المناسبات في غرائب القران ورغائب الفرقان للنيسابوري: دراسة مقارنة مع الرازي وابن عاشور (PDF)

ملخص الرسالة

ملخص رسالة

المناسبات في غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري

دراسة مقارنة مع الرازي وابن عاشور

الحمد لله الذي أنزل كتابه المجيد بأحسن أسلوب، وأبهر بحسن أساليبه وبلاغة تركيبه العقول والقلوب، أنزله آيات بينات وسورًا وآيات مفَصلات، ورتبه بحكمته البالغة أحسن ترتيب، ونظمَه أعظم نظام بأفصح تركيب وأبلغِه، والصلاة والسلام على أكرم رسلِه، وخيرة أنبيائه، صلاةً تملأ أركان الأمكنة، وسلامًا يُعطِّر أجواء الدهور والأزمنة.

وبعدُ، فإنَّ القرآن الكريم مُعجِزة الله الخالدة، امتلك بأسلوبه البديع في التركيب والترتيب ناصيةَ البيان، وذروة مقامات البلاغة والفَصاحة، ما مسَّ جامدًا إلا نبض بالحياة، ولا عرض مألوفًا إلا بَدا جديدًا"[1]، إنِ اشتدَّت ألفاظه فأمواج البحار الزاخرة، وإنْ هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة[2].

فإنْ أنا لَم أطْلِقْ لساني لِوَصْفِه = فنَحْوي وصَرْفي والبلاغة طالقُ

لقد كان للعلماء اهتمام بكتاب الله تعالى، واهتمامٌ خاصٌّ بتفسيره؛ فهو على رأس العلوم جميعًا، وكل علم يَشرف بشرف قائله، ولما كان علم المناسبات يتعلَّق مُباشَرةً بتدبُّر كتاب الله تعالى كان من أجلِّ العلوم شأنًا، وأقواها برهانًا، وأعظمها بيانًا، فهو باب عظيم لفهم كتاب الله وتدبُّر معانيه، وكونه يُعنى بكشف أسرار الترابُط القرآني بين سور القرآن وآياته، ولما كان القول الراجح بأن ترتيب سور القرآن توقيفٌ من عند الله تعالى فإنه بهذا الترتيب ولا شكَّ يَجعلُه مُعجزًا في لفظِه وأسلوبه وترتيبه، مما جعل الباحثين يتسابقون على سبر أغواره، وتتبُّع أسراره وإعجازه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

قال الإمام الرازي (ت: 606): "ومَن تأمل في لطائف نظم السور وبديع ترتيبها؛ علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب ألفاظه وشرَف معانيه، فهو أيضًا مُعجِز بسبب ترتيبه ونظم آياته"[3].

لذا جاءت هذه الدراسة بعنوان:

المناسبات في تفسير النيسابوري من سورة الجمعة إلى سورة الناس

دراسة مقارنة مع الرازي وابن عاشور

وتَكْمُن أهمية الموضوع في تعلُّقه بكتاب الله، وكونه يبحث في أوجه الترابط وأسرار الاتصال بين سور القرآن وآياته، والتي يظهر من خلالها وجوه الإعجاز، كما أنه يكشف أسرار التشريع، ويُعين على فهم الآيات وتحديد المراد منها، بل ويُحقِّق الأمر الشرعيَّ بالتدبُّر لكتاب الله تعالى.

ولقد كان ممن خاض في هذا الفن العظيم واعتنى به عنايةً كبيرة الإمام نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري، وهو من كبار أهل العلم والحُفَّاظ والمقرئين، وله باع طويل في علم التفسير والتأويل، وقد استقى مادته العلمية من تفسيرين عظيمين مشهورين هما: التفسير الكبير؛ للإمام فخر الدين الرازي (ت: 606 هـ)، وتفسير الكشَّاف؛ لجار الله الزمخشري (ت: 538هـ).

لذا فقد ارتأيتُ أن آخذ جانبًا من جوانب هذا التفسير لدى الإمام النيسابوري، من خلال تفسيره: غرائب القرآن ورغائب الفرقان، وهو علم المناسبات؛ حيث عمل الباحث على الوقوف على اجتهاداته في مناسبات الآيات والسور، وقد انصبَّ هذا البحث حول المناسبات التي ذكرها النيسابوري من سورة الجمعة إلى الناس، ومقارنتها مع إمامين عظيمين في هذا الفن، وهما: الإمام فخر الدين الرازي، والإمام ابن عاشور (ت: 1393هـ)، واتبع الباحث المنهج الاستقرائيَّ المقارن؛ حيث حصر المناسبات التي ذكَرَها النيسابوري، ثم أتبعه بكلام المفسِّرين، ذاكرًا المُخالَفة أو المُوافَقة، ومناقشة تلك الأقوال عند الحاجة إليها، وقد تضمَّن هذا البحث أربعة فصول:

الفصل الأول: التعريف بالنيسابوري وعصره وحياته العلمية، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: اسمه ونسبُه ونشأته ومولده ووفاته.

المبحث الثاني: عصره وحياته السياسية.

المبحث الثالث: عقيدته ومذهبه.

المبحث الرابع: مؤلفاته (وآثاره العِلميَّة على وجه العموم).

المبحث الخامس: منهجُه في التفسير.

الفصل الثاني: عِلم المُناسبات، وفيه أربعة مباحث:

المبحَث الأول: تعريف علم المناسبات وموضوعه وثمرته.

المبحث الثاني: نشأته ومراحل تطوُّره وموقف العلماء منه.

المبحث الثالث: أهميته وفائدته وأشهر المصنَّفات منه.

المبحث الرابع: أنواع المناسَبات.

الفصل الثالث: التعريف بالمفسِّرَين؛ الرازي وابن عاشور.

المبحث الأول: التعريف بالفخر الرازي وتفسيره ومنهجه في تفسيره.

المبحث الثالث: التعريف بالطاهر بن عاشور وتفسيره ومنهجه في المناسَبات.

الفصل الرابع: المناسبات في تفسير النيسابوري مِن سورة الجُمعة إلى سورة الناس.

المبحث الأول: مِن سورة الجُمعة إلى سورة الناس.

المبحث الثاني: سور جزء تبارك.

المبحث الثالث: سور جزء عم.

وقد توصل الباحث في نهاية بحثه إلى ما يلي:

1- القول بإثبات علم المناسبات، وأنه باب عظيم لفهم كتاب الله وتدبُّر معانيه.

2- نشأ هذا العلم مع نشأة علم التفسير، ثم تطوَّر تدريجيًّا إلى أن صار علمًا مستقلاًّ.

3- أنَّ استنباط المناسبة من التدبُّر المأمور به، ويُشترَط لقبوله ما يشترط لقَبول التفسير.

4- جلُّ المعارِضين لعِلْم المُناسَبات لا يُعارضون مبدأ التناسُب، وإنما يُعارضون ما يرونه تكلُّفًا.

5- الأئمَّة الثلاثة: النيسابوري، والرازي، وابن عاشور، ممَّن توسَّطوا في الأخْذ بالمُناسبة، ولم يتكلَّفوا في البحث عنها.

6- التوافُق الكبير بين الأئمَّة الثلاثة النيسابوري والرازي وابن عاشور في وجْه المُناسبة، وخاصَّة بين النيسابوري وشيخه الرازي.

7- التناسُب في الآيات والسور لا يَعني بالضرورة بين كل آية وآية، فقد تكون مجموعة مِن الآيات تتحدَّث عن موضوع معيَّن، وهنا قد يكون التناسُب بين مقطع ومقطع، وقد لا توجد مناسَبة، وعليه فلا يَنبغي التكلُّف في البحث عنها.

ومما يوصي به الباحث أن تتبنَّى جهة إسلامية التخصُّص في علم المناسبات؛ بحيث تبحث في أسرار الترابط القرآني وعجائبه ومعجزاته، واستنباط الدرر الكامنة واستخراجها منه، ويكون من ضمن أعمالها تأليف تفسير مُتكامل يهتمُّ بالدرجة الأولى بعلم المناسَبات، مما سيفتح آفاقًا جديدة لتدبُّر كلام الله.

والشُّكر في هذا المقام وبعد نعمة التمام لله المولى؛ على ما وهب وأولى وأعان على إتمام هذه الدِّراسة، فله المنَّة من قبلُ ومن بعدُ، كما يتقدَّم الباحث بالشكر الجزيل لنيابة الدِّراسات العليا لجامعة أم درمان الإسلامية بجمهورية السودان، وأعضاء هيئة التدريس في كلية أصول الدين وقسم التفسير وعلوم القرآن؛ على ما أولوه مِن جهود مُضنيَة في سبيل تحصيلنا العلمي والأكاديمي، وأخصُّ بالذِّكْر مشرفَ رسالتي الدكتور/ عثمان الحسن أحمد علي؛ على ما أولاني من رعايته وتوجيهاته بأخلاقه السامية وتواضعه الجم، والذي تعلمتُ منه الخلُق قبل العلم، فله مني فائق الشكر وعظيم الامتنان، ومِنْ واجب القولِ ولِزامه أنْ يشكر الباحث شُكرًا ممزوجًا بالامتنان والعرفان أعضاءَ لجنة المناقشة: الدكتور إبراهيم عبدالله زايد (مناقشًا داخليًّا)، والدكتور ضياء الدين أحمد علي الأزرق (مناقشًا خارجيًّا) على ما أولياه لهذه الدِّراسة من وقتهما وجهدهما فحصًا وتصويبًا، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وقد قيل:

ولو أنني أوتيتُ كلَّ بلاغة وأفنيتُ بحر النُّطق في النَّظْم والنَّثْر لما كنتُ بعد القول إلا مقصرًا ومُعترفًا بالعجْز عن واجبِ الشُّكرِ

وختامًا، وبعد الجهد الذي عمله الباحث بجهدِه البشَريِّ القاصِر يعلم أنَّ بضاعته مُزجاة، وحسبُه في ذلك أنَّ المحلَّ قابل للتعديل كثيرًا، ولأجله وقف هذا الموقف بين يدي السادة أعضاء لجنة المناقشة الأكارم.

وإن كان خرْقٌ فادَّركْه بفضلة = من الحِلْم، وليُصلحْه مَن جادَ مِقْوَلاَ

وكما قال القاضي البيساني عبدالرَّحيم بن علي (596 هـ): "إني رأيتُ أنه لا يَكتُب إنسانٌ كتابًا في يومِه إلا قال في غده: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان أحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا مِن أعظم العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقص على جُملة البشر".

فاللهمَّ إنْ ظهَر خير فبفضلك ورحمتك، ولك المنَّة في الأولى والآخرة، وإنْ ظهر غلطٌ أو وهْم أو تقصير أو غفلة أو جهل، فمنِّي ومِن الشيطان.

وبالله حَولي واعتِصامي وقوَّتي وما لي إلا سترُه مُتجلِّلا فيا ربِّ أنت الله حَسبي وعدَّتي عليكَ اعتِمادي ضارعًا متوكِّلا

وصلَّى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم