الدراسات الأدبية في مصر وأثرها على تجديد الشعر وتوجيهه حتى نهاية الحرب العالمية الأولى

ملخص الرسالة

الدراسات الأدبية في مصر

وأثرها على تجديد الشعر

وتوجيهه حتى نهاية الحرب العالمية الأولى

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد بن عبدالله.

وبعدُ:

معظم الدارسين والمؤرِّخين ألَمُّوا بعوامِل نهضة الأدب - شِعره ونثره - مختَلفين بين مَن أجمل هذه العوامل أو فصَّلَها تفصيلاً، بل إنَّ منهم مَن أفرد هذا العامل أو ذاك بكتابٍ مستقل؛ كالتعليم والترجمة... إلخ.

لكنَّ أثر هذه العوامل على الأدب ليس مباشرًا؛ كالدراسات الأدبيَّة التي اتَّجهت إلى الشعر والنثر وصفًا وموازنة ودرسًا لكافَّة خَصائصها ومُقوماتها، ودعوة لإضافة فُنون جديدة تقتَضِيها طبيعة التطوُّر.

ومن هنا قامَت الدراسة على اعتماد المنهج التاريخي التحليلي، واشتملت على جانبين:

الأول: التيار التراثي:

أ) الدراسات الأدبية وأهم محاورها.

ب) آثار هذه الدراسات على الشعر.

ج) آفاق التجديد في شعر التراثيين.

الثاني: التيار الوافد:

أ) المحاور التي دارت حولها هذه الدراسة.

ب) الحوار بين أصحاب هذا التيار والتيار التراثي.

ج) أثر هذه الدراسات على الشعر الحديث.

وقد خرجت الدراسة بمجموعةٍ من النتائج أجملها فيما يلي:

1- إنَّ شُعراء التيار التراثي مجدِّدين ومحافظين في آنٍ واحد قد أخَذُوا من الجديد بحيطة وحذَر، فنجد المسرحية الشعرية عند أحمد شوقي، والقصة الشعرية عند خليل مطران.

2- إنَّ هؤلاء الشعراء يُدرِكون المسؤوليَّة الملقاة على عاتقهم، وهي حِفظ التراث.

3- إنَّ شعراء التيار الوافد الذين دعوا إلى التخلُّص من القافية، رجعوا عن رأيهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.

4- إنَّ إدماج الطبيعة ليس جديدًا، بل له جذور في التراث.

5- إنَّ الفنون الأدبيَّة التي دعوا إلى النظم فيها نظَم فيها شعراء التيار التراثي.

المقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعدُ:

على الرغم من قُرب العهد بالأدب العربي الحديث، ومن اطراد المؤرخين والدارسين له إدراكًا لعظم أهميَّة هذا العصر الذي تستعيد فيه الشخصيَّة العربيَّة ذاتها ومقوماتها في خضمِّ التيَّارات العالمية السياسية والثقافية والأدبية، على الرغم من كثْرة مؤرخيه ودارسيه الذين يتعقَّبون تيَّاراته (المشتجرة) المتداخلة والمعقَّدة، إلا أنَّه ما زال مشتملاً على آفاقٍ تحتاج إلى مَن يُروِّدها، ويستبطن مكوناتها، ويربط بين أسبابها ومسبباتها، ويتقصَّى شواردها، ويتعرَّف على متجهاتها ما بين ظواهر فنيَّة، أو شخصيَّات مغمورة، أو موضوعات مطويَّة في بطون الدوريات والصحف التي بلغتْ منتهى القرن التاسع عشر زُهاء ثلاثمائة صحيفة، مستوعبة معظم النشاط الثقافي والأدبي؛ حيث كان تأليف الكتب على مدى القرون نادرًا أو قليلاً، بل إنَّ معظم ما ظهر منها كان قد نشره أصحابه على صُدُور الصحف والدوريات ثم جمع.

وسنظلُّ وفاءً لهذا الأدب واستكمالاً له في حاجة ماسَّة لاستكشاف هذه الآفاق في هذه الحقبة التي اخترتها ميدانًا للبحث، والتي كانت بمثابة الجذور للأدب الحديث في كلِّ الأقاليم العربيَّة.

معظم الدارسين والمؤرخين ألَمُّوا بعوامل نهضة الأدب - شعره ونثره - مختلفين بين مَن أجمل هذه العوامل أو فصَّلها تفصيلاً، بل إنَّ منهم مَن أفرد هذا العامل أو ذاك بكتابٍ مستقل؛ كالتعليم والترجمة والطباعة والصحافة... إلخ.

ولا أنكر أنَّ هذه العوامل جميعها ينتهي أثرها من خِلال الفرد والمجتمع إلى الحياة الفكريَّة والأدبيَّة، لكنَّ أثرها على الأدب ليس مباشرًا بقدر ما للدراسات الأدبيَّة التي اتَّجهت إلى الشعر وإلى النثر، وصفًا وموازنة ودرسًا لكافَّة خَصائصها ومقوماتها، ودعوة لإضافة فنون جديدة تقتضيها طبيعة التطوُّر.

ومن المصادَفات الحسنة أنَّ طائفة قليلة محدودة من هذه الدراسات المباشرة اطَّلع عليها بعض الباحثين المعاصِرين، وأفادوا منها في مؤلفاتهم، وهي الدراسات التي واتَتْها ظروف مناسبة لكي تُنشَر على الناس في كتب، فلم يعف عليها الزمن، وبرز خطرها، وعرف لها الدارسون قدرَها وأثرَها.

وثَمَّ حشد هائل من هذه الدراسات الأدبية دفينةٌ في بطون الصحف والدوريَّات ما برحت تترقَّب مَن يدلُّ عليها، ويبرز أثرَها في تجديد الشعر وتوجيهه، ويُصحِّح بإظهارها بعض الأحكام الجائرة أو المبتسرة، أو يُتمِّم بها نقصًا في تاريخ الأدب.

تلك الدراسات التي قامَتْ حول الشعر في الزمن الذي حدَّدته هي التي جعلتها ميدانًا لبحثي أدرسها في ذاتها، كما أدرس أثرَها في تجديد الشعر وتوجيهه من حيث رسالته، وصوره وأخيلته، وأوزانه وقوافيه، ولغته وموضوعاته.

اعتمدت في إعداد هذا البحث على المنهج التأريخي التحليلي، وهو الذي يجمع بين التأريخ والتحليل.

قسمت البحث إلى كتابين تلحَقهما خاتمة وتسبقهما مقدمة، ثم أتبعت ذلك بفهرس، وقد قسمت كلَّ كتاب إلى عدَّة فصول حسب المادة المندرجة من كتابٍ إلى كتاب.

الكتاب الأول بعنوان: التيار التراثي:

ضمَّ هذا الباب ثلاثة فصول:

كان الفصل الأول التيار الترائي والدراسات الأدبية، ويتضمَّن أهمَّ المحاور التي دارَتْ عليها أهم هذه الدراسات من حيث طبيعة الشعر، والأغراض والمعاني، والأخيلة واللغة، والأوزان والقوافي.

بينما كان الفصل الثاني خاصًّا بآثار هذه الدراسات على الشعر من حيث الألفاظ والمعاني، والشعر الاجتماعي وشعر المقاومة ضد الاستعمار، واستِلهام التاريخ الإسلامي والفرعوني، والشعر الوجداني.

بينما كان الفصل الثالث يتناوَل آفاق التجديد في شعر التراثيين، وخاصَّة التجديد في الموسيقا والقصة الشعرية والمسرحية الشعرية.

أمَّا الكتاب الثاني:

فهو خاص "بالتيار الوافد": وقد قسمته إلى ثلاثة فصول:

كان الأول عن المحاور والآفاق التي شملَتْها الدراسات في هذا التيار الوافد.

والثاني كان خاصًّا بالحوار بين أصحاب هذا التيار وبين التراثيين.

بينما كان الفصل الثالث يتناول أثر هذه الدراسات على الشعر الحديث.

أمَّا الخاتمة فقد كانت تسجيلاً مركزًا لأهمِّ نتائج البحث.

وعلى الرغم من هذا كله فلا أزعُم أني أتيت بما لم تستطعه الأوائل، أو أني بلغت الكمال، فالكمال لله وحدَه.

خاتمة البحث

يهدف هذا البحث إلى تصحيح الحُكم على الشعراء الذين ولَّوا وجوههم شطرَ التراث، واستمدُّوا منه مُصحِّحين بذلك مَسارَ الشعر، والانتقال به من الضعف والركاكة إلى القوَّة والبيان، مُستشرِفين عصورَه الذهبيَّة معارضةً واحتذاءً.

لذلك حاولت الكشفَ عن محاولات التجديد التي قام بها هؤلاء الشعراء في الشعر الحديث؛ سواء في معانيه وألفاظه، أو خياله وأغراضه، أو موسيقاه وفنونه، وقد توصَّلت إلى عدَّة نتائج:

1- إنَّ هؤلاء الشعراء كانوا مُجدِّدين ومحافظين في آنٍ واحد؛ نظَرُوا إلى الآداب الأجنبية وأخذوا منها بحيطة وحذر، كما اعتمدوا على التراث؛ وذلك حفظًا لهذا التراث وهذه الأمَّة.

2- جدَّدوا في فنون الشعر؛ فنجد المسرحية الشعرية عند أحمد شوقي، والقصة الشعرية عند خليل مطران، وربط الذات وانفعالاته بالطبيعة عند مطران أيضًا.

3- إنَّ هؤلاء الشعراء يُدرِكون المسؤوليَّة المُلقاة على عاتِقهم وهي حفظ التراث، ولم يمنع هذا من اطِّلاعهم على الآداب الأجنبيَّة والاستفادة منها، فاطَّلع شوقي على شعر فيكتور هوجو ولاخونتين، وترجم قصيدة البحيرة له أيضًا مستمدًّا منها القصص الشعري، ولم يمنعهم ذلك من المحافظة على الذوق العربي الأصيل.

4- أمَّا الكتاب الثاني فيتحدث عن التيار الوافد، وعماده الأدباء والشعراء والنقاد الذين تأثَّروا بهذه الثقافة الوافدة وحاوَلوا تجديد الشعر على غِرارها؛ ومنهم: العقاد، وشكري، والمازني، وروحي الخالدي، وغيرهم كثيرٌ ممَّن استشرفوا الشعر الأجنبي، وحاوَلوا النظم على غِراره، وقد توصَّلت إلى عدَّة نتائج، هي:

أ) أنَّ هؤلاء الشعراء الذين دعوا إلى التخلُّص من القافية رجعوا عن رأيهم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بزُهاء عشر سنوات، ويرَوْن أنَّ الشعر العربي لا يكون جميلاً بدون القافية؛ لأنَّ العربية لغةٌ قياسيَّة رنَّانة.

ب) أنَّ إدمان الطبيعة في العواطف الذاتية لم يكن جديدًا كل الجدة، بل إنَّ لها آثارًا في الشعر التراثي.

ج) أنَّ الفنون الأدبيَّة الجديدة التي دعوا إلى النظم فيها نظَم فيها شعراء التيار التراثي وأجادوا فيها.

وهذه هي نتائج البحث الذي بذلتُ فيه ما أستطيع من جهد.

فهرس الموضوعات