بنية التشكيل الصوتي لأسلوب الاستفهام في القرآن الكريم

ملخص الرسالة

بنية التشكيل الصوتي لأسلوب الاستفهام

في القرآن الكريم

المقدمة:

بسم لله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وخير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، ومن والاه بإحسان إلى يوم البعث الموعود، أما بعد:

فمن المعلوم أن الاستفهام أسلوب بليغ توافر عليه القرآن الكريم؛ لأنه يسري في أنماط الكلام سريانَ النسيم في الرياض العطرة، وهو من الأساليب الأدبية الرفيعة، يكشف عن خبيئات المعاني ودقائق الأسرار، ويَعرِضُها عرضًا رائعًا يحمل النفس على الانتشاء، والمشاعر على التوقد، والقلوب على اليقظة، والعواطف على الاستمتاع، والعقول على الإقناع، فتصبح النفوس بما فيها من ملكات الإدراك لوحةً شديدة الإحساس، تنعكس عليها تلك المعاني، فتقرؤها الأسماع والقلوب قبل أن تقرأها الأبصار.

وإذا أردنا أن نُخضِعَ أسلوب الاستفهام لدراسة صوتية علمية، فإن همزة الاستفهام تأتي في مقدمة الأساليب والأدوات الاستفهامية، الأمر الذي جعل هذا الأسلوب ذا قيمة كبيرة، حريًّا بالدراسة دراسة معاصرة في ضوء معطيات الدراسات الصوتية، وقد خصها البحث بالدراسة دون غيرها من الأدوات؛ ويعزى ذلك إلى أسباب عديدة، منها: أن الهمزة صوت يقع في أعمق مدارج أعضاء النطق، وذو خصيصة تباين الأصوات الأخرى من حيث علاقته بسمة الجهر والهمس الناتجين من تذبذب الوترين الصوتيين وعدمه، إلى جانب غلقهما غلقًا تامًّا في أثناء إنتاج هذا الصوت، وأنه صوت لا يستقر على حال، وتعتريه تغييرات متنوعة من إبدال وتسهيل وما إلى ذلك، والأهم أنها تمتلك سمات إيقاعية ومقطعية (syllabical sonorous) مما يجعلها قرينة للمصوتات والأصوات الأنفية والجانبية وشبه المصوت (vowel like) ونصف المصوت (semi vowel)، ومن يغُص في أعماق التراكيب المتضمنة همزة الاستفهام يجد التباين في المنحنيات النغمية وتماوجها بما يتناغم والغرض الذي ينحو ذلك التركيب إلى تحقيقه؛ سعيًا لتأصيل بنية التشكيل الصوتي لأسلوب الاستفهام في القرآن الكريم، ووقوفًا عند مدارك الإعجاز الصوتي التي تجلَّت في إضاءة هذا المنحى.

ويُعزى شغفي بهذا الموضوع إلى الربط بين الدرس الصوتي الحديث وتمكُّنه من الكشف عن جوانب الإعجاز اللغوي عمومًا، والصوتي خصوصًا في القرآن الكريم والدراسات العلمية الأخرى كالطب والفيزياء والإحصاء، مما يجعل مديات البحث أوسع، وآفاقه أرحب، وإن الإحاطة بجوانبه أمر ليس بالهين.

وقد اعترى البحث تبعًا لذلك صعوبات جمة، ومن أبرزها ندرة المصادر الصوتية، والدراسات التي تحيط بالموضوع، إلى جانب صعوبات في عملية التحليل المختبري... وهذا ما استغرق مني جهدًا جهيدًا، ووقتًا طويلًا، وقد جاءت الخطة ثمرة لمناقشات مستفيضة مع الأستاذ المشرف آتت أُكُلَها فجاءت منسجمة مع طبيعة الموضوع.

وقد اقتضت طبيعة الموضوع والمادة العلمية استواء البحث على ثلاثة فصول، يتقدمها تمهيد، وتقفوها خاتمة، فاختص التمهيد ببيان مدخل إلى بنية التشكيل الصوتي لأسلوب الاستفهام في القرآن الكريم لرفد المنحى الصوتي وبيان الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم، معتمدًا أسلوب الاستفهام ومركزًا على الهمزة الاستفهامية؛ للأسباب المذكورة آنفًا، وتكفل ذلك خدمة متن البحث الذي ارتبطت مواده ومباحثه مداخل دراسية حديثة، ونظرات لغوية صوتية معاصرة، بحيث يكون مدخلًا لبحث أوسع وأشمل يكتنه ما قدمه العلماء، وبيان مدى حرصهم على دراسة الأساليب والأصوات اللغوية وتحليلها.

أما الفصل الأول، فعرض لبنية التشكيل الصوتي للأصوات العربية؛ لذا ركز على تناول السمات الفونتيكية للأصوات العربية، والسمات الفونولوجية لها، بدءًا بالنظام الصامتي، وانتهاءً بالتحليل المختبري، متضمنًا الجهاز النطقي للإنسان، وأوضاع الوترين الصوتيين، وتناول الأصوات بحسب وضع الوترين الصوتيين، وحسب مرور الهواء عند مواضع النطق، وأنصاف المصوتات، والأصوات الصامتة والمصوتة، فضلًا عن تناول دراسة المخارج (مخارج الأصوات)، وبيان سماتها، وتناول الأصوات الجانبية والمكررة بشكل عام، مستندًا في ذلك كلِّه إلى التحليل المختبري مع استخدام الأجهزة في عملية التحليل.

وعقد الفصل الثاني لدراسة بنية التشكيل الإيقاعي لأسلوب الاستفهام (همزة الاستفهام)، فوقف هذا الفصل عند الاستبدال بين الهمزة والألف، إلى جانب تناول وظيفة الهمزة، الهمزة والتنوع الصوتي، الهمزة والمصوتات الطويلة والقصيرة، الهمزة والسمات فوق التركيبية (كالنبر، والنغمة، والطول)، إلى جانب المقطع متضمنًا تعريفه، ومبينًا صفاته، والنظام المقطعي في العربية، موضحًا أشكاله وأنواعه، وتناول إيقاعه (التأنيف، والتغوير، والتحليق)، وإيقاع التركيب (التنغيم) وأهميته في عملية التشكيل الصوتي لأسلوب الاستفهام في القرآن الكريم بعد إجراء التحليل المختبري والجانب التطبيقي المتبع في عملية التحليل.

وخص الفصل الثالث بالتحليل التطبيقي لبنية التشكيل الصوتي لأسلوب الاستفهام في القرآن الكريم، إلى جانب التحليل الإحصائي الصوتي المتبع في عملية التحليل المختبري، معتمدًا ما ذكر في الملحق ومستندًا إليه.

لقد حاولت الفصول الثلاثة جاهدة بيان بنية التشكيل الصوتي لأسلوب الاستفهام في القرآن الكريم، وأثر ذلك في الإعجاز الصوتي للقرآن الكريم.

وجاءت الخاتمة لتثبيت أهم ما توصل إليه البحث من نتائج، نأمل أنْ تجد مكانتها بين البحوث الأخرى، وتنال رضا الدارسين.

وقد اعتمد البحث مصادر قيمة تخص الدراسات الصوتية، تتوزع مناحيها بين القديم والحديث، إلى جانب الدراسات الصوتية لمؤلِّفين أجانب، عززت البحث ووسعت مداركه، وتوافر البحث على نتائج لتجارب علمية أجريت في المختبر الفيزيائي والصوتي، إلى جانب العمليات الإحصائية التي جعلت البحث ذا قيمة علمية تبرز عظمة القرآن الكريم، وتجليه من حيث الأصوات التي تنماز بإيقاعها وجرسها، وتنفرد بإعجازها وأثرها البالغ في الأسماع، ووقعها في النفوس والعقول، وبذلك فقد تخطى البحث الأساليب التقليدية في دراسة لغة القرآن الكريم وبيان سماتها.

وختامًا أسأل الله التوفيق في هذه المرحلة التي تحريت فيها الجوانب الصوتية؛ لاستجلاء أهمية أسلوب الاستفهام بالهمزة في هذا الحقل اللغوي الصوتي القيم، ويبقى هذا البحث محاولة جادة تسعى للارتقاء إلى مستوى الطموح، فإن أصاب فيما يصبو إليه ويتوخاه، فمن العزيز القدير الذي يرفع من يشاء درجات، وإن تعثرت خطاه فحسْبُها أنها من البشر الذي لا يُعصم من السهو، ونسأل الله سبحانه التوفيق فيما نحن ساعون إليه من خدمة لغة القرآن الكريم والتفيؤ بظلالها، إنه نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.

نتائج البحث:

إذا كانت البحوث تسعى من خلال الجهد المبذول إلى الوقوف عند مساقط الضوء، التي تنير جوانبها، وتعمق مسيرها، فإن وكدنا قد أرسى بنا عند نتائج نراها قبسًا من أنوار مصادر البحث أضاءت السبيل إليها، ونوجزها على هذا النحو:

♦ الصوت عبارة عن تخلخل في ضغط الهواء، ينتقل بشكل موجات إلى أن تصل إلى أذن السامع، ولا دلالة له خارج نطاق السياق، والعلم الذي يقوم بدراسته هو علم الفونتيك. أما داخل نطاق السياق، فيصبح الصوت وحدة لغوية ذات دلالة لغوية، والعلمُ الذي يختص به هو الفونولوجي (علم التشكيل الصوتي) الذي يقوم بدراسة الأصوات ضمن السياق.

♦ الفونيم أصغر وحدة صوتية قادرة على التمييز بين المعاني؛ نحو: قاد، قام، فـ(الدال)، (الميم) فونيمان مختلفان.

♦ التشكيل الصوتي (الفونولوجيا) يشمل الفونيمات التركيبية (الفونيم والمقطع)، والفونيمات فوق التركيبية (النبر، النغمة، الطول، المفصل، التنغيم...).

♦ اللغة العربية لا تستخدم النبر والنغمة والطول.. للتمييز بين المعاني، بخلاف اللغات الأخرى كالإنجليزية التي تستخدم النبر للتمييز بين المعاني، وكاللغة الصينية التي تستخدم النغمة في الغرض ذاته.

♦ الاستفهام من الأساليب المهمة التي أكدها القرآن الكريم، حيث يبلغ عدد الآيات المستخدم فيها أسلوب الاستفهام بعد الإحصاء أكثرَ من ألف آية قرآنية، وتحتل الهمزة فيها المرتبة الأولى، فهي من أكثر الأدوات المستخدمة في القرآن الكريم؛ لما ينماز بها من سمات صوتية ونحوية.

♦ الهمزة صوت حنجري مجهور شديد انفجاري، يتسم بالإيقاعية والمقطعية، يحتاج المرء إلى بذل جهد عضلي كبير لنُطقِه؛ ذلك أن الوترين الصوتيين ينغلقان عند إنتاجه، فيزداد الضغط في أدنى الحلق، ويتسع مجرى الفم إلى أنْ ينفرج الوتران فيسري الهواء.

♦ أسلوب الاستفهام بشكل عام - والهمزة بشكل خاص - من الأساليب التي استُخدمت في القرآن الكريم في مواضع الإنكار والتهديد والتوبيخ والتعجب.. فالسؤال عن الشيء يلائم هذا النوع من المقام.

♦ وجد البحث أن الغلبة لنسبة الأصوات المجهورة والانفجارية والإيقاعية في الآيات القرآنية التي استُخدم فيها أسلوب الاستفهام بشكل عام، والهمزة بشكل خاص.

♦ وبخصوص نسبة الأصوات ذوات الذبذبات العالية، رأى البحث أنها ملائمة لسياق الآيات التي وردت فيها هذه النسب.

♦ أما عن المقاطع المفتوحة، فالعلاقة طردية موجبة؛ فكلما ازدادت المقاطع المفتوحة تزداد معها المغلقة وبالعكس، وهذا من صور الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم.

♦ وقف البحث عند حقيقة مفادُها أن نسبة الصامتية - أي: الأصوات الصامتة - تغلب في آيات الاستفهام، وأن الصامت المصحوب بتواترات وترددات مرتفعة يتصف بالحدة.

♦ والذي نلحظه في الآيات القرآنية بأن (اللام، النون، الميم) وهي من الأصوات ذوات الذبذبات العالية - تحتل المركز الأول أو الثاني أو الثالث من حيث نسبتها، وذلك في آيات الاستفهام بشكل عام، والهمزة بشكل خاص. وهذه الأصوات تسمى بالأصوات شبه المصوت، حيث تمتاز بخاصية الموسيقية والمقطعية والاستمرارية، فضلًا عن الصفات الخاصة بها، وكأن التتابعات المقطعية للآيات القرآنية سلالم موسيقية تتراوح بين العلو والانخفاض، وهذا من صور الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم، فبهذه التنوعات الإيقاعية تصور لنا المشاهد، وتجسد الأحداث والوقائع.

Abstract

This research deals with the phonological structure of.

Interrogation style in Holy Koran. It consists of three chapters preceded by an introduction.

The first chapter deals with interrogation in Arabic sounds (phonetic features and phonology features of Arabic sounds).

The second chapter embarks on the glottal stop (hamza) and vowels (i,u,a,aa,uu,ii)،hamza and stress,hamza and tune,hamza and length,hamza and syllabe, definition of syllab and its features and intonation (statement sonorate) with laboratory analysis.

The third chapter is study the applied analysis of phonological structure of interrogation of Holy Koran,statistical and laboratory analysis.

Finaly the research demonstrate the important results and list of the referances.

محتوى الرسالة