جهود جمعيات البر الخيرية في الدعوة إلى الله في المملكة العربية السعودية

ملخص الرسالة

جهود جمعيات البر الخيرية في الدعوة إلى الله

في المملكة العربية السعودية

(دراسة وصفية مقارنة لعينة من جمعيات البر الخيرية في منطقتي الرياض والقصيم)

التمهيد:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمن نِعم الله على هذه الأمة، أن جعل منها دعاةً إلى الخير ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، فالدعاة إلى الخير لهم أعمال وواجبات في عالم الدعوة إلى الله، وإنَّ فعلَ الخير للآخرين من برٍّ، ومعروف، وإحسان، وإنفاق هو أحد أنواع وأعمال الخير الذي يدعو إليه هؤلاء.

إنَّ فعل الخير للآخرين له آثارُه الحميدة في الدنيا والآخرة، وإن من أعظم تلك الآثار أنه سببٌ للنجاة من النار؛ ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على المساهمة فيه، والإنفاق في سبيل الله، حتى ولو بالشيء اليسير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فليتقين أحدُكم النارَ ولو بشِقِّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة))[1]، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون أشدَّ الحرص على فعل الخير للآخرين، فهم الذين كانوا يتعلمون ويتربَّون على هذا الأمر العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يصفه ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل"[2].

ومما يُذكر من سير الصحابة رضي الله عنهم وبذلهم الخير للآخرين: ما ثبت من قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فعن أبي عبدالرحمن السلمي قال: "لما حُصر عثمان، أشرف عليهم فوق داره ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن حِراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثْبُتْ حراءُ؛ فليس عليك إلا نبيٌّ أو صدِّيق أو شهيد))؟ قالوا: نعم، قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جيش العُسرة: ((من ينفق نفقةً متقبلة؟)) والناس مجهدون معسِرون، فجهزتُ ذلك الجيش؟ قالوا: نعم، ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن رُومَة[3] لَمْ يكن يَشرب منها أحدٌ إلا بثمن، فابتعتُها، فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: اللهم نعم، وأشياء عدها"[4].

ولأجل أن يتواصل فعلُ الخير في الأمة الإسلامية، وتنظم مسيرة الأعمال الخيرية؛ أنشئت جمعيات متخصصة تُعنى بالأعمال الخيرية، الأمر الذي جعل لمثل هذه الجمعيات أثرًا واضحًا على مسيرة الدعوة الإسلامية، وتيسير أمور المحتاجين من الفقراء، وتشجيع المحسنين للبذل في أبواب الخير المتنوعة.

وعندما تقومُ هذه الجمعيات بكفالة الأيتام والأرامل، أو حلِّ المشكلات الأُسرية والاجتماعية، أو بناء المساجد والمدارس، أو حفر الآبار في المناطق المحتاجة... إلخ، فإنها تعطي صورةً عملية لرحمة الإسلام، وشمولية أبواب الخير فيه، ومِن ثَم تحفيز الناس إلى التمسك به، والحرص على الانتساب إليه، وفي الوقت نفسه قد يكون دافعًا لترغيب غير المسلمين في الإسلام؛ لما يرونَه من تكاتفٍ وتعاضدٍ بين المسلمين.

لقد برزَت في العالم الإسلامي كثيرٌ من الجمعيات الخيرية، ومن بينها تلك الجمعيات الخيرية التي قامت في المملكة العربية السعودية، وكان لها إسهامٌ كبير في ميدان العمل الخيري؛ مما أحدث أثرًا واضحًا على مسيرة الدعوة الإسلامية، فقد قدمت الجمعيات الخيرية في مملكتنا المباركة كثيرًا من أعمال الخير في شتَّى الميادين.

ولا ريب أن دراسة جُهود هذه الجمعيات المباركة يكون عونًا لها في أداء مهمتها على نحو أفضل بإذن الله، كما يتيح الفرصة أمام الجمعيات الخيرية الأخرى المماثلة للإفادة من تجارب غيرها، وهذا ما سوف أتناوله بمشيئة الله تعالى في هذه الرسالة، والتي هي بعنوان: "جهود جمعيات البر الخيرية في الدعوة إلى الله في المملكة العربية السعودية - دراسة وصفية مقارنة - لعينة من جمعيات البرِّ الخيرية في منطقتي الرياض والقصيم".

أولاً: التعريف بمفردات البحث:

• الجهد لغة:

وردت كلمة "الجهد" في معاجم اللغة العربية بفتح الجيم وضمها، ولذلك من أهل اللغة من يجعل:

• (الجُهْد) و(الجَهْد) واحدًا، بمعنى الطاقة، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة.

ويحتج هؤلاء بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ﴾ [التوبة: 79]، وقد قرئ (جَهْدَهم).

• ومنهم من يرى التفريق بينهما:

فالجُهد بضم الجيم: الوسع والطاقة، تقول: اجهَد جُهدَك، وجاهد في سبيل الله مجاهدة وجهادًا، والاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود.

وأما الجَهد - بفتح الجيم -: المشقَّة والمبالغة والغاية: جَهَد الرجل في الشيء؛ أي: جدَّ فيه وبالغ، ويعني ذلك: بلوغك غاية الأمر الذي لا تألو على الجهد فيه، ويقال: جهَد دابته وأجهَدَها: إذا حمل عليها في السَّير فوق طاقتها[5].

وأقرب المعاني اللغوية التي تخصُّ هذه الدراسة هي: الوسع والطاقة؛ وذلك أن جمعيات البر الخيرية تختصُّ بأعمال البرِّ المتنوعة، خاصة إذا علمنا أن أصل البر هو "التوسع في فعل الخيرات"[6]، فيستلزم من ذلك الأصل: مضاعفة الجهد، واستفراغ الطاقة، وبذل تلك الجمعيات الخيرية كلَّ ما في وسعها فيما يخص أعمال الخير المتنوعة، والمقترنة بالدعوة إلى الله.

• الجهد اصطلاحًا:

الاجتهاد: افتعالٌ من الجهد؛ وهو أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمل المشقة...، والجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو[7].

والمراد بالجهود هنا: مجموعة الأعمال التي تقوم بها جمعيات البرِّ الخيرية، وتبذل فيها وسعها وطاقتها؛ خدمة للدعوة الإسلامية، وتحقيقًا لأهدافها.

فهرس الموضوعات