التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح لبدر الدين الزركشي (ت 794 هـ) دراسة وتحقيق

ملخص الرسالة

التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح لبدر الدين الزركشي (ت 794 هـ)

دراسة وتحقيق

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:

فإن هذه الرسالة تنقسم قسمين تسبقهما مقدمة.

فأما المقدمة فقد ذكرت فيها أسباب اختيار الموضوع ومنها: صلة الكتاب بالحديث الشريف، واعتماد شراح الحديث عليه، وشهرة مؤلف الكتاب، وتفرد المنهج الذي سار عليه المؤلف وتنوع المادة العلمية في الكتاب، كما فعلت المنهج الذي سلكته فى هذه الرسالة.

وأما القسم الأول: الدراسة فقد عرفت فيها بإيجاز بكل من البخاري صاحب الصحيح والزركشي شارحه، ثم تحدثت عن موضوع الكتاب، وأهميته، وأثره في الدراسات المتعلقة بلغة الحديث، ومنهج المؤلف فى معالجة المادة المتنوعة المعنية بالشرح، ثم المظاهر البارزة في الشرح وهي:

الأصوات وتحتها: الإشباع والإدغام والإبدال والتسهيل والإمالة والوقف والحذف.

الصرف وتحته: الجمع والإبدال والإعلال والأوزان.

النحو وتحته: مسائل تتعلق بالأبواب النحوية، ومسائل تتعلق بالمصطلح النحوي، ومسائل تتعلق بالرواية، ومسائل تتعلق بالتوجيهات الإعرابية.

الدلالة وتحتها: نماذج من اهتمام المؤلف بالمعنى. ثم مصادر المؤلف من مؤلفات ومؤلفين ثم منزلة المؤلف العلمية، ثم تقوبم المادة العلمية في الكتاب، ثم منهج التحقيق، وأخيرًا وصف النسخ المعتمدة.

أما القسم الثاني: التحقيق وهو خاص بنص المؤلف فقد اتبعت فيه ما تعورف عليه فقارنت بين النسخ مسجلًا الخلافات بينها، ووضعت رقم صفحة المخطوط عند آخر كلمة منه في أثناء النص بين خطين مائلين، كما وثقت النصوص التي نقلها المؤلف من مصادرها الأصلية قدر المستطاع سواء كانت قرآنية أم قراءات أم أحاديث أم شعرًا أم رجزًا أم أمثالًا، كما خرجت الروايات، وعرفت بالأعلام متجاوزًا المشاهير ورواة الحديث.

وفي نهاية العمل وضعت فهارس فنية للنص المحقق شملت الآيات القرآنية والقراءات والأحاديث وأمثال العرب وأقوالهم والأبيات الشعرية والرجز وأنصاف الأبيات وأجزاءها والمواد اللغوية واللغات والأعلام والأمم والقبائل والأماكن والبلدان ثم مصادر المؤلف ثم مصادر الدراسة والتحقيق وأخيرًا فهرس الموضوعات.

وقد كان اعتمادي في التحقيق على كتب اللغة والنحو بالدرجة الأولي، ثم شروح الحديث بالدرجة الثانية، بالإضافة إلى مصادر متنوعة فرضتها طبيعة الكتاب المحقق.

المقدمة:

الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على الهادي البشير والسراج المنير محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأثناء إعدادي لرسالة الماجستير وقفت على العديد من كنوز تراثنا الإسلامي العريق مخطوطها ومطبوعها، وكان من أبرز تلك النفائس كتاب: ((التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح لبدرالدين الزركشي))، الذي كان أحد المصادر الرئيسة التي اعتمد عليها الدماميني في مصابيح الجامع[1]، وقد تبادر لذهني بادئ الأمر أن الكتاب محقق أو مطبوع ومنشور على أقل تقدير.

ذلك أنه من أهم الكتب التي عنيت بشرح صحيح البخاري، فعلى حد علمي لا يوجد شارح للبخاري جاء بعد الزركشي إلا اعتمد عليه.

وقد كانت دهشتي كبيرة عندما فتشت عن هذا الكتاب فلم أجد له أثرًا في الكتب المنشورة والمتداولة بين طلاب العلم، فاعتمدت في ذلك الوقت على النسخ المخطوطة.

ومنذ تلك اللحظة عقدت العزم على أن يكون تحقيق هذا الكتاب وإخراجه للمكتبة الإسلامية هو ميدان أطروحتي لمرحلة الدكتوراه، إذا مد الله في العمر، يحدوني في ذلك أسباب أهمها:

1) صلة الكتاب بالحديث الشريف الذي هو من أشرف العلوم قدرًا، وأحسنها ذكرًا، وأكملها نفعًا، وأعظمها أجرًا.

2) أنه من أهم المصادر التي اعتمد عليها شراح الحديث، فكان حقه أن يخرج محققًا لتعم فائدته ويصل إلى طلاب العلم.

3) شهرة المؤلف وذيوعه، فهو من العلماء المشاركين الذين خدموا المكتبة الإسلامية بمؤلفاتهم العديدة، وشرف لي أن أحظى بتحقيق كتاب ينتسب إليه.

4) أنني ألفيت الزركشي -رحمه الله- قد طرق في كتابه منهجًا مختلفًا عن بقية الشروح، فهو يركز على الظواهر اللغوية والمسائل النحوية، وهي ميدان خصب لطالب مثلي، يمكن من خلاله الإفادة وبناء النفس.

5) الكتاب شبيه بجنة غناء متنوعة الثمار، فبالإضافة إلى غزارة المسائل اللغوية والنحوية لا يخلو الكتاب من نكت فقهية وبيانية وغير ذلك، وهذا له ثمرته، وفائدته غير خافية.

ونظرًا إلى كبر حجم الكتاب حيث يبلغ متوسط لوحاته - على اختلاف النسخ - ثلدثمائة لوحة تقريبًا - تقدمت بنصف الكتاب (من أوله إلى نهاية باب الجهاد) ليكون ميدان دراستي لمرحلة الدكتوراه، إلا أن مجلس قسم الدراسات العليا الموقر قد رأى تحقيق الكتاب كاملًا حفاظًا على إخراجه بصورة متكاملة وتحاشيًا لتجزئته.

والحق إنني أوجست في نفسي خيفة من خوض غمار الكتاب كاملًا، إلا أنني بعد توفيق الله عقدت العزم على تحقيق الكتاب مستعينًا بالله عز وجل، وقد جعلت العمل في قسمين تسبقهما مقدمة وتقفوهما خاتمة. أما المقدمة فهي بين يديك.

وأما القسم الأول فقد خصصته للدراسة وتناولت فيه النقاط التالية:

1) تمهيد، وفيه عرضت بإيجاز بكل من البخاري صاحب الصحيح والزركشي شارحه.

2) موضوع البحث وأهميته.

3) أثره في الدراسات المتعلقة بلغة الحديث.

4) منهج المؤلف في معالجة المادة المتنوعة المعنية بالشرح.

5) المظاهر البارزة في الشرح:

أولًا: الأصوات وتحتها المسائل التالية:

١- الإشباع. ٢- الإدغام. ٣- الإبدال. ٤- التسهيل. ٥- الإمالة. ٦- الوقف.

٧- الحذف لالتقاء الساكنين. ٨- حذف الهمزة للتخفيف. ٩- حذف الياء للتخفيف.

ثانيًا: الصرف وتحته المسائل التالية:

1) الجمع.

2) الإبدال والإعلال.

3) الأوزان.

ثالثًا: النحو وتحته الأقسام التالية:

1) مسائل تتعلق بالأبواب النحوية.

2) مسائل تتعلق بالمصطلح النحوي.

3) مسائل تتعلق بالرواية.

4) مسائل تتعلق بالتوجيهات الإعرابية.

رابعًا: الدلالة، وأوردت تحتها نماذج من اهتمام المؤلف بالمعنى. وكنت قد تعرضت لبعض المظاهر البارزة في شرح الزركشي في رسالتي لمرحلة الماجستير واعتمد هنا على تلك الدراسة.

٦)مصادر المؤلف وهي قسمان:

أ - مؤلفات.

ب - مؤلفون.

٧) منزلته العلمية.

٨) تقويم المادة العلمية في الكتاب.

٩) منهج التحقيق.

١٠) وصف النسخ المعتمدة.

وأما القسم الثاني: (التحقيق) وهو خاص بنص المؤلف وفيه قابلت بين النسخ مقابلة دقيقة، وأثبت الفوارق بين النسخ، وقدمت النص سليمًا - بقدر الإمكان - من التحريف والتصحيف، موثقًا الآراء من مصادرها قدر استطاعتي، ومخرجًا الشواهد من مظانها سواء كانت آيات قرآنية أم قراءات أم أحاديث نبوية أم أمثالًا أم أشعارًا، وناسبًا ما أمكنني نسبته منها إلى قائله، ومترجمًا للأعلام متجاوزًا المشاهير - من وجهة نظري - ورواة الحديث ومن لم أقف له على ترجمة، ومعلقًا بإيجاز إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

وأما الخاتمة فقد أوجزت فيها بعض النتائج التي توصلت إليها.

وفي نهاية العمل وضعت فهرسة فنية للنص المحقق شملت الآيات القرآنية والقراءات والأحاديث وأمثال العرب وأقوالهم والأبيات الشعرية والرجز وأنصاف الأبيات وأجزاءها والمواد اللغوية واللغات والأعلام والأمم والقبائل والأماكن والبلدان ثم مصادر المؤلف ثم مصادر الدراسة والتحقيق وأخيرًا فهرس الموضوعات، وأشير هنا إلى أن التنقيح شرح للجامع الصحيح، وعليه تنحصر فهرسة الأحاديث على الأحاديث المستشهد بها دون الأحاديث المشروحة؛ لأنها مثبتة في كل صفحة، ويمكن الوصول إلى أي حديث منها عن طريق فهرس اللغة.

وقد كان اعتمادي في التحقيق على كتب اللغة والنحو بالدرجة الأولى، ثم شروح الحديث بالدرجة الثانية، بالإضافة إلى مصادر متنوعة فرضتها طبيعة الكتاب المحقق[2].

هذا وقد واجهتني في عملي هذا بعض الصعوبات أهمها:

١- كبر حجم الكتاب حيث استغرق مني مقابلة النص على خمس نسخ جهدًا شاقًا ويعلم الله كم عانيت في ذلك وله الحمد على توفيقه.

٢- أن كثيرًا من مصادر المؤلف مخطوط، وهذا المخطوط معظمه مفقود -فيما أعلم-وقد تطلب مني التأكد من فقدانه جهدًا كبيرًا، وقد وثقت من المخطوطات التي وقفت عليها، وأما المفقودة منها فقد لجأت إلى المصادر البديلة لتحل محلها حسب المتبع.

٣- أن إحالات المؤلف جلها لعلماء وليست لكتب، والصعوبة في ذلك واضحة، فقد يكون للمؤلف عشرات أو مئات الكتب، منها الموجود ومنها المفقود، ومنها المطبوع ومنها المخطوط، ولا يعلم في أيها يوجد الرأي المنوه إليه.

٤- استطراد المؤلف وتناوله لفنون متنوعة كالأحكام الفقهية والحوادث التاريخية وغيرها، وهذا أمر، وإن كان له ثمرته إلا فإنه يتطلب جهدًا مضاعفا لأن الباحث - حينئذ- يبحث في غير تخصصه.

غير أنه بعون الله وتوفيقه ثم بتوجيه شيخي ومشرفي سعادة الدكتور/ مصطفى عبدالحفيظ سالم استطعت تجاوز هذه الصعوبات، فالشكر لله أولًا على حسن توفيقه ثم للمشرف على هذه الرسالة الذي أسجل له - بكل أمانة - مواقفه المشرفة، فقد فتح لي قلبه أولًا ثم بيته ثانيًا وجعل تحرير النص وسلامته في أول مرتبة من مراتب الدراسة والتحقيق، وصرف من وقته وجهده الكثير، فكان يراجع النسخ بعدي نسخة نسخة ويسدد الخلل، ويزجى التوجيه عقب التوجيه، ويحث على الصبر والاحتساب ومضاعفة الجهد حتى خرجت هذه الرسالة على ضخامتها في زمن قياسي.

والله أسأل أن يغفر لي زلات القول وسقطات اللسان وأن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم والحمد لله رب العالمين.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب..

الباحث.

الخاتمة:

الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، والشكر له في الآخرة والأولى، وأصلي وأسلم على خير خلقه، وأفضل رسله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا مباركًا إلى يوم الدين.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، واختم لنا بالصالحات يا سميع الدعاء، وبعد:

فإن من نعم الله علىَّ أن صحبت في هذه الرحلة العلمية الممتعة أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم مستمتعًا بجوامع الكلم مع كلام خير من نطق بالضاد وحسبي أن قرأت البخاري كاملًا.

كما كان من حسن الطالع أن عشت مع الزركشي سنوات وسهرت معه الليالي الطوال متأملًا في كتابه التنقيح ومدققًا في نسخه المخطوطة وممتحنًا لآرائه اللغوية والنحوية، فسبحت في بحر علمه، وأفدت من موسوعيته، فخرجت ببعض النتائج ألخصها فيما يلي:

1) كتاب التنقيح مستل من كتاب آخر للمؤلف هو ((الفصيح في شرح الجامع الصحيح))، افتقدته المكتبة الإسلامية.

2) ما اصطلح عليه الناقلون عن المؤلف والمترجمون له في تسمية التنقيح ((شرح البخاري)) تسمية فيها تجوز، إذ إن التنقيح تعليق لغوى ونحوي على الجامع الصحيح وليس شرحًا له.

3) سلك الزركشي في تنقيحه منهجًا مستقلًا يمكن تسميته بالمنهج الانتقائي، حيث لم يتناول جميع أبواب البخاري، ولا جميع الأحاديث تحت الباب الواحد، وإنما اقتصر تعليقه على ما دعت الحاجة إليه من وجهة نظره.

4) تكوين المؤلف العلمي وثقافته الموسوعية أثرت في مادة الكتاب العلمية فتعددت وتنوعت.

5) نقل المؤلف عن العلماء لم يكن نصًا وإنما بالمعنى وقد تبين ذلك للباحث من خلال مقارنة النصوص المنقولة بأصولها فى مظانها، ومع ذلك فقد كان المؤلف أمينًا في نقله غير مخل بنص من ينقل عنه من حيث المعنى المراد.

6) لم يكن المؤلف معتدًا بالرواية، ولم يسلم بها في كل الحالات بل كان يضعِّف ويخطِّئ بعض الروايات لاعتبارات نحوية.

7) مع ما يتمتع به المؤلف من مكانة علمية وسعة اطلاع إلا أن اجتهاده في بعض المسائل النحوية قد لقى التعقب ممن تأخر عنه من الشراح.

8) كان اهتمام المؤقف بالمعنى كبيرًا، فهو الركيزة الأولى في مناقشاته وتعليقاته. فجزى الله المؤلف خير الجزاء على ما قدم، وأسأله أن يعفو عني وعنه وعن سائر المسلمين والحمد لله رب العالمين.

تم الكتاب المبارك وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.