• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | اللغة .. والقلم   أدبنا   من روائع الماضي   روافد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية اللغة العربية وطريقة التمهر فيها
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    أحوال البناء
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    وقوع الحال اسم ذات
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    الكلمات المبنية
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    عزوف المتعلمين عن العربية
    يسرى المالكي
  •  
    واو الحال وصاحب الجملة الحالية
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    تسع مضين (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    أهل القرآن (قصيدة)
    إبراهيم عبدالعزيز السمري
  •  
    إلى الشباب (قصيدة)
    عبدالله بن محمد بن مسعد
  •  
    ويبك (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    الفعل الدال على الزمن الماضي
    د. عبدالجبار فتحي زيدان
  •  
    أقسام النحو
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    نكتب المنثور (قصيدة)
    عبدالستار النعيمي
  •  
    اللغة العربية في بريطانيا: لمحة من البدايات ونظرة ...
    د. أحمد فيصل خليل البحر
شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / من روائع الماضي
علامة باركود

عقوق الوالدين.. قصيدتان من تراثنا الأدبي

د. شاذلي عبد الغني إسماعيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/11/2016 ميلادي - 29/2/1438 هجري

الزيارات: 110313

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عقوق الوالدين

قصيدتان من تراثنا الأدبي


كان العرب قديمًا يرون أن عقوق الوالدين بمثابة إعلان وفاةٍ للعاقِّ، ومن أمثالهم: (العقوقُ ثُكْلُ مَن لم يَثْكَلْ)؛ أي: إذا عقَّه ولده، فقد ثكِلهم وإن كانوا أحياء"[1].


وقد كان برُّ الوالدين والتعفُّف عن عقوقِهما محلَّ فخر لبعض الشعراء في عصر الجاهلية، يقول عَبيد بن الأبرص:

لعَمْرُك إنِّني لأعفُّ نفسي
وأسترُ بالتكرم مِن خصاصِ
وأُكرِمُ والدِي وأصونُ عِرضي
وأكرهُ أن أُعدَّ مِن الحِراصِ[2]


وعندما جاء الإسلام أمر ببر الوالدين ونهى عن عقوقهما، وقد قضى الله سبحانه وتعالى ببرهما بعد أن قضى بعبادته وحدَه دون سواه، فقد جمع بين حقه سبحانه وحقهما، فقال: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].


وأمر بشكرهما بعد شكره: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، وقد حذَّرنا النبيُّ الكريم صلى الله عليه وسلم من عقوق الوالدين، ونبَّهنا في الكثير من الأحاديث إلى وجوب برهما، خاصة الأم.


ولا شك أن الكلام عن عقوقِ الوالدين، وعرض نماذج لهذا العقوق - من الأمور التي تُثير في النفس النقية مشاعرَ الحزن والألم، ولا شك أن هذه الصور تكون أكثر تأثيرًا إذا كان مَن يحكيها هو أحد الأبوين، ويعمق من تأثيرها أكثرَ إذا كان أحد الوالدين شاعرًا يجعلُنا نشاركه مأساته من خلال كلمات وتعابير وصور وموسيقا تُكثِّف من الإحساس بمشاعره، وتجذب السامعَ لكل ما يقول.

وفي تراثنا الأدبي نصوصٌ شعرية تولَّدت عن معاناة مَريرة أنتجها عقوق الأبناء، اتَّسمت هذه النصوص - إضافةً إلى الصدق الوجداني - باستخدام وسائل أسلوبية متنوعة، أغنت هذه النصوصَ، وجسَّدت الرغبة في التنفيس وزحزحة الأحزان المكبوتة في النفس، وهنا سنعرض لنصَّينِ من هذه النصوص:

أم ثواب الهزانية:

من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نِزار، تعني ابنَها:

رَبَّيْتُهُ وَهْوَ مِثْلُ الفَرْخِ أَعظمُهُ
أُمُّ الطَّعامِ تَرى في ريشِهِ زَغَبَا
حَتَّى إذا آضَ كالفُحَّالِ شَذَّبَهُ
أَبَّارُهُ ونفى عَن مَتنِهِ الكَرَبَا
أَنْشَا يُخَرِّقُ أَثْوابي ويَضْرِبُني
أبَعْدَ سِتِّينَ عِنْدِي يَبْتغي الأدبَا
إنِّي لأُبْصِرُ في تَرْجِيلِ لِمَّتِهِ
وخَطِّ لِحْيَتِهِ في وَجْهِهِ عَجَبَا
قالَتْ لهُ عِرْسُهُ يَوْمًا لِتُسْمِعَني
رِفْقًا فإنَّ لنا في أُمِّنا أرَبَا
ولَوْ رَأتْنيَ في نارٍ مُسَعَّرَةٍ
مِنَ الجحِيم لزَادَتْ فَوْقَهَا حَطَبَا[3]


معاني الكلمات:

أم الطعام: المعدة.

الزَّغب: صغار الريش ولينه.

آض: صار.

الفُحَّال: فحل النخل.

الأبَّار: المصلح والملقح للنخل.

شذَّبه: نقاه من الشوك والسعف.

المتن: الظهر.

الكرب: أصول السعف؛ (ورق النخل اليابس).

الترجيل: تسوية الشعر وتزيينه.

اللِّمَّة: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن.

الأرب: الحاجة.


الشرح والأساليب:

يقول البرقوقي في الذخائر والعبقريات: "هذه أبيات من شعر الفطرة، تصف في دقةٍ حالَ الابن العاق يكون ضلعُه وهَواه مع زَوْجه على أمِّه، وكذلك تصفُ ذلك العداء القديمَ بين الكَنَّةِ وحَماتِها"[4].

 

إن مرارة الإحساس بالجحود تفيضُ من كلمات النص، والدقةُ في اختيار الألفاظ والتعابير، والقدرة على تصوير الحالة - سمةٌ بارزة في الأبيات، التي حملت - رغم قلتها - زخمًا شعوريًّا يطول صداه في نفس المتلقي، فنحن أمام شاعرةٍ قادرة على اختيار مفرداتها، وتصوير مشاعرها.


وفي إطلالة على أساليبها نلاحظ في أول كلمة أنها تستخدم ضمير الغائب "ربَّيته"؛ فهي لا تريد أن تضيفه لنفسها لتقول: "ربَّيت ولدي أو ابني"، ولا تريد أن تذكر اسمه على لسانها، وهي تلجأ إلى التشبيه وتفصل في بيان الصورة؛ حتى تأتيَنا كاملةً دقيقة، وذلك حين تريد أن تُرينا الفرق بين حالة ولدها الذي اعتنت به صغيرًا، وكان مثل فرخ الطائر "في ضعفه وصغره، وتساقط قوَّته، وتخلخل بِنيته، ورخاوة مفاصله"[5]؛ على حد تعبير المرزوقي في شرح الحماسة.


وهي لا تكتفي بتصويره بالفرخ، بل تصرُّ على أن ترينا الغاية في الضعف والعجز ولين البِنية، فتصفه بأن أعظم ما فيه كان معدته"أم الطعام"، فقد بلغ الغاية في رخاوة العظام، ترى فيه الريش اللين الصغير، لا حول له ولا قوة، ثم يصبح ولدها بعد الاعتناء به وتربيته مثلَ ذكَر النخل في قوَّته وطوله وصلاح أحواله، وهي أيضًا لا تكتفي بتشبيهه بفحل النخل، بل تتبع المشبه به بأوصاف متعددة، تُقرِّبه من الكمال والجمال، وتُبعِد عنه ما يشينه، فقد نقَّاه "أبَّاره" (مُصلِحه)، وأبعَدَ عنه الشوك والسعف ليطول ويجمل، وكأنها تقول لنا: قد اعتنيتُ بولدي وأبعدتُ عنه كل ما يمكن أن يقلِّل من شأنه أو يعيبه؛ مثل ذلك الأبَّار الذي اعتنى بفحل النخل غاية العناية، وبعد هذا التعب الذي واجهتُه، وإلى أن وصل إلى تلك الدرجة من القوة، جاء رد الجميل ليكون صادمًا ومؤلمًا؛ حيث العقوق في أقبح صوره، (أنشا يُخَرِّقُ أثوابي ويَضرِبُني).


ثم يأتي الاستفهام الممزوج بالتعجب والإنكار والإحساس بالحيرة المُرة: (أبعد ستِّين عندي يبتغي الأدبا؟!)، وفي رواية: (أَبَعْدَ شَيْبي يبغي عنديَ الأدبا؟!)، إنها عبر الاستفهام تجعلُ السامعَ يشاركها حالة التعجب والشعور بالحيرة، ثم تبين أن تلك اللحظات التي كان فيها صغيرًا عاجزًا - مثل الفرخ ذي الريش القليل الصغير - لا تفارق ذاكرتَها، وتستحضرها كلما رأته وهو يمشط شعره الذي وصل إلى منكبه، وقد كان كزغب الفرخ، ويرجِّل لحيته وقد كان بلا لحية، فقد صار رجلًا قادرًا على الاعتناء بنفسه، وهي تؤكِّد كلامها (بإن وباللام)؛ لأن هذا الأمر في الحقيقة لا يثير العجب، إنه طفل صار شابًّا يعتني بنفسه، فما العجب في ذلك؟!


إننا بالتأمل نشعر أن الأم الشاعرة تعيش حالةً من الارتداد إلى الماضي، تولدت عن صدمة العقوق التي لم تكن تتوقعها، فهي تهرب إلى الأوقات التي كانت تمنحها سعادةً نفسية وهي تقرُّ عينها بالنظر إلى طفلها والاعتناء به، وتحلم باليوم الذي يشب فيه؛ لذلك تشعر بالعجب حين تراه رجلًا يافعًا قادرًا على الاعتناء بنفسه، إن معايشة الماضي الجميل بتفاصيله ومشاعره تجعلُها تتعجَّب من الحاضر الذي تمثله الصورةُ التي تستدعي نقيضها، فترجيل شعره وتهذيب لحيته يُعيدها إلى تلك اللحظات التي كان فيها كالفرخ؛ حيث لا شَعر سوى ما يشبه الريش الصغير القليل، وها هو الآن يجازيها على إحسانها وإكرامها إساءةً وإهانة وذلًّا.


وتأتي بالفعل المضارع الذي يفيد التجدد والحدوث (أُبصِرُ)؛ لتُبيِّن لنا أن هذا الإحساس يتكرر، وهي تجسم العجب هنا، فهي تبصره في فعل ولدها الذي يعيش في فكرها طفلًا صغيرًا تمنحه الحنان والرحمة، ثم يأتي بعد ذلك شخص ثالث يدخل معنا في آخر بيتينِ (إنها عرس الابن)، وكلمة (عرس) هنا تبين لنا أنه جديد عهد بالزواج، ولعلها تريد أن تقول: إن خطواته الأولى نحو العقوق بدأَتْ من لحظة الارتباط بتلك المرأة الماكرة، التي تقول لزوجها: "إنَّ لنا في أمِّنا أربا"، وتذكر الأم الشاعرة علة القول، فهي لا تقول له ذلك لتكفَّه عن أمه وترقق قلبه عليها؛ وإنما لتُسمِعَها حتى تبين لها أنها صاحبة فضل عليها، فلولا قولها لأهلكها ولدُها، فهي سيدة المكان التي لديها القدرة على التأثير في ذلك الولد العاق، ومكرُ هذه المرأة يظهر في ثنايا الكلمات، فهي لا تدافع عن الأم أو تلتمس لها الأعذار، بل هي تطلب منه أن يرفق بها؛ لأن لهم فيها حاجة (أربا)، وتنكير (أربا) يبدو هنا للتحقير، فما الأرب من سيدة عجوز؟! هل هو السن والتجربة[6]؛ كما يقول التبريزي في شرحه؟ أو أن المعنى - كما يحاول المرزوقي أن يفسره -: "إنا لا نستغني عنها، ولا تتمشى أمورنا إلا بها وبحياتها"؟[7].


أظن أن تحميل العبارة لهذه المعاني فيه نوع من المبالغة، وأنالشاعرة تريد أن تقول: إن كلام المرأة لزوجها كان يتَّكِئ على حجة ضعيفة، لا تخاطب عاطفة، ولا تتلمس منطقًا، وهي بذلك تضرب عصفورينِ بحجرٍ واحد، فرغم أنه يبدو من كلام الأم أنها هي المحرِّضة لذلك الولد العاق، تظهر أمام زوجها بصورة المرأة الحنون المُصلحة؛ حيث تُوهِم الزوج أنها لم تكن تظن أن الأمور تصل به إلى حد الضرب وتمزيق ثياب العجوز، وفي نفس الوقت تبين للأم قدرتَها على التحكم والتأثير في ذلك الولد العاق، ومن ثَمَّ تأتي الصورة النهائية المؤلِمة التي شكَّلتها أفعال هذه الكَنَّة وأقوالها في مخيلة هذه الأم عند غياب الزوج، والتي رسمَتْها الشاعرة بصورة ساخرة، فجَّرتها مرارة الإحساس بالحزن والغيظ، فتلك التي تُظهِر الدفاعَ عنها أمام ولدها، لو رأتها في نار مسعَّرة من الجحيم لما اكتفت بذلك، بل لشاركت في وضع الحطب على تلك النار.

 

أبو مُنازِل فرعان بن الأعرف:

هو "فرعان بن الأعرف، من بني مرَّة بن عبيد، رهط الأحنف بن قيس، وكان شاعرًا لصًّا"[8]، يقول:

جَزَتْ رَحِمٌ بَيْني وبَيْنَ مُنازلٍ
جَزاءً كما يَسْتَنْزِلُ الدَّيْنَ طالِبُهْ
لَرَبَّيْتُهُ حتى إذا آضَ شَيْظَمًا
يَكادُ يُساوي غارِبَ الفَحْلِ غارِبُهْ
فلمَّا رَآني أُبْصِرُ الشَّخْصَ أَشْخُصًا
قَريبًا وذا الشَّخْصِ البَعيدِ أُقارِبُهْ
تَغَمَّدَ حَقِّي ظالِمًا ولَوَى يَدِي
لَوَى يَدَهُ اللهُ الذي هُو غالِبُهْ
وكانَ له عِنْدي إذا جاعَ أوْ بَكى
مِنَ الزَّادِ أحْلَى زادِنا وأطايبُهْ
ورَبَّيْتُه حتى إذا ما ترَكْتُهُ
أخا القَوْمِ واسْتَغْنَى عن المَسْحِ شارِبُهْ
وجَمَّعْتُها دُهْمًا جِلادًا كأنَّها
أَشَاءُ نخيلٍ لمْ تُقَطَّعْ جَوانِبُهْ
فأخْرَجني منها سَليبًا كأنَّني
حُسَامُ يَمانٍ فارَقَتْهُ مَضارِبُهْ
أَإنْ أُرْعِشَتْ كَفَّا أبيكَ وأصْبَحَتْ
يَدَاكَ يَدَيْ لَيْثٍ فإنَّكَ ضارِبُهْ

 

معاني الكلمات:

آض: رجَع.

الشيظم: الطويل والأسد.

غارب: الغَارِبُمن البعير: ما بين السَّنام والعُنق.

الدُّهم: جَوَادٌأَدْهَمُ:أَسْوَدُ.

جِلادًا: من الجلادة، وهي الصلابة.

أَشَاءُ نخيل: صغار نخيل لم يؤخذ منها شيء.


الشرح والأساليب:

في أبياته يعتمد الشاعر على الصور التشبيهية والكنائية، ولا شك أن وجود هذه الصور يخدم النصَّ في جوانبَ عدَّة؛ فهي تُبعِده عن التقريرية التي تضعف من التأثير الشعري، وهي تجعل المتلقِّي أمام صور ومواقفَ حيَّة تولد بداخله ما تستدعيه من انفعالات، وهي تكون أحيانًا لتقوية الفكرة أو بمثابة الدليل عليها، فهو يسعى من خلالها إلى التوضيح والتقريب والتأكيد، وهذا ما يتطلَّبه مقام الشكوى.

 

وفي بيته الأول يؤكد الوالد رغبتَه في أن ينال (مُنازِلًا) الجزاءُ الذي يستحقه، فدعا بأن يلاحقه الجزاء كما يُلاحِق الدائن دَيْنه، "وجعل فعل الجزاء للرحم، والجازي هو الله تعالى؛ لأنه السبب في الجزاء، ولتكون الشكوى أبلغ"[9].

وهو عندما يصف ولده بأنه صار طويلًا يختار تعبير (آض شيظمًا)، والشيظم الطويل والأسد، فهي تعطي دلالات الطول مع القوة والغلظة.

 

وفي رواية:

وبالمَحْضِ حَتَّى آضَ جَعْدًا عَنَطْنَطًا ♦♦♦ إِذا قَامَ سَاوَى غاربَ الفَحْلِ غارِبُهْ[10]


فقد كان يطعمه اللبن الخالص "المحض"، حتى إذا صار "جعدًا" مجتمع الأعضاء قوي البِنية، طويلًا "عَنَطْنَطًا"، وهو يؤكد عظم هذا الطول، ويجعل السامعَ الذي لم يرَ ولدَه يستشعر مدى الطول الذي وصل إليه، فيُصوِّره بأنه يكاد يكون مثل غارب الفحل (طول سَنام الفحل من الإبل)، وهنا يتجسَّد عمق الألم، ففي هذا الوقت الذي كان من المتوقع فيه أن يكون عونًا وسندًا له، يَخيب رجاؤه فيه، ثم يجعلنا الشاعر نلمس حالة الضعف التي يُعانيها في مقابل قوة ولده العاق، بصورة كنائية مؤثِّرة تجعلنا نراه أمامنا في حالة العجز الناتجة عن ضعف بصره، فهو يرى الشخص أشخاصًا رغم أنه قريب منه، ويرى البعيد قريبًا.

 

وقد كثَّف الشاعر من إحساسنا بعقوق ولده بقوله: "فلمَّا رآني"، فولده قد استغلَّ الضعف الذي يعاني منه أبوه، أو كأنه كان ينتظر تلك اللحظةَ ليظلمه، وتأتي الاستعارة التمثيلية "لوى يدي"؛ لتصوِّر لنا الإحساس بالألم النفسي الذي ترتب على فعل ولده، إن ما فعله كان مؤلمًا وقاسيًا، وهذا ما دفعه لأن يدعوَ عليه تلك الدعوة التي لا تصدر إلا عن أبٍ سحقه الإحساسُ بظلم ولده سَحقًا، وفي بعض الروايات:

وإنِّي لداعٍ دَعْوةً لو دعوتُها ♦♦♦ على جبلِ الريَّانِ لانفضَّ جانبُهْ[11]


وقد رُوي بسند ضعيف منقطع أن عمر بن الخطاب نظر "إلى رجل ملوي اليد، فقال له: ما بال يدك ملوية؟ قال: إن أبي كان مشركًا، وكان كثير المال، فسألته شيئًا من ماله، فامتنع، فلويت يدَه، وانتزعت من ماله ما أردتُ، فدعا عليَّ في شعرٍ قاله...، قال: فأصبحتُ يا أمير المؤمنين ملويَّ اليد، فقال عمر: الله أكبر، هذا دعاء آبائكم في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟"[12].


ثم يعود مرة أخرى ليصوِّر لنا شدة مرارته من الصدمة، فهو لم يكن أبًا قاسيًا أو ظالمًا أو بخيلًا، بل إنه لم يكن يتحمَّل أن يراه جائعًا أو باكيًا، ولم يكن يشبعه ويسكته إلا بأفضل الطعام وأطيبِه، فلا عذرَ لعقوقه، ولا حجة لتبرير طَمَعِه في مال أبيه، فقد ربَّاه حتى بلغ مبلغ الرجل، ويستعين الشاعر على تصوير ذلك بصورة كنائية "استغنى عن المسحِ شاربُه"، فقد صار رجلًا مستغنيًا عن أبيه الذي كان يخدمه ويطعمه، ثم يحكي لنا عن قصة هذا الظلم الذي تعرَّض له مِن أحب الناس لقلبه، وممن لم يتوقع أن يظلمه.

 

وفي بعض روايات القصيدة:

وما كنتُ أخشى أن يكونَ مُنازِلٌ
عَدُوِّي وأدنى شانئٍ أنا راهِبُهْ
حملتُ على ظَهْري وقرَّبْتُ صاحبي
صغيرًا إلى أَنْ أَنْكَرَ الطرَّ شاربُهْ[13]


ثم يحكي لنا الشاعر بعد ذلك عن قصة هذا الظلم، فهذا الأب قد جمع خيلًا دهمًا سوداء، صلبة قوية، وكانت العرب تحب الخيول الدُّهم، وتقول: "دُهْمُ الخيل ملوكُها"، وهذه الخيول الدُّهم كانت كأنها النخيل الصغيرة التي لم يؤخذ منها شيء، فما كان من الولد الذي رأى ضعف أبيه وعدم قدرته على مقاومته، إلا أن سلبها منه قهرًا، وانظر إلى تعبير "فأَخْرَجَني منها"، وكأن هذه الخيول كانت مسكنَه وملاذَه، حتى صار كأنه سيفٌ قاطع فارقَتْه الأيدي التي كانت تضرب به، فصار لا فائدة فيه ولا حول له، وتنتهي الأبيات بذلك الاستفهام الذي يحمل الإحساسَ بالعجز وخيبة الأمل وعدم التوقع.

ويروي الشنتمري في شرحه للحماسة أنه قد "وُلد لمُنازِل ابنٌ يقال له: خليج، فعقَّه كما عق هذا أباه، فاستعدى عليه الوالي فأحضره، فلما قدِّم ليُضرب، قال قائل: أتعرف - أصلحك الله - مَن هذا؟ قال: لا، قال: هذا مُنازِلٌ الذي يقول فيه أبوه...، وأنشده هذه الأبيات، فقال الوالي: يا هذا:

فَلا تَجْزَعَنْ مِن سيرةٍ أنتَ سِرْتَها ♦♦♦ فأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَن يسيرُها

ثم أمر بإطلاق خليج ابنه"[14].



[1] الميداني: مجمع الأمثال، بيروت: دار المعرفة، ج2 ص16.

[2] ديوان عبيد بن الأبرص، تحقيق الدكتور حسين نصار، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1957، ص78.

[3] أبو العباس المبرد: الكامل في اللغة والأدب، القاهرة، دار الفكر العربي 1997م، ج1 ص192.

[4] عبدالرحمن البرقوقي: الذخائر والعبقريات، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر، ج1 ص19.

[5] المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، دار الكتب العلمية، بيروت: لبنان 2003 م، ص537.

[6] يحيى بن علي التبريزي: شرح الحماسة، بيروت: دار القلم، ص317.

[7] شرح الحماسة؛ للمرزوقي ص 539.

[8] ابن قتيبة الدِّينوري: الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث 1423هـ، ج2 ص630.

[9] شرح الحماسة؛ للمرزوقي ص1010.

[10] جمال الدين بن منظور: لسان العرب، دار صادر: بيروت، باب الدال فصل الجيم، ج3 ص122.

[11] ابن قتيبة الدينوري: عيون الأخبار، بيروت: دار الكتب العلمية 1418، ج33 ص99.

[12] ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت: دار الكتب العلمية 1415هـ، ج6 ص246.

[13] جار الله الزمخشري: ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، بيروت: مؤسسة الأعلمي 1412، ج4 ص272.

[14] شرح حماسة أبي تمام؛ للأعلم الشنتمري، بيروت: دار الفكر المعاصر 1992، ج2 ص1225.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التحذير من عقوق الوالدين
  • عقوق الوالدين
  • عقوق الوالدين (خطبة)
  • الوالدان بين البر والعقوق
  • أسبوعان في الشارقة ودبي وأبو ظبي
  • خطبة: عقوق الوالدين

مختارات من الشبكة

  • تحذير المسلمين من خطورة عقوق الوالدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين عقوق الأولاد وعقوق الآباء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضابط عقوق الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وجوب بر الوالدين والتحذير من عقوق الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقوق الوالدين (الحلقة السادس)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث عبدالله بن عمرو: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقوق الوالدين سبب لعدم التوفيق في الدنيا(استشارة - الاستشارات)
  • عقوق الوالدين(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • تحريم عقوق الوالدين(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • إياكم وعقوق الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب