السماء والأرض في القرآن الكريم: دراسة دلالية للألفاظ والتراكيب

ملخص الرسالة

السماء والأرض في القرآن الكريم

دراسة دلالية للألفاظ والتراكيب

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، رافع السموات بغير عمد، ومجري الأرض بمقدار وأمد، والصلاة والسلام على النبي محمد أشرف الخلق من عرب وعجم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد...

اهتم المفسرون بألفاظ القرآن الكريم، وأولوها رعاية واعتناء كبيرين، فوجدوا أن منها ما يدل على معنى واحد، ومنها ما يدل على معنيين، ومنها ما يدل على أكثر، فمحصوها، وأزالوا الاقنعة عن معانيها، فأوضحوا الخفي منها، وأسهبوا في ترجيح المعنى المحتمل أو المراد بعد أن عالجتها عقولهم فقالوا فيها ما اقتضاه نظرهم، وكنت أحب أن يكون موضوع دراستي في الماجستير لموضوع يجمع بين اللغة والقرآن، وكان لي اهتمام بالدراسات الدلالية، لأنها المرآة التي تعكس ما يحدث في اللغة من تطور في دلالات ألفاظها، وقد شجعني ذلك على دراسة موضوع دلالي قرآني، وكانت الفكرة في البداية دراسة ألفاظ السماء وسياقاتها في القرآن الكريم، وبعد أن عرضت الفكرة على أستاذي المشرف الأستاذ الدكتور محي الدين توفيق إبراهيم اقترح أن تدرس الأرض معها لكثرة ورودها معًا في القرآن الكريم فأصبح عنوان الرسالة (السماء والأرض في القرآن الكريم، دراسة دلالية للألفاظ والتراكيب)، ولدراسة هاتين المفردتين في القرآن الكريم أهمية عظيمة فقد شكلتا ظاهرة بارزة فيه سواء أكانتا منفردتين أم مقترنتين وفي حالة الإفراد أم في حالة الجمع.

وبعد استقراء ألفاظ السماء والأرض في القرآن الكريم تجمعت لدينا ألفاظ كثيرة، منها ما يدل على السماء والأرض في دلالة أصلهما اللغوي، ومنها ما يدل عليهما بدلالة فحوى الخطاب، ومنها ما يتعلق بهما، وقد قامت هذه الرسالة بثلاثة فصول تسبقهن مقدمة وتردفهن خاتمة.

نهض الفصل الأول بتحديد دلالة السماء والأرض المعجمية فهي مفتاح معرفة دلالة اللفظة القرآنية، ثم شفع ذلك بما ذكر من أقوال العلماء فيهما وما يدخل في نطاق دلالتهما الاصطلاحية، وقد ضم هذا الفصل مبحثين تناول الأول المعاني التي خرجت اليها السماء وهي (السقف، والسحاب، والمطر، وسماء الجنة والنار، والسماء ذاتها، أي الوجه المقابل للأرض)، وتناول المبحث الثاني المعاني التي خرجت اليها الأرض وهي (أرض مصر، وبلاد الشام، والمدينة المنورة، ومكة، وأرض الاسلام، وأرض الجنة والنار، وأرض التيه، وأرض حنين، وأرض اليمن، وأرض القيامة، وبمعنى الأرض الدنيا). وقد أردفنا كل معنى من هذه المعاني بجدول يبين مواقعها في القرآن الكريم، وأشرنا في هذه الجداول إلى سياق كل جملة وردت فيه السماء والأرض لنبين جمال الأسلوب القرآني. أما الفصل الثالث فقد ضم ثلاثة مباحث، تناول المبحث الأول السماء في حالة الانفراد، وتناول المبحث الثاني الأرض في حالة الانفراد، وتناول المبحث الثالث السماء والأرض في حالة الاقتران، وقد تناولنا فيه الفروق الدلالية بين كلا الاستخدامين، وقد أردف كل مبحث بجدول يبين مواضع هذه الحالات في القرآن الكريم.

أما الفصل الثالث فقد تناول السماء والأرض في حالة التركيب والقسم بهما، وتناول أيضًا توظيفهما البياني من تشبيه واستعارة وكناية ومجاز.

وقد اعتمد هذا البحث على كتب التفسير كجامع البيان للطبري والكشاف للزمخشري، وكتب معاني القرآن وإعرابه وغريبه كالعمدة في تفسير غريب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة، كما اعتمد على كتب اللغة والمعجمات كالعين للخليل ولسان العرب لابن منظور، والدواوين الشعرية، وقد عمدنا إلى الانتخاب في دراسة الآيات الواردة فيها هاتان اللفظتان، وقد تأتى ذلك من طبيعة المادة القرآنية التي تفرض أحيانًا بحث المادة بطريقة تختلف عن مادة أخرى، بسبب تعدد دلالات المادة القرآنية بتغير الاستعمال، فقد تأتي المادة كثيرة وغزيرة، وقد تأتي مقتضبة ومقتصرة على موضع واحد.

وبعد...

فقد تحمل أستاذي المشرف الأستاذ الدكتور محيي الدين توفيق إبراهيم جهدًا وعناء كبيرين في إشرافه على هذه الرسالة، وقد أثرتها توجيهاته إثراءً كبيرًا فجزاه الله عني كل خير، وأسأل الله عز وجل أن يحفظه ويمد في عمره خدمة للعلم ولرفع شأن هذه اللغة العظيمة لغة القرآن الكريم وأن يجزيه كل خير في الدارين الدنيا والآخرة فإنه نعم المولى ونعم المجيب.

وأتقدم بجزيل الشكر والعرفان إلى كل من مد لي يد العون والمساعدة وأفادني بمعلومة أو كتاب أخص منهم أستاذي الدكتور عماد عبد يحيى، والدكتور أحمد فتحي رمضان، والدكتور طلال يحيى فجزاهم الله عني خير الجزاء.

وأسأل الله العلي العظيم أن يغفر لنا ما أخطأنا وحسبنا أننا بشر وأسأله أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.

الخاتمة ونتائج البحث

• وبعد فقد تنوعت دلالة السماء والأرض في القرآن الكريم فجاءت السماء لتدل على السقف والسحاب، والمطر، وسماء الجنة والنار، والسماء ذاتها أي الوجه المقابل للأرض وهذا المعنى هو الأكثر ورودًا في القرآن. وجاءت الأرض لتدل على أماكن مختلفة هي أرض مصر، وبلاد الشام، والمدينة المنورة، ومكة، وأرض الإسلام، والجنة والنار، وأرض التيه، وأرض حنين، وأرض اليمن، كما دلت على أرض الدنيا، وأرض القيامة، والأكثر أنها جاءت مطلقة لا تدل على أرض معينة بل تدل على الوجه المقابل للسماء.

• إن هناك علاقة بين لفظ (السماء) وبين المعاني التي خرج إليها هذا اللفظ في سياقاته، فالله عز وجل قال: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾ [سورة الحج: الآية 15] فالمراد بالسماء هنا سقف الغرفة، فالعلاقة بين السماء وبين السقف تشتركان في معنى العلو والارتفاع وبما أن لفظ (السماء) يطلق على كل ما علا فأظل جاءت هذه الألفاظ لتدل على كل شيء مرتفع كما في السحاب والمطر.

• إن أغلب العلاقات التي اشتركت بين لفظ (الأرض) والمعاني التي خرج إليها تدل على الاستقرار والمكوث والسكون مع احتفاظ كل مفردة بدلالتها الخاصة بها ضمن السياق الذي وردت فيه، فالله سبحانه لما قال: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرض … (سورة التوبة، الآية 38)، فإن المعنى الذي تشكل من خلال سياق الآية الكريمة هو الركون إلى الدنيا والرضى بمتاعها القليل الزائل والتقاعس عن الجهاد، وليس فقط تحديد مكان معين أو الاستقرار والمكوث فيه.

• تأتي السموات في القرآن الكريم بصيغة الجمع الدالة على السعة والعظمة والكثرة حين يكون المراد العدد نحو قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرض طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾ [سورة الرعد، الآية 15] أي جميع سكانها على كثرتهم واختلاف عددهم، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [سورة الحجرات، الآية 18] إذ المراد إثبات علم الغيب لله في كل واحدة من السموات فالمراد ذواتها لا مجرد العلو والارتفاع، وتأتي السماء بصيغة الإفراد حين يكون المراد الوصف المطلق للسماء بالعلو والارتفاع أو قصد منه الجهة نحو قوله تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [سورة الذاريات، الآية 22].

• وجاءت السموات بصيغة الجمع للتناسق الصوتي وسهولة اللفظ وانسيابيته على اللسان فضلًا عما فيه من إشارة ضمنية إلى الارتقاء بالانسان إلى المعاني العالية وهي حكمة مقصودة وهدف منشود، أما الأرض فلم تأت في القرآن إلا بصيغة المفرد؛ لدفع الثقل فيه عند جمعه لجسأته وعدم انسيابيته فضلًا عن أن السموات أوسع وأضخم من الأرض والقرآن لم يذكر الأرض إلا مقللًا لها ومحقرًا لشأنها.

• وقد اقترنت السماء بالأرض ووراء ذلك مطالب إعجازية وأهداف مقصودة فإذا انفردت في سياق واحد فالهدف غير الهدف من اقترانهما؛ وذلك لاختصاص كل موضع بما يقتضيه سياق الحال ووحدة المعاني.

• وقد قدمت السماء أو السموات على الأرض غالبًا؛ لأن الآيات التي في السماء أعظم منها في الأرض لسعتها وعظمها وما فيها من شمس وقمر ونجوم وكواكب، ولاستغنائها عن عمد تقلها أو علاقة ترفعها. وقد قدمت السماء بصيغة الإفراد والجمع على الأرض في مائتين وتسعة عشر موضعًا ولم تقدم الأرض عليها إلا في واحد وعشرين موضعًا. وكل هذه المواضع كان التقديم فيها من أجل الاهتمام بها والالتفات اليها وإلى من يسكنها.

• إن أهم موضوع عالجه القرآن عند توظيف السماء والأرض في سياقاته هو إثبات الخالق سبحانه، فقد لجأ القرآن الكريم إلى الاستدلال بهما لأنهما أضخم ظواهر الطبيعة الحسية؛ ليعلم أن وراءها خالقًا قادرًا وربًا حكيمًا.

• إن ما أضيف من ألفاظ إلى السماء والأرض زاد من دلالة معانيهما وأكسبتهما ثراء بمجاورتها لهما ضمن السياق الذي وردت فيه.

• القسم بالسماء والأرض في القرآن الكريم إنما سيق من أجل تبيان النعمة التي فيهما فضلًا عن أنهما من آيات الله الدالة على وحدانيته، وقد سيق للحث على التفكر في الكون وملكوته لإقامة الحجة على الكافرين، وهذا النوع من القسم لم يكن معروفًا عند العرب فصرف القرآن أنظارهم إلى السماء وما فيها والأرض وما عليها.

• إن ما ذكرته كتب الأشباه والنظائر من معان للفظة (السماء) تشترك في إطار خارجي يجمع بينها الارتفاع والعلو، وكذلك (الأرض) فقد اشتركت معظمها في إطار خارجي يجمع بينها الاستقرار والمكوث والثبات.

• ظهر من خلال دراسة السماء والأرض في التراكيب أنها تزخر بالصور البلاغية، والطرق التي سلكها القرآن في توظيفه للتراكيب في الانتقال من المعاني الحقيقية إلى المعاني المجازية هي التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز.

ABSTARCT

Praise be to Allah, the Cherisher and Sustainer of all the world, and may peace and blessing be upon the soul of the prophet Mohammed and upon his family and all his companions.

Commentors have studied the terms of Quran and found that some of these terms indicate one meaning, others indicate two meanings and some more meaning.

I have chosen to study a subject concerning language and Quran dealing with the terms of Quran. At first the study was concerned “Terms of Sky in the Quran”. However, my supervisor Dr. Muhyee Al-Deen Tawfiq Ibrahim adding “Terms of Earth” to the title of the study due to the fact that such terms coincide in the holy Quran. So the topic has become “Terms of Sky and Earth in the Holy Quran: A Semantic Study”. The importance of this subject is that it is necessary to learn the intended meanings of the terms of “Sky” and “Earth” in the Holy Quran.

The study consists of an introduction, three chapters, and a conclusion.

Chapter One which deals with the origin of terms of “Sky” and “Earth” consists of two sections. The first one handles the intended meanings of the term “Sky” which includes five meanings: “Al-Saqaf”, “Al-Sahab”, “Al-Matar”, “Sama’a Janna wal nar” and “Al-Samaa thatuha”. The second one handles the intended meanings of the terms “Earth” which includes: “Miser”, “Bilad Al-Sham”, “Al-Madina Al-Munawara”, “Mecaa”, “Adhul-Islam”, “Al-Janna”, “Hunain”, “Ardhul-Teeh”, “Al-Yemen”, “Al-Qiama”, “Ardhul-Dunia” and “Al-Ardh-Thatuha”. Each section is followed by a table showing the location of such meanings in the holy Quran.

Chapter Two studies coincide of the terms “Sky” and “earth” which includes three sections: the first one studies the term “sky” when appears alone, the second one studies the term “earth” in similar cases; whereas the third one handles the coincide of the terms “sky” and “earth”.

Chapter Three deals with the composition of the terms “Sky” and “Earth” as well as their rhetorical use. The study adopts a selective approach.

The study concludes the following results:

♦ There is a relation between the term “Sky” and its intended meanings which shows a sense of heightness.

♦ There is a relation of the term “Earth” and its intended meanings which shows a sense residence and stability.

♦ Finally, the term “Sky” in the holy Quran is used in the plural and singular form; whereas the term “Earth” is used in the singular form only. This is due to the difficulties in pronouncing the plual form of the term “Earth”.

ثبت المحتويات