الحق الأدبي للمؤلف بين النظام السعودي والشريعة الإسلامية

ملخص الرسالة

الحق الأدبي للمؤلف

بين النظام السعودي والشريعة الإسلامية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.

موضوع البحث:

لم يكن حق المؤلف قديمًا بحاجةٍ إلى حماية[1]، إلا أنه مع التقدُّم العلمي ظهرَت الحاجةُ في العصر الحديث إلى تنظيمٍ قانونيٍّ لحقوق المؤلف بعد اختراعِ المطبعة التي أمكنَها طبعُ الآلاف من النسخ للمصنَّف الواحد، حيث أدركَت معظمُ الدول أهميةَ حماية حقِّ المِلكية الفكرية، فأصدرَت القوانينَ والأنظمةَ الخاصة بذلك؛ ففي فرنسا ذهب بعضُ الفقهاء إلى القول أن حماية حقِّ المؤلِّف قد ظهر في عهد الملكية قبل الثورة الفرنسيةِ حيث كان يحصل من يرغبُ في طباعة كتاب على إِذْن عن طريق الترخيص الملكي[2]، كما حظي حق المؤلِّف بعناية كبرى بعد قيام الثورة الفرنسية باعتبار أن حماية هذا الحق هو مظهرٌ من مظاهر شخصية الفرد[3]، فصدر أولُ قانون لحماية حقِّ المؤلف في فرنسا، وذلك في يناير 1871م، بعد قيام الثورة الفرنسية، بعدها صدرَ قانون 1892، وبموجبه امتدت الحمايةُ إلى جميع المصنفات الأدبية والفنية، وعقبه صدر قانون 1896 م، ثم قانون 1957 م، وهو قانون شامل.

أما في إنجلترا، فقد ظهر أولُ قانونٍ في عام 1710م، وكان عبارةً عن نظام لحماية المؤلفات المطبوعة، ثم صدر القانون الأساسي الخاص بحقوق المؤلف في 16 ديسمبر 1911 م، ناصًّا على حماية المؤلفات الأدبية، والموسيقية، والفنية، وحماية الرسوم والنماذج الفنية، والتماثيل والرسوم الزيتية، وأعمالِ الهندسة والنحت والصور الفوتوغرافية[4].

ومع زيادة التعامل على المستوى الدولي أصبحَت الحاجةُ مُلحَّةً لحماية حق الملكية الفكرية على الصعيد الدولي؛ لذا فقد تم إبرامُ العديد من الاتفاقيات في هذا المجال؛ أهمها اتفاقية بيرن لحماية حقِّ المؤلف المبرمة في 19 /9 /1886م، بين عددٍ كبيرٍ من الدول، كما حرصَت العديدُ من المنظمات العالمية والإقليمية على تشجيع وحثِّ أعضائِها على حماية حقوق الملكيَّةِ الفكرية؛ فمثلاً قامت الأممُ المتحدةُ عامَ 1974 م بإنشاء المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية "الويبو" كإحدى الوَكالاتِ المتخصصة التابعة لمنظَّمة الأمم المتَّحدة؛ وهي منظمة دولية حكومية بها 175 دولة عضوًا في المنظَّمة، ومقرُّها جنيف، وتوسعَت المنظمةُ في دورها عندما دخلت في اتفاقيَّة تعاون مع منظمةِ التجارة العالمية منذ عام 1996 م، وتعمل المنظمةُ العالمية لحماية الملكية الفكرية على تنمية حمايةِ الملكيَّة الفِكرية عبر العالم بالتعاون مع الدول، وإدارة الاتفاقيات المتعددة الأطراف المتصلة بالأوجُه القانونية للملكية الفكرية.

وفي هذا المجال حرصَت الشريعةُ الإسلاميةُ على حماية هذه الحقوق، سواء المالية أو الأدبية؛ ففي مجال حماية الحقِّ الماليِّ للمؤلف:

فإن الرأي الراجحَ لدى فقهاء المذاهب الأربعة في الشريعة الإسلامية هو جوازُ أَخْذ المؤلف عِوَضًا عن إنتاجه الفكري، وأن للمؤلف حقًّا فيما ألَّف، وأن هذا الحق مِلكٌ له شرعًا، ولا يجوز لأحدٍ أن يسطوَ عليه دون إذنِه، وذلك بشرط عدمِ تضمُّن المصنف الذي ألفه دعوةً إلى منكرٍ شرعًا، أو بدعةٍ أو ضلالةٍ، أو أيِّ أمر ينافي شريعةَ الإسلام، وإلا فإنه حينئذٍ يجبُ إتلافه ولا يجوزُ نشرُه، ويستندُ هذا التَّكييف الفقهي للحق الماليِّ للمؤلف الذي يَقضي بجواز أخذ المؤلف عوضًا عن مؤلفه إلى حججٍ؛ منها:

• جوازُ أخذ الأَجر عن تعليم القرآن والتحديث؛ والدليلُ على الأوَّل ما رواه البخاريُّ وغيرُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله)).

• أن المؤلِّف يعتبر كالصانع، ومصنفه بمنزلة المصنوع؛ وذلك أن المؤلِّف بحُكم تحصيلِه العلمي، وابتكارِه، وإعمال جهوده بفكره وبدنه ووقته وربما مالِه - فيما يتطلبُ التأليفَ من شراء المصادر وأدوات الكتابة وغيرها - كلُّ ذلك يجعله كالصانع؛ فكما أن الصانع يتمتعُ بحق التملك لما صنعه شرعًا، كذلك يتَّسع المجال - أو فيه إمكانية توسع المجال - لِأَن يتمتع المؤلِّف أيضًا بهذا الحق على مصنفه، فكما يتمتع الصانعُ بالخيار في منح الفُرص للاستفادة من إنتاجه - بأجرٍ أو بدون أجر - كذلك المؤلف أيضًا يتمتع بالخيار، أو يمكن أن يتمتع به، بل وينبغي أن يكون له الإذنُ والمنع لمن يشاء.

أما في مَجال حمايةِ الحقوق الأدبية للمؤلف، فإن قواعدَ الشريعة الإسلامية وأصولَها تحثُّ على حماية حق المؤلف الأدبي من العبثِ، وصيانتِه عن الدخيل عليه؛ ذلك أن حمايةَ الحق الأدبي للمؤلف في الشريعة الإسلامية يعتبرُ من مسلَّمات العلم عند فقهاءِ المسلمين، وإن لم يَعرفوه بمسماه الحديث؛ إذ إن من أهمِّ مظاهرِ حماية هذا الحق عندهم: الأمانة العلمية في الأسانيد، وتخريج النصوص، وتحريم السرقات الأدبية وانتحالِ النصوص.. وكلُّها أمورٌ فِطريةٌ عندهم تقتَضيها الديانة وتحمُّل الأمانة، وخرقُها من نواقضِ الفطرة، فضلاً عن أن تكون خرقًا لسنن الشريعة وهديِها.

فهرس الموضوعات