المباحث النحوية في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي المالكي (543 هـ)

ملخص الرسالة

المباحث النحوية

في عارضة الأحوذي بشرح صحيح[1] الترمذي

لابن العربي المالكي (543هـ)

المقدمة:

الحمد لله مبلغ الحمد، اللهم لا أحصي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسك، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف خلق الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاةً وسلامًا دائمين، ما قامَ بالنفسِ ضميرٌ وأعرَبَ عنه فمٌ إلى يومِ الدين.

وبعد:

فلقد كنت أطمح منذ بدء دراستي في مرحلة الماجستير إلى أن أبحث في موضوعٍ نحوي في كتاب الله العزيز، ولكن قدَّرَ الله وما شاء فعل، إذ لم يتسنَّ لي إيجاد موضوع ممَّا أردت دراسته في القرآن الكريم إلا كان مدروسًا، فأصابتني حيرة شديدة إثرَ ذلك، ولم يكن إلا أن أسعفني الله عزَّ وجلَّ فأبدلني من دراسة موضوع نحوي في القرآن الكريم بدراسته في شرح السنة النبوية المطهَّرة، وقد كان الفضل في توجيهي إلى هذا الموضوع يعود - بعد الله تعالى - إلى الأخ العزيز حكم عمر وهيب، فجزاه الله عني خير الجزاء.

ولا أنكِرُ بأنني في البدء توجست خيفةً من دراسة هذا الموضوع، خاصَّةً وأنَّ بعضًا من أساتذتي الذين استعنت بهم وجدتهم مشفقين عليَّ من طول مادة الكتاب وصعوبته؛ لأنَّ كثيرًا من مسائله النحوية متداخلة في أثناء مسائل الفقه المتشعبة، وبعد أن استعنت بالله وتوكلت عليه واطمأنت نفسي إلى موضوع البحث، شرعتُ في جرد المادة النحوية من كتاب عارضة الأحوذي، وبعد إتمام الجرد وتصنيف المسائل النحوية بحسب موضوعاتها، أصبح عنوان البحث: المباحث النحوية في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي المالكي (543هـ)، وقمت بتقسيم الرسالة إلى تمهيد وأربعة فصول.

حاولت في التمهيد أن أبيِّن مدى العلاقة القائمة بين الفقه والنحو؛ ليكون القارئ على بيِّنَةٍ مما أنا بصدد دراسته، كما عرَّفت القارئ بالإمام ابن العربي شارح سنن الترمذي، وبكتابه عارضة الأحوذي.

وقد تضمَّن الفصل الأوَّل: مسائل الأسماء، وقد قسمته على أربعة مباحث، الأوَّل: في المعرب والمبني، والثاني: في المرفوعات، والثالث: في المنصوبات، والرابع: في المجرورات.

واشتمل الفصل الثاني على مسائل الأفعال، وقد جعلته في ستة مباحث؛ فالأوَّل: عن الماضي، والثاني: عن المضارع، والثالث: عن الأمر، والرابع: في الفعل المبني للمجهول، والخامس: في تعدي الفعل ولزومه، والسادس: في اسم الفعل.

والفصل الثالث تضمَّن مسائل الحروف والأدوات، وقد قسمته على ثلاثة مباحث؛ المبحث الأوَّل: في الحروف الأحادية أو المفردة، والثاني: في الحروف الثنائية، والثالث: متفرقات، وهي: أمَّا وإنَّما وأين.

أمَّا الفصل الرابع، فقد اشتمل على موضوع التوابع، وهو يتضمَّن أربعة مباحث؛ الأوَّل: كان عن الصفة، والثاني: عن التوكيد، والثالث: عن البدل، والرابع: عن عطف النسق.

وقد اعتمدت في بحثي هذا على مصادر متنوعة، منها: كتب النحو، وكتب التفسير، وكتب القراءات، وكتب الفقه وغيرها. أذكر من كتب النحو: كتاب سيبويه، والمقتضب، واللمع في العربية، وشرح الكافية الشافية، وشرح المفصل، وهمع الهوامع. ومن كتب التفسير: معاني القرآن للفراء، ومعاني القرآن للأخفش، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج، وإعراب القرآن للنحاس، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي. ومن كتب القراءات: كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد، وإملاء ما منَّ به الرحمن لأبي البقاء العُكبري، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري، وإتحاف فضلاء البشر للبنا الدمياطي. ومن كتب الفقه: كتاب الأم للشافعي، والمبسوط للسرخسي، والغنية لطالبي طريق الحق عز وجل لعبدالقادر الجيلاني.

هذا، ولا يسعني في هذه المرحلة وبعد استواءِ بحثي كتابًا يُقرأ إلا أن أتوجه - بعد حمد الله تعالى وشكره على ما منَّه عليَّ من فضله العظيم - بالشكر الخالص إلى أيادٍ امتدَّت إليَّ بالعون والفضل، ولولاها لما كانَ لهذا البحث أن يظهر ويستوي كتابًا مقروءًا. أخص منهم بالذكر الأستاذ الدكتور سالم قدوري حمد، المشرف على الرسالة؛ لما قدَّمه لي من ملاحظات قيمة، وتوجيهات سديدةٍ في تقويم مسار البحث. كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى أساتذتي في قسم اللغة العربية وقسم علوم القرآن، ومنهم: الأستاذ الدكتور جايد زيدان مخلف، والأستاذ الدكتور أحمد خطاب العمر، والأستاذ الدكتور جمال محمد فقي رسول، والأخ العزيز حكم عمر وهيب، والأستاذ أمين. كما أقدم شكري الجزيل إلى منتسبي مكتبة كلية التربية للبنات، ومكتبة صلاح الدين المركزية، ومكتبة الجامع الكبير.

وفي الختام أود القول بأنَّ جهدي المتواضع في هذه الرسالة كان محاولةً لإلقاء الضوء على علاقة الفقه بالنحو، والتي طبِّقَت عمليًّا في شرح السنة المطهَّرة، لِما كان للنحو من أثرٍ واضح في مسار الأحكام الشرعية، سواءٌ كان ذلك في الكتاب أم في السُّنَةِ، فإن أصبت فـ (هذا من فضل ربي)، وإن أخطأت فـ (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخطائين التوَّابون)، وأنا معترفةٌ بالتقصير، وشاكرة سلفًا لكلِّ ملاحظةٍ تهدف إلى تقويم هذا البحث وتصحيحه، وأخيرًا أسأل الله عز وجل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، وما توفيقي إلاَّ بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، والحمد لله رب العالمين.

الطالبة: خولة عبدالله الطيف.

الخاتمة:

في ختام دراستي في هذا البحث أُحبُّ تلخيصَ أهم ما توصلت إليه من نتائج، وهي:

1- أثَّر النحو في الفقه ومسائله تأثيرًا كبيرًا، وقد بدا ذلك واضحًا من خلال ظاهرة الإعراب التي تعدُّ أبرز ميزةٍ من مميزات اللغة العربية؛ وذلك أنَّ للإعراب أهمية كبيرة وقيمة عظيمة في تخريج مسائل الفقه وتغيير مسار الأحكام الشرعية، وذلك بحسب ما يتركه تغييرُ حركةٍ إعرابية من اختلافٍ بين معنيين، وبالتالي تغيير الحكم الشرعي بحسب اختلاف الإعراب الذي يعتري الكلمة. كما أنَّ للأفعال ومعانيها، وكذلك الحروف ومعانيها، أهمية عظيمة في الأحكام الشرعية؛ إذ إنَّ لها أثرًا فعالًا في اختلاف الأحكام الشرعية بحسب اختلاف معانيها، ويتبع ذلك أيضًا اختلاف وجهات نظر المجتهدين وتطبيقاتهم في الفروع الفقهية.

وقد طبق هذا عمليًّا في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي في كثير من المسائل النحوية الفقهية.

2- كانت للإمام ابن العربي المالكي شخصية نحوية مميَّزة في عارضة الأحوذي، فقد كان في كثير من المسائل يجمع الآراء ويعلِّل ويوازن بينها، ثم يرجحُ منها ما يراه صوابًا، كما كانت له استدراكاتٌ واعتراضات على المتقدمين من النحويين، وقد كان في كثيرٍ من الأحيان يوافق الجمهور، وفي قليل منها يخالفهم ويأتي برأي يبدو فيه اتفاق مع الكوفيين، أو يكون رأيه نادرًا لم يذهب إليه إلا بعض النحويين.

3- جاء ابن العربي بآراء نحوية نادرة؛ مثل: ذهابه إلى إفادة (ألْ) للحصر، وقوله بتركيب (أمَّا).

4- إذا أردنا تحري مذهب ابن العربي النحوي، فيمكن القول بأنه بصري المذهب أكثر من كونه جامعًا بين المذهبين؛ وذلك لأسباب:

أحدها: أنه اتفق مع جمهور البصريين في كثيرٍ من المسائل، ولم يخالفهم أو يتفق مع الكوفيين إلا في قليلٍ منها، ومن مخالفاته: خلافه للجمهور في كون الاستثناء منقطعًا في الآية: ﴿ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23]، حيث ذهب إلى أنه استثناءٌ متصل. ومن المسائل التي وافق فيها الكوفيين: قوله بترخيم (فل) من فلان. وجميع المسائل التي وافق فيها الكوفيين لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، إن لم يكن أقل، وذهابه مع الكوفيين في هذه المسائل القليلة لا يعني أبدًا كونه كوفيَّ المذهب؛ وإنما يعني: بأنه غير متعصب لمذهبه البصري، فهو يذهب مع الصواب وإن كان مخالفًا لمذهبه أحيانًا.

والثاني: معظم المصطلحات النحوية التي ذكرها في كتابه كانت بصرية، ولم يذكر من المصطلحات الكوفية سوى ثلاثةِ مصطلحات، وهي: الخفض، وما لا يسمَّى فاعله، والنَّسَق، ومن المعلوم بأنَّ هذه المصطلحات قد استخدمها عدد من البصريين أيضًا، فليست من المصطلحات الخاصة بالكوفيين، وربما استخدمها ابن العربي جريًا على عادة البصريين، خاصة وأن بقية المصطلحات التي استخدمها كانت بصرية.

الثالث: عندما كان يوردُ في مسألةٍ ما رأيًا للبصريين وآخر للكوفيين، فقد كان يوازن بينهما ويرجح رأي البصريين، وذلك: مثل ترجيحه لرأي الخليل في كون "اللهم" معناه: يا ألله، وذلك بعد أن أورد رأي الخليل ورأي الفرَّاء، ثم قال: بأنَّ الأوَّل أمثل، يعني: رأي الخليل، وهو رأي البصريين.

5- يمكن القول: بأنَّ كتاب عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، كتابٌ موسوعي، فهو إلى جانب كونه كتابًا في الفقه والأحكام الشرعية، وذلك بحكم كونه شرحًا للحديث الشريف، فهو فضلًا عن ذلك غنيٌّ بعلوم أخرى؛ مثل: التفسير، والقراءات، وعلوم العربية؛ كالنحو، والصرف، والبلاغة، والمعاني اللغوية الضخمة التي أدارها في كتابه، وكذلك ففي هذا الكتاب طرفٌ من الحِكَم والأشعار التي تمثَّل بها في أثناء شرحه.

فهرس المحتويات