• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سبعون أدبا في الصحبة والسفر والعلم (PDF)
    د. عدنان بن سليمان الجابري
  •  
    شرح كتاب: فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة ...
    عيسى بن سالم بن سدحان العازمي
  •  
    كفى بالموت واعظا
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أحكام المخابز (PDF)
    أبو جعفر عبدالغني
  •  
    "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله ...
    محمد السيد محمد
  •  
    صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن السعدي رحمه ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الأساس في أصول الفقه (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    خطبة .. من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأربعون حديثا في تحريم وخطر الربا (PDF)
    طاهر بن نجم الدين بن نصر المحسي
  •  
    الله (اسم الله الأعظم)
    ياسر عبدالله محمد الحوري
  •  
    ملامح النهضة النحوية في ما وراء النهر منذ الفتح ...
    د. مفيدة صالح المغربي
  •  
    تربية الحيوانات (بطاقة دعوية)
    د. منال محمد أبو العزائم
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / مكتبة المخطوطات / مناهج تحقيق النصوص
علامة باركود

تحقيق المخطوطات العلمية

تحقيق المخطوطات العلمية
أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/3/2013 ميلادي - 5/5/1434 هجري

الزيارات: 97380

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحقيق المخطوطات العلمية


إن الكتب المؤلفة في علم تحقيق المخطوطات استمدت قواعدها، في الغالب، من تجارب مؤلفيها في عالم التحقيق، فإذا كانت هذه التجارب تختص بالمخطوطات الأدبية، جاءت تلك القواعد لتعالج طرق تحقيق هذا النوع من المخطوطات، وهكذا الحال فيمل يتعلق بالمخطوطات الباحثة في حقول المعرفة الأخرى.

 

صحيح أن ثمة قواعد ثابتة تعد قواسم مشتركة للتحقيق، على اختلاف ضروب الكتب المحققة، من قبيل جمع النُسَخ المخطوطة، وتحديد النسخة الأم من بينها، ومقابلتها على غيرها، وما إلى ذلك، إلاّ أن تطبيقات تلك القواعد تختلف - إلى حدٍ ليس بالقليل - بين ضرب وآخر. ومن الملاحظ أن جميع ما أُلف في قواعد التحقيق، جاء - إلى حد الآن - ليُلبّي حاجة المحققين في العلوم الأدبية، واللغوية، والتاريخية، والفقهية، وماهو داخل في نطاقها بوجه عام، بيد أن ثمة ضروباً من العلم لمّا تزل بحاجة إلى قواعد تراعي خصوصيتها، وتستجيب للاختلافات، وإن كانت يسيرة أحياناً، بينها وبين غيرها من العلوم، وبخاصة العلوم البحتة، مثل الكيمياء، والطبيعة، والحساب، والهندسة، والفلك، والطب، والصيدلة، وعلم الأرض، والحِيَل (الميكانيك)، والعلوم العسكرية وغيرها. وتبتدئ هذه الاختلافات من مرحلة انتقاء المخطوط، مشروع التحقيق، وحتى آخر مراحل إخراجه للقراء.

 

وسنحاول فيما يلي أن نأتي - بسرعة - على بيان بعض ما يختص به عمل المحقق لمثل هذه العلوم، وذلك على النحو الآتي:-

1- اختيار المخطوط:

ثمة مخطوطات كثيرة جداً في كل مجال من مجالات العلم، فلابد من تحديد معيار واضح يجري على أسسه اختيار المخطوط الذي سيُعنى به المحقق، فإن لم يجد مثل هذا التحديد، ضاعت جهود كبرى في أعمال ضئيلة القيمة، وتبدّد وقتٌ طويل فيما لا طائل تحته، ونعتقد أن أسس هذا المعيار في الاختيار هي:

أ- أن يقدم المخطوط إضافة جديدة للمعرفة، كأن يتضمن فكرة أو أفكاراً لم يسبق أن تناولها مؤلف من قبل، أو ألمح إليها عالم في المجال الذي تبحث فيه.

 

ولا يعني هذا أن تكون كل أفكار الكتاب جديدة، أو رائدة في بابها، فأمر كهذا بعيد عن التصور، ولا يتوفر إلاّ في النادر من الكتب، ولكن قد يضم الكتاب فكرة واحدة تستحق، لجدَّتها، أن يُبذل الجهد في تحقيقه كله، فكتاب (شرح تشريح القانون) لابن النفيس (المتوفي سنة 687هـ/ 1288م) يتألف من خمسة بحوث، لم تلق من اهتمام الأطباء المسلمين ما لقيته مؤلفات طبية أخرى، إلاّ أن بضعة نصوص منه اثارت اهتمام الاطباء المُحدثين إلى الحَد الذي جعل اسم ابن النفيس يفرض نفسه على أوساط العلماء في كل مكان، وهذه النصوص هي التي وصَفَ فيها الدورة الدموية في الرئة، وتقريره بأن عضلات القلب تتغذى من الأوعية المبثوثة في داخلها لا من الدم الموجود في أجوافه، فهذه النصوص على قِصَرها النِسبي جعلت من الكتاب واحداًً من أبرز المؤلفات الطبية في العالم.

 

وكتاب (منافع الأحجار) لعُطارد الحاسب البغدادي (المتوفى سنة 243هـ/ 857م) أكثر فيه مؤلفه "من العزائم والرُّقي فاسترذِل" على حد تعبير البَيْروني (الجماهر ص 217) ولكنه مع هذا انفرد بسَبقين عالميين، هما اكتشافه لخاصية الدَسامة Oilness في الحجر، وخاصية الصلادة Hardness فيه، فهذان الاكتشافان يكفيان في تقديرنا أن يكونا مبرراً لتحقيق الكتاب ونشره على الرغم مما اعتَوَر الكتاب من هنات كما تقدم. وكثيرة هي كتب الكيمياء التي خصصت معظم فصولها لوصف طُرق موهومة لتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب أو فضة، وليس في هذا جِدَّة بالطبع، إلاّ أن المهم فيها يكمن في جوانب، أو ربما فقرات متناثرة، تناولت موضوعات كيميائية علمية حقيقية، لم يقصد مؤلفو تلك الكتب أن تكون من غايتهم.

 

ب- أن يؤكد الكتاب على فكرة علمية صحيحة قال بها بعض العلماء في عصر مضى، ولكنها نُسِيَت، أو تنوُسِيَت، في العصور التالية لأسباب مختلفة. من ذلك مثلاً أن ظاهرة انفجار النجوم الضخمة وتحويلها إلى شظايا مادية وإشعاعات وغازات تندفع بعيدا عن مركزها، كانت على الدوام من الظواهر التي أهتم بها الأقدمون بوصفها تجلب النحس للإنسان، إلاّ أن نصا واحدا في وصف هذه الظاهرة، أورده علي بن رضوان (المتوفي سنة 460هـ/ 1067م) في كتابه (شرح المقالات الاربعة في القضايا بالنجوم لبطليموس) جعل من هذا الكتاب مهماً، ليس بوصفه كتاب طب فحسب، ولكن بصفته يحتوي على معلومات دقيقة، وان لم تكن جديدة، لإحدى أهم الظواهر الفلكية في الكون.

 

ومثل هذا أن فكرة دَوَران الأرض حول الشمس كانت معروفة في بعض الأوساط العلمية في بلاد الإغريق القديمة، لكنها تنوسيت في العصور الوسطى بتأثير الكنيسة، وشاعت بدلها فكرة معاكسة تماماً، تقول بثبات الأرض ودوران الشمس حولها، فإذا وجدنا مخطوطاً عربيا أكَّدَ، ولو في فقرة واحدة تلك الفكرة الصحيحة، فان أهمية هذه الفقرة، ورغم عدم جِدَّتها، تكمن في أنها أثبتت مَيزة الحضارة الإسلامية في أنها رَعَت هذه الفكرة في عهود التخلف لتصل بها إلى العصر الحديث، وتلك ميزة كبرى تستحق أن تكون سببا في تحقيق المخطوط كله، حتى لو كانت معلوماته الأخرى عادية تماماً.

 

جـ - وربما لم يحو مخطوط شيئا من ذلك كله، لكنه ازدان بصُوَر أو أشكال هندسية أو جداول رياضية، وضَّحَت ما أراد المؤلف أن يقدمه للقارئ، فمثل هذه الوسائل يمكن أن يكون سبباً رئيسياً لجعل المخطوط يغدو مهما، فقد تساعد هذه الاشكال والصور والجداول على فهم فكرة ما، بما تقدمه من بيانات دقيقة، أو أنها تصلح أن تكون، لوحدها، موضوعا لدراسة مستقلة. مثال ذلك أن مخطوطة (منافع الأحجار) لعطارد الحاسب (نسخة باريس) احتوت على نحو خمسين صورة لبشر وحيوان في أشكال وأزياء مختلفة، وسبب وجودها في المخطوط هو ما اعتقد مؤلفه أنها تملك تأثير سحرياً إذا ما نقشت على بعض الأحجار الكريمة، والفكرة في حد ذاتها لا تقوم على أساس علمي مفهوم، ولكن الصور نفسها ذات قيمة فنية عالية، تصلح ان تكون موضوعا لدراسة فنية قيمة.

 

ومثل هذا ما رأينا في مخطوطة (خواص الأحجار) لحُنيْن بن اسحق، فالمخطوط (نسخة باريس) يكاد يكون نسخة منقولة عن نص عُطارد، فلا أهمية تذكر فيه، إلاّ أن الصُّوَر التي حواها اختلفت في تفاصيلها عن الصور سابقتها، وإن اتفقت معها من حيث الموضوعات، وفي دراسة تلك التفاصيل مادة مهمة، كانت موضوعاً لدراسة (الأزياء) في القرن الثالث للهجرة، بالمقارنة بين المخطوطين المذكورين. وهنا لا بد أن يلاحظ المحقق ما إذا كانت هذه الصور والأشكال من أصل نص المؤلف ام أُضيفت اليه في وقت تالٍ للتوضيح.

 

د- ومن مبررات اختيار مخطوط لتحقيقه، ما يتضمنه من مصطلحات علمية تساعد على فهم معانٍ غامضة، أو تجارب مختبرية قصّر دون فهمها الجهل بتلك المصطلحات، وقد يكون قد أُلّف أصلاً لتيسير الوقوف على هذا الجانب المهم، مثل كتب الخوارزمي في (مفاتيح العلوم) وحسين بن نوح القُمْري في (التنوير في المصطلحات الطبية)، والقرطُبي في (شرح أسماء العقار)، وابن الأكفاني في (إرشاد القاصد)، والسيد الجرحاني في (التعريفات)، ومحمد بن يوسف الهَرَوي في (جواهر اللغة) في المصطلحات الطبية (ويلكم بلندن) وغير ذلك، أو ان يكون الكتاب مما تكثر فيها المصطلحات المشروحة، أو المُوَضِّحة، فيفيد منها محقق المخطوطات التي تتناول حقولاً معرفية لا تفهم مضامينها إلاّ بها.

 

هـ- ومن تلك المبررات أيضا، أن يكون المخطوط شرحاً، أو حاشية، على كتاب علمي مهم، فتأتي شروحه وتعاليقه موضحة للأصل، مُبيِّنة لمَراميه، وهو أمر متوقع من شارح قريب زمناً من عهد مؤلف الأصل، ومن ثمَّ هو أقدر على فهم لغته ومصطلحاته وأفكاره من باحثين متأخرين عليه بمُدَدٍ متطاولة، وعلى سبيل المثال فإن كتاب (تقدُمَة المعرفة) لأبقراط الذي نقله حُنين بن إسحاق إلى العربية، توجد منه مخطوطتان، أولاهما بشرح ابن أبي صادق النيسابوري (باريس)، وأخرى بشرح الدخوار الدمشقي (أيا صوفيا وبودليانا).

 

وبالمقابل فإن بعض المخطوطات تكتسب أهميتها من أن مؤلفيها ضَمَّنوها ردوداً علمية على كتب لمؤلفين سابقين، فبينوا بذلك شخصياتهم العلمية، ومدى استقلال تفكيرهم، وما أصاب الفكر العلمي من تطور بعد أن وضع السابقون مؤلفاتهم. مثال ذلك مافعله ابن النفيس في شرحه لكتاب التشريح من كتاب القانون لابن سينا، وقد ألمعنا إلى ما أضافه إلى هذا الشرح من ملاحظات مهمة، وشرح محمد بن فخر الدين الآقسَرائي لكتاب (الموجز في الطب) لابن النفيس (ويلكم بلندن والمركز الوطني للمخطوطات ببغداد)، وشرح عز الدين السُّويدي (المتوفى سنة 692هـ/ 1292م) للكتاب نفسه (دار الكتب المصرية، وويلكم بلندن)، وهما مخطوطتان لم تطبعا لحد الآن، فمثل هذه الشروح تقرِّب الأصل إلى إفهام أهل هذا الجيل إلى حدٍ كبير.

 

و- وربما خلا مؤلف المخطوط العلمي من أهمية في ذاته، ولكن كتابه يبقى - مع ذلك - جديرا بالتحقيق، نظراًً لأنه نقل نصوصاً من كتب ضائعة حَوَت ريادة في بعض حقول المعرفة العلمية، أو أنه أشار إلى ترجمات مبكرة لكتب علمية ما كنا نعلم بها، أو بترجمتها، في تلك العهود أصلاً. وكتاب (تذكرة أولي الألباب) لداود الإنطاكي (المتوفى سنة 1008هـ/ 1599م)، يستمد جانبا من أهميته من نقوله المُطوَّلة من كتب عديدة لم تصلنا، ومثله كتاب تلميذه ابن عِوَض المغربي (القرن 11 هـ/17م) المسمى (قطف الأزهار في خصائص المعادن والأحجار) (القادرية ببغداد، وحققته بروين بدري توفيق، بغداد 1990) فإنه اعتمد فيه على كتب عديدة، بالعربية وغيرها، لم يحفظها لنا الزمان، بل لم تصلنا عنواناتها.

 

فمثل هذه الكتب، وإن لم يُظهر مؤلفوها باعاً في التجريب والملاحظة، لكن نُقولهم هذه تجعل مؤلفاتهم، إن كانت مخطوطة، جديرة بالتحقيق. وفي كل الأحوال يجب على المحقق أن يوضح، في مقدمة التحقيق وجه الأهمية العلمية في المخطوط الذي يقدمه لقرائه، كأن يكون في جِدَّة اكتشافاته، أو طبيعة مصطلحاته، أو شرحه لنص علمي سابق عليه، أو قِدَم تأليفه في موضوعه، أو منهج مؤلفه في البحث والتجربة والملاحظة، وغير ذلك من شؤون.

 

2- الخلفية العلمية للمحقق:

هل يكفي لمَن يتصدى لمخطوط علمي، أن يقف في علمه عند ضبط النص كما وضعه مؤلفه متذرعا بتعريف مهمة التحقيق بأنها الإتيان بلفظ المؤلف كما نص على ذلك المشتغلون في هذا العلم، ام أن يتجاوز هذه المهمة إلى مهام أخرى لا تقل أهمية، من شرح للفظ، وتقريب لمعنى، وتفسير لمصطلح، وما إلى ذلك؟. وأقول: إن أسباباً قوية تجعلنا نرى أن من واجب المحقق أن يمضي في عمله، بعد ضبطه للناس، ليتناوله بالتوضيح الضروري لفهمه، إذ لا يكفي ان تزدحم أرفف خزائن الكتب بكتب يتعسّر على أغلب الباحثين والقرّاء فهمها على نحو سليم.

 

إن تحقيق التراث رسالة حضارة يُقصد بها خلق وعي علمي، أو إنماؤه، قبل أن تكون حرفة لمحترف، وإذا كان بعض المحققين، من الأوربيين غالبا، قد اكتفوا من النص بضبطه على نسخ عدة، فذلك لأنهم ما كانوا يخاطبون بصنيعهم هذا إلاّ عدداً من المختصين أمثالهم، وفي دوائر استشراقية ضيقة، ولم تكن مهمتهم، بأي حال، تتجاوز ذلك إلى خلق وعي عام لدى أجيال من الناس بقيمة تراث أمتهم، ودورها الحضاري الذي ينبغي لها أن تستعيد.

 

وهنا تواجه محقق المخطوط العلمي مشكلة فنية قد لايواجه مثلها من يتصدى لتحقيق المخطوطات الأدبية والتاريخية وغيرها، فهذه الكتب لا تحتاج إلاّ إلى متخصص بالتراث، متدرب على فن التحقيق، مُراعٍ لقواعده المستقرة، أما المخطوط الطبي مثلاً فهو يتطلب من محققه أن تكون له ثقافة طبية خاصة إلى جانب ثقافته التراثية العامة، وهكذا الحال بالنسبة للمخطوطات الرياضية والفلكية وغيرها. ومَكمَن هذه الحاجة أن التراثي له القدرة على إنجاز الخطوات الاولى في تحقيق المخطوط، من مُقابَلة، وفهرَسَة، وتقديم، وما إلى ذلك، لكنه غير قادر على فهم مواطن الجدّة في المادة العلمية نفسها، فضلاً عن تقدير أهمية المخطوط نفسه من النواحي التي ألمعنا اليها. وبالمقابل، فإن طبيباً واسع العلم في حقل اختصاصه، لا يقدر على تحقيق مخطوط طبّي، ذلك لأنه غير مطلع على منهج التحقيق، ولا دُرْبة له على التعاون مع نص تراثي قديم، فضلاً عن ضعف تقديره للتراث الطبي كله، لأنه ربما وجد فيه شيئا بالياً تجاوزه علمه منذ عهد بعيد، فلم يعد فيه ما ينفع الناس عمليا.

 

وفي تقديرنا فإن حل هذه المشكلة يمكن أن يكون بأحد أمرين:

أ- ان يقوم تعاون بنّاء بين مختصيَن، أحدهما بالتحقيق بوصفه علما قائما بذاته من علوم التاريخ، والآخر بالموضوع العلمي الذي يتناوله المخطوط نفسه، فيتولى الأول تحقيق النص العلمي من جوانبه الفنية، فيستقصى نُسَخَه المتوفرة، ويحدد العلاقات بينها وصولاً إلى أقدمها وأكثرها إتقانا، ويقابل بين هذه النسخة وغيرها بدقة، فيثبت أوجه الاختلاف في الهوامش، وهو عمل يقوم به المحقق لأي كتاب تراثي، مهما كان موضوعه ومجاله. ويتولى الآخر تقدير أهمية هذا النص، مستخرجاً مكامن الجِدّة فيه، ومُعلقا على الجوانب العلمية البحتة بما يقرِّبُها إلى أذهان القرّاء المعاصرين، فيضفي على المخطوط المُحَقق قيمته العلمية، فضلاً عن قيمته التراثية. وتيسيراً لمثل هذه المهمة، صار من واجب المراكز العلمية التراثية في الجامعات ان تتولى تحقيق هذه التعاون بما تملكه من علاقات مع أوساط علمية مختلفة، وما توفره من أجواء تعاون بناء بين مختلف الإختصاصات العلمية والأدبية.

 

وحيث لا يتوفر هذا التعاون، لابد للمحقق إن كان تراثياً أن يُوسِّع من مداركه في العلم الذي يتولى تحقيق نص تراثي فيه، وأن ينمِّي ثقافته العامة بتاريخ ذلك العلم، بل أن يسعى لأن يجعل منه شاغله الأساس، حتى يتمكن من أن يُوفي بمتطلبات التعليق النافع على المادة العلمية التي يضمنها ذلك المخطوط، مثال ذلك تحقيق الأب أنستاس ماري الكرملي لكتاب (نخب الذخائر في معرفة الجواهر) لابن الأكفاني السنجاري (بغداد، 1939)، والدكتور صالح أحمد العلي لكتاب (ما يحتاج اليه الصانع من علم الهندسة) للبُوزجاني (بغداد 1979)، وكاتب هذه السطور لكتاب (الجواهر وصفاتها) ليَحيى بن ماسَوَيْه (القاهرة دار الكتب 1977، وأبو ظبي 2001)، وغيرهم. أما إذا كان المحقق مختصا بالموضوع نفسه كأن يكون طبيباً أو رياضياً أو مهندساً، فلا بد له من الدُرْبة على قراءة المخطوطات التراثية، والقدرة على فهم ألفاظها، ثم المعرفة التامة بقواعد التحقيق نفسه، والمُكنَة على تطبيقها. وقد وجدنا أن من هؤلاء المختصين من ضاهى التراثيين أنفسهم في القدرة على تحقيق النصوص التراثية القديمة، وفهمها، أمثال الدكتور كمال السامرائي والدكتور داود سلمان علي في تحقيقهما لكتاب (أدب الطبيب) لإسحاق الرّهاوي (بغداد 1992)، والسامرائي نفسه في تحقيقه (النافع في كيفية تعليم صناعة الطب) لابن رضوان (بغداد 1997)، والدكتور سلمان قطاية في تحقيقه (كتاب في المعدة وأمراضها ومداواتها) لابن الجزّار القيرواني (بغداد 1980)، والدكتور حازم البكري والدكتور مصطفى شريف العاني في تحقيقهما (نهاية الأفكار ونزهة الأبصار) لابن قاسم الإشبيلي الحريري (بغداد 1979)، والبكري أيضا في تحقيقه لكتاب (تدبير الحُبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم) لابن البَلَدي (بغداد 1980)، وكتاب (من لا يحضره الطبيب) للرازي (بغداد 1991)، ومقالة يحيي بن ماسوية في الجنين، والدكتور رزوق فرج رزوق في تحقيقه (حقائق الاستشهاد في الكيمياء) للطغرائي (بغداد 1982). وغير هؤلاء ممن يضيق المجال عن ذكرهم. ولن تتوفر لهؤلاء القدرة على تحقيق تلك النصوص العسرة غالبا، إلاّ لأنهم عُنوا بالتاريخ عامة، وبتاريخ العلوم التي اختصوا بها، فألفوا فيها دراسات معمقة من قبل أن يتجهوا نحو تحقيق نصوصها.

 

3- المصطلحات العلمية:

تحتل المصطلحات العلمية أهمية خاصة لدى محقق النصوص العلمية البحتة حتى تكاد تكون إحدى اهم المشاكل التي يواجهها في اثناء عمله، وربما لا يعاني محقق النصوص الأدبية والتراثية عامة من مثل هذه المشكلة، فالألفاظ في كتب العلوم تحمل معاني اصطلاحية خاصة لا يفطن اليها إلاّ المحقق الماهر، والقاعدة القائلة بأن على المحقق أن يشرح معاني الألفاظ بالرجوع إلى المعاجم الرئيسية المعتمدة، مثل القاموس واللسان والتاج ونحوها، لا تصح - البتة - عند تحقيق النصوص العلمية، بل أن الرجوع الى كتب اللغة والمعاجم في هذا المجال من شأنه أن يُفقد العمل قيمته، أو يفسده تماما. لنتصور أن محققاً وقف، عند تحقيقه كتابا في الكيمياء، على ألفاظ مثل (الأرواح) و (الأجساد)، ففسَّرها في ضوء معطيات اللغة بمعانيها المعروفة، فماذا ستكون النتيجة، إنه سيُفسد النص تماما، وسيضلل القارئ عن غير قصد منه، فالأرواح هنا هي غازات محددة، والأجساد هي سبعة من المعادن حصراً.

 

وإذا وقف محقق لكتاب في الرياضيات على ألفاظ مثل (السطح) و (الميزان) و (الوِفق)، ولم يعلم معانيها الاصطلاحية بدقة، بأن السطح هو العدد المُرَكب، والحاصل من ضرب عدد بعدد، وأن الميزان هو تحقيق صحة الحل، وأن الوفق هو أكبر عدد ينقسم عليه عددان، ضلَّ عن فهم النص ضلالاً بعيدا. وهكذا الأمر في جميع العلوم، ومن هنا باتت المعاجم، على ضخامة موادّها، غير مُوفية بمتطلبات محققٍ عقد العزم على فهم نص علمي ليكشف عن مكامن الإبداع فيه، وصار واجباً عليه الرجوع الى مناجم معلومات أخرى علّه يستعين بمعطياتها في حلِّ هذه المشكلة.

 

وعلى وفق قاعدة تفسير القرآن بالقرآن نفسه، فإن على المحقق أن يستعين على فهم معنى مصطلح وارد في النص مشروع التحقيق بمعانيه الأخرى في النص نفسه، فإن لم يجد مُبتغاه، فإن عليه أن يجد ضالته في الكتب المعاصرة لذلك النص، مما أُلف في العلم نفسه، ثم بما يلي ذلك زمنا من المؤلفات.

 

وكنا قد أشرنا الى أهمية الشروح والحواشي العلمية في تقريب الأذهان من فحوى نص علمي معين، ونقول أن مكمن هذه الأهمية يتمثل، في أحد جوانبه، بتقريبه معاني المصطلحات التي استخدمها مؤلف الأصل. إن الإدراك الصحيح لمعنى مصطلح ما ربما يكون سببا في اكتشاف حقيقة مغيبة، أو العثور على سبق خطير في ذلك العلم موضوع التحقيق، وبالمقابل، فإن إدراكا سيئا لما يَعنيه مصطلح مُعيِّن، من شأنه أن يضيع على القارئ فرصة التعرف على فكرة مهمة من أفكار النص المحقق، أو على تجربة رائدة من تجارب مؤلفه العلمية.

 

إن المُصطلحات إذن تشبه هنا أن تكون مفاتيح العلم، فمن واجب المحقق أن يُولي هذا الجانب ما يستحقه من عناية واهتمام، وإلاّ لبث المخطوط الذي حققه مغلقا في وجه القراء والباحثين والمحققين التالين الذين يسعون من خلال فهمهم لهذا النص فهم نصوص أخرى يتولون تحقيقها. وكم يكون مفيداً إذا ما ألحَق المحقق بتعريفه لمعنى مصطلح ما ما يقابله من المصطلحات الحديثة المستعملة في مجال العلم موضوع النص المذكور، إنه، إن فعل، سيكون قد وفر على الباحثين فرصة فهم النص فهما عصرياً.

 

4- أسماء المواد الداخلة في نطاق العلم:

وبالإضافة إلى مشكلة المُصَطلح العلمي، فإن على المحقق أن يجهد نفسه في حل مشكلة أخرى تتصل بها، لا تقل عنها صعوبة، وهي ضبط المئات بل الآلاف من أسماء المواد الداخلة في نطاق العلم الذي يحقق مخطوطة فيه، ويزيد الأمر صعوبة أن عدداً كبيراً من تلك الأسماء من أصول لغوية غير عربية، كاليونانية واللاتينية والفارسية والهندية وسواها من اللغات السائدة في العصور الماضية، ومثل تلك الأسماء يصعب ضبطه إلا بجُهدٍ جهيد، لأن نُسَّاخ المخطوطات يجهلون بالطبع طريقة تلفظها، فيُصَحِّفون حروفها تصحيفا بَيِّناً يصعب اكتشاف حقيقته إلا بالرجوع إلى أصل اللغة التي أخذ منها المصطلح نفسه، وقد فعل بعض المحققين ذلك فتوصلوا إلى نتائج مهمة، منهم الأب أنستاس الكرملي في تحقيقه (نُخَب الذخائر)، إذ أعانته معرفته بالعديد من اللغات القديمة على تحديد معاني بعض أسماء الأحجار الكريمة والثمينة، وعلى ضبطها ضبطاً محكماً. ومنهم أيضا الدكتور أدوار القش في تحقيقه لكتاب (القانون) لابن سينا (طبعة بيروت 1987)، فإنه أورد أسماء الأدوية المأخوذة عن الإغريقية بصورتها التي عليها بهذه اللغة، فحلَّ بذلك ما أوجده النُسّاخ من إشكال.

 

وهكذا، فعلى المحقق أن لا يَركُن في ضبطه للفظ معين، إلى صورته في بعض ما يقع تحت يديه من كتب، وإن اشتهرت بين الناس، لأنه يجوز أن يكون الطابع، أو الناشر، قد اعتمد نسخة كتبها ناسخ غير مختص، وهو في الغالب كذلك، فتسلل الخطأ إلى هذه الطبعة، وربما مُسخت الأسماء مسخاً فلم يَعُد ممكناً التوصل إلى حقيقتها إلاّ بجُهد جهيد، ومراجعات كثيرة. وهنا أرى مناسبا الإشارة إلى أننا حينما شرعنا بتحقيق الجزء الخاص بالأحجار والنبات من موسوعة ابن فضل الله العمري المعنونة (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) هالنا ما لاحظنا من نقل المؤلف جميع مادة كتابه تقريبا من كتاب (الجامع لقوى الأدوية المفردة) لابن البيطار، ولكننا لما أخذنا بمقابلة المخطوط على النسخة المطبوعة من (الجامع)، وجدنا ثمة اختلافات غير قليلة بين أسماء الأحجار والنبات الوارد في (المسالك)،وبين ما يماثلها في كتاب أبن البيطار، ولم نتوصل إلى صحة أي من اللفظين إلا بعد إن استعنا بكتب تراثية أخرى، فضلا عن مقابلته على لفظه غير العربي الوارد في كتب أخرى، مثل (معجم أسماء النبات) للدكتور أحمد عيسى وغيره.

 

ومن المفيد جدا إن يُرفق المحقق الاسم القديم بما يقابله من الأسماء الحديثة، وبخاصة منها الاسم العلمي الذي هو في الغالب مأخوذ من اللاتينية، لأن في هذا الإرفاق ما يُسهّل على القارئ، إن كان باحثا، تحديد مكونات ذلك المسمى، سواء أكان حجرا، أو نباتا، أو ظاهرة..الخ، من ثم يسهل عليه فهم مضمون النص المحقق فهما علميا معاصرا.

 

ولسائلٍ أن يسأل: أين يضع المحقق مثل هذه الشروح لمئات من الألفاظ التي قد يتضمنها المخطوط العلمي الذي يقوم بتحقيقه؟ ونقول: إذا كانت عادة المحققين قد استقرت في الوقت الحاضر على وضع شروحهم عند ورود الألفاظ المُبهمة في المتون مباشرة، فان محققي المخطوطات العلمية لم يتفقوا بعدُ على طريقةٍ واحدة في وضع مثل تلك الشروح، ومكان وضعها، فهم في هذا الأمر على رأيين رئيسين، هما:

أ- أن توضع شروح الألفاظ والمصطلحات العلمية عند ورودها لأول مرة، أسوة بعمل المحقق للكتب الأدبية والتاريخية، وذلك ليسهل على القارئ أن يدرك منذ الوهلة الأولى معانيها، فييسر له ذلك فهم النص العلمي أينما ورد من بعد. ومن الأمثلة على هذه الطريقة ما فعله محقق الطبعة البيروتية الجديدة لكتاب القانون لابن سينا، فانه حرص على شرح كل لفظ في الهامش عند وروده في المتن. وما قام به الحكيم محمد سعيد والدكتور وانا احسان الهي الباكستانيان حينما فضلا تزويد كتاب (الصيدنة) للبيروني (باكستان 1969) بهوامش عديدة تضمنت كتابة أعلام اليونانيين بالحروف اللاتينية، وكتبه الأسماء بالأدوية باللغات الأوربية الحديثة. ومن ذلك أيضا كتاب (النافع في كيفية تعليم صناعة الطب) لابن رضوان، فإن محققه الدكتور كمال السامرائي، فضل أن يشرح غوامضه من الألفاظ العلمية في هوامش مناسبة تناثرت في صفحات الكتاب.

 

ب- أن تجمع هذه الشروح وترتب على هيئة معجم هجائي يوضع بصفة ملحق بالكتاب المحقق، وذلك ليرجع إليه القارئ كلما مَرَّ عليه هذا اللفظ، اذ يصعب عليه، حتى لو كان متخصصا، أن يتذكر مضمونه عند وروده بعد صفحات عديدة من الكتاب، وحتى يفيد منه الباحثون، وبضمنهم المحققون، عند البحث عن معنى اللفظ متى ما ورد في كتاب آخر، فلا يتطلب الأمر حين ذاك غير مراجعة هذا المعجم، دون قراءة الكتاب كله، والبحث عن ضالتهم في ثناياه. ولعل مافعله الدكتور حازم البكري في تحقيقه لكتاب المنصوري في الطب يأتي نموذجاً جيداً على هذه الطريقة من العمل، فهو أضاف إلى الكتاب سبعة ملاحق، سمّاها فهارس وليست كذلك، لأنها - في الحقيقة - معاجم متكاملة بالألفاظ النادرة وأسماء الأدوية والأمراض والحيوان والأطعمة والأدوية المركبة والأوزان والمكاييل الواردة في تضاعيف الكتاب مع شروح إضافية لها، وقد تضمنت هذه الشروح وصف كل مادة وأعراضها إذا كانت مرضا، أو أطوارها إذا كانت كائناً حيا، ووجه الفائدة الطبية منها، ولكنه لم يذكر الأسماء العلمية لهذه المواد من نبات وحيوان إلاّ عرضا.

 

وتوسط فريق من المحققين بين الطريقين، فوضع شروحه في هوامش المتن، حيثما ورد اللفظ العلمي، ولكنه رتب معجما بهذه الالفاظ اقتصر على ما يقابلها من الالفاظ العلمية العصرية، منهم الدكتور البكري نفسه والدكتور مصطفى شريف العاني في تحقيقهما لكتاب (نهاية الأفكار ونزهة الأبصار) للاشبيلي وقد تقدمت الإشارة إليه، والدكتور سلمان قطاية في تحقيقه كتاب (في المعدة) لابن الجزار، فإنه اكتفى بصنع معجم بالألفاظ العلمية وما يقابلها من لفظ علمي عصري، دون شرح أصلاً، وهي طريقته في تحقيقه لكتاب (الكفاية في الطب) المنسوب لابن رضوان فانه وضع معاجم بأسماء الأدوية النباتية المفردة، وآخر بأنواع الأدوية المركبة، وثالث بأنواع الأوزان والمكاييل الصيدلانية، وزاد فوضع مقابلات كل لفظ عربي باللاتينية والفرنسية والإنكليزية. ونظير هذا ما صنعه حسين الحموي في تحقيقه كتاب (منافع الأغذية ودفع مضارها) لأبي بكر الرازي (دمشق 1984) فإنه أضاف شروحاً لمعظم الكلمات الواردة في هوامش المتن، حتى فاقت هذه الشروح مادة الكتاب مرات عدة، ومع ذلك فانه ألحق بالكتاب ملحقا كبيراً تحدّث فيه عن قيمة كثير من المواد الغذائية الواردة فيه، وما لم يَرد فيه أيضا لعدم معرفة الناس به في عصر تأليفه، مثل الشاي والقهوة، وربما كان في هذه المعلومات شيء من تطويل، لكن لا مشاحّة في أنها تفيد في فهم هذا النص العلمي المهم.

 

5- الصور والأشكال التوضيحية:

أشرنا - فيما تقدم - إلى أن من المخطوطات العلمية ما يستمد أهميته مما يحتجنه من رسوم ومخططات وجداول، فعلى محقق هذا الضرب من النصوص أن يُولي هذا الأمر جانباً كبيراً من عنايته، وذلك بأن يحرص على نشر جميع الرسوم الملونة بألوانها التي رُسمت بها ما أمكنه ذلك، لأن من شأن نشرها مُجرَّدة من تلك الألوان أن يفقدها جانبا من أهميتها العلمية، فضلا عن أهميتها الفنية، فإن هذه الرسوم تمثل –غالبا- نبات طبي، أو حيوان، ونشرها بصورتها الأصل يضمن –في أقل تقدير- إمكان التعرف عليها، ومعرفة خصائصها التي من أجلها وضعها المؤلف في كتابه.

 

أما الأشكال التوضيحية، وغالبا ما تكون في مجال الهندسة والفلك، ففي وسع المحقق أن يُعيد رسمها بدقة توفرها له وسائل الرسم الحديثة، على أن لا يخرج على ما أراده المؤلف من شكل. مثال ذلك ما فعله رامزي رايت عند ترجمته لكتاب (التفهيم لاوائل صناعة التنجيم) للبيروني (لندن 1933)، فإنه أعاد رسم جميع الأشكال الهندسية بوسائل وقياسات أكثر اتقاناً، فحقق بذلك ما أراده المؤلف وقصرت دونه وسائله المتاحة له في عصره. وما قام به الدكتور أحمد السعيد دمرداش في تحقيقه كتاب (إستخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني عليها) للبيروني أيضا (القاهرة) فقد أعاد رسم جميع الأشكال الهندسية المثبتة في الأصل رسما جديدا متقنا، مما وضَّح النص وأبان عن أفكار المؤلف على نحو أكثر دقة، وهذا ما فعله الدكتور أحمد يوسف الحسن عند نشره نموذجاً من تحقيقه (كتاب الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحِيَل) لابن الجَزَري (مجلة تاريخ العلوم العربية، حلب مج 1، عدد1،1977) فإنه بعد أن نشر صور الكتاب من نسخه المخطوطة، بألوانها الأصلية، أعاد رسم الآلات الميكانيكية الواردة فيها رسما هندسيا دقيقاً، ملتزما بالأصول الخطية التي أوردت صور تلك الآلات.

 

وربما رأى محققٌ أن يضيف أشكالاً من عنده لتوضيح المعنى الهندسي للمسألة، فهذا أمرٌ حسن في ذاته، على أن يصرح بجلاء تحت هذا الرسم أنه من (رسم المحقق)، وخير مثال ذلك ما فعله الدكتور علي إسحق عبد اللطيف حينما حقق رسالة (مساحة الأُكر بالأُكر) للسَّجزي (مجلة المورد، مج 16، عدد2، 1987) فإنه أضاف رسوماً مجسمة الى النص ليوضح ما أراد ان يُبيِّنه المؤلف بصورة أفضل، لكنه ذكر أن هذه الإضافة هيَ له، وبَيَّن سببها. وكان أكثر المؤلفين العرب يميلون إلى كتابه قيام الأعداد في أشكالهم وجداولهم بطريقة الحروف لا الأرقام، ونرى أنه في وسع المحقق أيضا أن يعيد كتابة هذه الأقيام رقما لتغدو مفهومة من القارئ، على أن يُنبِّه إلى ذلك في مقدمة التحقيق.

 

6- الاستعانة بالترجمات القديمة:

الترجمة التي يقوم بها مترجم لنص علمي تُعبِّر عن فهمه له، لفظا ومعنى، فإذا ما وجد محقق للنص الذي يتولى تحقيقه ترجمة قديمة قام بها مترجم إلى لغة أخرى، كان لابد له من الاستعانة بهذه الترجمة في فهم مضمون النص المذكور، وفي تحديد معاني ألفاظه ومصطلحاته أيضاً. ومن المعلوم أن كثيراًً من الكتب اليونانية ترجمها العرب إلى العربية والى السريانية معاً، فوجود إحدى الترجمتين يفيد في تحقيق الترجمة الأخرى، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها كتب جالينوس وأبقراط في الطب، فكتاب جوامع مقالات جالينوس في التدبير المُلطِّف (مخطوط في آيا صوفيا) هو في حقيقته مقالة واحدة ترجمها حُنين بن إسحاق إلى اللغتين معا، ومثله (كتاب الصناعة) لجالينوس، و(ثمار تفسير جالينوس لكتاب قاطيطريون) لأبقراط، و(كتاب طبيعة الإنسان) لأبقراط أيضاً الذي ترجمه حنين الى السريانية وترجمه عيسى بن يحيى الى العربية، والرسالة الطبية المعروفة بكُنّاش أهْرُن التي ألفها الطبيب أهْرُن بن أعْيُن للسريانية، ترجمها ماسرجوية البصري في العهد الأموي، ثم ترجمها فيما بعد ابن ماسَوَيه وحنين معاً، وكتاب (تقدُمَة المعرفة) لأبقراط فسَّره جالينوس، فترجم حنين النص اليوناني لأبقراط إلى العربية (طبع النجف بتحقيق صادق كمُّونه). أما تفسير جالينوس فترجَمَه عيسى بن يحيى (باريس وآيا صوفيا وشتاينشتايدر وبلدية الإسكندرية). والأمثلة على هذا النوع من الكتب لا مجال لذكرها هنا لكثرتها، فأي كتاب له ترجمةٌ إلى غير لغته تكون تلك الترجمة مفيدة في تحقيق الكتاب المعني إلى حد كبير.

 

ومن ناحية أخرى فإن جملة وافرة من الكتب العربية تُرجمت في عصر الترجمة الأوربية إلى اللاتينية والقشتالية وغيرها، فهذه الترجمات تفيد أيضا تحقيق النص العربي إذا لم تتوفر نسخ مضبوطة يطمئن المحقق اليها، أو أنه يستعين بها لتحقيق فهم أفضل للنص المذكور. وعلى سبيل المثال فان كتاب (تقدُمَة المعرفة) المشار اليه هنا قد ترجم من العربية الى اللاتينية على يد قسطنطين الأفريقي في القرن الحادي عشر للميلاد، كما ترجمت كتب طبية أخرى على يد هذا المترجم، وترجمات حنين لكتب جالينوس ترجمها الى اللاتينية ماركوس الطُليطُلي، كما ترجم إسطفيان السَّرقسطي (اقراباذين ابن الجزار) إلى اللاتينية أيضا، وغير ذلك كثير.

 

7- الملاحق:

يسعى محقق المخطوطة العلمي الى كل ما من شأنه خدمة النص بما يوضحه للقارئ بالشرح والتوضيح، فإذا ما وَجَد أن المادة العلمية تستوجب مزيداً من الجُهد لتوضيح أمر ما، وأن هوامش المتن تضيق بمثل تلك الجهود، لجأ الى اصطناع الملاحق الضرورية لتحقيق هدفه، وتختلف أغراض هذه الملاحق بحسب طبيعة المخطوط نفسه، وجِدَّة الموضوعات التي يتناولها، من ذلك أننا وجدنا مناسباً أن نلحق (كتاب الجواهر وصفاتها) لابن ماسَوَيْه، بملحق يتضمن معجماً مُوسَّعا بأسماء الأحجار، وبضمنها التي ذكرها ابن ماسويه، وبعض المعلومات الضرورية عنها: ألوانها، وصلادتها، وموطنها، وتركيبها الجزيئي، وبعض خصائصها الأخرى. ووضع محققا كتاب (الحاوي في الحساب) لابن الهائم (بغداد 1988)، وهما الدكتور رشيد الصالحي وخضير المنشداوي، ملحقا مهما تضمن مقارنة بين طريقة ابن الهائم في حل بعض العمليات الرياضية وطرق حديثة أخرى في حلها، وهو ما يشبه صنيع الدكتور علي اسحق عبد اللطيف في تحقيقه (مساحة الاكر بالاكر) للسجزي، فإنه أضاف شروحا مهمة تضمنت إعادةً حديثةً لحل مسائل الرسالة الهندسية، مبينا ما أصاب به مؤلفه، وما أخطأ فيه. وأضاف الدكتور محمد يوسف حسن والدكتور محمود بسيوني خفاجي لتحقيقهما كتاب (أزهار الأفكار في خواص الأحجار) للتيفاشي (القاهرة 1977)، ملاحق عديدة، تضمنت دراسات عن الأوزان التي أوردها المؤلف المذكور، وأقيام الجوهر وثمنه، ومدلول الإصطلاحات الاقتصادية الواردة في الكتاب، والموزونات، وجداول مقارنة بين العملات المستعملة، ومواد كاملة في تاريخ كل حجر وَصَفه التيفاشي وخصائصه، وجداول جيولوجية في الأحجار كما وردت لدى بعض الباحثين المُحدثين. وفي هذه الملاحق من الجِدَّة ما زاد في قيمة الكتاب لأنه كشف عن جوانب الإبداع والابتكار لدى العلماء المسلمين في هذا المجال الدقيق من مجالات العلم.

 

ووضع محققا (أدب الطبيب) ملحقا ببعض المصطلحات الطبية الواردة في الكتاب، بينما أضاف الدكتور رزوق فرج رزوق ثبتاً إلى كتاب (حقائق الإستشهاد في الكيمياء) للطغرائي، ضمّنه الألفاظ والرموز والمصطلحات الكيماوية التي وردت في الرسالة، كما أضاف مُلحقين لرسالة (ذات الفوائد) للطغرائي أيضا (المورد، مج3، عدد3، 1974) تضمن أولهما تعريفاً جيداً بالحكماء والعلماء الذين ورد ذكرهم في الرسالة، من العرب والهنود واليونانيين وغيرهم، وتضمن الآخر الألفاظ والرموز الكيماوية الواردة في الرسالة المذكورة. ومثل هذه الألفاظ والرموز يفيد في فكِّ معانٍ مُبهَمة في هذا العلم بخاصة، فإن مؤلفي كتب الكيمياء تعمدوا إخفاء أسرار صنعتهم وراء كلمات لا يعرفها إلاّ أهلها، ولا يمكن فهم هذه الكلمات إلاّ استنتاجا من وصف عدد من العمليات الكيماوية.

 

8- الفهارس:

إن إضافة فهارس تفصيلية هجائية إلى كتب التراث المحققة من مُكمِّلات عمل المحقق أياً كان موضوع النص الذي يقوم بنشره، ولكن في الكتب العلمية يأخذ بعداً أكثر خطورة، لان من شأن النص العلمي أن يتضمن أسماء لمواد نباتية ومعدنية وحيوانية وكيميائية وأدوية مُفرَدة ومُرُكّبة وغيرها، ومصطلحات ذات معانٍ خاصة، وأوزان مستعملة في العمليات المختبرية، وعنوانات لكتب اعتمدها مؤلف النص المذكور، وأسماء مؤلفين من العلماء الذي سبقوه في موضوعه، وما إلى ذلك من شؤون. ومن دون فهارس تشمل كل هذه المواد وغيرها يصبح من الصعب على القارئ والباحث الإفادة من النص المحقق. وربما أفرد محققون مجلداً خاصاً بهذه الفهارس، حينما يكون الكتاب المحقق على جانب من الضخامة والأهمية، كفعل الدكتور أدور القش، إذ صنع فهارس عدة لكتاب القانون لابن سينا اشتملت على الأطباء، والأدوية المفردة، والأدوية المركبة، والأوزان والمكاييل، والنباتات والحيوانات، والكلمات الفارسية الأصل والكلمات اليونانية.

 

خاتمة:

إن مصاعب من النوع الذي أشرنا اليه يجب أن لا تكون مثبطا لهِمَم المشتغلين في تحقيق التراث العلمي، بل الأمر على الضِّد من ذلك تماماً، فإن تحقيق نص علمي فيه كشف جديد، من شأنه أن يخلد اسم محققه، فليس كالعلم شيئاً تدين البشرية له بما بلغته من تقدم، ووصلت اليه من آفاق. واذا كان جانبا مهما من إسهامات المسلمين العلمية قد بُخس حقه في دراسات الباحثين المحدثين، فليس ذلك إلاّ لعزوف المحققين عن تحقيق نصوص التراث العلمي بسبب ما ألمعنا اليه في هذا البحث من صعوبات قد لا يلقاها من يُعنى بتحقيق نصوص في علوم ومعارف أخرى، وقد آن الأوان لتصحيح هذا المسار، وتبديد تلك الفكرة القائلة بتقصير المسلمين في البحث العلمي، فعلوم الطب والرياضيات والهندسة والفلك والأرض والكيمياء والطبيعة وغيرها كانت جميعاً تمثل مجالات اهتماماتهم وبحوثهم وتجاريبهم وتآليفهم، وهو ما تدين له البشرية بكل ما أنجزت من تقدم في العصور التالية. وإن خزائن المخطوطات العديدة في أرجاء الخافقين لمّا تزل بانتظار المحققين الجادّين، ينفظون غبار القرون عن مكنوناتها من تراثنا العلمي الزاهر، ويكشفون بصبرهم في البحث عما أضافت هذه الأمة، إلى الانسانية، من جليل المآثر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ملامح في فن تحقيق المخطوطات
  • نسخة غير معروفة من كشف الظنون يختصرها بغدادي من القرن الثالث عشر
  • مخطوطات إلكترونية!
  • ما يلزم المحقق تجاه نسخ المخطوطات المحولة عن مكتبات حفظها
  • قواعد تحقيق المخطوطات عند صلاح الدين المنجد

مختارات من الشبكة

  • أبلان تدعو للإسهام في تحقيق ودراسة المخطوطات باليمن(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • التحقيقات التي حظي بها كتاب البرهان للإمام الزركشي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كيف تشتري كتابا محققا؟ وكيف تميز بين تحقيق وآخر إذا تعددت تحقيقات النص؟(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التقليد في تحقيق المناط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حاجة كتاب (غاية النهاية) لابن الجزري للتحقيق ، وحاجة التحقيق للتنسيق(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • مخطوطات موريتانيا تراث إنساني يحتاج للحفظ والرقمنة(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • المعين في كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مختصر كتاب سيبويه على وفق تحقيق البكَّاء نشر معهد المخطوطات العربية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نصائح للمشتغلين بتحقيق المخطوطات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تشجير قواعد تحقيق المخطوطات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- ماريكم في تمزيق بعض المحققين لكتب ذات اهمية علمية
السيد/صالح عبدالرحمن البيض - حضرموت / الجنوب العربي 14-06-2014 09:49 AM

وقع نظري في بعض المكتبات بجدة على شرح الخلاصة الألفية للشاطبي الموسوم بالمقاصد الشافية فياللهول من الأغلاط الممتلي بها الكتاب  ولدي الدليل على أكثر من كتاب مخرق وليس محققا ولدي أكثر من صفحة لهذا الكتاب المقاصد الشافية بل به بعض النصوص مفقودة وكل هذا مرجعه اللهاث وراء متابعة الغرب فيما يسنونه من آراء وما كفانا اننا جاريناهم في كثير من المسالك المخدشة لسلوكنا الديني وسوف ارسل لكم بعضا من صفحات الكتاب المذكور للاطلاع على صدق ماكتبته . وتقبلوا خالص تحياتي.


صالح البيض

1- أهنئك
فواز بن عامر - المملكة العربية السعودية 10-11-2013 10:35 AM

أخي الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

لقد استمتعت بكل حرف قرأته،،،

بل رفع ذلك همتي،،،

شكراً لك على الموضوع المميز، والطرح الرائع، والتسنيق المتقن.

أتمنى لك التوفيق في حياتك والفلاح في الدارين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب