الدفاع الشرعي العام في التشريع الجنائي الإسلامي- دراسة مقارنة

ملخص الرسالة

الدفاع الشرعي العام في التشريع الجنائي الإسلامي

دراسة مقارنة

يعتبر موضوع الدفاع الشرعي العام من المواضيع المهة في فقه العقوبات، إذ به تتم حماية المجتمع وحفظه من الوقوع في الجرائم، وما الخلل الذي يعصف بالمجتمعات الإسلامية اليوم إلا نتيجة بعده عن أحكام الله تعالى وتشريعاته التي تميزت وسمت فوق كل التشريعات، لاختصاصها بالرحمة والعدل والوسطية.

ويهدف هذا البحث إلى دراسة أحكام الدفاع الشرعي العام في التشريع الجنائي الإسلامي دراسة تفصيلية؛ من بيان خصائص التشريع الجنائي الإسلامي وتميزه عن كافة الشرائع والقوانين، وتوضيح مفهوم الدفاع الشرعي العام وأحكامه المتعلقة به من حيث مشروعيته وحكمتها، وتأصيله الفقهي وأقسامه وأركانه ووسائله ومراتبه، وبيان مفهوم المسؤولية الجنائية ومحلها وبيان الحالات التي ترفع فيها والفرق بين رفعها وامتناعها، ومدى مسؤولية المدافع في دفع جرائم الحدود والقصاص والتعازير، ووسائل إثبات حالة الدفاع الشرعي العام، وحكمه في حالة غياب الدولة الاسلامية وعلاقته بالافتئات على السلطات العامة، ومدى سلطة المدافع القضائية، وفي ختام البحث عرضت أهم ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات.

هذا وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان. أسال المولى عز وجل أن ينفع بهذا البحث، وأن يكون في ميزان حسناتي، والحمد لله رب العالمين.

مقدمة:

الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ويدفع عنا بلاءه ونقمه، نسأل الله أن يبارك لنا في ديننا ودنيانا، وأن يزيدنا علمًا وسترًا في الدنيا والآخرة، وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، خاتم الرسالات السماوية، وأول من سار في طريق إقامة النظام العالمي الإسلامي، الذي يكفل الحقوق لجميع أفراده، صلى اللهم عليه وعلى آله وأصحابه الذين آووه ونصروه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وأما بعد: فإن الإسلام دين قويم وشرع عظيم، شرع المقاصد التي تقيم حياة الإنسان بما فيه الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، وشرع من الوسائل والأحكام لمصلحة العباد في كل عصر ما تحفظ به حقوق الناس في كل مكان وزمان.

وإني أقدم جانبًا من جوانب التشريع الإسلامي في بحث أسميته: (الدفاع الشرعي العام في التشريع الجنائي الإسلامي دراسة فقهية مقارنة)، حتى يعلم الناس أن الفقه الإسلامي قد عني بكل جوانب الحياة، وأن تشريع الجريمة والعقوبة وما يتعلق بهما من نظريات مبيحة للفعل أو مسقطة للعقاب قد اختص بقسم وافر من النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة.

وغني عن البيان أن هذا الموضوع له أهميته العملية التي لا تنكر، فأردت أن أبين مدى اهتمام الفقه الإسلامي بها، حيث لم يترك فقهاء الشريعة ناحية من نواحيها الهامة إلا وقد وافوها حقها من الدراسة والبحث.

وإني لأستمد من الله تعالى العون والتوفيق في تقديم هذا الموضوع كما قرره فقهاء الإسلام بشيء من التفصيل، وبالصورة التي ترضي كل قارىء كريم، فأسال الله عز وجل أن يلهمني الصواب، وأن يوفقني لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم إنه سميع قريب مجيب.

مسوغات البحث:

1) حبي لمادة الفقه وتنمية لمعرفتي في هذا الميدان، وخدمة للبحث العلمي في الفقه الإسلامي.

2) يعتبر موضوع الدفاع الشرعي العام في التشريع الجنائي الإسلامي من المواضيع المهمة في العصر الحاضر لما يترتب عليه من قضايا اجتماعية وأخلاقية واقتصادية تؤثر على الأفراد والجماعات.

3) الحاجة إلى تأصيل قواعد وضوابط شرعية لممارسة الدفاع الشرعي العام حتى تكون الجهود بعيدة عن العبثية، وعن تبديد الجهود والطاقات في غير محلها.

4) واقع أمتنا السيئ، وشيوع المنكرات في المجتمع، وما يحتاجه ذلك من القيام بالدفاع الشرعي العام.

مشكلة البحث:

1) تدور مشكلة البحث حول بيان الأحكام الشرعية الصحيحة المتعلقة بموضوع الدفاع الشرعي العام في التشريع الجنائي الإسلامي.

2) إبراز أهم خصائص التشريع الجنائي الإسلامي وتميزه عن كافة الشرائع والقوانين.

3) بيان منهج الإسلام في مكافحة الجريمة.

4) الوقوف على مفهوم الدفاع الشرعي العام وأدلة مشروعيته وحكمه والتكييف الشرعي له.

5) معرفة أنواع وأركان وشروط وآداب الدفاع الشرعي العام.

6) الوقوف على مفهوم المسؤولية الجنائية وأساسها ومحلها.

7) بيان حالات رفع المسؤولية الجنائية.

8) الوقوف على أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع الشرعي العام.

أهداف البحث وسبب اختياري له:

1) إن هذا الموضوع من المواضيع المهمة في فقه العقوبات.

2) شغفي في الاستزادة بالمعرفة فيما يتعلق بمواد العقوبات وما تحتويها من موضوعات شيقة، ومنها هذا الموضوع (الدفاع الشرعي العام في التشريع الجنائي الإسلامي).

3) قلة إطلاعي على هذا الموضوع فأحببت أن أكتب فيه لأتعرف على جزئياته من كتب الفقه المختلفة.

4) الإسهام بجهدي المتواضع في إبراز جانب هام من جوانب الفقه الإسلامي وذلك بجمع شتات هذا الموضوع وتوحيد جزئياته تحت عنوان مستقل يسهل على القارئ الرجوع إليه والإفادة منه.

5) إفادة نفسي من خلال البحث في جوانب هذا الموضوع، ولعلي أفيد غيري من طلاب العلم، بما أدونه في هذه الرسالة، وبما أنقله من كلام أهل العلم إن شاء الله تعالى.

6) أهمية الدفاع الشرعي العام في حياة الناس اليومية؛ لأن من أوجب الواجبات الحفاظ على حقوق البشر وأنفسهم؛ لأن حفظ النفس من الضروريات الخمس.

7) بيان أحكام الدفاع الشرعي العام فيه حماية للناس وحفظًا لهم من الوقوع في الجرائم.

8) تسهيل مهمة الباحثين في مجال فقه العقوبات من فقهاء وطلبة علم في معرفة الأحكام المتعلقة بالدفاع الشرعي العام من منظور إسلامي.

9) إبراز أهم خصائص التشريع الجنائي الإسلامي وتميزه عن كافة الشرائع والقوانين.

10) المكانة المرموقة التي يحتلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام والتي أكدتها نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة.

الدراسات السابقة:

1- مباحث هذا الموضوع ووسائله لم تفرد في مكان واحد ومحدد في الكتب بشكل تفصيلي وشامل، بل كانت منثورة من خلال مسائل الكتب الفقهية.

2- لا أعلم أن أحدًا من العلماء تناول هذا الموضوع تناولا تفصيليًا شاملا على الصورة التي سيتم عرضها إن شاء الله تعالى، غير أن بعض العلماء كتبوا في بعض جوانب الموضوع باختصار واقتضاب، منهم: الشهيد عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي الإسلامي حيث أفرد فصلا خاصًا له أسماه الدفاع الشرعي العام تناول المشروعية والتأصيل الفقهي للدفاع الشرعي العام، وأركان الحسبة ومراتبها، ولكنه لم يتوسع في دراسته للموضوع كما هو الحال في البحث الذي سأقوم بكتابته إن شاء الله تعالى حيث إنني سوف أتناوله بنوع من الشمولية.

وممن تناول الموضوع: الإمام الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) حيث تناول فيه شروط الدفاع الشرعي العام، ووسائل دفع المنكر، وكذلك الإمام الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية)، حيث تحدث عن مواضيع لها علاقة بموضوع الدفاع الشرعي العام بشكل موجز ومختصر من خلال موضوع الحسبة وصلاحيات المحتسب وغير ذلك.

وممن تناول هذا الموضوع من المعاصرين الدكتور محمد أبو زهره في كتابه (الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي)، تحدث فيه بشكل مختصر حول فلسفة التجريم والعقاب في الإسلام وكذلك حالات رفع المسؤولية الجنائية، وكذلك الدكتور مأمون الرفاعي في رسالته (أسباب رفع المسؤولية الجنائية)، تحدث حول هذا الموضوع بشكل موجز، وكذلك الدكتور محمد كمال الدين إمام في كتابه (المسؤولية الجنائية أساسها وتطورها)، تحدث فيه حول موانع المسؤولية الجنائية وأساسها وشرطها بشكل موجز.

كما تناوله كل من السيد خالد بن عثمان السبت في كتابه (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصوله وضوابطه وآدابه)، تحدث فيه حول آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحامي موسى الدويك في كتابه (أسس وشروط الدفاع الشرعي في الشريعة والقانون)، والدكتور يوسف قاسم في كتابه (نظرية الدفاع الشرعي في الفقه الجنائي الإسلامي والقانون الجنائي الوضعي)، والأستاذ أحمد فتحي بهنسي في كتابه (المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة)، والدكتور محمد صبحي نجم في كتابه (قانون العقوبات القسم العام، النظرية العامة للجريمة)، تعرض فيه لموانع المسؤولية وعن أسباب رفع المسؤولية الجنائية، ومنها الدفاع الشرعي دون الخوض في التفصيل، وتحدث أيضا عن نظرية الجريمة وعن حالة الضرورة.

وبشكل عام أستطيع القول: إن أحدًا من العلماء لم يتناول هذا الموضوع بإحاطة وشمول، وإنما كانت دراسات تعنى بجانب منه، دون الآخر.

وبالتالي يمكنني القول: إن ما يميز هذه الدراسة أنها تتناول الموضوع بتفصيل شامل وتلم بجميع وجوهه وجوانبه، وتؤلف بين شتاته في مكان واحد.

منهج البحث:

المنهج الذي سأسلكه في هذا البحث هو المنهج الاستقرائي الوصفي، لذلك سأقوم بتتبع جزئيات المسألة وحججها وأدلتها واستخلاص النتائج، والوسائل المستعملة في ذلك هي:

1) إستقراء أقوال الفقهاء في مختلف المذاهب الفقهية، وخصوصا المذاهب الأربعة، وبيان أدلتها.

2) الإلتزام بالقواعد المنهجية في تخريج الأحاديث للتأكد من صحتها وأسانيدها ورواتها.

3) الإلتزام بمنهج المفسرين في تفسير الآيات القرآنية ذات الصلة بالموضوع.

4) الإلتزام بمنهج اللغويين في بيان معنى الكلمات الغامضة.

5) المقارنة بين أقوال الفقهاء في المذاهب المشهورة وبيان أدلتهم.

6) ترجمة للأعلام حسب ما تقتضيه الحاجة، وسأجعل لذلك مسردًا في نهاية الرسالة.

7) الإلتزام بالقواعد الأصولية للاستفادة منها في تأصيل الموضوعات والاستفادة منها في الترجيحات الفقهية إن لزم الأمر.

أسلوب البحث:

1) قمت بتقسيم هذا البحث إلى فصول ومباحث ومطالب وفروع.

2) عزو الآيات القرآنية الكريمة إلى مواضعها في كتاب الله بذكر اسم السورة ورقم الآية، وجعلت لذلك مسردًا رتبتها فيه بحسب ورودها في القرآن الكريم.

3) عزو الآيات الدينية الى السورة الكريمة.

4) الرجوع إلى أمات المراجع المعتمدة من كتب التفسير والحديث وعلومه والفقه وأصوله ومعاجم اللغة العربية والتراجم.

5) الرجوع إلى الكتب المعتمدة لأصحاب المذاهب الأربعة في بيان آراءهم في المسائل الفقهية.

6) القيام بتخريج الأحاديث والآثار الواردة بعزوها إلى مصادرها الأصلية ومسردًا لها.

7) كتابة البحث وتوثيق ما نقلته توثيقًا تامًا بعزوه إلى مصادره الأصلية.

8) ترتيب المذاهب الأربعة عند النسبة إليها حسب تاريخ وفاة إمام كل مذهب وعند ترك النسبة إلى واحد من المذاهب فذلك لأنني لم أقف على المسألة في أحد كتبه.

9) قد أشير إلى المذهب الظاهري في بعض المسائل.

10) ذكر مسائل الخلاف مع الأدلة، مع ترجيح ما ظهر لي وجه ترجيحه مع مناقشته بأدلة الأقوال الأخرى، فإن لم يظهر سبب للترجيح اكتفيت بسياق الأقوال وأدلتها.

11) الرجوع إلى بعض المؤلفات الحديثة في كثير من المسائل التي تناولتها.

12) ذكر إسم المرجع ومؤلفه كاملا عند وروده لأول مرة وذكره مختصرًا عند تكراره بضبط اسم المرجع واسم الشهرة للمؤلف.

13) وضعت الكلام المقتبس حرفيًا من كتب العلماء بين علامتي التنصيص (" ").

14) اتبعت الرسالة بعدة مسارد تفصيلية.

15) جمعت المعلومات وفق خطة البحث.

16) الخلوص بنتائج جامعة ومهمة.

17) وضعت فهرسًا للمصادر والمراجع والموضوعات.

خطة البحث:

تضمنت خطة البحث مقدمة، وفصلا تمهيديًا، وأربعة فصول رئيسة، وخاتمة، ومسارد، على النحو الآتي:

*المقدمة: تكلمت فيها عن مسوغات البحث، ومشكلته، وأهدافه، وسبب اختياره، والدراسات السابقة فيه، ومنهجه، وأسلوبه.

• الفصل التمهيدي: تميز النظام الجنائي الإسلامي بحفظ مقاصد التشريع وضروريات الحياة، ويتكون هذا الفصل من أربعة مباحث، هي:

المبحث الأول: حماية الإسلام للمقاصد العامة في الحياة.

المبحث الثاني: منهج الإسلام في مكافحة الجريمة.

المبحث الثالث: خصائص ومزايا التشريع الجنائي الإسلامي، وتميزه عن كافة الشرائع والقوانين.

المبحث الرابع: علة التجريم والعقاب في التشريع الجنائي الاسلامي.

الفصل الاول: مفهوم الدفاع الشرعي العام وأحكامه، ويتكون هذا الفصل من سبعة مباحث، هي:

المبحث الأول: مفهوم الدفاع الشرعي العام (لغة وشرعًا وقانونًا).

المبحث الثاني: علاقة الدفاع الشرعي بمعناه العام بالحسبة.

المبحث الثالث: مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

المبحث الرابع: الأساس الفلسفي لفكرة الدفاع الشرعي العام.

المبحث الخامس: حكمة مشروعية الدفاع الشرعي العام.

المبحث السادس: التكييف الشرعي للدفاع الشرعي العام هل هو حق أم واجب؟.

المبحث السابع: مقارنة بين الدفاع الشرعي العام والدفاع الشرعي الخاص.

الفصل الثاني: أقسام وأركان ووسائل ومراتب وآداب الدفاع الشرعي العام، ويتكون هذا الفصل من أربعة مباحث، هي:

المبحث الأول: أقسام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الدفاع الشرعي العام) ومراتبه

المبحث الثاني: أركان الدفاع الشرعي العام والشروط المطلوبة فيها لرفع المسؤولية.

المبحث الثالث: وسائل الدفاع الشرعي العام ومراتبه.

المبحث الرابع: آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الدفاع الشرعي العام).

الفصل الثالث: مفهوم المسؤولية الجنائية وأساسها ومحلها وحالات رفعها و علاقة ذلك.

بالدفاع الشرعي العام، ويتكون هذا الفصل من سبعة مباحث، هي:

المبحث الأول: مفهوم المسؤولية الجنائية وأنواعها.

المبحث الثاني: مصطلحات ذات صلة بالجريمة.

المبحث الثالث: أساس المسؤولية الجنائية ومحلها.

المبحث الرابع: رفع المسؤولية الجنائية.

المبحث الخامس: حالات (أسباب) رفع المسؤولية الجنائية (ومنها الدفاع الشرعي العام).

المبحث السادس: رفع المسؤولية الجنائية وامتناعها، وعلاقة ذلك بالدفاع الشرعي العام.

المبحث السابع: مدى مسؤولية المدافع في دفع جرائم الحدود والقصاص والتعازير.

الفصل الرابع: بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالدفاع الشرعي العام، ويتكون هذا الفصل من مبحثين، هما:

المبحث الأول: إثبات الدفاع الشرعي العام.

المبحث الثاني: حكم الدفاع الشرعي العام في حالة غياب الدولة الإسلامية وعلاقته بالافتئات على السلطات العامة ومدى سلطة المدافع القضائية.

• الخاتمة: تضمنت أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليه.

• المسارد: وهي مسارد الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والاعلام والمراجع.

الخاتمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،

في ختام هذه الرسالة أعرض أهم ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات.

أولا- النتائج:

1) جلب المصلحة ودرء المفسدة هو المقصد الأعظم الذي تتميز به الشريعة الإسلامية والتي تعتبر مدارًا للأحكام الشرعية والتشريع الإسلامي.

2) منهج الإسلام في مكافحة الجريمة يقوم على أسلوبين رئيسيين، الأول وقائي، والثاني علاجي.

3) يتميز التشريع الجنائي الإسلامي بخصائص ومزايا تميزه عن كافة الشرائع والقوانين الأرضية، ومن هذه الخصائص قيامه على أساس الدين والأخلاق، والكمال والمرونة وكذلك على مبدأ الستر، والعدالة والموضوعية، وأيضا قيامه على مبدأ الشخصية، وغير ذلك من الخصائص التي يتمتع بها.

4) إن أساس التجريم والعقاب في التشريع الإسلامي، يتسع كل مخالفة لما أمر الله تعالى أو نهى عنه.

5) يعتبر (الدفاع الشرعي العام) من المصطلحات الحديثة التي درجت في استعمالات الفقهاء المحدثين، حيث تناولوا نوعين للدفاع الشرعي هما: الدفاع الشرعي الخاص كرديف لمصطلح دفع الصائل الذي نص عليه الفقهاء قديمًا، و مصطلح الدفاع الشرعي العام كرديف لمصطلح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

6) إن الامربالمعروف يشمل جميع الصور الداخلة تحته، سواء كان ذلك، عن طريق التعليم، أو التوعية، أو غير ذلك من الصور التي لا تحصى.

7) إن النهي عن المنكر يشمل جميع الطرق المشروعة في ازالته، وسواء قبل وقوعه أو في أثنائه، كما أنه يدخل في جميع ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

8) هناك علاقة وثيقة بين الدفاع الشرعي العام، والحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

9) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعد ضرورة لابد منها لصلاح المجتمعات واستقامتها، فهو يحفظ الضرورات الخمس من جانب الوجود والعدم.

10) إن الأصل في مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الدفاع الشرعي العام) هو أمر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

11) الأساس الفلسفي لفكرة الدفاع الشرعي العام، هو أنه يقوم على فكرة إقامة الملة والشريعة وحفظ العقيدة و الدفاع عن الدين.

12) هناك حكم عظيمة وفوائد جمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منها ما يعود على الآمر والناهي، ومنها ما يعود على المأمور المنهي، ومنها ما يعود على سائر الأمة.

13) هناك اختلاف بين الدفاع الشرعي العام والدفاع الشرعي الخاص حيث يختلفان في بعض الوجوه ويتفقان في وجوه أخرى.

14) لا يشترط العلم لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما يختص بالعلم الظاهر، فهذا العلم يختص بفرائض ومحرمات لا يسع المسلم أن يجهلها لأنها معلومة من الدين بالضرورة، لذلك يجب الأمر والنهي في ذلك كله ولا يسقط بدعوى الجهل.

15) أما فيما يختص بالعلم بدقائق الأقوال والأفعال، التي تخفى على عامة الناس ولا يعرفها إلا العلماء الباحثون، فإن أمثال هذه المسائل لا بد فيها من العلم.

16) القدرة هي مدار الانتقال من مرتبة لأخرى بين مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

17) عدم اشتراط عدالة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ولكنها تستحب.

18) عدم اشترط الإذن من الإمام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنه يجب إذن الإمام في الحالة التي يجري فيها التعزير واتخاذ الأعوان واستخدام القوة والسلاح، خشية الوقوع في الفتنة.

19) تكلمت عن طرق دفع المنكر وعرضت لكل وسيلة على حده، وبينت أنه يجوز دفع المنكر دون إذن الإمام إذا كان الأمر لايتطلب التأجيل.

20) يشترط لرفع المسؤولية في حالة الدفاع الشرعي العام: أن يكون الفعل الذي يقع عليه التغيير منكرًا، وأن يكون المنكر موجودًا في الحال، وأن يكون المنكر ظاهرًا دون تجسس، وأن يكون المنكر معلومًا بغير اجتهاد.

21) للولد الإنكار على والديه إذا رآه يفعل منكرًا ما من خلال: التعريف والوعظ والنصح باللطف واللين، وليس له الاحتساب بالسب والتعنيف ومباشرة الضرب، وما إلى ذلك.

22) ثبت حق الزوج في تأديب زوجته إلا إن سلطته في ممارسة هذا الحق ليست مطلقة إنما هي مقيدة في مواضع مخصوصة، كالنشوز والتقصير على حقوق الله تعالى وارتكاب المحرمات، وإذا أسرف الزوج في استخدام حقه في التأديب يكون ضامنًا.

23) للوالدين تأديب ولدهما على ترك العبادات أوإذا اقترف شيئا من المحرمات أو المنهيات كالكذب والسرقة وكذلك زجرًا عن سوء الأخلاق والآداب إصلاحًا لهم.

24) جواز تأديب المعلم لطلابه بالعقوبة على الأمور التي تتعلق بالدراسة والتأديب على سوء الأدب وارتكابه مخالفة شرعية، كالكذب والسرقة والتدخين والشتم ونحو ذلك من المحرمات.

25) هناك آداب ينبغي أن يتحلى بها ك ً لا من الآمر والناهي أثناء تأديته هذه الفريضة الجليلة منها: الحلم والصبر والورع والإخلاص في الأمر والنهي، ومراعاة المصالح، ودفع المفاسد.

26) المسؤولية الجنائية: هي أن يتحمل الإنسان نتائج الأفعال المحرمة التي يأتيها مختارًا وهو مدرك لمعانيها ونتائجها.

27) وسبب المسؤولية الجنائية هو ارتكاب المعاصي، وذلك عن طريق إتيان المحرمات التي حرمها الله -سبحانه وتعالى- في كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

28) محل المسؤولية الجنائية في الإسلام الإنسان الحي القادر المختار المكلف، أما الإنسان الفاقد للإدراك والاختيار ليس مسؤولا.

29) رفع المسؤولية الجنائية هو: إتيان الأفعال المحرمة ممن توفرت بهم صفات خاصة لتحقيق غرض أو أكثر من أغراض الشارع بحيث لايسألون عما فعلوه.

30) رفع العقوبة فهو: إرتكاب الجاني فعلًا محرمًا حالة فقدان الإختيار أو الإدراك مما يؤدي إلى رفع العقوبة عنه.

31) ترفع المسؤولية الجنائية بسبب إتيان الفاعل حقًا له أو واجبًا عليه، أما العقوبة فترتفع بسبب فقدان الإختيار أو الإدراك عند الجاني.

32) من أسباب رفع المسؤولية الجنائية، الدفاع الشرعي العام والخاص، التاديب، الأعمال الطبية، ألعاب الفروسية، المهدرون، وحقوق الحكام وواجباتهم.

33) أوجبت الشريعة الإسلامية الدفاع الشرعي العام، بالقدر الضروري لدرء الإعتداء، فإن زاد على ذلك فإنه يعتبر اعتداءً، فعلى المدافع أن يدفع فاعل المنكر بالأخف فالأخف، وأن يتدرج في فعل الدفاع.

34) إذا تجاوز المحتسب حدود الدفاع الشرعي، بأن خرج المدافع عن الشروط المقررة التي يجب مراعاتها والتزامها، فإن المدافع عندها يسأل جنائيًا ومدنيًا.

35) يشترط في فعل الدفاع أن يكون لازمًا لرد العدوان، وأن يكون متناسبًا معه، وأهم ما يعين على القول بالتناسب، هو النظر إلى الوسيلة المستخدمة في الدفاع والنظر إلى حالة المدافع الشخصية من قوه وضعف، وصحة ومرض، وكونه ذكرًا أو أنثى، والنظر إلى ما يقابل هذه الصفات في شخص فاعل المنكر.

ثانيا- التوصيات:

1) الوقوف عند ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثناء تأدية واجب الدفاع الشرعي العام.

2) تكليف الجهات المختصة من حكومة وهيئة لرصد الواقع ببيان مدى نسبة الاعتداء على حرمات الله، والضرب بيد من حديد على أولئك الذين يعيثون في الأرض فسادًا.

3) تعميم وبيان الحكم الشرعي التي ينبغي أن تتحلى بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاددنا.

4) أن يعمل أهل الخبرة من العلماء والمجتهدين على صياغة وتقنين أحكام الدفاع الشرعي العام والعقوبات التي ستحل بكل من يتعدى أويتجاوز أو يتعسف في استخدام هذا الحق.

5) نشر أحكام الدفاع الشرعي العام والتأديب بين صفوف الأمة كما نصت عليه الشريعة الإسلامية، مع بيان العقوبة المترتبة على كل معتدٍ.

6) العمل على إقامة هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلدنا الحبيب على غرار الهيئة الموجودة في السعودية وإعطاء صلاحيات مطلقة لها حتى تقوم بدورها على أكمل وجه.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مسرد الموضوعات