مما يستشار فيه الطبيب من مسائل الفقه الإسلامي

ملخص الرسالة

مما يستشار فيه الطبيب

من مسائل الفقه الإسلامي

المقدمة:

باسمك ربي كلَّ شيءٍ أبتدي وفي ثناك بالرسول أقتدي مصليًا في مبتدا كلامي عليه والعِترة والصحاب وأستميح من عُلاك المغفره لوالديَّ وشيوخي البرره

أما بعد:

فإن القضية الطبية لقيت اهتمامًا كبيرًا من علماء الشريعة الإسلامية، فقد نصَّ عليها الإمام مالك - رحمه الله تعالى - في الموطأ، ووضع الإمام الشافعي- رحمه الله - بابًا إضافيًّا في الجزء السادس من كتابه (الأم) بعنوان "خطأ الطبيب"، ولم تخلُ الكتب الفقهية من الحديث عن القضايا الطبية في أبواب متعددة من الفقه.

وقد اعتمد الفقهاء على قول الأطباء أو شهادتهم في كثير من المسائل الفقهية التي اختلفوا في الحكم فيها، واعتبروا إخبارهم في تلك المسائل هو من إخبار الدين؛ فوجب الرجوع فيه إلى المخبر، وهم (الأطباء).

وعند بحثي واستقرائي في كتب الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، وجدت أن هناك مسائل فقهية اعتمد الفقهاء في بناء الحكم عليها على الرجوع إلى قول الأطباء، فأحدَثَ الله تعالى في نفسي أن تلك المسائل الفقهية المتناثرة في أبواب الفقه، لو اجتمعت في بحث، ومن ثَمَّ دراستُها دراسة علمية، لكانت قريبة التناول، سهلة المأخذ، ولكانت خير معين لطالب العلم.

وبعد أن انشرح صدري، واطمأنت نفسي لهذا الموضوع، سجلتُه تحت عنوان: (مما يستشار فيه الطبيب من مسائل الفقه الإسلامي).

وقد قسمت البحث إلى تمهيد، وإحدى عشرة مسألة.

أما التمهيد: فقد تناولت فيه كيفية اختيار الطبيب (الحاذِق) الذي اعتمد الفقهاء على قوله أو شهادته، ومن ثَمَّ ذكرت المسائل الفقهية التي يرجع فيها إلى قول الطبيب، وهي: إحدى عشرة مسألة:

المسألة الأولى: اعتماد قول الطبيب في كون الماء المشمَّس يُورِث البَرَصَ.

المسألة الثانية: اعتماد قول الطبيب في كون الحصاة الخارجة من القُبُلِ منعقدة من البول.

المسألة الثالثة: اعتماد قول الطبيب في كون المرض مرخِّصًا في التَّيمُّمِ.

المسألة الرابعة: اعتماد قول الطبيب في الصلاة مستلقيًا مع القدرة على القيام للمُداواة.

المسألة الخامسة: اعتماد قول الطبيب في المرض المبيح للفطر.

المسألة السادسة: اعتماد قول الطبيب في إفطار الحامل والمرضع، إذا خافتا على الولد أو النفس.

المسألة السابعة: اعتماد قول الطبيب في جواز الاكتحال بمرود الذهب والفضة لجلاء العين.

المسألة الثامنة: اعتماد قول الطبيب في جواز التداوي بالنجس والمحرَّم للمضطر.

المسألة التاسعة: اعتماد قول الطبيب في أن المجنون ينفعه التَّزويجُ، وكذا المجنونة.

المسألة العاشرة: اعتماد قول الطبيب في كون المرض مَخُوفًا في الوصية.

وكان منهجي في البحث ما يأتي:

١- اقتصرت في بحثي هذا على مذاهب الأئمة الأربعة المشهورين، دون غيرهم؛ لأن المذاهب الأربعة هي المعتبرة عند أهل السنة والجماعة.

٢- اعتمدت في النقل عن كلِّ مذهب الكتبَ المعتمدة فيه، سواء كانت فقهية أو من كتب شروح الأحاديث أو الآداب أو غيرها.

٣- اعتمدت نقل النص الحرفي في الغالب - لأهمية النقل في مثل هذه المسائل - ثم أردفت النقل بالتعليق عليه.

٤- خرَّجت الأحاديث النبوية من مصادرها الأصلية، وقد أشيرُ إلى حكم العلماء في الحديث من حيث الصحةُ والضعفُ.

٥- ترجمت للأعلام المذكورين في صُلب البحث، باستثناء الصحابة رضي الله عنهم، والأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى؛ لاشتهارهم واستغنائهم عن التعريف بهم.

وختامًا أقول:

أخي القارئَ الكريم، إن هذا البحث الذي بين يديك قد بذلت فيه جهدًا كبيرًا، وأنفقت عليه وقتًا كثيرًا، وأنا أعلم أني لا أُوفِّي هذا البحث حقه؛ لأنه أجلُّ من علمي، وليس لي فيه يد، سوى الجمع والترتيب، والتنسيق والتهذيب، ولا يَسَعُني إلا أن أقول: ما كان فيه من صواب فمن الله بفضله وتوفيقه، وما فيه من خطأ فمن نفسي، واللهُ ورسوله منه بريئان، والله المستعان، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعله لوجهه خالصًا، ومن النار مُنجيًا ومُخلِّصًا.. آمين مولاي رب العالمين.

الخاتمة:

من خلال رحلتي مع هذا البحث وما بذلته من جهدٍ مُضنٍ، فإني توصلت إلى نتائج من أهمها ما يأتي:

١- اعتمد الفقهاء على قول الطبيب أو شهادته في كثير من المسائل الفقهية، ولكن بشرط أن يكون حاذقًا ثقةً عدلاً.

٢- بالنسبة إلى مسألة الماء المشمَّس: لا يوجد مانع شرعي أو طبي يمنع من استخدام الماء المشمَّس مباشرة (في إناء مكشوف) أو عبر السخانات الشمسية، وأن الطب الحديث لم يُثبِتْ أن هناك علاقة بين الماء المشمَّس ومرض البرص.

٣- أن الحصاة الخارجة من قُبُلِ الإنسان نجسة؛ وذلك لكونها منعقدةً من البول كما أخبر الأطباء بذلك.

٤- أن المريض الذي يخاف من استعمال الماء للوضوء أو الغُسل لا يجوز له أن يتيمَّم إلا إذا اعتمد على قول طبيب عدل؛ لأن خبره مقبول في هذه الأمور.

٥- يباحُ للمريض عند الصلاة تركُ القيام والصلاة مُستلقيًا مع القدرة على القيام للمُداواة وبشرط الاعتماد على قول الطبيب.

٦- بالنسبة إلى مسألة المرض المبيح للفطر، يجوز الاعتماد على خبر الطبيب في إباحة الفطر للمريض.

٧- يُباح إفطار الحامل والمرضع - إذا خافتا على الولد أو النفس - ولكن بشرط أن يبني الطبيب أمره هذا على علة ظاهرة.

٨- يباح شرعًا استعمال الذهب والفضة للتداوي.

٩- يجوز التداوي بالنجس والمحرَّم للمضطر إذا لم يجد طاهرًا يقوم مقامه، ولكن بشرط أن يعلم أن الشفاء يحصل به بخبر طبيب مسلم عدل، ولم يجد دواءً غيره.

١٠- بالنسبة إلى مسألة تزويج المجنون أو المجنونة، إذا أخبر الأطباء العدول أن في زواجهما ذَهابًا لعلتهما، فإنه يجوز، ولكن بشرط حاجتهما إلى النكاح، ووفق العلامات التي ذكرتها في ثنايا البحث.

١١- وأما مسألة كون المرض مَخُوفًا في الوصية، فقد اعتمد الفقهاء على الأطباء فيما أشكل أمره من الأمراض التي لم ينصَّ الفقهاء على أنها مخوفة أو غير مخوفة، فإذا قال الطبيب: إن هذا المرض غالبه التلف، جعلت العطايا والوصايا من الثلث.