• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بهجةُ العيد 1446 هـ
    الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
  •  
    الرحيل؟
    د. وليد قصاب
  •  
    من روائع الشعر للأطفال والشباب
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    روائع الأمثال للكبار والصغار
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الكنايات التي نحيا بها
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    واو الحال وواو المصاحبة في ميزان التقدير
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    التأويل بالحال السببي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    الشرح الميسر على الآجرومية (للمبتدئين) (6)
    سامح المصري
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الحال لا بد لها من صاحب
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    البلاغة ممارسة تواصلية النكتة رؤية تداولية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    الإعراب لغة واصطلاحا
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    مفهوم القرآن في اللغة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية
علامة باركود

الصورة الشعرية بين الثابت والمتحول في القصيدة العربية (صورة الليل والفرس نموذجا)

الصورة الشعرية بين الثابت والمتحول في القصيدة العربية (صورة الليل والفرس نموذجا)
جواد عامر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/10/2021 ميلادي - 28/2/1443 هجري

الزيارات: 6770

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصورة الشعرية بين الثابت والمتحول في

القصيدة العربية (صورة الليل والفرس نموذجًا)

 

لا يرقى الخطاب في القصيدة العربية إلى مستوى الشعرية الكاملة، التي ترتفع باللغة من درجتها المألوفة عند عامة المتكلمين إلى مستوى تنزاح فيه عن اللغة المألوفة، إلا عبر المتح من الكنايات والاستعارات، والرموز والمجازات، فتنعتق الصور الشعرية في أبدع تلاوينها منفلتة من عقال الواقع، سابحة في بحر من المتخيل الشعري، مصطبغة بروح العصر، وناهلة من منهل البيئة التي عاش فيها الشاعر العربي، فكانت الصور معبرة عن رؤيته للوجود والأشياء، كاشفة عن فلسفته وفهمه للظواهر وقضايا الحياة؛ لذلك فنظرتنا للصورة الشعرية في سياق حركية الشعر العربي عبر حِقَبِهِ المتلاحقة بدءًا من العصر الجاهلي إلى الحداثة الشعرية، جعلتنا نتلمس هذا التراوح بين الثبات والتحول في الرؤية والتصوير الشعري.

 

فقد ترددت الكثير من الصور الشعرية على مرِّ العصور، وشكلت ثوابتَ في القصيدة العربية لم تَكَدْ تبرحها، رغم اختلاف المتغيرات التاريخية والمنطلقات الإيديولوجية؛ فصورة الليل في شعرنا العربي ظلت ملفوفة بنفس الحمولة الدلالية التي أحالت عليها من حيث التدليل على المعاناة والكآبة، والهموم والحوادث... فهي عند الشاعر الجاهلي لا تفارق نفس المنطلق، ولا تبارح ذات الرؤية الفلسفية؛ فالليل مليء بالهموم، طويل لا ينقضي عند امرئ القيس؛ الذي قال:

وليلٍ كمَوجِ البَحْر أَرْخَى سُدُولَهُ
عليَّ بأنْواعِ الهُمومِ ليبْتلِي
فقلتُ لَهُ لمَّا تَمَطَّى بِصُلبِهِ
وأرْدَفَ أعْجَازًا وناءَ بكَلْكَلِ
ألَا أيُّها الليلُ الطويلُ ألا انْجَلي
بصُبحٍ وما الإصْباحُ منكَ بأمْثلِ

 

وعند النابغة منبعٌ للهموم والمقاساة فهو زمن المعانة النفسية:

كِلِينِي لِهَمٍّ يا أمَيـــْـــــمَةُ ناصِبٍ ♦♦♦ وليْلٍ أقَاسيهِ بَطـِـــــيءِ الكَواكِـبِ

 

وفي الشعر الإسلامي نجد حسان بن ثابت يشكو طول الليل وهو الذي يرعى نجومه، كأنما أُجبر على ذلك إجبارًا، فلا يغمض له جفن حتى تغور النجوم، وينفلق ضوء الصبح؛ فيقول:

تطَاوَلَ بالْجُمَان لَيلِي فلمْ تَكُنْ
تَهُمُّ هَوادِي نَجْمِهِ أنْ تَصَوَّبا
أبيتُ أُراعِيهَا كأنِّي مُوكَّلٌ
بها لا أريدُ النَّومَ حتَّى تَغَيَّبَا
غَوائرَ تَتْرَى من نُجومٍ تَخَالُها
مَع الصُّبْحِ تَتلُوها زَواحِفَ لُغَّبَا

 

ويقول بشار بن برد في تصويره لليل:

خَلِيلَيَّ ما بَالُ الدُّجَى لا تَزَحْزَحُ
ومَا بَالُ ضَوْءِ الصُّبْحِ لا يَتَوَضَّحُ
أَضَلَّ الصَّبَاحُ المُسْتَنِيرُ سَبيلَهُ
أمِ الدَّهْرُ ليْلٌ كلُّهُ لَيْسَ يَبْرَحُ

 

ويستمر نفس الإيحاء، وتظل نفس الحمولة في الشعر العربي الحديث؛ حيث نجد الشاعر مُسقِطًا صفاتِ الأنسنة على الليل، وإن كان لا يحس بمعاناة الشاعر، فها هو حافظ شاعر النيل يقول في إحدى قصائده:

ما لِهَذا النَّجْم في السَّحَرِ
قدْ سها منْ شِدَّةِ السَّهَرِ؟
خِلْتُهُ يا قَوْمُ يُؤْنِسُنِي
إِنْ جَفانِي مُؤنِسُ السَّحَرِ
وكأنَّ اللَّيلَ أقْسَمَ لا
ينْقَضِي أوْ ينْقَضِي عُمُرِي

 

وفي القصيدة الحرة لم تُنْسَ صورة الليل التي دلَّت على نفس الرؤية الفلسفية؛ فها هو شاعر العراق سعدي يوسف يحملها في رمزية شعرية جميلة إلى دلالة الحوادث والنوائب وما ينجم عنها من مكابدات نفسية واجتماعية... حيث قال في قصيدته وطني:

وطني إذا ما الليلُ أظْلم وادْلَهَمَّ الأفْقُ يوما

فالشَّعْبُ يَعْرفُ كيْف يُزْهِر في اللَّيَالي السُّودِ نَجْمَا

 

فالمتتبع لهذا النمط من التصوير في شعرنا العربي سيجزم حتمًا أن صورة الليل التي ضربنا بها المثال صورةٌ ظلت قابعة في نفس الدائرة الإيحائية، ولم تؤثر عليها متغيرات التاريخ؛ فظلت تمتلك نفس الرؤية الشعرية لدى كل شعراء العربية.

 

بينما النظر إلى صورةٍ كالفرس في الخطاب الشعري سيكشف لنا أن شعراء العربية قد نظروا إليها بمناظيرَ مختلفةٍ تمتح من البيئة العربية، وتنهل من أنماط التفكير التي صنعتها سيرورة التاريخ، فوجدنا الفرس عند امرئ القيس سريعًا في جريه كجُلمود الصخر يلقيه السيل من مكان مرتفع، وهو الشبيه بالحيوانات البرية المعروفة بسرعة عَدْوِها ورشاقتها، وصلابة سيقانها كالذئب والثعلب والنعامة والظبي؛ حيث يقول:

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا
كجُلمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِن عَلِ
له أيْطَلا ظَبْيٍ وساقا نَعامَةٍ
وإِرْخَاءَ سَرَحَانٍ وتَقْريبَ تَتْفُلِ

 

ويُسقط عنترة صفات الأنسنة على فرسه المصابة بالرمح، ويستشعر ألمها في انصهار نفسي يُظهِر فيه العشق والتعلق الشديد بين الإنسان والفرس؛ قال عنترة:

فازْوَرَّ مِن وَقْعِ القَنا بِلبَانِهِ
وشَكَا إليَّ بِعَبْرَةٍ وتَحَمْحُمِ
لوْ كانَ يَدْري ما المُحَاوَرَةَ اشْتَكَى
ولَكَانَ لَوْ عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمِي

 

إنها نظرة عميقة يفيض بها الوجدان الذي ارتبط في البيئة العربية بالفرس، وتعلق بها تعلق المُدنِف العاشق بمحبوبته، وكيف لا والفرس مركبه في السفر والغارات، ووسيلته في الحصول على الرزق؟ بل وبلغ من شديد العشق أن علَّقوا التمائم على الخيل؛ خوفا عليها من العين والحسد؛ فيقول ابن مقبل:

عوجُ اللِّبانِ ولمْ تُعقد تمائِمُهُ ♦♦♦ مَعْرى القِلادَةِ منْ رَبْوٍ ومِنْ بُهُرِ

 

وارتبطت صورة الفرس في ذهنية الشاعر العربي بانسكاب المطر وتتابعه أثناء الإغارة؛ يقول مجمع بن هلال:

وخيلٍ كأسْرابِ القَطَا قدْ وَزَعْتُها ♦♦♦ لهَا سَبَلٌ فيها المَنِيَّةُ تَلْمَعُ

 

وقال علقمة الفحل:

فَأتْبِع آثَارَ الشِّيَاهِ وَليدُنَا
حَثيثٍ كَغَيْثِ الرَّائِحِ الْمُتَحَلِّبِ
خفَى الفَأْرَ مِنْ أنْفاقِهِ فكَأنَّما
تَخَلَّلَهُ شُؤْبوبِ غيثٍ مُنَقَّبِ

 

وفي الشعر العباسي تتراءى صورة الفرس بمنظور جديد؛ صبغته خصوصيات المدنية وانفتاح الحضارة العربية على غيرها من الحضارات والأقوام، لكن ذلك لا يعني ألبتةَ إعلان القطيعة مع الصورة الشعرية التقليدية؛ فقد ظلت كثيرٌ من تصاوير الفرس والخيل جاثمةً في شعر المتقدمين، فالارتباط بالغَيم والريح والمطر ظلَّ قائمًا عند تشبيه الفرس في سرعتها؛ قال البحتري:

مَرَّتْ تُبَاري الرِّيحَ في مُرورِها ♦♦♦ تَرى الرِّجالَ شَرَفًا لِسُورِها

 

وقال ابن النَّطَّاح:

كُمَيْتٍ كأنَّ الريحَ تحْشُو عِظامَهُ ♦♦♦ على أنَّهُ مِنْ جِرْيَةِ المَاء أَطْلَقُ

 

لكن كان لا بد للصورة من أن تمتح من البيئة الجديدة التي اختلط فيها العنصر العربي بالفارسي والرومي بدرجات كبيرة؛ فمنحنا ذلك نتاجًا شعريًّا ظهر فيه وصف الخيل في أبدع صوره، وكأن الذائقة الشعرية استلهمت وهضمت ما جادت به قرائح الفحول في العصور السابقة، وأضافت إلى تصاويرها إبداعيةً جديدة، كان قِوامها الثابت المتحول الذي أنتج هاته البداعة والأناقة التصويرية في شعر أبي تمام والبحتري خاصة، فنحن نجد أن أشعار هؤلاء ارتبطت بسياقات اجتماعية وسياسية وثقافية متباينة ولَّدتْها؛ فكان المدح - الذي أجاده كلاهما - مثلًا سبيلًا معبدًا إلى إضفاء صور شعرية:

يا حُسْنَ مُبْدي الخَيْلِ في بُكورِها
تلُوحُ كالْأَنْجُمِ الْغُرِّ في دَيْجُورِها
كَأَنَّما أبْدَع في تشهيرها
مُصَوِّرٌ حَسَّنَ مِنْ تَصْويرِها
تحْمِلُ غِرْبانًا على ظُهورِهَا
فِي السَّرَقِ المَنْقُوشِ على ظُهُورِها
مَرَّتْ تُبارِي الرِّيحَ في مُرُورِها
والشَّمْسُ قدْ غابَ ضِياءُ نُورِها

 

وهذا أبو تمام يرسم صورة شعرية جميلة للخيل في كثير من قصائده، متناولًا الكثير من أجزائها كاللون والأطراف ... وأنواعها كالفرس الحرون والسابقة ... ومواضعها في حلبات السباق وأرض الوغى ... ولعلنا سنورد بعضًا من الصور المستحدثة التي لم يسبق لشعراء العربية القدماء أن أوردوها في أشعارهم؛ مثل: تشبيه أبي تمام للخيل بالكلب في الوفاء إن غاب عنها فارسها، فهي لا تنسى أيامَ رفقته رغم الأهوال التي كانت تحف بها؛ فيقول:

إنْ طال يومُكَ في الوغَى فلَقدْ تَرى
فيهِ ويَوْمُ الهَامِ مِنكْ طَويلُ
فسَتَذْكُر الخَيْلُ انْصِلَاتَكَ فِي السُّرَى
والقَفْرُ مَعْروفُ الرَّدَى مجْهولُ

 

وقد يجد الشاعر في الخيل سلوةً من الألم والوُجْد، فلا يسليه غير خوض معامع القتال وركوب الخيل؛ فيقول:

تَداوَ منْ شَوْقِكَ الأَعْصَى بِما فَعَلَتْ
خيْلُ ابْنُ يوسُفَ والأبْطالُ تَطَّرِدُ
ذاك السُّرورُ الذي آلتْ بشاشَتُهُ
ألاَّ يُجاوِرَها فِي مُهْجَةٍ كَمَُد
لقيتَهمْ والمَنايا غيْرُ دافِعَةٍ
لِمَا أَمَرْتَ به والمُلْتقَى كَبَدُ

 

فالخيل العِتاق تستطيع الوصول إلى بلاد المحبوب مهما بعُدت الشُّقَّةُ، فيكون بذلك الغزل دافعًا إلى التعبير عن الخيل بهذا النمط من التصوير.

 

وهذا البحتري مادحًا أبا نهشل بن حميد، ويستهديه فرسًا، فنجد الخطاب الشعري عنده متأثرًا بالروح الفارسية عبر معجمها الظاهر للعيان، وسنكتفي بعدد من أبيات قصيدته الجيمية التي أبدع فيها إبداعًا جميلًا في وصف الخيل الكريمة المحمودة عند العرب؛ فيقول:

فأَعِنْ عَلى غَزْوِ العَدُوِّ بِمُنْطَوٍ
أحْشَاؤُهُ طَيَّ الكِتابِ المُدْرَجِ
إمَّا بأشْقرَ ساطعٍ أغْشَى الوغَى
مِنْهُ بِمِثلِ الكَوْكَبِ المُتَأَجِّجِ
مُتَسَرْبِلٌ شِيَةٌ طَلَتْ أَعْطَافَهُ
بِدَمٍ فما تلْقاهُ غَيْرَ مُضَرَّجِ
أو أدْهَمٍ صافي السَّوادِ كأنَّهُ
تَحْتَ الكَمِىِّ مُظَهَّرٌ بِيرَنْدَجِ
ضَرَمٌ يَهيجُ السَّوْطُ منْ شُؤْبُوبِهِ
هَيَجَ الجَنائِبِ مِنْ حريقِ العَرْفَجِ
أوْفَى بِعُرْفٍ أسْودَ مُتَغَرْبِبِ
فيما يليهِ وحافِرٍ فَيْروزَجِي
لا دَيْزَجٌ يَصِفُ الرَّمادَ ولمْ أجِدْ
حالًا تُحَسِّنُ منْ وَراءِ الدَّيْزَجِ

 

إن المتأمل لهذا الوصف المتقَن للخيل على امتداد هاته الأبيات فقط سيلحظ حتمًا مدى تأثير الثقافة الفارسية عبر حضور الصور الماتحة منها؛ فاليَرَنْدَجُ يعني الجلد الأسود، والفيْرُوز نوع من الحجر الكريم غير شفاف معروف بلونه الأزرق كلون السماء، أو أميل إلى الخضرة، والدَّيْزَجُ وهو أن يكون لون وجهه أكدر من لون سائر جسده، وأصلها في الفارسية قبل التعريب ديِزَهْ بكسر الدال فلما عرَّبوها فتحوا دالها.

 

أما شعرنا العربي الحديث، فلم يُغفِل صورة الفرس، وكيف يغفلها وهي تحمل من الرمزية الجميلة التي يفوح منها عبق الأجداد وماضيهم التَّلِيد، فالخيل مركب الفتح الإسلامي الكبير ومطيته، بحوافرها دُكَّت فلول كبريات الإمبراطوريات العتيدة، وتحتها انصاعت وخضعت للإسلام راغمة الأنف؛ لذلك بقيت حمولته الطافحة بالشدة والقوة والغارات والنصر ملتصقة بذهن الشاعر العربي الحديث، الذي وجد في الخيل رمزًا من رموز الهُوِيَّة والقومية العربية في زمن النكسة والهوان، فكان الحنين إلى الماضي يركب صهوة الخيل العربي؛ بكاء على المجد الموؤود، وأملًا في إشراق غدٍ يضاهي الأمس الجميل؛ فهذا أمل دنقل في قصيدة الخيول يجلي هذا الملمح الذي نتحدث عنه، ويجعل من الخيل العربية أيقونة حمَّالة للرمزية الدينية التي تستقرئ التاريخ، تلك الرمزية التي فقدتها في الزمن الحاضر؛ حيث أصبحت وسيلة للزينة والتباهي فاقدةً قوتها وسرعتها؛ يقول أمل دنقل:

الفتوحات في الأرض مكتوبة بدماء الخيول

وحدود الممالك

رسمتها السَّنابِك

والركابان ميزان عدل يميل مع السيف

حيث يميل

 

وفي مقطع آخر يرسم فيه تحولات الرمز مفقدًا الخيل حمولتها المألوفة في ذهن الشاعر العربي القديم، وفي ذهن المتلقي الذي ألِفَ صورة الخيل القوية المغيرة على الأعداء؛ فيقول:

لستِ المُغيراتِ صُبْحًا

ولا العادِياتِ - كما قيلَ - ضَبْحًا

ولا خُضْرةً في طريقكِ تُمْحَى

ولا طفلَ أضْحى

إذا ما مَرَرْتِ بِه ... يَتَنَّحَى

وها هِيَ كَوْكَبَةُ الحَرَسِ المَلَكِيِّ

تُجاهِدُ أنْ تبْعَثَ الرُّوحَ في جسَدِ الذِّكْرَياتِ

بدقِّ الطُّبولْ

 

لينفيَ عبر التركيبين الأوليين القَسَم الإلهي في سورة العاديات، ويؤكد النفي في التركيبين التاليين بنبرة متهكمة، جلتها صورة الطفل الصغير الذي يرفض التنحي جانبًا، فتغدو الخيول منبعًا للزينة والمسرحة، والبهرجة والاستعراض عبر قرع الطبول التي حلَّت محل أصوات الحوافر المثيرة للنَّقع.

 

ويستمر نَفْسُ النَّفَسِ الشعري عند أمل دنقل ليمنح الخيول صفة البطء على غير عادتها، كما عبرت الصورة عند القدماء عندما جعلوا من الخيل مسابقة للريح، وشبيهة بتحدُّرِ الصخر من المرتفع، ومتتابعة في سيرها كأشطان المطر ... فها هي الخيل مع الشاعر المصري تصير كالسلاحف في سيرها، فاقدة صهيلها وحمحمتها، بعد أن أصبحت أراجيحَ وأحصنة من طين؛ يقول أمل دنقل:

اركضي كالسلاحفْ

نحو زوايا المتاحِفْ

صِيرِي أراجِيحَ مِنْ خشبٍ للصِّغار الرَّياحينِ

صيري فوارسَ حَلْوى بمَوْسِمك النَّبَوِيّ

وللصِّبيةِ الفقراءِ حِصانًا منَ الطِّينِ

صيري رُسُوما ... ووشْمَا

تجِفُّ الخطوطُ به

مثلما جَفَّ في رئَتيْكِ الصَّهيلْ

 

وبهذه النماذج التي ضربنا على سبيل التمثيل لا الحصر نكون قد بيَّنَّا من منظور استقصائي - حاولنا فيه جاهدين محاورة الخطاب الشعري عبر العصور المختلفة - أنَّ الصورة الشعرية قد تراوحت بين الثابت والمتحول بما فرضته متغيرات التاريخ، واختلافات الرؤى، وفلسفة الحياة التي منحتنا طورًا نوعًا من الثبات الذي لم تأتِ عليه أية متغيرات ولو كانت جزئية عبر سيرورة التاريخ، ونوعًا من التحول الذي فرض ذاته رغم أنوف الشعراء بفعل اختلاف البيئة التي نشؤوا فيها، وما ولَّدته من مؤثرات مختلفة بَنَتْ في نفوسهم تصورات جديدة تتوافق مع الواقع الذي يعيشون فيه؛ فمنحتنا بذلك صورًا شعرية تباينت إيحاءاتُها بين شعرنا العربي القديم نفسه، والخطاب الشعري الحديث.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • معجم مصطلحات القصيدة العربية
  • مقدمة القصيدة العربية القديمة
  • جدلية الإبداع والتلقي في القصيدة العربية الحديثة
  • الحلول الشرعية والعملية للوقاية من النظر إلى الصور المحرمة

مختارات من الشبكة

  • بلاغة السرد .. أو الصورة البلاغية الموسعة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الصورة الشعرية عند شعراء الصنعة في الجاهلية والإسلام (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفرق بين (السورة) و (الصورة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة وأجمل هيئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قراءة في كتاب "الإشهار والصورة، صورة الإشهار" لدافيد فيكتوروف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • هل الرياء يعد صورة من صور النفاق(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • حديث: من صور صورة في الدنيا...(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • صورة من صور الإيمان الحق في قبسات من كتاب الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صناعة الصورة باليد مع بيان أحكام التصوير الفوتوغرافي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • في النهي عن وصف الملائكة بقبح الصورة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/12/1446هـ - الساعة: 9:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب