الاتجاه الإنساني في أدب المنفلوطي

ملخص الرسالة

الاتجاه الإنساني في أدب المنفلوطي

ملخص الرسالة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد النبي المصطفى الأمين القائل: "وإن من البيان لسحرا".

وبعد:

فقد نشأت منذ حداثتي على شغف بالمنفلوطي، أقرأ أدبه فيهز أوتار قلبي، وأطالع قصصه فتشبع وجداني وأتصفح معانيه فتهش لها نفسي، ودفعني هذا التآلف المتصل إلى تحين الفرصة للتفتيش عن هذه المشاعر نحو هذا الأديب الذي ملك علي حواسي ومشاعري.

وبالأمس القريب قدمت إلى كلية العلوم بالقاهرة رسالة عن المنفلوطي لدرجة الماجستير، اهتم فيها الباحث بأدب المنفلوطي بصفة عامة غير أنه أغفل الاتجاه الإنساني في أدبه، ذلك الاتجاه الذي بدأ في أمثال قوله:

(الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محرومًا منها عاش في ظلمة حالكة).

(الشرف في كمال الأدب لا في رنين الذهب).

(ليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزون أو مفئود فتبتسم سرورًا ببكائك، واغتباطًا بدموعك لأن الدموع التي تنحدر على خديك في هذا الموقف إنما هي سطور من نور تسجل لك في تلك الصحيفة البيضاء أنك إنسان).

أجل ما أشد حاجتنا في هذا العسر الذي تخبطت فيه القيم الخلقية والحقوق الإنسانية في ظلمات المادة وضراوتها الوحشية، ما أحوجنا إلى ذراع قوية تأخذ بيديهما إلى ما فيه خيرهما وصلاحهما.

ولما عز المطلب وسما الهدف وجدت ضالتي في أدب المنفلوطي الإنساني الذي أغفله الباحث في رسالته.

وقد زاد كلفي به وإقبالي عليه، لما امتاز به من براعة في الأداء وقدرة على التعبير بأسلوب شائق برئ من الصنعة اللفظية التي كانت ترسف فيها الأساليب، أو مما اثقلها من حلي لفظية ضاع بين ثناياها سمو المعاني وفضيلة الأغراض فأصبحت لا قيمة لها في دولة الأدب، تلك الدولة التي حفلت بحساد المنفلوطي والحاقدين عليه، أولئك الذين كانوا كلما زادت شهرته وشع نوره وأقبل الناس عليه، ازداد حسدهم له وغيرتهم منه وكأنما غشيت أبصارهم من ساطع أنواره فلم تتبين الحقيقة التي آن الأوان لتأكيدها، ألا وهي طريقة المنفلوطي الجديدة وأستاذيته في فن التعبير، فما من أديب أتى بعده إلا وتفصح بلسانه وكان بيانه ثمرة بيانه.

أمام هذه الأسباب عقدت العزم على أن يكون:-

(الاتجاه الإنساني في أدب المنفلوطي) موضوع رسالتي لنيل درجة الماجستير، فلما تم لى ذلك، انشرح صدري وهش له قلبي وشعرت براحة من تحقق مأمله ودنت القطوف الشهية إليه، فجنى منها أحب الثمار وأطيبها، وكان هذا البحث وكانت هذه الرسالة، تلك التي استقرت في:

تمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة.

أفردت التمهيد للحديث عن الحياة الاجتماعية في عصر المنفلوطي من حيث أن أدبه قد مس شفاف المجتمع وجال في هذا المجال.

أما الباب الأول: فكان عن (حياته) وقد تحدثت فيه عن مولده ونسبه ونشأته ثم وفاته، كما تحدثت أيضًا عن أساتذته الذين تتلمذ على أيديهم وكان لهم الفضل في رعايته وتوجيهه.

وفي بيان روافد ثقافته تحدثت ما وسعني الحديث عن ثقافته الإسلامية، التي نبتت في رحاب الأزهر.

وانتقلت بعد ذلك إلى ذكر ظروفه الخاصة وما كان لهذه الظروف من أثر في تعاطفه مع المزروئين من الفقراء والبائسين.

ولم أغفل هنا الحديث عن أخلاقه، فأدبه من قبل وبعد رسالة خلقية لتهذيب النفوس وتقويم أخلاقها.

وإذا كان كل إناء بالذي فيه ينضح - كما يقولون - فلا شك أن نتاجه الأدبي كان ثمرة لهذه الأخلاق القويمة التي تأصلت على تعاليم الإسلام في كتاب الله وسنة رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- ذلك التأثر الذي أسفر عن أدب إنساني رفيع، وهنا أشرت إلى عاطفته الإنسانية التي ربطت إحساسه بإحساس بني وطنه، فاهتزت لكل ما يدور حولها من فقر وجهل ومرض فضلًا عن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

وأما الباب الثاني: فقد خصصته للحديث عن "أدبه" بصفة عامة شعرًا ونثرًا، وإن كان حظ الشعر فيه قليلًا، وقد بدأت هذا الباب بتمهيد عن الحياة الأدبية في عصره وما أصابها من ضياع وسقوط على النحو الذي ضاعت معه قيمة المعاني وأهدافها النبيلة وسط ظلمة حالكة وقيود سقيمة من الصنعة اللفظية وأنواع البديع التي هي من أذيال العصر العثماني.

وذكرت بعد ذلك كتبه سواء ما كان منها المؤلف كالنظرات والعبرات، أو ما قام بتهذيب ترجمته من روايات كالفضيلة، والشاعر، ماجدولين أو (تحت ظلال الزيزفون) أو (في سبيل التاج) فتناولتها بالتحليل وبيان المواقف الإنسانية فيها، ثم تناولت شخصيته الأدبية وأسلوبه بحديث بين ما امتاز به ذلك الأسلوب من خصائص وسمات استحق أن تكون له طريقة متميزة وهي (طريقة المنفلوطي).

وختمت هذا الباب ببيان موقف النقاد من أدبه ثم أدليت برأيي في هذا المجال.

أما الباب الثالث والأخير وهو بيت القصيد وما سبقه إن هو إلا تمهيد له، وقد أفردته للمظاهر الإنسانية في أدبه والتي بدت في:

1- مقالاته الاجتماعية.

2- عطفه على البائسين.

3- إنصافه للمظلومين.

4- حملته على الأغنياء وطبقة الحكام.

5- دعوته إلى التمسك بأهداب الفضيلة.

أما الخاتمة فقد قدمت فيها خلاصة للبحث تجمع ما تناثر من عناصره الأساسية وضمنتها ما توصلت إليه من نتائج اسفرت عنها الدراسة، وطاب لي بعد ذلك أن أذيل بحثي بمقترحات ربما يفيد منها من سار على الدرب بعدي.

ويجدر بي هنا أن أشير إلى أهم ما أعانني من مصادر ومراجع لإتمام هذه السيرة العلمية:

استعنت بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف كما جاء في صحيح مسلم بشرح النووي أو في سنن ابن ماجه وذلك لبيان مدى تأثير الكتاب والسنة على معاني المنفلوطي وألفاظه.

وعدت إلى بعض معاجم اللغة لتحديد معنى الشخصية والإنسانية لغة واصطلاحًا، فأافادني في ذلك لسان العرب، وتاج العروس، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط.

ولدراسة أدب المنفلوطي عدت إلى كتبه (المؤلفة، المترجمة).

واستعنت بعد ذلك بمؤلفات أخرى في الأدب الحديث وردت في موضعها من الرسالة.

أما عن الصعوبات التي واجهتني فهي:-

1- عدم توفر المراجع عن هذا الموضوع في مكتبة قسم الطالبات سواء كان ذلك في الجامعة هنا أم في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة ولم تسنح لي الظروف بالاستعانة بمكتبة البنين فيهما، وحبذا لو يسرت لنا الجامعة الرشيدة هذا السبيل فالطالبات أولى بالتيسير، أمام هذه الصعوبة في الحصول على المراجع حولي لم أجد بدًّا من القيام برحلة علمية إلى القاهرة فوجدت فيها ضالتي بعد أم عانيت ما يقرب من عامين في سبيل الحصول على مراجع للموضوع، فبحثت في العام الأول منها في مكتبات الأسواق فلم أجد فيها إلا القليل القليل الذي لا ينفع القليل.

ولما كان لابد لي من الوصول مهما بلغت مناعة الأسوار وشدتها، طوعت نفسي لارتياد المكتبات العامة ومكتبات الجامعات في القاهرة، فوجدت ما وجدته في مكتبة جامعة القاهرة، ومكتبة جامعة عين شمس، ومكتبة جامعة الأزهر، ومكتبة كلية دار العلوم.

أما معظم هذه المراجع فكانت من مكتبة دار الكتب المصرية التي قطفت من ثمارها كل ما سنحت لي به ظروفي في قطر غير قطري.

2- وهنا نقف قليلًا لنذكر مدى الصعوبة في الحصول على الدوريات القديمة إذ أن معظم ما كتب عن المنفلوطي كان في ثنايا صفحات المجلات والصحف التي وجدت منها ما وجدت وبلي منها ما بلي.

لهذه الاسباب ولأكثر منها كانت رحلتي شاقة شاقة قضيت فيها ثلاثة سنوات ذلل صعابها الإيمان القوي بقول الله تعالى:-

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30].

ثم رغبتي الصادقة في إصابة الهدف مهما كلفني ذلك.

ومن تكن العلياء همة نفسه فكل الذي يلقاه فيها محبب

فإن وفقت فذاك مأملي وغاية مطلبي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

وإلا.. فسلوني في ذلك شرف المقصد ونبل الغاية والله الهادي إلى سواء السبيل.

فهرس الموضوعات