تفسير الإمام الزركشي من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة المائدة جمعا ودراسة

تفسير الإمام الزَّركشي

من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة المائدة

جمعًا ودراسة

المقدمة

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإن أولى ما أُفنيت فيه الأعمار، وقُضيت به الأوقات، وغُذِّيت به العقول؛ هو الاشتغال بكتاب الله تعالى تعلما ًوتعليمًا؛ الذي هو عصمة لمن اعتصم به، وهدى لمن اهتدى به، وغنى لمن استغنى به، وحرز من النار لمن اتبعه، ونور لمن استنار به، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، وقد فطن لذلك علماء الإسلام فأولوه عناية خاصة، وتعاهدوه بكل ألوان البيان والإيضاح على مرِّ العصور وتعاقبها، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فكانت لهم جهود مباركة في خدمة القرآن الكريم تمثلت في كثرة ما أُلف في تفسير القرآن.

وهذه التفاسير منها ما هو مجموع في مؤلف خاص، ومنها ما هو مبثوث في ثنايا كتبهم المتعددة التي لا تقل أهميتها عن تلك التفاسير المجموعة في مؤلف خاص، بل ربما تفوقها، لكنها تحتاج إلى جمعها في مصنف خاص؛ ليسهل الرجوع إليها والاستفادة منها.

لذا أُلفت الكتب، وأُفردت الرسائل العلمية[1]؛ لجمع تفاسير هؤلاء الأئمة المحققين الذين تطمئن النفس إلى تفاسيرهم وتحريراتهم العلمية؛ ومِنْ هؤلاء الأئمة الإمام العلاَّمة: بدرُ الدِّين محمد بن عبد الله الزَّركشي، المتوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة من الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، فقد كان له اعتناء بتفسير آيات القرآن، وبيان ما فيها من المعاني والأحكام، يجد ذلك من نظر في كتبه، وتأمل مصنفاته، وهذه العناية التامة، والدراية المحكمة، والجهد القدير، جدير بالجمع والدراسة؛ لذا أحببت أن يكون موضوع رسالتي في الدكتوراه: "تفسير الإمام الزَّركشي من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة المائدة جمعا ًودراسة". وإنما اقتصرت على هذا القدر لضيق الوقت عن بلوغ التمام، سائلًا المولى تعالى العون والتوفيق على ذلك، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

أهمية الموضوع، وأسباب اختياره:

ترجع أهمية هذا الموضوع، وأسباب اختياره إلى عدَّة أمور، ومنها:

1- المكانة العلمية التي تميز بها الإمام الزَّركشي -على ما سيتبين في ترجمته- فهو يُعدُّ من الأئمة الكبار المحققين، ومؤلفاته شاهدة على ذلك.

2- تذكر بعض مصادر التراجم أن للزَّركشي كتابًا في التفسير وصل فيه إلى سورة مريم كما ذكر ذلك السُّيوطي وغيره[2]، وهذا التفسير يعدُّ من التفاسير المفقودة من تراثنا الغالي[3]، فلعل الجمع لهذا التفسير المبثوث في ثنايا كتبه يسدُّ ما فات بفقد كتابه في التفسير، كما أن فيه تقديرا ً لمكانته العلمية، ووفاء بحقه، خصوصا ً إذا علمنا أن الزَّركشي من أئمة هذا الفن وما يتعلق به من علوم.

3- مع علو مكانة ومنْزلة هذا العالم في سائر العلوم، وفي تفسير القرآن وعلومه خاصة، إلا أنه حسب علمي، وبحثي، وسؤالي للمختصين لم أجد أحدًا من الباحثين قد جمع تفسيره للقرآن مع كثرة تحقيقاته و تحريراته لكثير من آيات القرآن الكريم.

4- وجود مادة علمية في تفسير القرآن للزَّركشي مبثوثة في ثنايا كتبه المطبوعة في عدَّة فنون.

5- عنايته بتفسير الآيات التي يوهم ظاهرها التعارض والاختلاف[4]، والآيات التي يشكل تفسيرها[5].

6- اهتمامه بتفسير القرآن بالقرآن[6]، وبالسُّنة[7]، وبأقوال الصحابة والتابعين[8]، وباللغة العربية[9].

7- اهتمامه بعلوم القرآن المتعلقة بالتفسير[10].

8- ردُّه وانتقاده لبعض تفاسير الفرق الضالة المنحرفة عن عقيدة السلف[11].

9- للزَّركشي -رحمه الله- شخصية بارزة في تفسيره للقرآن، فهو ليس مجرد ناقل لأقوال العلماء، بل له اختياراته وتحريراته واستدراكاته القوية لأقوالهم مؤيدا ًقوله غالبًا بالحجة والبرهان[12].

خُطَّة البحث:

تتكون خُطَّة البحث من: مقدمة، وبابين، وخاتمة، وفهارس.

أمَّا الْمُقَدِّمة فتتضمن: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وخُطَّة البحث، وبيان منهجي فيه.

وأمَّا الباب الأول فعنوانه: الإمام الزَّركشي، ومنهجه في التفسير، ومصادره فيه، وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: ترجمة موجزة للإمام الزَّركشي، وفيه سبعة مباحث:

المبحث الأول: اسمه، وكنيته، ولقبه، ونسبه.

المبحث الثاني: مولده، ونشأته، ووفاته.

المبحث الثالث: طلبه للعلم.

المبحث الرابع: شيوخه، وتلاميذه.

المبحث الخامس: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه.

المبحث السادس: عقيدته، ومذهبه الفقهي.

المبحث السابع: مؤلفاته.

الفصل الثاني: منهج الإمام الزَّركشي في تفسيره، وفيه عشرة مباحث:

المبحث الأول: تفسيره للقرآن بالقرآن.

المبحث الثاني: تفسيره للقرآن بالسُّنة.

المبحث الثالث: تفسيره للقرآن بأقوال الصحابة والتابعين.

المبحث الرابع: تفسيره للقرآن باللغة العربية.

المبحث الخامس: تفسيره للآيات الأحكام.

المبحث السادس: عنايته في دفع الإشكال عن الآيات التي ظاهرها مشكل.

المبحث السابع: جمعه بين الآيات التي يوهم ظاهرها التعارض والاختلاف.

المبحث الثامن: منهجه في عرض بعض علوم القرآن المتعلقة بالتفسير.

المبحث التاسع: منهجه في عرض الأقوال التفسيرية.

المبحث العاشر: منهجه في النقل من المصادر التفسيرية.

الفصل الثالث: مصادر الإمام الزَّركشي في التفسير، وفيه سبعة مباحث:

المبحث الأول: مصادره من كتب تفسير القرآن وعلومه.

المبحث الثاني: مصادره من كتب الحديث النبوي.

المبحث الثالث: مصادره من كتب العقيدة.

المبحث الرابع: مصادره من كتب الفقه وأصوله.

المبحث الخامس: مصادره من كتب اللغة والنحو.

المبحث السادس: مصادره من كتب السيرة.

المبحث السابع: مصادره من فنون أخرى.

وأمَّا الباب الثاني فيتضمن: تفسير الإمام الزَّركشي من أول سورة الفاتحة، إلى نهاية سورة المائدة.

الخاتمة: واذكر فيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.

الفهارس: وتشمل الفهارس التالية:

1- فهرس الآيات القرآنية.

2- فهرس الأحاديث النبوية.

3- فهرس الآثار.

4- فهرس المصطلحات والكلمات الغريبة.

5- فهرس الأبيات الشعرية.

6- فهرس الفرق.

7- فهرس الأماكن والبلدان والقبائل.

8- فهرس الأعلام المترجم لهم.

9- فهرس المصادر والمراجع.

10- فهرس الآيات القرآنية الْمُفَسَّرة.

11- فهرس الموضوعات.

منهجي في كتابة البحث:

ينقسم منهجي في كتابة البحث إلى قسمين:

القسم الأول: منهجي في جمع المادة التفسيرية وكتابتها، وهو على النحو التالي:

1- قمتُ بقراءة كتب الزَّركشي؛ لاستخرج كلّ ما يتعلق بتفسير سورة الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة.

2- رتَّبتُ المادَّة التفسيرية المستخرجة على حسب ترتيب السور والآيات في المصحف.

3- كتبتُ الآية الْمُفَسَّرة قبل ذكر تفسير الزَّركشي لها، مع عزوها إلى سورتها ورقمها، ما عدا الآيات التي تتكرر أثناء تفسير الآية.

4- أحلتُ على مواضع الآيات التي فسَّرها الزَّركشي في كتبه، وذلك بذكر عنوان الكتاب، ورقم الجزء والصفحة.

5- بينت قصد الزَّركشي وغرضه من إيراده للآية، وذلك قبل ذكر تفسيره لها.

6- إذا تكرَّر تفسيره للآية في أكثر من موضع، فإني أكتفي بأجمعها، وأشير في الحاشية إلى بقية المواضع، إلا إن وجد في موضع آخر ما ليس في الموضع الأول، فإني أذكره معه ويكون في سطر مستقل، وأفصل بينهما بقولي: "وقال أيضًا" أو "وقال في موضع آخر" ونحو ذلك.

7- جمعتُ كلَّ ما قصد به الزَّركشي تفسيره، بحيث يسوق أقوال العلماء في تفسير الآية، أو يشرحها شرحًا يدلُّ على أنه أراد تفسيرها، أمَّا ما لم يقصد تفسيره كأن يذكر أقوال العلماء واختلافهم في تقرير مسألة من المسائل العلمية في فن من الفنون التي لا علاقة لها بتفسير الآية، ومن ثمَّ يستشهد لها بالآيات القرآنية ونحو ذلك فاني لا أتعرض له.

8- حذفت كلَّ ما لا علاقة له بتفسير الآية مما ذكره الزَّركشي، ووضعت مكانه نقطا ً تدلُّ عليه هكذا (....)، كما أني وضعت ما أضيفه أحيانًا لأجل السياق بين معقوفتين هكذا [ ]؛ للدلالة على زيادته.

القسم الثاني: منهجي في دراسة المادة التفسيرية، وهو على النحو التالي:

1- عزوتُ الآيات التي ترد في أثناء البحث إلى سورها وأرقامها.

2- خرجتُ الأحاديث وعزوتها إلى مصادرها، فإن كانت في الصحيحين؛ اكتفيت بتخريجها منهما، أو من أحدهما، وإن لم تكن فيهما؛ فإني مع عزوها إلى مصادرها ذكرت درجتها صحَّةً وضعفًا معتمدًا في ذلك على كلام أهل العلم.

3- خرجتُ الآثار وعزوتها إلى مصادرها.

4- قمتُ بنسبة الأقوال إلى قائليها، مع عزوها إلى مواضعها من كتبهم، فإن لم تكن متوفرة فإلى المصنفات الأخرى التي نقلت ذلك عنهم ما أمكن ذلك.

5- وثَّقتُ القراءات المتواترة، والشاذة من مصادرها المعتمدة، مع نسبتها لأصحابها إن لم يكن الزَّركشي قد ذكر ذلك.

6- وثَّقتُ الأبيات الشعرية، وعزوتها إلى قائليها ما أمكن ذلك.

7- ترجمت باختصار للأعلام الوارد ذكرهم في صلب البحث، ترجمة مختصرة، عدا الصحابة - رضي الله عنهم -، والأئمة الأربعة، وذكرت ترجمة كلّ علم عند وروده في أول موضع.

8- شرحتُ المصطلحات والكلمات الغريبة من كلامه أو مما ينقله، مع ضبط ما يحتاج إلى ضبط.

9- عرفتُ بالفرق، والأماكن، والبلدان، والقبائل في أول موطن ترد فيه.

10- علَّقتُ على ما يحتاج إلى تعليق من المسائل العلمية المتعلقة بتفسير الآية في الحاشية، كـ: بيان سبب نزول، وناسخ ومنسوخ، وإعراب آية، وتوجيه قراءة...، أو توضيح قول المصنف في الآية، أو ترجيح قول ذكر المصنف خلافه، أو اختيار قول من الأقوال التي ذكرها المصنف مع ذكر مَنْ قال به من العلماء، أو ذكر دليل يؤيد قول المصنف في الآية... إلخ، وكلُّ ذلك إن اقتضى المقام إليه.

11- ذيلتُ البحث بفهارس علمية؛ لتسهيل الاستفادة منه.

وفي ختام هذه المقدِّمة أحمدُ الله تعالى الذي وفَّق وأعان على أتمام هذا البحث وإنجازه، ويسَّر لي أسباب جمعه ودراسته، ثم أثني بالشكر لفضيلة الأستاذ الدكتور/ إبراهيم بن موسى بن نيده الذي تكرَّم بالأشراف على هذه الرسالة، فتجشَّم عناء قراءتها، وتقويم اعوجاجها، وتصحيح أخطائها، فلقد وجدت فيه خُلُق العلماء، وكرم الفضلاء، فجزاه الله عني خير الجزاء، وجعل ما قدَّمه لي في ميزان حسناته.

كما أتوجه بالشكر الجزيل للشيخين الفاضلين اللذين تكرما بقبول الرسالة ومناقشتها.

والشكر موصول إلى الجامعة الإسلامية التي أتاحت لي فرصة أكمال دراستي، وأخصُّ بذلك مديرها فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد بن علي العقلا، وعميد كلية القرآن، ووكيلها، ورئيس قسم التفسير فيها.

كما لا يفوتني أن اشكر زوجتي التي لم تألو جهدا ًفي الوقوف معي لإتمام هذه الرسالة.

وأخيرا ً فلقد بذلت في عملي هذا قُصارى جهدي، ولكني مع ذلك لا أدعي الوصول فيه إلى الكمال، فما كان فيه من صواب وتوفيق فمن الله وحده، فله الحمد والمنَّة، وما كان فيه من خطأ وتقصير فمني ومن الشيطان.

والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يغفر لي خطئي وعمدي، وهزلي وجّدي، وكلّ ذلك عندي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.