• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   المكتبة الناطقة   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ربحت الإسلام دينا ولم أخسر إيماني بالمسيح عليه ...
    محمد السيد محمد
  •  
    من أحكام الأسرة في الإسلام (PDF)
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    معاني الأخلاق
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: الإيمان بالرسل
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    خطبة الجمعة: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإحسان في القرآن الكريم والسنة النبوية: دراسة ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    مختصر أحكام التيمم (PDF)
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    الشرح المأمول على ثلاثة الأصول - بلغة الهوسا
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    آداب المصحف (PDF)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    القول السديد في ضبط منظومة المفيد في علم التجويد: ...
    محمود محمد محمود مرسي
  •  
    لطائف البيان في تفسير القرآن: تفسير جزئي العنكبوت ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    ربحت الإسلام دينا ولم أخسر إيماني بالمسيح عليه ...
    محمد السيد محمد
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / كتب / كتب السيرة والتاريخ والتراجم
علامة باركود

هداية الجليل بخبر قابيل وهابيل

هداية الجليل بخبر قابيل وهابيل
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2022 ميلادي - 20/5/1444 هجري

الزيارات: 5466

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هداية الجليل بخبر قابيل وهابيل


إنَّ الحمدَ للهِ، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فهذا تفسير يسير على آيات سورة المائدة التي تناولت قصة ابني آدم عليه السلام، ضَمَّنْتُهُ فوائدَ مُقْتَضَبَةً وَبَدائِعَ مُستَنْبَطَة، أسأل الله العظيم بمنِّه وكرمه وجوده وإحسانه أن ينفع به، وأن يجعله في موازين الحسنات، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


 

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]

 

• ﴿ واتْلُ ﴾؛ أَيْ: وَاقْصُصْ يَا مُحَمَّدُ ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾؛ أَيْ: عَلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ ﴿ نَبَأَ ﴾ خَبَرَ ﴿ ابْنَيْ آدَمَ ﴾ هابِيل وقابِيل ﴿ بِالحَقِّ ﴾ بِالصِّدْقِ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ؛ بَلْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي كُتُبِهِمْ ﴿ إذْ قَرَّبَا قُرْبانًا ﴾ إلى اللَّهِ وَأُبْهِمَ هَذَا الْقُرْبَانُ، وَلَمْ يُذْكَرْ مَا هُوَ، وَلَوْ كَانَ فِي بَيَانِهِ فَائِدَةٌ لَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ فَتُقُبِّلَ مِنْ أحَدِهِمَا ﴾ قُرْبَانُهِ، لِتَقْوَاهُ ﴿ ولَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ ﴾ لِعَدَمِ تَقْوَاهُ.

 

فـــــ﴿ قالَ ﴾ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَسَدًا ﴿ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾ قالَ: لِمَ تَقْتُلُنِي؟ قالَ: لِأنَّ اللهَ قَبِلَ قُرْبانَكَ، ولَمْ يَقْبَلْ قُرْبانِي! فَقالَ: ﴿ إنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ ﴾ الَّذِينَ امْتَثَلُوا أَوَامِرَهُ وَاجْتَنَبُوا نَوَاهِيَهُ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَسَّرَ التَّقْوَى فِي الْآيَةِ بِاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمِ؛ قالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في مَعْنَى (الْمُتَّقِينَ) فِي آيَةِ حَصْرِ الْقَبُولِ فِي الْمُتَّقِينَ: "يَتَّقِي الْأَشْيَاءَ، فَلَا يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ"[1].

 

• وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى الْوَرَعِ بِاجْتِنَابِ الْمُتَشَابِهِ وَبَعْضِ الْحَلَالِ، وَجَعْلِهِ بَرْزَخًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ((فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ))[2] ، وقد سُئِلَ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾، قَالَ: "تَنَزَّهُوا عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعُوا فِي الْحَرَامِ، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مُتَّقِينَ" [3].


﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28].

 

• ﴿ لَئِنْ ﴾ لامُ قَسَمٍ؛ أي: واللهِ لَئِنْ ﴿ بَسَطت ﴾ مَدَدْتَ ﴿ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلنِي ما أنا بِباسِطٍ ﴾؛ أي: بمادٍّ ﴿ يَدِي إلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ ﴾ فِي قَتْلِكَ، فَخَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ مَنَعَهُ مِنْ قَتْلِ أَخِيهِ، قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: (وأيم اللَّهِ، إِنْ كَانَ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّجُ)؛ يَعْني: الْوَرَعَ [4].

 

• وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ))، قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)) [5]، وأخرج الإمام أحمد أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ عِنْدَ فِتْنَةِ عُثْمَانَ: "أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: ((إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي))، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي فَبَسَطَ يَدَهُ إليَّ لِيَقْتُلَنِي قَالَ: ((كُنْ كَابْنِ آدَمَ)) [6].

 

• وَرَوَى الْإِمامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ مِنْ حَديثِ أَبِي ذَرٍّ، قال: (رَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، وَقَالَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ شَدِيدٌ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟))، قَالَ: قلتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((تَعَفَّفْ))، قَالَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ موتٌ شَدِيدٌ، وَيَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْعَبْدِ- يَعْنِي الْقَبْرَ- كَيْفَ تَصْنَعُ؟))، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((اصْبِرْ))، قَالَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا- يَعْنِي حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِنَ الدِّمَاءِ- كَيْفَ تَصْنَعُ؟))، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ وَأَغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ))، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أُتْرَكْ؟ قال: ((فَأْتِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ، فَكُنْ فِيهِمْ)) قَالَ: فَآخُذُ سِلَاحِي؟ قَالَ: ((إذًا تُشَارِكُهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ؛ وَلَكِنْ إِنْ خَشِيتَ أَنْ يُرَوِّعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ طَرْفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ حَتَّى يَبُوءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ))[7].


﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 29].


لَمَّا رَأَى هَابِيلُ أَنَّ أَخَاهُ عَازِمٌ عَلَى قَتْلِهِ قَالَ لَهُ مُخَوِّفًا وَمُرْهِبًا: ﴿ إنِّي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ ﴾ تَرْجِعَ ﴿ بِإثْمِي ﴾ بِإثْمِ قَتْلِي﴿ وإثْمِكَ ﴾ الَّذِي ارْتَكَبْتَهُ قَبْل ذَلِكَ فَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ أَجْلِهِ قُرْبَانُكَ، فَتَرْجِعَ مُتَلَبِّسًا بِإِثْمَيْنِ حَامِلًا لَهُمَا ﴿ فَتَكُونَ مِنْ أصْحابِ النَّارِ ﴾ فَخَوَّفَهُ بِالنَّارِ فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَنْزَجِرْ، ﴿ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾.

 

﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 30].

 

• ﴿ فَطَوَّعَتْ ﴾ زَيَّنَتْ وَسَوَّلَتْ ﴿ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ ﴾ فَصارَ ﴿ مِنَ الخاسِرِينَ ﴾ النَّادِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إلَّا كانَ علَى ابْنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِن دَمِها؛ لأنَّهُ أوَّلُ مَن سَنَّ القَتْلَ))[8].

 

﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة: 31].

 

• ﴿ فَبَعَثَ ﴾؛ أَيْ: أَرْسَلَ ﴿ اللَّهُ غُرابًا يَبْحَثُ ﴾؛ أَيْ: يَحْفِرُ ﴿ فِي الأَرْضِ ﴾ حُفْرَةً بِمِنقارِهِ وبِرِجْلَيْهِ ويُثِيرُهُ عَلى غُرابٍ مَيِّتٍ حَتَّى واراهُ ﴿ لِيُرِيَهُ ﴾؛ أَيْ: لِيَجْعَلَهُ يَرَى بِعَيْنِهِ، ﴿ كَيْفَ يُوارِي ﴾ يَسْتُرُ ﴿ سَوْأَةَ ﴾ جِيفَةَ ﴿ أخِيهِ ﴾ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ﴿ قالَ يا ويْلَتا أعَجَزْتُ ﴾ عَنْ ﴿ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذا الغُرابِ فَأُوارِي سَوْأَةَ أخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ ﴾؛ أَيْ: الْمُتَحَسِّرِينَ عَلَى قَتْلِهِ.

 

﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة: 32].

 

• ﴿ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ ﴾؛ أي: بِسَبَبِ الَّذِي فَعَلَهُ قابِيلُ ﴿ كَتَبْنَا ﴾؛ أَيْ: حَكَمْنَا وَقَضَيْنَا ﴿ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ أنَّهُ مَنْ ﴾ الضَّميرُ لِلشَّأْنِ، وَ﴿ مَنْ ﴾ شَرْطِيَّةٌ ﴿ قَتَلَ نَفْسًا ﴾ بَرِيئَةً ﴿ بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾؛ أيْ: بِغَيْرِ قَتْلِ نَفْسٍ يُوجِبُ الِاقْتِصاصَ ﴿ أوْ ﴾ بِغَيْرِ ﴿ فَسادٍ ﴾ أتاهُ ﴿ فِي الأَرْضِ ﴾ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ زِنًا أَوْ حَدِّ حِرَابَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

 

• ﴿ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾؛ أَيْ: فِي الذَّنْبِ، فَقَتْلُ الْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ سَوَاءٌ فِي اسْتِجْلَابِ غَضَبِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ وَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ ﴿ ومَنْ أحْياها ﴾ بِأَنْ تَسَبَّبَ لِبَقَاءِ حَيَاتِهَا، بِعَفْوٍ، أو امْتَنَعَ عَنْ قَتْلِهَا، أَوْ أَنْجَاهَا مِنْ هَلَكَةٍ ﴿ فَكَأَنَّما أحْيا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ ﴿ ولَقَدْ جاءَتْهُمْ ﴾؛ أيْ: بَنِي إسْرائِيلَ ﴿ رُسُلُنَا بِالبَيِّناتِ ﴾الْآيَاتُ الْوَاضِحَاتُ ﴿ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ مُجاوِزُونَ الحَدَّ بِالكُفْرِ والقَتْلِ والفسادِ وغَيْرِ ذَلِكَ.

 

وَفِي الْآيَاتِ فَوَائِدُ:

مِنْهَا: مَشْرُوعِيَّةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ﴾.


وَمِنْهَا: تَحْرِيمُ الْحَسَدِ وَالْبَغْيِ، وَوُجُوبُ الْحَذَرِ الشَّدِيدِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا آثَارٌ سَيِّئَةٌ، فَقَوْلُ قَابِيلَ ﴿ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾ سَبَبُهُ الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ، فَهُمَا أَصْلُ الْمَفَاسِدِ، وَرَأْسُ الْمَعَايِبِ، وَبَرِيدُ الرَّذَائِلِ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ؛ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ))[9].

 

ومنها: أنَّ تَعْلِيقَ قَبُولِ الْعَمَلِ بِتَحْقِيقِ التَّقْوَى في قَوْلِهِ تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27] قَدْ عَظُمَ بِهَا هَمُّ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَبْكَتِ الْعُبَّادَ الصَّالِحِينَ، وَأَقْلَقَتِ الزُّهَّادَ الْوَرِعِينَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "كُونُوا لِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ هَمًّا مِنْكُمْ بِالْعَمَلِ، أَلَمْ تَسْمَعُوا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾[10].

 

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَشْتَدُّ مِنْهَا خَوْفُ السَّلَفِ عَلَى نُفُوسِهِمْ، فَخَافُوا أَلَّا يَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُتَقَبَّلُ مِنْهُمْ، وَكَانَ السَّلَفُ يُوصُونَ بِإِتْقَانِ الْعَمَلِ وَتَحْسِينِهِ دُونَ مُجَرَّدِ الْإِكْثَارِ مِنْهُ، فَإِنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ مَعَ التَّحْسِينِ وَالْإِتْقَانِ أَفْضَلُ مِنَ الْكَثِيرِ مَعَ عَدَمِ الْإِتْقَانِ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَقُومَانِ فِي الصَّفِّ وَبَيْنَ صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَما بَيْنَ مَنْ تَصْعَدُ صَلَاتُهُ لَهَا نُورٌ وَبُرْهَانٌ كَبُرْهَانِ الشَّمْسِ، وَتَقُولُ: حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، وَبَيْنَ مَنْ تُلَفُّ صَلَاتُهُ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلِقُ وَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا، وَتَقُولُ: ضَيَّعَكَ اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فِي تَفَكُّرٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوَى، وَكَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ؟ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾؛ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَوْ عَلِمْتُ بِأَنَّ اللَّهَ قَبِلَ مِنِّي رَكْعَتَيْنِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ فِي الْعَمَلِ قَبِلَهُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَتَّقِهِ لَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ)[11].

 

ولهذا كَانَ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ عِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْقَبُولِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ بِهِ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَأَنْ أَسْتَيْقِنَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَقَبَّلَ مِنِّي صَلَاةً وَاحِدَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾»[12].

 

وَقَالَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَحَرْفٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أُعْطَاهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾»[13].

 

وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَا تَثِقْ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُقْبَلُ مِنْكَ أَمْ لَا، وَلَا تَأْمَنْ ذُنُوبَكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي كُفِّرَتْ عَنْكَ أَمْ لَا، إِنَّ عَمَلَكَ مُغَيَّبٌ عَنْكَ كُلَّهُ، مَا تَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ فِيهِ، أَيَجْعَلُهُ فِي سِجِّينٍ أَمْ يَجْعَلُهُ فِي عِلِّيِّينَ» [14].

 

وَكَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي صَلَاةَ يومٍ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي صَوْمَ يومٍ، اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي حَسَنَةً، ثُمَّ يقولُ: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾» [15].

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ التَّقْوَى، وَيُكْثِرَ مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَبُولَ دائمًا وأبدًا.

 

وَمِنْهَا: أنَّ النَّاسَ لَهُمْ في قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ ثَلاثَةُ أَقْوالٍ: طَرَفانِ وَوَسَطٌ؛ فَالْخَوارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَقُولونَ: لا يَتَقَبَّلُ اللهُ إلَّا مِمَّنِ اتَّقَى الْكَبائِرَ، وَعِنْدَهُمْ صاحِبُ الْكَبيرَةِ لا يُقْبَلُ مِنْهُ حَسَنَةٌ بِحالٍ، وَالْمُرْجِئَةُ يَقولونَ: مَنِ اتَّقَى الشِّرْكَ، وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ يَقولونَ: لا يَتَقَبَّلُ اللهُ إلَّا مِمَّنِ اتَّقاهُ في ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَفَعَلَهُ كَمَا أُمِرَ بِهِ خالِصًا لِوَجْهِ اللهِ تَعالى[16].

 

وَمِنْهَا: أَنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مَانِعٍ يَمْنَعُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَعَاصِي لِقَوْلِهِ: ﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ فَالْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكُلُّ قَلْبٍ لَيْسَ فِيهِ خَوْفٌ مِنَ اللَّهِ، فَهُوَ قَلْبٌ خَرِبٌ، وَالْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ هُوَ سِمَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَآيَةُ الْمُتَّقِينَ، وَطَرِيقٌ لِلْأَمْنِ فِي الْآخِرَةِ، وَسَبَبٌ لِلسَّعَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ، وَدَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ، وَحُسْنِ الْإِسْلَامِ وَصَفَاءِ الْقَلْبِ وَطَهَارَةِ النَّفْسِ، فَإِذَا سَكَنَ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ فِي الْقَلْبِ أَحْرَقَ مَوَاضِعَ الشَّهَوَاتِ فِيهِ وَطَرَدَ بَهْرَجَ الدُّنْيَا عَنْهُ.

 

وَمِنْهَا: ضَرُورَةُ تَذْكِيرِ مَنْ يَتَجَرَّأُ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ، فَهَابِيلُ الصَّالِحُ وَقَفَ وَاعِظًا مُذَكِّرًا أَخَاهُ قَابِيلَ بِاللَّهِ قَائِلًا لَهُ: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 28، 29] لَكِنَّ الْوَعْظَ لَا يَنْفَعُ إلَّا مَنْ أنارَ اللهُ بصيرتَهُ، والقلوبُ إذا أَصابَهَا الْعَمَى لا يَنْفَعُهَا الْوَعْظُ وَالْإِرْشادُ كما قال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

 

وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَبْتَعِدُ كُلَّ الْبُعْدِ وَيَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ الْقَتْلِ؛ ﴿ لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾.

 

وَمِنْهَا: الْإِعْرَاضُ عَنْ الْمُعْتَدِي وَعَدَمُ مُوَاجَهَتِهِ عَاقِبَتُهُ حَمِيدَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَدْ قَالَ هَابِيلُ ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ فَهُوَ أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يُقَابِلِ الْإِسَاءَةَ بِالْإِسَاءَةِ؛ بَلْ جَعَلَ خَوْفَ اللَّهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَبَبًا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعَدِّي عَلَيْهِ وَمُقَابَلَةِ إِساءَتِهِ بِمِثْلِهَا.

 

وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَتْلَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَجَلِّ الذُّنُوبِ، وَمِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ النَّارِ لِقَوْلِهِ: ﴿ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ وفي سورة النساء يقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

 

وَمِنْهَا: الْحَذَرُ مِنْ هَوَى النَّفْسِ؛ فَالنَّفْسُ تُطَوِّعُ لَكَ فِعْلَ الشَّرِّ وَتُزَيِّنُهُ لِتَقَعَ فِيهِ، ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ﴾.


وَمِنْهَا: خُطُورَةُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ﴾، وَانْظُرْ كَيْفَ أَنَّ هَذِهِ النَّفْسَ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ حَمَلَتْ صَاحِبَهَا عَلَى ارْتِكَابِ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ.

 

وَمِنْهَا: أَنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ ثَمَرَتُهَا الْخَسَارَةُ وَعَدَمُ الْفَلَاحِ.

 

وَمِنْهَا: أَنَّ الذَّنْبَ يُعْمِي صَاحِبَهُ عَنْ إِدْرَاكِ الْحَقِّ، فَقَابِيلُ لَمْ يُدْرِكْ بِفَهْمِهِ وَبِنُورِ بَصِيرَتِهِ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ وفي سورة يوسف قال الله تعالى: ﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [يوسف: 58]، عَرَفَهُمْ بِنُورِ طَاعَتِهِ، وَأَنْكَرُوهُ بِظُلْمَةِ مَعْصِيَتِهِمْ.

 

وَمِنْهَا: أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَسْرَةَ وَالنَّدَامَةَ عَاقِبَةُ مُرْتَكِبِي الْمَعَاصِي، وَأَنَّهُمْ يَعِيشُونَ صِرَاعًا نَفْسِيًّا، وَأَزْمَةً، وَقَلَقًا، وَاضْطِرَابًا، وَأَنَّ مِنْ جَرِيرَةِ الْإِثْمِ وَعُقُوبَةِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ تُوقِعَ أَصْحَابَهَا فِي هَذِهِ الْحَيْرَةِ، وَفِي هَذَا الشَّقَاءِ النَّفْسِيِّ، وَيُنَادُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ، وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا.

 

وَمِنْهَا: أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الشَّرِّ كَفَاعِلِهِ؛ لِأَنَّ قَابِيلَ يَتَحَمَّلُ دَمَ كُلِّ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا، وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ)) [17].

 

وَأَخْرَجَ الْإِمامُ مُسْلِمٌ في صَحيحِهِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا)) [18].

 

وَمِنْهَا: أن قولَه تعالى: ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة: 31] أصلٌ في دَفْنِ الْمَيِّتِ، وقد شرَعَهُ اللهُ في أولِ ميِّتٍ مِنْ بني آدمَ، وَدَفْنُ الميِّتِ وقَبْرُهُ إِرْجاعٌ لهُ إلى أصلِهِ الذي منه خُلِقَ، ومنه يُبعَثُ ويُخرَجُ، قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [عبس: 21]، وقال: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾ [المرسلات: 25، 26].

 

وَمِنْهَا: أنَّ مَشْهَدَ الْغُرابِ وهو يَحْفِرُ في الْأَرْضِ وَيَحْثُو على الْغُرابِ الْمَيِّتِ مَشْهَدٌ عَظيمٌ، وَهو مَشْهَدُ أَوَّلِ حَضارَةٍ في الْبَشَرِ، وَهي مِنْ قَبيلِ طَلَبِ سَتْرِ الْمَشاهِدِ الْمَكْروهَةِ، وَهو أيضًا مَشْهَدُ أَوَّلِ عِلْمٍ اكْتَسَبَهُ الْبَشَرُ بِالتَّقْليدِ وَبِالتَّجْرِبَةِ، وهو أيضًا مَشْهَدُ أَوَّلِ مَظاهِرِ تَلَقِّي الْبَشَرِ مَعارِفَهُ مِنْ عَوالِمَ أَضْعَفَ مِنْهُ كَما تَشَبَّهَ النَّاسُ بِالْحَيَوانِ فِي الزِّينَةِ، فَلَبِسُوا الْجُلودَ الْحَسَنَةَ الْمُلَوَّنَةَ، وَتَكَلَّلُوا بالرِّيشِ الْمُلَوَّنِ وَبِالزُّهورِ وَالْحِجارَةِ الْكَريمَةِ، فَكَمْ في هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ عِبْرَةٍ للتَّاريخِ والدِّينِ وَالْخُلُقِ[19].

 

وَمِنْهَا: حَاجَةُ النَّاسِ الْمُلِحَّةُ إِلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].

 

وَمِنْهَا: التَّرْغِيبُ فِي صِيَانَةِ الدِّمَاءِ، وَحِفْظِ النَّفْسِ مِنَ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهَا، وَتَعْظِيمُ قَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَاللَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ قَتْلَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ بِقَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَإِحْيَاءَهَا بِإِحْيَاءِ النَّاسِ جَمِيعًا.

 

والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.



[1] الفروع لابن مفلح (4/ص: 398).

[2] أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599) واللفظ له.

[3] كتاب الورع لابن أبي الدنيا، ص 59.

[4] تفسير ابن كثير (3: 85).

[5] أخرجه البخاري (31)، ومسلم (2888).

[6] مسند أحمد (1609).

[7] أخرجه أحمد (21325)، وابن حبان في صحيحه (4808).

[8] أخرجه البخاري (3335)، وأخرجه مسلم (1677) باختلاف يسير.

[9] أخرجه الترمذي (2510).

[10] أخرجه ابن أبي الدنيا في الإخلاص والنية، ص 39.

[11] لطائف المعارف، ص: 209.

[12] أخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (3/ 77).

[13] أخرجه ابن عساكر في تاريخه (26/ 34).

[14] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7312).

[15] أخرجه ابن أبي شيبة (35121).

[16] منهاج السنة النبوية لابن تيمية (6/ 216).

[17] أخرجه البخاري (3335)، ومسلم (1677) باختلاف يسير.

[18] أخرجه مسلم (1017).

[19] التحرير والتنوير لابن عاشور (6/ 147).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قابيل وهابيل
  • قصة قابيل وهابيل (1)
  • قابيل وهابيل ابنا آدم عليه السلام (للأطفال)

مختارات من الشبكة

  • صحابة منسيون (6) الصحابي الجليل: خريم بن فاتك الأسدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صحابة منسيون (5) الصحابي الجليل: خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بطلان موت الصحابي الجليل عبيدالله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • صحابة منسيون (4) الصحابي الجليل: إيماء بن رحضة الغفاري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صحابة منسيون (1) الصحابي الجليل: خفاف بن ندبة السلمي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أقسام الخبر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تعريف المبتدأ والخبر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ملامح تربية الأجداد للأحفاد(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • امتنان الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع سورة المرسلات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تكريم 540 خريجا من مسار تعليمي امتد من الطفولة حتى الشباب في سنغافورة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية
  • مدينة كارجلي تحتفل بافتتاح أحد أكبر مساجد البلقان
  • متطوعو أورورا المسلمون يتحركون لدعم مئات الأسر عبر مبادرة غذائية خيرية
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/6/1447هـ - الساعة: 16:7
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب