الصدق والكذب في القرآن الكريم دراسة لغوية

ملخص الرسالة

الصدق والكذب في القرآن الكريم

دراسة لغوية

نتائج البحث

1- اهتم القرآن الكريم باختيار كلماته اختيارًا دقيقًا ليعبّر به عن المضامين القرآنية تعبيرًا بليغًا معجزًا، فأخذ القرآن بالقلوب والأفئدة قبل الألباب والعقول.

2- إن التحليل اللغوي لمفردتي الصدق والكذب لابَّد من أن يتناول المادة الصوتية لكل حرف من حروفها مخرجًا وصفة وظاهرة لغوية، وقد توصل البحث إلى أنَّ مادة ((صدق)) بحروفها، وما توحيه من الشدّة والقوة والصلابة والعلو والانفتاح والاستمرار تطابق معنى الصدق بقوته وصلابته في جميع ما جاء به الكتاب الحكيم. وإنَّ مادة ((كذب)) بحروفها واستعمالاتها تدل على شدّة الأمر، وهول الحدث، ولزوم الحجّة، وقيام البرهان.

3- في القرآن الكريم موازنة متناغمة بين صفات الأصوات، المجهورة، والمهموسة، والمفخمة، والمرققة، وغير ذلك من الصفات، وهذا يدخل في فصاحة القرآن.

4- تُعّد الظواهر الصوتية واللهجيّة من الإمالة والإشمام والإدغام نوعًا من الانسجام الصوتي لتوفير الجهد في النطق، لأنَّ اللسان يفرُّ إلى الأخف ويطلبه.

5- ولأهمّية الأبنية الصرفّية في بيان المعاني القرآنية تعددت الصيغ الصرفّية لمصادر الصدق والكذب في القرآن الكريم، فكل صيغة تدلّ على معنى، وتؤذن بدلالة خاصة في استعمالها السياقي. وقد تخرج الصيغة المصدّرية إلى معنى الوصف المشتقّ ليترك أثره في النفس لبلوغ غايته في توسيع المعاني وطلبها.

6- إنَّ الاستعمال القرآني للصيغ الفعلية قد كشف بلاغة الاستعمال من تخفيف الفعل مرّة، ومن تثقيله مرّة أخرى، ومن مجيئه بصيغة الماضي، أو مجيئه بصيغة الحال والاستقبال، فهذا التوسع في التصرّف يتبعه تَوسع في المعاني والاغراض.

7- استخدم النص القرآني المشتقات ليعبرّ كل نوع منها عن معنى تحددهُ القرائن السياقية المصاحبة للوصف المشتق. وقد يراد منها ما يراد من المصدر بالوضع أو بالاستعمال اللغوي لأغراض بلاغية معروفة.

8- أظهر البحث أن الصدق في أصله يدل على قوة في الشيء، واستعمل في القول والخبر والفعل، وكلّ ما نسب إلى الصلاح والخير لقوته وصحته وصلابتهِ. والكذب في أصله يدل على الضعف والوهن وإنه إخبار بخلاف ما هو عليه قولًا وفعلًا ونيّة، وهو حمق وقلّة عقل، وهو جماع كلّ شرّ وأصل كلّ معصية، مستقبح ممقوت حتى عند الكذاب نفسه لسوء عاقبته، وخبث نتائجه.

9- اهتمام القرآن الكريم بالصدق والكذب ويظهر ذلك من خلال تنوع المباحث النحوية التي ظهرت من خلال البحث، ومنها وقوع الجملة الاستفهامية مفعولًا لفعل العلم، وإرادة فن الإبهام لما له من الأثر في نفوس سامعيه، وتضّمن فعل القول معنى الافتراء، فتعدّى تعديته. وتنازع العاملين في طلب المعمول الثاني لقربه أو المعمول الأول لتصدّره، وتأنيث الفعل لفاعله المؤنث المجازي. وإرادة التهديد والوعيد من المفعول معه. ومجيء الحال مؤكدة لمضمون الجملة مع إرادة الثبوت واللزوم.

10- قد يمنح المقام القرآني النكرةَ التي بُدئ بها معنى التهويل والمبالغة، كما كشفت الصلة وما عطف عليها معنى موصولها على إرادة الجمع أو الافراد، وكان للإسلوب الشرطي موقعه في الاستخدام القرآني من ارتباط جملتي الشرط والجواب بالأداة، ودخول ((الفاء)) لمعنى الشرط، ومجيء ((لو)) بمعنى ((إِنْ)) الشرطية.

11- استخدم الأسلوب القرآني عادة العرب في التكرار والإطناب وبسط الكلام لإرادة الاهتمام والعناية بالقول، كما أنَّ العرب إذا مدحت شيئًا أضافتهُ إلى الصدق لأنَّ فيه الثبوت والأطمئنان.

12- أن للمعنى والدلالة للصدق في القرآن الكريم أهميته في بيان مكانة الصدق وعلّو شأنه، فذكر القرآن اتصاف الله تعالى بصفة الصدق المطلق، فلا أحد أصدق من الله قولًا ووعدًا، واتصاف رسل الله تبارك وتعالى بالصدق في القول والفعل، ويقرر القرآن المجيد أنَّ الصدق هو صفة الإخبار من عبادهِ، وجاءت الصداقة من صدق الاعتقاد في المودّة، فإذا قال الإنسان الصدق سميّ صادقًا، وما يزال الإنسان يصدق ثم يصدق حتى يصير صدِّيقًا لكثرة صدقه وتعوده عليه، كما ذكر القرآن الصدق مضافًا إليه عدّة أشياء نحو قدم صدق ولسان صدق ومخرج صدق، ولا يكاد يَبْعُد عن معنى الحق الثابت.

13- وتناول القرآن الكريم الكذب، وهو الإخبار بخلاف ماهو عليه قولًا وفعلًا ونيّة، فمن ألوان الكذب الافتراء على الله تبارك وتعالى بما لا يجوز عليه، وهو متعالٍ عنه. ومن شناعة الكذب الافتراء على رسل الله تعالى والتجرؤ عليهم. ومن الافتراء تكذيب كتاب الله وآياته، معرضين عنها، مستهزئين بالدعوة إلى الحق والإيمان. وقد كشف الله حقيقة المكذبين، وجمع القرآن عواقب الكذب وجزاءه، فكان حرمانُ المكذبين من الهداية، فلا يرشدون للدين الحق أبدًا، والخيبة والخسران تلازمهم، والهلاك نصيبهم.

14- ومن استخدام المفردة والجملة في التعبير القرآني نشعر بدقة الاستعمال، فكل لفظة لها وقعها ولها أحكامها داخل الجملة، ولها مناسبتها بين ما تقدمها وبين ما تلاها من كلمات ومعانٍ، فيستعمل القرآن تارة اللفظة مفردة ويستعملها تارة مجموعة، مصدرًا مرّة، واسم فاعل مرّة، فعلًا ماضيًا أو فعلًا مستقبلًا، اسمًا ظاهرًا أو ضميرًا وكناية، بالإيجاز في موضعه والإطناب في موضعه، بالإبهام والعموم في مواطن الشمول وبالتعيين والتخصيص في مواطن الحصر، مستعملًا فنون البلاغة كلّ في وقته وحاجة الكلام إليه.

15- إن تناسب ألفاظ القرآن تأتي عن اختيار فني مقصود، ويقتضي ذلك تتبع أسلوب النص، واختيار السمات اللغوية للتعبير عن المعنى. فالقرآن الكريم يختار اللفظةِ اختيارًا بليغًا ويضعها في موضعها المناسب من السياق. وإن التشابه والاختلاف في قسم من التغييرات إنما يقتضيه المعنى والمقام.

16- إن الكلمة في الاستعمال القرآني لها واقعها الخاص من التناسب البلاغي - الدلالي - الذي يستحيل معهُ إمكانيّة تبديل كلماته من غير أن يتغير المعنى ويتبدْل المفهوم، فإذا ما أبدل اللفظ بغيره تبدل المعنى المقصود أو ذهب الرونق الذي يكون معه ذهاب البلاغة. فألفاظ الصدق والكذب في القرآن وضعت لتؤدي معناها واستعملت في موضعها بما تحمله من مضامين وإيحاءات دعا إليها الاستخدام القرآني، فقد يحس السامع أن الأداء قد يستقيم مع تغيير بعض الألفاظ، لكن فاته أن ألفاظ القرآن تختار في موضع معين لتناسب موضعًا آخر في مكان آخر أو سورة أخرى.

17- إن صيغة التعبير القرآني تنبع من وحدة التناسق والانسجام في المفردات والافكار والصور، وفي نظمه وأسلوبه وتسلسل معانيه وقوة السبك بين أجزاء الآية الواحدةِ والآيات المتعددة والسورة كلها، وعلى هذا فقد جاء التقابل الدلالي في القرآن بين ثبوت الصدق ورسوخه وقوته وبين ارتفاع الكذب وتزلزله وضعفهِ، في بلاغة الأسلوب القرآني وعظمتهِ، وإعجازه.

فهرس المحتويات