جهود الثعلبي في توجيه القراءات القرآنية لغويا في تفسيره الكشف والبيان في تفسير القرآن ت(427هـ) دراسة صوتية صرفية

ملخص الرسالة

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين، أما بعد، فإن أفضل ما اشتغل به المشتغلون من العلوم، وأفنيت به الأعمار، وأعملت فيه القرائح؛ كتاب الله عز وجل، ومن أعظمها علم قراءته؛ حتى قيل إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين، وفيه تنظيم أسرار النحو ولمع اللغة.

وقد قضى الله سبحانه بحكمته البالغة أن تتغاير أوجه قراءة القرآن الكريم؛ لتيسير ذكره في التلاوة، وبيان الإعجاز في تصوير معانيه واستيعاب أحكامه، وقد اهتم العلماء بها وبتوجيهها كلٌ حسب توجهه ومنزعه، فاتخذ منها اللغوي شاهدًا على قاعدته أو حجة لمذهبه، واتخذ منها الفقيه وسيلته في استنباط الأحكام أو في ترجيح حكم على آخر.

أما الوسيلة في هذا وذاك، فلم تكن سوى التحليل اللغوي لعناصرها، التي تنوعت بحسب التغاير القرآني، ما بين توجيهات نحوية تتعلق بمواقع الكلمات وتغاير وظيفتها داخل تراكيبها، وصرفية تتعلق بوزن الكلمات واشتقاقها، وصوتية تتعلق بطرق الأداء، ودلالية تتصل بمدلول اللفظ في سياقه[1].

وجاءت هذه الأطروحة؛ لدراسة اثنين من المستويات اللغوية في القراءات القرآنية، وهما المستوى الصوتي والمستوى الصرفي، وقيدتها بكتاب " الكشف و البيان " للإمام الثعلبي وهو إمام زمانه في اللغة والقراءات، حيث لا يخفى أن له جهودًا عظيمة في تعليل القراءات أفادها من شيوخه. إذ يقول عنه القفطي: في (إنباه الرواة على أنباه النحاة). "العالم بوجوه الإعراب والقراءات"[2].

ويقول الثعلبي عن نفسه في مقدمة تفسيره: "وإني مذ فارقت المهد إلى أن بلغت الأشد اختلفت إلى ثقات الناس، واجتهدت في الاقتباس من هذا العلم الذي من الدين أساس والعلوم الشرعية الرأس"[3].

ولعل من الأهمية بمكان إظهار علم هذا العالم الجليل، الذي يجهله كثير من طلاب العلم فضلًا عن العامة، وأسأل الله - عز وجل - أن يعينني على ذلك.

وقد اتخذت من المنهج الوصفي التحليلي منهجًا لهذا البحث؛ فقد قمت باستعراض آراء الثعلبي في القراءات القرآنية الموجَّهة، وتحليلها واستعراض آراء علماء اللغة والنحو والقراءات في تلك القراءات.

وجاءت دراسة الموضوع في ثلاثة فصول تسبقها مقدمة وتمهيد وتقفوها خاتمة. أما المقدمة فقد اشتملت على أهمية الموضوع وسبب اختياره وخطة البحث ومنهجي فيه. ثم قسمت التمهيد إلى مبحثين:-

المبحث الأول: تناولت فيه التعريف بالإمام الثعلبي وكتابه، في مطلبين؛ تعرضت في المطلب الأول لترجمة الثعلبي، حياته، وشيوخه، وتلاميذه، وآثاره، ثم عرَّفت في المطلب الثاني بكتاب (الكشف والبيان) المعروف باسم "تفسير الثعلبي"، وبينت قيمته العلمية، واهتمام العلماء فيه وإفادتهم منه، ثم تطرقت لمنهج الثعلبي في تفسيره.

المبحث الثاني: وقد تحدثت فيه عن توجيه القراءات والاحتجاج لها مفهومه ونشأته، فوضحت معنى القراءات والتوجيه والاحتجاج؛ في اللغة والاصطلاح، ثم عرضت لنشأة علم التوجيه، وبينت المراحل التي مر بها، وذكرت أئمة القراءة العشرة.

ثم قسمت البحث إلى ثلاثة فصول:

تناولت في الفصل الأول القراءات القرآنية وصلتها بالدرس اللغوي في كتاب الكشف والبيان، وتعرضت للمنهج اللغوي لكتاب (الكشف والبيان)، وبينت فيه عدة جوانب؛ أولها: ناحية الضبط، وثانيها: معالجة الألفاظ لغويا، ثم عرضت لمنهج الثعلبي في عرض القراءات القرآنية وتوجيهها. وعرضت للقراءة ودلالة الألفاظ، وذكرت معايير الترجيح والمفاضلة بين القراءات. وأوردت التعليقات اللغوية عند الثعلبي في توجيه القراءات. ثم عقبت على عرض الثعلبي للقراءات القرآنية.

وأما الفصل الثاني؛ فدرست فيه المستوى الصوتي وجعلته عشرة مباحث:

أولها: الإبدال اللغوي، فقد بينت معناه لغة واصطلاحا، وعرضت لآراء العلماء القدامى والمحدثين في شروط حصول الإبدال، وذكرت حروف الإبدال، وأقسام الإبدال، ثم درست مثالين من الإبدال بين الصوامت؛ إبدال السين والصاد والزاي، وإبدال القاف والكاف.

ثانيها: الإدغام وفكه، وعرضت فيه معنى الإدغام لغة واصطلاحًا، وأقسامه، وذكرت آراء العلماء القدامى والمحدثين فيه ما استطعت، وأوردت أمثلة مما وجه الثعلبي في تفسيره.

ثالثها: الهمز والتسهيل، ذكرت فيه معنى الهمز لغة واصطلاحًا، وذكرت آراء العلماء القدامى والمحدثين في الهمزة، ثم تعرضت للهمز الشاذ، ثم ذكرت الهمزتين المجتمعتين بين التسهيل والتحقيق، وعرضت لأمثلة لتحقيق الهمزتين وتسهيلهما.

رابعها: الإمالة؛ ذكرت فيه معنى الإمالة لغة واصطلاحًا، وغرضها، وآراء العلماء القدامى والمحدثين، وعرضت لإمالة الألف لانكسار فاء الفعل، ولإمالة ما كان أصله ياء.

خامسها: التشديد والتخفيف؛ ذكرت فيه معنى التشديد والتخفيف لغة واصطلاحًا، وذكرت أمثلة مما وجه الثعلبي في تفسيره.

سادسها: عرضت فيه لظاهرة (التلتلة)، وبينت معناها، وآراء العلماء القدامى والمحدثين فيها، وتعرضت لما وجه الثعلبي من هذه الظاهرة في تفسيره.

سابعها: عرضت فيه لظاهرة الإتباع، وبينت معناها لغة واصطلاحًا، وذكرت آراء العلماء قديمًا وحديثًا في هذه الظاهرة، وعرضت لما وجه من هذه الظاهرة في تفسيره.

ثامنها: جعلته مخصصًا للحديث عن الحركة بين نقلها وحذفها واختلاسها.

تاسعها: وقد جعلته للحديث عن ظاهرة الوقف؛ وذكرت فيه معنى الوقف لغة واصطلاحًا، وعرضت لظاهرة الوقف عند العرب، وآراء القدماء والمحدثين في هذه الظاهرة، وأوردت مسائل في الوقف منها: الوقف بحذف حرف العلة الياء من آخر الفعل، والوقف على النون الخفيفة وإبدالها ألفًا، والوقف بهاء السكت، والوقف بالسكون.

عاشرها: تحدثت فيه عن ظاهرة حذف الصائت عند العرب، وذكرت مسائل فيه وهي: حذف الضمة القصيرة، وحذف الضمة القصيرة، وحذف الصائت الموسوم بالكسر من هاء الضمير، وحذف الفتحة القصيرة.

وأما الفصل الثالث؛ فدرست فيه المستوى الصرفي، وجعلته خمسة مباحث:

أولها: خصصته لدراسة أبنية الفعل؛ فذكرت فيه معنى الأبنية لغة واصطلاحًا، وعرضت فيه لمسائل: اختلاف حركة عين الفعل بين الضم والكسر، واختلاف حركة عين الفعل بين السكون الكسر، واختلاف حركة عين الفعل بين الكسر والفتح، ثم عرضت إلى اختلاف حركة فاء الاسم بين الفتح والكسر.

ثانيها: المشتقات؛ عرضت فيه لمعنى الاشتقاق لغة واصطلاحًا، وأقسامه، وعرضت لاسم الفاعل والصفة المشبهة، وللتبادل بين صيغتي المبالغة واسم الفاعل.

ثالثها: تحدثت فيه عن المصدر، وبينت معناه لغة واصطلاحًا، وأشرت إلى أمثلة مما وجه الثعلبي من ذلك.

رابعها: وعرضت لمسألة تحول الفعل من الماضي إلى المضارع ومن المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول.

خامسها: الجمع، وذكرت فيه معنى الجمع لغة واصطلاحًا، وأنواع الجمع؛ جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، وجمع التكسير، ومنه؛ جمع القلة، وجمع الكثرة، وجمع الجمع، وأوردت أمثلة على كل نوع مما وجه الثعلبي.

وقد دعمت أركان البحث بالنصوص الأصيلة، التي تكتنفه من كل جانب بما يخص البحث ويفيده ويثريه، وقد قمت بتوثيق كل من القراءات القرآنية والأحاديث النبوية والشواهد الشعرية والأمثال النثرية من مصادرها وعزوتها إلى مظانها، غير أني وجدت عناء كبيرًا في ذلك، لأن كتاب الكشف والبيان وقع فيه تصحيف كثير، فهو لم يلق العناية اللازمة من محققيه.

ثم الخاتمة: وتضم فيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث.

وتتلوها قائمة المصادر والمراجع التي أعانتني على إنجاز هذا البحث.

وبعد التنقيب والبحث في المكتبات، وعلى المواقع الالكترونية، ومكتبات الجامعات، عثرت على رسالة علمية تخص (الإمام الثعلبي)، وهي بعنوان (البحث النحوي في تفسير الكشف والبيان) وهي رسالة ماجستير للباحثة حوراء مهدي صاحب الموسوي من جامعة الكوفة في العراق، (2007م)، بإشراف الأستاذ الدكتور: علي كاظم المشري. وهذا ما حدا بي للعدول عن دراسة المستوى النحوي في هذا البحث.

ولعل تفسير الثعلبي لم يلق العناية اللازمة من طلبة العلم، فهو بحاجة إلى تحقيق جديد متقن، عسى الله - عز وجل - أن يوجه الباحثين إلى إحياء هذا التفسير الكبير وتقديمه للناس.

ولعل من تمام الوفاء لعلمائنا الأجلاء الذين بذلوا أنفاسهم وشحذوا هممهم خدمة للعلم والعلماء إحياءَ ذكرهم وتقديرَ جهدهم، بدراسة آثارهم، والعناية بأخبارهم، وتتبع ما سطروه تحليلًا وتمحيصًا ومناقشة؛ لنستخرج كنوزًا أدفنتها الوقائع والأحداث في غابر الأزمان.

هذا أسأل الله التوفيق والسداد، وهذا جهد المقل، فما كان فيه من توفيق فمن الله، وما كان فيه من نقص أو خطأ فمن نفسي؛ والله من وراء القصد.

الخاتمة:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ثم الحمد لله أن وفقني لإتمام هذا البحث بمنه وكرمه، فبعد أن طوّفت في بستان الثعلبي اليانع الماتع، واستظللت بظلاله الوارفة، وطعمت من ثماره اليانعة؛ لا يسعني القول إلا أنني أمام علم عظيم من أعلام هذه الأمة، وقد خلص البحث إلى عدة نتائج أجملها بالآتي:

1- أثبت البحث أن الثعلبي رائد في علم القراءات وعللها واحتجاجاتها؛ إذ يعد تفسيره من التفاسير المتقدمة، فقد عني بالقراءات متواترها وشاذها، جمعًا ورواية وضبطًا وتوجيهًا.

2- أثبت البحث أن كتاب الكشف والبيان يعد مصدرًا من مصادر اللغة فضلًا عن كونه تفسيرًا؛ لما حواه من مادة علمية غزيرة وقيمة في الجانب اللغوي.

3- أثبت البحث أن كتاب الكشف والبيان كتاب موسوعي قد حوى علومًا شتى، وقد نقل عنه كثير من العلماء في غير باب علم التفسير، كما بينت عند الحديث عن أهمية كتابه.

4- ومن الجدير بالإشارة أن الثعلبي قد تأثر به عدد كبير من المفسرين الأوائل ممن ذاع صيتهم بالآفاق، كتلميذه الواحدي وابن عطية والقرطبي والفخر الرازي، فهؤلاء نهلوا من علم الثعلبي ونقلوا من تفسيره نقولات كثيرة. فأقول إن للثعلبي السبق وله الفضل بين من ذكرت من المفسرين.

5- أكّد البحث أن التصحيف والتحريف آفة تضر بالنتاجات العلمية، مما يستوجب الحذر لكل باحث في كل خطواته، وبخاصة فيما يخص علوم القرآن وقراءآته.

6- أثبت البحث أن الثعلبي لم يرد قراءة توافرت فيها شروط قبول القراءة الثلاثة؛ وإن ردها بعض النحاة كالمبرد والزجاج لمخالفتها أقيستهم وقواعدهم، وبعض المفسرين كابن جرير الطبري.

7- أظهر البحث علو كعب الثعلبي من خلال توجيهاته الصوتية، وأنه صاحب حس ذواق في علم الأصوات.

8- ومما يحمد ذكره لهذا الرجل عنايته بجمع الشاذ من القراءات، إدراكًا منه بأن القراءات مصدر أصيل من مصادر اللهجات العربية.

9- أظهر البحث ثقافة الثعلبي الواسعة في لغات العرب ولهجاتهم.

10- ومما يميز الثعلبي عن غيره من علماء التفسير والتوجيه؛ أنه كان يخبر بالسند؛ مما يدل على رصانة علم الثعلبي، وأنه مؤصل على علم متين تلقفه من أشياخه الأثبات.

11- كما أن من أهم ما يميز هذا التفسير كثرة شواهده الشعرية فقد بلغت شواهد سورة الفاتحة وحدها أربعة وأربعين شاهدًا.

فهذه أهم النتائج التي وقفت عليها ولست أدّعي الكمال، فالكمال لله وحده، فما كان من توفيق فمن الله وما كان من زلل أو خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه براء، وحسبي أني بذلت جهدي، والله الهادي إلى سواء السبيل.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

فهرس المحتويات