الأساليب الإنشائية في سورة النمل

ملخص الرسالة

الأساليب الإنشائية في سورة النمل

(دراسة بلاغية تحليلية)

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، البر الرحيم، معلِّم سليمان مَنْطِقَ الطير، ومُسمِعه قولَ النَّمل، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيِّد المُرسَلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد؛ فإن المتدبِّر لكتاب الله تعالى ليقف على أساليب بلاغية، وفنون بيانية، تستوقِفُ الفكرَ لتترك له مجال التأمُّل والعلم والعمل؛ لما في هذه الأساليب والفنون من أنواع طلبيَّة؛ كالأمر والنهي والاستفهام والتمنِّي، لا سيما النداءات الربانية المتواتِرة في الكتاب العزيز.

ووقَع الاختيار على دراسة الأساليب الإنشائية في ضوء العنوان التالي:

"الأساليب الإنشائية في سورة النمل، دراسة بلاغية تحليلية".

وقد دفعتْني أسباب كثيرة لاختيار الموضوع، منها:

• شرف البحث في القرآن الكريم، وما أعدَّه الله تعالى مِن ثوابٍ عظيم لمن خدم كتابه وعلَّمه وتعلَّمه، فما البحث في كتاب الله والتدبُّر في آياته إلا كشجرة طيبة تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربها.

بل إنَّ "أحسن ما يَشتغل به الباحِثون، وأفضل ما يتسابق فيه المُتسابقون، مدارسة كتاب الله ومداوَمة البحث فيه، والغوص عن لآلئه، والكشف عن علومه وحقائقه، وإظهار إعجازه وتجلية مَحاسنه، فالقرآن بحرٌ لا يدرك غوره، ولا تنفد دررُه، ولا تَنقضي عجائبه، فما أحق الأعمار أن تَفنى فيه، والأزمان أن تشغل به"[1].

• ما يعود على الباحث في بلاغة القرآن من نفع عظيم في جانب التحصيل العلمي؛ حيث يقوى أُسلوبه، ويستقيم لسانه، ويَهذب بيانه، والآيات القرآنية أبلغ شاهد في البلاغة؛ إذ لم يظهر علم البلاغة العربية إلا بعد البحث في القرآن الكريم، ولم يَرتق إلا في كنف الكتاب العزيز المُتفرِّد بالنَّظْم البليغ.

• إثراء المكتبة البلاغية بالدراسات التحليلية في القرآن الكريم، الذي لا يَنتهي فيه البحث، ولا يحدُّ لإعجازه حدٌّ.

• أن الإنشاء أحد شقَّي الكلام، وهذا الشقُّ يضم المباحث البلاغية التي فُصلت في الخبر، من تقديم وتأخير، وفصْل ووصْل، وذكْر وحذف، وتعريف وتنكير، وإيجاز وإطناب، وغير ذلك مِن المَباحث البلاغية، فالبحث في الجملة الطلبيَّة ليس محصورًا في أسرار الطلب فقط؛ لاشتماله على الفنون البلاغية والصور البيانية والبديعية أيضًا.

• أنَّ العلماء صرفوا جلَّ أنظارهم في الخبر، وبحَثوا في الإسناد الخبري، وفصَّلوا في مسائله، أما الأسلوب الإنشائي، فقد كان أقلَّ تفصيلاً منه عندهم لسبق الحديث عن الخبر.

أما الأسباب التي دعتني لاختيار سورة النمل دون غيرها مِن السور، فمنها:

أ - أنني لم أعثر على دراسة بلاغية لهذه السُّورة.

ب - احتواء سورة النمل على شواهد كثيرة في الإنشاء؛ حيث زادت مواضع الإنشاء عن تسعين موضعًا في السورة، ناهيك عن المواضِع التي جاء فيها الخبر بصورة الإنشاء أو العكس.

واحتواء سورة النمل على أساليب تتضمَّن: اقتلاع جذور الكفر والشِّرك مِن قلوب الكفار والمُشركين، وإرساء عقيدة التوحيد، وهذا بلا شكٍّ يَستلزم: ترغيبًا وترهيبًا، وتبشيرًا وإنذارًا[2].

ج - ما في الأساليب الإنشائية من ملاءمة للسور المكيَّة، وخاصة ما يتضمَّن منها القرون الخالية، وما كان في عهد النبوة، وغير ذلك، وكل ذلك كان مجالاً خصبًا للأساليب الإنشائية[3].

ولا يغيب عن البال والنظر ما للأساليب الإنشائية ومعرفة أسرارها البلاغية من أهمية؛ فالإنشاء أحد المباحث البلاغية في علم المعاني، وأساليبه متواترة في القرآن الكريم، فلا تخلو سورة من سور القرآن منه، بخلاف الفنون البلاغية الأخرى التي كثيرًا ما تَمتزِج به من بيان أو بديع.

أما عن الدراسات السابقة، فكما أسلفتُ بأنني لم أعثر على دراسة بلاغية في سورة النمل، وما وجدته من كتب مؤلفة أو رسائل متَّصلة بهذه السورة، فلا صِلة له بالبحث البلاغي المراد في السورة.

أما عن الأساليب الإنشائية في بعض السور، فقد سبَقَ هذا البحثَ رسائلُ في الأساليب الإنشائية؛ منها:

١ - الأساليب الإنشائية في سورتي النساء والمائدة وأسرارها البلاغية؛ للباحثة: أسماء السيد شعبان.

٢ - الأساليب الإنشائية في سورتي الأنعام والأعراف؛ للباحثة: زينب حسن محمد.

٣ - الأساليب الإنشائية في سورتي الأنفال والتوبة؛ للباحثة: آمنة علي عثمان.

٤ - أسلوب الإنشاء في سور المفصَّل، مِن سورة ق إلى آخر سورة الناس؛ لد. عبدالمحسن بن عبدالعزيز العسْكر.

خطة البحث:

أما خطة البحث التي سرتْ عليها، فهي كالتالي:

أولاً - التمهيد، وفيه مبحثان:

١ - الأساليب الإنشائية: (مفهومها، أنواعها).

٢ - سورة النمل: (سبب نزولها، موضوعاتها، مقصودها الأعظم).

ثانيًا - أربعة فصول، وهي:

الفصل الأول: (أساليب الاستفهام في سورة النمل)، وفيه ثلاثة مباحث:

١ - أدوات الاستفهام في السورة (تنوعها، دلالاتها، كثرتها وقلَّتها).

٢ - مدخول أدوات الاستفهام في السورة ودلالاتها البلاغية: (المسند إليه، المسند، القيد).

٣ - الأغراض البلاغية للاستفهام في السورة.

الفصل الثاني: (أساليب الأمر والنَّهي في السورة)، وفيه مبحثان:

الأول: (أسلوب الأمر)، ويتضمن:

١ - صيَغ الأمر في السورة: (أنواعُها، دلالاتها).

٢ - أنواع المُخاطب بالأمر في السورة.

٣ - الأغراض البلاغية للأمر في السورة.

الثاني: (أسلوب النَّهي)، ويتضمَّن:

١ - صيغة النَّهي: دلالاتها، والمخاطب بها في السورة.

٢ - الأغراض البلاغية للنهي في السورة.

الفصل الثالث: (أساليب النِّداء والتمني في السورة)، وفيه مبحثان:

الأول: (أسلوب النداء)، ويتضمن:

١ - ذكر الأداة وحذفها في السورة.

٢ - نداء العاقل وغير العاقل في السورة.

٣ - الأغراض البلاغية للنداء في السورة.

الثاني: (أسلوب التمني)، ويتضمن:

١ - أدوات التمني في السورة.

٢ - ما خرج من الأدوات إلى التمني في السورة، وبيان أسرارِه البلاغية.

الفصل الرابع: (أساليب الإنشاء غير الطلَبي في السورة)، وفيه مبحثان:

الأول: أنواع الإنشاء غير الطلبي في السورة، ويتضمَّن:

١ - القَسَم.

٢ - الترجي.

٣ - التعجُّب.

الثاني: الأغراض البلاغية للإنشاء غير الطلبي في السورة.

ثالثًا - الخاتمة، وفيها:

١ - صورة مجملة للبحث.

٢ - نتائج البحث.

٣ - الاقتراحات أو التوصيات.

رابعًا - الفهارس، وفيها:

١ - فهرس الآيات القرآنية.

٢ - ثبت المصادر والمراجع.

٣ - فهرس الموضوعات العامة.

كما قمت في الدراسة بالآتي:

١ - توزيع الآيات القرآنية في الفصول الخاصة بها، وإحصاء عدد شواهد كل نوع من أنواع الأسلوب الإنشائي، وترتيبها من حيث الكثرة.

٢ - جمع أقوال المفسِّرين وترتيبها بحسب الأسبق والأقدم، والموازنة بينها وترجيح بعضها ما أمكن.

٣ - تركيز التحليل والدراسة على موطن الأسلوب الإنشائي في الآية الكريمة بعد بيان مناسبة كل آية وعلاقتها بما قبلَها أو بما بعدها، ثم التعريج على النواحي البلاغية في كل آية في السورة بما لا يَقتصر أحيانًا على أسلوب الإنشاء.

٤ - الوقوف عند كل أسلوب من الأساليب الطلبية وبيان أسراره البلاغية في الآية التي جاء فيها.

٥ - ترتيب الآيات في البحث ودراستها بحسب ترتيبها في السورة وترقيمها، ما عدا المبحث الأول والثاني في الفصل الأول؛ حيث كان ترتيب الآيات بحسب الأدوات من حيث قلَّتها وكثرتها.

٦ - وضعت جدولاً إحصائيًّا لأساليب الإنشاء في السورة قبل خاتمة البحث.

٧ - كما اعتمدت في جمع المادة العلمية على كتب التفسير أولاً، وفي مقدَّمتها:

تفسير الكشاف للزمخشري، وتفسير البحر لأبي حيان، وتفسير البيضاوي للبيضاوي، وشروحه كـ: (حاشية شيخ زاده، وحاشية الشهاب، وحاشية القونوي، وحاشية ابن التمجيد)، وتفسير التحرير والتنوير، وغيرها.

كما اعتمدت على كتب البلاغة:

كالمِفتاح للسكاكي، والإيضاح وتلخيص المفتاح للقزويني، وشروح التلخيص، وفي مقدمتها: المختصر والمطوَّل والأطول.

ولا ريب بأن طريق البحث شاقٌّ يتطلب الجد والمثابرة والتفاؤل، والاستعانة بالله تعالى أولاً فهو المُعين والهادي، ثم السعي في الطلب من المصادر الموثوقة، وقد لقيت بعض الصعوبات في كتابة هذا البحث، منها:

١ - عدم اهتمام بعض المفسِّرين بالأغراض البلاغية العامة الدارجة عند البلاغيين للأساليب الإنشائية، مع كثرة اختلاف بعضهم حولها، وللتغلُّب على ذلك لا بدَّ من تتبُّع معنى الآية وعلاقتها بما قبلَها وما بعدها؛ لأنه قد يلمح بعض المُفسِّرين إلى الغرض من خلال تفسير معنى الآية، دون التصريح به.

٢ - تعدُّد الأساليب الإنشائية في الآية الواحدة؛ حيث تضمَّنت بعض الآيات أكثر من أسلوب، مما يتطلَّب ذكر الآية في كل موطن، فتأتي صعوبة التحرُّز من التكرار لبعض أقوال المفسِّرين، وللتغلب على ذلك يُكتفى بعد تحليل الشاهد البلاغي في الآية الإشارة فقط إلى وجود أسلوب إنشائي آخر في الآية؛ لأنه سيأتي تحليله في الموطن الخاص به.

٣ - تشابُه أقوال المفسِّرين، وللتغلب على ذلك رتبت أقوالهم بحسب الأسبق؛ تفاديًا للتكرار أو النقل من متأخِّر عن متقدم.

وأخيرًا، فإن البحث في بلاغة القرآن لا ينتهي بل يتجدَّد، وهذا جهد المقلِّ، فما كان صوابًا فمِن الله، وما كان خطأ فمِن نفسي والشيطان، وأعتذر عن كل خطأ أو تقصير.

وما الأمر إلا كما قيل: إنه "لا يكتب إنسان كتابًا في يومه، إلا قال في غدِه: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ كذا لكان يُستحسَن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا مِن أعظمِ العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقْص على جُملة البشر"[4].

وأحمدُ الله وأشكره أولاً وآخرًا على عونه وتوفيقه وتيسيره، كما أتقدَّم بالشُّكر الجزيل لكلية اللغة العربية وقِسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي على إتاحة هذه الفرصة العلمية وتيسر طريقها للدارسين والباحِثين، كما أتقدَّم بالشكر الجزيل لسعادة الشيخ: د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشعلان، المُشرف على هذه الرسالة، وأشكر كل من ساهم في قراءة هذه الرسالة وتصويبها ومناقشتها، وفي مقدمتهم، د. صالح الزهراني، ود. عبدالعزيز العمار، وأشكر والديَّ اللذَين أحسَنا لي تربيةً وتعليمًا، وأخلصا لي دعاء ونصحًا وتوجيهًا، وبذلا لي كل معروف في سبل العلم والخير، وأشكر خالي: إبراهيم بن عبدالعزيز السويلم - رحمه الله - وأشكر زوجي الشيخ: "تميم بن راشد الحوتان" الذي قدم يدَ العون لي في إعداد هذه الرسالة وإنهائها.

فجزى الله الجميع عني خير الجزاء، وأجزل لهم الثواب يوم الجزاء، آمين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

فهرس الموضوعات العامة