• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سفر الأربعين في آداب حملة القرآن المبين (PDF)
    طاهر بن نجم الدين بن نصر المحسي
  •  
    الأساس في الفقه القديم والمعاصر (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    المسائل العقدية المتعلقة بإسلام النجاشي رحمه الله ...
    الدكتور سعد بن فلاح بن عبدالعزيز
  •  
    حديث في فقه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: دروس ...
    د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان
  •  
    تأملات في سورة الفاتحة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    لا تؤجل التوبة (بطاقة دعوية)
    د. منال محمد أبو العزائم
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: الدرس الثاني
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    الإبداع في القرآن الكريم: أنواعه، مجالاته، آثاره ...
    عبدالله محمد الفلاحي
  •  
    صفة الحج: برنامج عملي لمريد الحج وفق السنة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    سبعون أدبا في الصحبة والسفر والعلم (PDF)
    د. عدنان بن سليمان الجابري
  •  
    شرح كتاب: فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة ...
    عيسى بن سالم بن سدحان العازمي
  •  
    كفى بالموت واعظا
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / كتب / كتب الأدب واللغة
علامة باركود

لفظا الردم والسد في القرآن والحديث: فقه دلالتهما وسياق استعمالهما (WORD)

د. خليل محمد أيوب

عدد الصفحات:22
عدد المجلدات:1

تاريخ الإضافة: 19/5/2015 ميلادي - 30/7/1436 هجري

الزيارات: 88953

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحميل ملف الكتاب

لفظا الرَّدْمِ والسَّدِّ في القرآنِ والحديثِ

فقهُ دلالتِهما وسياقُ استعمالِهما


 

ملخّصُ الدّراسة:

تتناولُ هذه الدّراسةُ بالتّحقيقِ والتّدقيق موضوعَ توظيفِ القرآن والحديث لفظيّ الرّدمِ والسّدّ، وما وراءَ هذا التّوظيفِ من أسرارٍ ونكات، وذلك بالسّؤال عمّا بين اللّفظين من أوجه التقاءٍ وافتراقٍ في الدِّلالة وفي التّعبير.

 

وقد مهّدتُ للدّراسة بتوطئةٍ تكلّمتُ فيها على التّرادف لغةً واصطلاحًا؛ وذلك لِمَا بين الموضوع المدروس وقضيةِ التّرادف من اتصالٍ وثيقٍ وحبلٍ غليظٍ؛ إذ كلا اللّفظين الرّدمِ والسّدِّ يدلّ على المعنى نفسه، وولجت بعد ذلك إلى قلبِ الموضوع، أستقري مواضعَ ورودِ اللّفظين في كتابِ الله والحديثِ النّبويّ، ثمّ استقريتُ ما قالتْه كتبُ اللّغةِ والتّفسير وشروحِ الحديث؛ وذلك لفحصِ قولِها والحكمِ عليه، وبعدَ أن تمّ لي تحقيقِ العلاقةِ بين هذين اللّفظين وتمحيصِها جعلتُ أنظرُ بمنظار التّحليل البيانيِّ في استعمال القرآن والحديث لهما مُلاحِظًا سِباقَهما ولِحَاقَهما والغرضَ المرادَ منهما، وأنهيتُ كلّ ذلك بخاتمةٍ أودعتُها خلاصةَ ما انتهيتُ إليه من نتائجَ وكشوفٍ.

 

 

أولاً: توطئة:

شغلتْ قضيةُ التّرادف أو الفروق الدّلاليّة بين الألفاظ في اللغة أهلَ العلم قديمًا وحديثًا، واختلفوا في ذلك الموضوع على رأيين: فمن قائلٍ بوجود هذه الفروق، ومن نافٍ لذلك الوجود[1]، وكتبوا في ذلك عشرات الكتب والرّسائل والبحوث عدا ما تفرّق في كتب التّفسير وغيرِها من كلامٍ على ما بين الألفاظ من فروقٍ.

 

وليس من غايتي في هذه الدّراسة أن أعرِض لذلك الخلاف وأدلّتِه، وما كتب حولَ موضوعه قديمًا وحديثًا؛ إذ ذلك أُشْبِعَ بحثًا، وقُتِل تمحيصًا، وإنّما الذي أقصد إليه النّظرُ في استعمال القرآن والحديث لفظين يتصلان بذلك الموضوع اتّصالًا شديدًا، وهذان اللّفظان هما: الرّدم والسّدّ.

 

والسُّؤال الذي سأتصدّى له في هذه الدِّراسة، وأعمل على الإجابة عنه هو: أثمّة فرقٌ بين لفظي الرَّدم والسَّدِّ في استعمال القرآن والحديث أم أنّه ما من فرقٍ؟ وإذا كان ثمّةَ فرقٌ فما يمكنُ أن يكون؟

ولكن يحسن قبل أن أدلف إلى موضوع السُّؤال أن أوطِّئ بتوطئةٍ أعرِّف فيه بالتّرادف لغةً واصطلاحًا.

 

ثانياً- التّرادف لغةً واصطلاحًا:

1- التّرادف لغةً:

التّرادف لغةً: ((مَا تَبِعَ الشيءَ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَبِع شَيْئًا فَهُوَ رِدْفُه، وَإِذَا تَتابع شَيْءٌ خَلْفَ شَيْءٍ فَهُوَ التَّرادُفُ، وَالْجَمْعُ الرُّدافَى... وَيُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ رُدَافَى أَي: بَعْضُهُمْ يَتْبَعُ بَعْضًا...والتَّرَادُفُ: التَّتَابُعُ... ورَدِفَ الرجلَ وأَرْدَفَه: رَكِبَ خَلْفَه، وارْتَدَفَه خَلْفَه عَلَى الدَّابَّةِ.))[2].

 

2- التّرادف اصطلاحًا:

التّرادف في الاصطلاح: ((ما كان معناه واحدًا وأسماؤه كثيرةً.))[3] فمن ذلك[4]:

المطر والغيث[5]، والزّوج والمرأة[6]، والقذف والرّمي[7]، وغيرُ ذلك. وإذا أنعمنا النّظر فيما سبق من كلامٍ نجد أنّ المعنى الاصطلاحي للتّرادف مجازٌ من المعنى اللغوي؛ فالكلمات في المعنى الاصطلاحي يتتابعن على المعنى الواحد كما يتتابع القوم إذا أتَوا رُدَافَى، والكلمات يركبنَ المعنى كما يركبُ الواحد خلْفَ الآخر ((كأنّ المعنى مركوبٌ واللفظين راكبان عليه، كالليث والأسد.))[8].

 

ثالثاً- الرّدم والسّدّ في القرآن الكريم والحديث النّبويّ:

ورد في القرآن الكريم لفظا الرّدم والسّدِّ في سورة الكهف، في قول الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا. قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ الكهف94،95. وورد لفظ السّد في سورة يس: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ يس9.

 

وفي الحديث النّبويّ ورد لفظا الرَّدم والسَّدِّ في ثلاثة أحاديثَ، ورد اللّفظ الأوّل في حديثين، أوّلُهما: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ. وَعَقَدَ وُهَيْبٌ بِيَدِهِ تِسْعِينَ.))[9] وثانيهما: عن زَيْنَبَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ. وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ.))[10].

 

وورد اللّفظ الثّاني في حديثٍ واحدٍ، فعن أبي هريرةَ، أنّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا. فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ، وَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَهُمْ إِلَى النَّاسِ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا، فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَسْتَثْنِي، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاهَ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ، فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ شَكَرًا مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ.))[11].

 

وواضحٌ أنَّ القرآن الكريم استعمل لفظ السّدّ في ثلاثة معانٍ تدور حول معنى الحجز بين الشّيئين:

الأوّل: الجبلان، وهو المراد من السّدّين في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ... ﴾ يقول الطّبري: ((والسَّد والسُّد جميعًا: الحاجز بين الشيئين، وهما ها هنا - فيما ذُكِر- جبلان سُدَّ ما بينهما، فردمَ ذو القرنين حاجزًا بين يأجوجَ ومأجوجَ، ومن وراءَهم، ليقطعَ مادَّ غوائلِهم وعَيْثِهم عنهم.))[12].

الثّاني: سدُّ ذي القرنين.

الثّالث: الحاجزُ يُضْرَبُ أمام العين فلا ترى بسببه شيئًا، وقد جاء به القرآن للتّمثيل لِمن عَمِيَ عن الحقّ. يقول الطَّبري: ((وعنى...أنّه زيَّنَ لهم سوءُ أعمالهم فهم يَعْمَهُونَ، ولا يبصِرون رُشْدًا، ولا يَتَنبَّهون حقًّا.))[13].

 

وأمّا الرّدم في القرآن فلم يستعمل إلّا في الدّلالة على سدّ ذي القرنين، وهي الدّلالة التي دار حولها لفظا الرّدم والسّدّ في الأحاديث النّبويّة.

 

وكلُّ ما سبق يعني أنّ خمسة مواضعَ من سبعةٍ في القرآن والحديث جاء فيها الرّدمُ والسّدُّ بمعنى ردْم ذي القرنين. وذلك حالٌ يدفع الباحث دفعًا إلى القول بالتّرادف، ولكن هل الأمر كذلك؟ وهل لنا أن نستعمل لفظ الرّدم بدلًا من السّدّ في آية يس؟ أو أن نستعمل الرّدم مثنى بدلًا من السّدّين في آية الكهف؟ وحتّى نجيب عن هذه الأسئلة، ونحقِّق فيما بين اللفظين من علاقةٍ يحسن بنا ابتداءً أن نستعرض أقوالَ علماءِ اللغة والتّفسير وشُرَّاح الأحاديث في هذين اللّفظينِ:

1- أقوالُ علماءِ اللغةِ:

إذا تتبّعنا أقوالَ علماءِ اللغة في الكلام على لفظي الرّدم والسّد فإنّا نجدها تذهب ثلاثة مذاهبَ: فهي إمّا ترادف بينَ اللّفظين، وإمّا ترجّح التّرادفَ، وإمّا تعرضُ فرقًا، لكنّها لا تقطع بوجوده.

 

والذين قالوا بالتّرادف كانوا أكثر عددًا، فإلى ذلك ذهب الخليلُ بْنُ أحمد[14] وابنُ دريد[15] والأزهري[16] والصاحبُ بْنُ عبّادٍ[17]والجوهري[18] وابن فارسٍ[19] والرازي[20]، يقول الخليلُ رحمه الله في العين: ((رَدَمتُ الثُّلْمةَ والبابَ أردِمُ رَدْمًا أي: سَدَدْتُه، والاسم الرَّدْم، وجمعُه رُدُوم، وثوبٌ مُرَدَّم ومُلَدَّم إذا رقِّع، وقال عنترةُ:

هل غادَرَ الشُّعَراءُ من مُتَرَدَّمِ...

 

أي: مُرَقَّعٌ مُستَصْلَحٌ. والرَّدْمُ: سَدُّ ما بيننا وبينَ يأجوجَ ومَأْجُوجَ...))[21] ورجّح ابنُ سيده القولَ بالتّرادف؛ إذ ضعّف القولَ بأنّ الرّدم أكثرُ من السّد وأمنعُ، مستعمِلًا لذلك فعلَ القول مبنيًّا للمجهول، يقول رحمه الله: ((رَدَمَ البَابَ والثُّلْمَةَ ونَحْوَهُما يَرْدِمُهما رَدْمًا: سَدَّهُ. وقِيلَ: الرَّدْمُ أكثُر من السّدّ؛ لأنّ الرَّدْمَ: ما جُعِلَ بعضُه على بَعْضٍ، والاسمُ الرَّدْمُ، وجمعُه رُدُومٌ. والرَّدْمُ: السّدّ الذي بَيْنَنا وبَيْنَ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ...))[22] وكرّر ابن منظور هذا الذي ذكره ابن سيده في اللِّسان بنصّه [23].

 

وعرض الفيروزآبادي في القاموس ثلاثةَ معانٍ للرّدم عطفَ بعضها على بعضٍ بحرف العطف أو الدّالّ على التخيّير، قال رحمه الله: ((رَدَمَ البابَ والثُّلْمَةَ يَرْدِمُهُ سَدَّهُ كُلَّهُ، أو ثُلُثَه، أو هو أكثَرُ من السّدّ...))[24] فدلّ بهذا الحرف على عدم ترجُّح معنى على معنى أو القطعِ لمعنى دون آخر، وتابع القاموسَ على ذلك المرتضى الزّبيدي في تاج العروس.[25] ولكن يُلاحَظ على صنيع القاموس ومتابعِه تفرّدُهما من بين سائر المعاجم بذكر كلمة (الثّلث)، وهو قول لم يذكُرا له شاهدًا، وينقضه معنى الإغلاق المُطْبِقِ الذي تدلّ عليه لفظة الرّدم.

 

2- أقوال المفسّرين وشرّاح الحديث:

فإذا انتقلنا إلى كتب التّفسير التي عرضت للكلام على لفظي الرّدم والسّدّ وجدناها تذهب في ذلك الأمر مذهبين:

أوّلهما: أنّ الرّدم أمكنُ من السّد وأمنعُ، يقول الطّبري في تفسير قوله تعالى: ﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾: ((أجعل بينكم وبين يأجوجَ ومأجوجَ رَدْمًا. والرّدْم: حاجز الحائط والسّدّ، إلّا أنّه أمنعُ منه وأشدُّ، يقال منه: قد رَدَمَ فلانٌ موضع كذا يَردِمه رَدْمًا ورُدَاما، ويقال أيضًا: رَدَّم ثوبَه يردمه، وهو ثوبٌ مُرَدّم: إذا كان كثير الرّقَاع...))[26] واحتجّ الطّبري لهذا القول بما أخرجه محمّد بن سعد عن ابن عباس رضيَ الله تعالى عنهما أنّه قال: ((هو كأشدِّ الحجاب.))[27].

 

وقال بمثل هذا القول الزّجاج، إذ قال رحمه الله: ((والرّدمُ في اللغة أكثرُ مِنَ السّدِّ، لأنَّ الردمَ ما جُعِلَ بعضُه على بعْضٍ. يقال: ثوبٌ مُرَدَّمٌ، إذا كان قد رُقِعَ رُقعة فوق رُقعَة.))[28] وتابع الطّبريَّ والزجّاجَ على هذا القولِ الزّمخشريُّ[29] وابنُ عطيّة[30] والرّازي[31] والبيضاوي[32] وبرهانُ الدّين البقاعي[33] والألوسي[34].

 

ووَفْقَ هذا التّفريق الذي قال به كلّ أولئك النّفرِ الكريمِ يكون ذو القرنين قد وعدَ القومَ ((بالإسعاف بمرامهم فوقَ ما يرجونه، وهو اللّائقُ بشأن الملوك.))[35].

 

ثانيًا: تضعيف القول الأوّل بقولهم: وقيل. والميلُ إلى القول بأنّهما بمعنى واحد كما عند القرطبي، يقول رحمه الله: ((وقوله تعالى: ﴿ عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ أي: ردْمًا. والرّدمُ: ما جُعِل بعضُه على بعضٍ حتّى يتّصلَ. وثوبٌ مُرَدَّم أي مرَقَّعٌ. قاله الهروي. يقال: رَدَمْتُ الثُّلْمَة أردِمُها رَدْمًا، أي سدّدتُها. والرّدم ... هو السّدّ. وقيل: الرّدم أبلغ من السّدّ؛ إذ السّدّ كلّ ما يُسَدّ به، والرّدمُ وضعُ الشّيء على الشّيء من حجارةٍ أو ترابٍ أو نحوِه حتّى يقوم من ذلك حجابٌ منيعٌ، ومنه ردّمَ ثوبَه إذا رقَعَه برِقَاعٍ متكاثفةٍ بعضُها فوق بعضٍ.))[36] وبمثل ذلك قال صاحب البحر المحيط: ((السّدّ: الحاجزُ والحائل بين الشيئين. ويقال بالضّم وبالفتح. الرّدم: السّدّ. وقيل: الرّدم أكبر من السّدّ لأنّ الرّدم ما جُعِلَ بعضُه على بعضٍ...))[37].

 

وأمّا كتب شروح الحديث التي وقفت عليها فلم تعرض للفرق بين لفظي الرّدم والسّدّ، واكتفت بالمرادفة بينهما نحو قول العينيّ: ((من رَدْم يأجوجَ ومأجوجَ. الرّدمُ: السّدّ الذي بيننا وبينهم.))[38] أو كقول الطّيبي: ((ردَمْت الثُّلمَةَ رَدْمًا إذا سددتها. والاسم والمصدر فيه سواءٌ.))[39].

 

ومن العرضِ السّابق لأقوال اللّغويين والمفسرين وشرّاح الأحاديثِ يتّضح لنا أمران:

1- اختلافُ العلماء في النّظر إلى موضوع التّرادف وعدمِه بين لفظي الرّدم والسّدّ؛ فعُظْم علماء اللغة لم يفرّقوا بين اللفظين، ومن فرّق منهم إمّا رجّح التّرادف، وإمّا لم يقطع بوجوده، وأمّا شرّاح الحديث الذين وقفت على شروحهم فذهبوا إلى المرادفة بين اللّفظين، وذهب جُلُّ المفسّرين إلى القول بوجود فرقٍ بين اللَّفظين، وقلّة ضعّفت وجود ذلك الفرق.

 

2- إنّ الذين قالوا بالتّرادف اعتمدوا في قولهم على تناوب اللّفظين في الدِّلالة على مسمّى واحدٍ، وأمّا الذين قالوا بعدم التّرادف فاستنبطوا الفرق من طبيعة الرّدم وحقيقته.

 

ولا شكَّ أنّ اختلافَ العلماء على ذلك النّحو يجعلُ مسألةَ التّرادف وعدمه بين لفظي الرّدم والسّدّ معلّقةً، ويعيدُ المسألة جَذَعَةً، ويثيرُ السؤالَ الذي طرحْناه من قبلُ، ولكنْ بصيغةٍ أخرى، وهي: هل القول بالتّرادف هو الصّوابُ أو عدمُه؟ أو ما الرّاجحُ من القولين؟ وما المرجوح؟ وإذا كان الصّواب مع من قال بعدم التّرادف فهل ما ذكروه من فرقٍ صحيحٌ ودقيقٌ؟

وحتّى نجيب عن هذه الأسئلة إجابةً وافيةً، ونظفرَ بما تقنع به النّفس يجب أن نفحص أوّلًا ذلك الفرق الذي ذكروه. والذي يظهر لي من بعد التّدقيق في توظيف القرآن الكريم لهذين اللّفظين أنّ ما ذهب إليه القائلون من أنّ الرّدم أحكمُ من السّدّ وأمنعُ، متكِّئين في ذلك على أنّ الرّدم ما جُعِلَ بعضُه فوق بعضٍ، يردُّه أمران اثنانِ:

أوّلًا- استعمالُ القرآن لفظَ السّدّ في آية يس: في قول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ والسّدُّ في هذه الآية يدلّ على الغاية في قوّة الإغلاق والمنتهى في الإحكام، ولو لم يكن كذلك لمَا مثَّل به القرآن للدِّلالة على المراد من آية يس، ولآثرَ لفظَ الرّدم على السّدّ؛ إذ ذلك مقتضى البلاغة والفصاحة والبراعة.

 

يقول الزَّمخشري معلّقًا على التّمثيل في آية يس: ((مثّل تصميمهم على الكفر، وأنّه لا سبيلَ إلى ارتوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المُقْمَحِين: في أنّهم لا يلتفتون إلى الحقّ، ولا يَعْطِفُون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم له، وكالحاصلين بين سدّين لا يبصرون ما قدَّامهم، ولا ما خلفَهم في أن لا تأمّل لهم، ولا تبصُّرَ، وأنّهم متعامون عن النّظر في آيات الله.))[40].

 

ثانيًا- استعمالُ القرآن لفظ السّدّين مثنى السَّدِّ في آية الكهف مرادًا به الجبلين، والجبالُ حواجزُ ربّانيّةٌ طبيعيّةٌ هي المنتهى في الحجز والفصل والإغلاق.

ولكن هل عدمُ صحّة هذا الفرق معناه التّرادفُ بين لفظي الرّدم والسّدّ؟

والجوابُ عن ذلك: لا؛ فليس التّرادف بلازمٍ عن عدم صحّة الفرق، فقد يكون ثمّة فرقٌ بين اللّفظين، ولكنّه ثاوٍ في مطاوي الحروف، وبين معاني الكلمات ينتظر من يكشف عنه، ويهدي إليه.

 

وإذا كان الأمرُ على هذا النّحو فأيُّ فرقٍ يمكن أن يُكشف عنه، ويُهتدى إليه؟ والذي يظهر لي من بعد التّدقيق في معاني لفظي الرّدم والسّدّ أنّهما يلتقيان في معنى، ويفترقان في اثنين: يلتقيان في معنى الإغلاق وقوّته من غير تفاوتٍ ولا تفاضلٍ، يقرّر ذلك استعمال القرآن لفظِ السّدّ دالًّا على الغايةِ في الحجز، والمنتهى في الإغلاق في آيتي الكهف ويس، ويفترقان في معنيين اثنين:

أوّلًا: إنّ السّدّ أعمُّ من الرّدم، فلا يُطلق لفظُ الرّدم إلّا على ما جُعل بعضُه فوق بعضٍ، وأمّا السّدّ فيُطلقُ على الرّدم، وعلى ما ليس بردمٍ، وذلك حين يكون السّدُّ طبقةً واحدةً، وليس طبقاتٍ بعضُها فوقَ بعضٍ. وبذلك يمكننا أن نقول: إنَّ كلَّ ردمٍ سدٌ، وليس كلُّ سدٍّ ردمًا.

 

ثانيًا: إنَّ لفظ السّدّ حين يُطلقُ ينصرفُ الذّهن إلى معنى إغلاق المفتوح إغلاقا تامًّا كاملًا، لكنْ من غيرِ التّفكيرِ في الطّريق الموصلة إلى ذلك؛ إذ السّدّ ((إِغلاق الخَلَل،ِ ورَدْمُ الثَّلْمِ. سَدَّه يَسُدُّه سَدًّا، فانسدّ واستدّ.))[41] وأمّا الرّدمُ فينصرفُ الذهنُ إلى معنى إحكام الإغلاق: كيف يكونُ؟ وممَّ يكونُ؟ لأنّ الرّدم كما سبقَ ((ما جُعِلَ بعضُه على بعْضٍ.))[42].

 

فإذا رجعنا إلى التّوظيف القرآني والنّبوي لهذين اللفظين في قصّة يأجوجَ ومأجوجَ ننظر في سياقهما، ومع من استعملا – وقد تمّ لنا تحقيق القول فيما بينهما من فروقٍ- فإنّا نرى تواطؤًا واتفاقًا يقوّي ما كشفت عنه الدّراسة، يهدي إلى ذلك أنّ القرآن الكريم جاء مع ذي القرنين في آيتي الكهف بلفظ الرّدم لا السّدّ، وأنّه أعقبَ آية لفظ الرّدم بمعانٍ تدور حول طريقة البناء ومكوناته: ﴿ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ فذكر ما بُنيَ منه السّدّ: (زُبَرُ الحديد، النحاسُ المذابُ)، وذكر طريقة البناء: (المساواةُ بين الصّدفين، صهرُ الحديد بالنّار.) ولا تفسير لهذا التّوظيف والتّعقيب إلا أنَّ ذا القرنين كان مهمومًا في إحكام الإغلاق، ومستغرِقًا في الطّريقة التي تمَكِّن من ذلك، فانتهى إلى أنَّ الرّدم سيكون على طبقاتٍ، ويتشكّل من كذا وكذا، فكان من المناسب لكلّ ذلك إيثارُ الرّدم على السّدِّ.

 

وأمّا الذين سألوا ذا القرنين أن يمنع عنهم أذى يأجوجَ ومأجوجَ فعدل معهم القرآنُ عن لفظ الرّدم إلى لفظ السّدّ؛ وذلك أنّ فكرة الطّبقات، وكيف يكون البنيان؟ وممّ يكون؟ لم تكن تعنيهم في شيءٍ، ولا خطرت على بالهم، وإنّما الذي كان يعنيهم، وكانوا به مهتمّين أن يغلقوا الباب الذي يَلِجُ منه شرُّ يأجوجّ ومأجوج إغلاقًا تامًّا، فناسب هذه الحال أن يُعبّر بلفظ السّدّ، لا بلفظ الرّدم.

 

وهذا التّعليل الدلاليّ الذي فسّرنا به الاختلاف اللّفظيّ في آيتي الكهف يصلح كلّ الصّلاح لتفسير إيثار آية يس لفظَ السّدّ على لفظ الرّدم؛ وذلك أنّ الغرض من آية يس يتحقق بذكر لفظٍ يدلُّ على الحجز بين الشّيئين على نحْوٍ محكَمٍ متين، وهذا ما ينهض به لفظ السّدّ، وأمّا جعلُ الشّيء على الشَّيء -كما في الرَّدم- ومِمَّ يكون؟ فغير مرادٍ، ولا يحسنُ صرفُ الذَّهن إليه في مثل هذه الحال.

 

فإذا انتقلنا إلى التّوظيف النّبويِّ للفظي الرّدم والسّدّ لحظنا أنّ لفظ السّدّ جاء في سياق الإخبار عن عمل يأجوجَ ومأجوجَ المستمرِّ لفتح السَّدِّ، يقول النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: ((إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا. فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ ...)) ولحظنا أنّ الرّدم جاء في سياق الإخبار عن الشّر الذي اقترب من العرب. يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ.)) ويقول: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ.))

 

وتفسير ذلك الافتراق التّعبيري يجلّيه النّظر في سياق اللّفظين، والعرفان بما يقتضيه كلُّ سياقٍ، فإذا نظرنا في الحديث الأوّل وجدنا أنّه لم يكن ثمَّةَ شيءٌ يَشْغَلُ يأجوجَ ومأجوجَ غيرُ فتحِ المغلَق وهدم السّدِّ، فناسب هذه الحال أن يؤتى بلفظ السّدّ لِمَا في ذلك اللّفظ من دِلالةٍ على معنى إغلاق المفتوح إغلاقًا تامًّا كاملًا، وأمّا في الحديثين اللّذين جيء فيهما بلفظ الرّدم فكان النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَزِعًا ممّا نُقِبَ من ردْم يأجوجَ ومأجوجَ؛ إذ في ذلك النَّقْب - ولو كان يسيرًا- دِلالةٌ لا ريبَ فيها على اقتراب شرِّ أولئك القوم؛ وذلك أنّ الرّدم الذي بناه ذو القرنين كان آيةً في إحكام الإغلاق وإحسان البناء، ويستدعي نَقْبُه إلى الذّهن قصّة بنائه، وكيف كان ذو القرنين حريصًا على أن يصنعَه على نحوٍ يمنعُ إفسادَ يأجوجَ ومأجوجَ وأذاهم، فلذلك كان من المناسب التّعبيرُ بلفظ الرّدم، لا لفظ السّدِّ.

 

ولعلّه قدِ اتّضح ممّا سبق أنّ الاستعمال النّبويَّ للفظي الرّدم والسّدِّ جاء سائرًا على طريقة القرآن ومنهاجه، وأنّ كلا الاستعمالين يقرّر أنّ الفرقَ بين لفظيّ الرّدم والسّدّ ليس بكائنٍ في التّفاوت في معنيي الإغلاق والإحكام، وإنّما في المعنيين اللَّذين ذكرتُهما من قبلُ.

 

رابعًا: خاتمةٌ:

وبعدَ كلِّ ما قيل في العلاقة بين لفظي الرّدم والسّدّ، وموضوعِ استعمالِ القرآن والحديث لهما نخلصُ إلى ما يلي:

أوّلًا: أبرزتِ الدّراسةُ اختلافَ كلمة أهلِ العلمِ في شأن لفظي الرّدم والسّدّ، فلاحظتْ أنَّ علماء اللُّغة ذهبوا في الكلام على لفظي الرّدم والسّدِّ مذاهبَ ثلاثة: فهي إمّا ترادف بين اللَّفظين، وإمّا ترجّح التّرادف، وإمّا تعرِض فرقًا، لكنّها لا تقطع بوجوده، وذهب المفسّرون في الكلام على الرَّدم والسّدِّ مذهبين اثنين: أوّلهما: أنّ الرّدْم أمكنُ من السّدِّ وأمنعُ، وثانيهما: تضعيفُ القول الأوّل بقولهم: وقيل، والميلُ إلى القول بأنّهما بمعنى واحدٍ، وأمّا كتبُ شروح الحديث التي وقفتْ عليها الدّراسةُ فلم تعرِضْ للفرق بين لفظي الرّدم والسّدّ، واكتفت بالمرادفة بينهما.

 

ثانيًا: خلصتِ الدّراسةُ إلى أنّ لفظي الرّدم والسّدّ يلتقيان في معنى الإغلاق وقوّتِه من غير تفاوتٍ، واستندتْ في ذلك إلى استعمال آية الكهف الثّالثة والتّسعين، وآيةِ يس لفظَ السّدّ دالّاً على الغاية في إحكام الإغلاق.

 

ثالثًا: اكتشفتِ الدّراسةُ فرقينِ اثنين بين لفظي الرّدم والسّدِّ، وهذانِ الفرقانِ هما:

1- إنّ السَّدَّ أعمُّ من الرّدم، فلا يُطلقُ لفظُ الرّدم إلّا على ما جُعِلَ بعضُه فوقَ بعضٍ، وأمّا السَّدُّ فيُطلقُ على الرّدْم، وعلى ما ليس بردْمٍ، وذلك حين يكون السّدُّ طبقةً واحدةً. وبذلك يمكننا أن نقولَ: إنَّ كلّ ردْمٍ سدٌّ، وليس كلُّ سدٍّ ردْماً.


2- إنّ لفظ السّدّ حين يُطلقُ ينصرفُ الذّهن إلى معنى إغلاق المفتوح إغلاقًا تامًّا، لكنْ من غير التّفكير في الطّريق الموصلة إلى ذلك، وأمّا الرّدم فينصرفُ إلى معنى إحكام الإغلاق: كيف يكون؟ ومِمّ يكون؟


رابعًا: كشفَ التّحليلُ البيانيُّ لاستعمال القرآن والحديث لفظي الرّدم والسَّدِّ أنَّ إيثار أحد اللفظين على الآخر مرجعُه إلى ما يقتضيه كلُّ سياقٍ من معنى، وبيَّنَ أنَّ القرآنَ والحديثَ كانا ناظرَين في تعبيرِهما إلى الفرق الذي كشفتْ عنه الدِّراسةُ.

 

 

خامسًا- المصادر:

1- القرآن الكريم.

2- الإعجاز البياني للقرآن، ومسائل نافع بن الأزرق، د.عائشة عبد الرّحمن، دار المعارف، القاهرة، ط3، د ت.

3- أنوار التّنزيل وأسرار التّأويل، ناصر الدّين أبو سعيد البيضاوي، تح: محمّد عبد الرّحمن المرعشلي، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، ط1، 1418هـ.

4- البحر المحيط، أبو حيّان الأندلسي، محمّد بن يوسفَ، تح: صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت، 1420 هـ.

5- تاج العروس، مرتضى الزّبيدي، مجموعة من المحقّقين، سلسلة التّراث العربي، وزارة الإعلام، الكويت.

6- تحفة الأحوذي، أبو العلا المباركفوري، دار الكتب العلميّة، بيروت، دت.

7- التعريفات، عليّ بن محمّد الجرجاني، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1403هـ -1983م.

8- التّرادف في القرآن الكريم بين النّظرية والتّطبيق، محمّد نور الدّين المنجّد، دار الفكر، دمشق، ط1، 1417ه- 1997.

9- التّفسير الكبير، فخر الدين الرّازي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1401ه- 1981م.

10- تهذيب اللُّغة، أبو منصور الأزهري، تح: عبد السّلام هارون، وزملاؤه، الدّار المصريّة للتّأليف والتّرجمة، القاهرة، د ت.

11- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمّد بن جرير الطّبري، تح: الدّكتور عبد الله بن عبد المحسن التّركي بالتّعاون مع مركز البحوث والدّراسات الإسلامية بدار هجر، دار هجر، القاهرة ط1، 1422ه، 2001م.

12- الجامع الصّحيح، محمّد بن إسماعيل البخاري، تح: د. مصطفى البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3، 1987م.

13- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمّد بن أحمد القرطبي، تح: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصريّة، القاهرة، ط2، 1384هـ - 1964 م.

14- جمهرة اللغة، محمّد بن الحسن بن دريد، تح: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1987م

15- دلالة الألفاظ على المعاني عند الأصوليّين، د. محمود توفيق سعد، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 2009.

16- روح المعاني، محمود الألوسي، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، د ت.

17- سنن التّرمذي، محمد بن عيسى الترمذي، حكم على أحاديثه محمد ناصر الدّين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، د ت.

18- الصّحاح تاج اللُّغة وصحاح العربيّة، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، تح: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1407ه- 1987م.

19- صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج، تح: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التّراث العربي، بيروت، ط1، 1374هـ  1955م.

20- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدّين العيني، دار إحياء التّراث العربي، بيروت.

21- العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تح: د. مهدي المخزومي، إبراهيم السّامرائي، د ط، د ت.

22- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تصحيح محبّ الدّين الخطيب، وعليه تعليقات ابن باز، خرج أحاديثه محمّد فؤاد عبد الباقي، دار المعرفة، بيروت، 1379ه.

23- القاموس المحيط، مجد الدّين الفيروزآبادى، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرّسالة، إشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، مؤسسة الرّسالة، بيروت، ط8، 1426ه، 2005م.

24- الكاشف عن حقائق السّنن، شرف الدّين الطّيبي، نشر عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة، ط1، 1997م.

25- الكشّاف، جار الله محمود بن عمر الزّمخشري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1407ه.

26- لسان العرب، ابن منظور، تح: عبد الله الكبير، وزميلاه، دار المعارف، القاهرة، د ت.

27- المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطيّة الأندلسي، تح: عبد السّلام عبد الشّافي محمّد، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1422ه، 2001م.

28- المحيط في اللغة، الصّاحب بن عبّاد، تح: محمّد حسن آل ياسين، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1414هـ - 1994 م

29- مختار الصّحاح، محمّد بن أبي بكر الرّازي، تح: محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1415ه– 1995.

30- مسند أحمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تح: شعيب الأرناؤوط، وآخرون، مؤسّسة الرّسالة، ط1، 2001 م.

31- المطر والغيث في القرآن والحديث، دراسةٌ بلاغيّة أسلوبيّة، خليل محمد أيوب، مجلّة كليّة الشريعة بجامعة عثمان غازي في تركيا، العدد الثاني، سنة 2015.

32- معاني القرآن وإعرابه، أبو إسحاق الزّجاج، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1408هـ - 1988 م

33- المعجم الاشتقاقيّ المؤصِّل لألفاظ القرآن الكريم، الدكتور محمّد حسن جبل، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 2011م.

34- مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تح: عبد السّلام هارون، دار الفكر، 1399هـ - 1979م.

35- من مظاهر الافتراق الأسلوبيّ بين القرآن والحديث، مستوى الألفاظ أنموذجًا، مجلّة مجمع اللغة العربية بدمشق، الجزء الثّالث، المجلّد السّابع والثّمانون، 2014م.

36- نظم الدّرر في تناسب الآيات والسّور، برهان الدّين البقاعي، المكتب الإسلامي، القاهرة، د ط، د ت.



[1] انظر كتاب التّرادف في القرآن الكريم بين النّظرية والتّطبيق، محمّد نور الدّين المنجّد، ص36- 78، وانظر كذلك كتاب دِلالة الألفاظ على المعاني عند الأصوليّين، الدّكتور محمود توفيق سعد، ص537-562.

[2] لسان العرب، ج3، ص1625، مادة (ردف)

[3] التّعريفات، الجرجاني، ص199.

[4] وهذه الألفاظ التي أسوقها كأمثلةٍ على التّرادف لا ترادفَ بينها على التّحقيق؛ إذ لكلّ واحدٍ منها معنى يميّزه من أخيه، ولكنّ القائلين بالتّرادف لا يرون فرقًا بين هذه الألفاظ؛ ولذا سأحيل على بعض الكتب والبحوث التي عرضتْ لِمَا بينها من فروق.

[5] انظر المطر والغيث في القرآن والحديث، دراسةٌ بلاغيّة أسلوبيّة، الدّكتور خليل محمّد أيّوب، مجلّة كلّيّة الشّريعة بجامعة عثمان غازي، العدد الثّاني، سنة 2015.

[6] انظر الإعجاز البيانيّ للقرآن، الدّكتورة عائشة عبد الرّحمن، ص229- 231. وانظر معجم الفروق الدّلالية في القرآن، الدكتور محمّد داود، ص278- 280.

[7] انظر من مظاهر الافتراق الأسلوبيّ بين القرآن والحديث، مستوى الألفاظ أنموذجًا، الدّكتور خليل محمد أيوب، مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بدمشق، مج87 ، ج3، ص 783- 789. سنة 2014م.

[8] التّعريفات، الجرجاني، ص199.

• البخاري، 3169، مسلم،2881.[9]

• البخاري،3168، مسلم،2880.[10]

• مسند أحمد،10632، التّرمذي، 3153.[11]

[12] جامع البيان، الطّبري، ج15، ص386.

[13] جامع البيان، الطّبري، ج19،ص405.

[14] العين، الخليل، ج8، ص36.

[15] جمهرة اللغة، ابن دريد، ج2، ص639.

[16] تهذيب اللغة، الأزهري، ج14، ص117.

[17] المحيط في اللغة، الصّاحب بن عبّاد، ج9، ص304.

[18] الصّحاح، الجوهري، ج5، ص1930.

[19] مقاييس اللغة، ابن فارس، ج2، ص504.

[20] مختار الصحاح، أبو بكر الرازي، ص267.

[21] العين، الخليل بن أحمد، ج8، ص36.

[22] المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده، ج9، ص326.

[23] انظر لسان العرب، ابن منظور، ج3، ص1627، 1628. مادّة (ردم).

[24] القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص1112. مادّة (ردم)

[25] انظر تاج العروس، الزبيدي، ج32، ص242. مادّة(ردم)

[26] جامع البيان، الطّبري، ج15، ص403، 404.

[27] المصدر السابق، ج15، ص404.

[28] معاني القرآن وإعرابه، أبو إسحاق الزّجّاج، ج3، ص311.

[29] انظر الكشّاف، الزّمخشري، ج2، ص747.

[30] انظر المحرر الوجيز، ابن عطيّة، ج3، ص542.

[31] انظر مفاتيح الغيب، الرّازي، ج21، ص172.

[32] انظر أنوار التّنزيل، البيضاوي، ج3، ص293.

[33] انظر نظم الدّرر، البقاعي، ج12، ص136.

[34] انظر روح المعاني، الألوسي، ج16، ص40.

[35] المصدر السابق، ج16، ص40.

[36] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج11، ص59.

[37] البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ج7، ص218.

[38] عمدة القاري، العيني، ج24، ص 181، وانظر: فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ج1، ص131. تحفة الأحوذي، المباركفوري، ج6، ص 352

• الكاشف عن حقائق السّنن، الطّيبي، ج11، ص3380.[39]

[40] الكشّاف، ج4، ص5.

[41] العين، ج8، ص236.

[42] معاني القرآن وإعرابه، ج3، ص311، لسان العرب،ج12، ص236.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أسد إلى أسد (أسد بن موسى وأسد بن الفرات)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لفظ الاتكاء ولفظ القعود(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المشترك لفظا(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • اللفظ العام .. من خصائص العربية في مدلولات ألفاظها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة فائدة في معنى لفظ الإسلام ولفظ الإيمان(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • منهج القرآن الكريم في تأصيل قاعدة سد الذرائع(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • سد الذريعة بحديث النهي عن شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خطبة المسجد الحرام 8/7/1432هـ - قاعدة سد الذرائع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قاعدة سد الذرائع عند الإمام الشافعي وتطبيقاتها الفقهية (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- شكر
خالد - مصر 29-10-2022 12:45 AM

ماشاء الله جهد مبارك ومشكور

2- الفرق بين السد والردم
نبيه مبارك - مصر 04-02-2020 02:55 PM

عمل مشكور إذ أن البحث اللغوي لا يشفي غليل بينما استطاع د. خليل استنباط الفرق من خلال الوظيفة وطريقة الإنشاء.

1- تعقيب على ( حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ)
صادق - اليمن 21-10-2016 07:50 PM

بارك الله اجتهادك يادكتور خليل ، من خلال تفسيرك أن الفرق في الإحكام والإغلاق فقط ، ومن خلال شرحك فهمت أن الردم يستخدم في إغلاق الشئ من جميع الجهات، وأن الردم يكون إغلاق مسطح وليس عموديا كالسد، وأن فعل كلمه السد تستخدم في نتيجة عمل الردم والسد ، ومن خلال ذكرك للحديث تبين لي أنه تم حجزهم من جميع الجهات فهم لا يرون شعاع الشمس إلا إذا فتحوه فهذه دلالة على أنهم محجوزين إحجاز كامل من العالم الخارجي المحيط بهم فالسد يمكن الالتفاف من حوله وصعود الجبال ولكن من خلال الآيات والأحاديث أن الحاجز الوحيد بينهم وبين العالم الخارجي هوا الردم المصنوع من الفولاذ فلم يتم ذكر حتى مرة واحده انهم حاولو تسلق الجبال فهل يمكن ذلك وما رأيكم الكريم في قولي هذا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب