521 مخطوطة أثرية تكسبها قيمة خاصة .. مكتبة زايد للبحوث منارة فكر وعلوم وتراث

521 مخطوطة أثرية تكسبها قيمة خاصة

مكتبة زايد للبحوث منارة فكر وعلوم وتراث

في مكان يحيطه البحر من ثلاث جهات، يقع مركز زايد للتراث والتاريخ ببنائه التراثي، الذي ينسجم مع ما في محيطه؛ حيث تظهر بعض السفن القديمة، التي تحكي بعض قصص أبوظبي، ويتبع المركز بإدارته نادي تراث الإمارات، وفي أحد مبانيه توجد مكتبة زايد التي تُكرِّس من خلال كتبها لمفهوم التراثي الخليجي والعربي.

هناك قصة طويلة لإنشاء المكتبة، بدأت منذ أوائل الثمانينات في القرن الماضي، ذلك عندما انفصلت بإدارتها عن لجنة التراث والتاريخ التي كانت تابعة للمجمع الثقافي، وانتقلت إلى مركز زايد للتراث والتاريخ في مدينة العين، ومن ثَمَّ انتقلت المكتبة من جديد في العام 2000 إلى مركز زايد للتراث والتاريخ في أبوظبي.

وبعد أن استبعدت بعض الفروع التي كانت تضمها؛ مثل: بعض مجالات العلوم الدينية، الرياضيات، الفيزياء والعلوم، اقتصرت محتويات المكتبة على الموسوعات بصفة عامة، وأيضًا على كل ما يتعلق بالأدب والتاريخ إلى جانب قسم خاص بالمخطوطات.

إصدارات:

وفي المكتب الذي لا يختلف عن باقي أروقة المكان؛ حيث تبرز الأعمدة الخشبية والمصنوعات النحاسية والخشبية المنجزة بدقة، يجلس الدكتور راشد أحمد المزروعي مدير مركز زايد للدراسات والبحوث، وفي أول حديثه يكشف عن التميز والاختلاف في مكتبة المركز، والتي تشمل العديد من الإصدارات؛ قال المزروعي وهو يحمل الأطلس الخاص بأنواع النخيل: "هذا الأطلس هو من تأليف حسام حسن علي غالب، أستاذ مساعد في جامعة الإمارات، يحتوي على جميع أنواع النخيل المعروفة على مستوى دولة الإمارات والجزيرة العربية، وهو من إصدار نادي تراث الإمارات".

ويضيف: "لدينا في المركز قسم خاص بالنشر، وبلغ عدد إصدارات مركز زايد للتراث والبحوث 180 إصدارًا، تحتوي على جميع كتب التراث، والألغاز الشعبية والعمران..، واستهدفنا جانبين في دراساتنا؛ الأول هو كل ما يتعلق بالتراث الخاص بدولة الإمارات، والثاني يتخصص في كل ما يتعلق بالوطن العربي؛ ولهذا جاءت الكتب على مستويين: محلي وخارجي".

ويلفت المزروعي إلى أن المؤلفات في المكتبة يبلغ عددها 6000 آلاف كتاب، باللغتين العربية والانجليزية، وأشار إلى أنه يعد مركز زايد للدراسات والبحوث، إحدى الهيئات التابعة لنادي تراث الإمارات الذي يترأسه سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، والنادي موزع إلى أقسام، منها: التراث المادي، والتراث المعنوي (الذي يمثله المركز).

ويتابع: أصدر المركز الكثير من الكتب التي توثق التراث الشعبي، من ألغاز وأمثال شعبية من عادات وتقاليد، وحكايات الشعبية، وأيضًا عن الإبل، وبالنسبة للشعر أصدرنا حوالي 55 ديوانًا لمختلف الشعراء في الإمارات؛ مثل: ابن عتيق الهاملي، الكندي والجمري، علي بن محمد الشامسي.

ويوضح مدير المركز طبيعة العمل وآلياته في المكتبة والمركز عمومًا: "نعتمد خطة عمل إصدارات سنوية، وبالنسبة للخطة القادمة، فلدينا مشروع إصدار عدد من الدواوين الشعبية، إضافة لعشر دراسات في التاريخ الاجتماعي لإمارة أبوظبي، كتاب دلالات المكان في الشعر الجاهلي، وهو يتعلق بالتراث العربي، كتب للدكتور عبدالله الطابور".

مشاركات:

يشارك المركز، والمكتبة من ضمنه في جميع المعارض الداخلية، يتحدث راشد أحمد المزروعي عن ذلك: "يأتي في مقدمة هذه المعارض التي نحرص على الاشتراك فيها: معرض أبوظبي الدولي للكتاب، معرض الشارقة، معارض الكتب في العين والإمارات الشمالية، ومعارض مصغرة في المدارس، المعارض في جامعات: دبي والحصن وغيرهما، وأيضًا في حال طُلِب منا من قِبَل أيٍّ من تلك الجهات كتاب محدد، نوفره لها.

ولا بد أن ألفت هنا إلى أنه تنبع أهمية إصداراتنا من أهمية إنشاء نادي التراث بتوجيهات من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورئاسة سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، ونحرص في ماهية أعماله ورؤاه على صون تراث الإمارات. والتركيز على تبني آليات ورُؤى عمل تفيدنا في تمييز أجدى طرق الحفاظ على هذا التراث الغالي، عن طريق تعريف الأجيال الحاضرة به بشكل خاص كذلك فإننا ولهذا الغرض نشارك في معارض الكتب وننشر الكتب التراثية في المدارس.

وآثرنا في هذا السياق أن نكون متخصصين، ضمن طبيعة محتويات المكتبة في الكتب التراثية والتاريخية، ذلك بهدف رفد السياحة بعناصر ومفردات تراث الإمارات، وكذا تراث جميع دول الخليج، وهذا طبعًا إلى جانب إحياء تراث بعض الدول العربية، وتوفيرها للباحثين عن مصادر التراث، إلى جانب القسم الخاص بالدوريات والمجلات".

خطة توسع:

وكشف المزروعي لـ"بيان الكتب" عن مشروع خطة لتوسيع المكتبة، ويقول في هذا الصدد: "قدمنا خطتنا لسمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، وجوهرها إنشاء مبنى خاص للمكتبة في المركز نفسه، مجهز بكل الأنظمة الحديثة الخاصة بالمكتبات، كذلك لدينا خطة لإقامة فرع للمكتبة في مركز المدينة، من أجل خدمة الطلاب".

تنوُّع تراثي:

يقول بدر الأميري مسؤول المكتبة عن طبيعة خدمات المكتبة: "جميع الكتب الموجودة في المكتبة، متاحة عادة لأصحاب العلم الباحثين والطلبة، ورواد المكتبة، وفي الغالب هم من مستويين: طلبة إعدادي وثانوي، باحثين، وبالنسبة لطلبة المرحلة الإعدادية، فنحاول أن نزوِّدهم بما يفيدهم من كتب من التراث الموجودة، وأحيانًا نصور لهم أجزاءً من المكتب لمساعدتهم في إتمام أبحاثهم".

ويتابع: نكاد نكون حاليًّا اقتربنا من نسبة الـ 90% من الكتب عن تراث دولة الإمارات من الألغاز والألعاب الشعبية، والأفلاج والإبل والحكايات الشعبية، في طبيعة المؤلفات الموجودة في المكتبة، وأخيرًا حصرنا كل ما كتب عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان باللغتين العربية والإنجليزية في ببلوغراغيا مستقلة، وسنواصل رصد ما كتب عن المغفور له الشيخ زايد في أي دراسة أو كتاب.

وعن أهمية وجود مكتبة إلى جانب قسم خاص بالنشر، يقول الأميري: "نعرف عادة المواضيع التي تطبع، ولهذا فربما نعمل على توسيع نوعية مواضيع، أو إضافة مواضيع جديدة لا تتوافر لدينا في المكتبة..، وأنا أوَد هنا تحفيز وتشجيع كافة أفراد الجمهور لزيارة المكتبة والمركز؛ إذ سيجنون بذلك فوائد فكرية ومعرفية، لا تقدر بثمن".

مخطوطات:

ويحكي محمد حمادي مسؤول قسم المخطوطات في المكتبة عن المخطوطات المتوافرة فيها: "لدينا 521 مخطوطة، منها أكثر من 80 مصحفًا شريفًا، والباقي يتوزع على علوم المعرفة المختلفة في المذاهب والطب، وما إلى ذلك.

وأقدم مخطوط لدينا هو عن القرآن الكريم، يعود إلى العام 700 م، ووقعنا اتفاقية مع مركز جمعة الماجد لصيانة هذه المخطوطات بصورة دائمة ودورية، وتوفير مكان مناسب لإبعادها عن الرطوبة والشمس لحفظها، ولدينا قسمان: الأول مخصص للحفاظ على التراث، والثاني لشرح كيفية تحقيق المخطوطة للباحثين الذين يأتون من دول الخليج المختلفة، وكثيرًا ما نحاول أن ندعمهم من ناحية المعلومات، ونحاول أن نسعى لتقديم جرعة معرفية واعية للباحث، بدءًا من عنوان هذه المخطوطة، وغير ذلك من أوجه وآليات العمل في الخصوص.

ويضيف: بالنسبة للطلبة نشرح لهم بشكل ميسر عن الفرق بين المخطوط والكتاب المطبوع، وكيف كانت بدايات الخط، وكيفية وصوله إلى ما وصل إليه الآن، أما بالنسبة للمخطوطات، فأغلبها محقق، ونحن نبحث عن التراث المفقود، وهذه المخطوطات ذات قيمة مهمة.

متحف الشيخ زايد:

يتضمن المركز إلى جانب المكتبة، وفي أحد مبانيه: "متحف الشيخ زايد"، ويتحدث الدكتور راشد المزروعي مدير مركز زايد للدراسات والبحوث عن محتويات المتحف: "يشتمل على جميع صور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والكثير من المقتنيات، مثل:

السيارات، الأوسمة والشهادات التي حصل عليها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان من رؤساء الدول الأخرى، ومقتنيات شخصية، ونشارك ببعضها في المعارض، وخاصة الصور القديمة؛ إذ لدينا ما يفوق 5 آلاف صورة موثقة، وكثيرًا ما نعرضها في جناح خاص عند مشاركتنا في معارض الكتب".

"مسالك الأبصار" موسوعة في 27 مجلدًا:

من بين الكتب المهمة التي تحتوي عليها المكتبة، "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"؛ لابن فضل العمري، المعروف بشهاب الدين أبي العباس أحمد بن يحيى، والكتاب من أبرز ما صنف في العهد المملوكي، ووضعه مؤلفه في 27 مجلدًا، فكان موسوعة فيه من صنوف المعرفة الكثير الكثير؛ كالفلك والجغرافيا الطبيعية، والجغرافيا البشرية، والأنساب والتاريخ.

وحتى قال عنه ابن أيبك الصفدي، أحد معاصري ابن فضل الله العمري، إنه لم يؤلف مثله، وبحسب علم الناشر فإن معظم مجلداته، طبع في فترات متلاحقة ومن جهات عديدة، لكن السفر الأول هو بقسمين، نشر القسم الأول في مصر عام 1924، وأصبح نادر الوجود، أما القسم الثاني فلا يزال مخطوطًا، ولهذا أعاد تحقيقه طلال زهير هاشم، وعلي زهير هاشم تحقيقًا علميًّا.

"ديوان امرئ القيس" 200 بيت لم تُنشر من قبلُ:

في هذا الكتاب الذي أصدره مركز زايد للتراث والتاريخ والذي جاء بعنوان، ديوان امرئ القيس وملحقاته بشرح أبي سعيد السكري المتوفى سنة 275 هـ، نشر واحد من الشروح الرائعة لديوان امرئ القيس، وفيه جمعت روايات العلماء في مرحلة الأصالة في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وهو من أهم شروح ديوان امرئ القيس سَعة وشمولًا، ودقة وعناية، وظل هذا الشرح بعيدًا عن متناول القارئ العربي، وظن كثيرون أنه ضائع لا محالة، إلى أن قام باحثان مُنقِّبان لهما خبرة في التراث القديم، وهما الدكتور أنور أبو سويلم، والدكتور محمد الشوابكة بهذا العمل عندما عثرا على نسخة فريدة من شرح السكري، وهو ما يطلع عليه العلماء المعاصرون، وبذلا ثلاث سنوات من العمل الشاق الدؤوب في تحقيق النص وضبطه ومراجعته وتوثيقه، وكشفا عن مائتي بيت جديد لامرئ القيس لم تنشر في الطبعات السابقة من ديوان امرئ القيس.

المصدر: مجلة البيان؛ نشرت: 17 يناير 2014.