• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سبعون أدبا في الصحبة والسفر والعلم (PDF)
    د. عدنان بن سليمان الجابري
  •  
    شرح كتاب: فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة ...
    عيسى بن سالم بن سدحان العازمي
  •  
    كفى بالموت واعظا
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أحكام المخابز (PDF)
    أبو جعفر عبدالغني
  •  
    "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله ...
    محمد السيد محمد
  •  
    صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن السعدي رحمه ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الأساس في أصول الفقه (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأربعون حديثا في تحريم وخطر الربا (PDF)
    طاهر بن نجم الدين بن نصر المحسي
  •  
    الله (اسم الله الأعظم)
    ياسر عبدالله محمد الحوري
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    تربية الحيوانات (بطاقة دعوية)
    د. منال محمد أبو العزائم
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل ماجستير
علامة باركود

أصول المسيحيَّة من القرآن الكريم

داود علي الفاضل

نوع الدراسة: Masters
البلد: المغرب
الجامعة: جامعة القرويين
الكلية: دار الحديث الحسنية
المشرف: العلامة/ العباس الأمراني
العام: رباط الفتح في شعبان 1393هـ - 1973م.

تاريخ الإضافة: 22/12/2008 ميلادي - 23/12/1429 هجري

الزيارات: 28371

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

أصول المسيحيَّة من القرآن الكريم
رسالة لنَيْلِ دبلوم الدراسات العليا الإسلامية


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسل الله أجمعين.
المقدمة:
كنت أسمع منذ الصغر في الوسط الذي عشت فيه الحديثَ عن المسيح والمسيحيين، والنصارى والنصرانيَّة، والأب والابْن والروح القدُس، واستمرَّ بي الحال في المدرسة أسمع من يقول: هذا مسلم وهذا مسيحي، فكنتُ أسأل عن الفرق بين هذه المباني، إلا أن الأجوبة كانت غامضة وغير معقولة، الأمر الذي دعاني إلى الدراسة والبحث، ولكن كيف؟ وبأي أسلوب؟
ومن صفحات التاريخ بدأتُ أقرأ وأبحث، إلا أنني افتقرت إلى الدليل والوقت الذي طغت عليه المناهج في المدرسة والجامعة.

ورَغْمَ ذلك قُمْتُ في السَّنة الرَّابعة الجامعيَّة بِمُحاولةٍ تَحت عنوان "النَّصارى في القُرآن"، راغِبًا في معرِفة ما يقولُه القُرآن عن المسيح وتعاليمِه، والكتاب الذي أُنْزِل عليه، كانت تلك المُحاولة باعثًا على البَحْثِ أكثر فأكثر.

وعندما كان لي شرفُ الالتحاق بدارِ الحديث الحسنيَّة - للدراسات العليا الإسلامية - وما تَشترِطُه من بَحثٍ، أردتُ أن أُواصِل البحث من القرآن الكريم، فكان موضوعي هذا "أصول المسيحية من القرآن الكريم"، الذي شرَّفني بقبوله فضيلة العلامة العباس الأمراني أكرمه الله.

وبدأت أقرأ وأجْمع من بداية دراستي، وأفكر في كيفية البحث بالتعاون مع أصحاب الفضيلة أساتذة دار الحديث، حتَّى كان الهيكل العام الذي يُمكن أن يكون نهجًا للبحث، وكانت رحلتي إلى الشرق، حيثُ أراد الله استِكمالاً للبحث والاستفادة من بعض الأساتذة والمطارنة والخوارنة، والمكتبات الخاصَّة والعامَّة في سبيل الوصول إلى شيء من الحقيقة.

وأرَدْتُ أن أعْرِفَ رغبةَ الجُمهور في بَحثٍ كهذا؛ فقُمْتُ بِعَمل ميداني كان عبارة عن دراسةٍ عشوائيَّة على مائة نفر من النَّصارى في الأردن، وكانت النتيجة أنَّ 90 % شجعوا هذا البحث؛ ليعرفوا شيئًا من الحقائق التي مُوِّهتْ عليهم، سواء من المُغْرِضين أو الجاهلين كيفما كانوا.

فبدأتُ بِحول الله أبحث عن الإنجيل وأصوله وعلومه؛ ككيفية نزوله: جملة واحدة أم مُنجَّمًا؟ ثم عن أسباب النزول وظروفه، فآياته: هل نزلت ردًّا على سؤال، أو حلاًّ لمشكلة، أو تشريعًا يتبع؟

ثم عن طريقة التدوين، وعلى ماذا كان يكتب؟ وعند من حفظ؟ وكم عدد النسخ المتكررة؟ وعلى مَن وزعت؟ وأين هي الآن؟

ثم اللغة التي كتب بها: ما هي؟ وهل ترجم أو حُوِّل إلى لغة أخرى أو لغات بدون أن يتأثر التَّحويل إلى تَحريف لفظي أو معنوي؟ ولابد من معرفة المترجم، ومكانته العلمية، وأمانته الشخصيَّة، ثم هل كان واحدًا أم لِجانًا مضبوطة في أسمائِها وصفاتِها ونظام أعمالها؟ وهل كانوا يترْجِمون من النُّسخ الأصلية، أم من النسخ المُتَرْجَمة إلى اللغات الأخرى؟

وهذا الإنجيل هل كان خاصًّا بجماعة معينة على أرض معينة، أم أنَّه كتابٌ سماوي صالح لخلقه تعالى في ذلك الزمان الذي نزل فيه على رسول الله عيسى عليه السلام؟

وإذا قلنا إنَّه أُنْزِلَ على عيسى فلا بدَّ من أن نُعْطِيَه الصفة التي تليق بمقامه: هل كان إلهًا أم كان بشرًا رسولاً؟ حتَّى نَنْفي عنه كلَّ غُلُوّ مُصْطَنع، أو حديثٍ مُخترع، ونعرف بعد ذلك هل أُرْسِل لِجماعةٍ خاصَّة، ودعا إلى الرَّهْبَنة والعيشِ في العزلة عن الحياة، أم أنَّ رِسالَتَهُ كانتْ ذاتَ نِظام يَجمع بين الدِّين والدُّنيا بشكْلٍ متين، يَحفَظُ لِلفرْدِ شخصيَّتَه وكرامته، ولِلجماعة حقوقها وسلامتها، وَفْقَ قانونٍ إلَهي قال به نبي مرسل؟

وهل قال عن نفسه بأنَّه إله أخطأ حين خلق آدم وندم على ذلك، فتجسد على الصورة البشرية، لينقذ نسل آدم من الخطيئة؟ وفي هذه الفترة ماذا جرى للعالم بما فيه من مخلوقات لا تُحصى؟

وهذا الرسول هل كان بدون تلاميذ - إذ لا بد منهم - فمَن هم؟ كم عددهم؟ وما دينهم؟ نبحث عن مؤلف جمعهم في كتاب، أو مؤرخ تحدث عن هؤلاء الأصحاب، وهم أقرب عهدًا من سقراط وأرسطو الذين ضبطت حياتهم وظروفهم ومؤلفاتهم.

ولابد من معرفة الدَّور المقدس الذي قاموا به في مقارعة ملوك الوثنية، ومُجاهدة أهل الظلم والطغيان، ونعرف مَن قضى منهم في سبيل الله والمُحافظة على كتاب الإنْجيل، وهل كانت لهم دولة تَحميهم، وتذودُ عن حياضهم أم انتهوا ومعهم الكتاب أمام جيش الكفر بكافَّة أشكاله وبيئاته، الذي كان يرأسه أحبار الكنيسة والروم والفلاسفة؟

ثم هذه المسيحية هل هي تِلك التعاليم التي بشَّر بها المسيح وتلقاها عن ربه - عز وجل - فأصبحتِ التسمية نسبة إليه، فقيل المسيحية؟ وهل بينها وبين النصرانية خلاف، أم اختلفت التسمية والمسمى واحد؟

وإذا كانتِ التسمية واحدة، فلماذا ذكر القُرآن "النصارى" وخصَّهم بِصفات خاصَّة، وعقائد مُباينة تَمامًا لما ذكره عن المسيح عيسى ابن مريم؟ لأننا إذا استقرأنا الآيات التي تحدثت عن المسيح نفهم منها غير ما نفهم من الآيات التي تحدثت عن النصارى، وبنفس الوقت لم يذكر القرآن علاقة بين النصارى وبين المسيح على شكل التلمذة أو النقل عنه؛ إذ الذي نراه أنه يتحدث عن الحواريّين، ويثني عليهم نظير نصْرِهم لعيسى يوم قامت ضده قوى الوثنية الباغية، واليهودية الضالة.

فهل يمكن القول بأنَّ المسيحيين هم النصارى هم الحواريون، أم أن هذه المباني تختلف في معناها كما ذكر القرآن الكريم؟ وهل دين هؤلاء يختلف عن الإسلام الذي ذكره القرآن، وأقرَّ به دينًا للنَّاس كافَّة من عهد آدم حتَّى مُحمد عليهم السلام؟[1]

وعلى هذا هل نفهم أنَّ التَّسمية الصحيحة يُمكن أن تكون الإسلام؛ إذ الإله واحد، والدعوة واحدة؟

لعلَّ في هذا البحث ما يصلح لِلجواب عن هذه الاستِفْسارات، أو يوضح الغموض في كثير من المسائل التي يقف عندها الباحث، وخصوصًا بعد الاطِّلاع على ما كتب عنِ الإنجيل بصفة عامَّة وخاصَّة بالفصل والفقرة، وبيان ما له وما عليه بالدليل والحجة، في غاية من الدقة والإتقان[2].

وعلى تلك المناقشات والردود[3] بين من لا زلنا لم نعرف حقيقتهم، وبين المسلمين، والتي نفهم منها خلافًا واضحًا بين ما جاء به المسيح عيسى ابن مريم - على حدّ قول من انتسبوا إليه - وبين ما جاء به محمد عليهم السلام، فإذا كان هذا صحيحًا فلماذا قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ}[4]؟

وعلى من جَمع قصصًا وسَمَّاها "المسيح في الإسلام" والإسلام لا يعترف بهذه القصص، إلا ما ورد ذكره في القرآن أو السُّنَّة، والباقي فيه غلو في وصف عيسى وتصويره بصورةٍ غامِضة[5].

وعلى منِ احتَكَمَ إلى مصادرَ، قال بأنَّ المُسلِمِينَ والمسيحيِّين متَّفِقُونَ عليْها؛ مثل التوراة والعقل، محاولاً في ذلك حل النزاع في المسائل المختلف فيها؛ كالصلب والألوهية[6].

وعلى دراساتٍ زادتْ في العُمْقِ لِمَعْرِفة أساس المشكلة، ودور الفِكْر الإسرائيلي على التَّعاليم المسيحيَّة، بأنَّ منها تآمُر اليهودية على المسيح وتعاليمه من بعده بأساليب شتى، وامتداد ذلك ليشمل الرسالة المحمدية، ولا زال هذا التآمر مستمرًّا في وقتنا الحاضر[7].

وعلى دراسة للنصرانية بتدرُّج زمَنِيّ، متحدِّثة عن أطوارها ومَجامِعِها، والتأثيرات الفِكْرِيَّة والسياسيَّة التي مرَّت بِها، من نِهاية المسيح حتى الوقت الحاضر، معتمدها التاريخ والكتاب المقدَّس، وما كتبه الآباء عن تاريخ الكنيسة، كشَفَتْ شيئًا من الغموض الذي يواجهه الباحث[8].

وعلى معركة وجود المسيح وعدم وجوده، التي كانت في القرن الثامن عشر متمثِّلة بِمدرسة الشكّ المطْلَق في مقرَّرات العِلْمِ القديم، ووقائع التاريخ المتواتر؛ أمثال (بولنجبروك) والملتفون حوله، (وفلني) في كتابه "خرائب الإمبراطورية" الذي نشره سنة 1791م، حجَّتهم في ذلك أن المسيح لم يذكر في التَّواريخ القديمة التي فصلت أخبار عصره، وروايات التلاميذ عنه سبقت روايتها عن شخصيات أخرى في الزمن القديم، بعضها أقرب إلى الأساطير والفروض[9].

والذي يلاحظ من هذه الدراسات أنها كادت أن تخلو من تفصيل نظرة القرآن الكريم، ومنها ما اكتفى بنظرة الإسلام الشمولية؛ لذلك حاولت أن أقف على ما يقوله القرآن عن حقيقة المسيح - وهو الكتاب المنزل من عند الله على رسوله محمد عليه السلام، وتواتر إلينا سنده، وتعهد تعالى بحفظه حين قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[10].

فما من شَكٍّ أنَّه تَحدَّث عَنْ عِيسَى وإِلَهيته، ورسالَتِه، وإنْجيله، وتلاميذه، ونهايته، وهل كان للفترة بين عيسى ومُحمَّد نصيبٌ من الحديث؟ علَّنا نَجِدُ هذا أو بَعْضَه مع مُقارنته لِما كتب في التَّاريخ، وتناقَلَتْه الأخبار، فلرُبَّما نصل إلى درجةٍ نطمئنّ إليها، ومخرجٍ من ذلك النّزاع الفِكْري القاتِل لِرُوح الوحْدة والابْتِكار، والدَّافع إلى التَّمسُّك بآراء ومذاهب براقة، لعلها من ضمن تلك التأثيرات الفكرية السحيقة في مُعاصرتِها لِلمسيح عليه السلام.

فجعلتُ هذا البَحْثَ يشتمل على مقدمة، وبابين، ونتيجة.

هذه هي المقدمة.
والباب الأول أسميته "المسيح عيسى ابن مريم"، ويشتمل على ثلاثة فصول:
1 - المولد.
2 – المبعث.
3 - النهاية.

والباب الثاني أسميته "المسيحية بعد المسيح"، ويشتمل على ثلاثة فصول:
1 - المسيحية والاضطهاد.
2 - المسيحية والفلسفة.
3 - المسيحية والسياسة.
ثم ختمت ذلك بالنتيجة التي حاولت أن أذكر فيها بعض الحقائق التي وصلت إليها في نهاية هذا البحث.

وكنت في عملي هذا قبل أن آخذ الفكرة من القرآن الكريم، أبحث عنها في الكتب المقدسة السابقة، والتاريخ، ونظرات الباحثين والناقدين، وعلى الخصوص من غير المسلمين، فتكون الآية الكريمة المعجزة الخالدة في البيان الذي ذكره التاريخ أو أغفله، أو ذهب من ثنايا الكتب المقدسة.

فكان هذا العمل المتواضع وليد سنتين كاملتين قضيتها في البحث ليلاً ونهارًا، وقد انهمَكْتُ في تقديم فكرة، وتأخير أُخرى، أو نسج عبارة، أو في البحث عن نقطة غامضة.

بالإضافة إلى تحدِّي تعقيدات المثبِّطين الخائرين من هُنا أو هناك، أو اتّهامات المرضى، والصُّعوبات المادّيَّة والنَّفسيَّة، وأثر ذلك على الحياة العائليَّة.

وقدِ احتَجْتُ إلى كُتُبٍ بَحَثْتُ عنها في بعض المكتبات العامَّة في عمان ودمشق وبيروت ومكة والمدينة المنورة والرباط والقاهرة، ولكنّي لم أعثر بعدُ على شيء منها، على أمل العثور عليها في المكتبات الخاصة بدمشق إن شاء الله.

وحاولت أن أجعل عرض هذا البحث بشكل واضح، خالٍ من المناقشات الكلامية؛ لأنَّنا لسنا بِحاجةٍ إليْها طالما كان بحثنا قائمًا على صفاء النية، والوصول إلى الحقيقة، ونحن في عصر السرعة العلمية، التي لا تقبل المخادعة أو الحسد؛ بل تريد الحقيقة بأقل التكاليف وأيسر الطرق، بغضِّ النظر عن موجدها كيفما كان، لأنَّ الحِكْمة ليستْ ملكًا لأحد، يَهَبُ الحكمة لمن يشاء كيف شاء، آمِلاً التَّوفيق في هذِه المُحاولة البِكْر من نوعها، وأن أكون عند حُسْنِ ظنِّ الباحِثِين والنَّاقدين.

النتيجة
:
لعلَّك إذا قَرَأْتَ هذا البحث المُتواضِع عَرَفْت أنَّ مدلولَ لَفْظَتَيِ المسيحيَّة والنَّصرانية بينَهُما تبايُنٌ شاسع؛ إذِ المسيحيَّة هي تلك التَّعاليم التي أَنْزَلَها الله على عيسى ابْنِ مريَم بالكتاب المعروف بالإنجيل، كما ذَكَرَ تَعالى: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}[11].

والنَّصرانيَّة: إنَّما هي تلك التَّعاليم والأقوالُ المنسوبة إلى منِ ادَّعَوُا النُّصرة لتعاليم عيسى من بعده؛ ولذلك تَرَى العقائد الضَّالَّة التي حَكَمَ عليْها تَعالَى بالكُفْرِ مَنسوبةً إلى النَّصارى؛ كعقيدة الثالوث والألوهية، والبنوَّة.

أمَّا إذا قلت العيسوية فإنَّها تعني المسيحية، اختلفت النسبة فجاءت المسيحية نسبة إلى الصفة، والعيسوية نسبة إلى الاسم، والمسمى واحد هو عيسى ابن مريم كما ذكر تعالى: {الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}[12].

ولكن اللَّفظة التي يُمكِنُ أن تكون أدقَّ هي (الإسلام)؛ إذِ الأنبياءُ والرُّسل كلُّهم دينُهم الإسلام، بِغَضِّ النَّظَرِ عن شرائِعِهم ومنهاجِ كلٍّ في زَمَنِه، وإن كان مَجيء كل رسول في عصره مرحلةً تَمهيديَّة للوصول إلى المرحلة الأخيرة، الَّتِي خَتَمَها مُحمَّد رسول الله عليه الصلاةُ والسلام.

فالمسيح عيسى ابن مريم هو رسول الله، المسلم الذي دعا إلى الإسلام ضمن سلسلة الرسل والأنبياء الذي أُرْسِلوا بدعوتِهم المسمَّاة الإسلام؛ أي العبودية لله وحده، لا إله إلا هو الفرد الصمد.

ولا يمكن أن نقول في عيسى غير الحق، فهو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، كما ذكر تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}[13].

وأمُّه مريم من سلالة الأنبياء المصطفاة على العالمين بعنايته تعالى ورعايته: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[14]، ثم قال من بعد: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [15].

فما هِيَ إلا مُجرَّد مَخلوقة من مخلوقاته تعالى طاهرة، نشأت في بيت النبوة لتكون أمًّا لعيسى الرسول عليه السلام.

ثم كان يَحيَى - عليْهِ السلام - مُصدِّقًا بِكَلمةٍ مِنَ الله (أي عيسى)، سواءٌ بِوِلادتِه من الشَّيخيْن الفانيَيْنِ، حتَّى إذا ما كانت الكلمة (كن) لخلق عيسى، كان القوم قد عرفوا مولدًا على غير العادة، هو مولد يحيى عليه السلام، أو ناصرًا له وداعيًا بِدعوته إلى الله سبحانه[16].

ومثَّل اللهُ خَلْقَ عيسى بِخَلْق آدَمَ، فقال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}[17] فإذا جاز أن يَخْلُق الله تَعالى آدمَ من التُّراب، فلِمَ لا يَجوز أن يخلق عيسى من دم؟ بل هو أقرب إلى العقل، فإنَّ تولُّدَ الحيوانِ من الدَّمِ الذي يَجتَمِعُ في رَحِم الأم، أقرب من تولده من التراب اليابس.

وكفَّر تعالى الفرق الثلاثة الكبرى التي اختلفت في حقيقة المسيح عيسى ابن مريم:
1 - {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}[18].
2 - {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}[19].
3 - {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[20].

ثم أكد تعالى حقيقة عيسى فقال: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[21].
ويقيم تعالى الحُجَّة على أصحاب العقائد الضَّالَّة، حين يسأَلُ عيسى يومَ القِيامةِ عن هذه العقائد، فلا يُقِرُّها ولا يَعْتَرِفُ بِها؛ لأنَّه دعا إلى تَوحيدِ الله وَحْدَه، ولم يَكُنْ من حقِّه أن يقولَ ما ليس له[22].

وقد بان لنا أنَّ هذه العقائدَ الضَّالَّة، والتي قيدت بعد المسيح، إنَّما هي عقائدُ سبق القولُ بِها عند اليهود ومَن سبَقَهم من الأُمَم القديمة في مِصْر والهند وغيرها، وتوارَثَها النَّاسُ عن بَعْضِهم البعض.

أمَّا خَلْقُ عيسى - عليه السلام - من غير أبٍ فهُو أمرٌ واضح، ذكره تعالى حين سألت مريم المبشِّرَ عن كيفية وجوده: {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}[23].

فولادة عيسى من غير أب تُعْلِنُ قُدرة الله تعالى، وأنه الفاعل المختار، يفعل ما يشاء كيف شاء، له الأمر كله، لا كالمخلوقات التي تتقيد بقانون الأسباب والمسببات.

ثم أراده الله رحمة منه، لهداية الناس إلى الطريق السوي، وإخراجهم مما كانوا فيه من سيطرة الوثنية، وضلال الهيكل.

وهكذا قضت حكمته، فكان عيسى عيه السلام، ولا يُسأل تعالى +عمَّا يفعل، ونُسأل عما نفعل.

أمَّا ما جرى على يديْهِ من الأمور التي ليسَتْ باستطاعة البشر أن يأتوا بمثلها، فما هي إلا مُعجزاتٌ للتصديق به كرسول، وتطبيق ما يقوله من تشريع ينقله عن ربه - عز وجل - فكانتْ سبع آيات من الله، هي:
1 - كلامه في العهد مع أمه ومع قومه[24].
2 - تعليمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل[25].
3 - إيجاد طير من الطين بإذْنِه تعالى فيطير[26].
4 - إبراء الأكمه والأبرص.
5 - إحياء الموتى.
6 - إخبار الناس في زمانه بما يأكلون وما يدخرون.
7 - نزول المائدة[27].

ولم يكن هذا الرسول بدون تلاميذ أو أصحاب يأخذون عنه، فقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ}[28]، فهم الذين آمنوا بعيسى وبرسالته، وناصروه بإيمانهم وبنشر دعوته: {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}[29]، وكانوا على دين عيسى وهو الإسلام حين قالوا: {وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[30].

ثم تعرض عيسى للتآمر الخفي المدبر من قبل الهيكل والسلطة الوثنية الرومانية الحاكمة، حفاظًا على سيادتهم، وحسدًا من عند أنفسهم، كيف لا يكون المسيح الذي كانوا ينتظرونه منهم؟!

ووصل بهم الأمر إلى المواجهة الفعلية، ومحاولة القبض عليه وصلبه بتهمة طلبه الملك، إلا أنَّ الله نَجَّاه من كيد الماكرين، كما ذكر تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}[31]، فقد هيؤوا الأسباب لتنفيذ الجريمة؛ بل نفذوا، فهم يتحمَّلون مسؤولية جريمتهم وإن وقعت على غير المسيح، لأن قدرة الله هي التي فوتت وقوع المقصود بالمسيح عليه السلام؛ ليزدادوا حسرة وكمدًا، وقد أخبر تعالى بذلك كما في الآية السابقة.

وعاش الحواريون من بعده حياة التعذيب والاضطهاد، حيثُ استمرَّ التآمر اليهودي الروماني، فمنهم من قضى في سبيل الله، ومنهم مَنْ فرَّ بدينه إلى الكهوف والانعزال، حتى كادت أن تتكون الرهبانيَّة التي تكونت من بعد.

وقد فنَّد المؤرِّخون صنوف الاضطهاد التي كانتْ تَحُلّ بأنصار المسيح وتعاليمه من بعده، حتى جاء القسطنطين الذي اضطهدها سياسيًّا بعد ثلاثة قرون وربع من رفع عيسى، وتحكَّمت السياسة في العقيدة.

وفي تلك الفترة فُقِد الإنجيل، وفرَّ المؤمنون بدِينِهم، وكثُرَ الوَضْع على عيسى وأتْباعه، حتَّى تعدَّدت الأناجيل بشتى اللغات والأساليب على مر العصور، ونُسِبت هذه الأناجيل للحواريين الذين عاصروا عيسى - عليه السلام - حتَّى يَقْبَلها العامَّة.

فكان بعضُها من قبيل الإسرائيليَّات المُتآمِرة على المسيحيَّة؛ لأنَّ عيسى - عليه السلام - جاء كاشفًا تَحريفَهم وتزويرَهُم لِلحقائق، حيث قال تعالى: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}[32].

وكان بعضُها الآخَر من صُنْعِ بعض المتنصِّرين من كافَّة الثَّقافات، الذين أرادوا أن يكونَ منهم المسيح المنتظر؛ أمثال بولس وتلاميذه لوقا ويوحنا، ومرقس تلميذ بطرس، عدا الأناجيل غير المعتبرة التي وضعت نظرًا لمتطلَّبات العصر والبيئة في ذلك الوقت كما مرَّ الحديث عنه، تمثَّلَتْ فيها الآراءُ المُخْتَلِفة من اليهودية الماكرة، والوثنية الضالَّة، والفَلسفة الظَّنِّيَّة.

وتَمَّتِ السَّيْطَرة لِمن سمَّوْا أنفسهم نصارى، طمعًا في المركز والسيادة، وهم يضحكون على العامَّة بأنَّهم أنصار المسيح، وحَملة دعوته إليه، فكان قوله تعالى شارحًا تلك الحالة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[33].

وعلى الخصوص بعد مؤتمر نيقية سنة 325م، حيث وضع قانون الإيمان، ومن هنا بدأت المشكلة الخلافيَّة العظمى، واتَّسع مداها بعد أن أصبحت السياسة تلعب دورها الفعال في تأييد هذه العقيدة، أو دحض تلك، بعد أن عاشت النصارى قرونًا طويلة في العذاب والاضطهاد، فجاء الذين قالوا إنا نصارى، وكان منهم قسطنطين ابن العدوة الوثنية الرومانية.

ويحدثنا التاريخ عن ترؤُسه لمؤتمر نيقية الأول، وطرده ثلث الأعضاء؛ ليصدر القرار الذي يريده وهو الوثني المعروف، وإن صدق في تنصُّره فلا يَجوز له أن يترأَّس المجالس العلمية وإن كان إمبراطورًا، وخصوصًا علوم الشريعة، فلا سُلْطَانَ لأحدٍ عليْها؛ لأنَّها من عند الله سبحانه.

وكان له ما أراد مِنْ وَضْعِ عقيدة لم يعترفْ بِها كافَّة العلماء في ذلك الوقت؛ بلِ انْقَسَمَت الكنيسة إلى ثلاثة أقسام في روما والإسكندرية والقسطنطينيَّة، واستمرَّ النزاع والاجتهاد، فمرَّة تؤيد السياسة هذه العقيدة، وتارة تؤيِّد الأخرى، وهكذا استمرَّ الحال بعقد المجامع، وفرض العقائد على الناس، إلى أن تاه الناس بَيْنَ مَن قلَّدوهم أمرهم الذين ضلوا وأضلوا، ووصلت البلاد إلى حال لا تحسد عليها، إلى أنْ رَحِمَ الله الأرض ومَن عليْها برسولٍ جديد، بشَّر به المسيح - عليه السلام - في حياته، وهو محمد رسول الله وعبده، وورد ذكره في الأناجيل، واعترف به أهل العلم من أهل الكتاب مِمَّن عاصروه..

الحركات السرية الماكرة (الماسونية) التي تشكَّلتْ سنة 43م؛ لهدم المسيحية وملاحقتها بكافَّة الوسائل العلنية والسرية[34].

ثم كانت في القرن الثامن عشر مدرسة الشك المطلق، التي جهرت بالقول بأسطورية شخصية المسيح، لأنَّه لم يذكر في التواريخ القديمة التي فصَّلت أخبار عصره، وما نقله التلاميذ عنه من روايات قبلت في شخصيات الزمن القديم، بعضُها أقرب إلى الأساطير والفروض[35].

وفي القرن العشرين صار الأمريكيّون يتجرون بالمسيح - عليه السلام - على شاشة السينما والمسرح والإذاعة، ويدعي الهيبيون أنهم أتباع المسيح، وبرزت مسرحيتان من نوع الكوميديا الغنائية، بطل كل منهما هو يسوع، الأولى يسوع المسيح (سوبر ستار)، والثانية - مشيئة الله.

واستغلال يسوع على هذا الشكل ليس بالطبع عملاً صالِحًا، إذ إنَّه يبعدنا عن الإصغاء إلى تعاليمه واستيعابِها، ويَجعلُه مرآة تعكِسُ غَضَبَنا وشهواتنا، لم يعد المسيح هو الذي يرشدنا؛ بل صار (شيئًا) نتصرَّفُ به حَسَبَ أهْوائنا.

بينما القرآن يُعطي المسيح صفةً عظيمة، وهي أنَّه رسول الله، والإيمان به جزء من الإيمان بالقرآن، إذ أي مساس بكرامته مساس بكرامة القرآن الكريم، فهو رسول الله وعبده صلى الله عليه وسلم.

ولا يمكن أن نصدق أنَّ عيسى - عليه السلام - دعا إلى الزهد مطلقًا؛ إذ الرسالة السماوية دائمًا تتَّصف بالتَّكامل في شؤون الحياة الخاصَّة والعامَّة، تبدأ بالعقيدة فتُرَكّزها، ثم تنظم العلاقات بين الأفراد والجماعات في كافَّة أعمالهم وشوؤنهم[36].

أما ما ينسب إلى عيسى من أنَّه فصل الدين عن الدولة فهذا من ضمن التآمر على عيسى ودعوته الإسلامية[37]، ولا مانع أن يكون هذا القول مصنوعًا من الأحبار والرهبان؛ لضمان السيطرة واقتسام الحياة بين رجال الدين ورجال السلطة، ليفعل كلٌّ بِما شاءَ كيف شاء، ومثل هذا لا يمكن أن نسميه دينًا منزَّلاً من عند الله على رسول، لأن هذا نسبة نقص إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

أما رسالة عيسى فهي:
1 - الدعوة إلى الله وتوحيده توحيدًا كاملاً، وذلك من قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[38].
2 - التصديق بمن سبقه من الرسل: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ}[39].
3 - الحكم بين الناس بما علَّمه الله: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[40].
4 - نسخ بعض الأحكام الشرعية التي كانت قبله: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}[41].
5 - لا وساطة بين الخالق والمخلوق: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[42].
6 - القيام بالعبادات: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[43]، ولا شكَّ أنَّه بيَّن كيفية الصلاة وأداء الزكاة.
7 - حسن المعاملة والأخلاق الفاضلة: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ}، {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}[44].
8 - التبشير برسول يأتي من بعده، يخلص الناس مما سيحل بهم من الضلال والضياع: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[45].

وكل هذا واردٌ في الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام، لا هذا الإنجيل الذي نرى، بل هو الإنجيل الذي يمكن تعريفه: "إنَّه كتاب الله المنزل على عيسى، المشتمل على التوحيد والتنزيه والأحكام الشرعية، وكان مصدِّقًا لما بين يديه من التوراة، ومبشرًا برسول الله محمد عليه السلام".

لذلك كان هذا البحث من القرآن؛ لأنَّه المصدر الذي أعطى لعيسى الصفة الحقيقية، وشرح رسالته ودينه، في وقت ذهبت تعاليمه وإنجيله بيد التآمر الوثني، وغلاة أحبار اليهود؛ خوفًا على مناصبهم، وطمعًا في سيادتهم.

فكان القرآن خير ضابط لهذا كله، مع بيان العقيدة التي تاه عنها الناس مدة ستة قرون، واستمرَّت العصبيَّة والتَّآمُر بعدها يحافظان على ما لم يقل به عيسى حتى وقتنا الحاضر؛ الأمر الذي أدَّى بِكثير من أبناء هذا الجيل إلى الشَّكّ في هذه العقيدة، ونبذها، والبحث عن الآراء والمذاهب المادية الملحدة، حتى حلَّ دين الطبيعة عند أولئك الذين فقدوا العقيدة الصحيحة، وقد غاب عنهم أن ما يتبعون الآن إنما هو من ضمن تلك الأساليب القديمة لإبعادهم عن عقيدتهم، وإحلال الشك والزعزعة عندهم، وهو حاصل الآن، وانتشرت آثاره حتى وصل إلى أبناء المسلمين.

إذ الدين الحق هو الذي يَجمع بين المادة والروح بانسجام واتزان متوافقين، لا يعلو أحدهما على الآخر، وهذا سر لا يستطيع ضبطه إلا الذي خلق المخلوقات وقدرها، وهو ما جاء على لسان محمد عليه السلام، وتعهد تعالى بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[46] حيث فيه النجاة والاستقرار والحياة، وقد اعترف بهذا أكابر علماء الغرب عندما درسوا القرآن واطلعوا عليه[47].
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
[2] مثلاً: "الفاروق بين المخلوق والخالق" باجه جي زاده، "إظهار الحق"، "النقد الأعلى للكتاب المقدس وتفصيل ذلك عند ول ديورانت" جـ11 ص 203 – 205.
[3] مثلاً: "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"، "الإسلام والمسيحية بين العلم والمدنية"، "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب"، "أدلة نور اليقين في الرد على ميزان الحق".
[4] آية 81 سورة آل عمران.
[5] د. مشيل الحايك: "المسيح في الإسلام".
[6] منصور حسين.
[7] دراسة عبدالله التل: "جذور البلاء"، "خطر اليهودية على الإسلام والمسيحية".
كتاب "أحجار على رقعة الشترنج"، كتاب "الحرب غير المسماة"، دراسة سعيد طنطاوي "بنو إسرائيل في الكتاب والسنة".
[8] مثلاً: "قصة الحضارة"، الطبري، الكامل، ابن البطريق، أبو زهرة، أحمد شلبي، متولي شلبي، كما سنوضح ذلك في أثناء البحث بشكل موسع.
[9] انظر: عباس محمود العقاد في كتابه "عبقرية المسيح" ص: 80.
[10] آية 9 من سورة الحجر.
[11] الآية 110 من سورة المائدة.
[12] الآية 45 من سورة آل عمران.
[13] الآية 171 من سورة النساء.
[14] الآية 33، 34 من سورة آل عمران.
[15] الآية 42 من سورة آل عمران.
[16] الرازي: "التفسير الكبير" جـ2 ص 195، و"تفسير ابن كثير"، و"البغوي" جـ5 ص 352.
[17] آية 59 آل عمران.
[18] آية 72 المائدة.
[19] آية 73 المائدة.
[20] آية 30 التوبة.
[21] آية 75 المائدة.
[22] آية 116، 117 المائدة.
[23] آية 21 مريم.
[24] آية 46 آل عمران.
[25] آية 48 آل عمران و110 المائدة.
[26] 49 آل عمران.
[27] 112 إلى 115 المائدة.
[28] آية 52 آل عمران.
[29] الآية 53 من آل عمران.
[30] آية 52 آل عمران.
[31] آية 157 من سورة النساء.
[32] آية 110 من سورة المائدة.
[33] آية 31، 32 من سور ة التوبة.
[34] برتراند راسل: "تاريخ الفلسفة الغربية" جـ1 ص 15، محمد علي الزعبي: "الماسونية في العراء" ص 106.
[35] عباس محمود العقاد: "عبقرية المسيح" ص 80، ديورنت: "قصة الحضارة" جـ 11 ص 202.
[36] سيد قطب: "ظلال القرآن" مجلد 3 ص 590.
[37] محمد الزعبي: "الماسونية في العراء" ص 110، عبدالله التل: "جذور البلاء" ص 229.
[38] آية 31 التوبة.
[39] آية 50 آل عمران.
[40] آية 63 الزخرف.
[41] آية 50 آل عمران.
[42] آية 31 التوبة.
[43] آية 31 مريم.
[44] آية 31 و32 مريم.
[45] آية 6 الصف.
[46] آية 9 سورة الحجر.
[47] اعترف القسيس (لوازون) في خطبة عن الدين الإسلامي في الأديرة الخديوية في 21 فبراير 1895م، فقال: "ولا يخفى أن المسيحيين بوجه العموم لا يعرفون الإسلام؛ بل وكثير من المسلمين قليلو المعرفة بدينهم، أو هم يعرفونه على غير وجهه الحق، وحينئذ فلا بد للوصول إلى حقيقة هذا الدين من الرجوع إلى أصله"، من كتاب عبدالله كويليام: "العقيدة الإسلامية" ص 45، تعريب محمد ضياء.

ومن هؤلاء العلماء: توماس كارليل الفيلسوف الإنجليزي في كتابه "الأبطال" ردًّا على تهمة الكذب التي يوجهها المستشرقون والمبشرون للإسلام، وكذلك الأستاذ (سيديو) و(أدوارد سيد إيرل) أحد أساتذة التاريخ في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، والمؤرخ الهولندي (رينهارت)، والعلامة الفرنسي (جوستاف لوبون)، وكذلك (جوهان فون جيته) الشاعر الألماني الذي قرأ القرآن الكريم وقال: "لو كان هذا هو الإسلام فإن كل مفكر في العالم مسلم"




 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • من قضايا أصول النحو عن علماء أصول الفقه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من قضايا أصول النحو عند علماء أصول الفقه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفصيل ثلاثة أصول من أصول العقائد (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب