• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

ابن الأبار ولسان الدين ابن الخطيب: قصيدتان لإغاثة الأندلس

ابن الأبار ولسان الدين ابن الخطيب: قصيدتان لإغاثة الأندلس
د. شاذلي عبد الغني إسماعيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/10/2022 ميلادي - 5/3/1444 هجري

الزيارات: 7809

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ابن الأبار ولسان الدين ابن الخطيب:

قصيدتان لإغاثة الأندلس

 

رغم أن المدة الزمنية التي تفصل بينهما تزيد عن مائة عام؛ إلا أنَّ هناك تشابهًا كبيرًا بين حياة ابن الأبار (595- 658هـ) الذي نشأ في بلنسيةوقُتِل بتونس، ولسان الدين بن الخطيب (713- 776هـ) الذي نشأ في غرناطةوقُتِل بفاس، فكلاهما يحمل نفس الاسم ونفس الكنية، وكلاهما يمنيُّ الأصلِ، من الذين هاجر آباؤهم إلى الأندلس واستقرُّوا فيها، كما أنَّ كُلًّا منهما تتلمذ على يد والده، وعلى يد نخبة من كبار شيوخ الأندلس، وقد امتلكا من الذكاء والموسوعية العلمية والموهبة الأدبية ما جعل كُلَّ واحدٍ منهما نجمًا زاهرًا في أفق حضارتنا العربية، تتجلَّى فيهما ما وصلت إليه حضارة الأندلس من ازدهار في العلم والفكر والأدب، وكلاهما صار كاتبًا في بلاط الحُكْم، وصارت له مكانة كبيرة لدى الحاكم في عصره، وكلاهما غادر مدينته مع حاكمها بعد حدوث ثورة فيها، ثم عاد إلى وطنه مرةً أخرى وعظُمَتْ مكانتُه وذاعَ صيتُه، وكلاهما كان مبعوثًا برسالة استغاثية لنجدة المدينة الأندلسية التي ينتمي إليها وإنقاذها من السقوط، وكلاهما حِيكَتْ ضده المؤامرات وفرَّ هاربًا عابرًا للبحر، وقد تشابَهَت النهايات أيضًا فكلاهما أُحرِقَتْ كتبُه وأُحرِق جثمانُه بعد موته بفعل المؤامرات والدسائس.

 

ابن الأبار

هو أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن أبي بكر القضاعي البلنسي، شهد له كثيرون بالتبحُّر في العلم والأدب، وقد وصفه الذهبيُّ في سير أعلام النبلاء بأنه "الإِمَامُ، العَلَّامَةُ، البَلِيْغُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، المُقْرِئُ، مَجدُ العُلَمَاءِ... وذكرَهُ أَبُو جَعْفَر بنُ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: هُوَ مُحَدِّثٌ بارعٌ، حَافلٌ، ضَابطٌ، مُتْقِنٌ، وَكَاتِبٌ بليغٌ، وَأَديبٌ حَافلٌ حَافِظٌ"[1]، وقال عنه محمد بن عبدالملك المراكشي في "الذيل والتكملة": "وكان آخِرَ رجالِ الأندَلُس بَراعةً وإتقانًا، وتوسُّعًا في المعارف وافتنانًا، محدِّثًا مُكثِرًا، ضابِطًا عَدْلًا ثقةً، ناقدًا يَقِظًا، ذاكرًا للتواريخ على تبايُن أغراضِها، مستبْحِرًا في علوم اللِّسان: نَحْوًا ولُغةً وأدبًا، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مُفْلِقًا مُجِيدًا"[2].


نشأ ابن الأبار نشأةً علميةً أدبيةً؛ فقد تلقَّى العلم عن والده الذي كان عالمًا في الفقه والقراءات، حافظًا للشعر والأخبار، وقد قال عنه: "تَلَوت عَلَيْهِ الْقُرْآنَ بِقِرَاءَة نَافِع مرَارًا، وسَمِعْتُ مِنْهُ أَخْبَارًا وأشعارًا، واستظهرت عَلَيْهِ كثيرًا أَيَّام أخذي من الشُّيُوخ يمْتَحن بذلك حفظي، وناولني جَمِيع كتبه، وشاركته فِي أَكثر من روى عَنْهُ"[3].


كما أخذ العلم عن مجموعة من أشهر علماء عصره، وقد أصبح كاتبًا للسيد أبي عبدالله بن أبي حفص الموحدي والي بلنسية، ثم لولده أبي زيد الذي صحبه معه بعد أن تم خلعه ولجأ إلى ملك أرجون؛ لكن ابن الأبار تركه وعاد إلى بلنسية؛ لما رأى خيانته وارتداده عن الإسلام، وبعد أن حاصر ملك أرجون بلنسية أرسل حاكمها أبو جميل زيان وفدًا على رأسه ابن الأبار إلى أبي زكريا الحفصي في تونس يستغيثه لنجدة المدينة المحاصرة، وألقى ابن الأبار قصيدته السينية التي أولها:

أدْرِك بخيلِكَ خَيْلِ اللهِ أنْدَلُسا
إنَّ السبيلَ إلى مَنْجاتِها دَرَسا

وقد أثرت القصيدة بمشاعرها الحزينة وأسلوبها القوي في نفس أبي زكريا الحفصي؛ فأمر بإرسال نجدة إلى المدينة المحاصرة؛ لكن الوقت كان قد فات، وكان الحصار شديد الإحكام؛ ففشلت الحملة وسقطت بلنسية، وبعد سقوطها لجأ ابن الأبار إلى حمى السلطان الحفصي، وظل حنينه إلى الأندلس متوِّهجًا في قلبه يلهج به لسانه شعرًا ونثرًا، ورغم المكانة الكبيرة التي نالها ابن الأبار في البلاط الحفصي إلا أن الوشايات والدسائس ظلت تحاصره وتُسبِّب له المشكلة إثر الأخرى، وفي عهد المستنصر بن أبي زكريا بلغت الوشايات مبلغها، فقد اتُّهِم بعدائه للدولة وللسلطان، يقول ابن خلدون: "بعثالسلطان إلى داره فرفعت إليه كتبه أجمع، وألقى أثناءها فيما زعموا رقعة بأبيات أوَّلها:

طَغَى بتونس خَلَفٌ
سَمَّوه ظُلْمًا خَلِيفَهْ

فاستشاط لها السلطان وأمر بامتحانه، ثم بقتله قَعْصًا بالرماح، وسط محرم من سنة ثمانٍ وخمسين وستمائة، ثم أُحْرِق شلوه، وسيقت مجلدات كتبه وأوراق سماعه ودواوينه فأُحرِقت معه"[4]، بعد أن يذكر محمد عبدالله عنان تلك الحادثة المؤلمة يقول: "واختتمت بذلك حياة أعظم شخصية في الأدب الأندلسي في القرن السابع الهجري"[5].

 

ومؤلفات ابن الأبار كثيرة يقول محقِّق ديوانه: إنها تربو عن الخمسين، ومما وصل إلينا منها: "الحلة السيراء في أشعار الأمراء"، "التكملة لكتاب الصلة"، "إعتاب الكتاب"، "تحفة القادم"، "معجم أصحاب القاضي أبي علي الصفدي".

 

لمحات من سِينيَّة ابن الأبار:

في سينية ابن الأبار الشهيرة التي طلب فيها النجدة للأندلس، استطاع النص أن يجسد لنا مشاعر الخوف والقلق والرغبة العارمة في حثِّ السلطان الحفصي أن يسابق الزمن قبل فوات الأوان، لقد تجلَّت تلك المشاعر في الصور والأساليب، وفي استهلال النص الذي بدأه بطلب النجدة دون مقدمات:

أَدْرِكْ بِخَيْلِكَ خَيْلِ اللَّهِ أندلُسَا
إنَّ السَّبِيلَ إلَى مَنْجاتِها دَرَسَا
وَهَبْ لهَا مِنْ عَزيزِ النَّصْرِ مَا الْتَمَسَتْ
فَلَمْ يَزَلْ مِنْكَ عزُّ النَّصْر مُلْتَمَسا

 

إننا أمام استهلال يعكس ذكاء الشاعر بداية من الكلمة الأولى (أدْرِكْ) التي توحي بالضرورة الملحَّة للإسراع قبل فوات الأوان، ثم إنه لم يخصص بلنسية ليشير للسلطان أنه بإنقاذها مع المدن المحاصرة سينقذ الأندلس بأكملها، وهو يربط بين المدح وبين الإغاثة في صياغة شعرية تكثيفية، فخيله هي خيل الله التي ينصر بها الحق ويدحض الباطل، وبالطبع لا يُلتمَس عِزُّ النصر إلا ممَّن كان يتمتَّع بالإنسانية وبالديانة والنخوة والقوة والشجاعة، إن الصور التي تتوالى بعد ذلك للأندلس التي يؤنسنها لنراها وهي تتألم وتعاني تخاطب في السلطان تلك الصفات التي هي منبع لمشاعر جمَّة، فهو يخاطب المشاعر الإنسانية لدى السلطان عندما يصور الأندلس الجريحة والنكبات التي تتوالى على أهلها مع كل شارقة وغاربة، وهو يخاطب نخوته العربية، حين يأتي بمشهد عقائل الأندلس أو نسائها الكريمات المحجوبات وهن أسيرات للأعداء يتقاسمونهن:

وَحاش مِمَّا تُعانِيهِ حُشَاشَتهَا
فَطَالَما ذَاقَتِ البَلوَى صَبَاحَ مَسَا
يَا للجَزيرَةِ أَضْحَى أَهلُها جَزَرًا
لِلحَادِثَاتِ وأَمْسَى جَدُّهَا تَعِسا
في كُلِّ شارِقَةٍ إِلْمَامُ بَائِقَةٍ
يَعُود مَأتَمُها عِندَ العِدَى عُرُسا
وكُلِّ غَارِبَةٍ إِجْحَافُ نائِبَةٍ
تَثْنِي الأَمَانَ حِذارًا والسرُورَ أَسَى
تَقَاسَمَ الرومُ لا نَالَتْ مَقَاسِمُهُم
إِلا عَقَائِلَها المَحْجوبَةَ الأُنُسَا
وَفِي بَلَنْسِيةٍ مِنْها وَقُرْطُبَةٍ
ما يَنْسِفُ النَّفسَ أَو ما يَنزِفُ النَّفَسا

 

وهو يذكر الأماكن ليخاطب مشاعره الدينية، معتمدًا على المقابلة التصويرية لتظهر المفارقة المؤلمة بين ما كانت عليه وما صارت إليه، وعلى التشخيص الذي يزيد من حدة الأسى وجراح الحزن:

مَدائِنٌ حَلَّها الإشْرَاكُ مُبْتَسِمًا
جَذْلانَ وارتَحَلَ الإِيمانُ مُبْتَئِسا
وَصَيَّرَتْها العَوادِي العَابِثاتُ بِها
يَسْتَوحِشُ الطَّرْفُ مِنْها ضِعْفَ ما أَنِسا
فَمِنْ دَسَاكِرَ كانَتْ دُونَهَا حَرَسًا
وَمِنْ كَنَائِسَ كَانَتْ قَبْلَها كُنُسا
يَا للْمَساجِدِ عَادَتْ للعِدَى بِيَعًا
ولِلنِّداءِ غَدَا أَثْناءَها جَرَسا
لَهْفِي عَلَيها إلَى استِرجَاعِ فائِتِها
مَدارِسًا لِلْمَثانِي أصبَحَتْ دُرُسا

 

ثم تستمر المقابلة التصويرية في الأماكن؛ لكنه يستخدمها بعد ذلك لتصوير ما كانت عليه من جمال وحسن؛ حيث المرابع التي نقشها وزركشها الربيع بيمينه، وكساها من الحُلل ما تشتهيه عينُ الرائي، لقد يبست الآن أشجارها المونقة، وضاعت بهجة منظرها الساحرة؛ مما جعله يتساءل في حسرة:

فأَيْنَ عَيْشٌ جَنَيْنَاهُ بِها خَضِرًا
وَأيْنَ غُصنٌ جَنَيْناهُ بِها سَلِسا؟
مَحَا مَحَاسِنَها طاغٍ أُتِيحَ لَها
مَا نامَ عَن هَضْمِهَا حِينًا وَلا نَعَسا
خلا لَهُ الجوُّ فَامْتَدَّتْ يَداهُ إلَى
إِدْراك ما لَمْ تَطَأْ رِجْلاهُ مُخْتَلِسا

 

لقد اشتملت القصيدة بعد ذلك على أكثر من أربعين بيتًا في المديح يذكره فيها ابن الأبار من مآثر السلطان الحفصي وصفاته وانتمائه ما يجعله أهلًا لتلبية نداء الأندلس، وقد فعل الرجل، ولم ييأس ابن الأبار فقد تلت تلك القصيدة قصائد عدة تشحذ عزيمة الأمير ليكرر المحاولة؛ لكن السبيل إلى نجاة المدينة المحاصرة كان قد درس أو انتهى تمامًا.

 

لسان الدين بن الخطيب

هو أبو عبدالله محمد بن عبدالله السلماني الغرناطي، قال عنه ابن خلدون: "الوزير أبو عبدالله بن الخطيب إمام النظم والنثر في الملَّة الإسلاميَّة غير مدافع"[6]، وقال أيضًا: "كان الوزير ابن الخطيب آيةً من آيات الله في النَّظْم والنَّثْر، والمعارف والأدب، لا يساجل مداه، ولا يهتدى فيها بمثل هداه"[7].

 

نشأ في بيت توارث العلم والأدب، وقد أخذ عن أبيه الذي كان فقيهًا وكاتبًا ومفتيًا، يقول عنه: "تكلمت يومًا بين يديه في مسائل من الطب، وأنشدته أبياتًا من شعري ورقاعًا من إنشائي فتهلَّل، وما برح أن ارتجل:

الطِّبُّ والشِّعْرُ والكِتابهْ
سماتنا في بني النجابهْ
هُنَّ ثلاثٌ مُبَلِّغاتٌ
مراتبًا بعضها الحجابهْ"[8]

 

وفي عهد أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج تولَّى ديوان الإنشاء خلفًا لأبيه الذي استشهد في موقعة طريف، ثم أضاف إليه الوزارة، واستمر في الوزارة بعد وفاة أبي الحجاج يوسف وتولية ابنه الغني بالله محمد الذي بعثه إلى السلطان المريني أبي عنان يستمد منه العون ضد ملوك قشتالة، وألقى لسان الدين بن الخطيب قصيدة شعرية ارتجلها، أولها:

خَليفةَ اللهِ ساعَدَ القَدَرُ
عُلاكَ ما لاحَ في الدُّجَى قَمَرُ

وفي عام 760ه قام إسماعيل أخو الغني بالله بعمل ثورة ضد أخيه الذي غادر غرناطة؛ لكنه لم يلجأ إلى الأعداء كما فعل غيره؛ وإنما توجَّه إلى المغرب، أما ابن الخطيب فكانوا قد اعتقلوه، ثم أطلقوا سراحه ليلحق بالغني بالله الذي ظل في المغرب حتى قامت ثورة ضد أخيه إسماعيل قُتِل فيها، فعاد بعدها إلى غرناطة وعاد معه لسان الدين بن الخطيب، إلا أن الوشايات بدأت تُحاكُ ضدَّ لسان الدين بن الخطيب بعد أن قوي نفوذُه وتلقَّب بذي الوزارتين؛ لجمعه بين الوزارة والكتابة، ففَرَّ بنفسه إلى المغرب ليبقى في حماية السلطان عبدالعزيز المريني، وقام غرماؤه بغرناطة بإحراق كتبه، واتهموه بالإلحاد والتآمر على الغني بالله الذي حاول مع السلطان عبدالعزيز المريني ليسلمه لسان الدين بن الخطيب؛ لكنه رفض، وبعد وفاة السلطان المريني تولَّى ابنُه محمد الذي كان طفلًا، في هذا الوقت ساند الغني بالله أحمد بن أبي سالم الذي ثار ضد السلطان الماريني الصغير، وبعد أن نجحت تلك الثورة واستلم ابن أبي سالم الحكمَ أرسل الغني بالله إليه يُطالبه بتسليم لسان الدين بن الخطيب، فقبض عليه، وأمر وزير السلطان الماريني مجموعة من الأوغاد دخلوا عليه السجن وخنقوه ودفنوه، ثم أخرجوا جثمانه، وجمعوا له أعوادًا وأضرموا عليه نارًا فاحترق شَعْرُه واسودَّتْ بشرتُه وأُعيد إلى حفرته (776هـ، 1374م)، يلخص ابن خلدون تلك اللحظات المأساوية فيقول واصفًا لابن الخطيب: "الهالك لهذا العهد شهيدًا بسعاية أعدائه"[9].

 

رغم انشغال ابن الخطيب بالسياسة والإدارة إلا أن له كتابات كثيرة نَظْمًا ونَثْرًا، فهو لم يكن ينام بالليل إلا النذر اليسير؛ لذا كانيُقال له "ذو العمرين"؛ لأن الناس ينامون في الليل وهو ساهر فيه، ومؤلفاته ما كان يصنف غالبها إلا بالليل"[10]، ومن مصنفاته التي وصلت إلينا: "الإحاطة في أخبار غرناطة"، "الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة"، "جيش التوشيح"، "خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف"، "ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب".

 

قصيدة ابن الخطيب في الاستنجاد لغرناطة:

دفعت أطماع القشتاليين في غرناطة حاكمها الغني بالله إلى الاستنجاد بسلطان المغرب، فأرسل وزيره لسان الدين بن الخطيب للقيام بتلك المهمة التي ألقى فيها قصيدةً يستعطف فيها سلطان المغرب، لم تحتَوِ قصيدةُ لسان الدين بن الخطيب على تلك الشِّحْنة العاطفية التي اشتملت عليها قصيدة ابن الأبار؛ ربما لأن ابن الخطيب قد استنجد بالسلطان المغربي قبل ذلك للغني بالله عندما ثار عليه أخوه إسماعيل سنة760هـ بقصيدة طويلة "واستعطف واسترحم بما أبكى الناس شفقة له ورحمة"- على حد تعبير ابن خلدون- فقد قال في تلك القصيدة كل ما يمكن أن يُقال في الرجاء والاستعطاف وتعلق الآمال بالممدوح، وكال صفات المديح الممكن منها وغير الممكن، فلا مكان للإطالة بعد ذلك؛ لذا كانت قصيدة الاستنجاد الثانية قصيرة ومكثفة، وربما أيضًا لأن غرناطة ساعتها لم تكن بها تلك المشاهد المأسوية التي كانت ببلنسية في زمن ابن الأبار، فغرناطة ظلَّت صامدةً رغم المحن، ولم تسقط إلا عام897هـ، وقد خاطب الشاعر بأبيات مدحه القليلة اعتزاز السلطان بنفسه عبر أسلوب ذكي ومباشر:

خَليفَةَ اللهِ ساعَدَ القَدَرُ
عُلاكَ ما لاحَ في الدُّجى قَمَرُ
ودافَعَتْ عنْكَ كفُّ قُدْرَتِهِ
ما ليْسَ يسْتَطيعُ دَفْعَهُ البَشَرُ
وجْهُكَ في النَّائِباتِ بدْرُ دُجًى
لَنا وفي المحْلِ كفُّكَ المطَرُ
وجُمْلَةُ الأمْرِ أنَّهُ وطَنٌ
في غيْرِ عُلْياكَ ما لهُ وطَرُ
ومَنْ بهِ مُذْ وصَلْتَ حبْلَهُمُ
ما جَحَدوا نِعْمَةً ولا كَفرُوا
وقدْ أهَمَّتْهُمُ نُفوسُهُمُ
فوجَّهوني إلَيْكَ وانْتَظَروا

 

يقول ابن خلدون: "فاهتزَّ السلطان لهذه الأبيات وأذن له في الجلوس، وقال له قبل أن يجلس: ما ترجع إليهم إلَّا بجميع عطائهم، ثم أثقل كاهلهم بالإحسان، وردَّهم بجميع ما طلبوه.

 

وقال شيخنا القاضي أبو القاسم الشريف وكان معه في ذلك الوفد: لم يسمع بسفير قضى سفارته قبل أن يسلِّم على السلطان إلَّا هذا"[11].



[1] الحافظ الذهبي: سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، ط3، 1405 هـ / 1985 م، ج23، ص 336، 337.

[2] محمد بن عبدالملك المراكشي: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، تونس: دار الغرب الإسلامي2012م، ج 4، ص281.

[3] ابن الأبار: التكملة لكتاب الصلة، بيروت: دار الفكر 1415هـ- 1995م، ج2، ص 291.

[4] ابن خلدون: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومَن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، بيروت: دار الفكر 1408 هـ - 1988 م، ج6، ص419.

[5] محمد عبدالله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، القاهرة: مكتبة الخانجي، ط2، 1411 هـ - 1990 م، ج4، ص706.

[6] ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر،ج1ص828 .

[7] السابق: ج7، ص591.

[8] المقري التلمساني: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، بيروت: دار صادر 1997م، ج5، ص16.

[9] ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومَن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ج1، ص 779.

[10] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، ج5، ص 80.

[11] ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ج7، ص 442.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار (ت 658 هـ)
  • تحفة القادم لابن الأبار (ت 658هـ / 1260م)

مختارات من الشبكة

  • ابن النجار وابنه تقي الدين ابن النجار(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من سلسلة أحاديث رمضان حديث: يا معشر قريش، احفظوني في أصحابي وأبنائهم وأبناء أبنائهم(مقالة - ملفات خاصة)
  • ابن بطة الأب وابن بطة الابن(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من تراجم المنشئين: الخوارزمي - ابن العميد - ابن عبد ربه - ابن المعتز - الجاحظ - الحسن بن وهب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب (WORD)(كتاب - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • أثر العامل الفكري في فكر الإمام ابن مفلح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دفع الملامة في استخراج أحكام العمامة لابن عبد الهادي المعروف بابن المبرد، المتوفى سنة 909 هـ(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تحقيق أثر ابن عمر وابن عباس في عدم قضاء الحامل والمرضع للصيام واكتفائهما بالإطعام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فائدة في البحث عن روايات ابن أخي ابن وهب عن عمه في صحيح مسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب