بشير العوف: حياته وشعره (1336 – 1415هـ)

ملخص الرسالة

بشير العوف

1336 - 1415

1917 - 1994

حياته وشعره

المقدمة:

بعد أن أنهيتُ دراستي الجامعيَّة لمرحلة البكالوريوس من قسم الأدب بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عقدتُ العزمَ على مواصلة دراساتي العليا، حتى إذا أنهيتُ السنةَ التمهيدية، لم أُطِل التفكيرَ في العصر الأدبي الذي أردته ليكون مجالاً لدراساتي العليا، وخاصة درجة الماجستير؛ حيث انصرف اهتمامي إلى العصر الحديث بعد أن حظيت العصور الأدبية الأخرى، منذ العصر الجاهلي إلى ما قبل هذا العصر الحديث، بكثير جدًّا من الدراسات والبحوث، وما تزال جهودُ كثير من الباحثين تَترى في الكشف عن كنوزها وذخائرها الثمينة، ومع أن كثيرًا جدًّا من تلك الكنوز والذخائر ما تزالُ بحاجة للبحث والكشف عنها، وما تزال تنتظرُ جهودَ الباحثين المخلصين لإخراجها إلى النور، بل إنني لا يُخَامرُني أدنى شك في أنها لا يمكن أن تنتهيَ يومًا ما، بل ستظلُ تلك الكنوزُ الثمينة تنتظر الباحثين المخلصين والجادِّين للكشف عنها، وأنها ستظل مجالاً خصيبًا للكثير من الدراسات والبحوث الآتية إن شاء الله.

أقول: مع كل ذلك، فقد انصرف اهتمامي، وتوجهَتْ رغبتي صَوب العصر الحديث؛ لقناعتي بأن أدبه ما يزال لم يَحظ بنصيبه المناسب، وحظِّه المعقول من الدرس والبحث، وأنه ما يزالُ بحاجة إلى كثير من الجهود الصادقة والمخلصة للكشف عن كنوزه وذخائرِه، وأنه لم يَحْظ بما حظِيَت به عصورُ الأدب الأخرى من عناية الدارسين؛ لذلك عَقَدت العزمَ على أن أبدأ دراساتي العليا بالأدب الحديث.

ومضيتُ أنقِّر في مظانِّ هذا الأدب، وأستشيرُ أساتذتي الأجلاَّء لاختيار موضوعٍ مناسبٍ، وتجمعَت لديَّ عدةُ موضوعاتٍ جديرة بالدرس والبحث، ودخلتُ مرحلةَ الاختيار والمفاضلة، إلى أن قرَّ قراري على أحد الشعراء المعاصرين، وهو الأستاذُ بشير العوف الشاعر السُّوري، الذي نشر خمسة دواوين، كما كتب عدةَ آلافٍ من المقالات الصحفية والأدبية، وألقى عددًا ضخمًا من المقالات الإذاعيَّة، كما كان له نشاطٌ واسعٌ في مجالِ التأليف الأدبيِّ والسياسي والديني؛ بحُكم عمله في ميدان الصحافة، على مَدى أكثر من نصف قرن، فوضع أكثر من عشرين مؤلفًا.

كلُّ هذا الإنتاج الأدبي الثرّ دفعني إلى اختيارِ شعره ليكون موضوعًا لدراستي لدرجة الماجستير مستعينةً بالله وحده، ثم بجهود أساتذتي الأجلاَّء، الذين لم يألوا جهدًا في إسداء النُّصح والتوجيهِ والتقويم، بكل عطف وحنوٍّ وصبرٍ، والذي استمرَّ إلى هذا اليوم دُونما منٍّ أو بَرَمٍ، فجزاهم الله عني خيرَ الجزاء، وأجزل لهم الأجرَ والمثوبةَ في الدنيا والآخرة.

وهكذا يرجعُ اختياري لهذا الموضوع إلى أهميَّته؛ بصفةِ هذا الشاعر الأستاذ بشير العوف أحد الشعراء المعاصرين، وخلَّف شعرًا مناسبًا نشَرَه في خمسة دواوين، وإن كان الشعر لا يُشكِّل أولَ اهتماماته الفكرية والفنيَّة وأهمها، قياسًا إلى من عُرفوا بالشعر خاصة، كما أنه لم يَلق عنايةً من الدارسين والباحثين، بل إنه لم يَكد يُعرَف في أوساط المجامع العلمية والأدبية، فعلى سبيل المثال لا نجد له ذكرًا في موسوعة البابطين للشعراء المعاصرين، في حين نجد ذكرًا لكثيرين دُونَه، كما يظهر هذا الأمرُ في قلَّة المعلومات عن حياته ونشاطِه فيما وراء "الذكرى السنوية لرحيله"، وما جاء فيها من أخبارِ وآراء أصدقائه المؤبنين فيه، و"الرسالة الخطية" التي تلقيتُها من نجله الأستاذ عصام العوف، وقد كان هذا الإغفالُ حافزًا لي لدراسة شِعره والكشف عن مظاهر الإبداع والجمال فيه، وكذلك عن مظاهر القصور والفساد فيه؛ إذ لا يخلو إبداعُ أحدٍ من هذه وتلك بطبيعة الحال، وهكذا عقدتُ العزمَ على أن أُكمل هذا النقص، وأتلافى ذلك التقصير، وأعيدَ للشاعر اعتبارَه، أو شيئًا من اعتباره وحقِّه، على قدر ما أملك من طاقةٍ لا تخلو من النقص والقصور.

وقد قسَّمتُ البحثَ ثلاثةَ فصولٍ، جعلتُ الفصلَ الأول منها لحياته وأعماله ونشاطاته الأدبية والفكرية المتنوعة، وعلاقاته برجال عصره، وآراء الآخرين فيه، وجهودِه في مجال التأليف، من خلال عرض بعض المؤلفات التي وضعها؛ وقد مهَّدت لهذا الفصل بتمهيدٍ موجزٍ عن حركةِ الأدب الحديث في سورية وطنِ الشاعر، وعواملِ تطوره وتجديده، والتي هي في مجملِها وتفاصيلِها العوامل التي أسهمَت في تطوير الأدب الحديث في سائر أقطارِ الوطن العربي الكبير.

ثم جعلتُ الفصلَ الثاني للدراسة الموضوعية لشعر الشاعر، وقسمتُه خمسةَ أقسامٍ بحسَب الأغراض الكليَّة التي انقسم إليها شعرُه؛ وهي: "الشعر الديني"، و"الشعر الاجتماعي"، و"الشعر الوجداني"، و"الشعر السياسي والوطني والقومي"، و"الموضوع الأدبي".

ثم كان الفصل الثالث الذي جعلتُه للدراسة الفنية، مبتدئةً بدراسة "المضمون"، ثم دراسة "الشكل"، وفي جانب المضمون تعرضتُ للأفكار والمعاني التي تناولها الشاعرُ في شعره، ما هو موروث منها وما هو جديد، كاشفة عن دَور العاطفة والانفعال والتجربة الشعوريَّة في إبداعها.

وفي جانب "الشكل" عرضتُ لكثيرٍ من المظاهر والمجالات التي تتعلَّق بالجانب التشكيليِّ للشعر، فجعلتُ جانبًا منه لدراسة شكل القصيدة الذي جاءَ في شكلين رئيسين، من حيث عدد أبيات القصيدة لا صياغتها؛ وهما القصيدةُ الطويلة ذات الأغراض المتعدِّدة، والأبيات الكثيرة التي قد تصلُ إلى زهاء الخمسين بيتًا، كما أنها قد تنحدرُ لتبلغ بضعة أبياتٍ فقط، ثم القصيدة القصيرة أو المقطوعة الخُماسية التي بناها الشاعرُ على خمسة أبياتٍ فقط، وهذه وتلك تنتميان من حيث التزام النَّظم على الأوزان المعروفة للشعر العربيِّ إلى المنهج العموديِّ التقليدي أو الخليلي نسبةً إلى الخليل بن أحمد واضعِ علم العروض العربي كما هو معروفٌ، ولم يحاول الشاعرُ تجريبَ النظم على الشعر الحرِّ أو التفعيلي، بل كان له منه موقفٌ رافضٌ كما سيأتي.

ووقفتُ كذلك عند قضية "العنونة" في شعره، سواء منها ما يتعلَّقُ بعنوان الديوان، وما يتعلق بعنوان كلِّ قسم من أقسامه، وما يتعلق بعنوان كل قصيدةٍ من قصائده؛ حيث وجدته يُعنَى عنايةً بالغة بتلك العناوين، ما هو مناسب منها، وما هو غير مناسب.

ثم عالجتُ موضوعَ "الصورة الفنية" ومنهجه في رسمها وتشكيلِها، كما تتبعتُ مظاهرَ الإيقاع العروضي في شعره، وكذلك مظاهر الإيقاع البلاغي فيه، وخصوصًا ما يتصلُ بعلم البديع لظهوره في شعره، ووقفتُ أخيرًا عند الإيقاع اللغوي في مظاهره المتنوعة إن صوابًا وإن خطأً، أو ضعفًا وفسادًا.

أما المنهج الذي اتبعتُه في الدِّراسة، فهو المنهجُ التحليليُّ، الذي يتعاملُ بموضوعيةٍ مع النص لاستنباط مظاهره الفنية والموضوعية واللغوية؛ حيث حرَصتُ على الاحتكام إلى النَّص؛ لاستنتاج الآراء وتحديد وجهات النظر التي اقتنعتُ بها، وما تلمستُه من أدلةٍ وبراهين تُعين على ذلك.

وأما المصادر والمراجع التي استعنتُ بها في الدراسة، فكانت متنوعةً ووافرة، وكان على رأسها دواوين الشاعر الخمسة؛ وهي: "هالات الضياء"، و"ثمالات الندى"، و"خمائل الطيب" و"همس الغروب"، و"سنابل الحنين"، وحاولتُ التعاملَ معها بحميميةٍ ظاهرةٍ وموضوعيةٍ بالغة قدرَ المستطاع؛ لاستنتاج آرائه ومواقفه ومقاصده فيها ومظاهرها الفنية المتنوعة، خصوصًا في غيبة الدراسات والبحوث التي لم تتهيَّأ لشعره، أو بالأحرى لم تتناوله.

ووراء هذه المصادر الأساسية كانت هناك مجموعة أخرى من المصادرِ اللغوية، والموسوعاتِ الأدبية، ودوائر المعارف التي استعنتُ بها في إعداد المادة العلمية للدراسة.

كما كانت هناك مجموعة كثيرة من المراجعِ التي أفدتُ منها في فصول البحثِ وأقسامه وموضوعاته المتعددةِ؛ منها ما يتعلق بالعروض والقافية، ومنها ما يتعلق بالبلاغة، ومنها ما يتصل باللغة والنحو، وغير ذلك من الدراسات الأدبية الحديثة التي أفدتُ منها فوائدَ جمةً، شكلَت الدراسةَ وتدخلَت في جوانب كثيرة منها، وأثْرَتْها بشكلٍ ملحوظٍ.

وقَبل أن أضع القلمَ مُنهية هذه المقدمة، أجدُ نفسي ملزَمة بإزجاء الشُّكر خالصًا، والتقدير وافرًا، لكلِّ من شارك في توجيهي وأنا أعكُف على إعداد هذه الدراسة في كلِّ مراحلها، ذلك التوجيه الذي طوَّقني وجعلني عاجزةً عن الوفاء بحقوقه الجمَّة والثقيلة؛ وأخص بالشُّكر منهم أستاذي الجليل الدكتور النبوي عبدالواحد شعلان المشرف على الرسالة، والموجِّه الأول والأكبر لمسيرتها؛ على ما أفدتُ من توجيهاتِه السديدة، وإرشاداتِه الحصيفة، فضلاً عمَّا وجدتُ فيه من دماثة الخُلق وسماحةِ الطبع وسعة الصدر لتساؤلاتي واستشاراتي التي لم تنقطع.

كما لا أنسى توجيهات أستاذي الفاضل الدكتور عبدالله العشي، الذي تولَّى الإشرافَ على الرسالة في مرحلتِها الأُولى قبل أن يرجع إلى وطنه، والذي كان له الفضلُ في توجيه المخطط الذي بنَيتُ عليه الرسالةَ وحَظِي بموافقةِ القسم الموقر، كما أُزْجِي خالصَ شكري وتقديري للأستاذين الفاضلين اللذين تفضَّلا بالموافقة على المشاركة في مناقشة الرسالة؛ وهما الأستاذ الدكتور حسين علي محمد، والأستاذ الدكتور عبدالله القرني، الأستاذين بالقسم، على ما عهِد فيهما من علم وفضل وحسن توجيه.

كما أزجي الشكرَ الخالصَ للأستاذ الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد، رئيس القسم المكلف؛ لتفضُّله بتسهيل إجراءات المناقشة للرسالة؛ لغياب المشرف بسبب سفره إلى الوطن.

كما أزجي خالص شكري وتقديري لوالدي، لما وجدتُ منه من تشجيعٍ وتوجيهٍ وإرشاد، كما أزجي الشكر خالصًا لكلِّ من كان له عليَّ أيُّ فضل، وأَسدى إليَّ أيَّ عونٍ في إنجاز هذه الدراسة وإخراجها على هذه الصورة الطيبة إن شاء الله.

فجزى اللهُ الجميعَ عني خيرَ الجزاء، وأجزلَ لهم المثوبةَ في الأولى والآخرة؛ وهو حسبي ونعم الوكيل.

فهرست الموضوعات:

تمت بحمد الله وتوفيقه، وله المنَّة والفضل