كتاب نهاية العقول في دراية الأصول: دراسة وتحقيق

ملخص الرسالة

كتاب

نهاية العقول في دراية الأصول

للإمام محمد بن عمر بن فخر الدين الرازي

المتوفى سنة 606هـ

دراسة وتحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله، فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

وبعد:

فإن الأمَّة الإسلامية ما كانت في حاجة إلى إحياء تراثها، وإبراز ذوي النبوغ والأصالة العلمية من أبنائها مثلما هي عليه في الوقت الحاضر؛ ذلك أنه قد حاطتها أنماطٌ مختلفة من الثقافات الأجنبية، كلٌّ منها يُرِيد غزو هذه الأمَّة بعلمه وحضارته على رُفات حضارتها الأصيلة، زاعِمًا أن الأصالة الفكرية منه تنبع وإليه تعود، وأنه صاحب الكلمة الأخيرة في كلِّ لونٍ من ألوان الثقافة والتفكير.

والرازي وإن كان أحدَ أتباع المدرسة الأشعرية التي شارَكَتْ في حمايَة عقيدة أهل السنة والجماعة في الدِّفاع عنها ضدَّ زَيْغِ الزائِغين وتشكيك المشكِّكين، إلاَّ أنَّه من أبرز أعلامها، وقد تميَّز الرازي عن غيره بتحرُّره من التعصُّب للأشعرية؛ فانتَقَد أصحابَه كثيرًا في القضايا التي نقَلَها عنهم، وقد كانت جوانبه العلمية كثيرة، وإنتاجه غزيرًا، وترَك تراثًا في علم الكلام والفقه وأصوله، وغير ذلك ممَّا أصبح مصادِرَ يُرجَع إليها، ومن ذلك الكتاب المخطوط "نهاية العقول في دراية الأصول" الذي يتناوَل جوانب من مسائل العقيدة، أو ما يسمى بعلم الكلام، ومن المعلوم أن الناس في آرائهم قد انقسموا حول هذا العلم إلى فريقين:

الأول: مُناصِر له، يُقِيم أدلَّته على صحَّة مشروعيَّته وأهميَّته، ويرى أنه أحرى العلوم الشرعية بعَقْدِ الهمَّة بها، وصَرْفِ الزمان إليها، ووَجَبَ أن يكون أشرف الأشياء، كما يقول الرازي[1].

الثاني: يقف موقف المُعارِض، ويُقِيم أدلَّته على فساد منهجه، ويُبَيِّن الآثار الضارَّة المترتِّبة على اتِّباعه، والأَخْذِ بطريقته[2].

والإمام الرازي في استحسانه لعلم الكلام يهدف إلى إزاحة الشُّبَه عن قلوب أهل الزَّيْغِ، وتثبيت قدم الموحِّدين[3]، وجلاء الكثير من الحقائق التي التبسَتْ بسبب المبتَدِعين والملحِدين، وحراسة العقيدة وحفظها من التيَّارات المُناوِئَة.

وممَّا يدلُّ على أهميَّة هذا العِلْمِ أن بعض الذين نهوا عن الاشتغال به خاضوا هم فيه، وتكلَّموا في مسائلة، وصنَّفوا في ذلك؛ كالإمام أبي حنيفة، وغيره[4].

ويُروَى أنه لما منَع الرشيدُ من الجدال في الدين، وحبَس أهل الكلام، طلَب منه ملِك السِّنْدِ مَن يُناظِره، فوجَّه إليه الرشيد قاضيًا لم يُحسِن الجدال، فاضطرَّ إلى البحث عمَّن يُناضِل عن الدين، وأخرج أهل الكلام من السجن، ووقع اختياره على أحدهم، فبعَثَه للمناظرة[5].

وفي رأيي أن علم الكلام ليس محمودًا لذاته، ولا مذمومًا لذاته - كما يقول الإمام الغزالي[6] - بل هو فيه منفعة، وفيه مَضَرَّة؛ فهو باعتباره منفعةً في وقت الانتفاع حلال أو مندوب إليه أو واجب كما يقتضيه الحال، وهو باعتبار مَضَرَّته في وقت الاستضرار فمحلُّه حرام، أمَّا مَضَرَّته ففي إثارة الشُّبُهات وتحريك العقائد عن الحزم والتصميم.

وينبغي أن يكون الأساس الذي يَسِير عليه علم الكلام هو القرآن بمنهجه في تناوُله تلك القضايا، والرجوع إلى مسالك السلف في تطبيقهم لهذا المنهج.

وقد ركَّز القرآن الكريم على الحواسِّ والمدركات الحسيَّة، ودور العقل في تحصيلها - كما يقول أستاذنا الدكتور محمد الجليند - وأن دور الحواس والعقل أساسٌ في بناء اليقين، إذا كُنَّا بصدد التعرُّف على العالَم الحسي، أمَّا في الأمور الغيبية فإن القرآن يقدِّم لنا منهجًا فريدًا لما وراء المادَّة[7].

وقد اتَّفق السلف فيما بينهم على أن قضايا أصول الدين والأمور الغيبيَّة تستَنِد في دلالتها على مصدرَين هما: النقلُ الصحيح من كتابٍ وسنَّةٍ، والأَخْذُ بقياس الأَوْلَى في إثبات الغيبيَّات، وهو مأخوذٌ من إشارات القرآن الكريم له في مواضع متكرِّرة، أمَّا في نواحي المعرفة الأخرى - ومنها مسائل الفروع ودلائلها - فإنها تستَنِد إلى الكتاب والسنة إن وُجِد النصُّ، وإلا فيُؤخَذ فيها بقياس التمثيل، ثم هناك وسائل أخرى مشترَكَة بين المعارِف المختَلِفة، وهي العقل الصريح، والتجرِبة والمتواتِرات[8].

ولا شكَّ أن الرازي كتَب في علم الكلام من هذا المنطلق، بصَرْفِ النظر عن المآخِذ التي يمكن أن تُؤخَذ عليه، فالهدف - كما يقول في وصيَّته - هو حماية عقيدة أهل السنة والجماعة والدفاع عنها ضدَّ زَيْغِ الزائغين، وكما يتجَلَّى في هذا السِّفر المخطوط الكبير "نهاية العقول في دراية الأصول"، والذي شاء الله - تعالى - أن أقوم بدراسته وتحقيقه - الجزء الثاني منه - لنيل درجة التخصُّص (الماجستير) في الفلسفة الإسلامية على أستاذنا الدكتور محمد الجليند.

ولقد كان اختيار هذا الكتاب للدراسة والتحقيق بإرشاد وتوجيه من سيادته، وبعد أن استخَرتُ الله - عز وجل - وبعد طول عناء في قراءاته وفهمه وقراءة كتب الرازي الأخرى والكتب المساعِدَة التي تتناوَل القضايا نفسها، والتي تيسَّرت لي، حتى فتح الله عليَّ الكثير ممَّا انغلق من أسلوبه، ورجوت الله - تعالى - أن يُوَفِّقني إلى العمل فيه، وقد كان.

ولقد تجلَّى لي أهميَّة تحقيق هذا الكتاب في كونه واحدًا من كتب التراث التي تحتاج على إخراجٍ يُيَسِّر للباحثين الاطِّلاع عليه، وحتى يمكن الانتفاع به، ووجدت صاحب الكتاب مُتَنوِّع العطاء والتأليف في عديدٍ من الفنون، وأشهرها التفسير وأصول الفقه والكلام.

وتظهر أهميَّة هذا الكتاب "نهاية العقول" في اهتمام مَن أتوا بعد الرازي[9] فأشاروا إليه في مؤلَّفاتهم أو تناولوا الكتاب ذاته أخذًا منه أو نقدًا، وقد وجدت أن هذا الكتاب امتدادٌ للمدرسة الأشعريَّة في القرن السادس الهجري، في عصرٍ كان من أشدِّ العصور اصطدامًا بالملل الخارِجَة عن الإسلام كالباطنية والملاحدة، واليهود والنصارى، هذا فضلاً عن الاشتباك مع الفِرَق المندَرِجة تحت مسمَّى الإسلام؛ كالمجسِّمة، والمشبِّهة، والكرَّامية، والمرجئة، والأشاعرة، والمعتزلة، والشيعة، وغير ذلك من الفِرَق التي ظهرت في صولات وجولات الرازي من خلال ذا المخطوط.

وقد رأيت أن أقسم هذا البحث إلى قسمين: قسم دراسي، وقسم تحقيقي، أمَّا القسم الأول - وهو الدراسي - فيتكوَّن من مقدِّمة تمهيديَّة لموضوع البحث، وبابَين ذكرت في ثنايا المقدمة لمحة خاطفة عن علم الكلام، وسبب اختيار الكتاب.

فالباب الأول: عن الرازي، عصره وحياته، وقسمته إلى فصلين: تحدَّثت في الفصل الأول عن عصره، مع لمحة عن الناحية السياسية والاجتماعية؛ لبيان أثر ذلك في حياته العلمية.

أمَّا الفصل الثاني: فقد جعلته في التعريف بالرازي نسَبَه وكنيته وألقابه، وأهم مَن اشتهروا بالرازي؛ لئلاَّ يحدث التباس.

ثم تناولت بإيجازٍ الكلامَ عن مولده، ونشأته، وشيوخه، ثم ملامح من شخصيَّته ووصيَّته ووفاته، ثم آثاره العلمية.

وأمَّا الباب الثاني: فقسمته أيضًا إلى فصلين: الفصل الأول جعلتُه في تحقيق اسم الكتاب ونسبته إلى المؤلف، ودلَّلت على ذلك من خلال ما ذكَرَه المؤرِّخون، وإحالة الرازي نفسه في كتبه المختلفة إليه، وهذا أدلُّ دليلٍ على صحَّة نسبته إليه، ثم قمت بوصف النسختَين الخطيَّتَين المعتمدتَين في التحقيق، ولم يَفُتْنِي أن أعطي نُبْذَة عن أسلوبه من خلال رأي المؤرِّخين فيه، واختتمت هذا الفصل بالكلام عن منهجي في التحقيق.

وفي الفصل الثاني قمت بدراسة تحليلية لما احتواه هذا الجزء من المخطوط، ولم أشَأْ أن أوسع الدراسة؛ نظرًا لكبر حجم المخطوط، ولكثرة القضايا التي تناوَلَها.

وأمَّا القسم الثاني - وهو التحقيق - فقد قمت بوضع نصِّ الكتاب محقَّقًا، وأبرزته بشكلٍ مُنَسَّق ليُعِين على القراءة وفَهْمِ معانيه، ويُحَدِّد مراميه، مع تخريج ما فيه من شواهد، وربطها بالكتب التي وردَتْ فيها أو الكتب التي تتناوَل نفس القضايا، هذا بالإضافة إلى أغلب الأعلام والطوائف، وربط مسائله العلمية بالكتب الكلامية المعتمَدَة، وعلقت عليها عند الحاجة.

وأخيرًا، جاءت الخاتمة وتحدثت فيها عن أهم النتائج التي أمكن استخلاصها، وأثرت إلى ضرورة إخراج الكتب المخطوطة للتعرُّف على تراث الأجداد، وأسلوبهم، وكيفية التصدِّي لموجات الإلحاد في عصورهم، وأوصيت بتطويرِ علم الكلام بما يَتلاءم مع العصر الحاضر لموجات الإلحاد التي تُهَدِّد قِيَم المسلمين وكيانهم.

صنعت هذا بهدف إخراج ذلك الكتاب النفيس وتقديمه لِمَن أراد الانتفاع به، وكلُّ ما آمُله أن أكون قد وُفِّقت في ذلك، ولله المنَّة والفضل.

وإني إذ أتقدَّم بهذه الرسالة إلى قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة فإنما هي محاولة على طريق العلم الذي لا يعرف الكلمة الأخيرة في البحث والدراسة، وإنها لأوَّل خطوة في طريق طويل وشاقٍّ، وأسأل اللهَ - تعالى - أن تتلو هذه الخطوةَ خطواتٌ مُوَفَّقة - بإذن الله تعالى.

وبعد:

فإنه لا يسعُني إلا أن أتقدَّم بخالص الشكر والتقدير لأستاذنا الجليل الدكتور: محمد السيد الجليند، أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بكلية دار العلوم على تفضُّله باقتراحه عليَّ لاختيار هذا الموضوع، وبقبوله الإشراف على البحث ومتابعته، ولا أظن أن هذه الكلمة التي أسجِّلها تَفِي شكرًا لما قدَّمه، فقد كان يمنحنا - حقًّا - من علمه وتوجيهه ووقته رغم ما كان يُعانِيه، ممَّا جعلني سأبقَى مَدِينًا له، فمَدَّ الله في عمره وبُورِك فيه وفي علمه، ونفع به المسلمين.

كما أتوجَّه بالشكر إلى مَن أسدى إليَّ العون، وساقَ الله على يديه الكثير من فضله، فكان كريمًا بما مَنَّ الله به عليه من فضل، فجزاه الله خير الجزاء.

وأخيرًا، أسأل الله - تعالى - أن يكون ذلك خالصًا لوجهه الكريم.

وما توفيقي إلا بالله.

* * *

الخاتمة

بعد هذه الرحلة الشاقَّة مع الإمام (الرازي) في كتابه "نهاية العقول في دراية الأصول" (الجزء الثاني) تبيَّن لي الآتي:

1- وجدت أن الإمام الرازي قد تميَّز في هذا الكتاب عن أصحابه الأشاعرة، فخَرَج عليهم كثيرًا، تجلَّى ذلك في نقله لطُرُقِهم، وتضعيف حُجَجِهم[10]، بالرغم من أنه يصِفُهم كثيرًا بالأصحاب، وهو بهذا يُبدِي تحرُّره فكريًّا، وعدم تعصُّبه لمذهبه.

2- وقوف الرازي موقف العدو اللَّدُود من الفلسفة، ويرى أن الشرَّ كلَّ الشرِّ فيها، وأنها مادَّة الشكوك والشبهات في جميع المِلَل والأديان، فمَن أحكَم إبطالها قدر على إفساد جميع الأباطيل والشبهات.

3- اعتراف الرازي نفسه في أكثر من موضوع بمحدوديَّة العقل، وبعجزه عن دفع الشُّبُهات عقلاً، ويَعُود إلى الإقرار بأن السمع وحده هو المُعَوَّل عليه، رغم أنه يبدأ الحِجَاج والجِدَال بالأدلَّة العقليَّة، ويُطِيل فيه، ولكنه كثيرًا ما ينتهي إلى عدم اقتناعه؛ لكثرة ما يمكن أن يتوارَد من الشُّبُهات على هذه الأدلَّة، فيعود إلى الأدلَّة السمعية.

4- وفي تناوله للمباحث الإلهية أثبت فيها الرؤية لله - عز وجل - في الآخِرة، وردَّ على النُّفَاة لها، وردَّ على المجسِّمة والمعتزِلة وغيرهم من الفِرَق المخالِفَة أيضًا.

5- وهو في حِجاجِه للمخالِفين يُكثِر من استعمال التقسيم الحاصِر للشيء، ثم إثبات أحد طرفَيْه ببطلان أحدهما وإثبات الآخَر، وأحيانًا يستخدم طريقة المعتَرِض نفسها ليُبيِّن ضعف تلك الطريقة، وهذا يدلُّ على براعته العقلية، وفي كثيرٍ من الأحيان يُحاوِل أن يستخدم ما يلزم عن رأي الخصم من نتائج فاسِدَة، وقد يصطنع أسلوب الحوار (قلنا، وقالوا، وقلتم).

6- وفي مسألة النبوَّة أثبت الرازي نبوَّة نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأثبت المعجزات وخاصَّة معجزة القرآن الخالدة، وأثبت الكرامات للأولياء، وردَّ من خلال ذلك على الفِرَق الضالَّة والمَلاَحِدَة والفلاسفة.

وفي السمعيَّات (كالبعث والحشر، والميزان والحوض، والشفاعة...) ردَّ على الفلاسفة المنكِرِين البعث للأجساد، والقائِلين بالبعث الرُّوحِي، عقلاً ونقلاً، وتوسَّع في الردِّ من الناحِيَة العقليَّة، وفي النهاية أثبت البعث بالجسد والروح، وما يستَتْبِع ذلك من مسألة الثواب والعقاب والشفاعة، وكان الإمام الرازي يَمِيل إلى توسيع دائرة الغفران، والرد على المعتَزِلة والخوارج الذين تشدَّدوا في هذه المسألة، ونجده يُضَيِّق الخناق على مسالة التكفير.

7- وفي مسألة الإمامة التي يُوجِبها الرازي على الأمَّة ردَّ على الشيعة الاثنا عشرية في مزاعمهم المختلفة، خاصَّة مسألة تولِيَة الصدِّيق - رضِي الله عنه - وردَّ على الخوارج والروافض، وبرْهَن على صحَّة ما ذهب إليه.

ودلَّل في ذلك على أحقيَّة أبي بكر في الخلافة، ومن بعده عمر، ومن بعده عثمان، ثم علي - رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

ولا تمنعنا غزارة علمه ومكانته من نقده في بعض الأمور التي نراها موضع نقدٍ وهي كالآتي:

1- صعوبة أسلوبه في تناوله لمعظم القضايا التي اشتَمَل عليها الكتاب، وغموض بعض أدلَّته، وربما يرجع ذلك إلى مرحلة الفكر التي كان يمرُّ بها؛ إذ إنه مزج الكلام بالفلسفة في طور من حياته.

2- إيراد شبهات الخصوم بإسهاب شديد، والرد عليها باختصار شديد، ممَّا يُوقِع القارئ في الظن بأن الشُّبُهات هي قول الرازي، وقد يكون الرد غير كافٍ ويحتاج إلى تفصيلٍ لئلاَّ يترك القارئ في شكٍّ وحيرة.

3- إيراد الكثير من الشُّبُهات حتى على رأيه هو أو الأدلَّة التي يسلِّم بها، ممَّا يُوحِي بعدم اقتناعه بالأدلَّة التي ساقَهَا.

ولكن قد يُقال: إن ذلك يدلُّ على براءة عقله؛ لأنه يستطيع أن يأتي بالشيء وضدِّه في آنٍ واحد.

وبعد، فإنني أُوصِي بالآتي:

1- مواصلة إخراج الكتب المخطوطة، وتحقيقها حتى يستفيد منها الباحثون والدارسون.

2- التأسِّي بالإمام في تطويره للمذهب لحاجة عصره، وما أحوَجَنا اليوم إلى الدفاع عن العقيدة لإبطال التيَّارات الفكرية الحديثة المناوِئة للإسلام، عن طريق استخدام الفكر الديني الصحيح.

3- الاهتمام بدراسة القضايا التي تمسُّ أصول الدين، ووجوب غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الشباب من الصِّغَر، واستمرارها جنبًا إلى جنبٍ مع مراحل دراسته.

4- ليس من مصلحة المسلمين في هذا العصر - وكل عصر - أن يختلفوا في إصرار وعناد حول مسائل لا طائل من ورائها، فالأخطار المحدِقَة بالإسلام والمسلمين أشدُّ ضراوةً وأقوى حيلةً ممَّا واجَهَه المسلمون في عصر نشأة علم الكلام، ومن ثَمَّ فحاجة المسلمين إلى قيام علم الكلام لحراسة العقيدة على الوجه الذي قام به في الماضي، ولكن بمنهج إسلامي واضح يتواءَم مع الفطرة السليمة ومشكلات العصر.

5- وفي مجال التشريع ينبغي أن يهتمَّ بدراسة دور الدين في عمليات التنظيم الاجتماعي، والمقارنة بين ما جاء في الشريعة الإسلامية من أحكام اجتماعية، وبين ما هو موجود في القوانين الوضعيَّة حتى يتمكَّن طالبو العلم من إبراز ما في أحكام الشريعة من فوائد ومصالح، لو أخذ بها المجتمع لكان له فيها الخير الكثير.

وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يهتمَّ بجميع الجوانب التي يُهاجَم فيها الدين لكي يدرسها، ويتسلَّح بما يُناسِبها من ألوان العلم والثقافة ليكون ردُّه على ما يخالف مبادئ الإسلام ردًّا علميًّا يُزِيل الشُّبُهات ويُثلِج الصدور.

وأخر دعوانا "أن الحمد لله رب العالمين".

فهرس الموضوعات:

ـــــــــــــــــ

[1] الرازي: "التفسير الكبير" 1/ 307، "نهاية العقول" (المقدمة)، انظر: "المواقف"؛ للإيجي 1/ 75، "الشامل"؛ للحويني 1/ 30 - 31.