موثقا بالمخطوطات والوثائق.. تاريخ نزوى الثقافي والسياسي أهملته الأقلام ولم يحظ بالتدوين

موثقًا بالمخطوطات والوثائق

محمد السيفي: تاريخ نزوى الثقافي والسياسي أهملته الأقلام ولم يحظ بالتدوين

- «السلوى في تاريخ نزوى».. موسوعة من 12 جزءا تبحث عن ناشر -

السلوى في تاريخ نزوى، كتاب موسوعي يقع في اثني عشر جزءًا، للباحث محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي، جمع مادته خلال السنوات الماضية، على أمل أن يصدر متزامنا مع مناسبة "نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2015م"، يضم مادة علمية وفيرة عن نزوى حضارة وحاضرًا، فهي مدينة لا تقل أهمية عن حواضر المدن العربية الشهيرة، فهي ذات إشعاع حضاري عماني وعربي، ولها دور ثقافي وسياسي عبر مراحل التاريخ العماني، وكانت مركزًا للحكم لفترة تزيد عن ألف عام.

يقول الباحث السيفي: إن عناء البحث يتحمل مشقته الباحث ذاته، وموسوعة "السلوى" مكتملة الأجزاء، لكن تأتي مرحلة الطباعة والنشر وهي أكثر عناء بالنسبة لي، ولي تجربة سابقة مع النشر، وخبرة مع كلفته المالية؛ حيث أصدرت سبعة أجزاء من كتاب "النمير حكايات وروايات"، متكبدًا مشقة طباعته من مالي الخاص، فأنفقت له أكثر من 40 ألف ريال عماني، تتضمن كلفة عناء البحث والسفر والترحال داخل المدن العمانية وخارجها، وكذلك كلفة الطباعة والتوزيع.

البحث عن ناشر:

ويضيف الباحث: لأنه ليس باستطاعتي الآن أن أطبع كتاب (السلوى في تاريخ نزوى) من مالي الخاص، فإنني قمت بتقديم رسائل وخطابات لمن أتوسم منهم العون والمساعدة لطباعة الكتاب، لكني لم أحصل على رد من أحد، وخلال الأيام الماضية عرض أحد الأصدقاء أجزاء الموسوعة على "بيت الغشام للنشر والترجمة"، وأرجو منه الموافقة على طباعة الكتاب بالكامل، تثري بدورها الحركة العلمية العمانية، ولتكون الموسوعة ضمن ما سيصدر من كتب ومؤلفات، تسهم في فعالية "نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية 2015م"، والموسوعة جدير بها أن تطبع؛ لأنها توثق تاريخا مجهولاً ينتمي لمدينة نزوى، وأرخت فيه لشخصيات فقهية وأدبية من كلا الجنسين، وممن كان لهم إسهام في الحراك الثقافي لهذه المدينة خلال القرون الماضية.

وعن بداية تأليفه لهذه الموسوعة يقول: لمعت في ذهني فكرة تأليف كتاب موسوعي عن نزوى، منذ أن بدأت في جمع مادة كتاب "النمير حكايات وروايات"، كنت أكتب وأوثق ما أحصل عليه من معلومات علمية عن نزوى، كنت أُقيد كل ما أعثر عليه عن مدينة نزوى، وخالجتني فكرة تأليف الموسوعة برغبة وشغف، حينما تم الإعلان في عام 2010م عن أن نزوى ستصبح عاصمة للثقافة الإسلامية في عام 2015م، ومنذ ذلك الحين أصبحت جمع مادة كتاب "السلوى" شغلي الشاغل.

يقول الكاتب في سياق تقديمه للموسوعة: إن نزوى قطنها خَزَنَة من خواص الناس، وأعيان الفضل، وأنجم الأرض الذين نادموا الدفاتر، وسامروا القماطر والمحابر، فأضحت مساجدها تغص بحلق العلم الشريف، غير أنها ما برحت تَزدهر بالعلوم والصناعات، وتحتل أنعش التجارات، وتجود أرضها بالزراعات، وتنطلق من معسكرها الفتوحات.

ولما كانت بهذا القدح المعلى أسرتني فشربت محبتها أعماق قلبي، وجرى عشقها بين روحي ودمي؛ إذ هي أول أرض لمس جلدي ترابها، وأظلتني سماؤها، وحملتني أرضها، فلذا حركت اليراع لرد شيء من الجميل.

مدينة أهملتها الأقلام:

ويضيف: أعترف أن هذه المدينة العظيمة أهملتها الأقلام ردحًا من القرون، حتى غاب كثير من أعلامها، وتلاشت معظم معالمها، ونسيت أغلب أخبارها، وها أنا ذا أجمع الشتات في مرقوم "السلوى في تاريخ نزوى"، وكانت الهمة في رضفه تشب وتشيب، والحِبر يجمد، ونزرًا يسيل، حتى أُعْلِنَ عن كون نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2015م، فهاجت أحاسيس نفسي، فاستغرقت في الكتابة عنها حتى شابت همتي وهرمت يدي، وما تزال المعلومات في عنفوان شبابها، فآثرت الختم بشيء دون شيء؛ حتى لا يذهب عني كل شيء.

تتضمن مادة الجزء الأول من موسوعة "السلوى في تاريخ نزوى" التعريف بالمدينة، وحاراتها، ويضم الجزءان الثاني والثالث تراجم للعلماء والفقهاء والأدباء والمتكلمين، فيما يختص الجزء الخامس بالتراجم عن النساء والأئمة والسلاطين، ويختص الخامس بالأودية والأفلاج والمساجد والحصون والأبراج، ويختص السادس بحديث مفصل عن المقابر، بما تتضمنه من نصوص منقوشة في الشواهد الحجرية، ويحوي الجزء السابع المادة المتعلقة بالحرف والمهن، ويختص الجزء الثامن بالعادات والتقاليد، وخصص الباحث الجزأين التاسع والعاشر للنصوص النثرية والشعرية، وأسماه ديوان نزوى، يضم كل ما قيل عن نزوى، وما كتبته أقلام أدبائها، أما الحادي عشر فيضم نسخًا من الوثائق والصور القديمة التي التُقِطت لمدينة نزوى بعدسات الرحالة؛ حيث استطاع جمع أندر الصور عن هذه المدينة العريقة، ويتضمن الجزء الثاني عشر والأخير فهارس لكل محتويات أجزاء الموسوعة.

مصادر مادة الموسوعة:

اعتمد الباحث السيفي في جمع مادته على المخطوطات والوثائق، ويصفها أنها من القلة بمكان، فالحصول على مادة علمية من المخطوطات ليس بالشيء اليسير؛ لأنه يعني أن على الباحث أن يقرأ كل صفحات المخطوطات، وهذا أمر متعذر وعسير، ومع ذلك وجدت مادة غزيرة في كثير من المخطوطات التي حصلت عليها، من مكتبة وزارة التراث والثقافة، ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، واستفدت من المكتبات الخاصة كمكتبة وقف "بني سيف" بنزوى، ومكتبة الشيخ محمد بن سالم بن محمد الريامي في بلد العين من الجبل الأخضر، ومكتبة الشيخ السالمي في بدية، ومكتبة الشيخ سيف بن حمود البطاشي في دماء والطائيين، بل قد أتتبع أحيانًا مخطوطات رجال العلم والفضل الذين كانوا بنزوى، وانتقلوا إلى شرق إفريقيا.

واعتمد السيفي في بحثه عن مادة لموسوعة السلوى على الكتب المطبوعة، وهي قليلة أيضًا، وتنوعت الكتب المطبوعة التي اعتمد عليها ما بين لغوية، وفقيهة، وتاريخية، وجغرافية، ودواوين شعرية، وكتب الرحلات، والرسائل الجامعية من الماجستير والدكتوراة، والتقارير التي تخدم مادة كتابه، إلى غير ذلك من الكتابات المتعلقة بالجوانب الدينية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية عن مدينة نزوى، وجميع المراجع التي اعتمدت عليها مذكورة في هوامش الكتاب.

ووجد الباحث مادة وفيرة من خلال تتبُّعه الميداني، يقول في تجربته هذه: الكتابة عن نزوى بحاجة إلى الجهد الميداني الدؤوب مع الصبر الجميل لحصول المبتغى، وهذا ما قمت به حسب الطاقة، فقد أعددت كتابات ميدانية عن مقابر نزوى التي تحتضن إرثًا من الآثار والشواهد؛ كمقبرة الأئمة، ومقبرة المدة، ومقابر سعال، ومقبرة البلوش، ومقبرة قتلى دولة عمان، وتتبعت آثار نزوى المترامية في القرى والمحلات، وقيَّدت كتابات المساجد والحجارة، وسقوف البيوت، وبحثت عن الآثار المندرسة من الأفلاج والرموم.

ووجد في المراسلات والوثائق مادة غنية بالمعلومات، ومنها تقييدات متعلقة بالأفلاج، والوصايا، والوكالات، والأوقاف المتوفرة لديه، وحول هذه التجربة يقول: للأسف فأن أغلب المراسلات والوثائق المتعلقة بنزوى لم تُحفظ، وقد طواها الزمان وما بقي لا يكاد يُذكر، وكنت قد عزمت أن أفرد جزءًا مستقلاًّ بالوثائق الدينية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بنزوى، ولكن قلة المادة وعدم صلاحية كثير منها للنشر، جعلني أعدل عن هذا الرأي، غير أن هناك عددًا من المراسلات والوثائق أدرجتها في الموسوعة.

ولعبت مقابلاته التي أجراها مع الناس دورًا في الحصول على معلومات وفيرة، أغلب تلك المقابلات تتعلق بالمحلات أو الحارات؛ يقول السيفي: القاطنون في المكان أدرى بمكانهم، كما أجريت مقابلات لعدد من أصحاب المهن والحرف المختلفة، وعدد من رجال الطب التقليدي.

نزوى في التاريخ العماني:

ويضيف الباحث السيفي: مدينة نزوى لا تقل أهمية عن المدن العربية الكبيرة التي تم تدوين تاريخها، فهي لها دور في الفتوحات الإسلامية، التي وصلت إلى شرق إفريقيا، واستطاع الإمام الصلت بن مالك الخروصي تحرير جزيرة سقطرى، وحينها كان الإمام في نزوى، ومنها انطلقت الجيوش، كما أن تاريخها الثقافي يزخر بشخصيات علمية وفقيهة وأدبية، ويكاد لا نجد لها إشارة في الكتب والمراجع، بسبب عدم العناية بالتاريخ، ونزوى ليست المدينة الوحيدة التي لم يجمع تاريخها، بل كل الحواضر العمانية؛ مسقط، صحار، صور، الرستاق، بهلا، وغيرها، وهذه مدن لها عمق تاريخي كبير، لكن لا نجد مؤلفات عنها.

ومن خلال بحثه الدؤوب في تاريخ نزوى، استطاع أن يحصل الباحث على مسميات قديمة لها، فهي تسمى أيضًا "بليبل"، وإلى اليوم يسمى سوق نزوى سوق بليبل، ووردت لهذه التسمية إشارة شعرية في بيت من قصيدة للشاعر الضرير راشد بن خميس بن جمعة الحبسي (ت: 1150هـ)؛ حيث قال: (وهاجك تذكار بأرض بليبل، به قد أثارت في حشاك البلابل).

ويؤكد الباحث محمد السيفي أن مادة كتاب السلوى يختلف كليًّا عن كتاب "النمير"، النمير مجرد شذرات، يضم أخبارًا متنوعة ومتفرقة؛ ككتاب الكشكول، والزمرد الفائق في الأدب الرائق، والكتب التي تخلط في مادتها بين الأخبار والآثار، وتجمع شوارد الحكم والقصيد ودُرر الشعر وغرر النثر، بينما مادة موسوعة السلوى، تم صفها وَفق منهجية واضحة، ومتسلسلة، بدءًا من الجزء الأول، وانتهاءً بالجزء الأخير.

المصدر: مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان