استجواب الخصوم في نظام المرافعات الشرعية السعودي

ملخص الرسالة

استجواب الخصوم

في نظام المرافعات الشرعية السعودي

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجَّلين، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

فلقد جاءَت الشريعةُ بقواعد تكفل للعباد صلاحَ الدارين، وتُحقق الوسطية المطلوبة، والعدالةَ المنشودة، فلا إفراط ولا تفريط، بل التوازن الشرعي والعدل بين حقِّ المجتمع وحقِّ الفرد الذي يمثِّل جزءًا من هذا المجتمع.

ومن الأمور التي راعت الشريعةُ فيه هذا الجانبَ: ما يتعلَّق بتحقيق العدالةِ والإنصاف لعامَّة الناس، انطلاقًا من أمر اللهِ سبحانه وتعالى بذلك بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾ [النحل: 90]، ولا ريب أن الظلم أيًّا كان نوعُه تصرُّف مَقِيتٌ ترفضه الطباعُ السليمة، والعقولُ الرشيدة، وهو سببُ هلاك الأمم بدليل قوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 59]، وإن من أبرز ما يتجلى فيه هذا المبدأ - أعني: تحقيقَ العدالة - ما يتعلق بالقضاء والتقاضي، فقد أوْلَته الشريعةُ العنايةَ الكبرى، فقعَّدَت القواعدَ التي تحقق الموازنةَ بين مصلحةِ الأمة بتحقيق الأمن ومنع الإخلال به، ومصلحة الأفراد بتحقيق العدل بينهم وحفظِ حقوقهم؛ حيث راعَت حقوقَ كلٍّ من المتخاصمين وواجباته، بدءًا من رَفع الدعوَى وحتى آخر مراحلِ الدعوى؛ وهي مرحلةُ إصدار الحكم، وما يتخلَّل ذلك من إجراءات وأحداثٍ تُسهم في الوصول إلى الحقيقة وتحقيقِ العدالة المرجوَّة، يؤيد ذلك قولُ الحق تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

ومن أهم ما ينبغي ضبطُه والعنايةُ به: وسائل الإثبات؛ فهي من أهمِّ الطرق التي تضمنُ إيصالَ الحقوق لمستحقيها، والبت في النِّزاعات والخصومات التي تَنشأُ بين أفراد المجتمع، كما أنَّها تقضي على مظاهر الجاهليَّة حين كان كلُّ فرد يستردُّ حقه بيده وَفق منطق القوة والظلم.

وإن مما يُعين القاضِيَ على التوصُّل إلى صحيح الحكم، وحقيقة العدل: استجوابَ الخصوم حيث يمكِنه التعرف من خلاله على أسباب القضيَّة وملابساتها، وإظهار ما خفِي منها، ومحاولة استظهار الحق واكتشافه من خلال إجابات الخصوم، ومن ثنايا كلامِهم في مجلس القضاء، واستخلاص كل ما من شأنه التأثير في الحكم أو ربما تغييره.

لذا فقد عزمتُ على القيام بدراسة مقارنة شاملةٍ لهذا الموضوع، انطلاقًا من نظام المرافعات الشرعية السعودي ولائِحته التنفيذية[1]، ومن ثَم مقارنته بما دوَّنه فقهاءُ الشريعة وعلماؤها المتقدمون والمتأخرون حول الاستجواب، وكشف مسائله وأحكامِه؛ ليكون بين يدَي كلِّ مهتمٍّ بشؤون القضاء والتقاضي.

ويَحسُن في هذا المقام أن أقوم بعرض خُطة البحث التي سأسيرُ عليها بمشيئة الله، بعد أن أذكُرَ أهمية الموضوع، وسببَ اختياري له، وأهم الدراسات السابقة، ومنهجي في الكتابة والبحث.

أهمية هذا الموضوع:

١) اهتمام الفقهاء رحمَهم الله بعلم القضاءِ؛ حيث أَوْلوه أهمية بالغة، فألَّف فيه بعضُهم كتبًا خاصةً؛ مما يدلُّ على شديد عنايتهم به.

٢) إن دراسة هذا الموضوع ومقارنته بالنظام الإسلامي فيه إثراء لجانب المرافعات الشرعية.

٣) أهمية وسائل الإثبات في ذاتها، والتي منها استجواب الخصومِ؛ إذ عليها المعول في حماية الحقوق وإثباتِها؛ مما يجعلها حَرِيَّة بالدراسة والبحث.

٤) حاجة القاضي إلى استجواب الخصوم في جميع الحقوق؛ عامةً كانت أو خاصة، مالية كانت أو أدبية، متعلقة بالفرد أو الأسرةِ أو المجتمع، فلا تكاد تَخلو منه دعوى.

٥) كون الاستجواب من أكثر الأعمال التي يُزاولُها القاضي في مجلس القضاء، فكان لا بد من إفرادها في دراسة خاصةٍ وتبيِينها.

٦) أهمية الاستجواب تَكمُن في أهمية الأثر الناتج عنه؛ إذ غالبًا ما يَنتج عنه إقرارٌ أو إنكار، أو الوصول إلى أوصاف وحقائق تَرفع الإبهامَ والغموضَ عن القضية، ومن ثَم سرعة إنهاء التراع وقطع الخصومة.

أسباب اختيار الموضوع:

١) إن هذا الموضوع - رغم أهميته - لم يُبحث من قَبل بشكل مستقل في ضَوء نظام المرافعات الشرعية السعودي فيما أعلمُ.

٢) محاولة لمِّ شتات مسائل هذا الموضوع المتفرِّقة في الكتب النِّظامية والكتب الشرعيَّة.

٣) تقريب هذه المسائل للباحثين والقُضاة وغيرِهم، وذلك بجَعلِها في بحث مستقل.

٤) ملامسة هذا الموضوع لصَميم عمَلي المستقبلي مما يزيد من خبرتي ومعرفتِي حولَ نظام المرافعات وإجراءات التقاضي، ويدفعني إلى مزيدٍ من البحث والقراءة في هذا الفن.

الدراسات السابقة:

بعد الرجوع إلى عددٍ من المكتبات المختصَّة في هذا المجال كمكتبةِ الملك فهد الوطنيةِ، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامةِ، ومركزِ الملك فيصل للبحوث، ومكتبةِ جامعة الإمام، ومكتبةِ المعهد العالي - لم أطَّلع على دراسةٍ مستقلةٍ ومتخصصة في نفس المجال والموضوع؛ وإنما تعرَّض لها بعضُ من كتبوا في أنظمةِ وقوانين الإثبات باختصار، ومن دون تعرُّض للجانب الفقهي فيه.

وهذه أهم الدراسات التي اطلعت عليها حول هذا الموضوع:

١) استجواب المتَّهم في الفقه والنظام، رسالة ماجستير للباحث منصور الرفاعي عام ١٤١٨، وهي تُعنى باستجواب المتهم من قِبل المحقِّق في مرحلة التحقيق، وطريقة استجوابه وَفق نظامِ الإجراءات الجزائية، حيث صدرَت قَبل صدور نظام المرافعات الشرعية.

أما مجال دراستي، فهو في الاستجواب الذي يَصدر عن القاضي في مجلس القضاءِ، وهو يختلفُ عن استجواب المحقِّق، والذي يكونُ قَبل نظر القاضي في القضية، كما أن القاضيَ غيرُ ملزَم بالاستناد إليه في إصدار الحُكم؛ بل له إعادة التحقيق بنفسه.

منهج البحث: ويتضمن ثلاثة أمور:

أولاً: منهج الكتابة في الموضوع:

١) الاعتماد عند الكتابة على المصادر الأصليةِ ما أمكنني ذلك، وتتبُّع مراجعها المتقدمة والمتأخرة.

٢) أعتمدُ في الجانب النظاميِّ على نظام المرافعات الشرعية السعودي كمِحور أساسيٍّ للبحث، وأستعينُ بغيره من الأنظمة السعودية ذات الصِّلة، وما صَدر لها من شروح وإيضاحاتٍ، وما لم أجده فيها أرجعُ فيه إلى بعض الأنظمة والقوانين العربية المشابهةِ وشروحِها، وأبيِّن ذلك في الهامش.

٣) أُقارن وأُوازن بين الفقه والنظام في جميع المسائل حسَب الاستطاعة.

٤) في بحث المسائل الخِلافية أُحرِّر محل النزاع، وأذكر أسبابَ الخلاف والأقوالَ في المسائل، مقتصرًا على المشهور من المذاهب الأربعة في الغالب، مع العنايةِ بذكر ما تيسَّر الوقوفُ عليه من أقوال السلف الصالح، ثُم أذكر الأدلةَ لكل قول، مع بيان وجهِ الدلالة من الدليل، ثم أذكرُ ثمرةَ الخلاف إن وجدت.

٥) العناية بإيراد تطبيقات قضائية للموضوع، سواء من أقضية السَّلَف، أو من أقضيةِ وأحكامِ المحاكم المعاصرة.

٦) يكون مقدارُ البحث لأيِّ مسألةٍ حسَب ما يناسب مَقام ذكرها في البحث.

٧) كتابةُ معلومات البحث بأسلوبي الخاص؛ بمعنى: أن أنقل عن المصادر بالمعنَى لا بالنَّص، ما لم يكن المقامُ يتطلب ذلك فأذكره بنصِّه على ما هو عليه، وأشير إليه في الحاشية.

ثانيًا: منهج التعليق والتهميش:

١) أعزُو الآيات إلى سورها وأرقامها.

٢) تخريج الأحاديث والآثار من مصادرها الأصلية، وذلك بأن أُحِيلَ على المصدر مع ذكر الكتاب والباب، ثم أذكرَ الجزءَ والصفحةَ، ورقمَ الحديث أو الأثر إن كان مذكورًا في المصدر.

٣) أذكر درجةَ كل حديثٍ من حيث الصحة والضعف، وذلك بذكر أقوال بعض العلماء المعتَبرين، إن لم يكن في الصحيحين أو أحدِهما، فإن كان في الصحيحين أو أحدهما فأكتفي بذلك.

٤) أعزو نصوصَ العلماء وآراءَهم لكتبهم مباشرةً، ولا ألجأُ للعزو للواسطة إلا عند تعذُّر الأصل.

٥) توثيق نسبةِ الأقوال إلى المذاهب من الكتب المعتمدة في كلِّ مذهب.

٦) توثيق المعاني اللغوية من معاجم اللغة المعتمَدة، وتكون الإحالةُ عليها بالمادة والجزء والصفحة.

٧) توثيق المعاني الاصطلاحية، وما يَرد من غريب الألفاظ من الكتب المختصَّة بها أو كتبِ أهلِ الفن الذي يتبعه هذا المصطلح، أو من كتب المصطلحاتِ المعتمدة.

٨) أُترجم لكلِّ عالم يحتاجُ لترجمة، أما من تغني شهرتُه عن ذلك فلا أترجم له، وأتبع في الترجمة للأعلام النحو التالي:

• اسم العلم، ونسَبه، مع ضبطِ ما يشكل من ذلك.

• تاريخ مولدِه ووفاته.

• شهرته، ككونه محدِّثًا، أو فقيهًا، أو لغويًّا، مع ذكر المذهب الفقهي والعقدي.

• أهم مؤلفاته وخاصةً التي برز فيها.

• مصادر ترجمته.

ويكون كلُّ ذلك على وجه الاختصار، وحسَب الاستطاعة.

٩) تكون الإحالةُ إلى المصدر في حالة النقل الحرفيِّ منه بذكر اسمه والجزء والصفحة.

١٠) المعلومات المتعلقة بالمراجع "النشر، رقم الطباعة، مكانها، تاريخها..." أذكرها في الهامش عند إيرادها لأول مرةٍ فقط، وعند تكرارها أكتفي باسم الكتاب والمؤلفِ ورقم الجزء والصفحة.

ثالثًا: ما يتعلق بالناحية الشكليَّة والتنظيمية:

١) الاعتناءُ بقواعد اللُّغة والإملاء، ومراعاة حسن تناسقِ الكلام ورقِيِّ أسلوبه.

٢) العناية بضبط الألفاظِ التي يترتبُ على عدم ضبطِها شيءٌ من الغموض، أو إحداثُ لَبسٍ، أو احتمال بعيد.

٣) ضبط علامةِ الترقيم المتعارَف عليها ما أمكن.

٤) عندما أُثبت نصًّا من آيات أو أحاديث أو نصوص العلماء أو نصوص نظامية أميِّزُها عن غيرها بأقواس مختلفة؛ بحيث يتسنَّى للقارئ لأول وَهلَة التمييز بينها، وذلك على النحو التالي:

• الآيات تكون بين قوسين متميزين: ﴿...﴾.

• الأحاديث والآثار بين قوسين مزدوجين: ((...)).

• النصوص والأقوال والاقتباسات بين قوسَين كبيرين: (...).

٥) مراعاةُ التوجيهات والملحوظاتِ التي يقدِّمها المشرفُ أو القسم قدرَ الاستطاعة.

خطة البحث:

وتشتمل على مقدمةٍ وتمهيد وأربعة مباحث وخاتمة.

فهرس الموضوعات