دعوى الإعسار في الفقه والنظام السعودي (دراسة مقارنة)

ملخص الرسالة

دعوى الإعسار في الفقه والنظام السعودي

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد جاءت الشريعة الإسلامية كاملةً شاملة من عند الله سبحانه، وأنزلها على لسان رسوله لإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة.

فأباحت للناس سائر المعاملات المالية بضوابط وأحكام تنظِّم ذلك، وأباحت للإنسان الاكتساب والاتجار وسائر المداينات في قيود وحدود سنَّتْها.

ويتعرض كثير من الـمَدِينين إلى ما يُعجِزه عن الوفاء بدَيْنه، فهو (المُعسِر) في الشريعة الإسلامية، وبالتالي فقد سَنَّت له أحكامًا تصون كرامته وتحفظ إنسانيته؛ فقال - جل شأنه - في محكمه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة: 280]، كما جاءت السنة المطهرة ببيان فضل وثواب إنذار المعسر، وعظيم أجر من يضع عنه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أنظَرَ معسرًا، أو وضع له، أظلَّه الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظلُّه))[1].

كما أوجبت على المعسر الوفاء حينَ تغيُّر حاله، وتيسر أموره، والمسارعة في ذلك؛ حتى تبْرَأ ذمته.

ونظرًا لتغير أحوال الناس، وزيادة الأعباء الحياتية والمالية، وتطور الشؤون الاقتصادية؛ ازداد عدد من يَرِد إلى المحاكم لإثبات الحكم بإعساره؛ للتخلص من دائنيه، وكفِّهم عن مطالبته؛ ولأجل ذلك جاءت الأنظمة القضائية والتعليمات واللوائح السعودية بالعديد من الإجراءات التي تسبق وتتخلل دعوى الإعسار.

ومن خلال اطِّلاعي على الواقع الحالي في المحاكم وسؤالي لعدد من القضاة والمختصين، رأيت اختلافَ التوجُّهات والآراء بين القضاة والمختصين بين مشدد ومخفف في إجراءات إثبات الإعسار.

وكان ثَمةَ اتجاهٌ لعدد من القضاة بالنظر في تخفيف أو تشديد الإجراءات بالنظر في سبب نشوء الدَّيْن في ذمة طالب حكم الإعسار، فمن كان نشوء الدَّين في ذمته بسبب معاوضة مالية، يختلف عمَّن نشأ بسبب دية أو نفقة ونحو ذلك.

ونتيجةً لهذا الاختلاف، ولقصور الأنظمة الحالية في بيان ذلك، جاء مشروع نظام التنفيذ[2] محاولاً استدراك القصور والخلل بالتفصيل في بيان أحوال مدَّعي الإعسار، وما يترتب على كل حال من إجراءات لإثبات إعساره واستظهار حاله، وتطرق لذلك في مواده (من المادة التاسعة والسبعين إلى المادة الرابعة والثمانين).

وبما أن نظام التنفيذ لا يزال مشروعًا تحت الدراسة والتنقيح، وبمناقشتي مع من له إسهام في إنشاء هذا النظام، أحببت أن يكون بحثي (دعوى الإعسار في الفقه والنظام السعودي) له مساهمة فاعلة في هذا الموضوع؛ لأحقق من خلال ذلك ما أصبو إليه من تقديم ما فيه نفع وفائدة للناس عمومًا، وللمختصين وأصحاب الشأن من القضاة وغيرهم خصوصًا.

أسال الله بمنِّه وكرمه أن يوفقني لما فيه النفع والخير.

(1) أهمية الموضوع:

1- إن الشريعة الإسلامية جاءت بالمحافظة على أموال الناس وحقوقهم، ومن ذلك وجوب وفاء الـمَدِين لدَيْنه إذا حلَّ سداده، وإذا عجز المدين عن أداء دينه عجزًا حقيقيًّا فهو معسر؛ وبالتالي له أحكام تصون كرامته عندما يتعذر عليه الوفاء، ولأجل هذا جاء مشروع هذا البحث، والذي أتناول فيه إجراءات دعوى الإعسار وكل ما يتعلق بها.

2- قصور النظام عن ضبط الإجراءات المتعلقة بقضايا الإعسار، وكذلك تشتت التعاميم المتعلقة بذلك، وهذا مما شجعني على الكتابة في هذا الموضوع؛ ليستفاد منه عند الرغبة في استشراف نظام جديد يتعلق بالإعسار وإجراءاته.

3- لم أعثر على من تكلم عن هذا الموضوع في بحث مستقلٍّ، يجمع شتاتَه ويلمُّ بعناصره، وما وجدته هو بعض الجزئيات المتناثرة في ثنايا بعض البحوث والمقالات.

4- أنه موضوع له مَساس وصلة بحياتنا المعاصرة والتي تَعِجُّ بالمتغيرات الاقتصادية وتقلبات الأسعار المتلاحقة؛ مما يؤدي إلى تغير حال الشخص بين عشية وضحاها، وكذلك كثرة الادِّعاءات من أصحاب الأنفس المريضة والمحتالين بحجة أنهم معسرون؛ لإسقاط ما وجب عليهم من حقوق مالية.

5- تزداد أهمية الموضوع - بالنسبة لي - لانتمائي إلى السلك القضائي؛ مما يجعل هذا الموضوع زادًا أتزود به في مسيرتي العملية.

(2) أسباب اختيار الموضوع:

1- أن إجراءات إثبات الإعسار في واقعنا المعاصر تمثل مشكلة قائمة ومتفاقمة؛ مما يستدعي بحث هذا الموضوع بحثًا مفصلاً في ضوء الأنظمة الحديثة.

2- كان من ضمن مواد مشروع نظام قضاء التنفيذ المواد من (المادة التاسعة والسبعين إلى المادة الرابعة والثمانين)، والتي تطرقت إلى موضوع إجراءات إثبات الإعسار بشكل مقتضب؛ مما يستدعي دراسة هذه المواد بجانبيها النظري والتطبيقي دراسة مقارنة بأحكام الفقه الإسلامي، مما يساهم ويعين القضاة في معالجة هذا الموضوع قضائيًّا.

3- أنه موضوع يتعلق بالقضاء، وأنا ممن يهمه هذا الأمر؛ فاخترت هذا الموضوع راجيًا الله التوفيق والسداد.

(3) الدراسات السابقة:

قمت بمراجعة مكتبة المعهد العالي للقضاء والمكتبة المركزية بجامعة الإمام ومكتبة الملك فيصل ومكتبة الملك فهد الوطنية وغيرها، وكذلك قمت بسؤال عدد من القضاة والمختصين، فلم أجد فيمن كتب في هذا الموضوع بصفة مستقلة تبرز معالمه وتجلي خفاياه، وهو بهذا الاعتبار موضوع جديد وجدير بالبحث.

وما وجدته فيمن كتب في موضوع الإعسار بصفة مستقلة إنما تناوله من الجانب الفقهي فقط، وما سأتناوله هو من الناحية النظامية الإجرائية؛ مما يستدعي ضرورة البحث في الإعسار في هذا الموضوع بصفة مستقلة.

ومما كتب في ذلك:

1) الإعسار وأثره في إسقاط الواجبات المالية، لمحمد العمران، بحث تكميلي، قسم الفقه المقارن، المعهد العالي للقضاء، 1410هـ.

2) أحكام الإعسار المالي في الفقه الإسلامي، لفضل الرحيم بن محمد عثمان، رسالة ماجستير، جامعة الإمام، كلية الشريعة، 1414- 1415هـ.

(4) منهجي في البحث:

1- البدء بالفقه ومسائله، ثم بيان موقف النظام عند دراسة المسائل.

2- الاعتماد عند الكتابة على المصادر الأصلية، وتتبُّع مراجعها المتقدمة والمتأخرة.

3- أذكر المسألة مع إيراد الأقوال، وذكر من قال بها، وبيان الراجح منها مع وجه الترجيح.

4- أقوم بعزو الآيات بذكر اسم السورة، ثم رقم الآية.

5- إضافةً إلى الجانب النظري، فإني سأعرض للجانب التطبيقي في هذا الموضوع شيئًا مما ورد عرضه على المحاكم في بلادنا؛ لتكتمل الصورة بجانبيها النظري والتطبيقي.

6- تخريج الأحاديث والآثار الواردة من مصادرها على قدر الإمكان، فإن كان في الصحيحين اقتصرت على ذلك، وإن لم يكن فأذكر مصدره من كتب السنن وغيرها.

7- سأعتمد في بحثي هذا على أسلوب استقراء للثروة الفقهية الموجودة، والتقيد بما ورد في نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 21) وتاريخ 20/5/1421هـ ومواد مشروع نظام قضاء التنفيذ.

8- التمهيد لكل مسألة بما يوضحها.

9- أنفذ مما كان موضوعه نظاميًّا بعد دراسته في الفقه إلى النظام وبالعكس.

10- أعزو نصوص وآراء العلماء لكتبهم.

11- أتبع في إثبات النصوص المنهج الآتي:

• أضع الآيات القرآنية بين قوسين مميزين بهذا الشكل: ﴿ ﴾.

• أضع الأحاديث النبوية والآثار بين قوسين على هذا الشكل: (......).

• أضع نصوص العلماء التي أنقلها مباشرة بين قوسين على هذا الشكل: "....".

• أضع المواد النظامية بالبنط العريض.

12- الاعتناء بقواعد اللغة العربية والإملاء، والنواحي الشكلية والتنظيمية، وعلامات الترقيم ما أمكن.

13- تكون الخاتمة متضمنة أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها.

14- إتباع البحث بالفهارس الفنية الكاشفة، وهي كالتالي:

• فهرس الآيات القرآنية.

• فهرس الأحاديث النبوية والآثار.

• فهرس المصادر والمراجع.

• فهرس الموضوعات.

(5) خطة البحث:

يشتمل هذا البحث على مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة وفهارس للنصوص والأعلام والموضوعات، ويتناول الفصل مباحث، والمباحث مطالب، والمطلب مسائل أحيانًا.

• المقدمة: وفيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، ومنهجي في البحث، وخطة البحث.

• التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الإعسار في اللغة والاصطلاح.

المطلب الأول: تعريف الإعسار في اللغة.

المطلب الثاني: تعريف الإعسار في الفقه.

المطلب الثالث: تعريف الإعسار في النظام.

المبحث الثاني: التمييز بين الإعسار وبين ما يَشتَبِهُ به.

المطلب الأول: التمييز بين الإعسار والإفلاس.

المطلب الثاني: التمييز بين الإعسار وعدم المَلاءة.

المطلب الثالث: التمييز بين الإعسار والمدين المُماطِل.

المبحث الثالث: المعاملات محل الإعسار.

المطلب الأول: المعاملات المالية.

المطلب الثاني: المعاملات غير المالية.

الفصل الأول: دعوى الإعسار وإثباته: وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: أحوال مدعي الإعسار.

المبحث الثاني: دعوى الإعسار الاحتيالية.

المبحث الثالث: طرق إثبات الإعسار:

المطلب الأول: إثباته بالإقرار.

المطلب الثاني: إثباته بالشهادة.

المطلب الثالث: إثباته باليمين.

المطلب الرابع: إثباته بالقرائن القضائية.

المطلب الخامس: الكتابة للجهات المختصة، وسؤال الغُرماءِ عن حاله.

فهرس الموضوعات