• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سبعون أدبا في الصحبة والسفر والعلم (PDF)
    د. عدنان بن سليمان الجابري
  •  
    شرح كتاب: فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة ...
    عيسى بن سالم بن سدحان العازمي
  •  
    كفى بالموت واعظا
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أحكام المخابز (PDF)
    أبو جعفر عبدالغني
  •  
    "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله ...
    محمد السيد محمد
  •  
    صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن السعدي رحمه ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الأساس في أصول الفقه (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأربعون حديثا في تحريم وخطر الربا (PDF)
    طاهر بن نجم الدين بن نصر المحسي
  •  
    الله (اسم الله الأعظم)
    ياسر عبدالله محمد الحوري
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    تربية الحيوانات (بطاقة دعوية)
    د. منال محمد أبو العزائم
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل دكتوراة
علامة باركود

المنهج التاريخي والمنهج المقارن في الدراسات الصوتية والصرفية العربية الحديثة

علي حسن السراي

نوع الدراسة: PHD
البلد: العراق
الجامعة: جامعة بغداد
الكلية: كلية التربية / ابن رشد
التخصص: اللغة العربية وآدابها
المشرف: أ.د. نعمة رحيم العزاوي
العام: 1430 هـ - 2009 م

تاريخ الإضافة: 23/7/2022 ميلادي - 23/12/1443 هجري

الزيارات: 11038

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

المنهجُ التاريخيّ والمنهجُ المقارن

في الدِّراسات الصَّوتيّة والصَّرفيّة العربيّة الحديثة


المقدمة

الحمدُ للهِ عالمِ الغيبِ، المنزّهِ عن كلِّ عيبٍ، المتفرّدِ بجلالِهِ وكمالِهِ، الذي لم يخلُ من النقدِ غيرُ أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ وأعمالِهِ، والصلاةُ والسلامُ على حبيبِهِ الصادقِ الأمين الذي ما ساءَ قَطْ، ومنْ له الحُسْنَى فَقَطْ، أفضل الرُّسُلِ وأعلاهم مقامًا، وأفصح العرب وأحلاهم كلامًا، وعلى آلِهِ بدورِ المجامعِ وأصحابِهِ ألسنِ المصاقع؛ وبعد:

 

فمن المعلومِ الثابتِ أنَّ المنهجَ التاريخيّ والمنهجَ المقارنَ قد تطوّرا لدى الغربيين، وآتتْ دراساتهم منهما أكلها، ثُمّ برزت الحاجة إلى دراساتٍ عربيّةٍ تاريخيّةٍ تبحثُ في أصلِ اللُّغة العربيّة ودراسةِ مستوياتها الُّلغويّة وما أصابها من تطوّرٍ وتغيّرٍ. زد على ذلك حاجة اللُّغة العربيّة إلى أنْ تُدْرس في ضوءِ المنهجِ المقارن بمقارنتها بأخواتها الساميّات. وكان لزامًا على دارسي اللُّغة العربيّة الذين يعنون بتأصيلِ الظواهر الُّلغويّة تاريخًا ومقارنةً، أنْ ينهجوا هذا النهج الذي أظهرت الدراسات الكثيرة جدواه في دراسةِ العربيّة، وبذلك نستدركُ ما فات علماء العربيّة القدماء، بسبب عدمِ عنايتهم بهذا الدرس، فلم يكن لديهم، لعِدّة أسبابٍ، اهتمام بغير اللُّغة العربيّة التي وصفوها بأنَّها خير الُّلغات والألسنة.

 

وقد أثبت الدرس الُّلغويّ الحديث فائدة الدراسة التاريخيّة والمقارنة للغة العربيّة ومقارنتها بأخواتها الساميّات وبَحَثَ كثيرٌ من علماءِ العربيّة المحدثين هذين المجالين بمستوياتِ اللُّغة المختلفةِ (الصوتيّةِ والصرفيّةِ والتركيبيّةِ والدلاليّةِ).

 

ومِنْ هؤلاءِ الدكتور إبراهيم السامرائيّ الذي تناولته في رسالتي للماجستير الموسومة بـ(إبراهيمُ السامرائيّ وجهودُهُ في اللُّغة والتحقيقِ)، فقد عُنِيَ بمناهج البحثِ الُّلغويّ الحديث ولا سيّما المنهج التاريخيّ والمنهجُ المقارن؛ إذْ عوّلَ في بحثِ اللُّغة ودراستها على هذين المنهجين، وقد أغنتْ طريقةُ بحثه هذه الدرس الُّلغويّ الحديث بآراءٍٍ علميّةٍ سديدةٍ وعُدّت مظهرًا من مظاهر تجديدِ الدراسات الُّلغويّة والخروج بها عن التقليديّة.

 

ولهذا، جاء اهتمامي بالمناهجِ الُّلغويّةِ الحديثةِ من روافد ثلاثة؛ الأوّل: اهتمام الدكتور إبراهيم السامرائيّ بهذه المناهج ولا سيّما اهتمامه الكبير بالمنهجين التاريخيّ والمقارن، وتطبيقهما في دراساته الُّلغويّة بمستوياتها المختلفة. والثاني: اهتمام الدكتور نعمة رحيم العزاويّ بهذه المناهج، وقد أفدت منه كثيرًا؛ إذْ تتلمذت على يديه في مادّة (فقه الُّلغة) في مرحلة البكالوريوس ومادّة (علم اللُّغة ومناهج البحث الُّلغويّ) في مرحلة الدكتوراه، وتعلّمت منه كيفية تطبيق هذه المناهج في الدراسات الُّلغويّةِ العربيّة، ولا أنسى فَضْلَهُ عندما أهدى إليّ نسخته المخطوطة عن بحثِهِ الموسوم بـ(إبراهيمُ السامرائيّ بين المنهجِ التاريخيّ والمنهجِ المقارن)، حينما كنتُ أخوضُ غِمَارَ البحثِ في مرحلةِ الماجستيرِ الذي فتح لي آفاق البحث في هذا المجال. والثالث: اهتمامي الكبير بهذه المناهجِ الُّلغويّةِ عندما درّست مادّةَ (فقه اللُّغة وتاريخ الُّلغات الساميّة) لطلبةِ الصفِ الرابعِ من مرحلةِ البكالوريوس؛ إذْ لا يخفى على أحدٍ أنَّ تدريسَ أيِّ مادّةٍ يعني الانتقالُ إلى ميدانٍ رحبٍ في مجال البحث والتحليل والتمحيص.

 

كلّ ذلك ساعد على البحث عن موضوعٍ يختصّ بدراسةِ المنهجِ التاريخيّ والمنهجِ المقارن في مشروعي للدكتوراه، وبعد التوكلِ على اللهِ والمشورةِ وبتشجيعٍ مباشرٍ من استاذي الفاضل الأستاذ الدكتور نعمة رحيم العزاويّ، عزمتُ على البحثِ في الدراساتِ التاريخيّةِ والمقارنةِ العربيّة الحديثة، فجاءتْ أُطروحتي موسومةً بـ(المنهجُ التاريخيّ والمنهجُ المقارن في الدراساتِ الُّلغويّةِ العربيّة الحديثة) بإشراف الأُستاذ الدكتور نعمة رحيم العزاويّ، وبعد جمعِ المادّةِ وكتابةِ التمهيد والفصل الأوّل، أشار عليَّ الأستاذ المشرف بالاقتصار على منهجٍ واحدٍ أو البحث في مستويين اثنين من مستوياتِ الُّلغة؛ وذلك لطول الموضوع وتشعبه، فقرّرت البحث في المستويين (الصوتيّ والصرفيّ) والاستغناء عن (التركيب والدلالة)، فجاء عنوان الأُطروحة موسومًا بـ(المنهجُ التاريخيّ والمنهجُ المقارن في الدراساتِ الصوتيّةِ والصرفيّةِ العربيّة الحديثة)؛ وذلك لأنَّ المنهجين متداخلان، وأحدهما يكمّل الآخر في مجال البحث.

 

وقد اقتضتْ طبيعةُ هذا البحث أنْ يقع في بابين، صدّرته بتمهيدٍ وقفّيته بخاتمةٍ، وحوى كلُّ بابٍ فصلين اثنين. تحدثتُ في التمهيدِ عن المنهجِ التاريخيّ والمنهجِ المقارن من حيث التعريف والغاية، والنشأة والتطور، والتشابه والاختلاف، وختمته بالحديث عن الدراسات التاريخيّةِ والمقارنةِ في التراثِ العربيّ وأهميتها للغةِ العربيّة بمستوياتها المختلفة.

 

أمّا الباب الأوّل فجاء موسومًا بـ(المنهجُ التاريخيّ في الدراسات الصوتيّةِ والصرفيّةِ العربيّة الحديثة) وقد عُنِيَ الفصلُ الأوّل منه بالمنهجِ التاريخيّ في المستوى الصوتيّ، وجاء على ثلاثةِ مباحثٍ. اهتمّ الأوّلُ منهما بالتغيرِ التاريخيّ للأصوات وموقف الُّلغويين العرب المحدثين منه، وقد وضّحت فيه معنى التغيّر التاريخيّ المطلق والتغير التاريخيّ المقيّد. وتناول الثاني التحوّلات في الأصوات؛ إذْ كشف هذا المبحث عن التحوّل في بعض الأصوات الحلقيّة وأثر قانون السهولة والتيسير وميل اللُّغة إلى الاقتصاد في الجهد العضليّ وتحوّل بعض الأصوات الحلقيّة إلى غيرها من الأصوات القريبة المخرج. والتحوّل في بعض أصوات أقصى الحنك ولا سيّما انحلال صوت الجيم المركّب إلى دالٍ، وشينٍ مجهورةٍ، وياءٍ. وتحوّل بعض الأصوات الّلثويّة الأسنانيّة، وتضمّن حديثًا موسّعًا عن صوتِ الضاد وتحوّلاته وصورِهِ المختلفة، وقد بدأتُ بوصفِهِ عند القدماء والمحدثين، ثُمّ عالجت التحوّلات التي طرأت عليه وتغيّره إلى لامٍ، أو زاي. أمّا المبحثُ الأخير من هذا الفصل فجاء بعنوان (التداخل الصوتيّ التاريخيّ) فسّرت في مطلعِهِ معنى التداخل الصوتيّ التاريخيّ في اللُّغة العربيّة، ثَُمَّ تحدثتُ عن التداخل التاريخيّ الذي حَصَلَ بين صوتي (الضاد والظاء)، و (الصاد والطاء).

 

أمّا الفصلُ الثاني فجاء بعنوان (المنهجُ التاريخيّ في المستوى الصرفيّ)، واشتمل على ثلاثة مباحثٍ، تناولتُ في المبحث الأوّل الفعلَ بموضوعاته المختلفة، وهي: الفعلُ الماضي الأجوف؛ إذْ عالجته في ضوء المنهج التاريخيّ من حيث المراحل التاريخيّة التي مرّ بها في اللُّغة العربيّة، ثُمّ تحدّثتُ عن الفعل الرباعيّ المجرّد: تطوّره وتأصيله، في ضوء الدراسات الُّلغويّة العربيّة التاريخيّة الحديثة، ثُمّ تحدثتُ عن الأصول المفترضة لنشأتِهِ وتطوّرِهِِ كأنْ يكون تطوّرًا لأصلٍ ثلاثيّ، أو من أصلٍ اسميّ. وبعد ذلك تحدثتُ عن أبنية الأفعالِ المهجورةِ؛ إذْ يعدُّ هذا الموضوع من الموضوعات المهمّة التي عالجها المنهج التاريخيّ، واشتمل هذا الموضوع على أنماطٍ متعدّدةٍ من الصيغ الفعليّة المهجورة، وهي: صيغٌ نشأت عن زيادةِ حرفٍ قبل فاء الفعل الثلاثيّ المجرّد، وصيغٌ نشأت عن إقحام حرفٍ بعد فاء الفعل الثلاثيّ المضعّف، وصيغٌ نشأت عن إقحام حرفٍ بعد عين الفعل، وصيغٌ نشأت بزيادة حرفٍ بعد لام الفعل، وكلّ هذه الصيغ قد تناولتها في ضوء الدرس العربيّ التاريخيّ الحديث. أمّا المبحث الثاني من هذا الفصل فخصصته للاسم، وقد حوى ظاهرتين بارزتين في العربيّة، الأولى: ظاهرة التذكير والتأنيث وعلامات التأنيث: فهذه الظاهرة من الظواهر الُّلغويّة التي عالجها المنهج التاريخيّ ووصل فيها إلى نتائج علميةٍ حديثةٍ لم يسبقه إليها الدرس الُّلغويّ التقليديّ القديم. والثانية: ظاهرة بِلَى الألفاظ وهجرها في اللُّغة العربيّة.

 

أمّا المبحثُ الثالث فاهتم بالمصدر، وقد تناولت فيه مصادر الأفعال الثلاثيّة وأثر قوانين التغير التاريخيّ الُّلغويّ في صيغ المصدر، كقانون (القياس الخاطىء)، وتطوّر الأسماء والأفعال المعتلّة (الجُوُف)، وقانون الحذلقة والمبالغة في التفصّح. ثُمّ تحدّثتُ عن الأوزان القليلة الاستعمال والنادرة في اللُّغة العربيّة وما قرّره المنهج التاريخيّ فيها، ومن هذه الأوزان: وزن (فِعْلى)، ووزن (فَعْلى)، ووزن (تَفْعُلة)؛ ووزن (فَعَلُوت). وختمتُ هذا المبحث بالحديثِ عن المصدرِ الصناعيّ ومسيرتهِ التاريخيّة في اللُّغة العربيّة؛ إذْ تطوّر استعماله في العربيّة مُنْذُ العصر الجاهليّ حتّى العصر الحديث؛ فقد خرج المعاصرون باستعماله عمّا كان يدلّ عليه في أصل استعمالِهِ أو باستعمالِهِ عِبْرَ العصورِ.

 

أمّا البابُ الثاني فجاء بعنوان (المنهجُ المقارن في الدراساتِ الصوتيّةِ والصرفيّةِ العربيّة الحديثة)، واشتمل على فصلين؛ الفصل الأوّل وسمته بـ(المنهجُ المقارن في المستوى الصوتيّ) وقد جاء في ثلاثة مباحثٍ، خصّصتُ المبحثَ الأوّل منها للحديث عن الخصائص الصوتيّةِ المشتركة بين الُّلغات الساميّة والُّلغة العربيّة؛ إذْ من المعلوم الثابتِ أنَّ مجموعة الُّلغات الساميّة تنماز من المجموعاتِ الُّلغويّةِ الأُخر بخصائص لغوّية تجعل منها كتلة لغويّة واحدة. وقد استطاع المنهج المقارن أنْ يكشف عن تلك الخصائص والمزايا، ولا سيّما الخصائص الصوتيّة التي وضّحتها بحسبِ مخارج الأصواتِ الُّلغويّة. أمّا المبحثُ الثاني فاهتمّ بالتحوّلات الصوتيّةِ في العربيّة والُّلغات الساميّة، وهي: التحوّلُ في بعضِ الأصوات الحنجريّة والحلقيّة، وقد كان لقانونِ السهولةِ والتيسيرِ الأثرُ البالغُ في هذه التحوّلات، وتمثّلت بإبدال الهمزة هاءًا، ومن جزئيات هذا التحوّل، أيضًا: (الهمزة والعين)، و (الهمزة والحاء)، و(العين والحاء). والتحوّل في بعض أصوات أقصى الحنك (الكاف والقاف)؛ إذْ يعدُّ صوت القاف من الأصوات التي عانت كثيرًا من التغييرات التاريخيّة في العربيّة والُّلغات الساميّة. والتحوّل في بعض الأصوات الّلثويّة الأسنانيّة، ومن جزئيات هذا التحوّل: (الدال والتاء)، و(الصاد والسين)، و(الضاد والصاد)، وقد عالجنا كلّ هذه التحوّلات على وفق الدرس العربيّ المقارن. والتحوّل في بعض الأصوات بين الأسنانيّة، ومن جزئياته: (الذال والدال)، و(الثاء والتاء)، و(الظاء والطاء). والتحوّل في بعض الأصوات الشفويّة (الباء والفاء)؛ وقد وصل تغيّر صوت (اﻟﭘﺍء) في العربيّة إلى مداه المطلق؛ إذْ تشيرُ الدراساتُ العربيّة المقارنةُ إلى أنَّ هذا الصوت قد تحوّل بصورةٍ نهائيّةٍ إلى فاءٍ في العربيّة وبعض الساميّات، وقد احتفظت به بعض الُّلغات الساميّة الأخرى كالعبريّة والكنعانيّة والآراميّة والأكاديّة. أمّا المبحثُ الثالث من هذا الفصل فُوسِمَ بـ(التداخل الصوتيّ التاريخيّ) واهتمّ بالتداخل الصوتيّ لـ(السين والشين)، و(القاف والجيم) في العربيّة والساميّاتِ. وجاء الفصل الثاني بعنوان (المنهج المقارن في المستوى الصرفيّ)، وقد حوى ثلاثة مباحث. تناولتُ في المبحث الأوّل النظريّة الثنائيّة والجذر العربيّ والساميّ؛ إذْ استَهْلَلْتُ حديثي عن الثنائيّةِ عِنْدَ العربِ القدماءِ والمحدثين، وفيه قدّمتُ عرضًا تاريخيًّا للآراءِ والمذاهبِ التي أدلى بها العلماء العرب قديمًا وحديثًا، وقد تعرضتُ لتلك الآراءِ بالنقدِ والتحليلِ. ثُمَّ تحدّثتُ عَن الثنائيّة الواضحة في العربيّة والُّلغاتِ الساميّة؛ إذْ درستُ في هذه الفقرةِ ظاهرةَ الأسماءِ الثنائيّةِ القديمة، مثل: (أب، ويد، ويم، واسم، ... إلخ)، والظاهرة الملحوظة في الُّلغات الساميّة وهي اشتراكُ الجذورِ الثلاثيّةِ في المعنى اعتمادًا على حرفين فقط من أحرف الجذر. أمّا المبحثُ الثاني فوسمته بـ(الفعل في اللُّغة العربيّة وفي الُّلغات الساميّة)، وقد كان مبحثًا طويلًا لما فرضته عليه مادّة الفعل وتشعباتها. عرضتُ في مقدّمتِهِ حدّ الفعل عند الُّلغويين العرب القدماء والمحدثين. ثُمّ تحدّثتُ عن الفعلِ في الدراساتِ العربيّة المقارنةِ؛ إذْ بَذَلَ الُّلغويون العرب المحدثون جهودًا طيبةً في البحثِ عن أصلِهِ في الُّلغات الساميّة، وانتقلت بعدها إلى الحديثِ عن أقسام الفعلِ في العربيّة والُّلغات الساميّة، وتضمّن: الماضي، والمضارع، والأمر، والدائم. ثُمَّ بحثت في أبنيةِ الفعلِ الثلاثيّ المجرّد ومعانيها، فحوى الثلاثيّ المجرّد؛ بناء (فَعَلَ)، وبناء (فَعِلَ)، وبناء (فَعُلَ). أمّا الثلاثيّ المزيد فجاء على أقسامٍ ثلاثةٍ، القسم الأوّل: المزيد بحرفٍ وأبنيته (أفْعَل)، و(فَاعَلَ)، و(فَعَّلَ). والقسم الثاني: المزيد بحرفين وأبنيته: (تَفَعَّل)، و(تَفَاعل)، و(افتعل)، و(انفعل)، و(افعلّ). والقسم الثالث: المزيد بثلاثةِ أحرفٍ وأبنيتِهِ: (استفعل)، و(افْعَالّ)، و(افْعَوْعَلَ).

 

ومن الجديرِ ذكره هنا أنَّنا اقتصرنا في بحثنا هذا على الفعلِ الثلاثيّ مجرّده ومزيده؛ وذلك لتشعبات هذا الموضوع وتفرعاته الكثيرة، وستكون لدينا وقفات أُخرى مع الفعلِ في العربيّة والساميّاتِ لدراسةِ أبنية الفعل الرباعيّ والخماسيّ في المستقبل إنْ مكّننا الله، عزّ وجلّ.

 

أمّا المبحثُ الثالث فاهتمّ بالاسم في اللُّغة العربيّة وفي الُّلغاتِ الساميّةِ، وفي مقدّمتِهِ عرضت لحدِّ الفعلِ عند القدماءِ والمحدثين، ثُمَّ انتقلتُ في الفقرةِ الأخرى إلى الحديثِ عن أبنيتهِ؛ بحسب التجردِ والزيادةِ، وبحسبِ الصحّةِ والاعتلالِ. ثُمَّ عالجت موضوع البنية العدديّة (الإفراد، والتثنية، والجمع)؛ ذلك أنَّ دراسةَ هذه الظواهر في ضوء المنهج المقارن يوصلنا إلى آراءٍ علميّةٍ قيّمةٍ لم يعهدها الدرس الُّلغويّ التقليديّ. وختمتُ هذا المبحث بالحديث عن تأصيل الأسماء في العربيّة والُّلغات، وقد عرضت لبعض الألفاظ التي اختلف الُّلغويون القدماء في تحديد أصالتها وأوزانها واشتقاقها وما ذهب إليه الدرس العربيّ المقارن، وقفّيتُ حديثي في هذا المبحث بالألفاظِ المشتركةِ أو ما يعرف بـ(المشترك الساميّ) وعرضتُ لجملةٍ من الألفاظ الأساسيّة المتعلقة بأعضاء الجسم وأسماء الحيوان والنبات وغيرها من الألفاظ التي وُجِدَتْ في جميع الُّلغات الساميّة. ثُمَّ ختمت البابين بخاتمةٍ تضمّنت أهمّ نتائج هذا البحث، وأتبعتها بثبتٍ للمصادرِ والمراجعِ العربيّة والأجنبيّة، وبعدها جاء مُلخّص البحث بالُّلغة الانكليزيّة.

 

ولا يفوتني أنْ أقولَ إنَّ تركي لبعض الظواهر الُّلغويّة وعدم بحثها في ضوء المنهج التاريخيّ أو المنهج المقارن، مثل: الضمائر، وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، كان رغبةً في اختصار ما يمكن اختصاره، ولأنَّ بعض الدارسين يخرج هذه الظواهر من نطاق البحث الصرفيّ ويراها أنَّها تقع في دائرة البحث النحّويّ، ثُمَّ إنَّني سأبحث هذين الموضوعين وغيرهما في بحوثٍ مستقلةٍ في ضوء الدرس المقارن في المستقبل إنْ شاء الله تعالى بعد أنْ أوفّق في بحثي هذا.

 

ولا بُدَّ لي من القول، أيضًا، إنَّني قد اتخذتُ من اللُّغة العربيّة المرتكز الرئيس فيه، فأنطلق منها إلى الُّلغات الساميّة، وأعقد المقارنة بينها اعتمادًا على أمثلةٍ وشواهدَ من هذه الُّلغات، وقد استعنت في كتابة الألفاظ الساميّة بخطوطها الساميّة لبعض الُّلغات كالخطِّ العبريّ والسريانيّ، زيادة على الخطّ العربيّ والخطّ الإنكليزيّ لبعض الُّلغات الساميّة الأخرى؛ وذلك لأنَّ معظم الدراسات العربيّة المقارنة التي اطّلعتُ عليها كَتَبَتِ الألفاظ العبريّة بخطّها العبريّ والألفاظ السريانيّة بخطّها السريانيّ وحفاظًا على دقّتها التزمت الخطّين. علمًا أنّني اعتمدت في شواهدي وأمثلتي للألفاظ الساميّة على مؤلَّفات العلماء المتخصّصين في مجال الُّلغات الساميّة، أمثال: الدكتور ربحي كمال، والدكتور يحيى عبابنة، والدكتور خالد إسماعيل عليّ، والدكتور إلياس بيطار، والدكتور عامر سليمان، والدكتور نائل حنون. ومن المستشرقين، أمثال: بروكلمان، وموسكاتي، وبرجستراسر، وغيرهم؛ لذا إنَّ جميعَ الألفاظِ الساميّة التي كُتِبتْ بخطوطٍ مختلفةٍ هي موثّقةٌ من مصادر متخصّصة في الساميات وقد سلّمت بها وبصحّتها.

 

أمّا الصعوباتُ التي واجهتني في هذه المسألة وغيرها فلا اتحدّث عنها لئلا تكون مسوغًا لهفواتي وأخطائي.

 

لقد بذلتُ ما بوسعي من أجل أنْ يكونَ البحثُ ثمرةً جديدةً في العراق بلدي الحبيب، تهتمُّ بالدراساتِ التاريخيّةِ المقارنة؛ إذْ إنَّها أوّل دراسةٍ تهتمُّ بهذين المنهجين في الدراسات العربيّة الحديثة. ولئن لم ينضجها البحث والتنقيب إنَّ أملي أنْ ينضجها النقد والتعقيب، ويسعدني أنْ أقفَ على ما قد يَقَعُ في هذه الدراسة من زلاّت، وأنْ أعرف ما قد يرى فيها الأساتذة الذين أطرحها بين أيديهم من هَنَات، عساني أنْ أوفّق لاستدراكها.

 

وبعد، فينبغي لي أنْ أسجّلَ العرفان خالصًا لمن كان له فضلٌ كبيرٌ عَلَيَّ في مجالِ البحث وما يحيط به ويعتريه من صعوباتٍ وعقباتٍ ذلّلها بصدرٍ رحبٍ وتوجيهٍ تربويّ علميّ وملاحظاتٍ قيّمةٍ وسديدةٍ طوال مدّة إعدادِ الدراسةِ، أستاذي المُفْضَال العالم الُّلغويّ الأستاذ الدكتور نعمة رحيم العزاويّ فجزاه الله عني خيرًا وسدّد خطاه خدمةً للغةِ العربيّة ودارسيها.

 

وختامًا الله نسألُ أنْ يمنحنا صوابَ القولِ، وحُسْنَ العاقبةِ وأنْ يتقبّلَ عملَنَا هذا بأحسنِ القبولِ؛ فلكلِّ امرىءٍ ما نوى، وللهِ الأمرُ مِنْ قبلُ ومِنْ بعدُ. وآخرَ دعوانا أنْ الحمد للهِ ربِّ العالمين.

الباحث

 

Historical Approach and Comparative Approach in Modern Arabic Phonemic and Morphological studies

It is well- known that historical as well as comparative approaches have developed in western scholarly studies and have concluded out comes. Then، rose a need for historical studies that would investigate the origin of Arabic language and study its linguistic levels as well as evolution and changes that Arabic language in terms of Comparative Approach by comparing Arabic to other Semitic languages. Scholars of Arabic، Who Were concerned with investigating origins of linguistic phenomenon historically and comparatively، had to follow this comparative approach which proved fruitful by many studies in investigating Arabic. Hence، we understand the shortcoming of traditional scholars of Arabic، as they had no interest in this approach. those scholars had not been interested in any language other than Arabic، which they described as the best of languages.

Modern linguistic approach has proved the utility of the historical study of Arabic as compared with other semitic languages. Many modern scholars of Arabic have investigated these two approaches with respect to linguistic levels (phonemic morphological، syntactic and semantic).

Thus، I have determined to investigate the modern Arabic historical and comparative Approaches in the modern Arabic phonemic and Morphological studies'' under which of this dissertation required the investigation of the subject in two parts where each begins with an introduction and ends with A conclusion each part is divided in to two chapters. In the introduction I have elaborated on the historical and comparative approaches as to definitions ends، evalution and development. I have also explored historical and comparative studies of Arabic culture and it's significance in Arabic language in it's various levels. Finally، I have compared the two approaches to highlight similarities and differences.

Part one، entitled "Historical approach in modern Arabic phonemic and morphological studies". Contains two chapters. Chapter one is on historical approach in phonemic studies، and it is of three entries. The first is concerned with the historical change of sounds and how it is viewed by modern Arab linguists. In this entry، I have clarified the meaning of absolute historical change and guided historical change. The second entry handles sound shift، an explanation is given on the shift of some labial sounds and discussion on the feasibility law impact and economy-oriented language in physical contraction، a change of pharyngeal sounds to co-articulate sounds، change of ultra-palatals، mainly the change of the sound /d3/ to /d/، to sonorant / /and to /j/.

Change of some alreo-dental sounds as well as a discussion on the sound /d /، it's manner and place of articulation. I have described this sound according to traditional and modern scholars. I have disussed how the sound /d / changed to / / or /z/. in the third entry entitled " Historical phonemic correction"، I have explained the meaning of the historical phonemic correction in Arabic language and، then، investigated the historical correlation happened between (/d / and /d/) and also (/ / and / /).

Chapter two is entitled "historical Approach in Morphological Studies"، and it contains three entries. the first entry deals with the verb in all it's aspects: 'imperfect past' which I have dealt with according to the historical approach and through the historical stages of it's emergence in the Arabic language، then، I have discussed the quadrilateral verb، it's evolution and origin. Thus، I have treated it according to the modern historical Arabic studies. Moreover، I have explained the supposed origins of it's evolution and development، as it might have developed from a trilateral verb or a noun. Later I have talked about the structure of the unfrequented verbs as well as their various patterns. The second entry deals with nouns. It treats two significant aspects in Arabic nouns. The first gender and feminine from signs. The second is the aspect of decay and abandonment of utterances in Arabic. The third entry is on the infinite form of the verb. It discusses infinite terms of trilateral verbs، the impact of historical changes law on the infinite form، the rare forms and how these forms are treated according to the historical approach. This entry ends with an elaboration on the derivational suffixation verb form، it's evolution in Arabic، as it has undergone a progress in usage from the pre-Islamic age till the modern times.

Part two is entitled "Comparative Approach in Modern Arabic Phonemic and Morphological Studies". It consists of two chapters. Chapter one is entitled "Comparative Approach in Phonology"، and is divided in to three entries. The first entry treats the common aspects between Arabic and other semitic languages; semitic languages are characterized by certain linguistic features which make them one linguistic mass that differs from other languages. The second entry deals with the change of sound in Arabic and other semitic languages: the change of some laryngeal and pharyngeal sounds، the change of some guttural sounds in to co-articulate sounds، the shift of some ultra-palatals، and the shift of some alreo-dentals. All these changes and shifts have been handled in terms of the Arabic comparative approach. These changes and shifts as well as other changes in some interdentals and labials have all been treated in terms of comparative approach. The third entry is entitled " historical phonemic correction". Chapter two entitled "Comparative Approach in Morphology"، includes three entries. The first entry is about the bilateral theory and the roots of verbs in Arabic and other semitic languages. The second entry، entitled "The Verb In Arabic And Other Semitic Languages"، handles the verb in Arabic comparative studies; modern Arabic linguists have made efforts to investigate the origin of verbs in the entry presents further the forms of verbs in Arabic and other semitic languages and declensions of both imperfect trilateral and perfect trilateral verbs. The third entry discusses nouns in Arabic and other semitic languages. I have began by defining the noun according to traditional and modern linguists. Then the entry ends with a discussion with respects to noun declensions: [consonants - vowel] and [consonant- consonant]. then، I have turned to numerical declensions of nouns: singular، dual and plural. This entry also tackles the origin of linguists disagreed with respect to etymology، origin and derivation، and the view of the Arabic modern comparative approach. In addition to this، an elaboration on the common names or the so- called (semitic common) is made concerning the basic utterances of the parts of the human body، animals، plants and other names used in all semitic languages.

Part one and two end with a conclusion which sums up the important finding of this dissertation. One of these finding is that a researcher investigating modern Arabic linguist، both comparative historical، realizes in Arabic investigating its origin in semitic languages. As for academic findings، they are many and free for any person who reads this dissertation.

Finally، I wish I had succeeded in investigating the historical approach and the comparative approach in modern Arabic studies and coming up with significant out comes that will benefit the modern linguistic approach

 

الخاتمة والنتائج

قبل إظهار أهمّ النتائج التي توصلت إليها في أثناءِ معالجةِ الظواهر الصوتيّة والصرفيّة في الدراساتِ الُّلغويّة العربيّة الحديثة لا بُدَّ من كلمةٍ مختصرةٍ توضّح أهمّ ثمرةٍ قطفتها من بحثي هذا؛ فأقول:

إنَّ من يلج ميداني الدراسات العربيّة التاريخيّة والدراسات الساميّة المقارنة يدرك مقدار الصعوبة التي تقابل الباحث، عندما يريد دراسة ظاهرةٍ ما في العربيّة دراسةً تاريخيّةً، أو رَجْعها إلى أصلها في الُّلغات الساميّة؛ ذلك لأنَّ المنهج التاريخيّ لا يمتلك كلّ أدوات البحث الُّلغويّ التي يصل بها إلى النتائج الدقيقة أو اليقينيّة. وإنَّ الُّلغات الساميّة ليست حلقات متّصلة في سلسلةٍ لغويّةٍ واحدةٍ، يمكن عدّ إحداها أقدم الُّلغات، والأخرى أحدث منها... وهكذا، بل هي خلاف من ذلك، تعدُّ خلفًا للغةٍ واحدةٍ هي ما اصطلح عليها بـ (الُّلغة الساميّة الأمّ)، وهذه الُّلغة، كما قلنا سابقًا، لا وجود لها الآن في صور وثائق أو نقوش مكتوبة. وفضلًا عن ذلك صعوبة التعامل مع نقوش تلك الُّلغات وصعوبة لغاتها، ولا سيّما في المجال الصوتيّ، زد على ذلك أنَّ هناك صعوبات أخرى تعترض طريق الباحث في هذه الُّلغات، منها قلّة المصادر والمراجع في هذا الميدان وقلّة المتخصّصين بالُّلغات الساميّة ولا سيّما في بلدنا العراق، واقتصار العمل فيها على المستشرقين والقلّة القليلة من أعمال هؤلاء مترجمة، على حين أنَّ الغالبيّة العظمى من أعمالهم محفوظة في لغاتهم تحتاج إلى جهود المترجمين الحثيثة.

 

وإذا كان العلماء العرب القدماء قد قالوا في حقِّ كتاب سيبويه: (من أراد ركوب البحر فليقرأ كتاب سيبويه)، فأرى أنَّ (من أراد ركوب البحر فَلْيُخُض في الدراسات التاريخيّة والدراسات المقارنة).

 

ولا جرم أنَّ هناك فوائد كثيرة، تعود على الدرس الُّلغويّ، من معرفة البحث في الُّلغات الساميّة، فإنَّه فضلًا عمّا تفيده هذه المعرفة، بتاريخ الشعوب الساميّة، وحضاراتها، ودياناتها، وعاداتها وتقاليدها... تؤدّي مقارنة هذه الُّلغات بالعربيّة إلى استنتاج أحكامٍ لُغويّةٍ، لم نكن لنصل إليها، لو اقتصرت الدراسات على العربيّة حسب؛ فقد أدرك الدرس الُّلغويّ الحديث أنَّ دراسة اللُّغة العربيّة في ضوء المنهج المقارن ضرورة يقتضيها البحث الُّلغويّ؛ إذْ إنَّ دراسةَ أيّةِ لغةٍ في مجال ذاتها، أو بمعزل عن أفراد أسرتها يورث تلك الدراسة قصورًا ويتعسّر معها الوصول إلى التفسير العلميّ لكثيرٍ من ظواهرها. كما أنَّ دراسة اللُّغة في إطارها التاريخيّ يبيّن لنا كثيرًا من الظواهر الُّلغويّة التي ظلّ قسم منها غامضًا على الُّلغويين العرب القدماء، وأمّا في قسمها الآخر، فقد وصلوا في تفسيرها إلى آراءٍ ليست بمقنعةٍ.

 

ونفسّر بما تقدّم تقدّم المستشرقين في دراساتهم للغة العربيّة وعلاقتها باللُّغات الأُخَر، ووصولهم فيها إلى أحكامٍ لم يسبقوا إليها؛ لأنَّهم لا يدرسون العربيّة في نطاق العربيّة وحدها، بل يدرسونها في إطار اللُّغات الساميّة، فالرجوع إلى هذه الُّلغات واجب على من يدرس متن اللُّغة العربيّة دراسةً فيها عمقٌ وتمحيصٌ بمختلف مستوياتها الُّلغويّة ولا سيّما المستوى الصوتيّ والمستوى الصرفيّ موضوع هذه الدراسة، وأنَّ المنهج التاريخيّ يدرس اللُّغة العربيّة دراسةً طوليّةً بمعنى أنَّه يتتبّع تغيّر العربيّة في عصورٍ مختلفةٍ وأماكنَ متعددةٍ ليرى ما أصابها من تغيّرٍ ويكشف عن مسار ذلك التغيّر ونوعه.

 

والذي لا بُدّ من ذكره، هنا، أنَّ الدرس الُّلغويّ القديم عند الُّلغويين القدماء، ارتبط في أذهانهم بقدسيّة العربيّة، وارتفاع شأنها على ما عداها من الُّلغات، فضلًا عن عدم الأسس العلميّة للدرس التاريخيّ أو للدرس المقارن للعربيّة في إطار فصيلتها الساميّة؛ لذلك نرى براعتهم الفائقة في تسجيل الظواهر الُّلغويّة في العربيّة، بمقدار ما نرى أوهامهم الكثيرة في البحث عن أسرار هذه الظواهر وتعليلها.

 

ونحن بذلك لا نتهم الُّلغويين القدماء بقصورٍ في العلم أو عجزٍ في المعرفة، بل نقول إنَّهم قد أولوا اللُّغة العربيّة أقصى اهتمامهم لما تمثله من قدسيةٍ لارتباطها بكتاب الله العزيز (القرآن الكريم)، غير أنَّهم، قد فاتتهم حقيقتان مهمتان؛ الأولى: أنَّ اللُّغة كالكائن الحيّ تخضع لما يخضع له في نشأتهِ ونموه وتغيّره وتطوّره، وهي عرضة، بمستوياتها المختلفة، لكلّ تغّيرٍ يصيب المجتمع فهي ظاهرةٌ إنسانيّةٌ اجتماعيّةٌ. والثانية: أنَّ اللُّغة العربيّة واحدةٌ من مجموعةِ الُّلغات الساميّة التي تضمّ العبريّة والسريانيّة والأكاديّة والآراميّة والحبشيّة والفينيقيّة والأوغاريتيّة وغيرها، ولو أنَّهم أدركوا هذه الحقيقة لحسموا كثيرًا من مواطن الاختلاف بينهم، ولو أنَّهم خاضوا في الدرس المقارن في هذه الُّلغات لوصل إلينا علمٌ غزيرٌ في الُّلغاتِ الساميّةِ المقارنة، ولأبدعوا في هذا المجال أيما إبداع. إلاّ أنَّ عدم إدراكهم هاتين الحقيقتين أدّى بهم إلى دراسة اللُّغة العربيّة في ضوء الدرس الُّلغويّ التقليديّ.

 

أمّا أهمّ النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، فهي:

• إنَّ المناهج الُّلغوية الحديثة ولا سيّما المنهج التاريخيّ والمنهج المقارن هي من نتاج الدرس الُّلغويّ الحديث عند الأوربيين، إلاّ أنَّ ذلك لا يقلّل من شأن الُّلغويين العرب القدماء في هذا المجال، فقد كانت لديهم إيماءات طفيفة وإشارات يسيرة تدلّ على معرفة بعضهم بالُّلغات الساميّة واهتمامهم بالمنهج المقارن. وأمّا المنهج التاريخيّ فقد أثرت عن الُّلغويين العرب فيه ايماءات ذكية، وظهرت ملامح واضحة منه في تراثنا الُّلغويّ، إلاّ أنَّ ذلك كلّه لا يرقى إلى مستوى الدرس الُّلغويّ العربيّ الحديث.

 

• لقد أثبت المنهج التاريخيّ في المجال الصوتيّ أنَّ اللُّغة العربيّة قد تعرضت لفعل قوانين التغيّر الصوتيّ المختلفة، مِمّا أدّى إلى حدوث عملية التغيّر الصوتيّ في بعض الأصوات أو مخارجها، وكانت عملية التغيّر تتراوح بين التغيّر المطلق الذي يؤدّي إلى تغيّر الصوت تغيرًّا كليًّا بحيث يتحوّل إلى صوتٍ آخر في جميع سياقاته الُّلغويّة، فيضيع من النظام الصوتيّ العربيّ. والتغيّر المقيد الذي يؤدّي إلى تغيّر الصوت في بعض سياقاته الاستعماليّة مع الحفاظ عليه في النظام الصوتيّ للغة العربيّة.

 

وقد حفظ لنا المعجم العربيّ عددًا كبيرًا من الأمثلة التي تشهد على تأثير هذه القوانين في العربيّة، وهو ما وجدناه، أيضًا، في الُّلغات الساميّة الأُخرى.

 

• ومن نتائج المنهج التاريخيّ في المستوى الصوتيّ أنَّه كشف عن التحوّلات في بعض الأصوات العربيّة، فبعضها قد تحوّل إلى أصواتٍ أخرى في المخرج الواحد، كما في التحوّل الذي حصل في صوتي (الغين والخاء)، على أنَّ هذا التغيّر ظلّ في إطار التغيّر التاريخيّ المقيد ولم يصل إلى المدى المطلق. وبعضها الآخر قد تحوّل إلى أصواتٍ أخرى خارج حدود المخرج الواحد، كما في التحوّل الذي حصل في صوتي (الغين والقاف)، وهو، أيضًا، تغيّر لم يصل إلى الحدّ المطلق، وإنَّما هو انتقال مقيّد ببعض الأنماط الُّلغويّة.

 

• لقد توصّل الُّلغويون العرب المحدثون في ضوء المنهج التاريخيّ إلى أنَّ الأصل في صوت الجيم في العربيّة هو صوت مفرد خالٍ من التعطيش كالجيم القاهريّة أو العمانيّة (g)، وقد ضاعت هذه الصورة المفردة، وتحوّل إلى صوتٍ مركّبٍ بفعل قانون الأصوات الحنكيّة الذي تدخّل تدخلا قوّيًا في اللُّغة العربيّة. وقد بقي صوت الجيم المفرد في كثيرٍ من الّلهجات العربيّة وهذا دليلٌ على تحوّل صوت الكَاف المجهورة إلى الجيم المركّبة غير المجهورة. وأمّا الُّلغات الساميّة الأخرى فقد حافظت على صورة صوت الجيم المفرد؛ إذْ لم يتدخل قانون الأصوات الحنكيّة في تغييره إلى صورة الصوت المركّب. وقد أدّى هذا التغيّر إلى حدوث تحوّلات صوتيّة أخرى، فقد انحلّ صوت الجيم المركّب إلى دالٍ، أو شينٍ مجهورةٍ، أو ياءٍ، وكلّ هذه التغيّرات هي في إطار التغير المقيد.

 

ومن الجدير ذكره أنَّ هذه التحوّلات لم تكن لتظهر لولا تحوّل صورة الجيم المفردة إلى صورةٍ مركّبةٍ؛ إذْ إنَّ هذه الأصوات (الدال، والشين المجهورة، والياء) لا تتقارب مع الجيم المفردة حتّى تتحوّل إليها. وأمّا التقرب بينها وبين الجيم المركّبة فهو المسوّغ لهذا التحوّل.

 

• وتوصّل الدرس الُّلغويّ التاريخيّ في اللُّغة العربيّة إلى أنَّ صوت الضاد قد تعرّض لتغييرٍ مطلقٍ، فهو وإنْ ظلّ موجودًا بصورته المعروفة (ض) في النظام الصوتيّ للغة العربيّة، ولكنّه عند وصف الُّلغويين العرب القدماء له ومقارنة هذا الوصف بوصف الضاد الحديثة، يتبيّن أنَّه تغيّر بصورةٍ نهائيّةٍ، فقد تغيّر من صوتٍ احتكاكيّ جانبيّ ينطق من أوّل حافة الِّلسان وما يليها من الأضراس إلى صوتٍ انفجاريّ أماميّ (لثويّ أسنانيّ). وأصبح نظيره المرقّق من الأصوات هو الدال بعد أنْ حكم الُّلغويون القدماء عليه بأنَّه لا يوجد له نظير مرقّق.

 

وقد أثبتت الدراسة أنَّ صوت الضاد في اللُّغة العربيّة تعرّض لمجموعةٍ من التغييرات بفعل قانون السهولة والتيسير؛ فتحوّل صوت الضاد القديمة إلى لامٍ بسبب قرب المخرج بينهما. وتحوّل صوت الضاد الحديثة إلى زاي.

 

أمّا الُّلغات الساميّة فقد سعت سعيًا حثيثًا إلى التخلص من هذا الصوت، وقد نجحت أغلب تلك الُّلغات في ذلك بصورةٍ تامّةٍ ووصلت في تغييره إلى المدى المطلق. فقد تحوّل إلى صادٍ في الأكاديّة والكنعانيّة والمؤابيّة والعبريّة والأوغاريتيّة. في حين تغيّر في الآراميّة القديمة إلى صادٍ أوّلًا، ومن ثَمَّ إلى قافٍ ولا سيّما في لغة نقش ديرعلا. في حين تغيّر إلى عينٍ في السريانيّة مطلقًا. أمّا اللُّغة النبطيّة فقد تغيّر إلى صادٍ في الغالب وإلى عينٍ في بعض الاستعمالات السياقيّة.

 

ومن الُّلغات الساميّة التي شاركت العربيّة في وجود صورةٍ صوتيةٍ خاصةٍ للضاد هي كلّ من العربيّة الجنوبيّةِ والحبشيّةِ والّلهجاتِ العربيّة البائدة: الصفاويّة والثموديّة والّلحيانيّة.

 

• ومن نتائج تطبيق المنهج التاريخيّ والمنهج المقارن في المستوى الصوتيّ بروز ظاهرة التداخل الصوتيّ التاريخيّ التي نقصد بها المرحلة التاريخيّة الوسطى من عملية التغيّر الصوتيّ التي يُقْصَدُ بها التقاء أصواتٍ جديدةٍ في النطق بأصواتٍ أصليّةٍ، نتجت بفعل تطوّرٍ صوتيّ لأصواتٍ أخرى، أو تغيّر بعض صفاتها، وقد تسببت هذه الظاهرة في احتفاظ المعجم بصورٍ متعددةٍ للفظة الواحدة. ومن صور هذا التداخل في العربيّة ما حدث لصوتي (الضاد والظاء) ولصوتي (الضاد والطاء).

 

أمّا الُّلغات الساميّة فمن صور التداخل الصوتيّ فيها ما حدث لصوتي (السين والشين) ولصوتي (القاف والجيم)؛ فقد أثبت المنهج المقارن وجود تداخل في النطق بين (السين والشين) سببه وجود صوتٍ ثالثٍ قريبٍ من السين والشين معًا، قد تطوّر إلى الشين في بيئةٍ معينةٍ، وإلى السين في بيئةٍ أخرى. كما أنَّ وجود صورتين صوتيتين مختلفتين للقاف إحداهما مجهورة والأخرى مهموسة، أدّى إلى تداخلٍ مع صفات الجيم المفردة غير المعطشة، مِمّا أدّى إلى وجود أنماطٍ استعماليةٍ كثيرةٍ قد تعاقب فيها القاف المجهورة والجيم المفردة وهي ذات دلالةٍ واحدةٍ.

 

• وأثبتت الدراسة أنَّ المنهج المقارن استطاع أنْ يحدد الخصائص الصوتيّةِ المشتركة بين العربيّة واُّللغات الساميّة، كما أثبتت أنَّ الُّلغات الساميّة جميعها تشترك بـ(الأصوات الشفويّة والأصوات ما بين الأسنانيّة، والأصوات الأسنانيّة الّلثويّة، والأصوات الأنفجاريّة، والأصوات الأنفيّة والجانبيّة المكررة، وأصوات الصفير، والقاف الّلهويّ الانفجاريّ والكاف الطبقيّ الانفجاريّ، والأصوات الحنجريّة والحلقيّة والطبقيّة، وأصوات المدّ الطويلة).

 

• ومن نتائج المنهج المقارن في المستوى الصوتيّ أنَّه كشف عن التحوّلات في الأصوات العربيّة والُّلغات الساميّة، ومنها صوت الهمزة الذي كان لقانون السهولة والتيسير الأثر الواضح في تحوّلاته المختلفة؛ فقد تحوّل إلى الهاء أو العين أو الحاء، إلاّ أنَّ هذه التحوّلات بقيت في الإطار المقيّد ولم تصل إلى المدى المطلق سواء أكان ذلك في اللُّغة العربيّة أم في الُّلغات الساميّة.

 

ومن التحوّلات المقيّدة الأخرى التي حدثت في العربيّة والُّلغات الساميّة هي: التحوّل الصوتيّ لصوتي (العين والحاء)؛ إذْ بيّنت الدراسات الُّلغويّة العربيّة المقارنة أنَّ الساميات ومعها العربيّة قد توجّهت في مرحلةٍ من مراحل تاريخها الطويل إلى إحداث تغيّرٍ في صوتي (العين والحاء) بتعاقبهما في الّلفظة الواحدة، مِمّا شارك ذلك في ثراء المعجم العربّي وتزويده بصورٍ لفظيّةٍ جديدةٍ ذات معنًى واحدٍ.

 

• وأمّا صوت الخاء فقد تحوّل إلى حاءٍ في أغلب الُّلغات الساميّة، ولا سيّما في الُّلغات العبريّة والسريانيّة والجعزيّة، أمّا اللُّغة العربيّة فلم تلجأ إلى خيار تحويل الخاء إلى صوت الكاف إلاّ قليلًا، في حين لجأت إلى تحويله إلى الحاء بصورةٍ كبيرةٍ.

 

• لاحظت الدراسة أنَّ صوت القاف من الأصوات التي عانت كثيرًا التغييرات التاريخيّة في العربيّة والساميّات، وخلصت إلى أنَّ صوت القاف المهموس هو الوارث الحقيقيّ للقاف القديمة المجهورة؛ إذ إنَّ نطق القاف مهموسًا هو من نتاج التغييرات التاريخيّة في العربيّة القديمة.

 

ومن التحوّلات التي رصدها المنهج التاريخيّ والمنهجُ المقارن تحوّل القاف إلى كافٍ في اللُّغة العربيّة والُّلغات الساميّة.

 

• إنَّ التقارب في المخرج كان مسوغًا قويًّا لحدوث التغيّر بين الأصوات الّلثويّة الأسنانيّة، فقد وضّحت الدراسة تحوّل الدال إلى تاءٍ في العربيّة والُّلغات الساميّة، فهما صوتان من مخرجٍ واحدٍ، والفرق الجوهريّ بينهما أنَّ الدال مجهورة والتاء مهموسة، إلاّ أنّه لم يصل إلى الحدّ المطلق.

 

وتوحد صوتا الصاد والسين في المخرج والصفة واختلفا في صفة التفخيم؛ مِمّا أدّى إلى التبادل الصوتيّ بينهما في اللُّغة العربيّة. أمّا في الُّلغات الساميّة فقد أثبتت الدراسات المقارنة أنَّ أغلب تلك الُّلغات قد اتحد فيها صوت الصاد بصوتي (الظاء والضاد)، ومعنى هذا أنَّ صوت الصاد في تلك الُّلغات قد جاء معبّرًا عن ثلاثةِ صورٍ صوتيةٍ (الصاد، والضاد، والظاء).

 

• ثُمَّ إنَّ للتقارب المخرجيّ الأثر الكبير في حدوث تحوّلات في بعض الأصوات بين الأسنانيّة في اللُّغة العربيّة والُّلغات الساميّة، فقد رصدت الدراسة تحوّل الذال إلى الدال، وكان لقانون السهولة والتيسير حضور في هذا التحوّل لصعوبة صوت الذال. وأهمّ الحقائق التي توصّل إليها المنهج المقارن في هذا الشأن أنَّ أغلب الًّلغات الساميّة قد استغنت عن هذا الصوت إلاّ العربيّة والعربيّة الجنوبيّة وبعض الّلهجات الشماليّة البائدة والأوغاريتيّة.

 

كما رصدت تحوّل الظاء إلى الطاء، فهما يشتركان في بعض الصفات الصوتيّةِ كصفة التفخيم، ويخرجان من مخرجين متجاورين. وقد أثبت الدرس العربيّ المقارن أنَّ صوت الظاء قد تحوّل إلى طاءٍ في السريانيّة والآراميّة والنبطيّة تحوّلا مطلقًا. أمّا العربيّة فقد حافظت على هذا الصوت مع وجود هذا النوع من التحوّل إلاّ أنَّه في حدود المقيّد.

 

كما أنَّ لصعوبة صوت الثاء في أغلب الُّلغات الساميّة أدى إلى اندثاره، ولا سيّما تغيرّه بصورةٍ مطلقةٍ إلى صوت التاء في السريانيّة والآراميّة والنبطيّة، أمّا اللُّغة الكنعانيّة فلم يصل فيها هذا التحوّل إلى حدّ الإطلاق.

 

• ومن المسائل الصوتيّةِ المهمّة التي وقف عليها الدرس العربيّ المقارن أنَّ اﻟﭘﺍء المهموسة، وهي النظير المهموس للباء، من الأصوات الأصليّة في الساميّة الأمّ، وقد فقدتها اللُّغة العربيّة بصورةٍ مطلقةٍ في مرحلةٍ مبكرةٍ من تاريخها وتغيّرت إلى صوت (الفاء)، وأمّا في المجموعة الشماليّة (العبريّة والكنعانيّة والآراميّة والأكاديّة) فإنَّ تحوّله إلى (فاء) رهن بالسياق الصوتيّ؛ إذْ إنَّ صوت اﻟﭘﺍء المهموس (p) مع خمسةٍ أخرى، يطلق عليها أصوات (بجد كبت)، الأصل فيها أنْ تكون انفجاريّة، وتتحوّل إلى أصواتٍ احتكاكيّةٍ إذا جاءت في سياقٍ صوتيّ تكون فيه مسبوقة بحركةٍ قصيرةٍ أو طويلةٍ. في حين تحوّلت إلى صوت الفاء في العربيّة الجنوبيّة بلهجاتها، والُّلغة الإثيوبيّة الجعزيّة، والّلهجات العربيّة الشماليّة البائدة، كالصفاويّة والثموديّة والّلحيانيّة، وذلك بصورةٍ نهائيّةٍ كما هي الحال في اللُّغة العربيّة.

 

• أمّا المنهج التاريخيّ في المستوى الصرفيّ في اللُّغة العربيّة، فقد توصلت فيه إلى نتائج علميّةٍ مهّمةٍ، منها: استطاع الدكتور رمضان عبد التواب أنْ يعالج الفعل الماضي المعتلّ، مثل: (قال، وباع) في ضوء المنهج التاريخيّ، فقد تتبّع تاريخ هذه الصيغ للكشف عمّا أصابها من تغيّرٍ وما حدث لها من تطوّرٍ عبر مراحلَ تاريخيّةٍ مختلفةٍ. وقرّر أنّها مرّت بأربعِ مراحلَ تاريخيّةٍ حتّى وصلت إلى ما هي عليه في الوقت لحاضر.

 

• خلصنا من الدراسات الُّلغويّة العربيّة التاريخيّة الحديثة التي اهتمّت بالفعل الرباعيّ إلى أنَّ الفعل الرباعيّ يتأخّر عن الفعل الثلاثيّ من الناحية الزمانيّة؛ فالثلاثيّ أصلٌ للرباعيّ، وأنَّ الفعل الرباعيّ قد يكون نتيجة تطوّر لأصولٍ ثلاثّيةٍ وثنائيّةٍ على مدى قرونٍ طويلةٍ، وذلك عن طريق الزيادات الإلحاقيّة، أو عن طريق النحت بأنواعه، أو عن طريق تكرار الأصول الثنائيّة أو محاكاةٍ لأصوات الطبيعة أو أنَّه يكون من أصلٍ اسميّ.

 

• لقد استطاع المنهج التاريخيّ أنْ يكشف لنا عن أبنية الأفعال المهجورة وصيغها، وقد عدّ الدرس الُّلغويّ الحديث هذه الأبنية من بقايا العهد القديم التي تكون من الصيغ المشتركة في الُّلغات الساميّة التي اندثرت وهجرت هجرانًا. وقد أطلق عليها (الأبنية الميتة) أو (الأبنية الفعليّة المهجورة)، مثل: (هَفْعَلَ) وغيرها وأثبت الدرس التاريخيّ في اللُّغة العربيّة فيما يخصّ (افعألّ وافعالّ) حقيقتين:

الأولى: أنَّ الأصل التاريخيّ لصيغة (افْعَلّ) هو (افعالّ).

الثانية: أنَّ صيغة (افعالّ) قد هجرت وغابت من أفق الاستعمال وحلّت محلّها (افعألّ).

 

• ومن الظواهر الصرفيّةِ التي عالجها المنهج التاريخيّ والمنهج المقارن ظاهرة التذكير والتأنيث. وخلصا إلى أنَّ الفريق الشامل بين الجنس (المذكّر والمؤنّث) في العربيّة والُّلغات الساميّة لم يكن موجودًا في المراحل الأولى للغات، بل كان مسبوقًا بمراحل خالية من هذا التفريق. في حين ظهرت علامات التأنيث بعد الحاجة إلى التفريق بين المذكّر والمؤنّث في العربيّة والُّلغات الساميّة، وتعدّ علامة التأنيث (التاء) هي الأصل بدليل وجودها في الُّلغات الساميّة كالأكاديّة والآراميّة والعربيّة الجنوبيّة والحبشيّة والسريانيّة.

 

لقد استطاع المنهجان التاريخيّ والمقارن أنْ يعالجا هذه الظاهرة وعلاماتها في ضوء البحث الُّلغويّ التاريخيّ، وأنْ يقفا على كلّ التحوّلات الُّلغويّة المتعلقة بتلك الظاهرة سواء أكان ذلك على مستوى الجنس أم الصيغة أم العلامة.

 

• لقد عالج الُّلغويون العرب المحدثون ظاهرة بِلى الألفاظ وهجرها في اللُّغة العربيّة في ضوء المنهج التاريخيّ، وقرّروا أنَّ كثرة الاستعمال، تبلي بعضالألفاظ وتجعلها عرضة لقصّ أطرافها، ومن ذلك الأداة (سوف) هي أقدم من (السين)، وقد أصابها التغيّر والقصّ بسبب كثرة استعمالها وأصبحت (سينًا) بعد أنْ مرّت بمراحلَ تاريخيّةٍ مختلفةٍ. وقد وضّحنا أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى بِلى الألفاظ وهجرها، ومنها: تاريخيّة، وسياسيّة واجتماعيّة ونفسيّة.

 

• قدّم البحث مصطلحًا لغويًّا جديدًا، وهو ما لم يشر إليه أحد من المحدثين في حدود ما اطلعنا عليه، ويزاد على مصطلحات التطّور الُّلغويّ في أثناء حديثا عن مصادر الأفعال الثلاثيّة وهو (التنوع الُّلغويّ) وأقصد به الصورة أو الشكل الذي تجاوره صورة أخرى أو أشكال أخرى للاستعمال الُّلغويّ تحمل معنًى واحدًا، ومن ذلك مصدر الفعل (مَكَثَ) هو (مُكُوث)، إلاّ أنَّ الأشكال الأخرى التي روتها لنا المعجمات وكتب اللُّغة هي: مَكْث، ومُكْث، ومَكَاث،...إلخ. وكلّها قد استعملت في مرحلةٍ من مراحل اللُّغة العربيّة.

 

ويعدّ هذا التنوع وجهًا من وجوه الثراء الُّلغويّ الذي امتازت به المعجمات العربيّة.

 

• لقد كشف لنا المنهج التاريخيّ عن أثر قوانين التغيّر الُّلغويّ في تطوير بعض صيغ مصادر الأفعال الثلاثيّة التي لم تكن موجودة أصلًا فقد عمل قانون (القياس الخاطئ) على إيجاد أوزان لم تكن لتدخل في الاستعمال لولا هذا القانون، وكذلك قانون الحذلقة والمبالغة في التفصح.

 

• ومن الموضوعات التي وقفنا عليها وعالجناها في ضوء المنهج التاريخيّ عند دراستنا لمصادر الأفعال الثلاثيّة هي الأوزان القليلة الاستعمال والنادرة التداول، وقد أُحصيت هذه الأوزان في حدود سبعةٍ وأربعين وزنًا، منها: (فِعْلى)، و(فَعْلى)، و(تَفْعُلَة)، و(فَعَلوت)، وغيرها.

 

• وأمّا المنهج المقارن في المستوى الصرفيّ في اللُّغة العربيّة والُّلغات الساميّة، فقد توصلت فيه إلى مجموعةٍ من النتائج المهّمة، منها:

أنَّ الجذورَ الثنائيّةَ في الُّلغات الساميّة حقيقةٌ واقعةٌ تشهد عليها مجموعة الكلمات الثنائيّة القديمة، وسلاسل الجذور التي تشترك في المعنى اعتمادًا على حرفين. وهذا ما أكّده الُّلغويون المحدثون في دراساتهم التاريخيّة المقارنة.

 

• اهتمّت الدراسة بـ(الفعل) في اللُّغة العربيّة والُّلغات الساميّة، واستطعنا في هذه الدراسة أنْ نفصّل القول في أقسام الفعل بالنظر إلى الزمن، وإلى طبيعة أحرف الفعل الأصليّة، وبالنظر إلى الأحرف الزائدة، فبحثت في: الماضي، والمضارع، والأمر، والدائم. وفي إسناد الفعل بأزمنته المختلفة، إلى الضمائر. كما بحثت في أبنية الفعل الثلاثيّ المجرّد ومعانيها، وأبنية الفعل الثلاثيّ المزيد ومعانيها. وقد استطعنا أنْ نقارن الفعل بأقسامه المتشعبة بين اللُّغة العربيّة والُّلغات الساميّة، متخذين من الدراسات الُّلغويّة العربيّة المقارنة منهلًا لنا.

 

• ومن نتائج المنهج المقارن أنَّه بحث في الاسم في العربيّة والُّلغات الساميّة وقرّر أنَّه في جميع هذه الُّلغات يدلّ على معنًى في ذاته غير مقترنٍ بزمنٍ أو حدثٍ. وقد اهتمّت دراستي هذه بالاسم من حيث أبنيته المجرّدة والمزيدة وخلصت إلى أنَّ أغلب الُّلغات الساميّة قد أوجدت التقسيمات الصرفيّةِ التي جاءت بها العربيّة؛ إذْ تشكّل الأسماء الثلاثيّة المجرّدة القسم الأكبر من الأسماء الواردة في الساميّات.

 

ومن حيث بنيته العددّية (الإفراد والتثنية والجمع)، خلصنا إلى أنَّ دراسة ظاهرة التثنية في العربيّة في ضوء الدرس الُّلغويّ المقارن مهّد الطريق إلى التوصل إلى آراءٍ علميّةٍ قيمّةٍ لم يمهدها البحث الُّلغويّ التقليديّ، كما أنَّها ظاهرة ساميّة_ عربيّة. كما أنَّ الدراسات العربيّة الحديثة التي عالجت الجمع السالم في ضوء المنهج المقارن توصّلت إلى آراءٍ علميّةٍ حديثةٍ، أقرّها علم اللُّغة الحديث. وقد أثبت المنهج المقارن في الدراسات العربيّة الحديثة أنَّ جمع التكسير ظاهرة ساميّة توسّعت فيها الُّلغات الساميّة الجنوبيّة توسّعًا كبيرًا وبقيت منها أمثلة كثيرة في الأوغاريتيّة. وانحسر استعمالها في الُّلغات الشماليّة ولا سيّما في الأكاديّة والعبريّة والآراميّة.

 

كما اهتمّت دراستي بالاسم من حيث تأصيله في الُّلغات الساميّة، وقد أصّلتُ، في ضوء الدرس المقارن، بعضَ الألفاظ التي اختلف الُّلغويون القدماء في تحديد أصالتها وأوزانها واشتقاقها، وهي: (الله، وزيتون، وعَنْكَبُوت، وفِرْدَوس). وخلصنا إلى أنَّ المنهج المقارن استطاع أنْ يكشف لنا عن كثيرٍ من الألفاظ (العربيّة) التي تنتمي إلى أصولٍ ساميّةٍ وأنْ يوضّح أوزانها وصيغها.

 

• ومن الحقائق الُّلغويّة التي كشف عنها الدرس الُّلغويّ المقارن وجهلها الدرس الُّلغويّ التقليديّ، هي أنَّ معظم الُّلغات الساميّة تشترك في المفردات الأساسيّة المتعلقة بأعضاء الجسم وأسماء الحيوان والنبات والمفردات الدالّة على صلة القرابة وغيرها من المفردات؛ إذْ استطاع المنهج المقارن أنْ يوضَّح على نحو ٍ جليّ العلاقة الّلفظّية بين هذه الُّلغات بالكشف عن الألفاظ المشتركة بين العربيّة والساميّات.

 

• إنَّ عدم معرفة الُّلغويين العرب القدماء بالُّلغات الساميّة، وقد أوقعهم في أوهامٍ كثيرةٍ في أثناء دراساتهم الُّلغويّة وتأصيلهم لكثيرٍ من الألفاظ العربيّة. فلاحظنا أنَّ كثيرًا من الأحكام الواردة عن نسبة كلمةٍ ما، إلى لغةٍ ما، يخالط الظنّ فيها اليقين، لقلّة دراسة الأقدمين للغات الأخرى.

 

• وأخيرًا... أدعوا الزملاء الباحثين في مجال الدراسات الُّلغويّة الحديثة أنْ يهتمّوا بالدراسات النحويّة والدلاليّة الحديثة وأنْ يبحثوها في ضوء هذين المنهجين لاتمام الفائدة.

 

وختامًا، أرجو أنْ أكونَ قد وفّقت لدراسة المنهج التاريخيّ والمنهج المقارن في الدراسات العربيّة الحديثة وللاهتداء إلى نتائج تعني الدرس الُّلغويّ الحديث. واللهَ أسالُ أنْ يتقبّل عملي هذا بأحسن القبول وأن يُنْفَع به إنَّه نِعْمَ المولى ونِعْمَ النصير...





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • المنهج التاريخي: نشأته وتقاطعاته مع المنهج الوصفي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المنهج التاريخي عند المؤرخين العراقيين في القرن الثالث الهجري: المنهج الحولي والموضوعي نموذجا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مدلول المنهج والتواصل والحوار اللغوي والاصطلاحي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة العاشرة: أضواء على المنهج العقدي في وصايا لقمان)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • سيد المناهج (المنهج الوصفي)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثانية: التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • منهج لم الشتات (المنهج المقارن)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة السادسة: تابع منهج الإمام الطبري في التفسير)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • المنهج التاريخي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • سؤال المنهج وخطورة الاستدعاء التاريخي غير المنضبط(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب