حديث المسيء صلاته وأثره في الحكم على مسائل الخلاف في صفة الصلاة: دراسة فقهية مقارنة

ملخص الرسالة

حديث المسيء صلاته وأثره في الحكم على مسائل الخلاف في صفة الصلاة

- دراسة فقهية مقارنة -

رسالة مقدمة إلى قسم علوم القرآن - الدراسات العليا

قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].

وقال:﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خمس صلوات افترضهن الله تعالى، مَن أحسن وضوءهن وصلَّاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه))[1].

شكر ودعاء

قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: ((من لا يشكر الناس لا يشكر الله))[2].

فلزامًا علي أن أتقدم بخالص شكري وعظيم امتناني إلى الأستاذ الفاضل الدكتور يوسف حسن حمد؛ لتفضله بقبول الإشراف على رسالتي، وما أسبغ علي من علمه وفضله، ففتح لي عقله وقلبه قبل بيته، فكان لتوجيهاته السديدة وملحوظاته الجوهرية الأثر الكبير في إخراج الرسالة على هذه الصورة، على ما يمر به من ظرف عصيب، فجزاه الله عني وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

كما أتقدم بوافر الشكر وجزيل العرفان إلى السادة رئيس لجنة المناقشة وأعضائها، على ما سيتفضلون به من توجيهات سديدة تغني هذه الرسالة وتزيد من قيمتها العلمية، وتوصلها إلى الوجه الأكمل، داعيًا الله تعالى أن ينفعني وينفع بهم.

والشكر موصول إلى أساتذتي جميعًا في قسم علوم القرآن، وأخص بالذكر منهم الأستاذ الفاضل الدكتور: (هاشم فارس عبدون)، والدكتور: (محمود عيدان أحمد)، والدكتور: (محمد إبراهيم السامرائي) وغيرهم من الأساتذة الذين كان لتوجيهاتهم أعظم الأثر في إخراج البحث بهذه الصورة، فجزاهم الله عني كل خير.

كما أقدم شكرًا خاصًّا لكل مِن:

الإخوة العاملين في مكتبة كلية التربية، ومكتبة قسم علوم القرآن.

كما أقدم جزيل شكري وعظيم امتناني إلى الأخ المهندس عدنان داود، الذي كان له أكبر الأثر في طباعة وتنسيق الرسالة، وإخراجها بهذه الصورة، كما أتقدم بالشكر الجزيل لأخي صدام ثلج، الذي فتح لي مكتبته، ولم يبخل علي بشيء من المصادر، ثم شكر عام لكل من كان له فضل علي من قريب أو بعيد.

فجزى الله الجميع خير الجزاء على ما قدموا، وجعله في ميزان حسناتهم.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله عز وجل قد فرض الصلاة على عباده، وأمرهم بإقامتها وحسن أدائها، وعلق النجاح والفلاح بالخشوع فيها، وجعلها فرقانًا بين الإيمان والكفر، وناهية عن الفحشاء والمنكر، وقد قال الله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]، فقام صلى الله عليه وسلم بهذه الوظيفة حق القيام، وكانت الصلاة من أعظم ما بيَّنه للناس قولًا وفعلًا، حتى إنه صلى مرة على المنبر يقوم عليه، ويركع، ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: ((إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتَعَلَّموا صلاتي))[3]، وأوجب علينا الاقتداء به فيها فقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) [4]، وبشَّر مَن صلاها كصلاته أن له عند الله عهدًا أن يدخله الجنة فقال: ((خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن - كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه)) [5]، وعدَّ مَن لم يُقِمْ أركانها وواجباتها مسيئًا فيها، حتى رد رجلًا أساء في صلاته ثلاث مرات، وقال له: ((ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ))[6].

ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع؛ حيث تضمن بحث معظم أركان الصلاة، وواجباتها، وما يُعدُّ المصلي بسببه مسيئًا، وما يَخرج به عن حد الإساءة، وكيف أن العلماء جعلوا حديث المسيء صلاته حَكَمًا لخلافهم في المسائل المختلف فيها، فيحكمون لِما ورد فيه من المسائل بالوجوب، ولما لم يرد بعدمه.

وقد كان سبب اختياري لهذا الموضوع أمورًا أبينها في نقاط:

1- إن حديث المسيء جاء لبيان صفة الصلاة الواجبة، التي لا يجزئ أقل منها، ولا يخرج المصلي عن حد الإساءة إلا بها.

2- إن حديث المسيء مع أهميته لم يفرد بشرح مستقل، يبين كيفية الاستدلال به والمسائل التي ذكرت فيه، وأثره في مسائل الصلاة المختلف فيها.

3- إنني أشغل مهمة الإمامة والخطابة، ومن أعظم مهام المكلَّف بهما: الصلاة بالناس، وتعليمهم أحكامها؛ فالإمام ضامن للناس صلاتهم في ضمن صلاته صحة وفسادًا، فأحببت أن أدرس مسائل الصلاة بشكل تفصيلي.

• خطة البحث:

اقتضت خطة البحث في هذه الرسالة تقسيمها بعد المقدمة إلى ثلاثة فصول وخاتمة.

أما الفصل الأول، فجعلته فصلًا تمهيديًّا بين يدي الفصلين الأساسين، وقسمته إلى ثلاثة مباحث، وتحت كل مبحث مطالب.

أما المبحث الأول، فيتضمن تمهيدًا لأهمية الحديث، ومطلبين.

المطلب الأول، ذكرت فيه أقوال العلماء في الاستدلال بالحديث على وجوب ما ورد فيه.

وأما المطلب الثاني: فذكرت فيه أقوال العلماء في الاستدلال بالحديث على عدم وجوب ما لم يرد فيه.

وأما المبحث الثاني: فلبيان كيفية استدلال العلماء بالحديث، وقسمته إلى مطلبين:

أما المطلب الأول، فضمنته بعض المقدمات الأصولية والحديثية، والتي لها تعلق ببيان كيفية الاستدلال بالحديث.

فالمقدمة الأولى بينت فيها حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وأما المقدمة الثانية: فهي لبيان دلالة الأمر المطلق؛ لأن الحديث ورد بصيغة الأمر.

وأما المقدمة الثالثة: فجعلتها لبيان دلالة النفي في الحديث؛ لأنها من أبرز أسباب الخلاف في كيفية الاستدلال بالحديث.

وأما المقدمة الرابعة: فجعلتها لبيان إفادة خبر الواحد للعلم أو الظن.

وأما المقدمة الخامسة: فأوضحت فيها الفرق بين الفرض والواجب؛ لِما في ذلك من أثر في الاستدلال بالحديث.

وأما المقدمة السادسة: فجعلتها لبيان حكم زيادة الثقة؛ حيث إن الحديث قد اشتمل على زيادات كثيرة، تضمنت كثيرًا من مسائل الصلاة المختلف فيها.

وأما المطلب الثاني: فجعلته لبيان كيفية الاستدلال، وقدمت له بتمهيد.

وأما المبحث الثالث: فاشتمل على مطلبين:

فأما المطلب الأول: فجمعت فيه طرق الحديث برواياته الثلاثة.

وأما المطلب الثاني: فسقت فيه متن الحديث، وضممت إليه الزيادات المؤثرة في مسائل الخلاف.

وأما الفصل الثاني: فجعلته لبيان المسائل التي وردت في الحديث، ووقع فيها الخلاف، وقسمته إلى سبعة مطالب، تحت كل مطلب مسائل.

المطلب الأول: تكبيرة الإحرام، وفيه ثلاث مسائل.

المطلب الثاني: دعاء الاستفتاح، وفيه مسألة واحدة.

المطلب الثالث: القراءة، وفيه تسع مسائل.

المطلب الرابع: تكبيرات الانتقال، وفيه مسألة واحدة.

المطلب الخامس: الركوع، وفيه ست مسائل.

المطلب السادس: السجود، وفيه سبع مسائل.

المطلب السابع: مسائل متفرقة، وفيه ثلاث مسائل.

ولما كان هذا الفصل في بيان المسائل التي وردت في الحديث، وهي معظم مسائل الصلاة، اقتضى ذلك أن يكون هذا الفصل أطول الفصول.

وأما الفصل الثالث: فجعلته لبيان المسائل التي لم ترد في الحديث ووقع فيها الخلاف، وفيه ست مسائل.

وأخيرًا: ختمت البحث ببيان أهم النتائج التي توصلت إليها.

• منهج البحث:

وقد اتبعت في دراستي لهذا الموضوع المنهج الآتي - ما استطعت إلى ذلك سبيلًا -:

1- حصرت مادة البحث في مسائل صفة الصلاة من التكبير إلى التسليم، والسبب في ذلك أن الحديث قد ورد أصالةً في بيانها، حتى إن المحدِّثين أطلقوا على حديثه اسم: حديث المسيء صلاته[7]، وإنما ذكرت بعض الشروط عرضًا[8].

2- أنني لا أذكر مسألةً حتى أجد بعض أهل العلم قد نص عليها، إما بالوجوب؛ لأنها ذكرت في الحديث، وإما بعدم الوجوب؛ لأنها لم تذكر فيه، ولم أتعمق في فرعياتٍ يمكن الاستدلال بالحديث عليها.

3- جعلت في نهاية كل مسألة ملخصًا ذكرت فيه أثر الحديث فيها؛ ليسهل على القارئ معرفة أثر الحديث فيها بلا عناء.

4- أدخلت بحث بعض المسائل في بعضها، التي يكون الدليل فيها واحدًا، وكيفية الاستدلال فيها واحدة؛ وذلك لأجتنب تكرار المسائل التي بالإمكان ألا تتكرر؛ من ذلك: قراءة الفاتحة في كل ركعة، ضمن مسألتين هما حكم تكرار القراءة في كل ركعة، وحكم تعين الفاتحة في القراءة، والطمأنينة في السجود والرفع منه، مع الطمأنينة في الركوع والرفع منه، وأذكار الركوع والسجود والرفع منه، وبين السجدتين مع ذكر الرفع من الركوع، والتشهد الأول مع الجلوس له، والتشهد الثاني مع الجلوس له.

5- وأما تخريج الأحاديث فقد اعتمدت في ذلك على مدونات السنة المطهرة، فإذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما أو لأحدهما، ولا أذكر غيرهما إلا لفائدة، وإذا كان الحديث في السنن الأربعة فأكتفي بالعزو إلى بعضها، ولا أخرج عن ذلك إلا لفائدة.

6- قمت بالتعريف ببعض المصطلحات والألفاظ الغريبة التي قد يشكل معناها.

7- جعلت ملحقًا خاصًّا بتراجم رواة حديث المسيء صلاته، وبما فيهم صاحب القصة والصحابة الذين نقلوا القصة.

8- ولما كانت مادة البحث طويلة، لم أشأ أن أزيدها طولًا بكثرة التراجم وبطاقات الكتب؛ لذا جعلت لها ملحقًا في نهاية البحث.

9- وقد اعتمدت في بحثي هذا على أبرز المصادر، ورجعت في عزو المذاهب إلى كتب المذهب، إلا ألا أجد فيها فأعزو إلى غيرها.

فهرست الموضوعات: