الشذرات الشذية على الدرر السنية؛ للشيخ الطيب بن طاهر المصراتي

ملخص الرسالة

الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهد الله فهو المهتد، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومَن سار على نهجه، واتَّبَع سنته إلى يوم الدين.

وبعد:

فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد تَعَبَّدنا بشرعه العظيم، وأوجب علينا أن نعلم علومه، ونَفقَه أصوله وفروعه؛ حتى نقيم على أساسه بناء أمتنا، وصرح مجتمعنا، ولكي نرجع إليه في تقويم معوجنا، وتهذيب نفوسنا، وإصلاح شؤوننا، وتنظيم معاملاتنا.

ولقد قام من قبلُ سلفُنا الصالح بتعبيد طرق الفقه، وتيسير صعابه، وتقسيم أبوابه، وشرح فصوله، وبيان مسائله، وكان ذلك ثقة منهم بأنهم يقومون بفرض من فروض الدِّين، أَوْجَبَهُ الله تعالى عليهم، ويهيئُون للناس معرفة أحكام الله تعالى في عباداتهم ومعاملاتهم، وسائر تصرُّفاتهم المختلفة، وهؤلاء العلماء إنما هم في الحقيقة روَّاد هذه الأمة، ومصابيح الهدى، وقد يسَّر الله لهم السبيل، وذلَّل لهم الصعاب؛ بسبب صدق عزائمهم، وعُلُو هممهم، فزودوا المكتبة الإسلامية بالكُتُب الجامعة والمتنوعة.

ولا شك أنَّ مُدَارَسة التراث الإسلامي الذي تَرَكَهُ لنا هؤلاء الأعلام لازمٌ للأمة الإسلامية في حاضِرها ومستقبلها؛ وبخاصة أن تراثنا هو تراث أمة خالدة، وحضارة عظيمة، أضاءَتْ للإنسانية جَنَبات الحياة، وأمدَّتها بمشعل الحضارة والتقدُّم.

وإذا كان المعيارُ الدقيق والمقياس السليم الذي يُقاس به المستوى الحضاري لأيَّة أمة - كائنة من كانت - هو مدى تمسُّكها بتراثها، واعتزازها بما تركه لها أسلافُها من علوم ومعارف؛ لا سيما ما كان منها يَتَعَلَّق بالجانب الديني؛ فإن المحافظة عليه - حينئذ - تكون من أوجب الواجبات وأقدسها؛ لأن ذلك يُمَثِّل مدى ارتباطها بدينها، وإذا كانت الأمةُ الإسلامية محتاجة إلى هذا النوع من التُّراث في أيِّ عصر منَ العصور، فإنها الآن أحوج من أيِّ عصر مضى؛ لأنها تعيش في عصرٍ طَغَى فيه الجانب المادي على الروحي، فأصبحتِ المادة هي الهدفَ الأسمى، وهي المهيمن والمسيطر.

وإنَّ السبيل الوحيد الذي يكفل لهذه الأمة عزَّها ورقيها وسعادتها هو رُجُوعها إلى دينها، وعودتها إلى تراثها، ومن بين هذا التُّراث "المنظومة الفقهية"، للعالم الفاضل/ أحمد بن حسين البهلول الطرابلسي، المتوفَّى سنة 1113هـ، والموسومة بـ"الدرر السنية لجمع خلاصة العزية"، وهي نظم لمتن المقدمة العزية، للجَمَّاعة الأزهرية لأبي الحسن الشاذلي، وقد تَكَرَّمَ بشرحها والتعليق عليها المرحوم الشيخ الفاضل/ الطيب عثمان بن طاهر المصراتي، وسَمَّى هذا الشرح: "الشذرات الشذية على الدرر السنية".

أسباب اختيار هذا المخطوط:

وكان من الأسباب التي حدَت بالباحث الكريم أن يختار هذا المخطوط بالذات:

1- "أن هذا المخطوط قد مرّت عليه عشرات السنين، لم ير خلالها النور، ولم تصل إليه أيدي الباحثين"، على حد قوله؛ ولذلك رأى أنه "من الواجب القيام بعمل يراعي له حرمته التراثية، ومنزلته العلمية، وذلك بانتشاله من براثن الأرضة، وإنقاذه من عوامل التَّلَف، وغياهب الخزائن إلى نور الوجود، وتقديمه إلى عشاق المعرفة والتراث".

2- إبراز ما لأبناء ليبيا الشقيق من مساهمات ومشاركات متميزة في شتى المعارف والفنون، خصوصًا وأن الشيخ أحمد البهلول (المصنف)، والشيخ الطيب المصراتي (الشارح) - هما من أبناء هذا البلد، ومن العلماء الذين ذاع صيتهم في شرق البلاد وغربها.

3- ربط حاضر بلادنا الإسلامية بماضيها العريق.

4- المساهَمة في حماية تراثنا الحضاري من الضياع؛ حيث يقول الباحث الكريم: "فلو قام أهل كل قطر إسلامي بخدمة تراث أعلامه، وكان بين الجميع تعاوُن يتجافى عن الأهواء أيًّا كان لونها -  لاستطعنا بذلك أن نحميَ تراثنا منَ الضَّياع، وأن نجعل حاضرنا امتدادًا مشرقًا لماضينا التليد".

هيكل البحث

ينقسم البحث إلى قسمين: قسم دراسي، وقسم لتحقيق النص:

أولاً: القسم الدراسي:

ويتكون من فصلين:

الفصل الأول: البهلول والدرر السنية "المصنف والمتن":

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: البهلول "المصنف"، وتناول الحالة السياسية والعلمية في عصره، كما تناول ضبط اسمه ولقبه، وتكلم عن نشأته وشيوخه وتلاميذه، كما حاوَلَ حصر آثاره العلمية، وأثبت تاريخ وفاته، وملابسات تلك الوفاة.

المبحث الثاني: الدرر السنية "المنظومة"، وتناول فيه بالشرح نسبة المنظومة إلى مؤلِّفها، كما حاوَلَ تحرير عنوانها، وتَكَلَّمَ عن سبب تأليفها وقيمتها العلمية، وكيف كان منهج المؤلف في نظمها.

الفصل الثاني: المصراتي والشذرات الشذية "الشارح والشرح":

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: المصراتي "الشارح"، وتناول الحالة السياسية والعلمية في عصر هذا الشارح، كما تناوَلَ ضبط اسمه ولقبه، وتَكَلَّمَ عن نشأته وشيوخه وتلاميذه وبعض رحلاته، محاولاً حصر آثاره العلمية.

المبحث الثاني: الشذرات الشذية "الشرح"، وتناوَلَ البحث في هذا المبحث: نسبة الكتاب إلى مؤلِّفه، وتحرير العنوان، وسبب التأليف، وتاريخه، كما وَصَف المخطوط وصفًا دقيقًا، وعرَّج على أهم المصادر المعتمَد عليها في الشرح، وكيف كان أُسْلوب الكتاب ومنهجه، وختم هذا المبحث ببعض الملاحظات التي له على هذا المخطوط، وبعض نماذج مصورة منه.

ثانيًا: القسم التحقيقي:

كان عمل الباحث في هذا القسم يَتَمَثَّل في:

1- كتابة النص طبقًا للقواعد الإملائية الصحيحة، المتعارف عليها اليوم.

2- عزو الآيات القرآنية الواردة في النص إلى سورها، مع كتابة رقم كل آية، والاعتماد في ذلك على رواية الإمام قالون عن نافع.

3- تخريج الأحاديث النبوية والآثار من مصادرها، مع ذكر آراء العلماء في مدى صحة الحديث أو الأثر، وذلك بالرجوع إلى الكتب المُتَخَصِّصة بذلك ما أمكن، وإثبات رقم الحديث أو الأثر، وعنوان الكتاب والباب إن وجد، وإلا اكتفيت بذكر رقم الجزء والصفحة.

4- ترجمة الأعلام المذكورين في النص.

5- التعريف بالمصطلحات الفقهية التي وردت في النص، والاعتماد في ذلك على الكتب المتخصِّصة بذلك، كـ"الحدود"؛ لابن عرفة، و"التعريفات"؛ للجرجاني، و"الكليات"؛ للكفوي، و"طلبة الطلبة"؛ لنجم الدين الحنفي، وغير ذلك من الكُتُب التي تبحث في هذا المجال.

6- شرح بعض المفردات اللغوية التي تحتاج إلى بيان وإيضاح، والاعتماد في ذلك على المعاجم اللغوية.

7- إرجاع النصوص وأقوال العلماء الواردة في النص إلى أصولها ومصادرها ما أمكن، وإثبات اسم الكتاب والمؤلف، ورقم الجزء والصفحة في الهامش.

8- وضع عنوان لكل مجموعة من الأبيات المشروحة؛ وذلك لأنَّ الشارح - رحمه الله تعالى - اعتمد تقسيم المصنف، فلم يُعَنون للمسائل والجزئيات، وإنما شرع في شرح المجموعة من الأبيات دون أن يعنون لها، وتلك العناوين مما يسهل على القارئ، مع جعل ذلك بين قوسين؛ هكذا: [ ].

9- التعريف بالبلدان والأماكن التي تحتاج إلى تعريف؛ سواء ما كان منها في القسم الدراسي أم التحقيق، والاعتماد في ذلك على "معجم البلدان"؛ لياقوت الحموي، و"معجم البلدان الليبية"؛ للطاهر الزاوي، و"معجم المناسك"؛ لإبراهيم شعيب، و"وصف إفريقيا"؛ للفاسي.

10- عزو الأبيات الشعرية إلى قائلها.

11- ذكر أدلة المسائل الفقهية التي يوردها الشارح أحيانًا بدون دليل، سواء من القرآن الكريم، أم السنة المطهرة، أم أقوال العلماء.

12- وضع الكلمات والأمثلة (العامية) التي يوردها الشارح، ويقصد منها توضيح الفكرة بَيْنَ قوسين هكذا ( )، وعدم التعليق عليها في الهامش.

13- الاقتصار في فهرسة الآيات والأحاديث الشريفة على ما ورد في النص، وعدم التعرُّض إلى فهرسة ما ورد منها في الهامش.

14- وضع فهارس تفصيلية، وتشمل الآتي:

أ- فهرس الآيات القرآنية.

ب- فهرس الأحاديث الشريفة والآثار.

جـ- فهرس الأعلام.

د- فهرس البلدان والأماكن.

هـ- فهرس الأبيات الشعرية.

و- فهرس المصطلحات الفقهية.

ز- فهرس القواعد الفقهية.

حـ- فهرس المصادر والمراجع.

ط- فهرس الموضوعات.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله أولاً وأخيرًا.