• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    لا تؤجل التوبة (بطاقة دعوية)
    د. منال محمد أبو العزائم
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: الدرس الثاني
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    الإبداع في القرآن الكريم: أنواعه، مجالاته، آثاره ...
    عبدالله محمد الفلاحي
  •  
    صفة الحج: برنامج عملي لمريد الحج وفق السنة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    سبعون أدبا في الصحبة والسفر والعلم (PDF)
    د. عدنان بن سليمان الجابري
  •  
    شرح كتاب: فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة ...
    عيسى بن سالم بن سدحان العازمي
  •  
    كفى بالموت واعظا
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أحكام المخابز (PDF)
    أبو جعفر عبدالغني
  •  
    "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله ...
    محمد السيد محمد
  •  
    صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن السعدي رحمه ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الأساس في أصول الفقه (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / كتب / كتب السيرة والتاريخ والتراجم
علامة باركود

دار العلوم.. رائعة علي مبارك (WORD)

دار العلوم.. رائعة علي مبارك Word
أ. د. حامد طاهر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/2/2012 ميلادي - 18/3/1433 هجري

الزيارات: 26769

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دار العلوم والبداية الحضاريَّة:

كان إنشاء دار الكتب المصريَّة (الكتبخانة الخديويَّة) سنة 1871 حدثًا عِلميًّا وثقافيًّا مهمًّا في حَياة مصر، ويرجعُ الفضل في استِحداث الفكرة وتنفيذها إلى علي مبارك (1823 - 1893) الذي رأى أنَّ الكتب - ومُعظَمها مخطوطاتٌ في ذلك الوقت - مُعرَّضة للكثير من أعمال السَّطو والتَّلف نتيجةَ عدم مُبالاة المصريين بقِيمتها الحقيقيَّة، أو تفريطهم فيها.

 

وقد وقَع الاختيارُ على سراي (رقم 43 بشارع درب الجماميز - بورسعيد حاليًّا - شمال مسجد الأمير بشتاك المعروف فيما بعدُ بمسجد مصطفى فاضل باشا) لتكون مقرًّا للمكتبة؛ حيث يجري جمعُ الكتب فيها من شتَّى أنحاء البلاد، بالشِّراء أو بالإهداء، ويسمحُ للباحثين والقُرَّاء بالاطِّلاع عليها، تبعًا للنظام المُتَعارَف عليه في البلاد الأوربيَّة.

 

ومن الواضح أنَّ رُؤية علي مبارك - أثناء بعثته إلى فرنسا - للمكتبة الوطنيَّة في باريس هي التي دَفَعَتْه إلى محاكاتها بإنشاء دار الكتب في مصر، وهنا نسألُ: إلى أيِّ حَدٍّ وصَلتْ معرفة علي مبارك بنَشْأة ونظام المكتبة الوطنيَّة بباريس؟

 

هو نفسُه لا يُحدِّد ذلك في سِيرة حَياته التي كتَبَها بنفسه، ولكنَّنا عندما نعودُ إلى المُنشِئ الحقيقيِّ لدار الكتب الفرنسيَّة نجدُه هو جيوم بيديه [1] G.BUDE (ت 1540)، الذي اقترح على الملك فرانسوا الأوَّل فكرتين لَقِيَتَا منه كلَّ ترحيب، وتَمَّ تنفيذهما في عهده.

 

أمَّا الفكرة الأولى فكانت هي إنشاء مكتبة قوميَّة للبلاد، بدَأتْ أولاً في فونتان بلو، ثم انتقَلتْ بعد ذلك إلى باريس، وأصبحتْ هي المكتبة الوطنيَّة المعروفة اليوم.

 

وأمَّا الفكرة الثانية فهي إنشاء معهدٍ عِلمي لتدريس اللغات: اليونانيَّة، واللاتينيَّة والفرنسيَّة، أطلق عليه معهد اللغات الثلاث COLLEGE DE TROIS LANGUES والذي تحوَّل فيما بعدُ إلى الكوليج دي فرانس، الموجود حتى اليوم.

 

ويُوجَدُ هذا المعهد خلفَ جامعة السوربون بباريس، وهو عِبارةٌ عن مُؤسَّسة تعليميَّة وتثقيفيَّة يُحاضِرُ فيها أكبر وأشهر أساتذة الجامعات في فُروع المعرفة المختلفة، وينظم مُحاضَراتها جدولٌ سنويٌّ، يُعلنُ فيه عن أسماء المحاضرين، وموضوع المحاضرات، وأيَّام الأسبوع والساعات المخصَّصة لها، ويحضرها مَن شاء من طُلاب المعرفة والثقافة الرَّفيعة دُون قيدٍ أو تسجيل[2].

 

وممَّا يَلفِتُ النَّظَرَ ما نجدُه من تَشابُهٍ قَوِيٍّ بين هذا المعهد وعمَلِه، وبين ما استَحدَثه علي مبارك في مصر، على هامش دار الكتب؛ فقد خصَّص أحدَ قاعاتها المدرجة AMPHETHEATRE لتقومَ بدورٍ مُشابه تمامًا لما كان يجري في الكوليج دي فرانس، وأطلق على هذه القاعة اسم "دار العلوم"، وبدَأ العمل بها في يوم 6 مايو سنة 1871م.

 

ومن حُسن الحظِّ أنَّ لدينا جدولاً تفصيليًّا يُبيِّن موضوعَ المحاضرات، وأسماء المحاضرين، وزمَن المحاضرة، وفيما يَلِي بيانٌ مختصر بذلك:

علوم الأدب

الشيخ حسين المرصفي

ساعة ونصف

الأحد والأربعاء

علوم الفلك

إسماعيل باشا الفلكي

ساعة ونصف

الثلاثاء

علم الطبيعيات

منصور أفندي أحمد

ساعة ونصف

السبت

فن السكة الحديد

مسيو فيدال

ساعة ونصف

السبت والاثنين

فن الأبنية

فرانس باشا

ساعة ونصف

الأحد والثلاثاء

فن الآلات

جيجون بك

ساعة ونصف

الأربعاء

التاريخ العام

مسيو هنري بروكش

ساعة ونصف

الخميس

فقه أبي حنيفة

الشيخ عبدالرحمن البحراوي

ساعة ونصف

السبت والاثنين

تفسير وحديث

الشيخ أحمد المرصفي

ساعة ونصف

الثلاثاء والخميس

علوم الطبيعيات (مع شرح الآلات)

مسيو بكتيت

ساعة واحدة

الأربعاء

علم النباتات (مع استحضار النباتات)

أحمد بك ندا

ساعة واحدة

الخميس

 

ومَن تأمَّل هذا الجدول يُلاحظ أنَّ المحاضرين يُعَدُّون من كبار الأساتذة المصريِّين في ذلك الوقت، أمَّا الأجانب فكلُّهم فرنسيُّون، وكانوا يُلقون محاضراتهم باللغة الفرنسيَّة، ثم يقوم أحد المدرِّسين المصريِّين بالترجمة إلى اللغة العربيَّة.

 

وأمَّا الحاضرون فكانوا من "كِبار موظَّفي الحكومة، ومُوظَّفي نظارة المعارف ومُدرِّسيها، وطلبة المدارس العالية، وفريق من طلبة الأزهر"، وكان علي مبارك يحضرُها بنفسه، ربما لتَشجِيع المصريين آنَذاك على التزوُّد من فُروع المعرفة المختلفة، عن طريق هذا المعهد، ذي الطابع التثقيفي العام والمتخصِّص في نفس الوقت[3].

 

لكنَّ أهمَّ ما يُلاحظ على هذه الفكرة التي تَمَّ تنفيذُها، خلال عامٍ كاملٍ، هي محاولةُ الجمع بين عُلوم الأدب والدِّين (النظريَّة) وبين علوم الطبيعة والفلك والنبات (التجريبيَّة) في إطارٍ واحدٍ، بل إنَّ تقديم "فن السكة الحديد" - الذي يُشبِهُ فن الكمبيوتر في عصرنا الحاضر - يُعَدُّ علامةً أخرى على محاولة الجمْع بين علوم الحداثة والعلوم التقليديَّة.

 

ولا شَكَّ أنَّ فكرة دار العلوم في عُمومها وتَفصيلاتها كانت فكرةً جديدة تمامًا على المجتمع المصري، الذي مرَّت عليه قُرون مُتَعاقِبة، وهو لا يعرفُ سوى العلم اللغوي والدِّيني الذي كان يُدرس في مركز التعليم الوحيد لدَيْه، وهو الأزهر الشريف، بل إنَّ هذا العلم اللغوي والدِّيني لم يكنْ يستمدُّ مَصادره من فترة الازدهار الحقيقيَّة التي تمثَّلتْ في القُرون: الثالث والرابع والخامس الهجريَّة، وإنما حصر نفسه على فترة الضَّعف والتقليد التالية لذلك، وهي التي خَلا التصنيفُ فيها من الابتكار، وابتَعَدَ عن مُشكلات الواقع، مُنكفِئًا على شرح الألفاظ، وصِياغة المتون، ووَضْع المنظومات، ثم العُكوف على ذلك كُلِّه بالحِفظ والتَّبرير، بعيدًا تمامًا عن النَّقد والتَّقييم.

 

أراد علي مبارك بتَنفيذ هذه الفِكرة أنْ يضعَ أساسَ التقدُّم العِلمي الحقيقي، الذي لا ينهضُ بجناحٍ واحدٍ من جناحي العُلوم، كما أنَّه لا يستمرُّ دُون مُواجَهة الواقع الجديد بما ينشَأُ فيه من عُلومٍ، لكنَّنا إذا كُنَّا نلتقي في تُراثنا القديم بأمثال هذه الفكرة، وخاصَّة لدى الفارابي (ت 339 هـ) الذي وضَعَها بتفصيلٍ رائع في كتاب "إحصاء العلوم"، فإنَّ الفكرة لدى علي مبارك لا تقفُ عند حَدِّ العُثور عليها أو الإعلان عنها، وإنما تمتدُّ إلى تنفيذها، والإشراف على هذا التَّنفيذ حتى يتحقَّق لها الاستِقرار اللازم.

 

وهنا لا بُدَّ أنْ نتوقَّف للإشارة إلى نوعَيْن من المُصلِحين:

النوع الأوَّل: يعمَلُ في مُواجهة السُّلطة القائمة، محاولاً طرحَ أفكاره الإصلاحيَّة بالدعوة في نفس الوقت إلى تَقوِيضها.

 

والنوع الثاني: يعملُ من خِلال السُّلطة، وبما تُوفِّرُه له من أدواتٍ ووسائل، وإذا كان أمثالُ الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي من المُصلِحين المُناوِئين للسُّلطة، فإنَّ علي مبارك يعدُّ من أكبر المصلحين الذين استَطاعُوا من خِلال تَعاوُنهم مع السُّلطة القائمة تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي ما زالت آثارُه باقيةً في مصر حتى اليوم.

 

وهو من هذا الجانب يتشابَهُ إلى حَدٍّ كبير مع جيوم بيديه، الذي استطاعَ أنْ يُقنِعَ الملك فرانسوا الأوَّل بإنشاء المكتبة الوطنيَّة، والكوليج دي فرانس، وكلاهما من الأعمال الرائعة التي ما زالت قائمةً في فرنسا حتى اليوم.

 

تحوُّل دار العلوم إلى مدرسةٍ نظاميَّة:

زاد الإقبالُ فيما يبدو على محاضرات دار العُلوم المتنوِّعة والجديدة، وكان لِحُضور علي مُبارك شَخصيًّا، ومعه صَفوةُ المجتمع المثقَّف في عَصره، أثرٌ كبيرٌ في تأكيد أهميَّة هذه المحاضرات، وكان من بين المواظبين على الحضور عددٌ من طلبة الأزهر الذين أبدوا رغبةً شديدة في مُتابعتها؛ ممَّا دفع علي مُبارك إلى أنْ يُفكِّر في تحويل هذا المجمع العلمي إلى مدرسةٍ نظاميَّة، يتلقَّى فيها الطلاب مجموعةً محدَّدةً من العُلوم، تُؤهِّلهم للقِيام بمهمَّة التدريس فيما بعدُ.

 

وهكذا كانت فكرةُ دار العلوم كمجمعٍ علمي ممهِّدة لفِكرة دار العلوم كمدرسةٍ نظاميَّة، كان الأساتذة مَوجودين، وكانت الموادُّ التعليميَّة مُتَوافرة، ولم يبقَ إلا اختيار عددٍ من الطلاب لكي تبدأ المدرسة عمَلَها، واتَّجه علي مبارك إلى الأزهر، فطلَب من شيخ الأزهر ترشيحَ عشرةٍ من نُجَباء طلاب الأزهر يحضُرون بعض دُروس دار العلوم "العربيَّة والشَّريعة ويُربطُ لكلٍّ منهم خمس وعشرين قرشًا إعانةً لهم من ديوان الأوقاف، ولهم الحقُّ في حُضور الدُّروس الأخرى كالفلك والطبيعة، ويُنتَخب منهم المدرِّسون عند الحاجة"[4].

 

وفي مُكاتبةٍ لاحقةٍ إلى شيخ الأزهر يشيرُ علي مبارك إلى أنَّ الطلاب العَشرة المقترحين للانتِظام في دار العلوم، قد حضَر منهم اثنان إلى علي مبارك مباشرةً؛ ولذلك يرجو من شيخ الأزهر أنْ يُحدِّد له ثمانيةً فقط.

 

ولعلَّ هذا يدلُّ على أنَّ طُلاب الأزهر الذين حضَرُوا الدروس التثقيفيَّة العامَّة بدار العلوم هم الذين شجَّعوا علي مبارك لكي يُبادِرَ بإنشاء المدرسة النظاميَّة.

 

الأمر الملاحَظ هنا أنَّ علي مبارك قد لجأ إلى الأزهر - معقلِ الدراسات النظريَّة التقليديَّة - لكي يمدَّه بالطلاب الذين أراد أنْ يُكوِّن منهم طَلِيعةَ المدرِّسين العصريِّين في مصر، وسوف نجدُه يذهبُ في طمأنة الأزهر نفسه إلى حَدِّ الاستعانة ببعض أساتِذَتِه أنفُسِهم للمُشارَكة في التدريس لهؤلاء الطُّلاب بدار العلوم.

 

وكان من أوائل مَن قاموا بهذا العمل: الشيخ حسين المرصفي لدروس الأدب، واللغة، والشيخ أحمد المرصفي للتفسير، والشيخ عبدالرحمن الجيزاوي للفقه.

 

وعندما تهيَّأت لعلي مبارك الشُّروط اللازمة لبَدْءِ مشروع مدرسة دار العلوم، رفَع التماسًا إلى الخديو إسماعيل في 30 يوليه سنة 1872 جاء فيه: "وقد تلاحظ أنَّ المشتغِلين الآن بوظيفة التعليم في اللغة العربيَّة والتركيَّة ليس فيهم الكفاية بالنسبة لذلك، فإنْ وافق الحضرة العليَّة ينتخب قدر خمسين من نُجَباء الطَّلبة من سِنِّ العشرين إلى الثلاثين، يُؤخَذون بالامتحان ممَّن يَرغَبُون في ذلك، ويُوجَد فيهم الأهليَّة واللياقة، ويدرس لهم في دار العلوم المُلحَقة بالكتبخانة العامرة بما يلزمُ لتكميل مَعلوماتهم واستِعدادهم لأداء وظيفة التعليم وحُسن التربية على الوجه المطلوب والأسلوب المرغوب، ويحضرون جميعَ الدُّروس التي تُلقَى إليهم، فإنَّه بهذه الوساطة يمكن الاستحصال على ما فيه الكفاية من المعلِّمين للغة العربيَّة والتركيَّة، ويُؤخَذ منهم لجهات الاقتضاء على حسَب اللزوم، وبذلك يتقدَّم أمرُ العلم والمتعلمين"[5].

 

وقد أصدَرَ الخديو إسماعيل مَرسُومًا بالموافقة على تنفيذ فكرةِ علي مبارك بكلِّ تَفاصِيلها، وبدَأ العمل في مدرسة دار العلوم سنة 1872 مكونًا من 32 طالبًا، وخمسة مدرسين، منهم ثلاثةٌ من عُلَماء الأزهر، وقد استَمَرَّ عدد الطلبة أقل من خمسين حتى سنة 1882 حيث بلَغ 56 طالبًا، ونظَرًا لعدم وُجود خطَّة (منهج) مُوزَّعة على سَنوات دراسيَّة محدَّدة، فقد كان من الممكن أنْ يتخرَّج طلابها بعد عامٍ واحد، إذا حصَّلوا ما عليهم من موادَّ دراسيَّة، وكان أوَّل مَن تخرَّج فيها سنة 1873 الشيخ محمد عبدالرؤوف والشيخ إبراهيم السمالوطي، عُيِّنَ الأول بمدرسة بني سويف، والثاني بمدرسة المنيا[6].

 

فإذا رجَعْنا إلى مُذكِّرات علي مبارك نفسِه التي كتَبَها في أُخريات أيَّام حَياته، وجَدْناه يُخصِّص فقرةً كاملة للحديث عن فكرة دار العلوم، وسبب إنشائها، يقول: "وحيث كان من أهمِّ ما يلزم للمدارس الحصول على مُعلِّمين مُستعدِّين للقيام بسائر وظائف التعليم، أمعنت النظَر في هذا الأمر المهمِّ، واستحدثتُ مدرسة دار العلوم، بعد استِصدار الأمر بها، وجعَلتُها خاصَّة لعددٍ كافٍ من الطلبة، يُؤخَذون من الجامع الأزهر، ممَّن تلقَّوْا فيه بعض الكتب العربيَّة والفقه، بعد حِفظ القُرآن الشريف، ليتعلَّموا بهذه المدرسة بعضَ العلوم المفقودة من الأزهر من عربيَّةٍ وتفسيرٍ وحديث وفقه (على مذهب أبي حنيفة النعمان)، وجُعِل لهم مرتَّب شهري يستعينون به على الكسوة وغيرها من النَّفقات، ورُتِّبَ لهم طعام في النهار للغداء، وجُعِلَ الصرف عليهم من طرف الأوقاف، ورُتِّبَ لهم مَن لزم من المعلِّمين، من المشايخ العلماء وغيرهم؛ ليقوموا بأمر تعليمهم وتدريبهم، حتى يتمكَّنوا من هذه الفنون، فينتفعوا، ويجعل منهم مُعلِّمون في المكاتب الأهليَّة بالقاهرة وغيرها، لتعليم العربيَّة والخط ونحو ذلك.

 

فلمَّا أُشِيع هذا الأمرُ وأُعلن حضَر كثيرٌ من نجباء طلبة العلم بالأزهر يَطلُبون الانتظام في هذا السِّلك، فاختِيرَ منهم بالامتحان جماعةٌ على قدر المطلوب، وساروا في التحصيل، فحصلوا، وأثمر ذلك المسعى، وخرَج منهم مُعلِّمون في القاهرة وغيرها، وحصل النفعُ بهم، ولهم"[7].

 

ومرَّةً أخرى نجدُ أنفسنا أمامَ التأكيد على أنَّ روعة الفكرة لا تكمن فقط في مجرَّد العثور عليها، أو الإعلان عنها، ولكن أيضًا في العمل الدَّؤُوب على تحقيقها، وحُسن التأتِّي لذلك، كما نراه بوضوح لدى علي مبارك؛ فقد كان يهدف إلى "تحديث التعليم في مصر"، وللوصول إلى هذا الهدف كان عليه أنْ يُكوِّن المعلِّمين الذين يصلحون لأداء هذه المهمَّة، ولم يكن هناك سوى الأزهر، ذلك المعهد التقليدي المتمسِّك بما لديه من علوم، والرافض تمامًا لاستقبال أيِّ علوم جديدة؛ ولهذا كانت فكرة دار العلوم هي الحلَّ الأمثل للجمْع بين القديم والجديد، دون أنْ يضيع الوقت والجهد في الاشتباك مع أصحاب القديم، بل على العكس؛ لقد مَدَّ يدَه إليهم طالبًا العون، ومن العجيب حقًّا أنهم ساعَدُوه على ذلك، ما دام عمله بعيدًا عن معهَدِهم العتيق!

 

ولعلَّ هذا هو الأمر الذي لم يتنبَّه له تمامًا الشيخ محمد عبده (ت 1905) - على الرغم مُن مرور ربع قرن على إنشاء دار العلوم - في محاولته إصلاحَ الأزهر عن طريق تعديل بعض موادِّه التعليميَّة، وإدخال بعض العلوم الحديثة إليه كالحساب والجغرافيا، ونحنُ نعلم حدَّة المقاومة التي وُوجِهَ بها مشروعُه الإصلاحي في الأزهر، ومدى المرارة التي تُوفِّي وطعمُها في حَلقِه، من جرَّاء معركته التي خاضَها سُدًى في هذا الميدان[8].

 

محمد عبده ودار العلوم:

كان محمد عبده من أشدِّ المعجبين بفكرة دار العلوم التي استَحدَثَها ونفَّذَها علي مبارك، وقد شارَك في هيئة التدريس بها فترةً من حياته، وأسهَمَ في امتحاناتها بعض السَّنوات، كما صرَّح في أكثر من مناسبةٍ بأهميَّة دار العلوم في الحياة التعليميَّة والثقافيَّة في مصر.

 

فعندما تحدَّث عن جهود علي مبارك في مجال التربية والتعليم ذكَر أنَّه كان صاحبَ الفضل في إصدار القانون الذي يمنعُ ضرب التلاميذ، أو تربيتهم بالإهانة والقسوة، وجعل التلميذ مقرونًا بكرامة النَّفس التي هي قوام التربية الصحيحة.

 

كذلك فإنَّه (علي مبارك) هو صاحب الفضل في إنشاء مدرسة دار العلوم التي يقولُ محمد عبده عن تلامذتها إنهم: "يُؤخَذون من طُلاب العلم في الأزهر، فيضمُّون إلى العلوم الأزهريَّة جملةً صالحةً من العلوم الكونيَّة التي تقرأ في المدارس، وقد تخرَّج في هذه المدرسة كثيرٌ خدموا المعارف في مصر خدمةً نافعة، فمنهم مُعلِّمو العربية في جميع مدارس الحكومة، وبعض المدارس الأخرى، ومنهم المشتغِلون في المعارف بالتَّفتيش في المدارس والكتاتيب، وهم محافظون على زيِّهم المصري، زيِّ أهل العلم والدِّين، ولهذه المحافظة تأثيرٌ عظيم في التربية والتعليم"[9].

 

وفي تقريرِه الذي قدَّمَه إلى اللورد كرومر عن أحوال التعليم في مصر عَدَّ محمد عبده دارَ العلوم من بين سبعة مَراكز للتعليم في عهده، وهي: المدارس الأميريَّة، والمدارس الأجنبيَّة، والجامع الأزهر، والكتاتيب الأهليَّة، والمكاتب الرسميَّة الابتدائيَّة، والمدارس التجهيزيَّة، والعالية، ومدرسة دار العلوم.

 

وقد لاحَظ أنَّ مشكلة دار العلوم الأساسيَّة - حينئذٍ - هي في تولية إدارتها لبَعض الأشخاص غير الصَّالحين من الناحية الأخلاقيَّة، بالإضافة إلى جهْل بعض أساتذتها بالمقصود من إنشاء المدرسة، التي يرى محمد عبده أنها "تصلح أنْ تكون ينبوعًا للتَّهذيب النفسي والفِكري، والدِّيني والخلُقي، ويمكن أنْ ينتهي أمرُها إلى أنْ تحلَّ محلَّ الأزهر، وعند ذلك يتمُّ توحيد التربية في مصر"[10].

 

وفي نَصٍّ ثالث يُصرِّح محمد عبده بِمَكانة دار العلوم في نفسه؛ ممَّا يَدُلُّ على مَدَى تقديرِه لفِكرتها الرائعة، ونتائجها الملموسة في حَياة المجتمع المصري، يقول: "وإنِّي أنتهزُ هذه الفرصة[11] للتَّصرِيح بمكانة هذه المدرسة في نفسي، وما أعتَقِدُه من مَنزِلتها في البلاد المصريَّة، ومن اللغة العربيَّة.

 

إنَّ الناس لا يَزالون يَذكُرون اللغة العربيَّة وإهمال أهلها في تقويمها، ويُوجِّهون اللوم للحكومة لعدَم عِنايتها بأمرها، ولم أسمَعْهم قطُّ يُنصِفون هذه المدرسة (دار العلوم) ولا يذكرونها من حَسَنات الحكومة.

 

فإنَّ باحثًا مُدقِّقًا إذا أراد أنْ يعرف أين تموتُ اللغة العربيَّة وأين تحيا، وجَدَها تموت في كلِّ مكان، ووجدها تحيا في هذا المكان"[12].

 

مصطفى عبدالرازق ودار العلوم:

وإذا كانت دار العلوم - كما رأينا - موضعَ اهتِمامٍ وتقديرٍ من محمد عبده، فإنَّ الشيخ مصطفى عبدالرازق قد أَوْلاها هو الآخَر قدرًا كبيرًا من الاهتمام، بل إنَّه علَّق عليها من الآمال ما جعَلَه يدعو الحكومة إلى جَعْلِها "كلية الآداب العربية" على حين تصبحُ مدرسة القضاء الشرعي "كلية الحقوق الإسلامية"، وتلك إحدى أفكار الرجل العبقريَّة التي تميَّزَ بها خِلال مَسِيرته الفكريَّة الخصبة.

 

يقول مصطفى عبدالرازق: "إنَّ إنشاء هذه المدرسة (دار العلوم) كان لتحقيق أمنية من أماني الأمَّة، وهي الجمعُ بين ما في الطُّرق الأزهريَّة القديمة من دقَّة البحث وتقوية الملكات العلميَّة، وما في المدارس الحديثة من تنوُّع المعلومات ومُراعاة الانتِفاع بها في الحياة.

 

ولقد نعلمُ أنَّ مدرسة دار العلوم إذ أُنشِئت ووُضعت مَناهج التعليم فيها لم يُتَحرَّ بها الذهاب إلى وجهةٍ في العلم مُعيَّنة، فقد كانوا يُعلِّمون فيها كثيرًا من العلوم الدينيَّة، وكثيرًا من العلوم العربيَّة، ولم تكن العناية بالعلوم الرياضيَّة والطبيعيَّة فيها بأقل من العناية بتلك العلوم.

 

على أنَّ دار العلوم لم تلبَثْ أنْ تميَّزت في العلوم العربيَّة، وأصبَحَ لها فيها تفوُّق وأثرٌ جديدٌ، ظهَر التجديد فيما وضع على أنماطٍ حديثةٍ من كتب النحو والصرف والبلاغة، وما أُلِّفَ بعد ذلك من كتب الأدب، وظهَر لها تجديدٌ في أساليبنا الإنشائيَّة، وقد كانت إلى ذلك العهد محاطةً بالتَّكلُّف في المفردات بِمُراعاة الجِناس والطِّباق وأشباههما، وفي التَّركيب بتعمُّل السجع، وبقلَّة التَّنزُّه عن مبتذل الكلام، وعن الخطأ الشائع في استعمال الألفاظ وفي صِياغتها[13].

 

ويأسفُ مصطفى عبدالرازق لفترةٍ من الضَّعف تعرَّضت لها دار العلوم؛ بسبب سُوء إدارتها، كما أشار إلى ذلك من قبلُ محمد عبده، فيقول: "فترت عِناية القائمين على أمر تعليمنا بمدرسة دار العلوم فتورًا يُظهِرُ أنَّ ولاةَ الأمر أنفسهم شعروا به؛ فقد أشاعوا في العام الماضي (يقصد 1915) إشاعات كثيرةً عن إصلاحات مُنتَظرة لتلك المدرسة الحميدة الأثر، ولكنَّنا رُزِئنا في تلك الإشاعات أيضًا، فلم نعدْ نسمع إلاَّ أنَّ ناظرًا سيُحالُ إلى المعاش، ويُرشح مكانه مَن لا يقيمُ لسانه عجمةً أو استعجمًا"[14].

 

هو يرَى أنَّ الأزهر ومدرسةَ القضاء الشرعي جميعًا لم يُعوِّضَا في حياتنا العِلميَّة ما خسرَتْه بالضعف الطارئ على دار العلوم[15].

 

ويُقرِّر أنَّ مدرسة دار العلوم هي أحقُّ معهد علمي في مصر بأنْ يهمَّ المصريين شأنُه؛ وذلك بأنها كانت خيرَ مدرسةٍ حَفِظَ لها تاريخنا العلمي تذكارًا حَسَنًا، ولنا فيها آمالٌ عزيزة نرجو من ولاة الأمور أنْ يرعوها.

 

ويُطالب مصطفى عبدالرازق الحكومة صَراحةً بضرورة العِناية بدار العلوم لكي تجعل منها: كليَّة للآداب العربيَّة، تتوفَّر فيها وسائل درسها درسًا راقيًا، وتجعل مدرسة القضاء الشرعي: كليَّة قوانين إسلاميَّة ذات عناية خاصَّة بالفقه الإسلامي، أصوله وفروعه وتاريخه، وما يتَّصل بذلك من تشريعنا الحديث المقتبَس على وجهٍ ما من الشرع الإسلامي القديم، ثم نرجو من الأزهر أنْ يوجه فضلَ عنايته إلى ما وراء هذا وذاك من عُلوم الدِّين، وتاريخ المذاهب الدينيَّة، وفلسفة الدِّين في العقائد والأخلاق[16].

 

طه حسين ودار العلوم:

وفي المقابل من موقف التقدير والإعجاب بدار العلوم، الذي نجدُه عند كلٍّ من محمد عبده ومصطفى عبدالرزاق، فإنَّنا نلتقي لدى طه حسين بموقفٍ يقومُ على السُّخرية من دار العلوم، ثم يتطوَّر إلى عدم تقدير دورها الإصلاحي في مجال تعليم اللغة العربيَّة وآدابها، وإغفال دورِها في خِدمة الدِّين الإسلامي تمامًا، وينتهي أخيرًا بالمطالبة بإلغاء دار العلوم إلغاءً - على حدِّ تعبيره.

 

لكنَّنا ما نلبثُ أنْ نجدَ طه حسين نفسه يكتُب تقريرًا في سنة 1935 مُطالِبًا فيه بضَرورة انضِمام دار العلوم إلى جامعة القاهرة أسوةً بغيرها من المدارس العُليا التي ضمَّتْها الحكومة إلى الجامعة في نفس العام.

 

ولمتابعة موقف طه حسين من دار العلوم بالتفصيل لا بُدَّ أنْ نبدأ من كتابه "الأيام" وما ورَد فيه من حديثٍ أشبه بالمزاح البَرِيء مع ابن خالته، الذي كان حينئذٍ طالبًا بدار العلوم، يقول طه حسين: "ولم ينسَ الفتى يومًا خاصَم فيه ابن خالته الذي كان طالبًا بدار العلوم، ولَجَّ بينهما الخصامُ، فقال الدرعمي للأزهري: ما أنت والعلم! إنما أنت جاهلٌ لا تعرفُ إلا النحو والفقه، لم تسمعْ درسًا قَطُّ في تاريخ الفراعنة، أسَمِعتَ قطُّ اسمَ رمسيس وإخناتون؟! وبُهِتَ الفتى حين سمع هذين الاسمين، وحين سمع ذِكْرَ هذا النوع من التاريخ، واعتقد أنَّ الله قد كتَب عليه حياةً ضائعةً لا غِناء فيها...".

 

ثم ينقلب الحال فيحضر طه حسين بالجامعة المصريَّة، "وهو يعودُ إلى بيته ذلك المساء، وقد مَلأه الكبرُ والغُرور، ولا يَكاد يَلقَى ابن خالته حتى يرفع كتفَيْه ساخرًا منه، ومن دار عُلومه تلك التي كان يستَعلِي بها عليه، وهو يسأل ابن خالته: أتتعلَّمون اللغات السامية في دار العلوم؟ فإذا أجابَه بأنَّ هذه اللغات لا تدرس في المدرسة[17] أخذه التِّيه وذكر العبريَّة والسريانيَّة ثم ذكر الهيروغليفيَّة، وحاوَل أنْ يشرح لزَمِيله كيف كان المصريون القُدَماء يكتبون، ويصبح المغلوب غالبًا، والغالب مغلوبًا"[18].

 

وفي "الأيام" بعدَ ذلك عِدَّةُ إشاراتٍ إلى رفيقِه الدَّرعمي في البعثة الفرنسيَّة[19]، ولكنَّ هناك إشارةً واحدة إلى تحسُّر طه حسين على رغبةٍ سابقةٍ في الالتِحاق بدار العلوم؛ حتى تريحه من هموم الأزهر، ومُشكلات البعثة التي انتكست ذات مرَّة بسبب الحرب، يقول: "ولو قد التَمَسَ لنفسِه عملاً حين تخرَّج في دار العلوم، ولم يتكلَّف ما تكلَّف من السفر والغربة، لكان في ذلك الوقت مُعلِّمًا في هذه المدرسة أو تلك من مدارس الدولة!"[20].

 

أمَّا خلاصة هجوم طه حسين على دار العلوم فيتمثَّل في أنها لم تنجحْ في تجديد عُلوم اللغة العربيَّة، وإصلاحها والملاءمة بينها وبين حاجات الحياة الحديثة، وكلُّ ما فعلَتْه عبارةٌ عن اختصارٍ واختِزالٍ لعُلوم النحو والصرف والبلاغة تحوَّلت بالتَّدريج إلى متونٍ كمتون الأزهر، كما أنَّها لم تُحبِّب اللغة العربيَّة إلى نُفوس التلاميذ، وتُزيِّنها في قُلوبهم، فَضْلاً عن تقويتهم فيها، وتمكينهم من أنْ ينتجوا ما كان ينبغي أنْ ينتجوا من الآثار الأدبيَّة القيِّمة.

 

إنَّ المازني والعقاد وهيكلاً وأمثالهم قد فعَلُوا - كما يقول طه حسين - أفضل ممَّا فعلته دار العلوم بالنسبة للأدب العربي.

 

وهو يُرجِعُ سبب إخفاق دار العلوم في مهمَّتها إلى أنَّ نَشْأتها لم تكن طبيعيَّة، ولا مُتَمشِّية مع منطق الأشياء! فقد أعرضت عن تعمُّق عُلوم الأزهر، وعن تعمُّق علوم المدارس العامَّة، وأخَذتْ قُشورًا فقط من هذه وتلك، فأخرَجتْ في النهاية مُعلِّمين مُضطرِبين بين القديم والجديد، لا يستقرُّون في ناحيةٍ ولا في أخرى؛ لأنهم لم يتهيَّؤوا للاستِقرار في هذه الناحية أو تلك.

 

ثم يقول مُتهكِّمًا: "ولستُ أُخفِي عليك ولا على نفسي أني أرحَمُ الذين أخرجَتْهم دار العلوم، وأشفقُ عليهم أشدَّ الإشفاق؛ فهم ضَحايا هذا التطوُّر الحديث!"[21].

 

ويذهب طه حسين في كتابه الشهير "في الأدب الجاهلي" إلى أقصى دَرجات الهجوم، حين يُعلِنُ أنَّ أساتذة دار العلوم: "قد أفلسوا، وأنهم أقصر باعًا وأضيق ذِراعًا من أنْ ينهضوا للغة العربيَّة بحاجتها في بلدٍ كمصر".

 

ويستمرُّ قائلاً: "نعم أفلسوا، وأفلس معهم معهدُهم العِلمي الذي أُنشِئَ لضَرورةٍ، ويجب أنْ يزول بعد أنْ زالت هذه الضَّرورة، أفلسوا، ولا بُدَّ لوزارة المعارف - إنْ كانت تُقدِّر حاجةَ اللغة العربيَّة - من أن تلغي دار العلوم إلغاءً، وتعتمدَ على مدرسة المعلِّمين من ناحيةٍ، وعلى الجامعة (يقصد كليَّة الآداب فيها) من ناحيةٍ أخرى، فهذان المعهدان قادران على أنْ يُقدِّرَا حاجةَ اللغة العربيَّة ويرضيا هذه الحاجة"[22].

 

هذا هو مُلخَّص هجوم طه حسين على دار العلوم، الذي انتهى فيه إلى المطالبة بإلغائها، ولَسْنا هنا بصدد مُناقَشة رأيه هذا، الذي انفرد به من بين جميع مُعاصِريه[23]، ولكنَّنا ما نلبَثُ أنْ نجد له رأيًا آخَر، أكثرَ إدهاشًا، يُطالِبُ فيه بضرورة ضَمِّ دار العلوم إلى جامعة القاهرة "على أنْ تحتَفِظَ باسمها التاريخي المجيد، وعلى أنْ تكون في الجامعة المصريَّة: مدرسة اللغة العربيَّة واللغات الشرقيَّة، بمكانٍ يُشبِهُ مدرسة اللغات الشرقيَّة من جامعة لندرة (لندن)، وعلى أنْ تخضَعَ للنِّظام الجامعي شيئًا فشيئًا؛ حتى لا يضرَّ هذا التطوُّر أحدًا من طلابها وأساتذتها الحاليِّين"[24].

 

وفي موضعٍ آخَر يقولُ: "وقد كنتُ - وما زِلتُ - أعتقد أنَّ مدرسة دار العلوم يجبُ أنْ تكون أسرع المدارس العُليا إلى الدُّخول إلى الأسرة الجامعيَّة، وليس من شَكٍّ عندي، ولا عند أحدٍ فيما أظُنُّ، أنَّ مدرسة دار العلوم أحقُّ من مدرسة الزراعة والطب البيطري بالانضِمام إلى الجامعة"[25].

 

وسوف نلتَقِي لديه ببعض عِبارات الاستِحسان تحلُّ محلَّ الهجوم والسخرية، فهو يقولُ في تقريره الذي قدَّمَه لمدير جامعة القاهرة ليرفَعَه إلى وزير المعارف حينئذٍ (نجيب الهلالي بك سنة 1935): "وقد أُنشِئَتْ دار العلوم منذُ أكثر من قَرْنٍ، فكان إنشاؤها في نفسه تهضةً حسنةً، وفتحًا لباب التطوُّر، وآتَتْ هذه المدرسة آثارًا ملائمةً للعصر الذي أُنشِئَتْ فيه"[26].

 

وهكذا يبدو أنَّ موقف طه حسين من دار العلوم يشتملُ على مَرحلتين، وأنَّ المرحلة الثانية منهما تتميَّز بالاعتراف بدورها التاريخي، مع محاولةٍ للخروجِ بها من وضْعها الراهن حينئذٍ؛ لكي تُؤدِّي دورًا آخَر أكثر تمشِّيًا مع العصر، وانفِتاحًا على تطوُّراته.

 

أهم معالم التطوُّر في تاريخ دار العلوم[27]:

1872 - بدَأتْ دار العلوم دورَها التعليمي على هيئة مدرسة نظاميَّة، مُكوَّنة من 32 طالبًا، وخمسة مُدرِّسين، منهم ثلاثةٌ من الأزهر، وقد ظلَّت حتى عام 1875، تدرسُ فيها العلوم دون خطَّةٍ تُحدِّد سنوات الدراسة، ممَّا أدَّى إلى أنْ يتخرَّج منها بعض الطلاب بعد عامٍ واحدٍ.

 

1875 - طُبِعَ أوَّل منهج دِراسي لها، واشتملَتْ علومُها فيه على: التفسير، والفقه، والعلوم الأدبيَّة (نحو وصرف وعروض وتاريخ أدب ونصوص)، والتاريخ العام، والجغرافيا، والحساب، والهندسة، والكيمياء، والطبيعة، والخطوط.

 

1880 - اشتُرِطَ عدم توظيف خِرِّيجيها في المدارس إلا بعد تَلَقِّي دُروس، نظريَّة وعمليَّة في طُرُقِ التدريس.

 

1885 - تحوَّلت مدرسة الألسن إلى قلم الترجمة، وضُمَّ إلى دار العلوم، ومنذُ ذلك الحين أصبح تعلُّم إحدى اللغتين (الإنجليزيَّة والفرنسيَّة) مُتاحًا لطلاب دار العلوم حسَب رغبتهم.

 

1888 - رأى علي مبارك أنَّ دار العلوم قد حقَّقت أفضلَ النتائج في مجال التعليم والنهضة به، فاتَّجه إلى أن يُخرِّج منها رجالاً يصلحون لتَولِّي وظائف القضاء، والإفتاء، والنيابة بالمحاكم الشرعيَّة، وشكَّل لجنةً برئاسته لتعديل منهجها، ووضْع شُروطٍ جديدةٍ للقبول بها، ولكنَّ هذا المشروع لم ينجحْ بسبب تخوُّف الأزهريين من مُزاحمة خِرِّيجيها لهم "وسد سبل الارتزاق في وُجوههم، مع اتِّساع سبل العيش لمتخرِّجي دار العلوم" كما جاء في قَرار رفْض المشروع.

 

1895 - قرَّر مجلس النُّظَّار (الوزراء) زيادةَ عدد طُلاب مدرسة دار العلوم إلى مائة طالب؛ نظَرًا إلى شدَّة الحاجة إليهم، وفي نفس العام أيضًا، ونتيجةً لخِلاف ناظر المعارف مع ناظِر دار العلوم (إبراهيم مصطفى حينئذٍ)، غُيِّرَ اسمُها إلى (قسم المعلمين العربي) وانضمَّت إلى مدرسة الناصريَّة في مبنى مدرسة المبتديان (السنيَّة للبنات حاليًّا).

 

1900 - استقلَّت بمبناها السابق (41 ش المنيرة) وسميت (مدرسة المعلِّمين الناصريَّة)، ومع ذلك فقد ظَلَّ اسمُ دار العلوم هو المُتعارَف عليه بين الناس في إطلاقه عليها، حتى صدَر قَرارٌ في نفس العام بإعادة اسمها إليها - رسميًّا.

 

1902 - طلب المستشرق الإنجليزي د. براون، الأستاذ بجامعة كمبردج، ومستر لوريمار، وكيل مقاطعة البنجاب في الهند أنْ يَسمَحَ لهما بحضور دروس دار العلوم، فأَذِنَ لهما بصورةٍ استثنائيَّة، واستمرَّا فيها عامًا دِراسيًّا كاملاً.

 

وقد ترَك د. براون كلمة طيبة عنها، كما أنَّه رشَّح الشيخ حسن العدل من أساتذتها للتدريس بجامعة كمبردج[28].

 

1919 - لُوحِظَ بعضُ الضعفِ على المتقدِّمين إلى دار العلوم، فتَقرَّر إنشاء قسمٍ تجهيزي بالمدارس يُؤهِّل الطالبَ للالتحاق بدار العلوم فقط (وهو عبارةٌ عن القسم الأدبي بالمدارس الثانويَّة) مُضافًا إليه علوم الدِّين الإسلامي، والخط، وعلم الحياة، وعلم نظام الحكومات (النُّظم السياسيَّة)، وقد ظَلَّ الطُّلاب الحاصِلون على التجهيزيَّة يدخُلون دار العلوم بها في الفترة (1924 - 1935).

 

1924 - قام الأزهريُّون يُطالِبُون بإلغاء دار العلوم، وأنْ تكون وظائفُ تدريس اللغة العربيَّة مقصورةً عليهم وحدَهم، وكان حَلُّ الحكومة أنْ يسمح للحاصلين على الثانويَّة الأزهريَّة بالالتحاق بدار العلوم، بعد امتحان مسابقة، وبشرط أنْ يتمَّ تعديلُ نظام التعليم الثانوي بالأزهر؛ لكي يقتربَ من منهج التجهيزيَّة التي تُؤهِّل لدار العلوم، وبذلك أسهَمتْ دار العلوم - بطريقٍ غير مباشر - في تطوير التعليم بالأزهر نفسه.

 

1926 - قرَّر طُلاب دارِ العلوم تغييرَ زِيِّهم التقليدي (الجبَّة والقباء والعمامة) وارتداء زيِّهم الإفرنجي، وقد نجحوا في ذلك بعدَ الدُّخول في معركةٍ طريفةٍ مع كلٍّ من إدارة المدرسة والحكومة[29].

 

1927 - صدَر قَرارٌ وزاري بتَلقِيب طلبة وخِرِّيجي دار العلوم بلقب (أفندي)، بعد أنْ كانوا يُلقِّبون رسميًّا بلقب (شيخ).

 

1938 - تَمَّ إنشاءُ القِسم الداخلي (للمَعِيشة الكاملة) بدار العلوم، كما صدَر قرارٌ بتسمية ناظر دار العلوم عميدًا، وتكوين مجلس أساتذة إلى جانب المجلس الأعلى للدار.

 

1939 - تقرَّر تدريسُ اللغة الفارسيَّة إلى جانب اللغة العبريَّة التي كانت قد سبقَتْها بحوالي ربع قَرن، وصار الطلاب يُوزَّعون لدِراسة لغةٍ واحدة منهما تحت اسم (اللغات الشرقيَّة).

 

1944 - أُلغِي القسم الداخلي، ودخَل في منهج الدراسة علوم التربية، بالسَّنة الثالثة، ثم ما لبثت أنْ أُلغيت، كما تَمَّ إنشاءُ قسمٍ للخُطوط العربيَّة، وقسم آخَر (ليلي) لتدريس اللغات الأجنبيَّة لخرِّيجي دار العلوم، وفي هذا العام بلَغ مجموع المجلدات العربيَّة بمكتبة دار العلوم 14647 والأجنبية 2628.

 

1946 - صدَر قانون ضم دار العلوم إلى جامعة فؤاد الأوَّل، وتحويلها إلى كليَّة جامعيَّة تمنحُ درجة الليسانس (بدلاً من الدبلوم) بعد أنْ قضت 73 عامًا وهي تُؤدِّي رسالتها كمدرسةٍ عُليَا مستقلَّة.

 

1950 - صدرت لائحة جديدة خاصَّة بالدرجات العِلميَّة التي تمنحها الكليَّة، وهي:

• الليسانس في اللغة العربية وآدابها، والدراسات الإسلامية.

• الماجستير إمَّا في اللغة العربية وآدابها أو في الدراسات الإسلاميَّة.

• الدكتوراه إمَّا في اللغة العربية وآدابها أو في الدراسات الإسلاميَّة.

 

وذلك بعد أنِ استقرَّ توزيعُ المواد الدراسيَّة بها على الأقسام العلميَّة السبعة التالية:

1- قسم النحو والصرف والعَروض.

2- قسم علم اللغة والدِّراسات الشرقيَّة.

3- قسم تاريخ الأدب والنُّصوص.

4- قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن.

5- قسم الشريعة الإسلامية.

6- قسم الفلسفة الإسلامية.

7- قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية.

 

بالإضافة إلى اللغة الأجنبيَّة (ساعتين أسبوعيًّا) وهي: الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية.

 

وفي أوَّل يوليو من نفس العام، نُوقِشت أوَّل رسالة ماجستير في كلية دار العلوم للطالب (حينئذٍ) أحمد الحوفي، وكان موضوعها "الغزل في العصر الجاهلي"، وكانت رسالة الماجستير الثانية بعدها بيومين فقط للطالب (حينئذٍ) عبدالرزاق حميدة، وموضوعها "قصص الحيوان في الأدب العربي".

 

1951 - تقرَّر أنْ يُقبَل في دار العلوم الطلابُ الحاصلون على الثانويَّة العامة (القسم الأدبي) بالإضافة إلى ما يقرب من مائة طالب حاصلين على الثانويَّة الأزهريَّة.

 

1952 - تَمَّ قبول الطالبات بالكليَّة، وقد حضَرْنَ في البداية وحدهنَّ لفترةٍ (في المعهد العلمي الفرنسي المجاور للكليَّة)، ثم جلَسْن مع الطلاب بعد ذلك.

 

1991 - بلَغ عدد خِرِّيجي دار العلوم منذُ إنشائها 27965، وبمتابعة إحصائيَّة الطلاب الوافدين من البلاد العربيَّة والإسلاميَّة، والمسلمين في الصين ويوغسلافيا وألبانيا والاتحاد السوفيتي (سابقًا)، يتبيَّن أنَّ عدد هؤلاء يصلُ إلى 10 % من مجموع الخرِّيجين، وبلغت رسائل الماجستير التي نُوقِشت بدار العلوم 485، وعدد رسائل الدكتوراه 309.

 

1993 - بلَغ عدد طُلاب كليَّة دار العلوم ما يقرب من عشرة آلاف طالب وطالبة.

 

دار العلوم ودورها في النهضة:

يقول سعد اللبان، خِرِّيج دار العلوم، ووزير المعارف في بداية عهد الثورة: "لقد اضطلعت دار العلوم برسالتها العلميَّة والأدبيَّة في مُستهلِّ هذه النهضة، وحملت مهمَّة البعث والتجديد في تاريخ الأدب العربي؛ فبدأ رجالها بالتنقيب في ثنايا القديم وأطلاله، وجمعوا من كُشوفهم هنا وهناك مادَّةً شادوا منها صُروح هذا الجديد، فكان يُغرِيهم دائمًا بالاتِّجاه إلى الجديد، وكان التجديد والتطوير واضِحًا في كلِّ ما صاغُوه من ذلك القديم.. وهكذا كان البعث كامِنًا في رسالة دار العلوم"[30].

 

وفي رأيي أنَّ هذا تلخيصٌ جيِّد لدور دار العلوم فيما يتَّصل بالعلاقة بين القديم؛ وهو التراث العربي والإسلامي، وبين الحديث؛ وهو ما استَجَدَّ في عصر النهضة من فُنون ومتطلبات، ولكنَّ دار العلوم كان لها دورٌ آخَر، لا يقلُّ عن هذا الدور (الرأسي) خَطَرًا وأهميَّة، فقد كانت قناةً جيِّدةَ التوصيل، عبرتْ منها عناصر حقيقيَّة من الحضارة الغربيَّة الحديثة إلى مصر.

 

وعندما يُكتَب تاريخُ هذه الفترة بقدر كافٍ من الإنصاف، سوف يُذكَر اسمُ حسن توفيق العدل، الذي تخرَّج في دار العلوم سنة 1887، ثم سافَر إلى ألمانيا ليقوم بتدريس اللغة العربيَّة بالمدرسة الشرقيَّة ببرلين، وعندما عاد إلى مصر، قام بالتدريس في دار العلوم، وهو أوَّل من ألف باللغة العربيَّة في فن التربيَّة العلمي والعملي (له كتاب البيداجوجيا - في جُزأين) كما أنَّه أول من ألف في تاريخ آداب اللغة العربية.

 

وسوف يُذكر اسمُ محمد شريف سليم، الذي تخرَّج في دار العلوم سنة 1888، ثم سافر للدِّراسة بفرنسا، واشتغل بالتدريس عقب عودته في دار العلوم في الفترة (1885 - 1898)، وفي هذه المدَّة قام بتدريس التربية وعلم النفس، وهو أوَّل مَن وضَع كتابًا في "علم النفس" باللغة العربيَّة (لكنَّه لم يطبعْ إلا في سنة 1911).

 

وسوف يُذكَر اسم عبدالرحيم أحمد بك، الذي تخرَّج في دار العلوم سنة 1883، ومن بين أعماله العديدة: تأسيس لجنة تأليف الكتب العربية (مكونة من 31 عضوًا منهم 27 عضوًا من أبناء دار العلوم) قامَتْ بطبع ونشر عدَّة كتب مدرسيَّة، من أهمِّها كتاب "أطلس الجغرافيا"؛ للشيخ محمد فخر الدين بك، أوَّل مؤلَّف من نوعه بالعربيَّة، وكذلك كتاب في إمساك الدفاتر.

 

وسوف يُذكَر اسمُ محمد حسنين عبدالرازق، الذي تخرَّج في دار العلوم سنة 1909 وسافر للدراسة بإنجلترا، ثم عاد للتَّدريس بدار العلوم، واختارَه الملك فؤاد ليقوم بالتدريس لوَلِيِّ العهد حينئذٍ الملك فاروق، وله عدَّة مؤلَّفات في التربية وعِلم النفس وهو صاحب كتاب "علم المنطق الحديث" الذي يُعَدُّ أوَّل كتاب باللغة العربيَّة يجمعُ بين عِلم المنطق القديم الذي وضَعَه أرسطو، وبين علم المنطق الحديث الذي وضَع أصوله فرنسيس بيكون.

 

وسوف تتوالَى أمثالُ هذه اللبنات الأوَّلِيَّة للنهضة العلميَّة والحديثة في مجالات علم اللغة الحديث، والأدب المقارن، والفلسفة الإسلاميَّة، وعلم الاجتماع، وما زالت مكتبة كلية دار العلوم تحتوي على الطبعات الأولى من الكتب المؤلَّفة، أو المترجمة في هذه العلوم، التي وضَعَها أبناءُ دار العلوم باللغة العربيَّة لأوَّل مرَّة، فكانت مَثارًا لاهتمام المصريين؛ ممَّا دفعهم بعد ذلك إلى التخصُّص فيها، والعمل على نشرها.

 

بل إنَّ دور دار العلوم في تحديث كتبِ الفقه الإسلامي يكادُ يُمثِّل اللَّبِنَةَ الأولى في تطوير هذا العلم إلى النحو الذي أصبح عليه الآن، سواء في الأزهر، أو في أقسام الشريعة بكليَّات الحقوق، وسوف أتوقَّف قليلاً عند أحد أعلام هذا المجال (المغمورين حاليًّا) وهو محمد زيد الإبياني، الذي تخرَّج في دار العلوم سنة 1891.

 

"كانت كتب الشريعة الإسلاميَّة، التي تُدرس لطلاب الفقه الإسلامي في بداية أنْ قام الشيخ زيدٌ في مدرسة الحقوق هي الكتب المُتداوَلة في الأزهر وعلى الطريقة الأزهريَّة، غير أنَّه وُجدت في ذلك الوقت حركةٌ فكريَّة ترمي إلى التسهيل في تحصيل الأحكام الشرعيَّة الإسلاميَّة ووضعها وضعًا قانونيًّا على هيئة مَوادَّ، لعلَّها تكونُ يومًا ما القانون الشرعي الذي يجب أنْ يُعمَل به في مصر (وهو ما نُطلِقُ عليه تَقنِين الشريعة الإسلاميَّة).

 

ففكَّر محمد قدري باشا - رحمه الله تعالى - في وضْع ثلاثة كتب، على نظام الكتب القانونيَّة، وقد نفذ فكرتَه؛ فألَّف كتابًا في الأحوال الشخصيَّة، وثانيًا في أحكام القانون، سماه "قانون العدل والإنصاف"، وثالثًا في أحكام المعاملات الماليَّة، وبهذا كان قدري باشا أوَّل فاتح جديد في المؤلَّفات الفقهيَّة الإسلاميَّة بمصر، ورفع بعد ذلك العِبء الثقيل عن طلاب الأحكام الشرعيَّة.

 

وقد قام الأستاذ محمد زيد بك بتدريس الأحوال الشخصيَّة لطُلاب الحقوق من كتاب قدري باشا، وكان يكتب ما يعنُّ له من التعليقات عليه، حتى تكامَل عملُه، فوضع شرحًا وافيًا ممتعًا لكتاب قدري باشا في ثلاثة مجلدات، وطبع لأوَّل مرَّة سنة 1904، وقد تلقَّاه الناس بلهفةٍ شديدة وشوقٍ عظيم؛ إذ وجدوا فيه ضالَّتهم المنشودة.

 

وقد تُرجِم هذا الشرح إلى اللغة الفرنسيَّة، ونال صاحبُه من أجله وسام (اليجون دونير) من فرنسا.

 

وبهذا يُعتَبر الشيخ محمد زيد بك: الفاتح الثاني لذلك العصر الجديد على الشرع الإسلامي؛ إذ مهَّد الوصول إلى تحصيله من أيسر طريق، مع حُسن الترتيب والتقسيم، واستيفاء البحث، وسَلامة العبارة وسَلاستها"[31].

 

إنَّ الإسهام الحقيقي لدار العلوم لا يتمثَّل فقط في وضْع أساتذتها الأُوَلِ تلك اللَّبِنات الأساسيَّة في صَرْحِ العِلم الحديث بمصر، وإنما يبدأ من عمليَّة التعليم والتربية في المدارس الابتدائيَّة المنتشِرة في مراكز الوجهين القبلي والبحري، بالإضافة إلى مَدارس المدن المتوسِّطة والكبرى، ونحنُ نلتقي في هذا المجال بجيشٍ كاملٍ من الجنود المجهولين، الذين رقموا الصفحة الأولى في عقل مصر الحديثة.

 

وسوف أختارُ للدلالة على ذلك واحدًا فقط من بين هؤلاء الجنود المجهولين هو المرحوم فخر الدين محمد، الذي تخرَّج في دار العلوم سنة 1895، وعمل مدرسًا بالمحمديَّة، وانتهى بأنْ أصبح مساعد مفتش بالتعليم الأولي، وبالمصادفة كان هذا المدرس أستاذًا للعقَّاد، الذي كتب عنه فقرةً في مقالٍ بعنوان (أساتذتي) نُشِرَ بمجلة الهلال (أكتوبر 1948) يقول فيه: "استفدت في مرحلة التعليم الابتدائي من اثنين، على اختلافي بينهما في طريقة الإفادة؛ فإنَّ أحدَهما قد أفادني وهو قاصدٌ، والآخَر قد أفادني عن غير قصدٍ منه، فحمدت العاقبة في الحالين: كان أحدهما الأستاذ الفاضل مدرس اللغة العربيَّة والتاريخ، الشيخ فخر الدين محمد، وكان الإنشاء صِيَغًا محفوظة في ذلك الحين؛ كخطب المنابر وكتب الدواوين، ولكنَّه كان يُبغِضُ الصِّيَغَ المحفوظة، ويَنحَى بالسُّخرية والتَّقريع على التلميذ الذي يعتمدُ عليها، ويمنحُ أحسن الدرجات لصاحِب الموضوع المبتَكَر، وأقل الدَّرجات لصاحب الموضوع المقتبَس من نماذج الكتب، وإنْ كان هذا أبلغَ من ذاك وأفضل منه في لفظه ومَعناه.

 

وكان درسه في التاريخ درسًا في الوطنيَّة، فعرفنا تاريخ مصر، ونحن أحوَجُ ما نكون إلى شُعور الغيرة على الوطن، والاعتزاز بتاريخه؛ لأنَّ سُلطان الاحتلال الأجنبي كان قد بلَغ يومئذٍ غاية مَداه"[32].

 

وفي هذا النموذج البسيط تتجلَّى رُوح العمل الحقيقي الذي قام به أبناءُ دار العلوم؛ فقد جمعوا بين التربية والتعليم، واستَفادوا ممَّا وصَل إليهم من نظريَّات التعليم وعِلم النفس ما جعلهم يُطبِّقون ذلك على تلاميذ المدارس في مصر، وكانت تلك نقلة كبرى في هذا المجال، لم يكن يعرفها الشعب ولا عُلَماؤه حتى ذلك الحِين.

 

وفي الطرف المقابل من ذلك الجندي المجهول، نجدُ الشيخ طنطاوي جوهري، الذي تخرَّج في دار العلوم سنة 1893، وأصبح بعِلمه الواسع ومُؤلَّفاته أشهر شخصيَّة مصريَّة لدى الأجانب في أوروبا والمسلمين في آسيا، وقد تُرجِمت معظمُ مؤلفاته إلى اللغات الحيَّة، يقول عنه أحد تلامذته: "... أمَّا في الطرق العامَّة فإنَّه يلقى أحدَ تلاميذه الذين يتوسَّم فيهم حبَّ الاطِّلاع، والتحرُّق إلى عِلمه وفَلسفته، وما أسرع ما يتأبَّط ذراعه فيسأله عن حاله، وعن عِلمه، وعمَّا قرأ من كتبه، وعمَّا يرى الناسُ فيه، بُسَطاؤهم وعُلَماؤهم، ثم لا يكاد يفرغ من هذه الأسئلة العاديَّة الأوَّليَّة، حتى ترى نفسك سائرًا بجوار سقراط يحاورك ويُسائلك، ويستفهم ويندهش فيدهشك معه، ممَّا رأى وما يرى، من العالم وسكانه وعَجائبه ومدهشاته، فتراك قطعت طريقك، أو انتهى طريقُه، فيصعُب عليكما أنْ تفترقا، فيقف هنيهة، ثم يُودِّعك بمثْل ما قابلك، داعيًا لك، مسرورًا بما رأى في وجهك، وما سمع من قصير عباراتك، تاركًا رنين صوتِه في أذنك وآثار أفكاره في قلبك"[33].

 

وهكذا يتجاوَزُ دورُ دارِ العلوم - في مجال النهضة - مجرَّد نشر التعليم، إلى إشاعة رُوح التربية والتعليم، بما يشتملُ عليه من تقديم النموذج والقُدوة، وتوطيد العلاقة الحميمة بين الأستاذ والتلميذ، والخروج من أسْر المتون وجُدران المدارس، إلى استثارة العقل ومُعايَشة الطلاب في الواقع.

 

ولعلَّ هذه الرُّوح هي التي دفعت عددًا من أبناء دار العلوم إلى ميدان الإصلاح الاجتماعي، وفي مقدمتهم عبدالعزيز جاويش (خرِّيج سنة 1897) الذي أسَّس جماعة "المواساة الإسلامية" بعد جِهادٍ طويلٍ في الصحافة، والسياسة، وعندما أُسنِدت إليه وظيفةُ "مراقب التعليم الأوَّلي" وضَع الخطط لتعميم التعليم، ومُكافَحة الأميَّة، وظلَّ يعمل من أجل ذلك حتى تُوفِّي سنة 1929[34].

 

وحسن البَنَّا، الذي تخرَّج في دار العلوم سنة 1927، أسَّس جماعة "الإخوان المسلمين" في عام 1928 بالإسماعيليَّة، وهي الدعوة التي كانت تهدفُ إلى إحياء نظام الإسلام الاجتماعي وتطبيقه، والإسهام في الخِدمة الاجتماعيَّة الشعبيَّة، وكان لها نشاطٌ ملموسٌ في النواحي الدِّينيَّة، والاجتماعية والثقافية، وتجاوزت حُدود مصر إلى جميع أقطار العالم العربي، ثم امتَدَّت إلى الهند وباكستان، وتركيا، وأوروبا وأمريكا.

 

وفي مجال التعليم الجامعي، يبرز دور دار العلوم كعملٍ تأسيسي لا غنى عنه، فعندما قامت الجامعة الأهليَّة سنة 1908، وكانت مقصورةً على الدراسات الأدبيَّة والفلسفيَّة والقانونيَّة، كان لا بُدَّ لها من أساتذة ينهضون بتدريس الأدب العربي، والفلسفة الإسلاميَّة، والشريعة الإسلاميَّة، والتاريخ الإسلامي، وقد استعانت الجامعة بعددٍ من الأجانب، ولكنَّها ما لبثت أنِ استعانت بأساتذة دار العلوم للمشاركة في تدريس المواد العربيَّة والإسلاميَّة، التي يُحسِنون فِقهَها، ونقدَها، وتحليل نصوصها، والتمييز بين أساليبها.

 

وهكذا تمَّت الاستعانة في الجامعة الأهلية بكلِّ من: حفني ناصف، ومحمد المهدي، وأحمد ضيف للأدب العربي، وسلطان محمد للفلسفة والأخلاق الإسلامية، ومحمد الخضري للتاريخ الإسلامي، وغيرهم ممَّن كانوا دائمين أو زائرين، وقد ترَكُوا من الآثار العلميَّة ما كان عبارةً عن الخطوات الأولى في مَسِيرة الدِّراسات الجامعيَّة.

 

وعندما تحوَّلت الجامعة الأهليَّة إلى حُكوميَّة سنة 1925، وضمَّت لها كليَّة الحقوق، استعانَتْ هذه الكليَّة بعددٍ من أعلام دار العلوم في مجال الدراسات الشرعية، ومنهم أحمد أبو الفتح، ومحمد زين، وأحمد إبراهيم.

 

أمَّا كليَّة الآداب فقد استعانت بطائفةٍ من أساتذة دار العلوم - ومنهم مَن درس في أوروبا - للمُشارَكة في مرحلة بنائها، ومنهم إبراهيم مصطفى، وطه إبراهيم، وأحمد الشايب، وعبدالوهاب حمودة، ومصطفى السقا، بجامعة فؤاد الأول (القاهرة)، ومحمد خلف الله، وإبراهيم اللبان، وعبدالسلام هارون، في جامعة فاروق (الإسكندرية).

 

وهكذا نرى أنَّ دار العلوم قد أسهمت بدور رئيسٍ في تحديث التعليم، ليس فقط على مستوى المدارس الابتدائيَّة والثانويَّة، وإنما أيضًا على مستوى الجامعات المصريَّة، التي ما لبثت أساتذتها أن انتشروا لإنشاء الجامعات في أنحاء الوطن العربي، وفيها أيضًا قام أساتذة دار العلوم، والطلاب العرب الذين تخرَّجُوا فيها بدور رئيسٍ يتطلَّب بحثًا مستقلاًّ.

 

ومن ناحية أخرى فإنَّ الظروف الجديدة التي مرَّت بها حركة التعليم الجامعي في مصر كانت تَقضِي بأنْ يقوم الأساتذة بوضع المؤلَّفات المناسبة للطلاب الجامعيين على أساس المنهج العلمي الحديث، وهذا يعني أنْ يتمَّ اختيار موضوعات مُعيَّنة للدِّراسة، يجري عرضُها بلغةٍ تتَّسم بالدِّقَّة والوُضوح، وتُناقش في إطار عقلي ومنطقي مُناسب.. وقد قام أساتذة دار العلوم في هذا الصدد بدورٍ مهم، يكفي أنْ نشير هنا إلى بعض نَماذِجه:

في مجال النحو:

كتب إبراهيم مصطفى: "إحياء النحو".

وعباس حسن: "النحو الوافي".

وعلي النجدي: "تاريخ النحو".

وعبدالعليم إبراهيم: "النحو الوظيفي".

ومحمد عيد: "النحو المصفى"، و"أصول النحو العربي".

ومحمد حماسة عبداللطيف: "النحو والدلالة".

 

وفي مجال علم اللغة الحديث:

كتب إبراهيم أنيس: "الأصوات اللغوية"، و"دلالة الألفاظ"، و"من أسرار اللغة".

وتمام حسان: "مناهج البحث في اللغة"، و"اللغة العربية: معناها ومبناها".

وكمال بشر: "الأصوات العربية"، و"علم اللغة الاجتماعي".

وعبدالصبور شاهين: "القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث"، و"العربية لغة العلوم والتقنية".

وأحمد مختار عمر: "البحث اللغوي عند العرب"، و"دراسة الصوت اللغوي".

والسعيد بدوي: "مستويات العربية المعاصرة".

 

وفي مجال تاريخ الأدب:

كتب عمر الدسوقي: "في الأدب الحديث"، و"المسرحية".

وأحمد الحوفي: "الوطنية في شعر شوقي".

وعلي الجندي: "شعر الحرب في العصر الجاهلي".

وأحمد هيكل: "الأدب الأندلسي".

وعبدالحكيم بلبع: "النثر الفني وأثر الجاحظ فيه".

والطاهر مكي: "مصادر الأدب"، "وامرؤ القيس".

وحمدي السكوت: "سلسلة أعلام الأدب الحديث في مصر".

ومحمد فتوح أحمد: "الرمزية في الشعر العربي المعاصر".

وعبداللطيف عبدالحليم: "شعراء ما بعد الديوان".

 

وفي مجال البلاغة والنَّقد الأدبي:

كتب أحمد بدوي: "أصول النقد العربي عند العرب".

وحفني شرف: "البلاغة العربية بين النظرية والتطبيق".

وبدوي طبانة: "معجم البلاغة العربية".

ومحمد غنيمي هلال: "النقد الأدبي الحديث"، و"الأدب المقارن".

وعبدالحكيم حسان: "النظرية الرومانتيكية في الشعر".

ومحمود الربيعي: "في نقد الشعر".

وعلي عشري: "استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر".

 

وفي مجال الشريعة الإسلامية:

كتب علي حسب الله: "أصول التشريع الإسلامي".

ومصطفى زيد: "النسخ في القرآن الكريم".

ومحمد بلتاجي: "عمر بن الخطاب ومنهجه في التشريع".

ومحمد سراج: "النظام المالي في الفقه الإسلامي".

وأحمد يوسف: "الفقه الإسلامي".

ومحمد غنايم: "في التشريع الإسلامي".

وإسماعيل سالم: "البحث الفقهي".

وصلاح سلطان: "سلطة ولي الأمر".

 

وفي مجال الفلسفة الإسلامية:

كتب إبراهيم اللبان: "الفلسفة والمجتمع الإسلامي".

وأبو العلا العفيفي: "فلسفة محيي الدين بن عربي (بالإنجليزية)"، و"التصوف: الثورة الروحية في الإسلام".

وإبراهيم مدكور: "في الفلسفة الإسلامية: منهج وتطبيقه".

ومحمود قاسم: "نظرية المعرفة عند ابن رشد وتأويلها لدى توماس الأكويني"، بالإضافة إلى كتابه المهم: "المنطق الحديث ومناهج البحث".

ومحمد كمال جعفر: "التصوف: طريقًا وتجربة ومذهبًا".

وحسن شافعي: "المدخل إلى علم الكلام".

وحامد طاهر: "الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث".

 

وفي مجال التاريخ الإسلامي:

كتب محمد ضياء الدين الريس: "النظريات السياسية والإسلامية"، و"الخراج في الدولة الإسلاميَّة".

ومحمد حلمي أحمد: "الخلافة والدولة".

وأحمد شلبي: "موسوعة التاريخ الإسلامي"، و"موسوعة الحضارة الإسلامية".

وعلي حبيبة: "عصر الرسالة"، و"خلافة الراشدين"، و"المسلمون والصليبيون".


وإلى جانب وضع المؤلَّفات الحديثة في شتَّى المجالات العربيَّة والإسلاميَّة قام أساتذةُ دار العلوم وخِرِّيجوها بالإسهام الرئيسي في ميدانَيْن مُهمَّيْن هما: تحقيق التراث، والترجمة من اللغات الأجنبية.

 

أمَّا في ميدان تحقيق التراث: فقد كان لجهود أبناء دار العلوم أثرٌ واضحٌ في إصدار عددٍ كبيرٍ من أمَّهات التراث العربي والإسلامي إصدارًا عِلميًّا حديثًا، يعتمدُ على مُقابلة النُّسَخِ المخطوطة، وتخريج ما بها من نُقول، مع التعريف بأعلامها، وأماكنها، وشرح غامِضِها، ووضع الفهارس الكاشفة لها، ومن أهمِّ النماذج التي تمَّت في هذا الصدد:

تحقيق "مقدمة ابن خلدون" لعلي عبدالواحد وافي.

و"الحيوان"، و"البيان والتبين"، و"الرسائل"؛ للجاحظ، لعبدالسلام هارون.

و"ديوان طرفة بن العبد"؛ لعلي الجندي.

وكتاب "المحتسب"؛ لابن جني الذي حقَّقه علي النجدي.

و"طبقات الشافعية" الذي حققه كلٌّ من محمود الطناحي، وعبدالفتاح الحلو.

و"مناهج الأدلَّة"؛ لابن رشد الذي حقَّقه محمود قاسم.

و"فصوص الحكم"؛ لابن عربي الذي حقَّقه وشرحه أبو العلا عفيفي.

و"اللمع"؛ لابن جني الذي حقَّقه حسين شرف.

و"ديوان الشماخ"، و"اشتقاق الأسماء" اللذين حقَّقهما صلاح الدين الهادي.

و"غاية المرام في علم الكلام"؛ للآمدي الذي حقَّقه حسن الشافعي.

و"تفسير مقاتل بن سليمان"، الذي حقَّقَه عبدالله شحاتة...

 

ويمكن أنْ تطول هذه القائمة لو ذهبنا نتتبَّع ما قام به أبناء دار العلوم في ميدان تحقيق المخطوطات، ونكتفي بالإشارة إلى أنَّ عددًا من الأسماء التي تخصَّص أصحابُها في هذا الميدان قد حقَّقت سمعةً عالميَّة، وفي مقدمتهم: عبدالسلام هارون، وإبراهيم الأبياري.

 

وأمَّا في ميدان الترجمة: فإنَّ أبناء دار العلوم كانوا من أوائل مَن استشعر أهميَّة نقل العلم الغربي الحديث إلى مصر والعالم العربي، ونظرًا لتمكُّنهم في اللغة العربيَّة، ولحسن اختيارهم من اللغات الأجنبيَّة التي أجادوها، استطاعوا أنْ ينقلوا إلى اللغة العربيَّة عددًا من أهمِّ المؤلَّفات الغربيَّة؛ سواء في العلوم التي كانت تُعتَبر حديثة تمامًا على العالم العربي في ذلك الوقت، كالتربية وعلم النفس، أو الدراسات الحديثة التي كان المستشرقون يقومون بها حول الإسلام والمسلمين.

 

ومن أهمِّ النماذج في هذا الصدد:

كتاب "كيف يعمل العقل" الذي ترجمه محمد خلف الله أحمد.

و"الذوق الأدبي"؛ لبنيت، ترجمة علي الجندي.

و"التطور الخالق"؛ لبرجسون، و"قواعد المنهج في علم الاجتماع"؛ لدور كايم اللَّذَيْن ترجمهما محمود قاسم.

و"الفكر العربي ومكانه في التاريخ" ترجمة تمام حسان.

و"دور الكلمة في اللغة" ترجمة كمال بشر.

و"دستور الأخلاق في القرآن"؛ لدراز، ترجمة عبدالصبور شاهين.

و"أسس علم اللغة" ترجمة أحمد مختار.

و"ملحمة السيد" ترجمة الطاهر مكي.

و"بناء لغة الشعر" ترجمة أحمد درويش.

و"المنهج التجريبي: تاريخه ومستقبله" ترجمة حامد طاهر.

و"تاريخ التشريع الإسلامي" ترجمة محمد سراج.

و"تطوُّر الفكر الفلسفي في إيران"؛ لمحمد إقبال، ترجمة حسن الشافعي.

 

ومن الجدير بالملاحظة هنا أنَّ دورَ دارِ العلوم في حركة الترجمة يستحقُّ دِراسةً مستقلَّة، تُحصِي ما قام به أبناؤها من أعمالٍ، وتُبيِّن صحَّة اختيارهم لها، كما توضح طريقتَهم الخاصَّة في الترجمة، والجهد الذي بذَلُوه في تعريب المصطلحات الأجنبيَّة، ثم إلى أيِّ حدٍّ بلغ تأثيرهم في المترجمين الذين ساروا على خُطاهم.

 

لكنَّ التعليم الجامعي وما تطلَّبه من إعداد مادَّةٍ تعليميَّةٍ (مُؤلَّفة أو مُحقَّقة أو مُترجَمة) لم يكن هو مجال التأصيل الوحيد الذي قامَتْ به دار العلوم في مجال النهضة، فقد قدَّمت دار العلوم عددًا من كبار الأُدَباء والشُّعَراء الذين ازدهرت بهم الحياةُ الأدبيَّة في مصر الحديثة والمعاصِرة، ويكفي أنْ نذكُر من شُعَرائها في الجيل الماضي: علي الجارم، ومحمد عبدالمطلب، وعبدالله عفيفي، ومحمود غنيم، والعوضي الوكيل، وعلي الجندي، وطاهر أبو فاشا، ومحمود حسن إسماعيل، ومن شعراء الجيل التالي: هاشم الرفاعي، ومحمد الفيتوري، وأنس داود، وفاروق شوشة، وحامد طاهر، وعبداللطيف عبدالحليم، وفي مجال الرواية والقصَّة القصيرة تبرز أسماء محمد عبدالحليم عبدالله، وأبو المعاطي أبو النجا، ومحمود عوض عبدالعال، وحسن البنداري.

 

وفي مجال المجامع العلمية يظهر دور دار العلوم في واحد من أهمها على الإطلاق، وهو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الذي كان من بين رؤسائه: الدكتور إبراهيم مدكور (خريج دار العلوم سنة 1927)، وفي خِلال تاريخ هذا المجمع، ضَمَّ إلى عُضويَّته أكثر من ثلاثين عُضوًا من خِرِّيجي دار العلوم، وما زال الكثير منهم يعمَلُ بكفاءةٍ في مختلف لجانِه، التي تختصُّ بوضع المعاجم، وتطوير أساليب اللغة العربيَّة[35].

 

ومن حقِّنا الآن أنْ نتساءل: هل كان علي مبارك يتوقَّع لدار العلوم حين أنشَأَها أنْ تقوم بهذه الأدوار المتعدِّدة في مجال النهضة؟

 

الواقع أنَّ دار العلوم أشبه بكرة الثلج - على حسَب التعبير الغربي - التي تضخَّمت بالحركة، وزاد حجمُها ووزنها مع مُرور الزمن.

 

ولعلَّنا قد أوضَحْنا الآنَ - من خِلال إشارات سَريعة وخاطفة - حاجةَ هذا الدور أو الأدوار إلى دراسة تفصيليَّة لكي تضعَ دار العلوم في مَكانها الحقيقي، وتعيدَ لها أهليَّتها في إطار المجتمع المصري المعاصر، وفي هذا المجال تمتْ بعض الدِّراسات ولكنَّها قليلة جدًّا[36].

 

أمَّا إذا حاولنا أنْ نضع أيدينا على أهم عَوامِل نجاح دار العلوم في تأدية دورها عبر مَسِيرتها الماضية، أمكننا أنْ نتبيَّن ثلاثة عوامل رئيسة:

أولاً: المنهج الذي رُوعِي فيه أنْ يضمَّ العلوم اللغويَّة والأدبيَّة إلى جانب العلوم الإسلاميَّة، بالإضافة لبعض العلوم الحديثة كالتربية وعلم النفس، ويُلاحَظ أنَّ هذا المنهج يمتازُ بالتنوُّع والتكامُل في نفس الوقت.

 

ثانيًا: اختيار الطلاب من أفضل طلاب الأزهر عن طريق امتحان مسابقة يُراعَى فيها هيئةُ الطالب، وسلامةُ نُطقِه، وسعةُ أُفُقِه، بالإضافة طبعًا إلى معلوماته التي لم يكن ينقصها إلا قدرٌ من التصنيف، واللَّمسة العصريَّة التي تتميَّز بها دار العُلوم.

 

ثالثًا: اتِّباع سياسة حكيمة خاصَّة بالأساتذة تعملُ على إرسال مَبعُوثين من أبناء دار العلوم المتفوِّقين إلى جامعات أوروبا (إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا)؛ لكي يطَّلعوا على الثقافة الغربيَّة، ويتزوَّدوا بالمنهج العلمي الحديث، وبذلك كانت تتمُّ عمليَّة "تطعيم" فريدة من نوعها، بين ما هو موجودٌ في التُّراث العربي والإسلامي، وأحدَثِ النظريَّات القائمة في العالم الحديث والمعاصر، لدى أساتذةِ دار العلوم العائدين من البعثات الغربيَّة.

 

بهذه العناصر الثلاثة المتَّصلة بالمنهج والطلاب والأساتذة، نجحَتْ دار العلوم في أداء رِسالتها طوال القرن العِشرين، واستطاعت أنْ تُكوِّن لنفسها شخصيَّةً ذات معالم متميِّزة.

 

والسؤال الآن: هل ما زالت دار العلوم قادرةً على مُواصَلة مَسِيرتها بنفس الكَفاءة؟

الواقع أنها تسعَى بكلِّ طاقتها، ولكنَّ إمكانيَّاتها قليلة، والظُّروف التي تعملُ فيها صَعبة، فمَناهجها بحاجةٍ إلى تطوير، شأن كلِّ شيءٍ في الحياة، خاصَّةً وأنَّه قد مضى عليها الآن أكثر من ستين عامًا دون مساس، وطلابها بحاجةٍ إلى اختيارٍ دقيق، كما يتمُّ في أقسام اللغة الإنجليزيَّة أو الإسبانيَّة، بل كما اشترط ذلك علي مبارك نفسه، فإنَّ مدرس اللغة العربية ينبغي أنْ يَختار مهنته تلك بالتطوُّع، ولا ينبغي أنْ تُفرَض عليه بالتجنيد، أمَّا أساتذة دار العلوم فهم بحاجةٍ إلى مَزِيدٍ من الاتِّصال بالعالم الخارجي، وأقصدُ بالعالم الخارجي الأوساط العلميَّة والثقافيَّة في أوروبا وأمريكا، وفي مقدمتها الجامعات ومَراكز البحث، والمؤتمرات العلميَّة التي تعرضُ فيها أحدث ما توصَّل إليه الدارسون في مجال الدِّراسات العربيَّة والإسلاميَّة.

 

وتبقى في النهاية كلمةٌ مختصرة وهي: إنَّ دار العلوم ليست مجرَّد كليَّة جامعيَّة، تستقبل أفواجًا من الطلاب لتخرجهم بعد أربع سنوات إلى ميدان العمل، وإنما هي اتِّجاه واضحُ المعالم، ومن أهمِّ خَصائص هذا الاتجاه: التمسُّك بالتراث، بينما ينفلت الآخَرون تمامًا إلى الحداثة، والإفادة المتَّزِنة من التحديث دُون انغلاقٍ تام على تراث الماضي، وهكذا فإنها تمضي وسط الوادي كما يسيرُ نهر النيل.. بطيئا، ولكنَّه مُتجدِّد.

لتحميل المادة بصيغة pdf

[1] J.PLATTARD، G.BUDE ET LES ORIGINENES DE LHUMANISME FRANCAIS. PARIS 1923

[2] عندما كنت مبعوثًا في باريس (1974 - 1981) تردَّدت كثيرًا على مبنى الكوليج دي فرانس، وتابعت محاضراته التي كان يُلقِيها جاك بيرك (في علم الاجتماع) وأندريه ميكيل (في الأدب المقارن)، ويلاحظ أنَّ اختيار أساتذته يَجِيءُ من بين ألمعِ أساتذة الجامعات الفرنسيَّة، والتدريس فيه يُعَدُّ أرقى من التدريس في الجامعة نفسها.

وقد سبَق أنْ أشرتُ في مقدمة "ديوان حامد طاهر" القاهرة 1985 إلى تمثال شامبليون الذي يتوسَّط فناءَه وهو يضعُ قدَمَه على رأس فِرعون مصريٍّ، وطالبتُ بضَرورة رفْع هذا التمثال السيِّئ من هذا المكان الذي يؤمُّه عُلَماء العالم كلِّه، حين يزورون فرنسا.

[3] يقول د. أحمد عزت عبدالحكيم: "لعلَّ محاضرات دار العلوم شبيهةٌ بالجامعات الشعبيَّة التي يتَحدَّثون عن إنشائها في الوقت الحاضر"، هامش (1) ص 579، "تاريخ التعليم في مصر" ج 2، والواقع أنَّ الفكرة برَدِّها إلى مَثِيلتها في باريس أبعدُ ما تكونُ عن الجامعة الشعبيَّة بمعناها المُتداوَل عندنا الآن.

[4] انظر: الخطابات الرسمية في هذا العدد، ومرسوم إنشاء دار العلوم بتوقيع الخديو إسماعيل في كتاب: "تاريخ التعليم في مصر"؛ لأمين سامي باشا.

[5] السابق ص 26.

[6] انظر: "تقويم دار العلوم"؛ (العدد الماسي) للأستاذ محمد عبدالجواد، ص 1-18.

[7] انظر كتاب: "حياتي"؛ بقلم علي باشا مبارك، علق عليه عبدالرحيم يوسف الجمل ص45-46، مكتبة الآداب بالقاهرة 1989.

[8] انظر: "زعماء الإصلاح"؛ لأحمد أمين، الفصل الخاص بمحمد عبده.

[9] "الأعمال الكاملة لمحمد عبده" ج 3 ص 119، بعناية د. محمد عمارة، وانظر أيضًا كتابنا: "الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث" ص 195، 196، دار الثقافة العربية - القاهرة 1992.

[10] "الأعمال الكاملة لمحمد عبده" ج 3 ص 168، 169.

[11] عقب أداء امتِحانها سنة 1904، الذي كان يُجرَى علنيًّا، ويُشبِه مُناقشة الرَّسائل العلميَّة في جامعاتنا حاليًّا.

[12] انظر: "تاريخ التعليم في مصر"؛ لأمين سامي باشا، ص81، ونحن نقترحُ على إدارة الكليَّة أنْ تضع هذه العبارة التاريخيَّة على لوحةٍ تذكاريَّةٍ في مدخل الكليَّة.

[13] من مقال منشور بتاريخ 20 أكتوبر 1916 بعنوان "دار العلوم أيضًا"، انظر: "من آثار مصطفى عبدالرازق" ص 272.

[14] السابق ص 273.

[15] السابق ص 271.

[16] السابق، ص 274، 275.

[17] يُلاحظ أنَّ تدريس اللغة الفارسية بدَأ في دار العلوم ابتداءً من سنة 1949، وانضمَّت بذلك إلى اللغة العبريَّة التي سبقَتْها بربع قرنٍ تقريبًا.

[18] "الأيام" 3 / 87.

[19] "الأيام" ج3 ص 33، 34، ومن المعروف أنَّ هذا الدرعمي الذي لم يَذكُرِ اسمه مرَّةً واحدة هو أ. د. أحمد ضيف، خِرِّيجُ دار العلوم سنة 1909 الذي حصَل على الدكتوراه من فرنسا في الأدب، وعمل أستاذًا بكليَّة الآداب، ثم انتقل إلى وزارة المعارف، ومنها أخيرًا إلى دار العلوم حتى صار وكيلاً لها، وبعدَ إحالته إلى المعاش عُيِّنَ أستاذًا للأدب العربي في كليَّةٍ الآداب حتى وفاته سنة 1945 (انظر: "تقويم دار العلوم" - العدد الماسي، ص 164، 165).

[20] "الأيام" ج3 ص 87.

[21] "مستقبل الثقافة في مصر"، ص 378.

[22] "في الأدب الجاهلي"، ص 16، دار المعارف، ط 16، القاهرة 1989.

[23] من بين هؤلاء المعاصرين: الزيات، والرافعي، وهيكل، والمازني، والعقاد، وأذكر عندما حصلنا - أنا ومجموعةٌ من زملائي - على الثانويَّة الأزهريَّة سنة 1963، ذهبنا إلى الأستاذ العقاد نستَرشِدُه في الالتحاق بأيِّ كليَّة، وكان معنا المحقِّق المرحوم السيد أحمد صقر، أشار علينا بدُخول دار العلوم، وأثنَى عليها ثناءً طيبًا، قائلاً: إنها المعهد الذي يجمعُ بالفعل بين القديم والجديد في توازُن معقول.

[24] "مستقبل الثقافة في مصر"، ص 393.

[25] السابق 385.

[26] السابق 387.

[27] قُمنا باختصار وترتيب هذه المعالم من تقويم دار العلوم (العدد الماسي) الذي وضَعَه الأستاذ محمد عبدالجواد، وأُعِيد طبعُه سنة 1990 بمناسبة العيد المئوي لدار العلوم.

[28] المصدر السابق، ص 36 - 40، وقد نشرت في "جريدة المؤيد" العدد 4129، بتاريخ 5 ديسمبر 1903.

[29] استقرَّ أمرُ الطلاب فيما بينهم على توفير الزي الإفرنجي لكلِّ واحد منهم، واتَّفقوا في يومٍ معلوم أنْ يذهَبُوا جميعهم إلى الكليَّة بهذا الزيِّ، ومزيدًا من الاحتياط فقد خصَّصوا من بينهم بعض الطلاب لِمُراقبة مَن تُسوِّل له نفسُه ارتداء الزيِّ القديم، وفُوجِئت إدارة المدرسة، فحاولت منعهم بالقوَّة، وتدخَّل جنود الشرطة، وكانت الحيلة في ارتداء الزيِّ التقليدي فوقَ الإفرنجي بمجرَّد الدُّخول فقط، وفي الداخل نزعوه، وظلُّوا بالزيِّ الإفرنجي؛ مما اضطرَّ إدارة المدرسة إلى المُوافَقة على مَطالب الطلاب، وكذلك الحكومة! وتُسمَّى هذه الحركة: معركة تغيير الزي.

[30] انظر: "تقويم دار العلوم" العدد الماسي ص ب، د، هـ، و، وهي عبارة عن تقديمة لتقويم دار العلوم.

[31] من مقال الشيخ أحمد إبراهيم بك عن زيد بك الإبياني، نشر في "صحيفة الجامعة المصرية"، عدد مايو 1936، وهو موجود بتقويم دار العلوم (العدد الماسي)  ص 262، 263.

[32] انظر: "تقويم دار العلوم"، العدد الماسي، ص 568.

[33] السابق، ص 193.

[34] كان لعبدالعزيز جاويش أَثَرٌ بالغ في حياة طه حسين وكتاباته الصحفيَّة، كما اعترف بذلك في "الأيام" جـ3، ص 20 - دار المعارف، ط سادسة 1982.

[35] انظر في هذا الصدد "المجمعيون في خمسين عامًا"؛ للدكتور مهدي علام، القاهرة 1986، و"مع الخالدين"؛ للدكتور إبراهيم مدكور، القاهرة 1981، و"التراث المعجمي"؛ للأستاذ إبراهيم الترزي، وهو عن مجمع اللغة العربية في عيده الخمسين (1934 - 1984).

[36] تُوجَد رسالةٌ جامعيَّة عن "شعراء دار العلوم"، وأخرى لباحثةٍ أمريكيَّة (بالإنجليزية) عن دور دار العلوم في الحياة السياسيَّة بمصر، والأولى موجودةٌ بمكتبة الرسائل بكلية دار العلوم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تناقضات الفصل الثاني من قصة "علي مبارك" المقررة على السادس الابتدائي
  • وهم التصحيح التربوي في طبعة 2015 / 2016م في الفصل الثاني من قصة علي مبارك

مختارات من الشبكة

  • دار العلوم.. رائعة علي مبارك (PDf)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: جار الدار أحق بالدار(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • يا دار يا دار (قصيدة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بعض صفات أجسام أهل الجنة دار الأبرار وأهل النار دار الأشرار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دار العجزة بديار الإسلام: البدائل والحلول(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حقيقة الدار الفانية دار الغرور(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • الدار الآخرة ( الجنة دار الأبرار ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب