مقالات الجبرية (عرض ونقد)

ملخص الرسالة

مقالات الجبرية

(عرض ونقد)

ملخص الرسالة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لسنته، أما بعد:

فقد انصب هذا البحث وانحصر في دراسة مقالات الجبرية، بحيث تم عرضها ومِن ثَم نقدها، وجاءت هذه الدراسة في خمسة أبواب، مسبوقة بمقدمة وتمهيد، وملحقة بخاتمة وفهارس.

وفي المقدمة: بينت أهمية الموضوع وسبب اختياري له من خلال ثماني نقاط، وهي:

١- ارتباط هذا الموضوع بمسألة القدر، التي هي من أعظم المسائل.

٢- منافاة هذه المقالة ومضادتها لأصل الأصول، وهو التوحيد.

٣- أن هذه المقالة عند الإصرار عليها تؤدي إلى الكفر.

٤- ما ينتج عن هذه المقالة من التسوية بين المتباينات، والجمع بين المتناقضات.

٥- عدم وجود مؤلَّف مستقل يجمع بين عرض المقالة ونقدها في المكتبة الإسلامية.

٦- شدة الحاجة للتصدي للجبرية والرد على شبهاتهم.

٧- أن عددًا من الفِرق المنتسبة للإسلام على اختلاف آرائها، وتباين مذاهبها: تبنت هذه المقالة، وقالت بها.

٨- الإسهام في بيان زيف المقالات الباطلة، ومنها مقالة الجبر.

ثم التمهيد: وفيه ذكرت منزلة الإيمان بالقدر من حيث كونه ركنًا من أركان الإيمان لا يصح الإيمان إلا به، وثمراته على العبد من جهة كونه يورثه الطمأنينة، ويزيل الخوف عنه، إلى غيرها من الثمرات.

ثم ذكرت ما أحدثه الخوض في القدر من أثر عظيم على الأمة، حيث كان سببًا في افتراقها وضلالها.

وفي الباب الأول: عرَّفت بالجبر في اللغة والاصطلاح، وتحدثت عن نشأته في ثلاثة مباحث: قبل الإسلام، وعند المسلمين، وأول من قال به، مشيرًا في مبحث قبل الإسلام إلى فلاسفة اليونان واليهود والنصارى والجاهليين، وبحثت أسباب نشأته وعوامل ذلك الخارجية منها والداخلية.

وفي الباب الثاني: ذكرت فرق الجبرية، والجبر في الاتجاهات الحديثة من خلال فصلين:

الأول: عقدته لفرق الجبرية الأربعة: الجهمية، والأشاعرة، والصوفية، والنجارية والضرارية.

والفصل الثاني: عقدته للجبر في الاتجاهات الحديثة؛ أعني: الفلسفة الغربية الحديثة، والفكر العربي الحديث.

وفي الباب الثالث: بحثت معتقدات الجبرية في بعض مسائل القدر؛ مثل: مراتبه الأربع، ومسألة الحكمة والتعليل، ومسألة الأخذ بالأسباب، ومسألة الظلم، ومسألة التكليف بما لا يطاق، ومسألة التحسين والتقبيح، وقد جعلت لكل واحدة من هذه المسائل فصلاً مستقلاًّ، فكان مجموع فصول هذا الباب ستة فصول.

وفي الباب الرابع: ذكرت أدلة الجبرية بأنواعها؛ النقلي منها والعقلي، واستدلالهم بها على مذهبهم، وموقفهم من أدلة المخالفين لهم (القدرية - أهل السنة والجماعة).

وفي الباب الخامس: تحدثت عن آثار القول بالجبر، سواء من جهة الشرائع في كونه معطلاً لها، أو على الأفراد من جهة كونه مقعدًا عن العمل وفاتحًا لباب المعصية مجرئًا عليها، أو على المجتمعات من جهة كونه هادمًا للأخلاق وقاضيًا على السلوك، لا سيما مع التسوية بين المختلفين، والتفريق بين المتماثلين.

واشتملت الخاتمة على أهم نتائج البحث وما توصلت إليه الدراسة.

ثم عقَّبت ذلك بفهارس علمية لازمة للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار، ومن ترجم له من الأعلام، ولِما اعتمد عليه من المصادر والمراجع، وللموضوعات تسهيلاً للوصول إليها.

وقد سلكت في البحث منهج الوصف والتحليل، فعرضت المقالة عرضًا علميًّا توخيت فيه الأمانة والإنصاف، ثم قمت بنقدها نقدًا علميًّا قائمًا على أصول منهج أهل السنة والجماعة.

وبعد، فمما أوصي به أمور:

١- دراسة الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة وبيان عقائدها مقرونة بالرد التفصيلي؛ لما في ذلك من دفاع عن منهج أهل السنة والجماعة، ولا يخفى ما في ذلك من ثمار تعود على منهج أهل السنة نفسه، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: كشف الباطل وتزييفه.

٢- إبراز منهج أهل السنة والجماعة في المسائل التي خولف فيها.

٣- توعية الأجيال المسلمة بخطر العقائد المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة من حيثيات عديدة؛ منها: أن هذه العقائد لها آثار سيئة على الشرائع والأفراد والمجتمعات، فليست مقتصرة على القول بها فحسب؛ وإنما لها لوازم تلزم منها، غالبًا ما تكون سيئة فادحة.

٤- ومن خلال بحثي في الجبر في الاتجاهات الحديثة، تبين لي:

أ- أنها تستحق دراسة علمية خاصة ستكون - بإذن الله تعالى - ثرية ونافعة؛ حيث إن دراسات الفلاسفة الغربيين والمفكرين العرب كانت من منظور ومنطلق لا ديني؛ ولهذا احتاجت إلى رد تفنيدي، وكشف تفصيلي؛ استبانة لسبيل هؤلاء.

ب- ضرورة بيان ما امتلأت به كتب وروايات من تسموا بمفكرين وأدباء عرب من مخالفات عقائدية، وأدب منحرف، وأفكار ضالة، ومناهج غير سوية، تستحق من أهل العلم والباحثين المختصين التحذير منها، والتنبيه على ما فيها من انحراف وخطأ؛ ليكون المسلمون على بصيرة من هؤلاء وأمثالهم.

وفي الختام أشكر الله على ما يسر وتفضل، وأسأله تمام النعمة بالقبول، إنه هو السميع العليم، وأشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة في كلية أصول الدين في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة على ما أتاحوه لي من فرصة للاستفادة والبحث.

كما أشكر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ ناصر العقل، المشرف على الرسالة؛ على ما تفضل به من نصح وإرشاد وتوجيه، كما أشكر له أدبه الجم، ويكفي من ذلك ما عودني عليه من روح المناقشة، وتقبل النقد، وعدم الاعتداد بالرأي، والبحث عن الصواب، وتكرار سؤال الهداية، فالله أسأل أن ينفع به وألا يحرمه الأجر، وأن يمد في عمره - على طاعته - مع حسن العمل.

كما أشكر الشيخين الفاضلين؛ فضيلة الدكتور/ محمد بن إبراهيم العجلان، وفضيلة الدكتور/ محمد بن عبدالعزيز العلي، الأستاذين المشاركين بالقسم؛ على تفضلهما قبول مناقشة الرسالة، وإعانتهما لي على تسديدها وتقويمها، وكذلك كل من كان عونًا لي على إنهائها من إخوة ومشايخ فضلاء، لولا أنني أعلم أنهم لا يرغبون في ذكر أسمائهم لذكرتها.

كما أشكر والديَّ على ما أحاطاني به من تربية وعناية ودعاء.

والشكر موصول لأهل بيتي، الذين صبروا على بُعدي عنهم، وتحملوا المشاق لأجلي، فجزى الله الجميع خيرًا.

كما أدعو وأتمنى ممن تفضل بقراءة هذه الرسالة أو الاطلاع عليها أنه متى ما وجد سبيلاً لإسداء النصح وتقويم الخطأ ألا يبخل به عليَّ، فالمؤمن مرآة أخيه.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

المقدمة:

"الحمد لله الذي سهل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلاً، وأوضح لهم طريق الهداية وجعل اتباع الرسول عليها دليلاً، واتخذهم عبيدًا له فأقروا له بالعبودية ولم يتخذوا من دونه وكيلاً، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه لما رَضُوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.

والحمد لله الذي أقام في أزمنة الفترات من يكون ببيان سنن المرسلين كفيلاً، واختص هذه الأمَّة بأنها لا تزال فيها طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمره ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلاً، يدْعُون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمى، ويُحْيُون بكتابه الموتى، فهم أحسن الناس هديًا وأقومهم قيلاً.

فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، ومن ضال جاهل لا يعلم طريق رشده قد هدوه، ومن مبتدع في دين الله بشهب الحق قد رموه! جهادًا في الله وابتغاء مرضاته، وبيانًا لحججه على العالمين وبيِّناته، وطلبًا للزلفى لديه ونيل رضوانه وجناته، فحاربوا في الله من خرج عن دينه القويم، وصراطه المستقيم، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا أعنة الفتنة، وخالفوا الكتاب، واختلفوا في الكتاب، واتفقوا على مفارقة الكتاب، ونبذوه وراء ظهورهم وارتضوا عنه بديلاً.

أحمده وهو المحمود على كل ما قدره وقضاه، وأستعينه استعانة من يعلم أنه لا رب له غيره ولا إله سواه، وأستهديه سبيل الذين أنعم عليهم ممن اختاره لقَبول الحق وارتضاه، وأشكره والشكر كفيل بالمزيد من عطاياه، وأستغفره من الذنوب التي تحول بين القلب وهداه، وأعوذ به من شر نفسي وسيئات عملي استعاذةَ عبدٍ فارٍّ إلى ربه بذنوبه وخطاياه، وأعتصم به من الأهواء المردية، والبدع المضلة؛ فما خاب من أصبح به معتصمًا وبحماه نزيلاً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أشهد بها مع الشاهدين، وأتحملها عن الجاحدين، وأدخرها عند الله عدة ليوم الدين.

وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ونبيه المرتضى، ورسوله الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، أرسله رحمة للعالمين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعظيمه، وتوقيره وتبجيله، والقيام بحقوقه، وسد إليه جميع الطرق، فلم يفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح له صدره، ورفع له ذِكْره، ووضع عنه وِزره، وجعل الذل والصَّغار على من خالف أمره، هدى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وبصَّر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا.

صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، صلاة دائمة بدوام السموات والأرضين، مقيمة عليهم أبدًا لا تروم انتقالاً عنهم ولا تحويلاً"[1].

أما بعد:

فإن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، بعثه بالحنيفية السمحة؛ ليُخرِج الناس من الظلمات إلى النور، فما من خير إلا دلَّ أمَّته عليه، وما من شر إلا حذرها منه، ومن هذه الشرور التي حذَّر منها صلى الله عليه وسلم ونهانا عنها: البدع والمقالات الباطلة، وكانت أُولى هذه المقالات مقالة الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمته الغنائم يوم حُنين.

أخرج مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالجِعْرَانَةِ مُنصرفَه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد، اعدل، قال: ((ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟! لقد خبتَ وخسرتَ إن لم أكن أعدل))، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله، فأقتل هذا المنافق، فقال: ((معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية))[2].

سابعًا: فهرس الموضوعات