أثر الدولة العثمانية في نشر الإسلام في أوربا

ملخص الرسالة

أثر الدولة العثمانية في نشر الإسلام في أوربا

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آلة وصحبة أجمعين ومن أهتدى بعداه إلى يوم الدين، وسبحانه الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.

أما بعد:

فإن الدولة العثمانية، كان لها دورها العظيم في حمل رآية الدين الحنيف، إلى جنوب شرق أوروبا، ورعايتها للمسلمين في تلك المناطق، وتوفير جميع السبل التي سهلت نشر الإسلام في أوربا، فالدولة العثمانية انبثقت من أمارة مغيرة في شرق الأناضول ولم تلبث أن اتسعت في قارات ثلاث وأصبحت دولة لها وزنها، وعملت على نشر الإسلام، بما قامت به من مجهودات عظيمة في ذلك المجال من بناء المساجد وكفالتها للحرية الدينية مما أدى إلى اتساع نطاق الإسلام.

ولذلك فإن اختيار موضوع (أثر الدولة العثمانية في نشر الإسلام في آوربا) لهذا الدراسة التي أتقدم بها لنيل درجة الماجستير له أهمية عظيمة لاسيما وأن المكتبة العربية تعاني من قلة ما كتب عن الدولة العثمانية في هذا المجال، إضافة إلى أم مثل هذه الدراسة ستلقى الضوء على كثير من المواقف والحقائق والمفتريات ضد الدولة العثمانية وتحليل تلك المواقف على أساس من الموضوعية والبعد عن الأهواء الشخصية.

وهذه الدراسة- التي أرجو الله أن أكون قد وفقت في اختيارها- تشتمل على أربعة فصول على النحو التالي:

الفصل التمهيدي: بعنوان "النشأة والتكوين" ويتضمن ثلاثة مباحث يتضمن الأول منها أصل الاتراك العثمانيين، وأقوال المؤرخين في ذلك كما جاء في الكثير من المصادر والمراجع العربية وغير العربية أما المبحث الثاني من هذا الفصل فيتعلق بإسلام العثمانيين وإسلام زعيمهم، ثم انتشار الإسلام بعد ذلك بين القبائل التركية ووصولهم إلى الاناضول- من أواسط قارة آسيا- تحت زعامة أرطغول واستقرارهم بها، ومن ثم عملهم على القيام بالفتوحات في شبة جزيرة الأناضول والجانب الشرقي من أوربا، وتمكنهم من فتح عدد من المناطق الخاضعة للدولة البيزنطية، والمبحث الثالث فهو بعنوان" العثمانيون يوسعون رقعة بلادهم" منذ تأسيس إمارتهم على يد السلطان العثماني، المؤسس الأول للدولة العثمانية، إلى اتساع الدولة على أيدي سلاطين آل عثمان وما قاموا به كم فتوحات في الأناضول وأوروبا حتى تطورت الإمارة الصغيرة إلى دولة واسعة ضمت ممالك متعددة في آسيا وافريقيا وأوروبا.

أما الفصل الذي يلي الفصل التمهيدي فهو الفصل الأول وهو بعنوان "الوجود الإسلامي العثماني في أوربا" ويتضمن أربعة مباحث الاول منها حول دخول الإسلام إلى شرق أوربا بطرق مختلفة، مثل طريق الرحلات التجارية إلى تلك البقاع، والفتوحات العثمانية، أما المبحث الثاني فهو عن الأوضاع السائدة في المناطق الأوربية" مثل تفكك الوحدة السياسية في البقان والحروب بين مقار الأمراء على الحكم وانهيار البنيان الاقتصادي والاجتماعي في تلك البلاد والمنافسة الدينية التي كانت على أشدها بين الكنيستين الشرقية والغربية، والمبحث الثالث في هذا الفصل فهو يتعلق" بالنظم العثمانية في الولايات الأوربية" وما قام به السلاطين العثمانيون من إصلاحات ونظم، ونشر الإسلام وحماية المسلمين وتعبيد الطرق، وإقرار الأوضاع هناك أما المبحث الرابع فهو من "أثر سياسة الدولة العثمانية في نشر الإسلام في شرق أوربا".

والفصل الثاني: في هذه الدراسة عنوانه "موقف الدول الأوربية من الدولة العثمانية" خاصة فيما يتعلق بأطماعها في المضايق ومحاولاتها الحصول على امتيازات خاصة بها في المناطق الأوربية التابعة للدولة العثمانية، وإشارة القلاقسل والفتن، ضد الدولة العثمانية ويشمل المبحث الثاني "موقف دولة النمسا من الدولة العثمانية"، وذلك الموقف العدائي- على الرغم من عدم وجود حدود مباشرة بينها وبين الدولة العثمانية- ولكنها على الرغم من ذلك خوفا وحرصا على مصالحها كانت تثير دولة البلقان وتمدها بالأسلحة والأموال للثورة ضد العثمانيين، أما "موقف فرنسا من الدولة العثمانية" فقد كان موضوع المبحث الثالث، وفيه تناولت العلاقات بين فرنسا والدولة العثمانية سلبا وإيجابا لأن فرنسا- مثلها مثل الدولة الأوربية الأخرى - تنظر غلى أملاك الدولة العثمانية - وبخاصة تلك القريبة منها في الشمال الأفريقي- نظرة أطماع ومصالح والمبحث الرابع يتضمن موقف بريطانيا من الدولة العثمانية" ذلك الموقف الذي لا يختلف عن مواقف الدولة الأوربية الأخرى، وذلك أنها لا تشارك الدولة العثمانية في الحدود، لهذا كانت أطماعها لا تخرج عن تحقيق مناطق نفوذ في الشرق الأوسط، إضافة إلى منافسة بعض الدولة الأوربية الأخرى في تحقيق ما يخدم مصالحها التجارية في المنطقة.

أما الفصل الثالث فهو بعنوان: "ردود الفعل الأوربية على الوجود العثماني في أوربا" فقد عالجت فيه: الرأي الأوربي العام وآراء المؤرخين في الدولة العثمانية حيث انقسموا إلى فئتين: الفئة الأولى هي فئة معتدلة- بعض الشيء- في موقفها من الدولة العثمانية ولكن وراء ذلك الاعتدال بعض الأمور التي لا تخلو من نوايا الحقد والخبث، والفئة الثانية فهي التي أعلنت الحرب ضد الدولة العثمانية، فأشاعت بأن الدولة العثمانية وصلت إلى ما وصلت اليه بالبطش والدمار والإرهاب، وتسليط السيوف على الرقاب، وأرجعت انتصارات الدولة العثمانية إلى الضعف الذي انتاب ممالك أوربا في تلك الفترة، وعالجت في هذا الفصل ايضا بعضا من حملات التشهير ضد الدولة العثمانية المدفوعة بالحقد والبغضاء على الدولة العثمانية، لأنها وصلت إلى أوربا باسم الإسلام، وحملت راية الجهاد حتى دقت أبواب فينا في عهد السلطان سليمان القانوني سنة 935هـ/1529م.

وكان من بعض الحملات التي ناقشتها، إطلاق بعض المسميات للتشهير بالدولة العثمانية كمسمى ((الرجل المريض)) الذى لا يرجى شفائه، والزعم بأن الدولة العثمانية عملت على ((عزلة العالم العربي)) والقول بأن الدولة العثمانية حرمت البلاد العربية من علمائها البارزين))،وعالجت ايضا في هذا الفصل التضاؤل العثماني في أوربا وكيف بدأت التراجع؟ نتيجة لأسباب داخلية وخارجية ادت في النهاية إلى ضياع ممتلكات الدولة واحده اثرى الأخرى، حتى لم يبق سوى ألت اليه الدولة من دوله أناضولية، بعد أن كانت تمتد في قارات ثلاث.

وأخيرا ذيلت الفصول السالفة الذكر بخاتمه موجزة تضمنت ما أثبتته هذه الدراسة من نتائج، وكذلك بعدد من الملاحق الهامة.

اما مرجع الدراسة فقد اعتمدت على مجموعة من المخطوطات والوثائق والمصادر والمراجع العربية، والتركية والإنجليزية التي لها صله بالموضوع، وقد حصلت على البعض منها من مكتبة الحرم المكي ومكتبة جامعة أم القرى، ودارة الملك عبد العزيز، كما زرت مكتبة الطوب قابي سراي بإسطنبول، ومكتبة جامعة اسطنبول والمكتبة السليمانية، والمكتبات الخاصة بتركيا، كام قمت بزيارة معهد المخطوطات بالقاهرة، ودار الوثائق القومية والهيئة العامة للكتاب وساقني البحث إلى الوصول إلى لندن والاطلاع على المصادر في الوزارة الهندية (INDIA OFFICE) حيث حصلت منه على بعض المراجع الهامة التي لها علاقة بموضوع الدراسة.

الخاتمة:

لقد رأينا في سياق هذه الدراسة ان الدولة العثمانية اعتمت منذ نشأتها وتأسيسها على يد السلطان عثمان علي الدين الإسلامي، واتخذت من الشريعة الإسلامية نبراسا ودستورا لها، كما أن فتوحاتها وجهادها في أوربا كانت باسم الإسلام مما ادى إلى نشر الإسلام في أوربا وخاصة في أقاليمها الجنوبية الشرقية.

وبنظرة عامة على محتويات هذه الدراسة اود الإشارة إلى إنني توصلت إلى النتائج الموجزة التالية:

• أثبتت الدراسة ان الأتراك العثمانيين على الرغم من   انهم لم يكونوا من العرب إلا انهم أسلموا وحسن اسلامهم، وكانت فتوحاتهم من اجل الإسلام وباسم الإسلام.

• كما برهنت الدراسة أن الوقف العربي الإسلامي كان مؤيدا للموقف العثماني في نشر الاسلام يدل على ذلك أنه عندما فتح العثمانيين القسطنطينية قام سلاطين مصر بأرسال المبعوثين للسلطان محمد الفاتح مهنئين مستبشرين، وأقيمت الزينات أياما في القاهرة ابتهاجا بهذا النصر للإسلام والمسلمين.

• برهنت الدراسة أن أنتشار الإسلام في جنوب شرق أوربا، كان بواسطة التجار المسلمين الذين ارتادوا تلك المناطق، بالإضافة لدور القبيلة الذهبية، ومن ثم فتوحات العثمانيين لتلك المنطقة والعمل على نشر الإسلام، وتدعيمه ببناء المساجد والجوامع، في جنوب شرق أوربا.

• وضحت الحقائق التاريخية أن الانتصارات التي حققتها الدولة العثمانية في أوربا لم تكسبها بسبب ضعف شعوب البلقان كما أدعى الاوربيون بل يرجع ذلك إلى قوة الإيمان والرغبة القوية عند المسلمين في نشر الإسلام والجهاد من أجل رفع رأيه التوحيد إلى ابعد نقطه ممكنة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

• كما أثبتت الدراسة، أن الدولة العثمانية عندما وصلت في فتوحاتها الى فينا، وتمكنت من وضع النظم الكفيلة بتنظيم شئون تلك الشعوب، مما أدى إلى دخول الكثير من أهلها في الإسلام والدليل على ذلك، وجود الأقليات الاسلامية في جنوب شرق أوربا إلى وقتنا الحاضر، كما عملت الدولة على تعبيد الطرق، وبناء المستشفيات، والمدارس في البلاد المفتوحة.

• برهنت الدراسة على أن السياسة التي اتخذتها الدولة العثمانية- تجاه رعاياها في جنوب شرق أوربا المتصف بالسماحة الدينية- أدت إلى اعتناق الكثير للإسلام وجعلت الإسلام ينتشر انتشارا كبيرا بين تلك الشعوب لما يتمتع به الإسلام من الرحمة والرأفة، والعدل والمساواة، التي لم تعهدها تلك الشعوب ال الا في عهد الدولة العثمانية.

• كما أثبتت الدراسة أن المواقف الاوربية (الصليبية) من الدولة العثمانية – سواء كانت المواقف فردية أم على المستوى الدولي- استهدفت القضاء على الإسلام في شخص الدولة العثمانية، حاملة لواء الإسلام، والتي كانت تفتح المناطق الاوربية باسمه.

• والذى أصبح يهمنا في هذه الدراسة،أنه على الرغم مما حدث للدولة العثمانية من الضعف والتفكك،الذي تسببت فيه الدول الأوربية، فأن الدولة العثمانية أسهمت في نشر الإسلام في جنوب شرق أوربا وأصبح الاذان يرفع على المآذن في مناطق متعددة، من أقاليم شرق أوربا،يشهد على ذلك الأثار الإسلامية الموجودة هناك من مساجد وجوامع.

• وأخيرا وصل البحث إلى حقيقة هي أن العالم الاوربي بصفة عامة لا يحلو له أن يرى انتشار الإسلام يأخذ طريقة في مناطقهم ومن ذلك رأينا في سياق البحث مواقفهم المختلفة من عسكرية وغير عسكرية، كل ذلك لتحاشي الفتح الإسلامي وضرب اي جهة تتبنى نشره والجهاد في سبيله.

محتويات البحث