• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة
علامة باركود

أرض اللواء

أرض اللواء
أ. محمود توفيق حسين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/10/2011 ميلادي - 3/11/1432 هجري

الزيارات: 6526

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في أوائل الثمانينيَّات من القرن الماضي، من بعد حادثة المنصَّة، وفي صبيحة يومٍ خريفيٍّ مُشْرقٍ، توقَّفتْ سيارة (بيجو) قديمة تحمل كومةً باهظةً من الحقائب الثَّقيلة، كانت تَنُوء بها في سيرها - عند إحدى العمائر السَّكنية المُجاورة، وسرعان ما ترجَّل السَّائق ومُساعده، وأخذا يحلاَّن تلك الشبكة المعقَّدة من أحبال الغسيل التي تربط هذه الكومة إلى بعضها، ويَنْزل منها العائد من الخليج بهدوءٍ بالنظارة الطبية الرقيقة، يفرد قامته المديدة بالبذلة (السفاري) الزيتيَّة اللون، يستند على السيَّارة، وهو يقاوم زهْوَه الذي يتفلَّت منه؛ يقاومه خوفًا من الحسد، كلَّما شمخ منه رأسُه طأطأه مرَّةً ثانيةً، والسائق ومساعده يُهَرولان إلى مدخل البيت بالحقائب الثقيلة، والبطانية (جلد النمر)، والتلفاز الملوَّن، والمروحة؛ ولا يزال واقفًا، ويده تقبض على حقيبته الـ(سامسونايت)، كلما مرَّ بجانبه طفلٌ يجري، أو رجلٌ يسرع الخُطَى، احترسَ وضمَّ الحقيبة إليه شيئًا قليلاً.


ولمَّا تَحلَّق حوله صبيانُ وصَبايا المنطقة، يمدُّون أيديهم بالسلام، ويطلب بعضهم قرشًا، وزَّع عليهم بعض القروش، وهو يبتسم ابتسامةً عريضةً متفائلةً، وراضاهم زيادةً بأن أخرج الكاميرة (البلورايد)، والتقط لهم صورةً فوريَّةً ملونةً، اندهشوا منها كثيرًا، وشعروا أنَّهم في لحظةٍ مشرقةٍ لا تُنسَى، فتلك أول مرَّة يتعرفون فيها على الصُّورة الفوريَّة، لا بل والملوَّنة أيضًا، وأخذوا ركنًا، وتلاصقتْ وجوههم وهم يراجعون أنفسهم في الصورة بأفواهٍ فاغرةٍ، بينما انسحب هو إلى داخل العمارة بنفسٍ هاربةٍ، وابتسامةٍ مقتصدةٍ!


في الأيَّام التالية من بعد عودته، وبانسحابٍ انسيابيٍّ كانسحاب القوارب على سطح الماء، أخذ وزوجتُه يبتعدان مسافةً من بَعد مسافةٍ من الأهل والجيران والأصدقاء، خوفًا من الطمع والحسد والاقتراض بغير سدادٍ؛ خوفًا من "النَّصْب"، خوفًا من المشاريع التي يعرضها البعض، وقد تَبتلع مدَّخَرات الغربة؛ وكلَّما جاء ضيفٌ يزوره ويبارك له عودته النهائيَّة، وراح بهما الحديث إلى الأعمال والمشاريع، وأشار الضيف إلى أرباح (التاكسي) الباهرة في ظلِّ أزمة المواصلات الخانقة، أو الدخل الوافر لمحلات (الكشري)، أو العوائد التي لا تُصدَّق من محلِّ ملابس صغيرٍ في ممرِّ (الشواربي) - تقلَّص وجهه، وأبدى شيئًا من التجاهل الدفاعيِّ، فيما تُنادي زوجته التي تضع أذنها عند باب غرفة الصالون من الخارج، تعلن عن حملها لمشروب الضيافة: (محسن، البارد)، بصوتٍ حادٍّ محذِّر، تمدُّ حرف السين، رغم أن الزوج لا يحتاج لمن يحذِّره، وربما خَمَّن الضيف أن (البارد) كلمة تعود عليه لا على المشروب! وهكذا شعر الضيوف من أهلٍ وجيرانٍ وأصدقاءٍ قدامى، وفيهم من كان يتكلَّم على سجيته، وفيهم من هو أثرَى منه، شعروا جميعًا بأن الخوف على المال، وضعف الإحساس بالثقة، وبعض التبدُّلات المحيطة في سلوك الناس، كلها غيَّرتْ هذه العائلة، وضربت حولها سورًا من العزلة.


وهذه المسافة أخذها طفلاهما "ناهد" و"شريف" أيضًا، ركبَتْهما عنجهيَّةٌ ظريفةٌ، تليق ببراءة الأطفال، وهما يرتديان (الجينز) الحديث من ماركة (FUS)، وهما أوَّل من ارتداه في أطفال المنطقة، وإن كان المقاس كبيرًا، والحزام التفَّ على الوسط مرتين، والبنطال مَطْوِيٌّ إلى المنتصف بين القدم والركبة، حتى يُعايش صاحبَه أطولَ مدَّةٍ ممكنةٍ.


يَنْزلان إلى الشارع في زهوٍ؛ لتلعب "ناهد" بعروسٍ ببطاريةٍ، تنادي وتفتح عينيها وتغلقهما، والبنات يتملَّقْنَها ويتلطَّفن إليها؛ لتسمح لكلّ واحدةٍ منهنَّ بلعب دور الأمومة، حينما تأخذ العروس في حجرها، بينما "شريف" يذرع الشارع جيئةً وذهابًا بالدراجة، وقد احمرَّ خدَّاه من الحماسة والاندفاع، لا يضع مقعدته على مقعدها، ويتركها كل حينٍ للأكثر توسُّلاً؛ ليأخذ جولةً سريعةً إلى أول الشارع ذهابًا وعودةً، تاركًا حذاءه لديه على سبيل الرَّهن؛ ولقد منَحا أطفال الشارع لحظةً مشرقةً أخرى خاطفةً، حينما وضعا بين أيديهم، تلك (الكاميرة) البلاستيكية التي بها قرصٌ من الصُّور الجميلة، كل طفلٍ يأخذ دوره تحت إشراف وتوجيهات وترفُّع "ناهد" و"شريف"، يلصق عينيه بالكاميرة، ويرفعها لنور الشَّمس، ويأخذ في تقليب الصور بالذراع البلاستيكية، مشدوهًا من المناظر باهرة الألون.


وخَلْف الحيِّ بعيدًا قليلاً، كانت هناك مساحةٌ خضراء هائلةٌ، استمرَّتْ مزروعةً سبعة آلاف عامٍ بغير انقطاعٍ، غير أن أصحابها الفلاَّحين الذين آلت إليهم من بعد القرون، جحدوها وبوَّروها وباعوها، مستفيدين من فارقٍ خرافيٍّ بين سعر الأرض الزراعيَّة والأرض السكنية.


تلك المساحة الخضراء التي بارت وتشقَّقتْ حتى الأفق، وهاجرتْ منها طيور الحقل، كان يزيِّن وجهَها أرضٌ تُزرَع بالورد البلدي، تُمتِّع أعين الصَّاعدين إلى الأسطح والشرفات بألوانها الزَّاهية، وشذى وردها يتسلَّل في الفجر حتى أَسِرَّة النائمين، يزرعها العمُّ "خليل" النَّشِط البشوش، غير أنه جحدها ورحَل، تاركًا خلفه همهمةً عالقةً باليباب لصوت ماكينة الريِّ، ولأطفال مدرسة (نهضة مصر) الذين كانوا يمرُّون منها إلى المدرسة، ويلاطفونه: (الدنيا برد، الدنيا برد، وعم خليل يسقي الورد).


ظلَّت الهمهمات عالقةً إلى أن اشتراها "أبو شريف" في تكتُّمٍ شديدٍ، وضرب سورًا حولها.


بخطواتٍ جادةٍ واثقةٍ، وبوجهٍ نافرٍ يتحاشَى تحيَّة الناس، ذهب إليها بعلبة الدهان الأحمر القاني، والدَّلو، والفرشاة، وكتب على السور بخطِّه الجميل، وبالحجم العريض: (الأرض ملك اللواء عبدالعظيم رسلان، وليست للبيع).


زوجته خلفه، وجهها للأرض تضع نظارةً سوداء عريضةً كمن لا يريد أن يتعرَّف إليه أحدٌ، وابناه يعلو وجهيهما ملامِحُ التواطؤ والادِّعاء، مرَّ بهما بعض الأطفال من زملاء (نهضة مصر)، وسألوهما عن علاقة أسرتهما بهذه الأرض، وعلام يكتب أبوهما على السُّور؟ أجابا بأنَّها أرضٌ للواء عبدالعظيم رسلان الذي كلَّف أباهما بِمُتابعة الأرض، لواءٌ قادرٌ على أن يسجن أيَّ أحدٍ في الدنيا؛ أي أحدٍ!


الأب اخترع هذا اللواء الوهميَّ حتى يُجنِّب أرضه أطماعَ لصوص الأراضي الذين ستصدُّهم تلك الكتابةُ الحمراء المهدِّدة، في زمن يقتل فيه الأخُ أخاه على قيراطٍ توارثاه.


وتمرُّ السنون وراء سنين، والأطفال في صورة (البلورايد) شبُّوا، والبنطال [FUS]الواسع الطويل فُرِدتْ ثنيته مرةً بعد مرةٍ حتى آخرِها، أمَّا هو فخطواته الجادَّة الواثقة نال منها بعضُ الوهن، وحصاره حول نفسه يزداد مَنعةً؛ بات رجلاً كئيبًا يكلِّم نفسه أحيانًا في سيره، ثمَّ إنَّ زياراته إلى الأرض عزَّت شيئًا فشيئًا، حتى صار يمرُّ إليها مرَّةً في كلِّ موسم، والخطُّ الذي خطَّه على السور يبهت عامًا من بعد عامٍ، والحيُّ يتمدَّد، ويزداد ازدحامًا، ويبتلع ببيوتِه الجديدة الأراضِيَ الفضاء، والزِّراعات المتبقيةَ قطعةً وراء قطعةٍ، إلى أن أنهاها كلَّها، وصارت أرض "محسن" المسوَّرة في قلب الحيِّ بعد أن كانت من خلفه، واشتهرتْ بـ(أرض اللواء)، صارت علامةً معروفةً توصف بها العناونين، وتُكتب على خطابات البريد.


وتمرُّ السنون، ويهاجر "شريف" شابًّا إلى أوروبا، متمرِّدًا على نمطِ حياة أهله، الذين يعيشون كما يعيش الموظَّفون الحكوميُّون، مُتوسِّطو الدرجة، بينما يمتلكون أرضًا تخطَّى سعرها المليونين، وقلَّتْ خطاباته ومُكالَماته، حتَّى انقطعتْ، ثم تموت الزَّوجة بمرض السكَّر، وما زالت "ناهد" قابعةً مع أبيها بالبيت لم تتزوَّج.


وتمرُّ السنون، حتى صار "محسن" عجوزًا مغيبًا قليلَ الخروج، ترعاه ابنته، يلعقان أحزانهما فوق (البياضات) التي تغطِّي كلَّ شيءٍ في الشقَّة، و"ناهد" تتجنَّب النظر قدر الإمكان إلى جهاز عرسها المكدَّس فوق خزانة الملابس وتحت السَّرير، والذي بدأَتْ أمُّها في تجميعه منذ كانت "ناهد" طفلةً في العاشرة ، وتتهرَّب "ناهد" من عنوستها المريرة إلى عالَمٍ مضَى، تسحب العروسةَ من خزانتها وتحتضنها، رغم أنَّه أصاب إحدى عينيها العورُ، وكفَّتْ عن النِّداء؛ لتضعها في حِجْرها، وتبستم لها، فتَنْزف منها الأمومة؛ وأحيانًا ما تُشْعل الإضاءة في غرفتها من بعد منتصف اللَّيل، وترفع (الكاميرة) البلاستيكيَّة إلى النُّور، وتقلِّب في الصُّور البديعة، وعلى وجهها ابتسامةٌ رائعةٌ تضخُّ الدم في وجهها الذي ذهبَتْ بمائه الأحزان، وفي أُذنَيها رجاءُ طفلٍ متحمِّسٍ من أصحاب أخيها، يطلب دوره في المشاهدة.


وفي ليلةٍ نادرةٍ من فبراير 2011، يسير إلى الأرض بنظارةٍ سميكةٍ جدًّا غير التي كان يلبسها يوم أنْ كتب على السُّور، مضى إليها وهو يحمل فانوسًا، وابنته من خلفه، ليس على وجهها هذه المرَّة ذاك التواطؤُ والادِّعاء، تتأخَّر عنه قليلاً، وكأنها تفكِّر في الهرب للخلف، ثم تعود وتُهَرول لتلحق به، يصل، يقف أمام مكان الكتابة، يقترب أكثر، يتحسَّسه بيده، يكاد يضع عينيه على الحائط، راح الخطُّ وما بقي إلاَّ آثارٌ حمراء لا تكاد تُرى.


يعتريه الذُّهول، يرتفع حاجباه السميكان مغادِرَيْن إطار النظَّارة، يشهق، يسقط الفانوس من يده على الأرض، يفرك عينَيْه، ويُعيد النَّظر من تحت النظَّارة؛ مستحيلٌ، مستحيل، يَفْرك ويعيد النظر مرةً أخرى، يصيبه الدُّوار، يلقي برأسه على الحائط شبه منهارٍ، يريد أن يعرف منذ متى - وباليوم والساعة - سقط عِفْريته من على الحائط؟ منذ متى - وباليوم والساعة - كان مكشوفًا بغير سترِ اللِّواء ولا يدري، ينام مطمئنًّا، وليس له أن ينام؟


وغاب عن كلِّ شيءٍ حوله إلاَّ الحائط، غاب حتَّى عن ابنتِه الَّتي استدارَتْ محرَجةً من التفاف الشَّباب خلف أبيها غريبِ الأطوار، ومضَتْ للبيت، وهي تكلِّم نفسها في طريقها، يائسةً محطَّمةً، لا تعرف أنَّ رحمةً من الله في الطريق إليها، وأن أحد المولعين بالاحتفاظ بالأشياء القديمة مثلها، واحدًا ممن رهنوا حذاءهم عند أخيها في الطُّفولة، سيُقاسمها مُشاهدة الصُّور من عدسة (الكاميرة) البلاستيكية، رافِعَيْن إيَّاها تُجاه النور، بعد زواجهما عن قريبٍ.


يلتفت الأب على الهمهمة خلفه، يضع ظهره على الحائط، ينظر إليهم كذئبٍ عجوزٍ أُحيط به، وشباب الحيِّ حوله بوجوهٍ مبتسمةٍ متفائلةٍ، تُعاني من إرهاقٍ محبَّبٍ، عاليهم ثيابٌ زَهِمَة الرائحة، لم يبدِّلوها منذ فترةٍ؛ بهذه الوجوه المرهقة، والرائحة الزَّهِمة، والابتسامات المشرقة، والصدور التي تعبَّأتْ من هواء الكرامة، كانوا كجنودٍ رجعوا من الميدان منتصرين، وهم بالفعل كذلك؛ ومن بين هؤلاء المتجمِّعين حوله شابٌّ ثلاثينيٌّ على ذراعه اليمنى جبيرةٌ، وباليد اليسرى، وأسنانه، وبكلِّ حماسةٍ يُخرج له من حافظته تلك الصُّورة (البلورايد) القديمة، ويُذكِّره بالقرش الذي أعطاه إيَّاه من ضمن الأطفال عند رجوعه للبلد، يهزُّ رأسه، يتردَّد في التبسُّم، يبتسم أخيرًا، تدمع عيناه، يأخذ نفسًا عميقًا، كأنما أحياه أنه أعطَى يومًا ما، يضطرب أنفه كمن يلتقط رائحةً، يغلق عينيه تحت النظارة من أثر الشمِّ، فيحرجون وينظرون لبعضهم بعضًا، يعتذرون له من رائحة ملابسهم الصَّعبة، فيهزُّ رأسه نافيًا، ولا تزالُ عيناه مغمضتان؛ (أشم رائحة وردٍ بلدي!).


ويربِّت الشابُّ الثلاثينيُّ على كتفه، ويقول له: إنه لا أحد هنا يريد منه شيئًا أبدًا، وإنهم - سكَّان الحيِّ جميعًا - يعرفون أنه لا وجود للواء عبدالعظيم رسلان، وإنَّ من فعل به هذا وجعل منه رجلاً نافرًا خائفًا مقطوعًا شكَّاكًا، قد مُسِح الليلة من حائط مصر كما مَسحتْ أمطارُ فبراير بقيَّةَ عبدالعظيم رسلان من حائطه، وإنَّ عليه أن لا يبكي على ما فات، بل يبكي فرحًا كما بكَتْ مصر كلُّها، فهم جاؤوا لِتَوِّهم من ميدان التحرير بعد أن تنحَّى "مبارك" منذ قليلٍ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عطاء غير مشروط
  • العطاء.. متى؟!
  • رجل يرقب النمل في استلقائه!

مختارات من الشبكة

  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • خصائص القصة الشعرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • فوائد القصص في المجال الإعلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خطبة عن قصة نبي الله سليمان والنملة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس وفوائد من قصة سيدنا شعيب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أربعين ساعة بين الأمواج (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- الانبهار
علاء الدين احمد حسين - مصر 18-10-2011 09:11 PM

فى كل مرة أقرأ فيها قصة للكاتب أشعر وكأنني أقرأ أنضج ما كتب ويبدو أنه فى مرحلة النضج العقلي وأساويها بنفس المرحلة التى ولج فيها العبقرى نجيب محفوظ بعد النكسة .محمود غير متأثر بأي كاتب ولكنى أشم فيه رائحة كل الرواد وكأنه نحلة رشيقة أخذ من كل زهرة أجمل ما فيها ما هذا الانسياب الإنساني والتعبيرى أن أرى أبطالك أمامي وأتفاعل معهم وأتأثر بهم وأحاول أن أؤثر فيهم جعلت كل من يقرأ يتفاعل مع أبطالك ويراهم فإلى الأمام دائما.

2- رائع
خالد الطبلاوي - مصر 08-10-2011 10:16 AM

أجمل ما في قصصك يا محمود هذه الريشة التي تحلق بها، ونحلق معك كأننا نرى الأشخاص ونعاشرهم عن قرب
أحييك على أدبك المرئي رغم أنه مكتوب

1- ثناء
عبدالماجد محمد حسن الكانمي - تشاد 01-10-2011 02:52 PM

ما أجملها وأسبكها، سلسة القراءة فلله درك من كاتب مبدع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب