت له رسالة يعلم مضمونها تمامَ العلم؛ لذلك يقول عبدالقاهر: "اعلم أنَّك إذا استقريتَ وجدتَها – يقصد: "إنما" - أقوى ما تكون، وأعْلق ما تكونبالقلْب، إذا كان لا يُرادُ بالكلامِ بعدَها نفسُ معناه، ولكنِ التعريضُ بأمرٍ هو مقتضاه".[5]

 

فنحن نعلم أنَّه ليس الغرض من قول الله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19] أن يعلم المتلقِّي ظاهرَ معناه، ولكن أن يدرك أنَّ المراد ذمُّ الكفار؛ لأنَّهم مِن فَرْط العناد، ومِن غلبة الهوى، في حُكم مَن ليس بذي عقل، وأنكم إذا طمعتم منهم في أن ينظروا ويتذكَّروا، كنتم كمَن طمع في النظر والتذكُّر مِن غير أُولى الألباب.[6]

 

وقد يكون مضمون الرسالة/ الخطاب مجهولاً، ولكن المرسل يدَّعي ظهوره ووضوحه، فيقدِّم صياغة على خلاف مقتضى الظاهر؛ كأن ينزل المجهول منزلةَ المعلوم، فيستعمل "إنما" عدولاً عن طريق "النفي" الذي هو الأصل فيما هو مجهول لدَى المخاطب، أو مشكوك فيه؛ لتوصيلِ رسالة خروجه على خلاف مقتضى الظاهر؛ لتعكسَ الصياغةُ هذا القصدَ الادعائيَّ، كما في قولة تعالى - حكاية عن المنافقين -: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11 - 12].

 

فالخطاب/ الرسالة ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ معلومةٌ ظاهرة، والمرسل/ المتكلِّم هم المنافقون الذين يدَّعون الإصلاح، والمتلقِّي العام للخطاب: (المسلمون)، وقد وقعتِ الرسالة بين رسالتَين تهدف صياغتهما إلى كشْف ادعاء المنافقين وكذبهم، فكان من خصائص صياغة هذه الرِّسالة أن صدرتْ بأداة الشرط "إذا" التي تُفيد تحقُّقَ ما بعدها، وكثرة وقوعه، وهذا يشير إلى كثرة إفسادهم، بدليلِ كثرة نهيهم عنه.

 

وهنا يُنكِر المنافقون حدوثَ الفساد منهم، ويدَّعون أنهم مصلحون، وأنَّ صلاحهم ظاهر، بل يتمادَوْن في الادعاء، فيقصرون أنفسهم على الإصلاح، وتأتي الرِّسالة الثانية لتهدمَ ادِّعاء المنافقين، وتكشف كذبَهم، وتنبه على إفسادهم تنبيهًا محسوسًا عن طريق تكثيف دلالة التأكيد بتوالي المؤكِّدات الآتية:

 

1- بدئت الصياغة بـ "ألاَ" التي تفيد تنبيهَ المخاطب على تحقيق ما بعدها؛ لئلاَّ يفوتَ المقصود بغفلة منه.[7]

 

2- جاءتِ الجملة بعدَها اسمية؛ لتفيدَ الثبوت بأصل وضعها الدلالي.

 

3- وصدرت الجملة بـ"إن" التي تفيد التوكيد.

 

4- وعرف الخبر (المفسدون) بـ"أل"؛ لزيادة التوكيد.

 

5- جاء ضمير الفصل (هم)؛ ليكثفَ دلالة التوكيد، ويعلي نبرة الصياغة؛ لتهدِم - تمامًا - ادعاءَ المنافقين، وتكشف زيفَهم وكذبهم.[8]

 

قال الزمخشري: "ردَّ الله ما ادعَوْه من الانتظام في جملة المصلحين أبلغَ ردٍّ وأَدَلَّه على سخطٍ عظيمٍ، والمبالغة فيه مِن جهة الاستئناف، وما في كِلْتا الكلمتين "ألا" و"إن" من التأكيدين، وتعريف الخبر، وتوسيط الفصْل".[9]

 

مما سبق ندرك أنَّ التبادل الدلالي بين طرق القصر يقترن دائمًا بإزاء النص الأدبي، ويُسهم في إخراج دلالته من دائرة الوَحْدة إلى منطقة تعدُّد الدلالات المحتملة، وانفتاح النص، واحتماله تأويلات متعدِّدة، تبعًا لقدرة المبدع/ المنشئ على استخدام طرق القصر بأُسس فنية تخدُم البِنية الكبرى للنص؛ "لأنَّ قدرة المبدع/ المنشئ على استعماله لهذه الأدوات الثانوية قد تتجاوز كلَّ ما يظنه البلاغيُّون أنهم أحاطوا بأبعاده، وهي في السِّياق يومئ وضعُها فيه إلى ما يشبه "الرمز الإشاري" لتفجير ظلال من الإيماءات الفنية الخاصة".[10]

 

تاسعًا: التبادل الدلالي بين الجُمل:

ونعني به العدولَ عن الجملة الفعلية إلى الاسميَّة وعكسه، أو العدول عن الجملة الخبرية إلى الجملة الإنشائية وعكسه.

 

مِن المعروف أنَّ الفعل موضوعٌ لإفادة الحدوث والتجدُّد، "والمراد بالتجدُّد في الماضي الحصول، وفي المضارع أنَّ من شأنه أن يتكرَّر ويقع مرة بعد أخرى"[11]، ومعروف أنَّ الجملة الاسمية تدلُّ على ثبوت الحَدَث بالمطابقة، والفعلية تدلُّ عليه بالتضمُّن، ومن هنا قيل: التعبير بالجملة الاسمية أقوى من التعبير بالجملة الفعلية[12]، غير أنَّا نرى أنَّ قوة التعبير وبلاغته متعلِّقة بالسياق اللغوي والموقفي، والداخلي والخارجي؛ لذلك فالتحليل الأسلوبي لا يتحدَّث عن الأفضل؛ وإنما عن الأنسب.

 

وبناءً على ذلك فللسِّياق أثر مهمٌّ في إنتاج جماليات/ بلاغات أخرى لأنواع الخِطاب بالجملة الاسمية أو الفعلية، وقد يَفرِض سياقُ الموقف الانتقالَ من أحد الخطابينِ إلى الآخر؛ تحقيقًا لأسرارٍ بلاغيةٍ يجب الانتباهُ إليها، وتوجيه ذهن المتلقِّي للبحث عنها، مشاركًا منشئَ الخطاب في إبداعها، ولا سيَّما أنَّ البحث الأسلوبي ينصُّ على التفاعل بين المبدِع والمتلقي.

 

أ- العدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية وعكسه: ذكرْنا أنَّ السياق قد يفرِض العدولَ عن الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية، أو عكس ذلك حسبما يقتضي المقام، وأحوال الخطاب.

 

فمِن شواهد العدول عن الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14]، تحكي الآيةُ الكريمة موقفَين للمنافقِين، وقد أثَّر سياق كلِّ موقف وحالُ طرفي الاتصال في الصياغة؛ فالمنافقون في خطابهم المؤمنين الذين يعرفون أماراتِ المنافقين، يُعبِّرون بالجملة الفعلية (آمنَّا)؛ لأنهم يتحدَّثون عن إيمانهم المزعوم، وهو شيءٌ عارِض، استلزمه موقف التقية والمداجاة[13]، فليس له أصل ثابت في نفوسهم يدفعهم إلى توكيده، والتعبير عن ثبوته، كما أنَّهم يعلمون أنَّ حديثهم لن يروج عندَ المؤمنين، حتى لو أكَّدوه بأوكدِ لفظ، إلا رواجًا ظاهرًا لا باطنًا.

 

وهم في خطاب شياطينهم من المنافقين والكافرين يتحدَّثون عن أصل ثابتٍ مكين يجمعهم معًا، وهو كُفرُهم المستقرُّ في قلوبهم، فعبَّروا بالجملة الاسمية (إنا معكم) المؤكدة بـ "إن"، وهي تصوِّر ثبوت الشِّرْك في قلوبهم، وتمسُّكهم به، وحِرْصهم على استمراره، فحديثهم عن الكفر صادرٌ عن صِدق ورغبة، ووفور نشاط؛ لذلك كان مُتقبلاً منهم، ورائجًا عندَ إخوانهم.[14]

 

وقد جَسَّدتِ المفارقةُ في الصياغة، وعدولُها عن الفعلية إلى الاسمية حالَ الشتات والازدواجية التي تسيطر على المنافقين، وتصوِّر مواقفهم تُجاهَ الحياة والأحداث، فهُم في تقلُّب دائم من النقيض إلى النقيض، تبعًا للمواقف المتقلِّبة، وللمخاطبِين المختلفين.

 

ومثل ذلك أيضًا (أي: العدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية) قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَ يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].

 

فلقد أوثرتِ الجملة الفعلية في نفي جزاءِ الوالد عن ولده، ثم عدل عنها إلى الجملة الاسمية عندَ نفي جزاء الولد عن الوالد ﴿ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ... ﴾، يقول الزمخشري في نكتة هذا العدول: "إنَّ الخطاب للمؤمنين، وعِلْيتُهم قُبِضَ آباؤهم على الكفر وعلى الدِّين الجاهلي، فأريد حسْم أطماعهم وأطماع الناس فيهم أن ينفعوا آباءَهم في الآخرة، وأن يشغلوا لهم، وأن يغنوا عنهم من الله شيئًا، فلذلك جيء به على الطريق الآكد".[15]

 

وقد تعقب ابن المنير السُّنِّي هذا الرأي قائلاً: "إنَّ صحته تقتضي أن يكون الخطابُ خاصًّا بالموجودين حينئذٍ، والصحيح أنَّه عام لهم، ولكل مَن يُطلق عليه اسمُ ناس"، أما وجه ذلك العدول في نظر ابن المنير فهو أنَّه "لما كان إجزاء الولد عن الوالد مظنونَ الوقوع؛ لأنَّ الله حضَّه عليه في الدنيا، كان جديرًا بتأكيد النفي لإزالة هذا الوهم، ولا كذلك العكس".[16]

 

ويُضيف الألوسي - إلى ما تقدَّم - رأيًا آخر في تفسير تلك المخالفة، فيقول: "إنَّ العرب كانوا يدَّخرون الأولاد لنفعِهم، ودفع الأذى عنهم، وما يهمهم، ولعلَّ أكثر الناس اليوم كذلك، فأُريد حسْمُ توهُّم نفعهم ودفعهم، وكفاية المهمِّ في حقِّ آبائهم يوم القيامة، فأكدت الجملة المفيدة لنفي ذلك عنهم".[17]

 

والحقُّ أنَّ هذا الرأي الأخير هو - فيما نحسُّ - أرجح ما قيل في تفسير هذا العدول في الآية الكريمة، غير أنَّا لا نرى وجهًا لتخصيصه بالعرب دون غيرهم من الأجناس، ولا بالناس - أو أكثرهم - في عصر دون عصر، فالأبناء - دائمًا - هم مثار افتتان الإنسان واغتراره بالحياة، وهم لا الآباء - عادة - مَعْقد الرجاء، مَغْرس الأمل، وحلم المستقبل، ومِن ثَمَّ فإنَّ مراد العدول في الآية هو اقتلاعُ ما قد يتسلَّل إلى مسارب النفس البشرية - من أي جنس، وفي أي عصر - من توهُّم نفع الأبناء، ولعلَّنا نلاحظ أنَّ تعميم مرد العدول على هذا النحو هو ما يلائم سياقَ الآية الكريمة التي جاء النداءُ في صدرها {يا أيها الناس} عامًّا مستوعبًا جميعَ أفراد الجنس البشري دون تخصيص.

 

ولعلَّنا نلاحظ أيضًا: أنَّ العدول عن الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية قد واكَبَه العدولُ في الجملة الأخيرة عن لفظة "ولد" إلى لفظة "مولود"، والفرْق بينهما - كما ذكر الزمخشري وغيره -: أنَّ المولود لا يُطلق إلا على مَن وُلِد منك "بلا واسطة"، أما الولد فإنَّه عام يشمل الولد، وولد الولد[18]، وعلى أساس هذا الفرْق، فإنَّ العدول عن الأولى إلى الثانية يتآزَرُ مع العدول إلى الجملة الاسمية في تأكيد العموم في معنى "عدم الانتفاع بالذريَّة"، إذ إنَّ نفي انتفاع الإنسان بولده الذي هو مِن صُلْبه يقتضي نفي انتفاعه بمَن عداه مِن باب أولى.[19]

 

ومنه أيضًا قول الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، ومنه أيضًا قوله - تعالى -: ﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ [الكافرون: 2 - 3].

 

أما العدول عن الجملة الاسمية إلى الجملة الفعلية، فنحو قوله - تعالى -: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 15 - 16].

 

تصِف الآيةُ الكريمة موقفَين مختلفين (الموت والبعث)، فجاء الحديثُ عن "الموت" بـ"دال الاسمية" (ميتون)؛ ليرسخ معنى السكون والخمود، وينشر ظلالَه وهيمنته على الصياغة، ويوقِظ المتلقي خالي الذهن، الذي يعبُّ من لذَّات الحياة، وكأنه مخلَّد فيها، فأنزلتْه الصياغة المخالِفة لمقتضى الظاهر منزلةَ المنكر للموت، وخُوطب بالجملة الاسمية المؤكدة بمؤكدين: "إن"، و"اللام" (لميتون)؛ ليتنبه - بعد غفلة - إلى أن الموت هو اليقين الحقيقي في هذه الحياة.

 

وعندما انتقلتِ الصياغة إلى الحديث عن البَعْث، جاء الخطاب بالجملة الفعلية (تُبعثون)؛ لتصوير الحركة الدائمة، وسرعة الانتشار، ولكي يستحضر المتلقِّي هذه الصورة.

 

إذًا، فالعدول إلى الجملة الفعلية لتصوير عملية البعْث تصويرًا متحرِّكًا يتلاءم مع تفاصيلها السريعة، ولردْع المنكرين له وتوبيخهم؛ لأنَّ إنكارهم ينهار من أساسه إذا تفكَّروا في مظاهر الطبيعة المتجدِّدة من حولهم؛ لذلك خُوطبوا خطابَ المترددين - أي: بخلاف مقتضى الظاهر - فجاءتِ الجملة مؤكدة بمؤكد واحد "إن".

 

وهكذا أسهمتِ المفارقة اللفظية في انتقالها من الجملة الاسمية إلى الجملة الفعلية في تجسيم المفارقة المعنوية بين الموت والبعث، بين حالة السُّكون والجمود، وبين حالة الحَرَكة والسرعة والانتشار، وأدخلتِ المتلقي في عملية إتمام الدلالة إدخالاً غير عاديّ، عن طريق تنزيله منزلةَ المنكِر؛ لأنَّ تصرفاته الظاهرية تنمُّ عن إنكار، وعدم اعتقاد حقيقي؛ لذلك خوطب خطابَ المنكِر؛ وذلك ليعيد تصورَ مواقفِه وآرائِه في الوجود من حوله.

 

ومنه أيضًا قوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27].

 

ب - العدول عن الجملة الخبرية إلى الإنشائية وعكسه:

إنَّ التبادُل الدلالي بين الخبر والإنشاء يُعدُّ لونًا من العدول عن الأصل، أو الخروج عن مقتضى الظاهر، أو الانحراف بالأسلوب عن قاعدته المثالية، وإنَّما يكون ذلك لتحقيق غايات جمالية تُضْفي على الخِطاب الأدبي تأثيرًا بالغًا، يقول السكاكي: "واعلم أنَّ الطلب كثيرًا ما يخرج لا على مقتضي الظاهر، وكذلك الخبر، فيذكر أحدهما في موضع الآخر، ولا يُصار إلى ذلك إلا لتوخِّي نُكت، قلَّما يتفطن لها مَن لا يرجع إلى دربة في نوعنا هذا، ولا يعضُّ فيه بضِرس قاطع، والكلام بذلك متى صادف متمِّمات البلاغة افترَّ لك عن السِّحْر الحلال بما شئت".[20]

 

فمن شواهد العدول عن الإنشاء إلى الخبر قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 10 - 11]، نلحظ في قوله - تعالى -: ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أنَّ ظاهر الصياغة خبرية، ولكن المقصود حثُّ المخاطَبين على فعْل ذلك، والإسراع إلى تنفيذه، بدليل الاستفهام التشويقي الوارد في الآية السابقة {هل أدلُّكم}؟ فَفُهِم من ذلك الحثِّ والتشويق أنَّ الصياغة تتضمَّن الأمر، كأنه قيل: آمنوا بالله ورسوله، وجاهدوا في سبيل الله، ولكن أسلوب القرآن آثَر العدول عن الإنشاء إلى الخبر؛ لتحقيق عدَّة دلالات:

 

1- حث المتلقِّي علي الإسراع لتنفيذ التوجيهات الواردة في الخِطاب الموجَّه، حيث ظهرتِ الصياغة في المستوى السطحي، كأنَّ المأمورين سارعوا بتنفيذ ما أُمِروا به، وها هي الآية تخبر عن امتثالهم بالأسلوب الخبري الوصفي.

 

2- توجيه المتلقِّي إلى الحرص على استمرار الإيمان، والجهاد، والإنفاق؛ لأنَّ ذلك هو سبيلُ تحقيق الخير والفَوْز، وإيثارُ الأفعال المضارِعة الدالة على التجدُّد والاستمرار دليلٌ على ذلك.

 

ومن شواهد العدول عن الإنشاء إلى الخبر قوله - تعالى -: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: 233]، فالنصُّ القرآني هنا عَدَل عن صيغة الأمر، فلم يقل: يا والدات أرْضعن، وإنما قال بأسلوب الخبر: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ ﴾؛ لأنَّ الأمر عرضة لأنْ يُطاعَ أو يُعصى، لكن الله أظهر المسألة في أسلوب خبريٍّ على أنها أمرٌ واقعيٌّ طبيعيٌّ لا يُخالَف، والمعوّل في فَهْم المعنى على السياق.

 

ومِن شواهد العدول عن الخبر إلى الإنشاء قوله - تعالى - حكايةً عن هود - عليه السلام - وخطابه لقومه -: ﴿ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [هود: 54]، حيث يُنتج العدولُ عن الأسلوب الخبري إلى الأسلوب الإنشائي في هذا الخِطاب دلالةَ الاحتراز عن مساواة شيء لاحِق بشيء سابق، وهذه الدلالة تَرْجع إلى النظم نفسه، حيث يُقيم فارقًا ملحوظًا بين دوالَّ سابقةٍ، ودوالَّ لاحقة، أو بين نوعين متفاوتين في الأهمية والقَدْر من المخاطَبين[21]، كما جاء في الآية السابقة، حيث جاء التعبير: {أشهد الله} مضارع/ خبري، ثم عُدل إلى و{اشهدوا} أمر/ إنشائي، فشكَّلت الصياغة فارقًا لفظيًّا ملحوظًا بين إشهاد الله، وإشهاد قوم هود.[22]

 

عاشرًا: تجاهل المناسبة المعجمية:

وهذا باب واسع؛ لأنَّه بابُ الإفادة والمجاز، أما الإفادة فيأتي ترتُّبُها على المناسبة من جهةِ أنَّ كلمات المعجم ينسجم بعضها مع بعض، ولا ينسجم مع بعضها الآخر، بمعنى أنَّ العروج - مثلاً - إنما يناسبه أن يكون من أسفل إلى أعلى، فيقال مثلاً: "عرج إلى السماء"، والسقوط بالعكس، فيقال: "سقط من حالق"، فلو قيل: "يسقط من أسفل"، لكان في ذلك إحالة، وانتفت الفائدة، والعلاقة العنادية بين كلِّ كلمتين متنافيتين في هذه الأمثلة تُسمَّى "المفارقة المعجمية".

 

فإذا كانتْ علاقات الكلمات في المعجم عُرفية، فقد يخرج المتكلِّم عن هذا الأصل بواسطة أسلوب عدولي يطرح العلاقة العرفية، وينشئ في مكانها علاقة أخرى عقلية أو فنية، فإذا كانتِ العلاقة عقلية سُمِّي الأسلوب العدولي مجازًا مرسلاً أو كناية، وإذا كانت فنية تشبيهيَّة سُمِّي استعارة، ومِن هنا كان طلب فرعون إلى هامان أن يبني له صرْحًا ﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا ﴾ [غافر: 36] مجازًا مرسلاً؛ لأنَّ المطلوب من هامان لم يكن البناء ذاته، وإنما كان الأمر به، وكذلك كان شراء الضلالة بالهدى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى ﴾ [البقرة: 16، و175]، ليس على حقيقته، وإنما هو أسلوب عدولي عن الحقيقة؛ لأنَّ الضلالة ليست سلعة، والهدى ليس ثمنًا إلا على طريق التشبيه بهما، وكذلك كان قوله: ﴿ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ ﴾ [المنافقون: 5] بمعنى أعْرضوا؛ لأنَّ ذلك إنما يكون عند الإعراض دليلاً عليه، ومن ثَمَّ فهو كناية عنه.

 

أما الاستعارة - وهي ضرْب من المجاز - فيقول عنها ابن وهب (ت 328 هـ): "وأما الاستعارة، فإنَّما احتيج إليها في كلام العرب؛ لأنَّ ألفاظهم أكثرُ من معانيهم، وليس هذا في لسانٍ غيرِ لسانهم، فهم يعبِّرون عن المعنى الواحد بعبارات كثيرة، ربما كانت مفردة له، وربَّما كانت مشتركةً بينه وبين غيره، وربَّما استعملوا بعضَ ذلك في موضع بعض على التوسُّع والمجاز".[23]

 

من أجْل هذا قال عبدالقاهر كلمتَه المشهورة: "إنَّ من الاستعارة ما لا يمكن بيانه إلاَّ مِن بعد العلم بالنَّظْم، والوقوف على حقيقته"، ثم يوضِّح ذلك مبينًا دقَّة النظم، ولُطْفه بأنك "ترى الناس إذا ذكروا قوله - تعالى -: ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [مريم: 4] لم يزيدوا فيه على ذِكْر الاستعارة، ولم ينسبوا الشرفَ إلا إليها، ولم يرَوْا للمزية موجبًا سواها، هكذا ترى الأمر في ظاهر كلامهم، وليس الأمر على ذلك... ولكن لأن يسلكَ بالكلام طريق ما يُسند الفعْل فيه إلى الشيء، وهو لِمَا هو من سببه، فيرفع به ما يُسند إليه، ويُؤتَى بالذي للفعْل له في المعني منصوبًا بعده، مبينًا أن ذلك الإسناد، وتلك النسبة إلى ذلك الأول إنَّما كان من أجْل هذا الثاني، ولِمَا بينه وبينه من الاتصال والملابسة"، والتعبير القرآني أفاد "مع لَمَعان الشيب في الرأس - الذي هو أصل المعنى - الشمولَ، وأنه قد شاع فيه، وأخذه من نواحيه، وأنه قد استقر به، وعمَّ جملته، وهذا ما لا يكون إذا قيل: اشتعلَ شيب الرأس، أو الشيب في الرأس... ثم ترى بلاغةَ النظم في تعريف "الرأس" بالأَلف واللام، وإفادة معنى الإضافة من غير إضافة، وهو أحدُ ما أوجب المزية، ولو قيل: واشتعل رأسي، فصُرّح بالإضافة لذهب بعض الحسن".[24]

 

ويأتي في سياق الحديث عن تلك النصوص التي تخدم المجاز قولُ الحق - سبحانه -: ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ [الرحمن: 6]، وقوله: ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ [نوح: 17]، وقوله: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88]، وقوله: ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ [التكوير: 18].

 

إنَّ الوجود هنا ينحلُّ بعضه في بعض، حيث تصير الشجرة إنسانًا، ويصير الإنسان نباتًا أو طائرًا؛ إذ يُعير الإنسانُ وعيَه للطبيعة الكونية (اليابس والنجوم والسحاب والزروع)، ودبيب رُوحه للوقت (الصبح الذي يتنفس)، فيما تعيره الطبيعةُ تكوينها (النبت)، ومخلوقاتُ الطبيعةِ حركتها (حركة الجناح)؛ بل إنَّ الطبيعةَ والإنسانَ كليهما تذوبان في ذلك المطلق، إذ تحينُ اللحظة المؤجلة، فتنمُّ نهايةُ الدورةِ عن أولها ﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزمر: 67]، و﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [القلم: 42]، تمثل كل استعارة إذًا في سياق "رؤيا النص" افتنانًا بالانحراف عن لُغة العين الواقعية الواصفة، إنها مجاوزة للحِياد البارد الذي يجعل من الأشياء في ذاتها هدفًا للرصْد والتعيين والمقاربة، فبالبصر تستبدل البصيرة، التي تكشِف وتضيء، والصورة تنفذ إلى الأثَر الذي تستدعيه الأشياء على صفحة العقل المنفعِل بها، وتمتدُّ إلى إدراك تفاعلها مع بعضها البعض... ولا يكشِف المجاز فقط عن الصِّلات الإيجابية المتناغمة بين العناصر الجزئية داخلَ فَلَكِ الحقيقة الكلية، ولكنَّه يكشف كذلك عن الصِّلات السالبة بينها ليقع على الوجه الآخَر من رمزية الرؤيا.[25]

 

هذه أثارةٌ من علمٍ يسير، وقلٌّ من كثرٍ؛ "فالقرآن الكريم حافلٌ بالأساليب العدولية التي تحُلُّ فيها علاقة عقلية أو فنية محلَّ العلاقة الأصلية العرفية، فيؤول الكلام إلى أحد الأساليب البيانية العدولية، وكلُّ أساليب البيان عدول".[26]



[1] "الإيضاح" (2/18)، و"مفتاح العلوم" (ص: 142)، طبعة الحلبي.

[2] "دلائل الإعجاز" (ص: 333) (تح/ شاكر).

[3] "تحولات البنية في البلاغة العربية" (ص: 193).

[4] "دلالات التراكيب" (ص: 111).

[5] "دلائل الإعجاز" (ص: 354) كقولنا على مسمع من المهمل: "إنما ينجح المجد".

[6] نفسه (ص: 354).

[7] يرى الإربلي أنَّ (ألا) حرف مركَّب من همزة الإنكار وحرف النفي، والإنكار نفي، ونفي النفي إثبات، فرُكِّب الحرفان لإفادة التوكيد والتحقيق؛ "جواهر الأدب في معرفة كلام العرب" (ص: 416).

[8] "المفتاح" (ص: 143)، و"تلخيص المفتاح" (2/20).

[9] "الكشاف" (1/180 - 181 ).

[10] رجاء عيد: "البلاغة العربية" (ص: 105).

[11] "الإتقان في علوم القرآن" (2/317).

[12] "عروس الأفراح" (1/220).

[13] داجاه: ساتره بالعداوة ولم يُبدها له (اللسان - مادة: د ج و).

[14] يراجع: "الكشاف" (1/186، 187)، و"المثل السائر" (2/234)، 235)، و"المفتاح" (ص: 126).

[15] "الكشاف" (3/217)، وانظر "تفسير أبي السعود" (7/77)، و"تفسير البيضاوي" (4/154).

[16] "الانتصاف" - بحاشية "الكشاف" - (3/217 - 218)، ويُنظر: "غرائب القرآن"، هامش الطبري (21/63)، و"البحر المحيط" (7/194).

[17] "روح المعاني" (21/107).

[18] ونضيف: أنَّ الولد يطلق كذلك على المتبنَّى؛ انظر: "الراغب" (ص: 532).

[19] انظر: "الكشاف" (3/217)، و"روح المعاني" (21/107)، يُنظر: "أسلوب الالتفات في القرآن الكريم" (ص: 207 - 209).

[20] "المفتاح " (ص: 154).

[21] يراجع: السكاكي: "المفتاح" (ص: 155)، وعبدالمتعال الصعيدي: "بغية الإيضاح" (2/60) (هامش 2)

[22] راجع تحليل ذلك ص 34 من هذا البحث، وينظر: "الكشاف" (2/276)، "تفسير البيضاوي" (3/112)، و"تفسير أبي السعود" (4/218)، و"برهان" الزركشي (3/336).

[23] "البرهان في وجوه البيان" (ص: 142)، ويؤيده في ذلك كلٌّ من ابن قتيبة، وابن فارس، يُنظر: "تأويل مشكل القرآن" (ص: 16)، و"الصاحبي" (ص: 71).

[24] "دلائل الإعجاز" (ص: 100 - 102)، وانظر: "قضايا النقد الأدبي" (ص: 317 - 319)، بتصرف.

[25] وليد منير: "النص القرآني من الجملة إلى العالم" (ص: 98، 99).

[26] تمام حسان: "البيان في روائع القرآن" (ص: 394).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • استثمار الأسلوب العدولي (1/ 11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (2/ 11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (3/ 11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (4/ 11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (5/ 11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (6/ 11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (7 /11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (8/ 11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (10 /11)
  • استثمار الأسلوب العدولي (11/ 11)

مختارات من الشبكة

  • أفضل أنواع الاستثمار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الاستثمار الآمن في المؤسسات الخيرية (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مقاييس حرارة الاقتصاد(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • أوقات المسلم في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستثمار المعرفي في الأطفال(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • الأسلوب الأدبي والأسلوب العلمي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جمال الأسلوب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أثر القدوة وأهميتها في الدعوة إلى الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفعيل أساليب الإشراف التربوي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بحوث في السيرة النبوية (5)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب