النظرية التحويلية في الدراسات البلاغية عند عبد القاهر الجرجاني

ملخص الرسالة

النظرية التحويلية في الدراسات البلاغية عند عبد القاهر الجرجاني

المقدمة

شغل عبد القاهر الجرجاني في هذه الأيام الباحثين بعد أن كان لا يعبأ به دعاة التجديد الذين أنكروا التراث، ولكنَّ بعضهم عاد إليه بعد أن شاعت الألسنية والبنيوية وأصبحت الدراسات تصدر عنهما، ووضعوا كتبًا ونشروا بحوثًا عن علاقة عبد القاهر بالاتجاهات الحديثة التي ظهرت في العالم الغربي.

لقد وقف الباحثون عند كثير من القضايا التي تحدث عنها عبد القاهر، وقارنوا بينه وبين بعض القدماء كأرسطو، وبعض المحدثين كسوسير وجومسكي وبعض نقاد الأدب المعروفين.

وكانت معظم البحوث تخص الجوانب اللغوية في الأعم الغالب، كالدال والمدلول، والنسق، والاعتباطية ونحو ذلك. ولم أجد أحدًا درس بلاغة عبد القاهر في ضوء النظرية التحويلية، ولذلك عقدت العزم على خوض هذا الجانب من جوانب عبد القاهر الإبداعية.

وكانت الرحلة شاقة لأنَّ فهم كتابي (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) صعب فضلًا عن جدة النظرية التحويلية وصعوبة الإلمام بكل أطرافها، ولكنني عزمت على الخوض في هذا الميدان بعد التوكل على الله، فكان هذا البحث الذي أزعم أنه جديد.

تقع الرسالة في تمهيد وثلاثة فصول:

أما التمهيد فكان في النظرية التحويلية: نشأتها وطبيعتها وسماتها، وكان هذا التمهيد ضروريًا ليلقي الضوء على هذه النظرية التي عُدت ثورة في الدراسات اللغوية المعاصرة، وليكون سبيلًا إلى فهم التي كُتبت عن عبد القاهر، وعن صلة النظرية ببلاغته.

وكان الفصل الأول عند عبد القاهر الجرجاني والدراسات المعاصرة، وكان الوقوف عند سوسير وجومسكي طويلًا لأنَّ الباحثين الجدد ركزوا على هذين العالمين في الكلام على عبد القاهر. فقد دارت المقارنة بين جومسكي وعبد القاهر الجرجاني على النقاط الآتية:

1- المنهج العقلي أو (العقلاني).

2- البنية السطحية والبنية العميقة.

3- التوليد والتحويل.

4- المستويات اللغوية أو (التراكيب اللغوية).

وكان هذان الفصلان منطلقًا إلى دراسة بلاغة عبد القاهر في ضوء النظرية التحويلية، فكان الفصل الثاني في المستوى التركيبي وصلته بالنظرية، ووقف البحث عند ثلاثة مباحث وهي:

1- الخبر والإنشاء.

2- التقديم والتأخير.

3- الحذف.

أما الفصل الثالث فقد كان عن المستوى الدلالي، وهو مستوى التصوير الذي من أهم مباحثه التشبيه والتمثيل، والاستعارة، والمجاز، وقد اتضحت في هذا الفصل البنية السطحية والبنية العميقة، وملامح ما سماه عبد القاهر - من قبل ((المعنى ومعنى المعنى))، إذ أن دراسة المستوى الدلالي على وفق البنية السطحية والبنية العميقة يقدم لنا صورة واضحة وبسيطة ولاسيما لطلبة العلم في موضوعات ومسائل لا تخلو من التعقيد مثل التمثيل، والمجاز، والاستعارة، والكناية. وجاءت الخلاصة خاتمة للبحث تقتفيها المصادر والخلاصة باللغة الإنجليزية.

وختامًا أقول هذا بحث بذلت في تكوينه جهدي وأنا في أول الطريق، ولعله يكون فاتحة لدراسات أخرى تكون أكثر نضجًا، وأكثر تفصيلًا. كما لا يسعني في هذا المجال إلا أن أقدم شكري وامتناني إلى كل من ساعد على إتمام هذا البحث وإخراجه إلى النور ولاسيما أستاذنا الدكتور أحمد مطلوب، الذي طالما استنرنا بتوجيهاته، وآرائه السديدة، كما أقدم شكري إلى لجنة المناقشة التي ستغني البحث بتوجيهاتها وآرائها السديدة، أسأل الله أن يحفظ الجميع ويوفقهم لما يحبه ويرضاه خدمة للبحث العلمي والأدبي في بلدنا العزيز، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الخاتمة

بعد التوفيق من الله العلي العظيم فقد أكملنا بحثنا هذا والذي يتضمن دراسة لغوية مقارنة بين علمين عربي والآخر غربي، قديم وحديث، بين جومسكي وعبد القاهر الجرجاني وهذا يمثل التقاء الأفكار والنظريات اللغوية شرقًا وغربًا، نظرية النظم للجرجاني والنظرية التحويلية لجومسكي ولقد توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى النتائج الآتية:

أولًا: إن الافكار والنظريات في اللغة وإن اختلفت إلا أنها تتلاقى في كثير من المضامين لأنها تمثل ثمرة العقل البشري للوصول إلى أُطر وقوانين تحكم اللغة.

ثانيًا: عند المقارنة بين نظرية النظم للجرجاني والنظرية التحويلية لجومسكي نلاحظ أن هناك افتراق والتقاء؛ الافتراق يتمثل في الدافع إلى وضع كل من النظريتين ففي حين كان الجرجاني يضع نظريته لتفسير الاعجاز القرآني كان جومسكي يضع نظرية للغة عمومًا، ولكن على الرغم من ذلك فإن كثيرًا من العناصر كانت متشابهة مثل التقديم والحذف والزيادة والخبر والإنشاء أو الجملة التوليدية والجملة التحويلية وكثير من المفاهيم وإن اختلفت المصطلحات بينهما.

ثالثًا: إن أي نظرية لغوية تُوضع يجب أن تلم بجميع الجوانب أو المستويات اللغوية وبخاصة الجانب النحوي والدلالي وهذا ما نراه عند الجرجاني الذي جمع بين الجانبين في نظريته عندما بحث عن معاني النحو في الكلم، وكذلك جومسكي والجدل الكبير في النحو والدلالة وهل يمكن أحدهما عن الآخر أو لا، وأهمية المعنى في النظرية التحويلية كما أكد عليه تلامذة جومسكي مثل كاتز.

رابعًا: يعد عبد القاهر الجرجاني رائدًا في وضع نظرية لغوية هي نظرية النظم ولذلك فقد دارت حول هذا العالم العربي ابن القرن الخامس الهجري كثير من البحوث والدراسات المقارنة بينه من جهة وبين أعلام ونقاد غربيين من جهة أخرى أمثال دي سوسير وجومسكي وريتشاردز وبرادلي وغيرهم.

خامسا: أن دراسة البلاغة العربية وفق النظرية التحويلية يقدم لنا تفسير ويسهل فهمها على الطالب ويتمثل ذلك في مواضيع يصعب فهمها المجاز والاستعارة والكناية، في حين يمكن تحليلها وفق البنية السطحية الظاهرة والبنية العميقة، التي تقرها النظرية التحويلية ويسهل فهمها على القارئ والطالب بعيدًا عن التعقيد.

هذا ونرجو من الله التوفيق والسداد لما فيه الخير والصلاح لهذا البلد الكريم وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.

خلاصة البحث

يتكون البحث من التمهيد وثلاث فصول:-

1- التمهيد: ويبين النظرية التحويلية وعناصرها وتطبيقاتها حيث نبين كيفية نشوء النظرية التحويلية والتي ترجع إلى العام 1957م، تأريخ نشر كتاب ( البنى النحوية ) لجومسكي التي أحدثت ثورة في الدراسة اللغوية في أمريكا - وإلى حد ما في أوربا ثم نبين طبيعة هذه النظرية حيث تتكون اللغة حسب النظرية التحويلية إلى جمل توليدية وجمل تحويلية، والجملة التوليدية تكون إما توليدية اسمية أو توليدية فعلية، يطرأ عليها أحد عناصر التحويل وهي:

1- الترتيب.

2- الحدف.

3- الزيادة.

4- الحركة الأعرابية.

5- التنغيم.

ثم نبين سمات النظرية التحويلية العربية وهي:

1- الترتيب.

2- الزيادة.

3- الحذف.

4- الحركة الإعرابية.

5- التنغيم.

وجميع هذه العناصر قد تناولها العرب سيما عبد القاهر الجرجاني في كتابيه (دلائل الاعجاز وأسرار البلاغة).

الفصل الأول: ويتضمن الدراسات المعاصرة التي قارنت بين عبد القاهر الجرجاني وعدد من الباحثين الغربيين ويقسمها إلى ثلاث مباحث.

وقام بهذه الدراسة والمقارنات عدد من الباحثين العرب المعاصرين الذين قدموا دراسات قيمة في هذا المجال أمثال الدكتور محمد مندور والدكتور محمد عباس وغيرهم.

المبحث الأول: ويتضمن الدراسات المقارنة بين عبد القاهر الجرجاني وسوسير.

المبحث الثاني: ويتضمن الدراسات المقارنة بين عبد القاهر وجومسكي.

المبحث الثالث: ويتضمن المقارنة بين عبد القاهر وعدد من اللغويين الآخرين مثل كروتشة وريتشارد وكولردج وبرادلي وغيرهم. وهذه الدراسات المقارنة قام بها عدد من الباحثين العرب المعاصرين أمثال الدكتور محمد مندور والدكتور محمد عباس والدكتور أحمد مطلوب والدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي والدكتور عبد العزيز حمودة وغيرهم.

الفصل الثاني: ويتضمن النظرية التحويلية في التركيب ويتكون من ثلاثة من مباحث.

1- الخبر والإنشاء: حيث يوضح كيفية تناول عبد القاهر للخبر والإنشاء في (دلائل الإعجاز) وارتباط ذلك مع النظرية التحويلية التي تعتبر الجملة التوليدية لغرض الإخبار، أما الجملة التحويلية فهي لمعانٍِ أخرى.

2- التقديم والتأخير: ويوضح كيفية تناول عبد القاهر للتقديم والتأخير وارتباط ذلك مع النظرية التحويلية وسمي الترتيب.

3- الحذف: ويوضح كيف تناول عبد القاهر الحذف وأنواعه انطلاقًا من النظرية التحويلية، ويعتبر الحذف أحد عناصرها.

الفصل الثالث: ويتضمن النظرية التحويلية في التصوير وذلك يبين ما تناوله عبد القاهر في كتابه (أسرار البلاغة) ويتضمن هذا الفصل ثلاثة مباحث:

1- البنية السطحية والبنية العميقة: ويتضمن بيان مفهوم البنية السطحية والبنية العميقة لدى جومسكي الذي يقسم الكلام إلى معنى ظاهر سطحي، ومعنى باطني عميق وارتباط ذلك مع عبد القاهر الجرجاني الذي يقول بـ(المعنى، ومعنى المعنى)، فالمعنى هو البنية السطحية، ومعنى المعنى هو البنية العميقة.

2- التشبيه والتمثيل: ويتضمن بيان التشبيه والتمثيل لدى عبد القاهر الجرجاني، وارتباط ذلك مع مفهوم البنية السطحية والبنية العميقة.

3- الاستعارة والمجاز: ويتضمن بيان الاستعارة والمجاز لدى عبد القاهر الجرجاني في كتابه (أسرار البلاغة)، فالاستعارة ترتبط مع النظرية التحويلية من جانبين:

الاول: الحذف.

الثاني: البنية السطحية والبنية العميقة، وكذلك المجاز الذي يرتبط مع النظرية التحويلية وفق مفهوم البنية السطحية والبنية العميقة.

قائمة المحتويات