• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الإبداع في القرآن الكريم: أنواعه، مجالاته، آثاره ...
    عبدالله محمد الفلاحي
  •  
    صفة الحج: برنامج عملي لمريد الحج وفق السنة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    سبعون أدبا في الصحبة والسفر والعلم (PDF)
    د. عدنان بن سليمان الجابري
  •  
    شرح كتاب: فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة ...
    عيسى بن سالم بن سدحان العازمي
  •  
    كفى بالموت واعظا
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أحكام المخابز (PDF)
    أبو جعفر عبدالغني
  •  
    "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله ...
    محمد السيد محمد
  •  
    صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن السعدي رحمه ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الأساس في أصول الفقه (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأربعون حديثا في تحريم وخطر الربا (PDF)
    طاهر بن نجم الدين بن نصر المحسي
  •  
    الله (اسم الله الأعظم)
    ياسر عبدالله محمد الحوري
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل دكتوراة
علامة باركود

منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة: دراسة تقابلية

عبد المجيد الطيب عمر

نوع الدراسة: PHD
البلد: السودان
الجامعة: جامعة أم درمان الإسلامية
الكلية: كلية اللغة العربية
التخصص: الدراسات النحوية واللغوية
المشرف: د. بكري أحمد الحاج
العام: 1431 هـ - 2010 م

تاريخ الإضافة: 25/9/2022 ميلادي - 28/2/1444 هجري

الزيارات: 14144

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة: دراسة تقابلية

 

جاءت هذه الدراسة بعنوان مكانة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة، وهي تهدف بداهة إلي تحديد موقع اللغة العربية بين لغات العصر، وذلك بناءًا على نظريات علم اللغة التقابلي. بدأت الدراسة باستعراض تاريخ ونشأة اللغة العربية ومقارنتها بتاريخ ونشأة اللغات الأخرى، فوجد الباحث أن العربية ذات تراث عريق، وتاريخ موغل في القدم، حيث وصلت العربية إلى الزمان الحاضر عبر تاريخ بعيد غابر. ولكنها رغم ذلك ظلت ناطقة على السنة المعاصرين كما كانت تنطق على السنة السابقين دون أن تستغرب أو تستعجم، بل ودون أن تتبدل أو تتغير أو تموت. وهذا أمر نادر الحدوث ولم يسجله التاريخ إلا للغة العربية، التي يقرأ القارئ نصوصها القديمة دون الإحساس بقدمها. على حين أن نصوص اللغات الأخرى تستغلق على الفهم إذا مضى على إنشائها قرن أو قرنان وتوضع لتفسيرها المعاجم، وتصبح من مقتنيات المتاحف إن مضى على تأليفها أكثر من ذلك.

 

أما من حيث نشأة اللغة العربية، فوُجد أن التاريخ لم يسايرها إلا وهي في وفرة الشباب، وذروة النمو والكمال، وكأنها لم تمر بما مرت به اللغات الأخرى من مراحل التخلق والتطور، حتى قال بعضهم بأنها هكذا كان انبثاقها إلهامًا، وظهورها إعجازًا وخرقًا لناموس تطور اللغات. ثم جاءت مرحلة نزول القرآن الكريم بها، فتعاطت مع تعاليم تلكم الرسالة الخالدة إكسير الحياة، وسر البقاء فخلدت وبقيت، واضمحل ومات ما سواها من لغات. ثم دلف الباحث إلي أصوات العربية، فوجد أن أهم ما يميزها ثباتها، واستقرارها المذهل؛ فهي لم تتغير ولم تتبدل على مر السنين وتعاقب الأجيال الناطقة بها، على حين أن بعض أصوات اللغات الأخرى تتبدل وتتحول بل وتختفي من نظامها الصوتي تمامًا. ثم إن أصوات اللغة العربية جاءت موزعة توزيعًا متوازنًا على أطول مدرج لجهاز نطقي عرفته لغة إنسانية، فتخرج واضحة متمايزة سهلة سلسة، وهذا نقيض ما يوجد في اللغات الأخرى التي قد يتكاثر خروج أصواتها من مخرج واحد، فتتقارب في نطقها وتأتي باهتة غامضة يصعب على متعلميها من غير بنيها إنتاجها وتمييزها.

 

ثم تناول البحث الكتابة والهجاء في اللغة العربية، فوجد أن أهم ما يميز الكتابة العربية، أنها كانت ومنذ نشأتها الباكرة تمثل نموذجًا متطورًا جدًا لنمط الكتابة الصوتية القياسية. فمن سمات الكتابة العربية التطابق شبه التام بين المكتوب والمنطوق، فلا يوجد في العربية حروف تُكتب ولا تنطق،كما لا توجد أصوات تنطق في الكلمة دون أن تمثل بحروف عدا بعض الاستثناءات القليلة والتي تحكمها قوانين صارمة وقواعد محددة. ولا يوجد في العربية حروف لها أكثر من قيمة صوتية واحدة، كما لا توجد في الأبجدية العربية حروف مركبة (Diphthongs). فالكتابة في اللغة العربية بتلك السمات القياسية قلَّ أن يوجد لها مثيل في اللغات المعاصرة الأخرى.

 

أما من جهة النحو والذي يمثل أحد معايير ضبط اللغة ومعرفة قواعد استخداماتها، فقد عرف هذا الفن في سائر اللغات، لكن النحو العربي كان الأكمل والأشمل والأوسع أبوابًا. فالنظام النحوي العربي نظام مفتوح، لا تُحدد فيه وظيفة الكلمة بمجرد موقعها في الجملة كما هو الحال في النظم النحوية المغلقة السائدة في اللغات الأخرى، بل إن في النحو العربي معايير إضافية مثل استخدام الحركات أو ما ينوب عنها لتحديد وظيفة المفردة في الجملة بغض النظر عن موقعها. والنحو في العربية يشتمل على كثير من القوانين الثابتة التي تساعد على ضبط استخدام اللغة وتوضيح معانيها، وإزالة الغموض الذي هو سمة ملازمة لكثير من اللغات المعاصرة.

 

ثم هناك الصرف، والذي هو صنو النحو وقرينه. فكان من ميزات العربية أن حباها الله بميزان صرفي قياسي دقيق، يستطيع متحدث العربية بواسطته اشتقاق عدد كبير من المفردات من صيغة الفعل الماضي أوالمصدر.

 

وهذه خاصية عظيمة تساعد على بقاء اللغة حية، كما تساعد على اختصار الوقت المطلوب لتعلمها وإتقانها.

 

وتتيح الفرصة كاملة لاستخدام المنطق والعقل والذوق السليم لاشتقاق مفردات جديدة أو فهمها، دون أن يكون الدارس قد اطلع عليها من قبل. وهذه ميزة أخرى فاضلة، قلَّ أن يوجد لها مثيل في اللغات المعاصرة التي تفتقر لنظم صرفية ثابتة تعين على دراستها وفهمها.

 

واللغة العربية دون سائر اللغات الإنسانية تذخر برصيد وافر من المفردات، وتتسع إمكاناتها للتعبير عن المفاهيم المتجددة من خلال آليات ذكية مثل الاشتقاق والنحت لصياغة مفردات جديدة. أما اللغات الأخرى، فهي ذات رصيد محدود من المفردات، وتقل بها إمكانية الاشتقاق والنحت، مما يجعلها تعتمد كليًا على الاقتراض من اللغات الأخرى.

 

واللغة العربية لا تكتفي بالتعبير عن المفاهيم المختلفة بدقة فحسب، بل تسعى لتحقيق ذلك من خلال تطبيق أعلى معايير الجودة الشاملة، وإتباع مسالك الإحسان والإتقان، حيث تقدم تلك المفاهيم في أطر جمالية أخاذة، وصور بلاغية رائعة تحقق الفهم والإمتاع معًا، وتكسر حاجز الرتابة، وتثري الفكر والوجدان.

 

هذه السمات المثالية وغيرها من الميزات تضع اللغة العربية في مقدمة اللغات المعاصرة. وترشحها لأن تكون اللغة التي يبحث عنها علماء اللغة المحدثون لاتخاذها لغة كونية مشتركة لسائر بني الإنسان.

 

الخاتمة

(ملخص الدراسة ونتائجها والتوصيات):

مدخل:

العربية لغة عريقة جدًا، بيد أنها رغم هذه العراقة التي لم تماثلها فيها لغة حية أخرى، ظلت محافظة على شكلها ومضمونها، أو قل على مبانيها ومعانيها بصورة مدهشة. فإن من أغرب ما وقع في تاريخ اللغات البشرية وصعب فهم سره وإدراك كنهه، بقاء هذه اللغة مصونة فتية، غضة طرية، ناطقة على السنة الأجيال الحاضرة، كما كانت تنطق على ألسنة الأجيال الغابرة: لم تستغرب ولم تستعجم؛ بل لم تتبدل ولم تتغير ولم تمت مثلما تبدلت أو ماتت سائر اللغات التي عرفها الإنسان.

 

فأصواتها ومفرداتها، وصيغها وتراكيبها، هي هي كما كانت، رغم تطاول القرون وتعاقب الأجيال. وهذا أمر لم يسجله التاريخ للغة محكية، ولم يوجد له نظير إلا في اللغة العربية. تلك اللغة التي يقرأ القارئ نصوصها القديمة اليوم، فلا يحس بقدمها، بل يأنس بها، ويتلذذ بتكرارها وتمثلها واستخدامها.

 

يحدث هذا في اللغة العربية، في حين أن نصوص اللغات الأخرى تستعصي على الفهم، ويصعب تمثلها إذا مضى على تأليفها قرنان أو ثلاثة، وتصبح من مخلفات التاريخ إن مضى على إنشائها أكثر من ذلك، وتحسب في عداد مصنفات المتاحف واللغات الميتة.

 

ومن المسائل المدهشة حقًا، أن تنبت هذه اللغة، وتصل درجة الكمال اللغوي والبهاء التعبيري، وسط تلك الصحاري المقفرة في جزيرة العرب؛ عند أمة من الرحل الأميين، الذين عجزوا حتى عن بناء مساكن ثابتة، تأويهم وتقيهم زمهرير الشتاء القارص، وسموم الصيف اللافح، ناهيك عن أن يبدعوا نظامًا لغويًا متفردًا تقاصرت وتضاءلت دون روعته كل النظم اللغوية التي عرفها الإنسان في تاريخه الطويل.

 

فرغم وعورة الجغرافيا وقسوة المكان، ورغم العوز الذي كان السمة السائدة وسط غالب السكان، تفتقت عبقرية الإنسان عن تلك المنظومة اللغوية الرائعة، المعبرة عن فطرة سوية، وسليقة شفافة نقية، لتضع بين يدي التاريخ هذه الدرة الفريدة السنية، هذه اللغة العربية، التي فاقت كل أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقة معاييرها ورقة تعابيرها، وحسن نظام مبانيها وسم ومعانيها. هذه اللغة التي ظهرت، ومنذ أن ظهرت، وهي في غاية الكمال والجمال والجلال. إذ لم يسايرها التاريخ إلا وهي في عنفوان الشباب، فلم تُعرف لها طفولة، ولم تدركها شيخوخة، ولم تطلها يد الفناء والبلى، ولم تذهب شبابها سنن التبدل والتغيير.

 

فاللغة العربية هي أهم لغة في تاريخ البشرية، إذ بها نزل القرآن الكريم، الحاوي لعقيدة الإسلام وشرائعه الراسخة، وتعاليم تلك الرسالة الخاتمة الموجهة للخلق أجمعين، إنسهم وجنهم على السواء، وعلى اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وعلى اختلاف أزمانهم وأوطانهم، وحتى قيام الساعة. فحفظت من التبدل والتحول والموت الذي هو سنة كافة اللغات، خلا العربية، وذلك بوعد رباني صادق ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ (الحجر، آية: ٨). فكون هذه اللغة الشريفة هي لغة القرآن، فإن ذلك في حد ذاته يستوجب أن تجير لدراستها الأقلام، وتوجه لفهم دقائقها الإفهام، أفهام أبناء أمة الإسلام، وعلمائها الكرام الحادبين على دينهم، الغيورين على عقيدتهم، والساعيين لتثبيتها في نفوس الخاصة والعوام.

 

فهذا أمر بالغ الأهمية، ولا يمكن أن يحقق إلا من خلال إتقان هذه اللغة العربية، وفهم أسرارها وسبر أغوارها، والاسضاءة بأنوارها. وفي هذا الإطار تأتي هذه الدراسة كمحاولة جادة لفهم حقيقة هذه اللغة، وذلك من خلال مقارنة مكوناتها ومقابلتها بمكونات اللغات المعاصرة، عسى أن يقود ذلك لتبيان مكانة هذه اللغة الشريفة بين لغات العالم، وتقديم الشواهد والأدلة الواضحة على تفرد هذه اللغة. والأمل معقود على أن تفتح هذه الدراسة أبوابًا للبحث المتعمق في هذا المجال، وذلك باستخدام مبادئ علم اللغة التقابلي لاستكناه معالمها وأسرارها، ومن ثم تحديد مكانتها السامية بين لغات العالمين، وإيلائها ما تستحق من جهد وعناية، والسعي لنشرها وتعليمها للناطقين بغيرها، حتى تكون لغة التفاهم الأولى بين أبناء البشر.

 

نتائج الدراسة:

من خلال هذه الدراسة المتأنية لمعالم العربية، وسماتها ومكوناتها الأساسية، ومقابلة تلك ومقارنتها بمعالم وسمات ومكونات اللغات الأخرى، فقد وصل الباحث إلى سلسلة من النتائج المهمة، والتي سوف تذكر إجمالًا فيما تبقى من هذا الفصل.

 

وقد شملت الدراسة نشأة اللغة العربية وتاريخها وتطورها، كما شملت الدراسة أصواتها وعباراتها، وأساليب كتابتها ورسمها. ثم تطرقت الدراسة إلى نحو اللغة العربية وصرفها وبلاغتها وثراء معجمها. وأفرد لكل من تلك المكونات فصلٌ قائم بذاته نوقشت فيه سماتها ومميزاتها، وتمت مقابلة تلك السمات والمكونات بنظائرها في اللغات الأخرى، وقد أظهرت هذه الدراسة الوصفية التحليلية التقابلية تفوق العربية تفوقًا لا تخطئه العين، ولا يتوهم فيه ذو عقل وبصيرة، اللهم إلا إن كان في قلبه مرض، أو في عينه رمد. وتتلخص هذه النتائج فيما يلي:

١. اللغة العربية هي إحدى منظومة اللغات السامية مثل العبرية والآرامية والأمهرية.

وهي أقرب تلك اللغات للمصدر إن لم تكن هي السامية الأصل. فلم تتعرض لما تعرضت له بقية الساميات من اختلاط وتحور أو تبدل أو ذوبان في لغات أخرى.

ويرجع الباحثون ذلك لاحتباسها في جزيرة العرب مما أبقاها على نقائها وصفائها.

وقد اندثرت كل اللغات السامية عدا العربية، رغم قلة الجهد البشري المبذول لحفظها.

 

٢. اختلفت الآراء حول طريقة نشأتها؛ فمن العلماء من يرى بأن يعرُب بن كنعان كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان المبين فسميت العربية باسمه. ويرى البعض الآخر أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام كان أول من فتق لسانه بالعربية، وهو ابن أربع عشر سنة ثم نسي لسان قومه من جرهم.

 

٣. يستبعد الباحث أن تكون نشأة العربية نشأة عادية. فنظامها الصوتي والنحوي البلاغي يدحض هذه الفكرة. ويتأكد ذلك إذا علم أن الأمة التي يزعم أنها قد أبدعت هذا النظام اللغوي الدقيق، هي أمة من الأميين الرحل يعيشون في بادية قاحلة وصحراء جرداء، وأبعد ما يكونون عن عوامل الحضارة والرقى والمعرفة التي يمكن أن يستعينوا بها على تطوير مثل هذا النظام اللغوي المتقدم المكتمل الدائم. ويدعم هذا الرأي أن هذه اللغة ظلت حية نقية غضة طرية، لم تتبدل ولم تتغير، ولم تمت ولم تخضع للناموس الذي خضعت له جميع لغات الإنسان في التغيير والتبدل والنسيان.

 

٤. إن تاريخ اللغة العربية، هو تاريخ الإنسان اللغوي من لدن آدم عليه السلام. أما تاريخ اللغات الأخرى المعروفة في عالم اليوم، فلا يتجاوز بضعة قرون. فاللغة الإنجليزية المتحدثة اليوم أو ما يسمى باللغة الإنجليزية الحديثة، فإن عمرها لا يتجاوز الخمسة قرون. أما إنجليزية ما قبل هذا التاريخ فهي في عداد اللغات الميتة، ولا يعرفها إلا بعض من علماء الآثار والمتاحف، مثلها في ذلك مثل الهيروغلوفية واللاتينية. وهذا الحال نفسه ينطبق على اللغة الفرنسية المحكية اليوم، والتي يرجع تاريخها إلى القرن السادس عشر الميلادي. أما فرنسية القرون السابقة لهذا الزمان فهي أيضًا من مقتنيات المتاحف.

 

٥. اللغات المختلفة تختلف في عدد أصواتها، حيث يتعدى عدد الأصوات في بعض اللغات الستين صوتًا، بينما يقتصر في لغات أخرى على خمسة عشر صوتًا أساسيًا مثلما هو الحال في بعض اللغات الإفريقية والآسيوية. أما أصوات العربية فهي بضع وثلاثون صوتًا، مقسمة تقسيمًا متوازنًا على مدى أطول مدرج لجهاز نطقي، فتخرج واضحة متمايزة سهلة سلسة. وهذا عكس ما يوجد في كثير من اللغات التي يتكاثر خروج أصواتها من مخرج واحد، فتتقارب في نطقها فتخرج باهتة متشابهة، يصعب على متعلمها من غير بنيها إنتاجها وتميزها.

 

٦. ومن أهم ميزات أصوات العربية أنها ثابتة لم تتغير، ولم يطرأ عليها ما طرأ على أصوات اللغات الأخرى من تبدل وتحول أو اختفاء. فأصوات العربية هي هي، لم تنقص ولم تتبدل ولم تزد. أما ما تحدث عنه بعض اللغويين المحدثين من تغير في بعض أصوات العربية فهذا غلط فاحش، مرده إلى تأثر بعض هؤلاء بلغاتهم الدارجة، أو لسوء فهمهم للوصف الذي ورد في كتب الأقدمين لتلك الأصوات.

 

٧. يقابل هذا الثبات المدهش في أصوات اللغة العربية تبدل وتغير مربك في أصوات اللغات الأخرى. فاللغة الإنجليزية مثلًا، فقدت عددًا من أصواتها الأساسية في أثناء مسيرة تطورها مثل صوت (gh) والذي كان ينطق خاءً، وتبدلت جميع أصوتها المتحركة الطويلة لتصبح قصيرة، ومجمل أصواتها الخلفية تقدمت وأصبحت أصواتًا أمامية. وفقد الحرف (e) قيمته الصوتية في نهاية الكلمة. كما أسقطوا في مرحلة لاحقة، صوت (R) عدا في المواقع المتوسطة بين صوتين متحركين، أو إذا وقع في بداية الكلمة. حدث كل ذلك التغيير فجأة في القرن الخامس عشر الميلادي، وعرفت هذه الظاهرة بالتحول الصوتي العظيم (Great Vowel shift) وأصبحت اللغة الإنجليزية فيما بعد هذا التاريخ خلقًا آخر لا يكاد يستبين معالمه الناطقون باللغة الذين عاشوا بعد هذا التاريخ. وأصبحت إنجليزية ما قبل القرن الخامس عشر، في عداد اللغات الميتة؛ لا يفهمها ولا ينطق بها أحد، فانفصمت عرى التواصل بين أجيالها، وتاه بها الدليل في سراديب القرون المظلمة.

 

٨. إن مما تفردت به الكتابة العربية أنها كانت، ومنذ أن عرفت، تمثل نموذجًا متطورا جدًا للكتابة الصوتية (phonetic writing) وتتمثل سمة هذا التفرد في هذه الكتابة في التطابق شبه التام ما بين المكتوب والمنطوق. وقد ساعد على تحقيق هذه السمة الفريدة في الكتابة العربية، أن رموزها الكتابية مساوية لأصواتها، إضافة إلى ثبات تلك الأصوات على مدار التاريخ. ففي اللغة العربية ثمانية وعشرون حرفًا وثلاث حركات، لتمثل واحدًا وثلاثين صوتًا وهي جملة أصوات اللغة العربية. ومن هنا تكون العلاقة بين الصوت والرمز علاقة أحادية، فلا يوجد في العربية مثلًا حرف له أكثر من قيمة صوتية واحدة، كما لا يوجد صوت يمثل بأكثر من حرف واحد. وهذا التطابق بين المنطوق والمكتوب في الكتابة العربية جعل العربية تكتب كما تنطق. وهذا النمط لا يوجد له مثيلٌ في كتابة اللغات المعاصرة.

 

٩. إن نظم الكتابة في اللغات الأخرى، خصوصًا نظام الكتابة في اللغة الإنجليزية والفرنسية، أبعد ما تكون عن الكتابة الصوتية القياسية. فنظم كتابة تلك اللغات نظم اصطلاحية من الدرجة الأولى، ينعدم فيها التطابق ما بين المكتوب والمنطوق، بحيث إنه من الصعب أن توجد كلمة في اللغة الإنجليزية تكتب كما تنطق. ويرد ذلك لأسباب عديدة، أهمها أن عدد أصوات تلك اللغة هو تقريبًا ضعف عدد حروفها. ففي الإنجليزية الرسمية المستخدمة اليوم، وهي إنجليزية الملكة، ثمانية وأربعون صوتًا، بينما الأبجدية اللاتينية التي تكتب بها تحتوي على ستة وعشرين حرفًا فقط. ورغم ذلك فقد تجد أن صوتًا واحدًا يمثل بأكثر من حرف؛ كما أن هناك حروفًا لها أكثر من قيمة صوتية واحدة، وأصواتا أخرى تمثل بمركبات من الحروف.

يحدث كل ذلك دون أن تكون هناك قواعد صارمة تحكم سلوك كل حرف أو صوت.

 

١٠. إن وجد النحو في سائر اللغات، إلا أن النحو العربي كان الأشمل والأكمل والأوسع أبوابًا. فهو يقوم على سلسلة من القوانين الثابتة، ويشتمل على كثير من الآليات التي تساعد على ضبط استخدام اللغة، وتوضيح معانيها، وإزالة الغموض الذي يعتبر ظاهرة متأصلة في كثير من اللغات الغربية.

 

١١. النظام النحوي العربي نظام مفتوح لا تحدد فيه وظيفة الكلمة من مجرد موقعها في الجملة، كما هو الحال في النظم النحوية المغلقة السائدة في اللغات المعاصرة.

فهناك معايير إضافية في العربية مثل استخدام الحركات، أو ما ينوب عنها لتحديد وظيفة الكلمة في الجملة أو موقعها من الإعراب.

 

١٢. ومن السمات النحوية للغة العربية، التطابق التام بين مكونات الجملة الواحدة.

فهناك التطابق بين الفاعل وفعله، والتطابق بين الصفة والموصوف، والضمائر الظاهرة والمستترة وما تنوب عنه من ذوات، واسم الإشارة والمشار إليه، وذلك من حيث الإفراد والتثنية والجمع، ومن حيث التذكير والتأنيث. فهذا الأمر يضيق هامش الغموض، ويجلي المعنى المقصود، ويضع اللغة العربية في مقدمة اللغات من حيث الإبانة والوضوح. أما في اللغات الأخرى ونسبة لعدم وجود مثل ظاهرة التطابق هذه، يصبح الغموض اللغوي أمرًا حتميًا لا مفر منه.

 

١٣. إن من الميزات العظيمة التي حباها الله للغة العربية، ذلك الميزان الصرفي الدقيق الذي بواسطته يستطيع متحدث العربية أن يشتق عددًا كبيرا من المفردات من صيغة الفعل الماضي أو المصدر. فهذا النظام قائم على صيغ معلومة يستطيع المتحدث بوسطتها تصريف الكلمة، وإيجاد صيغ الفعل الماضي والمضارع والأمر، واسم الفاعل واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم المكان واسم الزمان واسم الآلة، وغير ذلك من أجزاء الكلام. وعن طريق استخدام هذا المنوال العجيب يمكن لمتحدث العربية أن يصوغ مفردات جديدة، أو يتعرف عليها دون أن يكون قد سمع بها من قبل.

 

١٤. إن معرفة الميزان الصرفي في اللغة العربية تساعد على اختصار الوقت لتعلم هذه اللغة، وتتيح الفرصة كاملة لاستخدام العقل والمنطق لاشتقاق مفردات جديدة يعبر بها المتحدث عما يدور في ذهنه بطلاقة وسهولة.

 

١٥. إن اللغات الغربية خصوصًا اللغة الإنجليزية تفتقر لميزان صرفي ينظم أبنيتها ويضع القوانين الثابتة لتصريف مفرداتها. فقد يأتي الفعل الماضي والفعل المضارع والتصريف الثالث على صيغة واحدة، مثل ما هو الحال في الفعل (put) والفعل المضارع والماضي منه (put) والتصريف الثالث (put) وتسمى هذه الأفعال بالأفعال الشاذة في اللغة الإنجليزية. والغريب في الأمر أن من مجموع الأفعال الأكثر شيوعًا في اللغة الإنجليزية والبالغ عددها (٣٧٦) فعلًا تجد أن (٦٧,٥%) من تلك الأفعال هي أفعال شاذة.

 

١٦. نسبة لهذا الاضطراب الواسع في الصيغ الصرفية في اللغة الإنجليزية، فإنه يصعب جدًا على دارسها أن يصرِّف فعلًا مهما كان بسيطًا، لأنه لا توجد معايير ثابتة أو قواعد واضحة يمكن أن يسترشد بها الدارس لتصريف كلمة ما.

 

١٧. إن اتساق الصيغ الصرفية في اللغة العربية وثبات دلالاتها وأبنيتها يمكن أن يسهل عملية حوسبتها، حيث إن الحاسب يمكن أن يتعرف على الصيغ الثابتة المنطقية بسهولة شديدة. ولا يخفى على أحد الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها الحاسب الآلي، والتي يمكن أن تستغل للتعرف على مزيد من سمات هذه اللغة الشريفة.

 

١٨. تتميز اللغة العربية دون سائر لغات الشعوب بذخيرة ضخمة جدًا من المفردات فلا يوجد مفهوم عرفه الإنسان معنويًا كان أو ماديًا، إلا وفي اللغة مندوحة للتعبير عنه. فالعربية تذخر بثروة وافرة من المفردات ومرادفاتها. وتعبر عن الذوات المختلفة ولو كان اختلافها يسيرًا، بألفاظ متمايزة.

 

١٩. العربية مفعمة بثروة هائلة جدًا من المفردات. يذكر الخليل ابن أحمد في كتابه "العين" أن عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل (412, 305, 12) كلمة.

واعتمادًا على دراسات حاسوبية حديثة، فقد وجد أن عدد ألفاظ العربية يفوق الستة ملايين لفظًا. هذه ثروة لغوية هائلة لا نظير لها بين اللغات المعاصرة. فاللغة الإنجليزية على ذيوع صيتها، فإن معجم أكسفورد الحديث لا يزيد عدد مفرداته كافة عن ستمائة ألف كلمة أغلبها مستعار من لغات أخرى؛ والمستخدم منها في عالم اليوم لا يزيد عن ثلاثة وعشرين ألف كلمة. وقاموس اللغة الفرنسية لا يزيد عدد مفرداته عن أربعمائة ألف كلمة.

 

٢٠. بهذا الثراء اللغوي الذي لا مثيل له، استطاعت اللغة العربية التعبير عن كل المفاهيم الإنسانية بدقة متناهية، ووضوح وبيان لا يضاهيه بيان. فعبرت العربية عن شرائع الإسلام كافة، ومبادئه وتعاليمه السامية، وعن مطلوبات الحضارة والقيم الإنسانية، ومستلزمات العلوم والفنون بصورة غير مسبوقة. فانعكس ذلك إيجابًا على ذهنية الأوائل الذين عرفوا قدرها، وفهموا مقاصدها، وأبدعوا من خلالها نماذجَ من العلوم والفنون الراقية، وحققوا نهضة علمية فريدة، وترجموا جلَّ علوم الفرس واليونان والرومان؛ فما ضاق صدر العربية عن استيعاب تلك المعارف، وما عجزت عن التعبير عن مطلوبات تلك العلوم والحضارات.

 

٢١. وهكذا حفظت العربية للإنسانية تراثًا إنسانيا ضخمًا، أفادت منه البشرية فيما بعد، وبنت عليه دعائم نهضتها الحديثة. ولولا العربية وحركة الترجمة التي شهدها عصر الحضارة الإسلامية الذهبي، إبان الخلافة العباسية، لضاعت تلك الثروة العلمية الهائلة، ولتأخرت البشرية قرونًا عديدة. وهنا يذكر أن الحضارة الإسلامية المعبر عنها من خلال اللغة العربية، لم يقف دورها عند نقل علوم السابقين وترجمة معارفهم، ولكن كان هناك إبداعٌ علميٌ عربي أصيلٌ، تشهد عليه مؤلفات الفارابي وابن سينا الشيخ الرئيس، وابن النفيس، وجابر بن حيان وأستاذه الإمام جعفر الصادق، وغيرهم كثير. وهو إنتاج علمي رفيع، مازالت رقاعه محفوظة في مكتبات أوروبا المعاصرة وجامعاتها العريقة.

 

٢٢. لم تقف سمات التميز في اللغة العربية عند كونها لغة مكتملة مبنى ومعنى، ولا عند تميزها بميزان صرفي ذهبي يعين على اشتقاق عدد غير قليل من المفردات، ولا عند نحوها الذي يمثل قيمة إضافية تضمن العصمة من الخلط وغموض المعنى، ولا عند سعة مفرداتها وثراء معجمها اللغوي، ولكن العربية أيضًا تحقق أعلى قيم الجودة الشاملة، وذلك من خلال قدرتها على استخدام فنون البلاغة مثل البديع والبيان لتوضيح المعاني وتقريبها للأذهان. تؤدي ذلك عن طريق تجسيد غير المحسوس، وتجريد الملموس، وإثارة الصور الذهنية، كالتشبيه والكناية والإشارات الذكية، التي تعين على الفهم والإمتاع معًا.

 

٢٣. اللغة العربية لا تقدم المعنى كاملًا فحسب، بل تقدمه في صور جمالية زاهية، تسترعى الانتباه وتكسر حاجز الرتابة، وتشد السامع، وتحقق متعة التواصل. وهي إضافة إلى ذلك كله تحافظ على الذوق الرفيع والقيم الأخلاقية، والآداب المرعية.

انظر مثلًا إلى قوله جلَّ شأنه وتقدست أسراره في الآية الكريمة ﴿ أو لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيمَّمُوا صَعِيدًا طَيبًا ﴾ (النساء، آية: ٤٣) فتدرك أن هنالك معنى لا يمكن أداؤه بغير هذا الأسلوب الذي عبرت الآية الكريمة عنه، دون أن يخدش حياء أو يثار حرج. هذا الذوق الرفيع الذي عرفته العربية منذ عصور سحيقة، لم تدركه اللغات الحديثة إلا في فترة تاريخية متأخرة جدًا، وسموه Euphemism والشاهد على ذلك أن كتبهم القديمة وخصوصًا كتب الأناجيل تعج بعبارات وألفاظ تصك الآذان، وتخدش الحياء، وتفسد الأذواق. انظر مثلًا العهد القديم النص الأصلي في "نشيد الإنشاد" الإصحاح الخامس (ص: ٢٨٠ ). حيث تقرأ العجب العجاب.

 

٢٤. أما اللغة العربية الغنية بتشبيهاتها وكناياتها واستعارتها ومحسناتها البديعية، فتسمو بمتحدثها وسامعها إلى مراقي الكمال والجمال، وتغذي العقل والوجدان، وتكسر حاجز الرتابة، فتفتح آفاقًا رحبة للتواصل الإنساني، وتحقق حاجات الفرد العقلية والوجدانية والروحية والاجتماعية بسلاسة ودقة متناهية.

 

٢٥. إن مبدأ الأسلوبية الذي يتحدث عنه اللغويون المحدثون كثيرًا، لهو مبدأ قديم رعته العربية ورعاه مستخدموها وبدقة متناهية، ومنذ عصور قديمة زاهية. فكان خطاب كل بما يفهم أسلوبًا معتادًا في العربية، أدركه الأوائل بفطرتهم النقية واستخدموه ببراعة وروية، فجاءت الأقوال مطابقة لمقتضى الأحوال. انظر قول بشار بن برد، الذي وجد في العربية أساليب متنوعة، يخاطب بها طبقات مختلفة ممن يتعامل معهم، كل حسب مستواه العقلي والإدراكي: فهو القائل مخاطبًا ربابة جارته قائلًا:

ربابة ربة البيت
تصب الخل في الزيت
لها عشر دجاجات
وديك حسن الصوت

 

وهو نفس القائل في مقام آخر مفتخرًا:

إذا ما غضبنا غضبة مضرية
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

 

وحين يسأل بشار العارف بأسرار اللغة العربية عن هذا التباين في أسلوبه، يجيب بأنه يخاطب كل بما يفهم. وأن خطابه لربابة جارته بهذا الأسلوب البسيط لهو أبلغ وأحسن عندها من قول امرئ القيس (قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل)

 

٢٦. هذه الخصائص النادرة وغيرها كثير، تؤهل العربية، وترشحها لأن تكون اللغة الإنسانية الأولى؛ والتي تمثل الكنز النفيس الذي يبحث عنه علماء اللغة المحدثون لصياغة اللغة الكونية التي يحتاجها عصر العولمة. ويحسب الباحث أن هذا الأمر سوف يحدث قريبًا وقريبًا جدًا، وحينذاك سيدرك أبناء العربية والناطقون بها منزلة هذه اللغة بين لغات العالم. وقد يهز أحدهم كتفيه قائلًا: "هذه بضاعتنا ردت إلينا".

 

خلاصة:

من كل ما سبق يخلص الباحث إلى أن اللغة العربية، لغة عريقة، ضاربة جذورها في التاريخ. ويعتقد الباحث أنها الأصل الذي انبثقت منه كل اللغات حيث احتبست في جزيرة العرب وحافظت على نقائها وبهائها، ولم تتعرض لما تعرضت له اللغات الأخرى من تبدل أو تغيير، أو فناء وانقراض. بل ظلت رغم قلة الجهد البشري المبذول لحفظها، محفوظة بحفظ الله، تكلؤها عنايته وتحيطها رعايته، تستمد سر بقائها وأسباب خلودها من القرآن الكريم، الذي بها نزل رحمة وهدى للعالمين.

 

وهكذا ستبقى إلى يوم الدين. وهذه ميزة كانت للعربية دون سائر اللغات.

 

ولا شك أن العربية قد تميزت بسمات فريدة، وخصائص عديدة أهلتها ومنحتها قوة البقاء ومكنتها من مقاومة أسباب التغير والتبدل والفناء. فهي تمتاز بنظام صوتي ثابت ومعتدل، ظل كما هو على مر الزمان، الأمر الذي أعطى العربية إمكانية الاستمرارية، وكفل لها فرصة نادرة لتواصل الأجيال المتعاقبة. فتجد طفل مدرسة الأساس، مثلًا، يفهم أحاديث رسول الإنسانية عليه أفضل الصلاة والسلام التي قالها قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان. بينما يصعب - إن لم يستحل - على أساطين اللغة الإنجليزية والنابهين من أبنائها، فهم أقاصيص جوسر (CHAUSER) التي كتبتها في القرن الرابع عشر الميلادي.

 

ومن خصائص العربية الفريدة ذلك الميزان الصرفي الدقيق وهو منوال يمكِّن دارس العربية من اشتقاق عدد غير محدود من المفردات، ويتيح الفرصة للدارس لاستخدام قواعد المنطق والاستنباط والاستنتاج. وهذا المنوال قل ما يوجد له مثيل في لغة أخرى، فهو يسهل دراسة اللغة العربية، ويختصر الوقت المطلوب لإتقانها.

 

أما نظام الكتابة العربية، فهو نظام صوتي قياسي. حيث تكتب كل كلمة بحسب طريقة نطقها. فلا يوجد في العربية كما هو الحال في الإنجليزية والفرنسية، حروف مكتوبة غير منطوقة، ولا توجد بها أصوات تنطق دون أن تمثل برموز أو حروف. كما لا يحمل الحرف العربي أكثر من قيمة صوتية واحدة، ولا يمثل الصوت الواحد بأكثر من حرف واحد. وهذا آخر ما توصل إليه علماء اللغة المحدثون لكتابة اللغات. أما الحالات النادرة التي يخالف فيها المكتوب المنطوق في العربية، فهي حالات تحكمها قواعد صارمة وقوانين ثابتة. وهذا عكس نظام الكتابة في اللغة الإنجليزية مثلًا التي لا تكاد توجد فيها كلمة واحدة تكتب كما تنطق؛ الأمر الذي يجعل أمر تعلمها عسيرا معقدًا.

 

ثم هناك النحو العربي، وهو نظام شامل مفتوح، ويمثل قيمة إضافية تساعد على جلاء المعاني، وإزالة الغموض الذي يقع في كثير من اللغات.

 

واللغة العربية دون سائر لغات الكون تزخر برصيد وافر من المفردات، ويتسع صدرها الرحيب للتعبير عن المفاهيم المتجددة. ولها آليات ذكية مثل الاشتقاق والنحت لصياغة مفردات جديدة يمكن أن تعبر عن مطلوبات المعارف المتجددة والمفاهيم الحديثة المتعددة. والعربية لا تكتفي بالتعبير عن المفاهيم والمعارف بدقة، بل تسعى لتحقيق ذلك من خلال تطبيق معايير الجودة الشاملة، وإتباع مسالك الإتقان والإحسان، حيث تقدم تلك المفاهيم في أطر جمالية أخاذة، وصور بلاغية رائعة، تحقق الفهم والإمتاع معًا، وتكسر حاجز الرتابة وتثرى الفكر والوجدان.

 

توصيات الدراسة:

ثبت من خلال هذه الدراسة أن العربية لها من السمات والخصائص والمؤهلات ما يضعها في مقدمة اللغات الإنسانية. وعليه يوصي الباحث بأن تولى هذه اللغة من قبل بنيها ما تستحقه من اهتمام وماهي جديرة به من احترام. فهي وجدان الأمة وضميرها الحي وعقلها الذي به تفكر. فإن أرادت هذه الأمة أن تحقق وحدتها وتعزز سيادتها وتستكمل نهضتها، فلا سبيل لها لأن تنجز ذلك إلا من خلال تقوية لسانها العربي المبين، وإعلاء شأنه بين العالمين. وللأمة أن تحقق ذلك من خلال ما يلي:

١) الاهتمام بتعلم اللغة العربية للنشئ وتعزيزها في المناهج المدرسية واتباع أحدث الوسائل لتعليمها، والتوسع في النشاط اللاصفي الذي يتيح فرصة ممارسة اللغة كتابة وخطابة، حتى ينشأ جيل مجيد للغة، مستمسك بقيمها مطلع على أسرارها، معتز بقدرها. ويتطلب ذلك اختيار مادة تعليمية ونماذج أدبية رائعة تستهوي أفئدة الدارسين وتتشحذ عزائم الباحثين. وأهم من ذلك كله الاهتمام بتحفيظ النشئ القرآن الكريم، إذ به تستقيم الألسن والعقائد وتنحل العقد والشدائد، فينشأ جيل تكون اللغة سليقة مركوزة في فطرته.

 

٢) الاهتمام بتدريب معلمي اللغة العربية تدريبًا عاليًا يعينهم على أداء مهامهم الجسام بسهولة ويسر، فهم رأس الرمح في معركة التحرير والتأصيل القادمة.

 

٣) الاهتمام بالبحث العلمي الذي يتناول اللغة العربية في مجالاتها الرئيسية ومظانها المختلفة وفروعها المتباينة، ومقارنتها ومقابلتها باللغات الأخرى حتى تظهر مكانتها السامية بين اللغات، ثم لتوفى حقها من الاحترام والاهتمام.

 

٤) جعل اللغة العربية لغة للتعليم والبحث العلمي في الجامعات، ولغة للمعاملات الرسمية في مؤسسات الدولة، فهي أقدر اللغات على إنجاز هذه المهام. وإن اعتماد اللغات الأجنبية لغات للتعليم الجامعي أمر معيب يخرِّج في أحسن حالاته نسخًا مشوهة لإنسان الغرب الذي تُدرس تلك العلوم برطاناته الغامضة.

 

٥) اهتمام وسائل الإعلام بتقديم الرسالة الإعلامية بلغة عربية فصيحة صحيحة.

وهذا يتطلب تدريب الإعلاميين تدريبًا لغويا عاليًا، فهم الذين يسهمون بقسط وافر في تشكيل لغة الأمة واتجاهتها ونزاعاتها وذوقها.

 

٦) يوصي الباحث بوضع مناهج لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. فهناك مليار مسلم ينتشرون في قارات الدنيا السبع يتطلع كل منهم لتعلم قسط ولو يسير من اللغة العربية.

 

٧) أما على المستوى الإقليمي فيوصي الباحث بضرورة تعزيز التواصل بين المجامع اللغوية وكليات اللغة العربية الموجودة في البلاد العربية حتى تتكامل جهودها في خدمة هذه اللغة. فهذه المجامع والكليات تضم علماء فحولًا وأدباء مفلقين في كافة ضروب المعارف والآداب. ولا شك أن تضامنهم وتعاونهم سوف يكون رصيدًا لهذه الأمة وإضافة حقيقة للحضارة الإنسانية.

 

٨) على الجانب التقني، يوصي الباحث بالسعي الجاد لحوسبة اللغة العربية. فلا أحد يجهل الإمكانات المهولة التي يذخر بها الحاسوب، وعليه فإن حوسبة اللغة العربية سوف تكشف الكثير المثير من أسرار هذه اللغة المدهشة.

 

هذه بعض التوصيات التي أراد الباحث أن يختم بها هذا البحث المهم، والذي رمى الى أن يحدد منزلة العربية بين لغات العصر. والأماني تبقى مشروعة، والدعوات الصادقات الي الله مرفوعة، أن يكون هذا الجهد، على تواضعه، قد أسهم في إزالة ما ران على العربية من ركام الافتراءات الزائفة، والأكاذيب السمجة، والتهم الباطلة التي ظلت توجه للعربية دون وجه حق أو دليل. والأمل يبقى معقودًا أن تعقب هذه الدراسة دراسات أخرى أكثر عمقًا وتمحيصًا فتكون نورًا ونبراسًا تستضئ به العقول الباحثة عن جوهر الحقيقة المطلقة، وبشارة تلوح في أفق فجر جديد، يكون فيه للعربية سيادة وريادة، فتسعد بها الإنسانية كل الإنسانية، وينداح معها الكون ليكون دار سلام وتفاهم ووئام.

 

هذا وصلى الله على سيدنا ونبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

فهرس المحتويات

الموضوع

الصفحة

الإهداء

ب

شكر وعرفان

ج

مستخلص الدراسة

د

الفصل الأول: (المقدمة وتعريف المشكلة)

 

مقدمة

١

إلى من توجه هذه الدراسة

٤

منهج البحث وعدة الباحث وعتاده

٦

مشكلة البحث وجذورها التاريخية

٨

أسئلة البحث

١٢

أهداف البحث

١٣

أهمية البحث

١٣

منهج البحث

١٤

حدود البحث

١٤

موضوعات الدراسة وفصولها

١٥

الفصل الثاني: (أدبيات البحث ومصادر الدراسة)

 

مدخل

١٧

تعريف اللغة

١٨

أصل الُّلغة وبدايتها

١٩

سمات وخصائص لغة الإنسان

٢٤

اكتساب أم تعلم اللغة

٢٥

علم اللغة

٢٩

تعريف علم اللغة ووظيفته

٢٩

علم اللغة التطبيقي

٣١

علم اللغة المقارن

٣٢

علم اللغة التقابلي

٣٢

علم اللغة التاريخي

٣٣

خاتمة

٣٣

الفصل الثالث: (نشأة اللغة العربية وتاريخها بالمقارنة مع اللغات الأخرى)

 

مدخل

٣٥

أصول اللُّغة العربية

٣٦

أطوار اللُّغة العربية وتنوع لهجاتها

٣٧

صراع اللهجات وتقلب لغات الشمال

٣٨

أسباب صعود لغة العدنانيين (المضرية)

٣٩

العربية بعد نزول القرآن الكريم (عصر صدر الإسلام)

٤١

العربية في العصر الأموي

٤٢

العربية في العصر العباسي

٤٤

اللغة العربية في العصر الحديث

٤٧

خلاصة

٥١

تاريخ اللغة الإنجليزية

٥٣

مدخل

٥٣

مكونات اللغة الإنجليزية

٥٤

الغزو النورمندي وظهور اللغة الإنجليزية الوسيطة (١١٠٠-١٥٠٠)

٥٧

التحول الأصواتي العظيم (Great Vowel Shift)

٦٠

اللغة الإنجليزية الحديثة Modern English (١٥٠٠ م - ١٨٠٠ م)

٦٠

لهجات اللغة الإنجليزية الحديثة

٦٢

اللغة الإنجليزية في عالم اليوم

٦٣

خلاصة

٦٥

وقفة للمقارنة

٦٨

الفصل الرابع: (أصوات اللُّغة العربية واللغات الأخرى)

 

مدخل

٧٢

جهاز النطق

٧٣

تصنيف الأصوات

٧٦

الأصوات المجهورة والمهموسة

٧٩

شدة الصوت ورخاوته

٨٠

الأصوات حسب مواضع نطقها

٨١

زعم بعض المحدثين تبدل الأصوات العربية

٨٤

خلاصة

٨٦

أصوات اللغة الإنجليزية الحديثة

٨٨

التحول الصوتي العظيم (The Great Vowel Shift)

٨٩

نقطة للمقارنة

٩٢

الفصل الخامس: (الكتابة في اللغة العربية ومقارنتها باللغات الأخرى)

 

مدخل

٩٤

تطور الكتابة العربية

٩٨

الكتابة العربية في صدر الإسلام

١٠٢

تطور الكتابة العربية فيما بعد عصر النبوة

١٠٤

سمات ومميزات الكتابة العربية

١٠٧

نظم الكتابة في لغات أخرى

١١١

الكتابة في اللغة الإنجليزية

١١١

التحول الأصواتي العظيم وأثره على الكتابة الإنجليزية

١١٣

اكتشاف الطباعة وأثره على الكتابة الإنجليزية

١١٤

الكلمات المستعارة من اللغات الأخرى

١١٥

إعادة كتابة الكلمات حسب أصولها

١١٦

محاولات إصلاح الكتابة الإنجليزية

١١٧

كتابة اللغة الإنجليزية في الوقت الراهن

١١٩

لمحة تحليلية

١٢٠

الهجاء في اللغة الفرنسية

١٢٣

خاتمة

١٢٥

الفصل السادس: (النحو والصرف في اللغة العربية واللغات الأخرى)

 

مدخل

١٢٨

النحو في اللغة العربية

١٢٨

تعريف النحو

١٢٨

أسباب نشأة علم النحو العربي

١٢٩

الإعراب

١٣٠

أهم خصائص النحو العربي

١٣١

ما يميز النحو العربي من النحو في اللغات الأخرى

١٣٦

الصرف في اللغة العربية

١٤٠

مدخل

١٤٠

علم الصرف في اللغة العربية

١٤٠

موضوع علم الصرف ووظيفته وفضله

١٤١

الميزان الصرفي

١٤٤

النحو والصرف في اللغات الأخرى

١٤٥

مدخل

١٤٥

النحو والصرف في اللغة الإنجليزية

١٤٦

تاريخ ونشأة النحو في اللغة الإنجليزية

١٤٧

تطور النحو في اللغة الإنجليزية بعد القرن السابع عشر

١٤٨

وقفة للمقارنة

١٥٠

تمييز اللغة العربية بنظام صرفي دقيق

١٥٥

وقفة للمقارنة

١٥٧

الفصل السابع: (بلاغة اللغة العربية وثراء معجمها مقارنة باللغات الأخرى)

 

مدخل

١٦١

البلاغة في اللغة العربية

١٦٢

تطور الدرس البلاغي في اللغة العربية

١٦٤

أقسام البلاغة الثلاثة

١٦٧

السمات والملامح البلاغية في العربية

١٧٠

البلاغة في اللغات الأخرى

١٧٦

نماذج بلاغية من الأدب الانجليزي

١٧٨

خاتمة

١٨٣

الفصل الثامن: (الخاتمة) (ملخص الدراسة ونتائجها والتوصيات)

 

مدخل

١٨٥

نتائج الدراسة

١٨٧

خلاصة

١٩٥

توصيات الدراسة

١٩٦

قائمة المراجع العربية

١٩٩

قائمة المراجع الأجنبية

٢٠٤

قائمة المواقع الإلكترونية

٢٠٥

 





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • جهود علماء كلية اللغة العربية في مجمع اللغة العربية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مجمع اللغة العربية الفلسطيني يصدر كتاب: مقاربات في تيسير اللغة العربية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مجمع اللغة العربية المدرسي رؤية مستقبلية لتعزيز اللغة العربية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إزالة الرماد عن لغة الضاد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • اللغة العربية وتكنولوجيا المعلومات في ندوة بمجمع اللغة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دور اللغة العربية في نشأة اللغة الفرنسية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تأثير تدريس اللغة الإنجليزية في متعلمي اللغة العربية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • أثر اللغة العربية في اللغة الألبانية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • أثر اللغة العربية في اللغة الفارسية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • أثر اللغة العربية في اللغة اليونانية(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب