مركز بحوث المدينة المنورة حافظ التراث على مر العصور

للمدينة المنورة مكانة تاريخية ودينية بارزة عبر التاريخ الإسلامي، حيث رحل إليها طلاب العلم والعلماء، ووفد إليها الحجاج والمعتمرون، وكتب فيها وعنها الكثيرون على مدى العصور؛ ولذا فقد أنتجت المدينة تراثًا فكريًّا وثقافيًّا وحضاريًّا، توزَّع عبرَ المكتبات ودورِ الوثائق والمخطوطات؛ ولهذا السبب فقد أنشئ مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة لينهض بمهمة حفظ تراث المدينة المنورة، وجُعل وقفًا خيريًّا ليظل صرحًا علميًّا رائدًا.

النشأة والأهداف:
نظرًا لما للمدينة المنورة من مكانة متميزة في القلوب؛ فهي عاصمة الإسلام الأولى، ومنطلق الدعوة والفتوحات إلى أقطار الأرض، وموطن ثاني الحرمين الشريفين - المسجد النبوي، ومثوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونظرًا لما للمدينة المنورة من تراث حضاريٍّ عريق، وخاصةً في الميادين العلمية والاجتماعية.

فقد نبغ فيها علماء كثيرون، ورحل إليها علماء كثيرون، من مشارقِ الأرض ومغاربها، تمثلت فيهم وحدة الثقافة الإسلامية، إلا أن هذا التراثَ عانى من التشتت، حيث توزَّعت الكتب والمخطوطات والوثائق في أنحاء العالم بلغات عديدة، فنشأت الحاجة الشديدة لجمع هذا التراث وحفظه، من خلال إنشاء هيئة مختصة بهذا التراث تقوم بتدريسه للأجيال الحاضرة والقادمة؛ لذلك فقد أنشئ مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، بناءً على الوقف الخيري المؤبَّد الذي أوقفه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد، بموجب الصكِّ الشرعيِّ الصادر عن المحكمة الشرعية الكبرى بالمدينة المنورة، برقم 18/11، في 27 محرم 1418هـ / 3 يونيو 1997م، وتولى الأمير عبدالمجيد رئاسةَ مجلس إدارة المركز حتى تولِّيه إمارة مكة المكرمة في 15شعبان1420هـ / 23 نوفمبر 1999م، ثم تولى الأمير مقرن بن عبدالعزيز رئاسة المجلس، حتى 19 رمضان 1426هـ / 22 أكتوبر 2005م، وخلفه الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز حتى اليوم.

ويسعى المركز لتحقيق الأهداف التالية:
1- جمع المعلومات عن المدينة المنورة في اللغات المختلفة من مختلف المصادر وأوعية المعلومات؛ كالكتب، والمقالات، والبحوث، والوثائق، وحفظها والتعامل معها بمختلف الوسائل الملائمة.
2- إعداد ونشر البحوث والدراسات المنهجية الجادة - التي تتميز بالأصالة والدقَّة والتوثيق العلمي - عن المدينة المنورة، وجوانب الحياة فيها قديمًا وحديثًا، وتحقيق تراثها المخطوط، ورصد التطورات المستجدة دائمًا.
3- تقديم خدمات المعلومات الموثقة لمراكز البحوث، والباحثين، ولمن يستفيد من المعلومات، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، وسواء تم ذلك بالطريقة العادية أم بالطرق المستحدثة، كشبكات الاتصالات المحلية والعالمية.

ويتَّبع المركز في سبيل تحقيق هذه الأهداف العديدَ من الوسائل، ومن أهمها: إنشاء مكتبة متخصصة، إنشاء قاعدة معلومات بالحاسب الآلي، إصدار دائرة معارف عن المدينة المنورة تُجدَّد كلَّما دعت الحاجة إلى ذلك، إصدار دوريات علمية متخصصة ونشرات، إعداد خرائط ومصورات ومجسمات تمثل المدينة المنورة في مختلف العصور التاريخية، إقامة محاضرات وندوات ومؤتمرات عن المدينة المنورة، استخدام الوسائل التقنية المتقدمة لجمع المعلومات ونقلها، كما يقوم المركز بالاستعانة بالخبراء والباحثين المتخصصين من داخل المملكة وخارجها، والتعاون مع مراكز البحوث والدراسات المشابهة.

الهيكل التنظيمي:
يتكون مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة من مجلس الإدارة، والمدير العام، والمجلس العلمي، ومجموعة من  الأقسـام العلمية، إضافةً إلى الأقسام الإدارية، ويعدُّ مجلس الإدارة هو المرجعَ الأعلى للمركز ويضم عشرة أعضاء، أما المجلس العلمي فيضم سبعة أعضاء، ويختصُّ باقتراح الخطة السنوية للنشاط العلمي للمركز، واقتراح البحوث والدراسات التي يُكلف بها باحثون من خارج المركز، وكذلك يختص بتقويم الأعمال العلمية التي يريد المركز إصدارها، وتقديم تقريرٍ بشأنها إلى مجلس الإدارة، ويضم المركز أربعة أقسام علمية رئيسة وهي:
قسم البحوث والترجمة:
الذي يختص بإعداد الكتب والموسوعات والبحوث، والدراسات والتقارير، وترجمة ما يحقق أهداف المركز.

قسم قاعدة المعلومات:
ويختص بتلقي المعلومات المتعلقة بأهداف المركز ومجالات عمله، وتصنيفها وتوثيقها، وتخزينها في أجهزة الحاسب، وجعلها في متناول الباحثين والجامعات والمراكز المتخصصة، ويتبع هذا القسم مكتبة متخصصة، ومركز للحاسب الآلي، ووحدة للصيانة.

قسم المخطوطات والوثائق:
ويختص هذا القسم بجمع المخطوطات والوثائق أو صورها عن المدينة المنورة حيثما وجدت، ويهتم بحفظها ودراستها، وإعداد فهارس عامة وفهارس تفصيلية عنها، وتحقيق المخطوطات التي يتقرر تحقيقها في المركز، وإخراج دراسات من واقع الوثائق التي يقتنيها.

المكتبة:
تتبع الأقسام العلمية مكتبة متخصصة بكتب المدينة المنورة ومصادر دراستها، وفيها قسم خاص للمؤلفات بغير اللغة العربية، وتستقبل المكتبة - إضافة للعاملين في الأقسام العلمية -الباحثين والمراجعين من خارج المركز.

كما يشمل المركز عدة أقسام إدارية ومالية، وأهمها قسم الشؤون المالية والإدارية، وقسم النشر والإعلام، وقسم العلاقات العامة.

إنجازات المركز:
حقق مركز دراسات المدينة المنورة على مدى السنوات السابقة العديد من الإنجازات، ومن أهمها:
إنشاء مكتبة عن المدينة المنورة، تجمع الكتب المتخصصة فيها والمصادر والمراجع التي تحوي معلوماتٍ عنها، وإنشاء قاعدة معلومات بالحاسب الآلي عن المدينة المنورة في مطلع العهد السعودي، تتضمن معلوماتٍ وافيةً عن مساجدها وأسواقها وشوارعها، وأزقتها وبيوتها وأسوارها، وبساتينها وحماماتها وسكانها، وأعلامها وأحداثها التاريخية والنشاطات الحيوية مثل: التعليم والصحة والصناعة، والتجارة والزراعة والخدمات الفندقية، والمواصلات والاتصالات والجمعيات، والأندية والعادات والتقاليد...إلخ، وتتصل هذه القاعدة بجهاز متطور يقدم عرضًا متميزًا بالصوت والضوء.

كما أنجز المركز موسوعة المسجد النبوي، تتضمن معلومات شاملة عن تاريخ المسجد النبوي وتطور عمرانه، وأهم الأحداث التي جرت في رحابه، وأشهر أعلامه من الشيوخ والإداريين، والخطباء والمدرسين، والأئمة والمؤذنين، وعن معالمه قديمًا وحديثًا بتفصيل وافٍ، ويُعد المركز لإصدارها مطبوعةً وفي برنامج حاسوبي.

كما قام المركز بإعداد برامج عن المدينة المنورة مسجلةً على أسطوانات ليزر، ومن أهمها: زيارة إلى المدينة المنورة، وموسوعة المدينة المنورة، وعمارة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ، والحجرة النبوية الشريفة، وغزوة أحد...، ويجري تسويقها بالتعاون مع مؤسسات محلية.

وفي المجال المرئي قام المركز بإعداد فيلم وثائقي إعلامي عن المدينة المنورة بعنوان "المدينة المنورة تاريخ وحضارة"، بسبع لغات هي: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، التركية، الإندونيسية، الأردية، الفارسية، مسجل على أشرطة فيديو وأسطوانات ليزر.

كما تم جمع 248 مصورة ورقية وفيلمية لمخطوطات عن المدينة المنورة، إضافةً إلى جمع صور لمائة ألف وثيقة عثمانية من فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في المدينة المنورة، وثلاثة آلاف وخمسمائة وثيقة عن المدينة المنورة من مراكز وثائقية داخل المملكة وخارجها، والبدء في فهرستها وتصنيفها وإدخالها في الحاسب الآلي.

وقام المركز - أيضًا - بـاستخراج المعلومات المدونة عن المدينة المنورة من 600 كتاب، وتصنيف هذه المعلومات، وإدخالها داخل قاعدة المعلومات في الحاسب الآلي، وكذلك إعداد برنامج "الحافظة" لحفظ صور الوثائق، وفهرسة المعلومات الواردة فيها، وتيسيرها للباحثين.

وفي مجال الترجمة، قام المركز بترجمة ثلاثة كتب من الإنجليزية هي: "الحج إلى مكة"، "رحلات إلى بلاد العرب" (قسم الرحلة إلى المدينة)، "رحلة إلى المدينة"، كما تمت ترجمة ثلاثة كتب من اللغة التركية الحديثة والقديمة: "آخر الأتراك في ظل نبيِّنا"، "الدفاع عن المدينة"، "رسالة طيبة الأذكار في وصف المدينة" عام 1206هـ.

جهات معاونة:
واستكمالاً لمشروعات خدمة تراث المدينة المنورة، قام المركز - بالتعاون مع جهات أخرى مثل: مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة، ووقف مدرسة بشير آغا - بتنفيذ مشروع لفهرسة المخطوطات، حيث تمَّ في هذا المشروع فهرسة وتصنيف المخطوطات الموجودة في مكتبة بشير آغا الأثرية، ويبلغ عدد عناوينها الرئيسة 1180 عنوانًا، تتضمن مخطوطات مفردة، ومجاميع تحوي رسائل وكتبًا عدة باللغات العربية والفارسية والعثمانية، وقد بلغ عدد الكتب والرسائل التي تتضمنها 1828 كتابًا ورسالة، وصدر المشروع في كتاب وأسطوانة ليزر.

كما تمت فهرسة المخطوطات الموجودة في الخزانة الهاشمية الخاصة، التي أسسها السيد جعفر بن حسين آل هاشم الحسيني، وذلك بالتعاون مع ناظر المكتبة السيد هاني آل هاشم، وبلغ عدد عناوين مخطوطات المكتبة مائة وثلاثة عناوين.

كما أنجز المركز - بالتعاون مع أمانة المدينة المنورة وبتمويلها - مجسَّمًا كبيرًا للمدينة المنورة في مطلع العهد السعودي (1345هـ/1925م) مساحته 45م2، يمثل الحالة العمرانية للمدينة المنورة في ذلك الوقت، وما تتضمنه من تراث يرجع إلى العصر العباسي والمملوكي والعثماني، وتكفلت أمانة المدينة المنورة بتمويل تكاليفه.

وكذلك أنجز المركز - بالتعاون مع اللجنة التنفيذية لتطوير المنطقة المركزية بالمدينة المنورة - مجسَّمين للمنطقة المركزية، يُظهر الأول حالتها قبل التطوير، ويُظهر الثاني شكلها بعد التطوير، وجُهِّز المجسمان بشبكة إنارة داخلية متصلة بجهاز تحكم بالحاسب الآلي، وبقاعدة بيانات تقدم معلومات وافية عن أهم المعالم الموجودة على المجسم.

وفي الوقت نفسه أنشأ المركز وحدة للإنتاج والتسويق، تتولى تمويل وتسويق مشروعات المركز الثقافية والإعلامية والسياحية، المتعلقة بالمدينة المنورة مثل: الكتب والبرامج الحاسوبية، والأشرطة الصوتية والمرئية والهدايا، وأقامت مراكز للتوزيع في المنطقة المركزية حول المسجد النبوي؛ لتكون عائداتها رافدًا من روافد ميزانية المركز، كما أنشأ "نادي الإنترنت" لخدمة الجمهور، كما أنشأ المركز موقعًا إلكترونيًّا باسم شبكة المدينة madinahnet.net، وتعد أكبرَ موسوعة معلوماتية لمدينة على شبكة الإنترنت، تقدم معلومات تاريخية وإدارية ودينية وسياحية، وتتضمن قاعدة معلومات خاصة بالمسجد النبوي، وبثًّا للخطب والدروس وقراءات الأئمة، كما أنشأ المركز موقعا إلكترونيًّا خاصًّا بالمركز باللغتين العربية والإنجليزية.

ندوات ومعارض:
عقد المركز العديد من الندوات للتوثيق الميداني لأهمِّ أحداث السيرة النبوية، من بينها ندوات خاصة بغزوة بدر وأحد والأحزاب، شارك فيها أساتذة من جامعات المملكة، وباحثون آخرون في الحديث والسيرة والتاريخ والجغرافيا والإستراتيجية العسكرية، وبناءً على هذه الندوات تمّ إنجاز مشروعات للتوثيق الميداني لغزوة بدر، وخرائط للطريق  الذي سلكه جيش المسلمين وجيش المشركين، ومكان المعركة، وشهداء بــدر، وفي مشروع التوثيق الميداني لغزوة أحد تضمن النصَّ التاريخي الموثق لأحداث الغزوة، وخرائط تعتمد على الرفع المساحي، وصور الأقمار الصناعية، وبرنامجًا حاسوبيًّا، ومجسمًا بقياس 1/700، كما تم تنفيذ مشروع التوثيق الميداني لغزوة الأحزاب، وتضمن النصَّ التاريخي الموثق لأحداث الغزوة، وخرائط تُبيِّن مكان الخندق، وطوله، وأماكن معسكر المسلمين، ومعسكر المشركين.

وبدءًا من أول صفر 1423هـ / 13 أبريل 2002م، أصدر المركز مجلة فصلية محكّمة، متخصصة في قضايا المدينة التراثية والمعاصرة، بعنوان "مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة"، صدر منها أكثر من خمسة وعشرين عددًا.

وأقام المركز العديد من المعارض، من أهمها:
معرض السيرة النبوية، بالتعاون مع المؤسسة العالمية للإعمار والتنمية بالرياض، وآخر بالتعاون مع مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالأحساء، ومعرضًا بالتعاون مع سوق بني النجار الثاني في جدة، كما أقام معرض تاريخ المسجد النبوي عبر العصور، ومعرضًا دائمًا لمركز بحوث ودراسات المدينة في عمارة الداودية بالمدينة المنورة، وتضمنت المعارض أجنحة تقدم باللوحات الإلكترونية والأفلام والمجسمات عرضًا مركَّزًا لأهم أحداث السيرة النبوية في العهد المدني، منذ هجرته - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة حتى وفاته.

المصادر:
1- مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة،  العدد الأول،  تقرير عن مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة: مسوغات إنشائه - أهدافه - هيكله الإداري - إنجازاته.
2- مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، مجلة منار الإسلام، عدد فبراير 1999م.
3- الموقع الإلكتروني للمركز WWW. Al-madinah.org.